أقرأ أيضاً
التاريخ: 20-9-2016
351
التاريخ: 20-9-2016
298
|
ومن جملة القواعد الفقهيّة قاعدة « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ».
فنقول : الرضاع بفتح الراء وكسرها ، وهكذا الرضاعة بالفتح والكسر مصدر رضع عبارة عن امتصاص الثدي أو الضرع أو مطلق شرب اللبن ، سواء أكان منهما أو من غيرهما ، واللبن كان من إنسان أو حيوان.
ثمَّ إنّ الرضاع مثل الولادة يوجب وجود إضافة بين شخصين أو أشخاص ، والإضافة على قسمين : اعتباريّة ومقوليّة ، وذلك لأنّ حقيقة الإضافة عبارة عن نسبة متكرّرة بين شيئين ، بمعنى أنّ النسبة الموجودة في أحد الطرفين بالنسبة إلى الآخر موجودة أيضا في ذاك الطرف الآخر بالنسبة إلى هذا الطرف ، فإن كانت النسبتان الموجودتان في الطرفين من سنخ واحد ، تسمّى تلك الإضافة بالإضافة المتشابهة الأطراف ، كمحاذاة جسم مع جسم آخر ، حيث أنّ لكلّ واحد من الجسمين المتحاذيين نسبة مع الآخر.
والنسبة من الطرفين تسمّى بالمحاذاة أو المقابلة مثلا ، فهما من سنخ واحد ، وإن كانتا من سنخين تسمى تلك الإضافة بمخالفة الأطراف ، كالفوقيّة والتحتيّة.
فحينئذ إن كانت تلك النسبة المتكرّرة غير موجودة في عالم الأعيان ، بل صرف اعتبار اعتبرها العقلاء وأمضاها الشارع ، أو اعتبار من قبل نفس الشارع إحداثا لا إمضاء فقط كالملكيّة والزوجيّة ، فمثل هذه الإضافة تسمّى إضافة اعتباريّة لا حقيقة مقوليّة.
وأمّا إن كانت تلك النسبة خارجيّة حقيقيّة وموجودة في عالم الأعيان ، كالفوقيّة والتحتيّة ، فتسمّى تلك الإضافة إضافة مقوليّة.
والولادة التي هي عبارة عن انفصال قطعة من المني من شخص ، ثمَّ دخولها واستقرارها في رحم شخص آخر ، حتّى يصير بأمر الله جلّ جلاله إنسانا سويّا فتضعها وتنفصل عنها ، توجب حدوث إضافات حقيقيّة ونسب خارجيّة مقوليّة بين شخصين أو أشخاص.
فلتلك القطعة نسبة مع من انفصل عنه تسمّى بالبنوّة ، كما أنّ لمن انفصل عنه هذه القطعة نسبة معها تسمّى بالأبوّة.
وأيضا لتلك القطعة نسبة مع من استقرّت في رحمها أيضا تسمّى بالبنوّة ، كما أنّه لمن استقرّت في رحمها نسبة مع تلك القطعة تسمّى بالأمومة وهكذا في سائر النسب التي تحصل من الولادة كالبنتيّة والأختيّة.
وهكذا العناوين الآخر ، كالجّد ، والجدّة ، والعمّ ، والعمّة ، والخال ، والخالة ، وابن الأخ وبنته ، وابن الأخت وبنتها ، وابن العمّ وبنته ، وابن العمّة وبنتها ، وابن الخال وبنته ، وابن الخالة وبنتها. وموضوع تحريم النكاح بالنسب سبعة من هذه العناوين الحاصلة من الولادة بصريح الآية الشريفة (1) وهي : الأمّهات والبنات ، والأخوات ، والعمّات ، والخالات ، وبنات الأخ ، وبنات الأخت.
والرضاع الذي هو عبارة عن امتصاص الثدي ، أو الضرع ، أو مطلق شرب اللبن ـ كما بيّنّاه ـ أيضا يوجب حدوث إضافات حقيقيّة ونسب خارجيّة مقوليّة مثل الولادة طابق النعل بالنعل ، فالولد الذي ارتضع من ثدي امرأة ، له نسبة مع المرضعة تسمّى بالبنوّة ، كما أنّ للمرضعة أيضا نسبة معه تسمّى بالأمومة ، وأيضا للولد المرتضع نسبة مع زوج المرضعة الذي هو صاحب اللبن تسمّى أيضا بالبنوّة ، كما أنّ لصاحب اللبن نسبة مع الولد المرتضع تسمّى بالأبوّة وهكذا الحال بالنسبة إلى سائر الإضافات التي تحصل من الولادة ، تحصل كلّها من الرضاع أيضا.
وكلّ هذه الإضافات والنسب الحاصلة من الولادة أو من الرضاع خارجيّة حقيقيّة ومقوليّة تكوينيّة ، وليس من الاعتباريات الصرفة التي لا وجود لها في الأعيان أصلا ، بل هي موجودة في الخارج ، سواء أكان في العالم معتبر أو لم يكن.
نعم تسمية تلك الإضافات بتلك الأسماء اعتبارات من الواضعين ، كما هو الحال بالنسبة إلى جميع الألفاظ الموضوعة لمعانيها ، ولذلك تختلف باختلاف الأمم واللغات ، وهذا واضح جدّا.
ثمَّ لا يخفى أنّ الإضافة الحاصلة من الرضاع ليس أضعف من الإضافة الحاصلة من الولادة بتوهّم عدم ترتّب جميع الآثار المترتّبة على الحاصلة من الولادة على الحاصلة من الرضاع ، كالتوارث مثلا.
وذلك من جهة أنّه من الممكن أن يكون وجه عدم الترتّب عدم جعل الشارع إحدى الإضافتين موضوعا مع ترتيبه الأثر على الأخرى بدون أن يكون اختلاف في الإضافتين من حيث الشدّة والضعف ، بل تصوير الاختلاف بالشدّة والضعف في سنخ واحد من الإضافة ـ كالأبوّة أو الأمومة مثلا ـ في الحاصلة من الولادة مع الحاصلة من الرضاع لا يخلو من غموض وإشكال.
ثمَّ إنّ الألفاظ الموضوعة لهذه النسب والإضافات ، كالأب والأمّ وغيرهما هل موضوعة للجامع بين القسمين؟ بمعنى أنّ لفظ الأمّ ـ مثلا ـ موضوع للجامع بين الأمومة الحاصلة من الولادة ، والحاصلة من الرضاع كي تكون آية تحريم نكاح العناوين السبعة ـ أعنى : الأمّهات والبنات والأخوات والعمات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت ـ دالّة على تحريم ما يحصل من هذه العناوين بالرضاع ، كما تدلّ على تحريم ما يحصل منها بالولادة من دون احتياج إلى دليل آخر.
أو مشترك لفظي بينهما ، كي لا تكون دالّة على ذلك ، لأنّ استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد لا يجوز ، وإرادة هذه العناوين الحاصلة من الولادة معلوم من الآية ، فيحتاج ـ تحريم ما يحصل من هذه العناوين من الرضاع ـ إلى دليل آخر غير الآية؟
أو تكون حقيقة في الحاصلة من الولادة ، ومجاز في ما يحصل من الرضاع. وبناء على هذا أيضا تحريم ما يحصل من الرضاع يحتاج إلى دليل آخر؟ احتمالات.
الأقرب هو الأخير ، لأنّ هذا تنزيل شرعيّ ، وإلاّ عند العرف هذه العناوين ظاهرة في الحاصلة من الولادة ، حتّى أنّ الشارع لو لم يجعل الرضاع سببا محرّما لما كان يلتفت العرف إلى هذه العناوين بالنسبة إلى الرضاع أصلا ، خصوصا في ما عدى الأمّ والأخت.
وهو ثلاثة :
الأوّل : الآية الشريفة ، وهي قوله تعالى {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23] .
ولكن في هذه الآية الشريفة لم يذكر ممّا يحرم بالرضاع إلاّ موردين : أمّ الرضاعيّة ، والأخت من الرضاعة ، وأمّا سائر ما يحرم بالنسب ـ كالعمّة والخالة وبنات الأخ وبنات الأخت وغيرها ـ فيستفاد حرمتها من الحديث الشريف المرويّ عن رسول الله صلى الله عليه واله « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » (2).
الثاني : الإجماع ، بل هو من ضروريّات الدين ، ولا خلاف فيه في الجملة بين المسلمين. نعم هناك اختلاف بين الفقهاء في تحقّق الرضاع الشرعي الذي جعل موضوعا لحرمة التزويج من حيث شروط الرضاع ، بعضها يتعلّق بالرضيع ، وبعضها بمدّة الرضاع ، وبعضها بكيفيّة الارتضاع ، وبعضها بالمرضعة ، وسنذكرها وما هو المختار منها إن شاء الله تعالى.
الثالث : الأخبار.
فمنها : النبويّ الذي رواه الفريقان : « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ».
ومنها : ما رواه في الكافي والتهذيب عن عبد الله بن سنان ـ في الصحيح ـ عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سمعته يقول : « يحرم من الرضاع ما يحرم من القرابة » (3).
ومنها : ما رواه في الكافي عن عبد الله بن سنان ـ في الصحيح أو الحسن ـ عن أبي عبد الله عليه السلام : « لا يصلح للمرأة أن ينكحها عمّها ولا خالها من الرضاعة » (4).
ومنها : ما رواه في الكافي والفقيه عن أبي عبيدة الحذاء ـ في الصحيح ـ قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : « لا تنكح المرأة على عمّتها ، ولا على خالتها ، ولا على أختها من الرضاعة » (5).
وقال أمير المؤمنين عليه السلام : « عرضت على رسول الله صلى الله عليه واله ابنة حمزة ، فقال رسول الله صلى الله عليه واله : أما علمت أنّها ابنة أخي من الرضاعة؟ وكان رسول الله صلى الله عليه واله وعمّه قد رضعا من امرأة » (6).
ومنها : ما رواه في الكافي عن عبد الله بن سنان ـ في الصحيح ـ عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سئل وأنا حاضر عن امرأة أرضعت غلاما مملوكا لها من لبنها حتّى فطمته ، هل لها أن تبيعه؟ قال : فقال : « لا ، هو ابنها من الرضاعة ، حرم عليها بيعه وأكل ثمنه » قال : ثمَّ قال : « أليس رسول الله صلى الله عليه واله قال : يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب؟ » (7).
ومنها : ما رواه الشيخ ـ في الصحيح ـ عن الحلبي وابن سنان ، عن أبي عبد الله عليه السلام في امرأة أرضعت ابن جاريتها قال : « تعتقه » (8).
ومنها : ما رواه عن أبي بصير وأبي العباس وعبيد ، كلّهم جميعا عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « لا يملك أمّه من الرضاعة ، ولا أخته ، ولا عمّته ، ولا خالته فإنّهنّ إذا ملكن عتقن ». وقال : « كلّما يحرم من النسب فإنّه يحرم من الرضاع » (9).
ومنها : ما عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال : سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن امرأة أرضعت جارية ، ولزوجها ابن من غيرها ، أيحل للغلام ابن زوجها أن يتزوّج الجارية التي أرضعت؟ فقال : « اللبن للفحل » (10).
ومنها : ما في الحسن عن الحلبي قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : أمّ ولد رجل قد أرضعت صبيّا ، وله ابنة من غيرها ، أيحل لذلك الصبيّ هذه الابنة؟ قال : « ما أحبّ أن أتزوّج ابنة رجل قد رضعت من لبن ولده » (11).
ومنها : ما في الموثّق عن سماعة قال : سألته عن رجل كان له امرأتان ، فولدت كلّ واحدة منهما غلاما ، فانطلقت إحدى امرأتيه ، فأرضعت جارية من عرض الناس أينبغي لابنه أن يتزوّج بهذه الجارية؟ قال : « لا ، لأنّها أرضعت بلبن الشيخ » (12).
ومنها : ما رواه الشيخ ـ في الصحيح ـ عن صفوان بن يحيى ، عن أبي الحسن عليه السلام قال : قلت له : أرضعت أمّي جارية بلبني ، فقال : « هي أختك من الرضاعة ». قال : قلت : فتحلّ لأخ لي من أمّي لم ترضعها أمي بلبنه ، يعني ليس بهذا البطن ولكنّ ببطن آخر؟ قال : « والفحل واحد؟ » قلت : نعم هو أخي لأبي وأمّي قال : « اللبن للفحل صار أبوك أباها وأمّك أمّها » (13).
ومنها : في الصحيح عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل تزوّج امرأة ، فولدت منه جارية ، ثمَّ ماتت المرأة فتزوّج أخرى ، فولدت منه ولدا ، ثمَّ إنّها أرضعت من لبنها غلاما ، أيحلّ لذلك الغلام الذي أرضعته أن يتزوّج ابنة المرأة التي كانت تحت الرجل قبل المرأة الأخيرة؟ قال : « ما أحبّ أن يتزوّج ابنة فحل قد رضع من لبنه » (14).
ومنها : ما عن التهذيب ـ في الموثق ـ عن جميل بن درّاج ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « إذا رضع الرجل من لبن امرأة ، حرم عليه كلّ شيء من ولدها ، وإن كان الولد من غير الرجل الذي كان أرضعت بلبنه ، وإذا أرضع من لبن رجل حرم عليه كلّ شيء من ولده ، وإن كان من غير المرأة التي أرضعته » (15).
ومنها : ما عن الكافي ـ في الصحيح أو الحسن ـ عن الحلبي وعبد الله ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل تزوّج جارية صغيرة فأرضعتها امرأته أو أم ولده قال : « تحرم عليه » (16) .
ومنها : أيضا ما في الكافي ـ في الصحيح أو الحسن ـ عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « لو أنّ رجلا تزوّج جارية رضيعة فأرضعتها امرأته فسد النكاح » (17).
قال : وسألته عن امرأة رجل أرضعت جارية أتصلح لولده من غيرها؟ قال : « لا ». قلت : فنزلت منزلة الأخت من الرضاعة قال : « نعم من قبل الأب » (18).
ومنها : رواية عثمان عن أبي الحسن عليه السلام ، قال : قلت له : إنّ أخي تزوّج امرأة فأولدها فانطلقت فأرضعت جارية من عرض الناس ، فيحلّ لي أن أتزوّج تلك الجارية التي أرضعتها امرأة أخي؟ فقال : « لا إنّه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » (19).
ومنها : رواية مسمع عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : « ثمانية لا يحلّ مناكحتهم ـ إلى أن قال : ـ أمتك وهي عمّتك من الرضاع ، أمتك وهي خالتك من الرضاع » (20).
ومنها : روايته الأخرى عنه عليه السلام قال : « عشر لا يجوز نكاحهن ـ إلى أن قال : ـ أمتك وهي عمّتك من الرضاعة ، أمتك وهي خالتك من الرضاعة » (21).
ومنها : رواية مسعدة بن زياد عن أبي عبد الله عليه السلام : « يحرم من الإماء عشر : لا يجمع بين الأمّ والبنت ، ولا بين الأختين ـ إلى أن قال : ـ ولا أمتك وهي عمّتك من الرضاعة ، ولا أمتك وهي خالتك من الرضاعة ، ولا أمتك وهي أختك من الرضاعة » (22).
ومنها : صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام في رجل فجر بامرأة أيتزوّج أمّها من الرضاعة أو بنتها؟ قال : « لا » (23).
قال في الحدائق : ومن هذه الصحيحة يستفاد أنّه لو لاط بغلام حرمت عليه أمّه وأخته وبنته من الرضاع ، كما يحرمن من النسب تحقيقا لفرعيّة الرضاع على النسب ، كما دلّت عليه هذه الأخبار (24).
وأنت إذا تدبّرت وتأمّلت في هذه الأخبار وفي الآية الشريفة (25) عرفت أنّ هذه الأخبار أغلبها ، وكذلك الآية الشريفة ليست وافية بجميع ما يحرم بالرضاع وشاملة لجميع فروعها ، إلاّ قوله صلى الله عليه واله : « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » وهكذا قوله عليه السلام : « يحرم من الرضاع ما يحرم من القرابة » الذي هو أيضا بمعنى الأوّل ، فإنّ هذا الكلام الشريف يشمل جميع موارد الرضاع وفروعه ، إلاّ ما شذّ ممّا ورد فيه دليل خاصّ في مورد مخصوص ، كما سنذكره فيما سيأتي إن شاء الله.
وذلك من جهة أنّ الآية الشريفة لم يذكر فيها إلاّ الأمّهات من الرضاعة والأخوات منها.
وأمّا الأخبار فكذلك لم يذكر في أغلبها إلاّ بعض موارد التحريم بالرضاع.
وأمّا قوله صلى الله عليه واله : « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » قضيّة كلّية ، مفادها أنّ كلّ عنوان من العناوين السبعة المعروفة ، أو من غيرها التي توجب حرمة نكاح المرأة إذا كان حاصلا من النسب ، فذلك العنوان بعينه يوجب حرمة النكاح إذا كان حاصلا من الرضاع ، مثلا الأمومة إحدى تلك العناوين التي توجب حرمة نكاح الأمّ على ابنها إذا كانت حاصلة من النسب ـ أي : الولادة ـ فهذا العنوان بعينه إذا كان حاصلا من الرضاع أيضا يوجب الحرمة.
فمن النسب يحرم عنوان الأمّ والبنت والأخت وغيرها من العناوين المحرّمة بوجوداتها السارية في جميع مصاديقها ، فكذلك تحرم نفس هذه العناوين أيضا الحاصلة من الرضاع بوجوداتها السارية ، فلا حاجة إلى تقدير لفظة « المثل » أو « النظير » بأن يقال : يحرم من الرضاع نظير ما يحرم من النسب ، كما صنعه شيخنا الأعظم في رسالته المعمولة في الرضاع (26) مع اعترافه بأنّ ظاهر هذا الحديث الشريف هو أنّ عين ما يحرم بالنسب يحرم بالرضاع.
نعم لو كان المراد بالموصول في قوله صلى الله عليه واله : « ما يحرم بالنسب » النساء الخارجيّات المعنونات بهذه العناوين ، فلا بدّ حينئذ من التقدير ، ولكن هذا خلاف ظاهر اللفظ ، لأنّ ظاهره ـ كما ذكرنا ـ أنّ نفس العناوين التي تحرم من النسب ، تحرم أيضا إذا كانت من الرضاع.
إن قلت : قد تكون الحرمة من جهة المصاهرة الشرعيّة كأمّ الزوجة أو بنتها مع الدخول ، بها ، من جهة الزنا كأمّ المزني بها وبنتها ، أو من جهة الإيقاب كأمّ الغلام الموقب وأخته وبنته ، مع أنّ كل هذه المذكورات تحرم إذا كانت هذه العناوين حاصلة من الرضاع ، فالأمّ الرضاعيّة للزوجة ، وبنتها الرضاعية مع الدخول بها ، والأمّ والبنت الرضاعيّتان للمزني بها ، والأمّ والأخت والبنت الرضاعيّات للموقب تحرم هذه كلّها ، مع أنّ الحرمة آتية من ناحية المصاهرة والزنا والإيقاب لا النسب ، فيحتاج حرمة هذه المذكورات إلى دليل غير هذا الحديث الشريف.
قلت : إنّ في حرمة أمّ الزوجة على الزّوج ـ مثلا ـ إذا كانت الأمومة حاصلة من النسب جهتين:
إحديهما : المصاهرة ، ولأجل ذلك عدّها الفقهاء في المحرّمات بالمصاهرة ، إذ لو لم يكن بين هذا الرجل وهذه المرأة مصاهرة لما كان يحرم عليه أمّها.
ثانيهما : النسب ، أي نسبة الأمومة التي بين الزوجة وأمّها. فهذه النسبة أيضا دخيلة في حرمة أمّ الزوجة على الزوج ، إذ لو لم تكن بين الزوجة وتلك التي نسمّيها أمّها نسبة ، بل كانت أجنبيّة عنها لما كانت تحرم على الزوج. فثبت أنّ هناك جهتان يمكن إسناد الحرمة إلى مجموع الجهتين ، ويمكن إسنادها إلى كلّ واحدة منهما.
وأمّا عدّها الفقهاء في المحرّمات بالمصاهرة ، فلأجل مقابلتها مع ما هو علّة الحرمة متمحّض في النسب ، كالعناوين السبعة المعروفة ، لا أنّ علّة الحرمة فيها منحصرة في المصاهرة كما توهّم.
وهكذا الحال في أمّ المزني بها وبنتها وأمّ الموقب وأخته وبنته ، ففي كلّ من هذه أيضا جهتان : ففي الأوّل جهة الزنا وجهة النسب ، وفي الثاني جهة الإيقاب وجهة النسب ، ويصحّ إسناد الحرمة إلى كلّ واحدة من الجهتين ، كما يصحّ إسنادها إلى مجموعهما.
فالحديث الشريف يشمل جميع هذه الموارد ، لصدق أنّ الحرمة في هذه الموارد من جهة النسب ، وإن كان يصدق أيضا أنّها من جهة المصاهرة أو الزنا أو الإيقاب.
ولا دليل على أنّ شمول الحديث لا بدّ وأن يكون في مورد تكون النسب علّة تامّة منحصرة للتحريم ، بل ظاهره أنّ في كل مورد تكون العلاقة الحاصلة من النسبة دخيلة في الحرمة ، تكون تلك العلاقة إذا كانت حاصلة من الرضاع تقوم مقام العلاقة الحاصلة من النسب.
فلو كان موضوع الحرمة مركّبا من أمرين : أحدهما الإضافة الحاصلة من النسب ، وبوجودها وحدها لا يترتّب الحكم ، بل لا بدّ من وجود الجزء الآخر وهو ثانيهما ، كذلك تلك الإضافة وحدها لو حصلت من الرضاع لا توجب ثبوت الحكم ، بل لا بدّ من وجود الجزء الآخر ، أي المصاهرة ، أو الزنا ، أو الإيقاب.
نعم هذا الحديث الشريف لا يشمل العناوين الملازمة للعناوين النسبيّة المحرّمة ـ كما توهّم ـ ويسمّونها بعموم المنزلة ، لأنّ ظاهره هو أنّ نفس هذه العناوين التي توجب تحريم المعنون بها الحاصلة من النسب توجب التحريم أيضا ، إذا كانت حاصلة من الرضاع ، لا الملازم لها ، فأمّ الأخ النسبي ملازم لأحد العنوانين الذين كلّ واحد منهما يوجب التحريم ، وهما : أمّ الإنسان وزوجة أبيه ، وكلتاهما محرّمتان عليه ، ومع ذلك عنوان أمّ الأخ ليس من العناوين المحرّمة. وسيأتي تفصيل هذه المسألة وما يقول القائل بعموم المنزلة وما يقول من يخالفه.
ثمَّ إنّه لا يتوهّم : أنّ المراد من النسب هي النسبة التي بين المحرم والمحرّم عليه كي لا تشمل المذكورات ، لأنّه لا نسبة بين الرجل وأمّ زوجته ، أو بين الزاني وأم المزني بها ، أو بين الموقب وأمّ الغلام الموقب مثلا ، لأنّه لا وجه لهذا التقييد ، بل ظاهر الحديث ـ كما ذكرنا ـ هو أنّ كلّما كانت النسبة سببا للحرمة ، بأن تكون تمام الموضوع أو جزء للموضوع إذا كانت حاصلة من الولادة ، فيقوم مقامها عين تلك النسبة إذا كانت حاصلة من الرضاع ، سواء أكانت النسبة النسبيّة بين المحرّم والمحرّم عليه ، كالعناوين السبعة المعروفة ، أو كان بين شخصين آخرين ، كالنسبة التي بين الزوجة وأمّها ، أو بين المزني بها وأمّها ، أو بين الغلام الموقب وأمّها.
فيما إذا شكّ في الرضاع من جهة الشبهة المفهوميّة أو المصداقيّة ، فتارة نتكلّم من حيث الرجوع إلى الإطلاق ورفع الشكّ بها ، وأخرى من جهة الرجوع إلى الأصول العمليّة.
ومعلوم أنّه مع إمكان رفع الشكّ بالإطلاقات لا يبقى مجال للرجوع إلى الأصول العمليّة ، لحكومة الأصول اللفظية عليها.
أمّا التكلم من الجهة الأولى :
فنقول : إنّه فرع أن يكون هناك إطلاق في البين ، وهو متفرّع على أن يكون الرضاع الموجود في الأدلّة العامّة هو ما يكون عند العرف رضاعا ، وإلاّ لو كان معنى شرعيّا ـ استعمل لفظة « الرضاع » فيه مجازا أو بوضع آخر ـ فلا يمكن التمسّك بالإطلاق اللفظي ، لأنّ العرف لا طريق له إلاّ بيان الشارع في فهم مراده ، فإذا شككنا في اشتراط الرضاع بشرط ، أو تقيّده بقيد في الشبهة المفهوميّة فليس إطلاق في البين حتّى يرفع هذا الشكّ.
نعم لا بأس بالتمسّك بالإطلاق المقامي ، وهو أنّ الشارع بصدد بيان تمام ما له دخل في حكمه ، أي الحرمة في هذا المقام ، فلو كان شيء آخر غير المذكورات له دخل ، كان عليه البيان.
وقد بيّنّا نظير ذلك في الأصول في باب الصحيح والأعمّ بالنسبة إلى لفظة « الصلاة » بناء على وضعه للصحيح.
وأمّا الشبهة المصداقيّة ، فلا يمكن التمسّك لرفعها بالإطلاق على كلّ حال ، سواء أكان لفظة « الرضاع » المستعمل في الأدلّة بمعناه العرفي ، أم لا ، لأنّه من قبيل التمسّك بالعامّ لما هو مشكوك المصداقيّة له ، وهذا من قبيل إثبات الموضوع بالحكم ، وهو غير معقول.
والظاهر : أنّ لفظ « الرضاع » في الروايات العامّة لم يستعمل إلاّ فيما هو المراد منه عند العرف ، غاية الأمر أنّ الشارع جعله موضوعا لحرمة النكاح مقيّدا بقيود.
وذلك من جهة أنّ الرضاع في اللغة ولو كان بمعنى مطلق الامتصاص أو الشرب ولو كان مرّة ومقدارا قليلا من اللبن ، ولكن المتفاهم العرفي منه لا يبعد أن يكون الشرب مدّة من الزمن حدّده الشارع بكذا ، مثل السفر والإقامة وغيرهما من الأمور المتكممة عند العرف والشرع ، وإن كان التحديد الشرعي ربما يكون أوسع ممّا عند العرف ، وربما يكون أضيق.
فتلخّص ممّا ذكرنا : أنّه يمكن التمسّك بالإطلاق اللفظي مثل الإطلاق المقامي لرفع الشكّ فيما شكّ في شرطيّته وفي مدخليّته في الرضاع المحرّم.
ثمَّ إنّه هل يمكن تنقيح موضوع الرضاع الذي جعله الشارع محرّما ـ بعد الفراغ عن أنّ الشيء الفلاني مثلا شرط له ـ بالاستصحاب؟ مثلا بعد الفراغ عن أنّ الحياة شرط في المرضعة ، فإذا شككنا في حياتها فهل يمكن إثبات الموضوع المترتّب عليه الحرمة باستصحاب الحياة ، أم لا؟
والظاهر : أنّه لا مانع من إثباته به ، لأنّ الظاهر من الأدلّة أنّ الموضوع مركّب من شرب اللبن مع هذه القيود والشروط ، فيكون من قبيل الموضوعات المركّبة التي أحرز بعضها بالأصل ، وبعضها الآخر بالوجدان ، لا أنّ الموضوع للحرمة عنوان بسيط متحصّل من هذا المركّب الخارجي ، مثل الطهارة الحاصلة من الغسلات والمسحات في باب الوضوء ، بناء على أنّها من هذا القبيل ، كي يكون الاستصحاب مثبتا بالنسبة إلى حصول ذلك العنوان.
هذا كلّه فيما إذا كان المرجع هي الإطلاقات.
وأمّا إذا لم يكن إطلاق في البين ، ووصلت النوبة إلى الأصول العمليّة ، فالشبهة إمّا حكميّة وإمّا موضوعيّة مصداقيّة.
فالأوّل ـ أي الشبهة الحكميّة ـ كما إذا شككنا في اعتبار شيء فيه شرعا ، ولم يكن إطلاق نتمسّك به إمّا لعدم كون مفهوم الرضا الذي جعله الشارع موضوعا لحرمة النكاح مفهوما عرفيّا ، والمفهوم الشرعي غير معلوم على الفرض ، للشكّ في اعتبار هذا الشيء مثلا فيه. وإمّا من جهة عدم إحراز كون الشارع في مقام البيان في الأدلّة العامّة ، وأيضا لم يكن إطلاق مقامي في البين ، وإلاّ لا تصل النوبة إلى الأصول العمليّة.
وأنت خبير بأنّ كلّما ذكرنا صرف فرض ، وإلاّ من الواضح أنّ الرضاع بماله من المفهوم العرفي أخذ موضوعا للحكم الشرعي ، ومعلوم أنّ الشارع بصدد بيان تمام ما له دخل في الحرمة ، وعلى فرض عدم تماميّة هذين لا إشكال في وجود الإطلاق المقامي ، فلا تصل النوبة إلى الأصول العمليّة في الشبهة الحكميّة أصلا.
ولكن مع ذلك لو فرضنا الوصول إلى تلك المرتبة ، فربما يتوهّم جريان حديث الرفع لرفع شرطيّة ما هو مشكوك الشرطيّة للرضاع المحرم ، أو جزئيّة ما هو مشكوك الجزئيّة. أو قيديّة كلّ ما يحتمل أن يكون قيدا.
وفيه : أنّ حديث الرفع وإن كان يجري لرفع جزئيّة مشكوك الجزئيّة ، وشرطيّة مشكوك الشرطيّة ـ كما حقّقناه في الأصول ـ إلاّ أنّه حيث كان في مقام الامتنان ، فلا يجري إلاّ في ما كان في رفعه منّة على الأمّة ، وها هنا جريانه ضد الامتنان ، لأنّه يلزم أوّلا من جريانه ثبوت الحرمة حتّى في فاقد المشكوك الشرطيّة ، وفي فاقد المشكوك الجزئيّة. وثانيا أنّ كون الفاقد موضوعا مشكوك ، وإثباته بإجراء حديث الرفع من الأصل المثبت.
وأمّا جريانه في مشكوك الموضوعيّة بأن يقال : موضوعيّة مشكوك الموضوعيّة غير معلوم فمرفوع ، فعلى فرض صحّته ينتج عكس المقصود ، لأنّ مشكوك الموضوعيّة هو الفاقد لذلك الجزء أو الشرط المشكوك ، فينتج مدخليّة المشكوك في الموضوع وشرطيّته له.
وأمّا استصحاب عدم جزئيّة جزء المشكوك ، أو شرطيّة شرط المشكوك ، فليس له حالة سابقة ، والعدم المحمولي مثبت بالنسبة إلى الآخر النعتي.
وأمّا استصحاب عدم تحقّق ما هو الموضوع للتحريم عند الشارع بالمعنى العدم النعتي ، ليس له حالة سابقة ، والعدم المحمولي وإن كان لا مانع من جريانه لكن مثبت.
وأمّا استصحاب عدم الحرمة ـ بأن يقال : بأنّ هذه المرأة لم تكن محرّمة على هذا الولد قبل أن يرتضع منها عشر رضعات ، وبعد ارتضاعه منها هذا المقدار نشكّ في التحريم أو حصول الأمومة مثلا ، فنستصحب عدم تحقّقهما ، أي التحريم والأمومة مثلا فلا بأس به.
وأمّا ما ربما يتوهّم : من أنّها قبل وقوع العقد عليها كانت أجنبيّة ومحرّمة عليه لأنّها أجنبيّة ، وبعد العقد نشكّ في حصول الزوجيّة وحلّية الوطي وسائر آثار الزوجيّة مثلا ، فنستصحب تلك الحرمة ، أو عدم حصول الزوجيّة ، أو عدم تلك الآثار.
ففيه : أنّ الاستصحاب الأوّل حاكم على هذا الاستصحاب ، لأنّ الشكّ في بقاء عدم الزوجيّة ـ وكونها أجنبيّة ـ مسبّب عن صيرورتها بهذا المقدار من الرضاع ـ مثلا ـ معنونة بأحد العناوين المحرّمة ، وبعد جريان الاستصحاب في عدم حصول أحد هذه العناوين ، لا يبقى مجال لهذا الشكّ أصلا ويرتفع تعبّدا ، وهذا معنى الحكومة. هذا كلّه في الشبهة الحكميّة.
وأمّا الشبهة الموضوعيّة المصداقيّة ، أي : الثاني من قسمي الشبهة ، فإن لم يكن أصلا موضوعيّا في البين ينقّح موضوع المشتبه ، ووصلت النوبة إلى الأصل الحكمي ، وذلك لأنّ الأصول الجارية في الموضوعات حاكمة على الأصول الجارية في أحكامها ، فمقتضى الأصل الحكمي هي حلّية المرأة المشتبهة حلّيتها وحرمتها ، وهو قوله عليه السلام : « كل شيء هو لك حلال حتّى تعلم أنّه حرام بعينه » (27).
إلاّ أن يقال بعدم جريان أصالة الحلّ في مثل هذه الشبهة أيضا ، لاهتمام الشارع بحفظ الأعراض وباب الفروج والدماء.
ولكن ذيل رواية مسعدة بن صدقة التي يقول فيها الإمام عليه السلام : « أو امرأة تحتك وهي أختك أو رضيعتك ، والأشياء كلّها على هذا حتّى يستبين أو تقوم به البيّنة » ينفي هذا الاحتمال.
اللهمّ إلاّ أن يقال بوجود الأصل الموضوعي في مورد الرواية ، وهو أصالة عدم تحقّق العلاقة والإضافة الأختيّة بينه وبينها ، نسبيّة أو رضاعيّة ، فتكون حلّيتها من جهة تنقيح موضوعها وإخراجه عن موضوع الحرمة تعبّدا.
وأمّا الأصول الموضوعيّة في الشبهة المصداقيّة فمختلفة هي ومواردها وآثارها جدّا باعتبار المشكوك ومنشأ الشكّ.
وعلى كلّ حال لا يبقى مجال لجريان الأصل الحكمي بعد جريانها ، لما ذكرنا من حكومتها عليها وإدخالها للموضوع تحت موضوع الحرمة أو الحلّية تعبّدا ، فيرتفع الشكّ تعبّدا ، فمثلا لو شككنا في حياة المرضعة وقلنا إنّ موضوع حرمة النكاح مركّب من الارتضاع من ثدي المرأة ، وكون المرأة حيّة ، لا أنّه أمر بسيط مسبّب عن هذه الأمور ، فباستصحاب بقاء الحياة يثبت الموضوع ، فيحكم بالحرمة ، فلا يبقى مجال لجريان أصالة الحلّ ، لعدم بقاء الموضوع له تعبّدا.
وكذا لو شككنا في أنّ اللبن من نكاح ووطي صحيح أم لا؟ فبجريان أصالة الصحّة في العقد يثبت النكاح الصحيح ويرتفع الشكّ.
وقد يكون الأصل الموضوعي موجبا لرفع موضوع الحرمة ، كما هو الحال في أغلب موارد الشكّ والشبهة المصداقية ، لأنّ استصحاب عدم حصول أحد هذه العناوين السبعة ـ من المشكوك الرضاعيّة ـ يكفي غالبا لارتفاع موضوع الحرمة ، إلاّ أن يكون أصلا جاريا في طرف الموضوع ، أعني نفس الرضاع مع شرائطها وقيودها يكون موجبا لإحرازها ، أو إحراز البعض المركّب منه ومن غيره ، فيكون حاكما على هذا الأصل ، أعني أصالة عدم حصول أحد هذه العناوين.
وحاصل الكلام في هذا المقام : أنّ الأصل الحكمي بحسب طبعه الأوّلي هي الحلّية ، لو لم يكن مخصّصا بالإجماع على الاحتياط في باب الفروج في الشبهات المصداقيّة ، والأصل الموضوعي حاكم عليه مطلقا ، سواء أكان موافقا له أو كان مخالفا له.
والأصول الجارية في الموضوع غالبا تكون رافعة لموضوع الحرمة ، وقد تكون في الموارد القليلة موجبة لإثبات موضوع الحرمة ، وذلك في كلّ مورد يكون الأصل الموضوعي مثبتا لبعض أجزاء الموضوع المركب ، أو بعض شرائطه وقيوده ، ويكون البعض الآخر من ذلك الموضوع المركّب محرزا بالوجدان ، كي يكون الموضوع المركّب بعضه محرزا بالأصل ، وبعضه بالوجدان.
هذا تمام الكلام في حكم الشكّ في تحقّق الرضاع مفهوما ومصداقا من حيث الرجوع إلى الإطلاقات ، ومن حيث الرجوع إلى الأصول العمليّة.
وهي أمور :
[ الشرط ] الأوّل : يشترط أن يكون اللبن عن نكاح صحيح ، أي وطي غير محرّم ، فإذا كان عن الفجور بامرأة فلا يكون محرّما وموجبا لنشر الحرمة قطعا إجماعا بقسميه كما عن الجواهر. (28) وقد حقّقنا في الأصول عدم حجّية مثل هذه الإجماعات التي لها مدرك بل مدارك من الأخبار.
فالعمدة في دليل هذا الحكم قوله عليه السلام فيما رواه دعائم الإسلام عن علي عليه السلام : أنّه قال : « لبن الحرام لا يحرّم الحلال ، ومثل ذلك امرأة أرضعت بلبن زوجها ثمَّ أرضعت بلبن فجور. قال : ومن أرضع من فجور بلبن صبيّة لم يحرم من نكاحها ، لأنّ اللبن الحرام لا يحرم الحلال » (29).
وقد ورد بهذه الجملة تعليلا لعدم حرمة الحلال بالحرام في موارد عديدة ، وعلى فرض عدم اعتبار ما يتفرّد به دعائم الإسلام هناك روايات معتبرة دالّة على أنّ اللبن الذي يوجب الارتضاع منه نشر الحرمة لا بدّ وأن يكون عن وطي صحيح ، بأن تكون زوجته بالعقد الدائم أو المنقطع ، أو تكون ملكا للواطي ، أو تكون محلّلة له من قبل المالك مع اجتماع شرائط التحليل ، فما ليس عن وطى كما لو درت بدون وطي أصلا لا يوجب الحرمة فضلا عن أن يكون بوطي محرّم مثل الحيض والمحلوفة على ترك وطيها وعن الزنا.
ومن تلك الأخبار ما رواه في الكافي عن يونس بن يعقوب ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن امرأة درّ لبنها من غير ولادة ، فأرضعت جارية وغلاما من ذلك اللبن ، هل يحرم بذلك اللبن ما يحرم من الرضاع؟ قال : « لا ». (30) ورواه الصدوق بإسناده عن ابن أبي عمير ، عن يونس بن يعقوب مثله (31).
وما رواه الشيخ عن يعقوب بن شعيب قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام امرأة درّ لبنها من غير ولادة ، فأرضعت ذكرانا وإناثا ، أيحرم من ذلك ما يحرم من الرضاع؟ فقال لي : « لا » (32).
وما رواه الشيخ أيضا في الصحيح عن عبد الله بن سنان قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن لبن الفحل؟ قال : « هو ما أرضعت امرأتك من لبنك ولبن ولدك ولد امرأة أخرى فهو حرام » (33).
وما رواه في الكافي عن بريد العجلي في حديث قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول رسول الله صلى الله عليه واله : « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » فسّر لي ذلك؟ قال :
فقال عليه السلام : « كلّ امرأة أرضعت من لبن فحلها ولد امرأة أخرى من جارية أو غلام ، فذلك الذي قال رسول الله صلى الله عليه واله » الحديث (34).
ويظهر من هذه الروايات : أنّ الرضاع المحرّم لا بدّ له من أمرين :
أحدهما : أن يكون عن ولادة.
ثانيهما : أن يكون اللبن لبن فحل المرأة شرعا ، فلو درّ لبنها عن غير ولادة لا يكون محرّما ، فضلا عن أن يكون اللبن من ذكر أو خنثى المشكل ، ولو لم يكن من فحل المرأة شرعا أيضا لا يكون محرّما.
أمّا الأمر الأوّل ، فلقوله عليه السلام « لا » في جواب من قال : امرأة درّ لبنها من غير ولادة أيحرم؟ إلخ.
وأمّا الثاني ، فلقوله عليه السلام ـ في تفسيره قوله رسول الله صلى الله عليه واله يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ـ « كلّ امرأة أرضعت من لبن فحلها ولد امرأة أخرى من جارية أو غلام فذلك الذي قال رسول الله صلى الله عليه واله ».
ولفظة « الفحل » في هذه الروايات وإن كان ظاهرا في الزوج ، سواء أكان حصول الزوجيّة بالعقد الدائم أو المنقطع ، ولكن لا يبعد كونه كناية عن الوطي الشرعي المحلّل مقابل الزنا ، فيشمل الملك والتحليل ، بل وطي الشبهة إن كان المراد من الوطي المحلّل المحلّل ظاهرا وإن كان حراما واقعيّا.
ولكن الأخير لا يخلو عن إشكال ، لبعد أن يكون المراد من هذه اللفظة هو الوطي الحلال ، ولو كان حلالا ظاهريا.
وعلى كلّ حال هذه الروايات تدلّ على أنّ اللبن الناشئ من الزنا لا يكون محرّما ، كما أنّها تدلّ على أنّ لبن الحاصل من الوطي الحلال واقعا سواء أكان حلّيته من جهة أنّ الواطي زوج أو مالك أو محلّل عليه من قبل المالك. نعم في شمولها للوطي بالشبهة إشكال كما ذكرنا.
وأمّا قوله عليه السلام ـ فيما رواه في الصحيح ـ [ عن ] عبد الله بن سنان « هو ما أرضعت امرأتك » محمول على الغالب ، وإنّ هذه اللفظة أيضا مثل لفظة « فحلها » كناية عن الوطي الشرعي الصحيح ، وعبّر عن هذا المعنى بامرأتك لأنّ غالب الوطي الصحيح الحلال واقعا يكن مع امرأته في أغلب الأشخاص ، وفي أغلب الأعصار والأمصار.
بقي الكلام في الوطي بالشبهة ، وأنّه هل ملحق بالوطي الصحيح من جهة حلّيته الظاهريّة ، أو ملحق بالزنا من جهة حرمته الواقعية؟
فيه وجهان :
قد يقال بأنّ عمومات التحريم ومطلقاته أنّه خصّصت أو قيّدت ـ بما ذكر في جملة من الروايات من أن يكون اللبن ـ بعنوان لبن امرأتك ، أو عنوان أن يكون لبن فحلها ، وهذان العنوانان لا ينطبقان على الوطي بالشبهة.
وقد أجبنا عن هذا بأنّ هذين العنوانين يمكن أن يكونا كنايتين عن الوطي الصحيح الشرعي.
ولا يرد على هذا التوجيه ما ذكره شيخنا الأعظم من أنّه لو بنينا على ورود التقييد مورد الغالب لينسدّ باب الاستدلال على اعتبار كثير من الشروط ، لتطرّق هذا الاحتمال في كثير منها إن لم يكن في جميعها (35).
وذلك لأنّ المتبع هي الظهورات ، ولا شكّ في أنّ القيود تختلف بحسب ظهورها ، وليست على نسق واحد ، وحيث أنّ المشهور ذهبوا إلى الإلحاق بالزوجة وما في حكمها في نشر الحرمة ، وإن تمسّك بعضهم بوجوه استحسانيّة لا يخرج عن كونها قياسا باطلا ، إلاّ أنّ فهمهم ممّا يؤيّد هذا الوجه الذي ذكرنا في المراد من هذين العنوانين ، ولا أقلّ من الإجمال ، فيكون المرجع هي العمومات والإطلاقات.
وأمّا دعوى انصراف العمومات والإطلاقات عن الوطي بالشبهة ، فدعوى بلا بيّنة ولا برهان.
ثمَّ إنّ في نشر الحرمة بالارتضاع من الخنثى المشكل إشكال ، لأنّ حصول الولد لها من الوطي الصحيح الشرعي الذي من شرائط نشر الحرمة بناء على عدم وجود طبيعة ثالثة من أمارات أنّه امرأة ، فليس من الخنثى المشكل ، والخنثى المشكل تصوير الوطي الصحيح في حقّه مشكل ، إلاّ أن يكون الوطي بالشبهة ، فيكون فيه جهتان من الإشكال : من جهة كونه خنثى ، ومن جهة أنّ وطيها وطي بالشبهة.
وفي الجواهر استدلّ على العدم بقول الباقر عليه السلام : « لا يحرم الرضاع أقلّ من يوم وليلة ، أو خمس عشرة رضعة متواليات من امرأة واحدة » (36).
فإحراز كون المرضعة امرأة لازم ، وفي الخنثى المشكل لا طريق إلى ذلك حسب الفرض ، وإلاّ ليس بمشكل.
ولكن وفيه ما ذكرنا من ورود هذه الألفاظ مورد الغالب.
وها هنا فروع :
الأوّل : هل يشترط في نشر الحرمة بقاء المرأة في حبال الرجل إلى تمام الرضاع بحيث لو طلّقها قبل ذلك ، أو مات عنها قبل أن يتمّ الرضاع لا يكن الرضاع محرّما ، أو لا؟ وجهان.
وقد ادّعى الإجماع على عدم لزوم البقاء ، وقد بيّنّا حال هذه الإجماعات ، فلا نعيد.
وجه الاشتراط هو قوله عليه السلام في الروايات السابقة في تفسير الرضاع « هو ما أرضعت امرأتك » والمشتقّ ليس حقيقة فيما انقضى المبدأ عنه ، فلا يصدق على المطلّقة والمتوفّى عنها زوجها هذا العنوان.
وأمّا عنوان « فحلها » الذي في بعض الروايات الأخر فيصدق حتّى مع الطلاق وأن يتوفّى عنها زوجها.
ويرد [ على ] هذا الوجه ما بيّنّا سابقا ، من أنّ هذا العنوان ليس المراد منه إلاّ الوطي الصحيح الشرعي ، وهذا المعنى لا منافاة له مع هذين كما هو واضح ، إذ الموت والطلاق لا يقطعان نسبة اللبن عنه ، وأيضا لا فرق بين أن يرتضع في العدّة أو بعد تماميّتها.
نعم بناء على اعتبار كون الرضاع المحرّم في الحولين ، يلزم أن لا يكون خارجا عن الحولين ، ومن هذه الجهة لا فرق بين أن يكون قبل الطلاق والوفاة أو بعدهما ، وكذلك لا فرق بين أن يكون في العدّة ، أو في خارجها ، لأنّ هذا شرط آخر في الرضاع معتبر بدليل آخر.
الثاني : في أنّها لو تزوّجت بعد أن طلّقها أو مات عنها ، فإذا لم تجعل من الثاني فالحكم كما لو لم تتزوّج ، لأنّ صرف تزوّجها لم يمنع عن استناد اللبن إلى زوجها الأوّل.
وأمّا لو جعلت من الثاني فتارة يكون اللبن مستمرّا وبحاله من دون انقطاع ولا زيادة ولا نقيصة ، فالظاهر أنّه من الأوّل ، وإن كان من الممكن عقلا أن يكون من الثاني بقاء ، أو يكون للثاني أيضا له دخل ، بناء على أنّ الحمل قبل الوضع أيضا ربما يوجب درّ اللبن ، وإن كان كلّ هذه احتمالات وفروض ووقوعها مستبعد جدّا. وأخرى ينقطع ويعود أو ينقص ويزيد.
فربما يتخيّل أنّه بعد الازدياد يكون المقدار الزائد للثاني ، وهكذا بعد الانقطاع تمام ما عاد للثاني ، وإلاّ فلا وجه للنقص ثمَّ الزيادة ، أو الانقطاع ثمَّ العود ، إلاّ أن يكون المنشأ هو الحمل.
ولكن أنت خبير بأنّ هذه احتمالات ليس لها أساس متين ، ولم يدلّ دليل على حجّية هذه الظنون ، مضافا إلى أصالة عدم حدوث لبن آخر مستندا إلى سبب آخر.
نعم بعد الوضع لا يبقى مجال لهذا الاستصحاب ، إذ الظاهر حينئذ أنّ اللبن غذاء الطفل المتولّد ، وقد ادّعى الإجماع على الأمرين : أي : أنّ اللبن قبل الوضع للزوج الأوّل ، وبعده للثاني.
الشرط الثاني : كمّية الرضاع.
أجمعت الإماميّة على أنّ للرضاع المحرّم تقدير ، ولا يكفي فيه مسمّى الرضاع ولو بمثل ما فطر به الصائم.
نعم ذهب إلى ذلك جمع كثير من العامّة ، كأبي حنيفة (37) ومالك (38) والأوزاعي (39) والثوري (40) والبلخي (41) والليث (42) ، حتى الأخير منهم ادّعى إجماع أهل العلم على نشر الحرمة بمثل ما يفطر به الصائم ، مع أنّ أكثرهم قائلون بالتقدير.
نعم ذهب القاضي نعمان المصري صاحب « دعائم الإسلام » إلى مقالتهم ، لما رواه في ذلك الكتاب عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال : « يحرم من الرضاع قليله وكثيرة المصة الواحدة تحرم » (43).
ثمَّ قال في محكي الجواهر : وهذا قول بيّن صوابه لمن تدبّره ووفّق لفهمه ، لأنّ الله تعالى يقول {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: 23] والرضاع يقع على القليل والكثير (44).
وفيه : أنّ الاستدلال لأمثال هذه الفتاوى بمطلقات الكتاب والسنّة لا وجه له ، بعد تقييدها بالمقيّدات المستفيضة ، كما ستمرّ عليك إن شاء الله تعالى.
وأمّا ما رواه عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام ، ومكاتبة عليّ بن مهزيار ـ في الصحيح ـ لأبي الحسن عليه السلام يسأله عمّا يحرم من الرضاع؟ فكتب عليه السلام : « قليله وكثيره حرام » (45) فلا بدّ وأن يطرحا أو يؤوّلا ، لإعراض الأصحاب عن العمل بظاهرهما ، ومعارضتهما مع ما هو معمول به بين الأصحاب ، وأصحّ سندا وأكثر عددا ، مع موافقة هذين لكثير من أهل الخلاف ، كما حكيناهم عن الجواهر ، ومخالفة تلك لهم (46).
وإن كان يمكن أن يقال : كلّ واحدة من هاتين الطائفتين مخالف لبعضهم وموافق للبعض الآخر ، وعلى كلّ حال الذي راجع أخبار التقدير يقطع ببطلان هذه الفتوى الذي صدر عن القاضي المصري ، ومثله في الشذوذ ما نقل عن الإسكافي : أنّه ذهب إلى أنّ الرضاع المحرّم هو الرضعة الكاملة حتّى يمتلأ بطنه (47).
قال في محكي الجواهر : قد اختلف الرواية من الوجهين جميعا ، في قدر الرضاع المحرّم ، إلاّ أنّ الذي أوجبه الفقه عندي ـ واحتياط المرء لنفسه ـ أنّ كلّما وقع عليه اسم رضعة ـ وهي ملأ بطن الصبي إمّا بالمص أو بالوجور ـ محرّم للنكاح (48).
وهذا القول وإن كان لا ينافي أصل التقدير ، لأنّه في الحقيقة تقدير برضعة كاملة ، وليس عبارة عن مسمّى الرضاع ، قليلا كان أو كثيرا ، إلاّ أنّه مخالفة المشهور ، بل مخالفة إجماع الإماميّة مثل القول الأوّل.
وما يمكن أن يكون دليلا لهذا القول روايات :
منها : رواية زيد ابن عليّ ، عن آبائه عن عليّ : قال : « الرضعة الواحدة كالمائة رضعة لا تحلّ له أبدا » (49).
ومنها : مضمرة ابن أبي يعفور ، وفيها قال : سألته عمّا يحرم من الرضاع؟ قال : « إذا رضع حتّى يمتلئ بطنه ، فإنّ ذلك ينبت اللحم والدم ، وذلك الذي يحرم » (50).
ومنها : قوله عليه السلام في تفسير الرضاع قال : « الرضاع الذي ينبت اللحم والدم هو الذي يرضع حتّى يمتلئ ويتضلّع » (51).
وفيه : أنّ في دلالة بعض هذه الروايات على دعواه تأمّل واضح ، وعلى فرض تسليم دلالتها ليست قابلة للمعارضة مع ما هو أقوى وأشهر وأكثر عددا وأصحّ سندا منها ، خصوصا مع إعراض الأصحاب عن العمل بهذه الروايات ، بل انعقاد الإجماع على خلافها ، فهذا القول في البطلان مثل سابقتها.
وعلى كلّ حال : المشهور بين الأصحاب في تقدير الرضاع طرق ثلاث :
الأوّل : الأثر ، أعني إنبات اللحم ، وشدّ العظم.
الثاني : الزمان ، أعني يوما وليلة.
الثالث : العدد ، أعني العشرة أو الخمسة عشر.
أمّا الأوّل فقد وردت فيه روايات :
منها : ما رواه في الكافي عن عبد الله بن سنان قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : « لا يحرم من الرضاع إلاّ ما أنبت اللحم وشدّ العظم » (52).
ومنها : ما عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن الرضاع ما أدنى ما يحرم منه؟ قال : « ما ينبت اللحم والدم » ثمَّ قال : « أترى واحدة تنبته؟ » فقلت : اثنتان أصلحك الله؟ قال : « لا » ، فلم أزل أعدّ عليه حتّى بلغت عشر رضعات » (53).
ومنها : ما عن حمّاد بن عثمان ـ في الصحيح أو الحسن ـ عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : « لا يحرم من الرضاع إلاّ ما أنبت اللحم والدم » (54).
ومنها : ما رواه في الكافي والتهذيب عن عبد الله بن سنان عن أبي الحسن عليه السلام قال : قلت له : يحرم من الرضاع الرضعة والرضعتان والثلاثة؟ قال : « لا ، إلاّ ما اشتدّ عليه العظم ونبت اللحم » (55).
ومنها : ما عن مسعدة بن صدقة ـ في الموثق ـ عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « لا يحرم من الرضاع إلاّ ما شدّ العظم وأنبت اللحم ، فأمّا الرضعة والرضعتان والثلاث حتّى بلغ عشرا إذا كنّ متفرّقات فلا بأس » (56).
ومنها : ما عن عبيد بن زرارة ـ في الصحيح ـ قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : انا أهل بيت كبير ، فربما كان الفرح والحزن الذي يجتمع فيه الرجال والنساء ، فربما استخفت المرأة انّ تكشف رأسها عند الرجل الذي بينها وبينه رضاع ، وربما استخفّ الرجل أن ينظر إلى ذلك ، فما الذي يحرم من الرضاع؟ فقال : « ما أنبت اللحم والدم ». فقلت : فما الذي ينبت اللحم والدم؟ فقال : « كان يقال : عشر رضعات ». قلت : فهل تحرم عشر رضعات؟ فقال : « دع ذا » ثمَّ قال : « ما يحرم من النسب فهو يحرم من الرضاع » (57).
ومنها : ما رواه في التهذيب ـ في الصحيح ـ عن ابن رئاب ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قلت ما يحرم من الرضاع؟ قال : « ما أنبت اللحم والدم وشدّ العظم ». قلت : فيحرم عشر رضعات؟ قال : « لا ، لأنّه لا ينبت اللحم ولا يشدّ العظم عشر رضعات » (58).
وظاهر هذه الأخبار ، بل صريح بعضها ـ كخبر الأخير ـ هو أنّ المدار على هذين ، ولا اعتبار بالعدد إلاّ من جهة كونه طريقا إليهما ، فما هو الموضوع الشرعي للتحريم ليس في الحقيقة إلاّ هذين ، أي إنبات اللحم ، وشدّ العظم.
وأمّا الإشكال على أنّه كيف يمكن أن يجعل الشارع شيئا موضوعا لحكمه ، مع عدم إمكان معرفته لأغلب الناس ، لأنّه ليس المراد منهما المرتبة الكاملة منهما ، بحيث كلّ من ينظر إلى المرتضع يرى وجود هذين فيه ، لأنّ تلك المرتبة لا تحصل بارتضاعه يوما وليلة ، أو خمسة عشر رضعة له قطعا ، والمرتبة التي تحصل بهذا المقدار من الارتضاع من الأمور غير المحسوسة التي لا يفهمها غالب الناس ، فيلزم إحالة الحرمة على المجهول.
ففيه أوّلا : أنّ كلّ أحد يدري بأنّ كلّ غذاء ترد إلى المعدة ـ بعد هضمها ودفع المعدة للفضول ـ تتحوّل إلى الدم ، ويجري في العروق الشعريّة ، وبعد وصوله إلى أيّ عضو من الأعضاء؟ تتشكل بشكل ذلك العضو من العظم واللحم وغير ذلك من الأجزاء والأعضاء ، فلا محالة كلّ غذاء يتغذّى به الإنسان ، بل الحيوان ، بل النبات تكون موجبة لنموّ المتغذّي ، لأنّه لا معنى للنموّ إلاّ هذا المعنى ، والقوّة الغاذية مشتركة بين جميع الحيوانات والنباتات.
فبناء على هذا ، حتّى الرضعة الواحدة تكون موجبة لإنبات اللحم وشدّ العظم ، ولكن الشارع لم يجعل مطلق الإنبات ولو كان بالدقّة العقليّة موضوعا لحكمه ، بل كلّ ما يصدق عليه الإنبات عند أهل الخبرة من العرف ، وتلك المرتبة لا تحصل إلاّ برضاع يوم وليلة ، أو بخمسة عشر رضعة ، اللذان لا يكون الفاصل بينها التغذّي بغذاء آخر ، إمّا لانصراف الإطلاق إلى تلك المرتبة ، أو يفهم ذلك من الجعلين الآخرين ، أي الزمان والعدد.
وعلى كلّ حال : الطريق إلى فهم ما جعله الشارع موضوعا موجود ، وهو إمّا فهم أهل الخبرة ، أو الطريقين المجعولين ، أعني : الزمان والعدد.
وثانيا : أنّ الموضوع الواقعي هو الذي يكون فيه مناط الحكم وملاكه ، وفي عالم الإثبات يحتاج إلى طريق لمعرفته. وأمّا في عالم الثبوت فتابع للواقع ، أعني كونه ذا الملاك ، فيمكن أن يكون الموضوع الواقعي هو إنبات اللحم وشدّ العظم ، ولكن حيث لا طريق إلى معرفته في مقام الإثبات وهو لازم أعمّ لملزومين :
أحدهما : ارتضاع يوم وليلة. ثانيهما : ارتضاع خمسة عشر رضعة جعل الشارع في مقام الإثبات موضوع حكمه أحد العنوانين ، أي الزمان والعدد ، فإنبات اللحم وشدّ العظم موضوع ثبوتي واقعي ، والزمان والعدد موضوع إثباتي ، وفي كلّية الأحكام المعلّلة الموضوع الواقعي هي العلّة إذا كانت قابلة لتعلّق التكليف به.
ثمَّ إنّه على تقدير كون الموضوع هو إنبات اللحم وشدّ العظم مطلقا ـ سواء أكان حصولها بنفس المقدار المعيّن من الزمان أو العدد ، أو بأقلّ منهما ، أو بأكثر منهما ، بأن لا يكون ملازمة بينهما وبين هذا الموضوع ، أعني : إنبات اللحم وشدّ العظم ، وكون قول أهل الخبرة طريقا إلى معرفتهما ـ فهل حجّية قولهم من جهة كونه بيّنة كي يعتبر فيه العدد والعدالة ، أو من جهة أنّ قول أهل الخبرة في نفسه حجّة من دون لزوم اندارجه تحت أدلّة حجّية البيّنة لبناء العقلاء على حجّية قولهم والرجوع إليهم ولو كان واحدا وفاسقا ، بل كان كافرا. كلّ ذلك من جهة بناء العقلاء وعدم ردع الشارع لهذا البناء؟
الظاهر هو الأخير ، لأنّ كلام أهل الخبرة في هذه المقامات ليس من جهة إحساسهم بأحد الحواسّ الخمسة الظاهريّة شيئا لا يدركه من عداهم ، لأنّه ربما يكون غير أهل الخبرة أقوى حواسّا من أهل الخبرة ، بل يكون من جهة إعمال رأيهم ونظرهم ، ولو كان هذا الرأي قد حصل لهم من ناحية الإحساس ، فبناء على هذا لا يحتاج إلى التعدّد ولا إلى العدالة.
ثمَّ إنّ في بعض هذه الأخبار كان بدل شدّ العظم « إنبات الدم » كما في روايتي عبيد بن زرارة ورواية حمّاد بن عثمان ، والظاهر أنّه ملازمة بين إنبات اللحم والدم مع إنبات اللحم وشدّ العظم ، لأنّه ليس المراد من إنبات الدم هو تحوّل الغذاء إلى الدم ، إذ لا يصدق عليه الإنبات في ذلك الوقت ، بل المراد به الدم الذي يجري في العروق الشعريّة ، ويأخذ كلّ عضو وجزء من الأعضاء والأجزاء النامية مقدارا منه ، ويصير من سنخ ذلك الجزء ، فالعظم أيضا مثل سائر الأجزاء له نصيب من هذا الدم.
فمعنى إنبات الدم أي صيرورة الجارية في العروق الشعريّة من سنخ الأعضاء المتغذّية بذلك الدم ، فيكون العنوانات ـ أي : عنوان إنبات اللحم ، والدم ـ مع عنوان إنبات اللحم وشدّ العظم متلازمين ، لا ينفكّ أحدهما عن الآخر.
فلا يبقى مجال لأن يقال : هل كلّ واحد منهما موضوع مستقلّ ، أو لا بدّ من اجتماع كلا العنوانين ، أو أحدهما موضوع دون الآخر؟ فيقع التعارض بين الأخبار التي مؤدّاها عنوان إنبات اللحم والدم ، مع التي مؤدّاها عنوان إنبات اللحم وشدّ العظم كي نحتاج إلى إعمال قواعد باب التعارض.
وقد عرفت ممّا ذكرنا أيضا أنّه لا انفكاك بين عنوان إنبات اللحم وشدّ العظم ، بل هما متلازمان ومعلولان لعلّة واحدة. وهي وصول الدم الذي تحوّل إليه الغذاء الواردة إلى المعدة بعد طبخها وهضمها فيها إلى كلّ جزء من أجزاء البدن ، فيحصل من هذا الوصول أمران : أحدهما إنبات اللحم ، ثانيهما شدّ العظم ، ولا يمكن أن يتخلّف أحدهما عن الآخر ، وإلاّ يلزم تخلّف المعلول عن العلّة.
نعم تقدّم : أنّ لازم هذا البيان أنّ الرضعة الواحدة ، بل المصة الواحدة تكون كافية في التحريم ، كما ذهب إليه جمع من أهل الخلاف ، والقاضي نعمان المصري منّا .
وقد أجبنا عن ذلك : بأنّ الموضوع للحكم ليس هو مطلق الإنبات والشدّ ولو كان بالدقّة العقليّة ، بل ما هو مصداق بنظر أهل العرف من أهل الخبرة بواسطة انصراف الإطلاق إلى ذلك ، أو من جهة أخبار التقدير بالزمان والعدد.
فلا حاجة إلى ما ذكره شيخنا الأعظم من أنّ مقتضى النصوص المذكورة هو اعتبار تحقّق كلا الأمرين واجتماعهما ، أي : إنبات اللحم وشدّ العظم (59) ، لما ذكرنا من تلازمهما وعدم انفكاكهما. نعم لو لم يكن بينهما تلازم كان ما ذكره وجيها.
ولم يكن وجه لما ذكره شيخنا الشهيد (60) لأنّ عطف شدّ العظم على إنبات اللحم بالواو يدلّ على ذلك.
وينفي ما ذهب إليه الشهيد من الاجتزاء بكلّ واحد من الأمرين ، وذلك لأنّ مفاد العطف بالواو هو الجمع.
ثمَّ إنّه لا وجه لاحتمال أن يكون المراد من إنبات اللحم والدم ، أو إنبات اللحم وشدّ العظم قابليّة الطفل لأنّ يصير كذلك بالارتضاع لو لم يكن عروض عارض وطروّ مانع ، فيقال في الطفل المريض مثلا لو لم يكن المرض لكان ينبت له اللحم ويشتدّ له العظم بهذا الارتضاع.
وذلك من جهة ظهور كلّ عنوان أخذ موضوعا للحكم ، أو من أجزاء موضوعه ، أو من شرائطه في فعليّته ، لا أنّه موضوع بأعمّ من الفعليّة ، فقوله تعالى {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] جعل الإرث لمن يكون ولدا بالفعل ، لا للنطفة المستقرّة في الرحم التي كانت تصير ولدا لو لا عروض المانع. وهذا واضح لا يحتاج إلى شرح وإيضاح.
وأمّا الثاني ، أي التحديد والتقدير بالزمان ، فقد ورد فيه روايتان :
الأولى : موثّقة زياد بن سوقة ، قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام هل للرضاع حدّ يؤخذ به؟ فقال : « لا يحرم الرضاع أقلّ من يوم وليلة ، أو خمس عشرة رضعة متواليات من امرأة واحدة من لبن فحل واحد ، ولم يفصل بينهما رضعة امرأة غيرها ، فلو أنّ امرأة أرضعت غلاما وجارية عشر رضعات من لبن فحل واحد ، وأرضعتهما امرأة أخرى من لبن فحل آخر عشر رضعات لم يحرم نكاحهما » (61).
الثانية : مرسل المقنع سأل الصادق عليه السلام هل لذلك حدّ؟ فقال : « لا يحرم من الرضاع إلاّ رضاع يوم وليلة ، أو خمس عشرة رضعة متواليات لا يفصّل بينهن » (62).
والظاهر أنّ هذا الرواية الثانية غير الرواية الأولى ، لأنّ الأولى كانت مرويّة عن أبي جعفر عليه السلام ، وهذه الرواية مرويّة عن الصادق عليه السلام.
واحتمال أن يكون الصادق وصفا لأبي جعفر عليه السلام خلاف مصطلح الأخبار.
ودلالة هاتين الروايتين على المدّعى ـ أي : التقدير بالزمان ـ واضح جليّ ، وصريحهما أنّ حدّ الرضاع المحرّم بحسب الزمان يوم وليلة ، ولا يكون أقلّ من ذلك ، ولا يحتاج إلى أكثر من هذا.
وأمّا سندهما وإن كانت الثانية مرسلة لا تشملها أدلّة حجّية الخبر الواحد في نفسه ، لما بيّنّا في الأصول أنّ مفاد تلك الأدلّة حجّية الخبر الموثوق الصدور ، ولكن حيث أنّ العمل بها مجمع عليه بين الأصحاب ، ولم يخالف أحد منهم في العمل بمفاد هاتين الروايتين ، فتدخلان تحت أدلّة الحجّية من هذه الجهة.
هذا ، مضافا إلى أنّ الأولى حجّة في نفسه ، لكونها موثّقة ، وعلى كلّ حال العمل بهما متعيّن.
وأمّا الروايات الأخر الواردة في التقدير بحسب الزمان ـ المعارضة مع هاتين مضمونا ومن حيث المؤدّى ـ فمطروحة أو تأوّل ، لإعراض الأصحاب عنها وعدم اعتنائهم بها ، كالتقدير بثلاثة أيّام متواليات في الفقه المنسوب إلى مولانا الرضا عليه السلام قال فيه : « والحدّ الذي يحرم به الرضاع ممّا عليه عمل العصابة دون كلّ ما روى ، فإنّه مختلف ما أنبت اللحم وقوي العظم ، وهو رضاع ثلاثة أيّام متواليات ، أو عشرة رضعات متواليات محرّرات مرويّات بلبن الفحل » (63).
وكالتقدير بخمسة عشر يوما ولياليهنّ في مرسلة الصدوق أنّه سأل الصادق عليه السلام « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ، ولا يحرم من الرضاع إلاّ رضاع خمسة عشر يوما ولياليهنّ ، وليس بينهنّ رضاع ».
وكالتقدير بسنة في صحيح علاء بن رزين عن الصادق عليه السلام سألته عن الرضاع؟
فقال : « لا يحرم من الرضاع إلاّ ما ارتضع من ثدي واحد سنة » (64).
وكالتقدير بحولين كاملين ، كخبر الحلبي عن الصادق عليه السلام : « لا يحرم من الرضاع إلاّ ما كان حولين كاملين » (65).
وكخبر عبيد بن زرارة عنه عليه السلام أيضا سألته عن الرضاع؟ فقال : « لا يحرم من الرضاع إلاّ ما ارتضعا من ثدي واحد حولين كاملين » (66).
فهذه الروايات ولو أنّ بعضها صحيح بحسب السند ، ولكن الأصحاب حيث أعرضوا عنها قديما وحديثا ولم يعتنوا بها سقطت عن الاعتبار ، بل قالوا كلّما ازداد صحّة ازداد وهنا ، وما أحسن عبارة المحقّق في المعتبر حيث قال فيه : فما قبله الأصحاب أو دلّت القرائن على صحّته عمل به ، وما أعرض الأصحاب عنه ، أو شذّ يجب طرحه (67).
ثمَّ إنّ ها هنا فروع :
منها : أنّه لو أرضعت الولد يوما وليلة ولكن برضعات ناقصة ، هل يؤثّر مثل هذا الرضاع في نشر الحرمة ، أو يلزم أن يكون برضعات تامّة؟
والجواب : أنّه لا فرق بين أن يكون إرضاعها بالرضعات الكاملة أو الناقصة ، إذ أنّ هذه الكلمة ـ أي : رضاع يوم وليلة بعد معلوميّة أنّه ليس المراد منها اتّصال الرضاع في هذه المدّة ، أي يكون الطفل مشغولا بالارتضاع في تمام هذه المدّة كي يكون المجموع رضعة واحدة ، لأنّ هذا المعنى غير ممكن وقوعها عادة ـ ظاهرة في أن يكون الولد في تمام هذه المدّة يرتضع بنحو المتعارف ، بحيث يشبع إذا جاع ، فلا فرق بين أن يكون إشباعه بعد أن جاع برضعات كاملة ، أو كان برضعات ناقصة. فلو أرضعته رضعة ناقصة ، ثمَّ أكملته برضعة أخرى ، وهكذا إلى تمام يوم وليلة يصدق أنّه رضاع يوم وليلة ، أو أنّه ليس بأقلّ منها.
ومنها : أنّه هل لا بدّ من أن يكون ابتداء الرضاع في أوّل النهار إلى تمام الليل ، أو ابتدائه من أوّل الليل إلى انتهاء النهار ، أو يكفي الملفّق منهما؟
الظاهر كفاية التلفيق لصدق رضاع يوم وليلة على الملفّق منهما ، لأنّه لا خصوصيّة لعنوان اليوم الكامل أو الليلة الكاملة ، بل المراد امتداد زمان الرضاع حتّى ينبت اللحم ويشدّ العظم ، ولا أثر لخصوصيّة بياض اليوم وسواد الليل ، حتّى إنّه لو كان من الممكن امتداد زمان الرضاع أربعة وعشرين ساعة متّصلة ـ كلّه من الليل أو كلّه من النهار ـ لكان كافيا ، لكنّه غير ممكن.
ويمكن أن يقال كما أفاده شيخنا الأعظم (68) : إنّ قوله عليه السلام : « لا يكون أقلّ من رضاع يوم وليلة » أظهر في صدقه على الملفّق من صدق رضاع يوم وليلة ، لأنّ لفظة « لا يكون أقلّ من زمان كذا » ربما يكون قرينة على أنّ المراد من اليوم والليلة ليس عنوان اليوم الكامل والليلة هكذا.
ومنها : أنّه لو أطعمه في أثناء اليوم والليلة بطعام آخر ، هل يكون مضرّا بصدق رضاع يوم وليلة أم لا؟
الظاهر عدم كفاية ذلك الرضاع حينئذ ، لأنّ الظاهر من هذه الكلمة « أن يكون غذاؤه بحسب المتعارف مدّة يوم وليلة » هو هذا الرضاع ، نعم لو كان الطعام الآخر قليلا بحيث لا ينافي صدق هذا العنوان عليه ، فليس بمضرّ.
ومنها : أنّه هل يعتبر حال هذا الطفل في الإرضاع أو أوساط الأطفال؟
الظاهر هو ما ذكرنا من إشباع شخص هذا الطفل ، سواء أكان شربه لللبن أكثر من المتعارف أو أقلّ ، أو كان على المتعارف.
ومنها : أنّه هل يعتبر احتمال تأثير هذا الرضاع في إنبات اللحم وشدّ العظم ، أم لا؟
الظاهر لزوم هذا الاحتمال ، كما هو مفاد بعض الأخبار السابقة .
الثالث : التقدير بالعدد ، وقد عرفت عدم صحّة ما حكى عن القاضي نعمان المصري من التحرير بمسمّى الرضاع ، وهكذا ما حكى عن الإسكافي من كفاية الرضعة الواحدة في نشر الحرمة ، وقلنا إنّ الروايات التي استدلّوا بها لهذين القولين مأوّل أو مطروح ، لإعراض الأصحاب عنها.
والمشهور بين الإماميّة في التحديد بالعدد قولان :
أحدهما : العشر رضعات.
ثانيهما : خمسة عشر رضعة ، ولعله أشهر القولين ، بل ما هو المشهور بين المتأخّرين هو الأخير ، أي الخمسة عشر رضعة.
والمدرك لكلّ واحد من القولين هي الروايات الواردة في هذا الباب.
فمدرك القول بالعشر أخبار :
منها : رواية فضيل بن يسار عن الباقر عليه السلام قال : « لا يحرم من الرضاع إلاّ ما كان مخبورا ». قلت : وما المخبور؟ قال : « أم مربيّة أم تربي أو ظئر تستأجر أو خادم تشتري أو ما كان مثل ذلك موقوفا عليه » (69).
ومنها : الموثّق عن عمر بن يزيد ، قال : سألت الصادق عليه السلام عن الغلام يرضع الرضعة والثنتين؟ فقال : « لا يحرم » فعددت عليه حتّى أكملت عشر رضعات؟ قال : « إذا كانت متفرّقة فلا » (70).
ومنها : خبر عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام عن الرضاع ما أدنى ما يحرم منه؟ قال : « ما ينبت اللحم والدم » ثمَّ قال : « أترى واحدة تنبته؟ » فقلت : اثنتان أصلحك الله فقال : « لا » فلم أزل أعد عليه حتّى بلغت عشر رضعات » .
ومنها : خبره الآخر أيضا في حديث ، إلى أن قال : فما الذي يحرم من الرضاع؟ فقال : « ما أنبت اللحم والدم ». فقلت : وما الذي ينبت اللحم والدم؟ فقال : « كان يقال عشر رضعات ». قلت : فهل تحرم عشر رضعات؟ وقال : « دع ذا ، ما يحرم من النسب فهو يحرم من الرضاع » .
ومدرك القول بالخمسة عشر أيضا أخبار :
منها : ما تقدّم عن زياد بن سوقة في القسم الثاني من تحديد الرضاع ، أي : التقدير بالزمان ، في الموثق وهو قوله عليه السلام فيه : « لا يحرم الرضاع أقلّ من رضاع يوم وليلة ، أو خمس عشرة رضعة متواليات من امرأة واحدة من لبن فحل واحد ولم يفصل بينها رضعة امرأة غيرها ، فلو أنّ امرأة أرضعت غلاما أو جارية عشر رضعات من لبن فحل واحد ، وأرضعتهما امرأة أخرى من لبن فحل آخر عشر رضعات لم يحرم نكاحهما » .
ومنها : مرسل مقنع الذي تقدّم في ذلك المقام أيضا ، وهو : سئل الصادق عليه السلام هل لذلك حد؟ فقال عليه السلام : « لا يحرم من الرضاع إلاّ رضاع يوم وليلة ، أو خمس عشرة رضعات متواليات لا يفصّل بينهن » .
ومنها : موثّقة عبيد بن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سمعته يقول « عشر رضعات لا يحرمنّ شيئا » (71) .
ومنها : صحيحة علىّ بن رئاب ، عن الصادق عليه السلام قال : قلت : ما يحرم من الرضاع؟ قال : « ما أنبت اللحم وشدّ العظم ». قلت : فيحرم عشر رضعات؟ قال : « لا ، لأنّه لا تنبت اللحم ولا تشدّ العظم عشر رضعات » .
ومنها : ما في التهذيب عن ابن بكير ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سمعته يقال : « عشر رضعات لا تحرم » (72).
هذه جملة من الروايات الواردة في مدرك هذين القولين.
وهناك وردت رواية أخرى مفادها عدم التحريم بخمسة عشر رضعة ، وهو ما رواه عمر بن يزيد قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : « خمسة عشر رضعة لا تحرم » (73) ولكنّها مؤولة أو مطروحة ، للإجماع على خلافها.
ففي التقدير بالعدد يدور الأمر بين هذين القولين ، فإذا بطل أحدهما يثبت الآخر ، للإجماع على عدم تحريم أقلّ من العشرة ، ولا لزوم الزيادة على الخمسة عشر ، وعدم القول بتحريم ما زاد على العشرة مع كونه دون الخمسة عشر إلاّ من جهة كون العشرة محرّما ومندرجا تحته ، وإلاّ فالمتوسّط بين العشرة والخمسة عشر لم يجعل موضوعا للتحريم إجماعا.
إذا عرفت هذا ، فنقول : ذهب المفيد (74) والمعاني (75) وسلار (76) والقاضي (77) والتقي (87) وابن حمزة (79) والعلاّمة في المختلف (80) وولده (81) والشهيد في اللمعة (82) إلى التقدير بالعشر ، ومستندهم في ذلك ـ بعد الإطلاقات ـ الروايات المتقدّمة ، أي رواية فضيل بن يسار باعتبار ذيلها ، أي قوله عليه السلام : « ثمَّ ترضع عشر رضعات يروى الصبيّ وينام » وموثّق عمر بن يزيد ، وخبري عبيد بن زرارة .
وفيه : أنّ الإطلاقات على فرض وجودها مخصّصة بالروايات المتقدّمة في التقدير بالأثر وما تقدّم في أوّل هذا العنوان ـ أعني : صحيحة على بن رئاب ، وموثّقة عبيد بن زرارة ، وخبر ابن بكير ـ فلا يبقى وجه للتمسّك بالإطلاقات أصلا.
أمّا الروايات ، فعمدتها رواية فضيل بن يسار ، حيث أنّها تدلّ بمنطوقها على تحريم عشر رضعات بخلاف سائرها ، فإنّها لو كانت دالّة تكون دلالتها بالمفهوم ، مع وجود مناقشات كثيرة فيها سنذكر بعضها إن شاء الله تعالى.
وهذه الرواية مخدوشة من جهات :
فأوّلا : من جهة سندها ، لأنّ فيه محمّد بن سنان ، وقال النجاشي في حقّه : وهو رجل ضعيف جدّا ، لا يعول عليه ، ولا يلتفت إلى ما تفرّد به ، وحكى عن الكشّي ، عن محمّد بن قتيبة النيشابوري ، عن الفضل بن شاذان أنّه قال : لا أحلّ لكم إن ترووا أحاديث محمّد بن سنان وطعن عليه الكشي أيضا (83).
وثانيا : من جهة مضمونها باعتبار حصرها المحرّم في المجبور ، مع أنّه ليس كذلك إجماعا ، لأنّه لو لم تكن المرضعة أمّا ولا مستأجرة ولا أمة أيضا يوجب إرضاعها التحريم إجماعا.
وثالثا : من جهة متنها ، فإنّ الصدوق رواها بدون ذلك الذيل ، أي قوله عليه السلام : « ثمَّ ترضع عشر رضعات يروى الصبيّ وينام » . والتهذيب مع ذلك الذيل (84).
وإذا دار الأمر بين الزيادة والنقيصة ، ولو أنّ أصالة عدم الزيادة مقدّمة على أصالة عدم النقيصة عند العقلاء والاعتبار ، ولكن لا يجرى ذلك في هذا المقام ، لأنّه كيف يمكن لمثل الصدوق الذي هو خرّيت هذه الصناعة ، ومن أحذق حذاق هذا الفنّ ترك مثل هذه الفقرة من الرواية وإسقاطها ، مع أنّها مدار الحكم ، وتترتّب عليه آثار مع أنّهم صرّحوا بأن الفقيه أضبط عند وقوع الاختلاف من التهذيب.
واحتمل الشيخ الأعظم أنّ تكون هذه الزيادة من محمّد بن سنان ، لأنّه داخل في أسناد التهذيب ، وليس واقعا في سند الفقيه (85).
وهناك اضطرابات أخر في المتن من حيث الاختلاف الواقع في لفظة « المجبور » ففي بعض النسخ بالحاء المهملة ، وفي البعض الآخر بالخاء المعجمة ، وفي نسخة الفقيه بالجيم (86) ، ويرجحه ـ على الاحتمالين الآخرين ـ في الوافي (87) ، ومن حيث مقابلة المجبور مع الخادم والظئر في بعض نسخ التهذيب ، وجعلهما قسما له في نسخة أخرى (88).
ورابعا : من جهة ترك ظاهرها وعدم العمل به ، لأنّه لم يفت أحد بلزوم نوم الصبيّ بعد أن ارتضع وروى في التحريم ، فلذلك لا يبقى حجّية لهذه الرواية أصلا كي تكون مدركا ومستندا لهذا القول.
ولو لا ما ذكرنا من الإشكالات على هذه الرواية كان يمكن أن يقال : إنّ رواية فضيل بن يسار ـ بعد تخصيص عموم العشر رضعات بالمتواليات بواسطة منطوق موثّق عمر بن يزيد وخبري عبيد بن زرارة ـ تكون أخصّ من الروايات الدالّة على عدم تحريم العشر ، لأنّ تلك الروايات تدلّ على عدم تحريمه ، سواء أكانت متواليات أو متفرّقات ، وهذه الرواية تدلّ على تحريمه إذا كانت متواليات بعد تخصيصها بما ذكرنا ، فتكون أخصّ من تلك.
ولكن مع ذلك أيضا لا يفيد ، لأنّه حتّى على فرض غضّ النظر عن هذه المناقشات تعارضها رواية زياد بن سوقة ، التي مضمونها عدم التحريم بما هو أقلّ من خمسة عشر متواليات ، فهو صريح في أنّ العشرة المتوالية وما زاد عليها إلى أن يبلغ خمسة عشرة المتوالية لا تكون محرّما ، وعلى فرض التكافؤ يتساقطان ، فيرجع إلى الأخبار الدالّة على عدم تحريم العشرة المتقدّمة.
وهذا الوجه كما يجري في رواية فضيل بن يسار ، يجري في موثّق عمر بن يزيد وخبري عبيد بن زرارة ، لأنّها أيضا طرف المعارضة ، فتسقط أيضا بالمعارضة.
مضافا إلى أنّ دلالتها بالمفهوم والمنطوق أقوى من المفهوم ، مع أنّه يمكن الخدشة في أصل دلالتها ، لأنّه من الممكن أن تكون في مقام عدم تحريم ما هو أقلّ من العشرة ، لا في مقام تحريم العشرة.
هذا كلّه ، مع أنّ القول بالعشرة موافق لمذهب بعض أهل الخلاف ، بخلاف القول بالخمسة عشر ، فإنّه لا يقول به أحد منهم ، لأنّ التحديد بالعدد عند من يقول منهم بالعدد أربعة : الرضعة الواحدة ـ بناء على أن يكون الواحد من الأعداد ـ والثلاثة ، والخمسة ، وعشرة.
وممّا يؤيّد ورود هذه الأخبار في مورد التقيّة قوله عليه السلام في إحدى روايتي عبيد بن زرارة ، في بيان ما هو المحرّم ، كأن يقال « عشر » ومعلوم أنّ هذا التعبير يناسب التقية ، لا بيان حكم الله الواقعي ، خصوصا بضميمة قوله عليه السلام في جواب المسائل بقوله قلت :
فهل يحرم عشر رضعات؟ « دع ذا ، ما يحرم من النسب يحرم من الرضاع ».
فظهر من جميع ما ذكرنا أنّ القول بتحريم عشرة رضعات ليس له مستند يمكن الاعتماد عليه والركون إليه.
وقد ذكرنا أنّ الأمر يدور بين هذين القولين ، فإذا بطل أحدهما يتعيّن الآخر ، فيتعيّن قوله الخمسة عشر.
ثمَّ إنّهم اعتبروا في الرضاع المحرّم من حيث العدد ـ سواء قلنا بأنّه العشر أو الخمسة عشر ـ شروطا :
[ الشرط ] الأوّل : أن يكون كلّ رضعة من تلك الرضعات رضعة كاملة ، بمعنى أن يكون الطفل بعد أن جاع واشتهى وطلب يرتوي ويشبع بتلك الرضعة.
ولعلّ هذا مراد من حدّدها بأن يرتوي فيصدر من نفسه ، يعني يرتوي بعد أن جاع ، فيرفع اليد عن الثدي باختياره من دون أن يبعد عنه.
وذلك من جهة ظهور هذه الكلمة في هذا المعنى في متفاهم العرف الذي هو المناط في باب تشخيص الظهورات.
مضافا إلى أنّه فسّر في الأخبار أيضا بهذا المعنى ، كقوله عليه السلام في رواية فضيل بن يسار ، « ثمَّ ترضع عشر رضعات يروى الصبيّ وينام » .
وكقوله عليه السلام في مضمرة ابن أبي يعفور : « إذا رضع حتّى يمتلئ بطنه ، فإنّ ذلك ينبت اللحم والدم وذلك الذي يحرم » .
وكقوله عليه السلام في تفسير الرضاع المحرم « الرضاع الذي ينبت اللحم والدم هو الذي يرضع حتّى يمتلئ ويتضلّع » .
وفي مرسلة ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله عليه السلام : « الرضاع الذي ينبت اللحم والدم هو الذي يرضع حتّى يتضلّع ويمتلئ وينتهي من نفسه » .
وأنت خبير بأنّ مفاد هذه الروايات مطابق مع ما يفهمه العرف من هذه اللفظة في هذا المقام ، أي في مقام التحديد بالعدد ، وبناء على هذا لو مص الثدي وأعرض عنه فتارة يكون إعراضه لارتوائه بعد أن كان جائعا ، فهذا هي الرضعة الكاملة. وأخرى يكون لإبعاده عن الثدي ، أو للسعال ، أو لغلبة الوجع. أو الانتقال من ثدي إلى ثدي ، أو للالتفات إلى ملاعب وأمثال ذلك ، فلا يعدّ رضعة من تلك الرضعات ، وإن عاد بغير فصل طويل فالمجموع يحسب رضعة ، وإلاّ فلا.
الشرط الثاني : توالي الرضعات ، بمعنى أن لا يكون رضاع امرأة أخرى يفصل بين تلك الرضعات.
والدليل عليه قوله عليه السلام في رواية زياد بن سوقة : « أو خمس عشر رضعات متواليات من امرأة واحدة » .
في مرسل المقنع قوله عليه السلام : « أو خمسة عشر رضعات متواليات لا يفصّل بينهنّ » .
هذا مع أنّه لو كان المناط الحقيقي لنشر الحرمة هو إنبات اللحم وشدّ العظم بمرتبة خاصّة تحصل من رضاع يوم وليلة ، أو من رضاع خمسة عشر رضعة ، فالفاصل مطلقا سواء أكان هو رضاع امرأة أخرى ، أو أيّ غذاء آخر يكون مضرّا بحصول ما هو الموضوع. نعم لو كان الغذاء الفاصل قليلا ، بحيث لا يكون مضرّا باستناد تلك المرتبة من إنبات اللحم وشدّ العظم إلى تلك الرضعات ، فلا بأس بذلك.
وأمّا في خصوص رضاع امرأة أخرى حيث أنّه منصوص ، فإن كان فلا بدّ وأن يكون من القلّة ، بحيث لا يصدق أنّه فصل رضاع امرأة أخرى.
هذا مع احتمال أن يكون المراد من رضاع امرأة أخرى الرضعة الكاملة ، فغير الكاملة لا تكون بها بأس أصلا.
ولكن ادّعى في الحدائق الاتّفاق على أنّ الفصل بغير الرضاع لا يكون منافيا مع التوالي المعتبر فيها (89).
الشرط الثالث : أن تكون تلك الرضعات الكاملة المتوالية من امرأة واحدة ، فلو ارتضع من امرأة بعض العدد وكان لصاحب اللبن ـ أي : الفحل ـ امرأة أخرى ذات لبن لنفس ذلك الفحل ، فارتضع ما يبقي من العدد من هذه الأخرى لا يؤثّر في التحريم ، ولا يصير ابنا أو بنتا له ، أي لذلك الفحل.
وأمّا المرضعتان فكلّ واحدة منهما لا تصير أمّا بالضرورة ، لأنّ الأمومة لا تحصل إلاّ بذلك العدد من نفس الأمّ ، لا بعضه منها وبعضه من امرأة أخرى ، ولذلك لو لم يكن الفحل أيضا واحدا فالأمر أوضح.
والدليل على هذا الشرط قوله عليه السلام في موثّقة زياد المتقدّمة « أو خمسة عشر رضعة متواليات من امرأة واحدة من لبن فحل واحد » .
وهناك روايات أخر تدلّ على هذا المعنى ، كقوله عليه السلام في صحيحة بريد العجلي : « كلّ امرأة أرضعت من لبن فحلها ولد امرأة أخرى » ، وقوله عليه السلام في صحيحة عبد الله بن سنان : « ما أرضعت امرأتك من لبنك ولبن ولدك ولد امرأة أخرى فهو حرام » .
ومعلوم أنّ المراد من إرضاع الامرأة بحسب العدد هو الخمسة عشر رضعة ، أو العشر رضعات.
فتدلّ هذه الروايات على أمرين : اتحاد المرضعة ، واتّحاد الفحل ، فنتيجة هذه الروايات هو أنّه لا بدّ في تحقّق الرضاع المحرّم من أن تكون المرضعة واحدة والفحل واحدا ، ففي صورة عدم اتّحاد كليهما لا تحريم ، كما إذا ارتضعت جارية مثلا من امرأة بعض العدد المعتبر في التحريم ، ومن امرأة أخرى لفحل آخر ما بقي من تمام العدد ، أو عدم اتّحاد الفحل فقط ، كما إذا أرضعت امرأة رجل ولدا ببعض العدد من لبن زوجها ، وبعد ذلك طلّقها زوجها أو وهبها أو باعها لو كانت أمته ، فتزوّجت من رجل آخر بعد انقضاء عدّتها ، وحبلت بعد ذلك من زوجها الثاني أو من مولاها الثاني ، ودرّ لبنها من الزوج الثاني أو من مولاها الثاني ، فكملت العدد من لبن الفحل الثاني.
لكن صحّة هذا الفرض منوط بأن يكون الفاصل بين الرضعات بغير إرضاع امرأة أخرى ، أي : لو كان بسائر الأغذية لا يكون منافيا مع التوالي الذي اعتبر فيها ، ولو كان ذلك الفاصل من الأغذية الآخر مدّة طويلة ، فلا تحريم في هذه الصورة أيضا ، كما أنّه لو كان الفحل واحدا والمرضعة متعدّدة ، كأن تكونا زوجتين ، أو أمتين ، أو مختلفتين لشخص واحد ، ويكون كلا اللبنين له ، فلا تحريم أيضا.
ثمَّ إنّه يمكن تصوير تعدّد الفحل مع وحدة المرضعة بشكل لا يكون الفاصل في البين أصلا ، لا بالإرضاع من امرأة أخرى ، ولا بغذاء آخر. وهو فيما إذا طلّق امرأته وتزوّجت بعد انقضاء عدّتها من رجل آخر ، فحبلت من ذلك الرجل ، ولكنّ اللبن كان مستمرّا من زمان أنّها كانت زوجة للزوج الأوّل إلى زمان وضع الحمل الذي صار من الزوج الثاني وبعده أيضا.
فبناء على ما اخترناه ـ تبعا لجمع من المحقّقين ـ من أنّ اللبن قبل الوضع للزوج الأوّل وبعد الوضع للزوج الثاني ، فيمكن أن يكون بعض الرضعات العشر أو الخمسة عشر من لبن الزوج الأوّل ، أي ما كان قبل الوضع ، وبعضها الآخر من الزوج الثاني ، أي ما كان بعد الوضع ، فمجموع الرضعات حصلت من امرأة واحدة. ولكن اللبن لفحلين من دون فاصل في البين.
الشرط الرابع : أن تكون تلك الرضعات من الثدي لا بالوجور في حلقه.
وذلك لعدم صدق الرضاع والارتضاع عرفا إلاّ بامتصاص الثدي ، ولو شككنا في الصدق فقد تقدّم حكم الشبهة الحكميّة فراجع.
وأمّا ما يقال : من أنّ الغرض من الارتضاع هو شدّ العظم وإنبات اللحم حاصل من الوجور أيضا ، لأنّه لا فرق في حصول هذه النتيجة بين الامتصاص وبين الوجور.
ففيه : أنّ الموضوع في لسان الدليل هو عنوان الرضاع أو الإرضاع الذي يكون أثره إنبات اللحم أو الدم وشدّ العظم ، لا مطلق الإنبات ولو كان حاصلا من غير الرضاع ، فما ذهب إليه الإسكافي ـ من كفاية الوجور في حلقه في نشر الحرمة (90) ـ مضافا إلى أنّه مخالف لما ذهب إليه معظم الأصحاب ـ لا وجه له أصلا ، بل الوجه على خلافه كما عرفت.
وأمّا مرسل الفقيه عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « وجور الصبي اللبن بمنزلة الرضاع » (91) ، مع أنّه ضعيف فلا حجّية له في حدّ نفسه وأعرض المشهور عن العمل به ، معارض برواية زرارة عن الصادق عليه السلام : « لا يحرم من الرضاع إلاّ ما ارتضعنا من ثدي واحد حولين كاملين » بناء على أن لا يكون حولين كاملين تحديدا للرضاع بحسب مقدار الرضاع وكميّته بحسب الزمان ، بل يكون ظرفا لأصل الرضاع المقدّر بأحد التقديرات الثلاثة كي لا تكون معرضا عنها للأصحاب ، فلا تكون قابلة للمعارضة.
هذا ، مضافا إلى أنّ الإعراض عن الذيل لا يلازم الإعراض عن صدر الرواية ، بل هو يبقى على حجيته.
ولكن لا يخفى أنّ هذا الشرط ليس مختصّا بالتقدير بالعدد ، بل يعتبر في التقديرات الثلاثة ، ولذلك ينبغي أن يعدّ هذا من شرائط الرضاع ، لا من شرائط العدد.
الشرط الخامس : أن تكون المرضعة حيّة ، فلا اعتبار بما يرتضع الطفل منها بعد موتها. هذا ما ذهب إليه معظم الأصحاب.
واستدلّوا عليه : بأنّ لفظة « الإرضاع » في الآية والرواية ظاهر بحسب متفاهم العرف في الارتضاع من الحيّ ، فهو المحرّم ، وأمّا الارتضاع من الميّت فلا دليل على تحريمها ، فيبقى تحت أصالة الإباحة ، ولو كانت بمعنى استصحاب عدم حدوث الحرمة ، كما تقدّم في حكم الشكّ في الشبهة الحكميّة.
وفيه أوّلا : أنّ هذه دعوى بلا بيّنة ولا برهان ، بل البرهان على خلافه ، لأنّه لو كانت المرأة نائمة أو غافلة وسعى إليها الطفل والتقم ثديها من دون التفاتها إلى ذلك ، تحصل الحرمة إذا حصل أحد التقديرات الثلاثة كذلك ، مع أنّه لا فرق بين الميّت ومثل النائمة والغافلة بحسب الاعتبار ، لأنّ من يدّعي اعتبار الحياة من طريق ظهور لفظة « الإرضاع » في ذلك ، من جهة اعتبار الاختيار والمباشرة والالتفات والقصد إلى صدور هذا الفعل عنها ، وحيث أنّه ليس في الميّت مثل هذه العناوين ، فلا يصدق على الارتضاع منه أنّها أرضعت.
ولكن أنت خبير بأنّ جميع هذه العناوين مفقودة في المثال الذي فرضنا ، ففي النائمة أو الغافلة كلّ ذلك ليس ، فليس هناك مباشرة ولا اختيار ولا التفات إلى الفعل ولا قصد إلى صدوره ، فصدق الإرضاع مع ذلك يدلّ على عدم أخذ هذه الأمور في ذلك المفهوم ، بل لم تؤخذ هذه العناوين في مفهوم أيّ فعل من الأفعال ، لأنّ مادّتها موضوعة للحدث الكذائي ، وهيئاتها على اختلافها لأنحاء النسب التي بين المادّة والذات ، وليس شيء آخر في البين كي يكون موضوعا لهذه العناوين ، أو تكون هذه العناوين مأخوذة فيه.
وثانيا : لو سلّمنا عدم شمول لفظة « الإرضاع » ـ الذي في الآية والرواية ـ للارتضاع من الميّت ، فمع ذلك لا تصل النوبة أيضا إلى أصالة الحلّ ، أو استصحاب عدم حدوث الحرمة ، أو قوله تعالى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ } [النساء: 24] لأنّ لفظة « الرضاعة » في قوله تعالى {وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23] وهكذا لفظة « الرضاع » في قوله صلى الله عليه واله : « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » ، وفي سائر الروايات ، لا مانع من شموله للميت أيضا.
وأمّا ما ربما يقال : من أنّ الميّت يخرج من كونه متعلّقا وموردا للأحكام بواسطة الموت ، فالرضاع منه لا يترتّب عليه ثمرة شرعيّة أصلا.
فعجيب إلى الغاية ، لأنّ عدم صلاحيّة الميّت لكونه متعلّقا وموردا للأحكام إنّما هو بالنسبة إلى تعلّق حكم بنفسه ، لأنّه ليس قابلا لتوجيه خطاب إليه.
وأمّا تعلّق الأحكام بشخص آخر ، أو أشخاص آخرين ـ لوجود إضافة ونسبة بينه ، أو بينهم وبين الميّت ـ فمما لا كلام فيه فمن ذلك إرثه منه ، وجواز تغسيله لو كان مماثلا أو محرّما ، وإجراء الحدّ عليه لو زنى به ، وأخذ الدية منه لو جنى عليه ، إلى غير ذلك من الأحكام الكثيرة.
وأمّا دعوى انصراف الأدلّة والإطلاقات عن الرضاع من الميتة ، فليس له وجه ، إلاّ قلّة وجود هذا القسم ، وندرة وقوعه ، ولو كان مثل هذا انصرافا ومضرّا بالإطلاق ففي جميع الإطلاقات يلزم أن تكون الأفراد النادرة الوجود خارجة عن تحت الإطلاقات ، ولا يلتزم به أحد.
هذا ، مضافا إلى أنّ بعض أقسام الرضاع من الميتة لا يمكن فيه دعوى الانصراف ، كما إذا كان مثلا أربعة عشر رضعة في حال الحياة ورضعة واحدة ـ بناء على القول بالخمسة عشر ـ في حال الممات ، فمثل هذا المورد لا يمكن أن يقال بعدم شمول الإطلاقات له وانصرافها عنه ، فحينئذ بعدم القول بالفصل يتمّ المطلوب.
إلاّ أن يقال بقلب هذا الدليل ، بأنّه في كثير من الصور تكون الإطلاقات منصرفة عنها ، فتدخل تلك الصور تحت آية التحليل ، أي قوله تعالى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] وبعدم القول بالفصل يتمّ المطلوب ، ولو سقط كلا الدليلين بواسطة التعارض عن الاعتبار ، فالمرجع أصالة الحل بالمعنى الذي ذكرنا.
ولكن أنت خبير بأنّ مسألة عدم القول بالفصل غير الاتّفاق والإجماع المركّب على عدم الفصل ، والذي موجود فيما نحن فيه هو الأوّل ، وهو غير مفيد ، والمفيد هو الثاني وليس بموجود فيما نحن فيه ، فلا مانع من الأخذ بالإطلاقات فيما تشمله ، والرجوع إلى أصالة الحلّ أو آية التحليل في موارد الانصراف.
الشرط السادس : ذهب معظم الأصحاب إلى أنّ الرضاع الذي يكون سببا لنشر الحرمة ، لا بدّ وأن يكون في حولي الرضاعة ، أي لا يكون الرضيع له أزيد من الحولين.
والدليل عليه ـ قبل الإجماع المدّعى في المقام ـ قوله عليه السلام فيما رواه الكافي عن منصور بن حازم ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « قال رسول الله صلى الله عليه واله : لا رضاع بعد فطام » (92) .
وحسنة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « لا رضاع بعد فطام » (93).
ورواية حمّاد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « لا رضاع بعد فطام ». قلت : جعلت فداك وما الفطام؟ قال : « حولين الذين قال الله عزّ وجلّ » (94).
ورواية فضل بن عبد الملك ، قال : « الرضاع قبل الحولين قبل أن يفطم » (95).
هذه هي الروايات المرويّة الواردة في هذا المقام.
والمراد من « الفطام » في هذه الروايات ظاهرا هي المدّة التي جعلها الشارع ظرفا للرضاع الكامل ، أي الحولين في قوله تعالى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ } [البقرة: 233] لا بمعنى الانقطاع عن الرضاع ، سواء أكان قبل انقضاء الحولين أو بعدهما ، كما ربما يظهر من هذه اللفظة حسب الوضع اللغوي ، وإن كان في بعض كتب اللغة فسّره بزمن الفطم ، وذلك لتفسير الصادق عليه السلام هذه الكلمة بما ذكرنا من الحولين في خبر حمّاد بن عثمان.
فبناء على هذا لو فطم الولد قبل تمام المدّة وتغذّى بغذاء آخر ، ثمَّ حصل الرضاع بعد انفطامه وقبل تمام الحولين تنشر الحرمة ، لأنّ مفاد هذه الروايات بناء على ذلك التفسير المروي ، عدم التحريم بعد انقضاء الحولين. فقبل ذلك لا تدلّ على عدم حصول الرضاع المحرّم ، فتشمله الإطلاقات ولو كان منفطما.
فما نسب إلى العمّاني من لزوم أمرين : أحدهما عدم تماميّة المدّة ، والثاني عدم الانفطام ، فكما أنّه بتماميّة المدّة لإرضاع ، كذلك بالانفطام ـ ولو كان قبل تماميّة المدّة ـ لا رضاع (96).
لا وجه له ، لما ذكرنا من أنّ المراد من الفطام هي مدّة الرضاع ، لا الفطم والقطع الخارجي.
ولا يتوهّم أنّ قوله عليه السلام في رواية فضل بن عبد الملك « الرضاع قبل الحولين قبل أن يفطم » يدل على ما ذهب إليه العماني ، لأنّه عليه السلام أخذ في موضوع الرضاع قيدين :
أحدهما أن يكون قبل الحولين. والثاني أن يكون قبل أن يفطم ، لأنّه بعد ما فسّر الإمام عليه السلام الفطام بما ذكرناه يكون المراد من القيد الثاني عين ما هو المراد من القيد الأوّل.
ولعلّ وجه ذكره مع الاستغناء عنه هو الإشارة إلى قوله صلى الله عليه واله : « لا رضاع بعد فطام » وأنّ ما هو قبل الحولين قبل الفطام ، فالمراد من الفطام ليس إلاّ انقضاء الحولين ، ولذلك قال في الجواهر : بل لم نتحقّق خلاف الحسن ، أي : ابن أبي عقيل وهو العمّاني ، لأنّ المحكي عنه اعتبار الفطام ، ويمكن ارادته سنّ الفطام (97).
ثمَّ إنّه نسب إلى الإسكافي ثبوت التحريم قبل أن يفطم ، ولو كان الارتضاع بعد مضيّ حولين عن سنّ المرتضع (98) .
ولعلّ مدركه رواية داود بن الحصين المرويّة في الفقيه والتهذيب عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « الرضاع بعد الحولين قبل أن يفطم يحرّم » (99).
وأنت خبير بأنّ هذا خبر شاذّ مخالف للإجماع والأخبار : ولا يمكن الركون إليه.
وقال الشهيد إنّ هذه الفتوى ـ أي فتوى ابن الجنيد ، وهو أن يكون الارتضاع بعد مضيّ حولين من سنّ المرتضع وقبل أن يفطم يكون موجبا لنشر الحرمة ـ مسوقة بالإجماع على الخلاف وملحوقة به (100).
وربما قيل في توجيه هذه الرواية بأنّ المراد من « بعد الحولين » أي بعد مضي الحولين من عمر ولد المرضعة وقبل أن يفطم المرتضع ، ويكون المراد من هذه الرواية أنّه يمكن أن يقع الرضاع هكذا ، لا أنّه من شروط الرضاع أن يكون هكذا كي يكون منحصرا في كونه هكذا ، كما هو ظاهر الرواية لو كان المراد من الحولين صفة ولد المرضعة ، لا المرتضع كما ذكرنا ، فيكون ردّا على ابن بكير. ولكن هذا التوجيه عجيب.
ثمَّ إنّه هل يعتبر هذا الشرط ـ أي : عدم انقضاء الحولين ومضيهما عن عمره ـ في خصوص المرتضع ، أو يكون شرطا لولد المرضعة أيضا؟
فيه خلاف ، فالمشهور بين المحقّقين والفقهاء هو الأوّل ، وحكى عن أبي الصلاح (101) وابن زهرة (102) وابن حمزة (103) بل ادّعى في الغنية الإجماع عليه (104) كما حكى عنه في الجواهر (105) هو الثاني.
وهؤلاء الذين يقولون بالاشتراط حتّى في ولد المرضعة يتمسّكون بالإجماع وبإطلاق قوله صلى الله عليه واله : « لا رضاع بعد فطام » حيث أطلق الفطام ولم يقيّده بفطام المرتضع ، فيشمل فطام الاثنين ، فإذا انقضى فطام ولد المرضعة أيضا فلا فطام للأصل ، لأنّه بعد انقضاء فطام ولد المرضعة إذا شككنا في التحريم فمقتضى أصالة الحلّ أو عدم حدوث الحرمة عدم تأثير مثل ذلك الرضاع ، وبفهم ابن بكير من قوله صلى الله عليه واله : « لا رضاع بعد فطام » فطام ولد المرضعة أيضا.
وذلك حيث سأل ابن فضّال عن ابن بكير في المسجد فقال : ما تقولون في امرأة أرضعت غلاما سنتين ، ثمَّ أرضعت صبيّة لها أقلّ من سنتين حتّى تمّت السنتان ، أيفسد ذلك بينهما؟ قال : « لا يفسد ذلك بينهما ، لأنّه رضاع بعد فطام » وإنّما قال رسول الله صلى الله عليه واله : « لا رضاع بعد فطام » أي : أنّه إذا تمَّ للغلام سنتان أو الجارية فقد خرج من حدّ اللبن ، ولا يفسد بينه وبين من شرب من لبنه (106).
وفيه : أنّ حال هذا الإجماع ـ مع ذهاب الأكثر على خلافه ، مضافا إلى تمسّك المجمعين بهذه المدارك التي ذكروها ـ معلوم.
وأمّا إطلاق قوله صلى الله عليه واله : « لا رضاع بعد فطام » فممنوع شموله لولد المرضعة ، لأنّه خارج عن مورد البحث والكلام ، بل ظهور الحديث في فطام المرتضع فقط من الواضحات. وعلى فرض الشكّ فالمرجع هي الإطلاقات الواردة في باب تحريم الرضاع ، كقوله صلى الله عليه واله : « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » لصدق الرضاع عليه يقينا ، والشكّ في تقييد الإطلاق لإجمال مفهوم المقيّد.
وأمّا فهم ابن بكير : فأوّلا هو اجتهاد منه ، وليس بحجّة. وثانيا معارض بفهم الصدوق (107) والكليني خلاف ما فهمه.
وقال الأخير في معنى قوله صلى الله عليه واله : « لا رضاع بعد فطام » إنّ الولد إذا شرب لبن المرأة بعد ما تفطمه لا يحرم ذلك الرضاع التناكح (108).
وحيث أنّه في مقام تفسير هذا الكلام فلا مجال لتوهّم أنّه بين إحدى الصورتين ، ولا ينافي ذلك وجود صورة أخرى ومصداق آخر ، وهو فيما إذا شرب الولد لبن المرأة بعد فطام ولد نفسها ، لا بعد فطام المرتضع.
وأمّا الأصل ، فلا أصل له أصلا ، لما ذكرنا من شمول الإطلاقات لصورة حصول الرضاع مع انقضاء الحولين ومضيّهما من عمر ولد المرضعة.
فتلخّص من مجموع ما ذكرنا أنّ الأقوى هو القول الأوّل.
ثمَّ إنّ المراد من الحولين هو أربعة وعشرين أشهر هلاليّة ، كما هو الحال في باب البلوغ وحلول الحول في الزكاة وأمثالهما من نظائر المقام. فإن كانت الولادة في أوّل الشهر فينتهي في آخر الشهر الرابع والعشرين ، وإن كانت في الأثناء فيكمّل مقدار النقص من الشهر الخامس والعشرين.
واحتمال العدد حينئذ في جميع الشهور ـ بأن يحسب من يوم الولادة إلى ثلاثين يوما شهرا وهكذا ـ بعيد إلى الغاية ، بل ممّا يقطع بخلافه ويزيد على سنتين قطعا ، لأنّ أشهر السنة الهلاليّة ليست كلّها ثلاثين يوما يقينا ، كما أنّ احتمال أن يكون مبدأ الحولين من أوّل الرضاع لا من أوّل الولادة معلوم العدم ، وذلك لأنّه عليه السلام فسّر الفطام بالحولين الذين قال الله عزّ وجلّ ، ومعلوم أنّهما في الآية الشريفة من حين الولادة ، لقوله تعالى {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15].
الشرط السابع : أن يكون اللبن خالصا غير ممزوج بشيء جامد أو مائع ، وأن لا يصير جبنا ، كلّ ذلك لأجل عدم صدق اللبن أو انصرافه عنه ، مع ما تقدّم أنّ حقيقة الرضاع هو شرب اللبن بامتصاص الثدي ، فلا بدّ من تحقّق عنوان شرب اللبن ، لأنّه من مقوّماته ، فكلّما يخرجه عن هذا العنوان فتحقّق الرضاع يكون مشروطا عقلا بعدمه ، كامتزاجه بجسم آخر جامد أو مائع ، بحيث يخرجه عن كونه لبنا.
ومن هذا القبيل ما يصنع من اللبن ، كالمخبص والجبن ، وأمثال ذلك ممّا هو من فروع اللبن.
هذا تمام الكلام في الشرائط الرضاع.
والبحث فيه تارة بلحاظ عموم المنزّل عليه وخصوصه ، أي السعة والضيق في التنزيل باعتبار السعة والضيق في المنزّل عليه ، فمن يقول بعموم المنزلة يقول : ليس التنزيل فقط باعتبار العناوين السبعة النسبيّة المعروفة ، أي الأمّ ، والبنت ، والأخت ، والعمّة ، والخالة ، وبنات الأخ ، وبنات الأخت ، بل يشمل جميع العناوين النسبيّة التي تعرضها الحرمة ، ولو من جهة ملازمتها للعناوين النسبيّة التي جعلها الشارع موضوعا للحرمة ، كعنوان أمّ ولد البنت نسبا ، أو عنوان أمّ السبط نسبا المتلازمان مع البنتيّة في باب النسب ، أو عنوان أمّ الأخ للأبوين الملازم مع كونها أمّا له أيضا في النسب ، أو عنوان أخت الأخ للأبوين الملازم لكونها أختا له أيضا ، وهكذا بالنسبة إلى سائر العناوين الملازمة للعناوين السبعة المعروفة التي جعلها الشارع موضوعا للحرمة في باب النسب.
ومن يقول بخصوص المنزلة يقول : المنزّل عليه هي العناوين السبعة فقط ، أي أنّ الشارع نزّل بقوله صلى الله عليه واله : « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » هذه العناوين السبعة الحاصلة من الرضاع منزلة نفس هذه العناوين الحاصلة من النسب ، لأنّها فقط موضوع الحرمة في لسان الدليل ، لا العناوين الملازمة لتلك العناوين وجودا.
وأخرى : يكون البحث فيه باعتبار عموم آثار المنزّل عليه ، أو خصوص بعض الآثار فمن يقول بالعموم من هذه الجهة يقول بأنّ كلّ أثر كان يترتّب على الأمّ النسبي ـ مثلا ـ يترتّب على الأمّ الرضاعي ، إلاّ ما خرج بالدليل ، كالإرث ، لأنّه من المسلم أنّه لا يرث من أمّه الرضاعيّة ، ولكنّه كما أنّ أمّه النسبيّة مثلا إذا كانت أمة واشتراها تنعتق عليه ، هل كذلك تكون أمّه الرضاعية إذا اشتراها تنعتق عليه ، أم لا؟
فمن يقول بعموم المنزلة بالنسبة إلى جميع الآثار إلاّ ما خرج يقول بالأوّل ، ومن يقول : إنّ التنزيل بلحاظ خصوص تحريم النكاح يقول بالثاني.
أمّا البحث الأوّل : أي عموم المنزلة بلحاظ عموم المنزّل عليه فالمشهور عدمه ، وأنّ التنزيل بلحاظ العناوين السبعة المعروفة المذكورة في الآية الشريفة (109).
وذهب جملة من المتأخّرين منهم المحقّق الداماد ، ونسب إلى الشيخ الشهيد أيضا ـ ولو ناقش بعض في هذه النسبة ـ إلى عموم المنزلة ، وقالوا : إنّ كلّ امرأة تحرم من جهة وجود نسبة بينها وبين الرجل ـ سواء أكانت تلك النسبة من العناوين السبعة المعروفة أو لم تكن ، بل كانت من العناوين المستلزمة لأحد هذه العناوين المعروفة ـ إذا حصل مثل تلك النسبة من الرضاع يحرم أيضا ، سواء أكانت تلك النسبة الحاصلة من الرضاع أيضا من تلك العناوين السبعة المعروفة ، أو كان من غيرها ممّا هي مستلزمة لإحدى تلك العناوين السبعة إذا كانت حاصلة من النسب. مثلا أمّ ولد الولد في النسب محرّمة عليه من جهة أنّها إمّا بنته وإمّا زوجة ابنه ، وكلتاهما حرام عليه ، فلو أرضعت أجنبيّة ولد ولده فتصير أمّ ولد ولده ، ولكن لا تصير بنته من الرضاع ولا حليلة ابنه من الرضاعة.
فبناء على عدم عموم المنزلة بالمعنى الذي ذكرنا ، لا وجه لتحريم مثل هذه المرضعة عليه ، لأنّه لم يحصل بينه وبينها أحد تلك العناوين السبعة لا من النسب ولا من الرضاع. وبناء على العموم ولو لم يحصل أحد هذه العناوين لا من النسب ولا من الرضاع ، ولكن حصل عنوان بالرضاع ، أعني عنوان أمّ ولد الولد الذي لو كان حاصلا من النسب لكانت تلك امرأة حراما عليه ، لملازمة ذلك العنوان مع أحد العنوانين الذين كلّ واحد منهما محرّم : أحدهما عنوان البنت ، والأخرى عنوان زوجة الولد.
هذا ، ولكن الحقّ ما ذهب إليه المشهور ، وذلك لأنّ قوله صلى الله عليه واله : « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » ظاهره كما بيّنّا في ما تقدّم أنّ كلّ عنوان جعله الشارع موضوعا للحرمة إذا كان حاصلا من النسب ، فعين ذلك العنوان يكون موضوعا للحرمة أيضا إذا كان حاصلا من الرضاع.
نعم هذا المعنى موقوف على أنّ العناوين السبعة المعروفة كما أنّها تحصل من النسب ، كذلك كانت حاصلة من الرضاع أيضا عند العرف ، كي يكون التنزيل بلحاظ الآثار والأحكام.
بمعنى : أنّ عنوان الأمّ ـ مثلا ـ يكون عنوانا عاما ، يحصل تارة من النسب أي الولادة ، وأخرى من الرضاع ، فيكون الموصول كناية عن تلك العناوين السبعة ، لأنّها هي التي حكم الشارع عليها في الآية الشريفة بالتحريم ، لا العناوين المستلزمة لإحدى تلك العناوين ، فإنّ الشارع لم يجعل عنوان أمّ ولد الولد مثلا ، أو عنوان أخت الأخ للأبوين ، وهكذا غيرهما من العناوين المستلزمة لأحد تلك العناوين موضوعا للحرمة أصلا ، فلا يشمل عنوان ما يحرم مثل تلك العناوين ، فالمراد ممّا يحرم هي موضوعات الحرمة في لسان الدليل ، وملازم الموضوع ليس بموضوع ، فليست تلك العناوين المستلزمة لأحد تلك العناوين ممّا يحرم في النسب كي يكون مما يحرم في الرضاع. وهذا واضح جدّا ، وإن وقع جماعة من المحقّقين في الاشتباه.
ثمَّ إنّ هذه القاعدة وإن كانت لا تشمل بعض الموارد ، كعنوان أخت الابن ـ مثلا ـ ما لم تكن بنتا أو ربيبة ، ولكن وردت روايات تدلّ على عدم جواز نكاح أبي المرتضع في أولاد صاحب اللبن ، ولا في أولاد المرضعة (110) ، وإلاّ كان يجوز وإن كانت أختا للمرتضع من الرضاعة ، وبالنسبة إلى أبي المرتضع تكون أختا لابنه ، فلو لم تكن تلك الروايات كان مقتضى القاعدة ـ كما شرحنا ـ جواز نكاحها لأبي المرتضع ، لأنّها ليست بنتا له ولا ربيبة ، وقلنا : إنّ عنوان المحرّم هو البنت أو الربيبة ، لا عنوان أخت الابن ، وكانت حرمة أخت الابن في النسب من جهة ملازمتها مع عنوان البنت أو الربيبة ، وإلاّ فهو بنفسه ليس من المحرّمات.
وأمّا الروايات :
فمنها : صحيحة عليّ بن مهزيار ، قال : سأل عيسى ابن جعفر أبا جعفر الثاني عليه السلام : أنّ امرأة أرضعت لي صبيّا فهل يحلّ لي أن أتزوّج ابنة زوجها؟ فقال لي :
« ما أجود ما سألت من ها هنا يؤتى أن يقول الناس حرمت عليه امرأته من قبل لبن الفحل ، هذا هو لبن الفحل لا غيره ». فقلت له : الجارية ليست ابنة المرأة التي أرضعت لي هي ابنة غيرها؟ فقال : « لو كنّ عشرا متفرّقات ما حلّ لك شيء منهنّ وكنّ في موضع بناتك » (111) .
ومنها : في الصحيح عن أيّوب بن نوح ، قال : كتب عليّ بن شعيب إلى أبي الحسن عليه السلام : امرأة أرضعت بعض ولدي ، هل يجوز لي أن أتزوّج بعض ولدها؟ فكتب عليه السلام : « لا يجوز ذلك لك ، لأنّ ولدها صارت بمنزلة ولدك » (112).
ومنها : ما روى الكليني ـ في الصحيح ـ عن عبد الله بن جعفر ، قال : كتبت إلى أبي محمّد عليه السلام : امرأة أرضعت ولد الرجل ، هل يحلّ لذلك الرجل أن يتزوّج ابنة هذه المرضعة أم لا؟ فوقّع عليه السلام : « لا تحلّ له » (113).
فبناء على العمل بهذه الروايات ، تحرم الزوجة على زوجها لو أرضعت أمّها ولدها الذي من هذا الزوج ، لأنّ الزوجة تكون من أولاد صاحب اللبن ، فتحرم على أبي المرتضع الذي هو زوجها.
وممّا ذكرنا ظهر عدم حرمة إخوة المرتضع على أولاد الفحل ، أي صاحب اللبن ، لأنّ إخوة المرتضع تكون بالنسبة إلى أولاد صاحب اللبن أخوات أخيهم.
وليس أخت الأخ من العناوين المحرّمة في النسب كي يكون الرضاع مثله ، وهكذا بنات صاحب اللبن ليس محرّمات على أولاد أبي المرتضع ، لأنّهنّ أيضا بالنسبة إلى أولاد أبي المرتضع أخوات أخيهم وهذا العنوان ليس من العناوين السبعة المعروفة التي يكون التنزيل بين حصول هذه العناوين بالرضاع وبين حصولها من النسب ، بمعنى : أنّ حرمة النكاح التي رتّبها الشارع على هذه العناوين عند حصولها من النسب يرتّب على مثل هذه العناوين إن حصلت من الرضاع ، الذي استظهرناه من مثل قوله عليه السلام : « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » .
فإنّ ظاهر الحديث النبوي ـ الذي رواه الفريقان ـ أنّ المراد من الموصول ، أي كلمة « ما » في قوله صلى الله عليه واله : « ما يحرم من النسب » هذه العناوين المعروفة التي جعلها الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز موضوعا لحرمة النكاح عليهنّ وتزويجهنّ من النسب ، فحكم بحرمة هذه العناوين الحاصلة من الرضاع.
وبعبارة أخرى : جعل الرضاع مثل النسب في ترتّب حرمة النكاح على هذه العناوين الحاصلة منها.
وأمّا العناوين الملازم لهذه العناوين في النسب ـ كعنوان أخت الابن ، بحيث يكون الابن ابنا نسبيّا ، والأخت لذلك الابن أيضا إذا كان أختا نسبيّا ـ فلا محالة لا يخلو من أحد أمرين : إمّا أن تكون بنتا له إذا كانت الأخت اختيّته لذلك الابن باعتبار تولّدهما من هذا الأب ، وإمّا أن تكون ربيبة له إن كانت أختيّته باعتبار تولّدهما من أمّ واحد ، ولا يشتركان في الأب.
فالحرمة التي في أخت ابنه من جهة أحد الأمرين : إمّا من جهة أنّها ابنته ، أو من جهة أنّها ربيبته ، وإلاّ لم يجعل الشارع عنوان أخت الابن موضوعا للحرمة ، ولذلك لو فرضنا ـ محالا ـ وجود أخت ابن في النسب مع عدم كونها ربيبة ولا بنتا لا تحرم ولكن هذا وقوعه في النسب محال. وأمّا في الرضاع فليس بمحال ، كما قلنا إنّ بنات المرضعة أو بنات صاحب اللبن وان كنّ من غير المرضعة أخوات من الرضاعة للمرتضع ، وليست بنتا ولا ربيبة لأبي المرتضع ، ولذلك لو لم تكن تلك النصوص الخاصّة لم نقل بحرمتهنّ على أبي المرتضع. ولعمري هذا واضح لا يحتاج إلى إطالة الكلام.
في أنّ الرضاع كما أنّه إن حصل أحد العناوين المحرمة به قبل النكاح والتزويج يكون موجبا لحرمة التزويج يكون موجبا لبطلان الزوجيّة ، كذلك لو حصل بعد التزويج ـ بمعنى : أنّه إن كانت زوجته غير محرّمة عليه لعدم تعنونها واتّصافها بأحد العناوين المحرّمة لا نسبا ولا رضاعا ـ أحد العناوين المحرمة بواسطة الرضاع يكون موجبا لصيرورة الزوجة المحلّلة محرّمة.
كما أنّه في النسب لو فرضنا أنّه يمكن انقلاب عنوان المحلّل إلى أحد العناوين المحرّمة ، لكنّا نقول بالحرمة بعد. ما كانت محلّلة.
ولكن هذا الانقلاب في النسب لا يمكن ، بخلاف الرضاع ، فإنّه من الممكن أن لا تكون المرأة معنونة بعنوان محرّم ، ثمَّ يطرأ عليها عنوان المحرّم بواسطة الرضاع بعد التزويج.
ومعلوم أنّه متى ما وجد موضوع الحكم ، يترتّب الحكم عليه ، فالمائع الذي كان خمرا وكان نجسا وحراما شربه متى صار خلاّ يصير طاهرا ويكون شربه حلالا ، وكذلك الأمر في العكس متى صار الخلّ خمرا يصير نجسا ويكون شربه حراما ، فتغيير النسبة يرجع إلى تغيّر الموضوع ، غاية الأمر في النسب لا يمكن ، وفي العناوين الحاصلة من الرضاع يمكن.
والسرّ في ذلك : أنّ العناوين الحاصلة من النسب من لوازم الوجود ، ولا يمكن انفكاكها عن موضوعاتها ، بخلاف العناوين الحاصلة من الرضاع ، فإنّها ليست من لوازم الوجود.
وقد وردت في هذا المعنى ـ أي : في كون العنوان الحاصل من الرضاع اللاحق على النكاح محرّما ـ روايات :
منها : صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « لو أنّ رجلا تزوّج جارية رضيعة ، فأرضعتها امرأته فسد النكاح » (114).
فكلّ عنوان محرّم حصل من الرضاع بالنسبة إلى زوجته التي كانت قبل الرضاع زوجة له بالنكاح الصحيح يفسد نكاحه ، كما أنّ هذا العنوان لو كان حاصلا قبل النكاح لكان يمنع عن التزويج بها.
فلا فرق بين أن يكون حصول العنوان المحرّم قبل التزويج ، أو بعده ، أو مقارنا له ، فلو تزوّج بصغيرة فأرضعتها أمّ ذلك الزوج ، يفسد نكاح الصغيرة ، لأنّها تصير أختا له ، إذ لا معنى للأخت إلاّ بنت الأبوين ، أو بنت أحدهما ، وها هنا زوجته الصغيرة بنتا لأمّه من جهة الرضاع كما أنّه لو أرضعتها جدة الزوج ـ أي أمّ أبيه ـ تصير عمّة له ، لأنّها تصير بواسطة إرضاع أمّ أبيه لها أختا لأبيه ، فتكون عمّة له ، لأنّه لا معنى للعمّة إلاّ كونها أختا لأبيه ، كما أنّه لو أرضعتها جدّته ـ أي أمّ أمّه ـ تصير خالته ، لأنّها بإرضاع أمّ أمّه لها تصير بنتا للجدّة ، فتكون أختا لأمّه ، وهذا معنى الخالة.
ومعلوم أنّه في جميع هذه الصور يفسد نكاح الصغيرة بواسطة الرضاع الطارئ واللاحق.
فهاهنا نذكر فروعا للرضاع اللاحق على العقد الذي صار سببا لفساد النكاح السابق :
منها : أنّه لو كان له زوجتان إحديهما صغيرة ، والأخرى كبيرة ، فأرضعت الكبيرة الصغيرة تحرم الكبيرة ، لأنّها تصير أمّ زوجته ، وكذلك تحرم الصغيرة إن كان رضاعها من لبنه ، أو دخل بالكبيرة وإن لم يكن من لبنه ، لكونها بنتا له في الأوّل ، وربيبة ـ أي بنت زوجته المدخول بها ـ في الثاني.
وليس حرمة الكبيرة موقوفا على كون المشتق حقيقة فيما انقضى عنه المبدأ ، يتوهّم أنّ ظرف حصول الأمومة ظرف سقوط الزوجيّة ، فلا يمكن حصول هذا العنوان إلاّ في ظرف سقوط الزوجيّة بواسطة الرضاع المحرّم ، فلا تجتمع الأمومة مع الزوجيّة في زمان كي يصدق عليها عنوان أمّ الزوجة ، إلاّ بناء على كون المشتق حقيقة فيما انقضى عنه المبدأ.
وفيه : أنّ سقوط زوجية الصغيرة معلول لإتيان عنوانها المحرّم ، وهي البنتيّة على تقدير ، وكونها ربيبة دخل بأمّها على تقدير آخر ، وهذان العنوانان مع عنوان الأمومة للكبيرة من قبيل المتضايفين وفي رتبة واحدة ، وفي تلك الرتبة زوجيّة الصغيرة لم تسقط ، لما قلنا من أنّ سقوطها من ناحية البنتيّة وكونها ربيبة اللتان في عرض أمومة الكبيرة ، فانفساخ الزوجيّة متأخّر رتبة عن الأمومة ، وهذا المقدار يكفي في صدق عنوان أمّ الزوجة الذي هو موضوع حرمة النكاح.
هذا ، ولكن يمكن أن يقال : إنّ المدار على حصول الأمومة في زمان كونها زوجة ، بمعنى أنّ « أمّ الزوجة » أو عنوان « أمّهات نسائكم » عند العرف عبارة عن أمّ المرأة التي تكون زوجة في زمان الذي هي أمّ لها وفيما نحن فيه لا يمكن ذلك ، لما قلنا من أنّ حصول نسبة الأمومة للمرضعة في زمان حصول نسبة البنتيّة ـ أو كونها ربيبة ـ للمرتضعة ، فزمان البنتيّة وكونها ربيبة متّحد مع زمان الأمومة ، فلو كانت الزوجيّة أيضا حاصلة في زمان حصول الأمومة يرجع إلى أن تكون بنتا أو ربيبة ، مع كونها زوجة في زمان واحد ، وهذا ممّا لا يمكن وواضح الفساد.
اللهمّ إلاّ أن يقال : يكفي في التحريم عنوان أمّ من كانت زوجته ، غاية الأمر في باب النسب لا ينفكّ هذا العنوان عن اجتماع الأمومة مع الزوجيّة وإن كان زمان الاجتماع قليلا ، لأنّ الأمومة في النسب إذا كانت حاصلة في مورد تكون من أوّل وجود البنت إلى الأبد ، فلا محالة في أيّ زمان حصلت زوجيّتها تكون أمومة الأخرى أيضا موجودة ، ولكن في الأمومة الحاصلة من الرضاع ليس الأمر كذلك ، لأنّه من الممكن حصول الزوجيّة في زمان ـ مع عدم وجود أمومة المرضعة ـ ثمَّ تحصل الأمومة بواسطة الرضاع المحرّم ، مع عدم كونها زوجة في ذلك الزمان ، وإلاّ تكون حرمة المرضعة متوقّفة على كون المشتقّ حقيقة فيما انقضى عنه المبدأ.
ومنها : أنّه لو كانت زوجة أحدهما كبيرة ، وزوجة الآخر صغيرة ، فطلّق كلّ واحد منهما زوجته وتزوّج بزوجة الآخر ، فأرضعت الكبيرة الصغيرة ، فبناء على ما قلنا من تحريم أمّ من كانت زوجته مثل تحريم أمّ الزوجة الفعلية ، فتحرم الكبيرة على الاثنين ، أمّا على زوجها الفعلي ، لأنّها بالرضاع المحرّم صارت أمّ من كانت زوجته ، أي قبل أن يطلّقها. وأمّا بالنسبة إلى زوجها السابق ، لأنّها أمّ من هي زوجته فعلا.
وإن كنّا أشكلنا على هذا في الفرع السابق بأنّ ظرف حصول الأمومة ظرف سقوط الزوجيّة ، والحقّ : أنّ في كليهما ـ أي : الزوج الفعلي والزوج السابق ـ منشأ التحريم هو أنّها ـ أي الكبيرة المرضعة ـ تصير أمّ من كانت زوجته قبل حصول الأمومة ، لأنّ حال حصولها حال سقوط الزوجيّة.
هذا بالنسبة إلى الكبيرة. وأمّا بالنسبة إلى الصغيرة ، فحرمتها على الزوج السابق واضح ، لأنّها تصير بنتا له بالرضاع إن كان اللبن لبنه ، وأمّا إن لم يكن اللبن لبنه ، فالحرمة جمعا أيضا واضح ، سواء دخل بزوجته الكبيرة المرضعة أم لا ، لأنّه لا يجوز الجمع بين الربيبة وأمّها وإن لم يدخل بأمّها.
وأمّا حرمتها ـ ولو في صورة الانفراد بها بأن يطلّق أمّها الرضاعيّة ، ويتزوّج بها ـ فمشروط بالدخول بها ، أي بالكبيرة المرضعة ، وإلاّ فلا.
وأمّا بالنسبة إلى زوجها الفعلي ، فإن كان اللبن لبنه فالحرمة من جهة أنّها تصير بنته الرضاعيّة. وأمّا إن لم يكن اللبن لبنه ، فمع الدخول سابقا بالكبيرة التي كانت زوجته أيضا ، تحرم الصغيرة ، لأنّها بنت زوجته المدخولة بها ، ومع عدم الدخول تحرم جمعا مع أمّها ، وأمّا انفرادا فلا.
ومنها : أنّه لو كانت له أمة موطوءة فأرضعت زوجته الصغيرة ، أمّا الأمة فتحرم عليه على كلّ حال ، لأنّها أمّ زوجته.
والإشكال بأنّها لا تصير أمّا للمرتضعة إلاّ بعد سقوط زوجيّتها بالرضاع المحرم ـ فلا يتحقّق عنوان أمّ الزوجة في الخارج ـ أجبنا عنه فلا نعيد.
وأمّا زوجته الصغيرة فهي أيضا تحرم ، لأنّها بواسطة هذا الرضاع المحرّم تصير إمّا بنتا له ـ لو كان اللبن له ـ وإمّا ربيبته ، لأنّها بنت الرضاعي لامرأة دخل بها بوطي شرعي.
بقي الكلام في مسألة مهر هذه الزوجة الصغيرة التي سقطت زوجيّتها بواسطة الرضاع ، هل تستحقّ تمام المهر أو نصفها ـ بناء على أن يكون مثل الطلاق قبل الدخول ، لأنّ الصغيرة التي سقطت زوجيّتها بواسطة الرضاع غير مدخولة بها ـ أو لا تستحقّ شيئا منه؟ وجوه وأقوال :
والأظهر هو استحقاق تمام المهر ، لما هو المختار من صيرورة المهر ملكا لها بنفس العقد ، ولذلك قالوا : إنّ الطلاق قبل الدخول موجب لرجوع نصف المهر إلى الزوج بناقل جديد ، وهو الطلاق قبل الدخول ، فإذن استحقّت الصغيرة بنفس العقد تمام المهر ، وسقوطه كلاّ أو نصفا يحتاج إلى دليل حاكم على استصحاب بقاء ملكيّتها لها ، وليس شيء في البين إلاّ استحسانات قياسيّة التي لا اعتبار بها.
مثل أن يقال : كما أنّ الطلاق قبل الدخول يوجب التنصيف فهاهنا أيضا ذلك الملاك موجود ، وهو سقوط الزوجيّة قبل أن يدخل بها وبعبارة أخرى : ذهاب الزوجيّة قبل أن ينتفع منها صار سببا للتنصيف ، وفيما نحن فيه يكون الأمر أيضا كذلك ، فإنّ الرضاع المحرّم صار سببا لذهاب الزوجيّة قبل أن ينتفع منها.
ولا شكّ في أنّ هذا قياس باطل في مذهبنا ، بل الدليل على التنصيف هي الآية الشريفة (115) والأخبار الشارحة لها (116) ، فالظاهر هو استحقاقها لتمام المهر ، لأنّ القول بالتنصيف قياسا على الطلاق قبل الدخول باطل.
وأمّا ما ذكره صاحب الجواهر من القول بسقوط المهر مستندا إلى المشهور (117) ـ بل ربما يظهر من عبارته عدم وجدانه الخلاف صريحا إلاّ ما عن التذكرة بأنّ السقوط أقوى (118).
قال : ولعلّه يؤذن باحتمال عدم السقوط ـ فعلى كلّ حال مستندهم في سقوط المهر هو أنّ انفساخ العقد ـ وانحلاله.
وان شئت قلت بطلانه ـ يقتضي رجوع كلّ ما انتقل منه إلى طرفه إليه ثانيا ، بمعنى : عوده إليه ، وذلك من جهة أنّ بقاء كلّ من العوضين على ملك من انتقل إليه موقوف على بقاء العقد واستمراره ، إذ أنّ بقاء الأثر تابع لبقاء مؤثرة وعلته ، وتبعية المعلول لعلّته حدوثا وبقاءا ـ كاد أن يكون من البديهيات ، ولذلك ترى أنّ كلّ عقد تعقبه الفسخ ـ بإقالة أو خيار ـ يرجع كلّ مال إلى صاحبه قبل العقد ، ففساد العقد من أيّ سبب كان نتيجته ارتفاع آثار العقد من حين البطلان والفساد.
ولا شكّ في أنّ ثبوت المهر من آثار صحّة عقد النكاح. نعم النماء الذي وجد للمهر إلى حين الفساد هي للمرتضعة ، لما قلنا إنّ ارتفاع آثار العقد من حين وقوع الفساد لا من أوّل الأمر ، فإذا ارتفع العقد وصار النكاح فاسدا وباطلا ، فقهرا يرتفع أثره الذي هو عبارة عن ثبوت المهر.
هذا غاية ما يمكن أن يقال في هذا المقام.
ولكن أنت خبير بأنّ باب النكاح ليس من قبيل باب المعاوضات بالنسبة إلى الزوجيّة والمهر ، بحيث يكون التعهّد من طرف الزوج بأن يكون المهر الذي هو ملك الزوج يكون للزوجة على أن تكون زوجيّتها أو بضعها للزوج عوض المهر ، بحيث يكونان ـ أي : الزوج والزوجة ـ يتبادلان بين المهر والبضع أو الزوجيّة.
وذلك من جهة أنّ حقيقة عقد النكاح عبارة : عن تعهّد الزوجة بأن تكون زوجة للرجل ، فالمنشأ في عقد النكاح في الإيجاب هي زوجيّة المرأة لزوجها ، وحيث أنّها من الأمور الاعتباريّة قابلة للجعل والإنشاء ، وفي القبول يتعهّد الزوج قبول هذه الزوجيّة المنشأة من قبل الزوجة أو وكيلها أو وليّها ، والالتزام بلوازمها وأحكامها ، وليس معاوضة في البين أصلا.
ولو كان من قبيل المعاوضات كان لازمه سقوط مهر المسمّى بعد فساد النكاح بالرضاع المحرّم ، حتّى وإن كانت التي فسد نكاحها هي الكبيرة المدخولة. ولا يمكن القول به فيما لا يكون الفساد من قبلها ، بل بثبوت المهر في النكاح حكم شرعي ، فإن عيّنوا في العقد فهو ، وإلاّ فالشارع حكم بمهر المثل ، فليس مقتضى انفساخ العقد وبطلانه رجوع المهر إلى الزوج بعد ذهاب الزوجيّة ، وقياس فساد النكاح بباب فسخ المعاوضات وانفساخها ـ كما صدر عن صاحب الجواهر (119) ـ ليس في محلّه.
فالأظهر ـ كما قلنا ـ أنّ المهر صار ملكا للزوجة بنفس العقد ، غاية الأمر ملكا متزلزلا لا مستقرّا ، واستقراره بأحد أربعة أشياء : إمّا الدخول ، وإمّا ارتداد الزوج ، أو موته أو موت الزوجة ، وهذا حكم الشارع في المهر ، وليس فساد النكاح وسقوط الزوجيّة من أسباب سقوط المهر. ولو شكّ في بقائه بعد فساد العقد وبطلان النكاح يستصحب ، إلاّ أن يأتي دليل حاكم على هذا الاستصحاب ، وليس في المقام شيء من هذا القبيل.
نعم ها هنا فرع آخر ، بل فروع ذكرها صاحب الجواهر وهو أنّ : المرتضعة لو ارتضعت من ثدي المرضعة من قبل نفسها بدون مداخلة المرضعة بل بدون التفاتها وشعورها بذلك ، كما أنّها لو كانت نائمة ، أو مثل النوم ممّا يوجب عدم الالتفات كالإغماء مثلا وسعت هي ـ أي : المرتضعة ـ وامتصّت ثديها ، فهل يكون لها مهر ، أم لا؟ بل يسقط حتّى على القول بعدم سقوط المهر لو لم يكن الارتضاع من قبل نفسه ، بل أرضعتها الكبيرة ، وذلك من جهة أنّها هي التي أفسدت النكاح من دون مدخليّة الكبيرة في ارتضاعها ، فهي التي فوتت منافع الزوجيّة على زوجها ، فلا تستحقّ المهر الذي هو في الحقيقة مقابل البضع (120).
ولكن أنت خبير بأنّه بناء على ما ذكرنا وتقدّم ، ليست الزوجيّة ولا البضع مالا كي يكون إتلافهما موجبا للضمان ، ولو كان من غير قصد وشعور ، ولا يقابلانه كي يكون إتلافهما موجبا لرجوع مقابلهما ـ أي المهر ـ إليه.
نعم يمكن أن يتمسّك في بعض الموارد بقاعدة لا ضرر ، بأن يقال مثلا ـ فما إذا أرضعت زوجته الكبيرة زوجته الصغيرة بقصد بطلان زوجية نفسها وزوجيّة الصغيرة ، فحكم الشارع ببقاء المهر ، وعدم سقوطه ضرر على الزوج ، لأنّ بقاء المهر إن كان مع بقاء الزوجيّة ، ففي نظر العرف ليس ضررا ، والعقلاء يقدمون على ذلك وإن لم يكن كذلك ، بمعنى أنّ المهر كان باقيا في عهدته ، أو كان متعيّنا في عين خارجي وكانت خارجة عن تحت ملكيّة الزوج مع عدم الزوجيّة وبطلانها ، فهي خسارة عندهم.
إن قلت : هذه الخسارة نشأت من إقدام الزوج ، والحديث (121) لا يشمل هذا الضرر ، بل التحقيق ـ كما بيّنّا في محلّه ـ أنّ حديث « لا ضرر » يرفع الحكم الذي نشأ من قبله الضرر ، وها هنا لم ينشأ الضرر من قبل حكم الشارع ببقاء المهر ، بل نشأ من إقدامه على جعل هذا المقدار من ماله مهرا وإخراجه عن ملكه.
قلت : إقدامه على إخراج هذا المقدار من ماله وصيرورته ملكا للزوجة مبنيّ على دوام الزوجيّة وعدم بطلانها ما دام حيّين ، ولم يقدم على إعطاء المهر لزوجيّة يوم بلا أيّ انتفاع في البين ، فحكمه ببقاء المهر في ظرف سقوط الزوجيّة ضرريّ ، ولا شكّ في أنّ هذا الضرر نشأ من قبل حكم الشارع ، لا من اقدام الزوج.
ولكن مع ذلك كلّه التمسّك بقاعدة لا ضرر لسقوط المهر لا يخلو من نظر وتأمّل ، بل لا يخلو من غرابة ، وذلك من جهة أنّ الشارع لم يحكم ببقاء المهر في ظرف سقوط الزوجيّة وذهابها كي يكون هذا الحكم المجعول ضرريّا ، بل الشارع حكم بأنّ الزوجيّة بدون المهر لا يمكن ، وأيضا حكم أنّ مهر المسمّى به في العقد يدخل في ملك الزوجة ، وأيضا حكم ببقاء الملكيّة لمالكه ولا يخرج إلاّ بناقل شرعي ، فإذا جاء دليل وناقل شرعي على خروج المهر تماما ، أو بعضه عن ملك الزوجة ، فهو كما أنّه في الطلاق قبل الدخول جاء الدليل على خروج نصف المهر عن ملكها ورجوعه إلى الزوج ، وأيضا في ارتداد الزوجة برجوع الجميع ، فهذه الأحكام الثلاثة ـ أي : حكمه بلزوم المهر ، وحكمه بدخول المهر في ملك الزوجة بمحض العقد ، وحكمه ببقاء كلّ مال في ملك مالكه وعدم خروجه عنه إلاّ بناقل شرعي ، أو جاء دليل على سقوط ملكيّته ـ ليس واحد منها ضرريّا كي يرتفع بقاعدة لا ضرر.
وأمّا القول : بأنّ هذه الخسارة وقعت بفعلها ـ أي الكبيرة ـ لأنّها أرضعت ، أي إذا كان حصول الرضاع بفعل الكبيرة بغير أمر الزوج بل بدون رضاه ، أو بفعل الصغيرة كما إذا ارتضعت من قبل نفسها ، أي إذا كان حصول الرضاع بفعل الرضيعة من دون مدخليّة الكبيرة ، كما إذا كانت الكبيرة نائمة وهي سعت إليها وارتضعت ، فيجب أن تغرم للزوج الكبيرة أو الصغيرة. وبعبارة أخرى : التي سببت حصول الرضاع المحرّم ، سواء أكانت الغرامة مساوية للمهر أو أكثر أو انقص هي إحديهما.
ففيه أوّلا : أنّ هذا غير سقوط المهر وعدمه الذي هو الآن محلّ الكلام.
وثانيا : ليس كلّ إضرار يتدارك بالمال ، بل لا بدّ أن ينطبق عليه أحد أسباب الضمان من الإتلاف ، أو يد العادية ، أو غير ذلك من أسبابه. وفيما نحن فيه إرضاع الكبيرة أو ارتضاع الصغيرة ـ بدون مدخليّة الكبيرة ـ لا يوجب تلف مال كي يكون ضامنا لذلك التالف ، لأنّ الزوجيّة ليست من الأموال ، والبضع وإن كان في بعض الموارد يقابل بالمال ، ولكن مع ذلك ليس من الأموال كي يكون تفويته موجبا للضمان.
وممّا ذكرنا ظهر لك حال الفروع الأخر التي ذكروها في هذا المقام ، مثل ما ذكروا فيما إذا كانت مختارة في الإرضاع بدون ملزم شرعي ، كما إذا خافت على حياة الرضيعة إن لم ترضعها ، وكذا بدون إجبار أو إكراه وأمثال ذلك ممّا يخرجها عن الاختيار والاستقلال ، هل للزوج أن يرجع إليها فيما يغرمه من المهر للرضيعة أم لا ، بناء على عدم السقوط؟ ووجّهوا الرجوع إليها بأنّها سببت فوات زوجيّة الرضيعة والانتفاع بها.
وذلك لما عرفت من عدم كون الزوجيّة أو البضع مالا كي يكون إتلافهما موجبا للضمان.
وأيضا ما ذكروا من أنّ الرضيعة لو سعت إليها وامتصت ثديها وهي مكّنتها ولم تمنعها ، هل هذا التمكين بمنزلة فعلها وإرضاعها استقلالا ، فعليها غرامة جميع ما يؤدّي الزوج للصغيرة أو ينصف بينهما؟
بمعنى أنّ نصف المهر يسقط بواسطة سعي الصغيرة بنفسها إليها وارتضاعها من لبنها ، فسقوط الزوجيّة بفعلها ، فلا تستحقّ نصف المهر لشركتها مع الكبيرة في إسقاط الزوجيّة ، والنصف الآخر تغرمه الكبيرة لشركتها في إسقاط الزوجيّة بتمكينها الرضيعة من الامتصاص والارتضاع.
ولكن أنت خبير بأنّ جميع هذه الوجوه والكلمات ظنون استحسانيّة غير معتبرة لا ينطبق على قواعد باب الضمان ، وعرفت أنّه لا وجه لسقوط المهر.
هذا كلّه بالنسبة إلى المرتضعة الصغيرة ، وأمّا المرضعة الكبيرة التي سقطت زوجيّتها وبطل نكاحها بواسطة الرضاع المحرّم ، فإن كان الزوج دخل بها فلا مورد للشكّ في ثبوت مهرها وعدم سقوطه ، وأمّا إن لم تكن مدخولة وفسد نكاحها بالرضاع المحرّم ـ وكان إرضاعها باختيارها بدون ملزم شرعي ولا إجبار ولا إكراه ـ فربما يقال بسقوط مهرها ، لأنّها سببت سقوط زوجيّتها من دون إجبار ولا إكراه ولا ملزم شرعي في البين ، فيكون حالها حال المرتدة قبل الدخول ، وقد أفتى بذلك سيّدنا الأستاذ في كتابه وسيلة النجاة (122).
ولكن أنت خبير بأنّ إجراء حكم المرتدة قبل الدخول عليها قياس باطل اللهمّ إلاّ أن يكون إجماع على السقوط في هذه الصورة ، وإلاّ قد عرفت أنّ مقتضي القواعد الأوليّة عدم السقوط مطلقا ، وعدم ضمان المرضعة مطلقا.
في أنّه كما أنّ العناوين السبعة النسبيّة المعروفة المذكورة في الآية الشريفة ـ وهي الأمّ والبنت والأخت والعمّة والخالة وبنت الأخ وبنت الأخت ـ إن حصلت بالرضاع ، تكون موجبة للحرمة كذلك أربع عناوين أخر ، أي عنوان حليلة الابن ، وعنوان أمّ الزوجة ، وعنوان زوجة أبيه ، وعنوان الربيبة بشرط الدخول بأمّها ، لأنّ هذه العناوين الأربعة أيضا ممّا حرّم الله نكاحهنّ ، ومذكورات في الكتاب العزيز.
غاية الأمر : أنّ العناوين المحرّمة على قسمين : قسم منها تارة يحصل بالنسب وحدها ، وأخرى بالرضاع وحده ـ كعنوان الأمّ والبنت والأخت ـ وقسم منها لا يحصل بالرضاع وحده ، بل لا بدّ من انضمام نسب أو سبب إليه ، كالعناوين الأربعة المتقدّمة ، فإنّ هذه العناوين الأربعة لا تحصل بالرضاع وحده ، ولا بد في تحقّقها من وجود سبب في البين ، كما أنّها لا تحصل بالنسب وحده أيضا.
والحاصل : أنّ العنوان الذي جعل الشارع موضوعا لحرمة النكاح ، كما أنّه لو حصل بالنسب وحده ، أو به وبالنسب مركّبا منهما ـ كالعناوين الأربعة المتقدّمة ـ يكون محرّما ، كذلك لو حصل بالرضاع وحده ، أو به وبالسبب مركّبا منهما كالعناوين الأربعة المذكورة ، يكون محرّما ، لقوله صلى الله عليه واله : « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » ولا يلزم أن يكون حصول العنوان بالرضاع وحده.
ولكن فليعلم أنّه في الموضوعات المركّبة من السبب والنسب إنّما يقوم الرضاع مقام ما هو دخيل في الموضوع باعتبار النسب ، لا باعتبار السبب ، مثلا في الموضوعات الأربعة المذكورة ، كحليلة الابن مثلا ، حيث أنّه مركّب من أمرين : أحدهما نسب وهو أنّ الزوج ابن له ، والآخر أنّ هذه المرأة حليلة وزوجته ، فالابن الرضاعي يقوم مقام ابن النسبي.
وأمّا كون هذه المرأة حليلته لا بدّ وأن يتحقّق بسببه ، ولا يمكن أن يحصل بالرضاع ، كما أنّه لا يحصل بالنسب أيضا.
والحاصل : أنّ معنى قوله صلى الله عليه واله : « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » أنّ كلّ ما تحرم بواسطة النسب ـ أي : العنوان الحاصل من النسب ، سواء أكان جزء للموضوع ، أو كان تمام الموضوع ـ يقوم مقامه ذلك العنوان إذا حصل من الرضاع ، فإن كان ذلك العنوان الحاصل من النسب تمام الموضوع ، يكون الحاصل عن الرضاع أيضا تمام الموضوع ، وإن كان جزءا فيكون هو أيضا كذلك ، ويحتاج في ترتيب حكمه إلى وجود جزئه الآخر بسببه.
ثمَّ إنّ الموضوع المركّب تارة يكون الجزء ان حاصلين من النسب ، كبنت الأخ والأخت ، فيقوم الرضاع مقام الاثنين ، فالأخ والأخت الرضاعيين إذا كان لكلّ واحد منهما بنت رضاعي ، تكون كالبنت النسبي للأخ والأخت النسبيين ، غاية الأمر برضاعين : رضاع لحصول الأخية أو الأختيّة ، ورضاع آخر لحصول البنتيّة. وأخرى : أحدهما من النسب والآخر من الرضاع ، كالبنت الرضاعي للأخ النسبي أو لأخت النسبي ، أو بالعكس كالبنت النسبي للأخ أو الأخت الرضاعيين.
والحاصل : أنّ الإضافة الحاصلة بين شخصين أو الأشخاص قد يحصل من النسب ، أي الولادة من أب وأمّ أو من أحدهما ، وقد يحصل من الرضاع ، أي من الارتضاع من ثدي امرأة لبنها يكون من فحل بالشرائط المتقدّمة ، بمعنى أنّه تحصل إضافة بين المرتضع والمرضعة ، وبينه وبين صاحب اللبن ، وحيث أنّ الإضافة من الطرفين وليست متشابهة الأطراف ، كإضافة الأخ إلى الأخ أو الأخت إلى الأخت ، فإنّ الإضافة في الأوّل من الطرفين يعبّر عنها بالأخوّة ، وفي الثاني من الطرفين يعبّر عنها بالأختيّة ، فكلّ واحدة منهما أخت بالنسبة إلى الأخرى.
وتحصل إضافة بين المرتضع وبين أب المرضعة ، وبينه وبين أمّها ، وبينه وبين أخ المرضعة ، وبينه وبين أخت المرضعة ، وهكذا سائر أقارب المرضعة النسبيين لها أو الرضاعيين ، فالإضافة التي تحصل بين المرضعة وبينه تسمّى من طرفه ابنا إن كان المرتضع ذكرا ، أو بنتا إن كانت أنثى ، ومن طرف المرضعة تسمّى أمّا. وهذه الإضافة تسمّى متخالفة الأطراف.
والإضافة التي تحصل بينه وبين صاحب اللبن أيضا متخالفة الأطراف ، ومن طرفه تسمّى ابنا ، ومن طرف صاحب اللبن تسمّى أبا ، والإضافة التي تحصل بينه وبين أخوة صاحب اللبن من طرفهم تسمّى عمّة أو عمّا ، ومن طرف المرتضع تسمّى بابن الأخ أو ابنته ، كما أنّ الإضافة التي تحصل بينه وبين أب صاحب اللبن أو أمّه من طرفهما تسمّى بالجدّ والجدّة ، ومن طرفه تسمّى بالحفيد أو الحفيدة.
والإضافة التي تحصل بينه وبين أب المرضعة أو أمّها من طرفهما أيضا تسمّى بالجدّ أو الجدّة ، ومن طرفه بالسبط أو الحفيدة.
وهكذا بالنسبة إلى سائر الإضافات الحاصلة من النسب تحصل من الرضاع أيضا مثلها ، ويكون الاسم مثل ذلك الاسم.
والفرق أنّ العناوين الحاصلة من النسب ينسب إلى النسب ، والحاصلة من الرضاع ينسب إلى الرضاع ، ففي الأوّل يقال : الأب والأمّ والابن والبنت والأخ والأخت والعمّ والعمّة والخال والخالة والجدّ والجدّة النسبيون ، وفي الثاني يقال أيضا بنفس تلك العناوين والأسماء ، ولكن بإضافة قيّد الرضاعيّون.
والحاصل : أنّ كلّ إضافة تحصل بين شخصين أو أشخاص بواسطة النسب ـ أي : الولادة من أب وأمّ ، أو الولادة من أحدهما ـ تحصل من الرضاع أيضا ، أي من الامتصاص من ثدي امرأة ذات لبن بالشرائط المتقدّمة ، فإذا كان ذلك العنوان الحاصل من النسب موضوعا للحرمة ، فمثل ذلك العنوان إذا حصل من الرضاع أيضا يكون موضوعا لحرمة النكاح ، وإذا كان ذلك العنوان النسبي الذي هو موضوع لحرمة النكاح مركّبا من جزئين ، كلاهما حاصلان من النسب ، فالرضاع يقوم مقام كلّ واحد منهما ، غاية الأمر برضاعين.
وأمّا إذا كان أحد الجزئين يحصل من النسب والآخر من السبب ، فالرضاع يقوم مقام الجزء الذي يحصل من النسب ، وأمّا الجزء الآخر الذي يحصل من السبب ، فلا بدّ من حصوله بسببه ، كي يتمّ الموضوع ، وذلك من جهة أن التنزيل في باب الرضاع باعتبار النسب ، كما تقدّم مفصّلا.
وأمّا العناوين التي لم تجعل موضوعا للحرمة ـ ولكنّها في النسب لا تنفكّ عن أحد العناوين المحرّمة ، وتستلزمها إذا حصلت من الرضاع ، كعنوان أخت البنت مثلا ، حيث أنّه في النسب لا تنفكّ عن كونها إمّا بنتا وإمّا ربيبة مدخولة بأمّها ، وكلاهما من العناوين المحرّمة ـ فلا توجب التحريم من جهة حصول هذا العنوان ، إلاّ أن يكون هناك دليل آخر على التحريم ، كما أنّه في المثل المذكور ورد : « لا ينكح أبو المرتضع في أولاد صاحب اللبن » (123).
ولكن جماعة قالوا : بأنّها أيضا توجب التحريم ، وهذا هو المعروف عندهم بعموم المنزلة.
ولنذكر فروعا يختلف الفتوى عند من يقول بعموم المنزلة وعند من لا يقول وينكر عموم المنزلة ، وإن تقدّم الكلام فيها مفصّلا.
الأوّل : ما تقدّم من المثال ، أعني زوجتك لو أرضعت بلبنك أختها ، فتصير تلك الأخت بنتك الرضاعيّة ، فتصير زوجتك أخت بنتك الرضاعيّة ، وأخت البنت في النسب تستلزم أحد العنوانين المحرّمين ، أي إمّا بنته أو ربيبته المدخولة بأمّها ، وكلاهما من العناوين المحرّمة ، فمن يقول بعموم المنزلة يقول بالتحريم ، ومن لا يقول بعموم المنزلة لا يقول بالتحريم ، وقد بيّنّا فيما تقدّم بطلان عموم المنزلة.
الثاني : لو أرضعت زوجتك بلبنك ابن أخيها أو بنت أخيها ، فذلك الابن أو البنت يصير ابنك أو بنتك ، فتصير زوجتك عمّة لولدك الرضاعي ، وعمّة الولد في النسب ملازمة مع العنوان المحرّم ، أي أخت الإنسان ، فلو قلنا بعموم المنزلة تصير زوجته حراما عليه ، وإلاّ فلا.
الثالث : لو أرضعت زوجتك بلبنك عمّها أو عمّتها أو خالها أو خالتها ، فتصير أمّ هؤلاء ، وعنوان أمّ عمّ الزوجة أو أمّ عمّتها في النسب ملازم مع كونها جدّة للزوجة من طرف الأب ، وهو عنوان محرّم ، وكذلك أمّ خال الزوجة وخالتها في النسب ملازم مع كونها جدّة الزوجة من طرف الأمّ ، وهو عنوان محرّم ، فإذا قلنا بعموم المنزلة تصير تلك الزوجة حراما على زوجها ، وإلاّ فلا.
الرابع : لو أرضعت زوجتك بلبنك أحد أولاد عمّها ، أو أحد أولاد خالها ، فتصير أبا لهم ، أي أبا لابن عمّها وأبا لابن خالها ، وفي النسب عنوان أب ابن عمّ الزوجة ملازم مع كونه عمّا لها ، وعنوان أب ابن خالها ملازم مع كونه خالا لها ، فتصير زوجها عمّا أو خالا لها ، وبناء على صحّة عموم المنزلة فإذا قلنا بصحّة عموم المنزلة تكون تلك الزوجة حراما على زوجها ، وإلاّ فلا.
الخامس : لو أرضعت زوجتك أخاك أو أختك لأبويك ، فتصير أمّا لهما ، أي أمّ أخيك أو أمّ أختك لأبوين ، ولا شكّ في أنّ هذين العنوانين في النسب ملازمان مع كونها أمّا له ، فلو حصلا من الرضاع وقلنا بعموم المنزلة ـ تصير زوجته في المفروض حراما ، لصيرورتها بمنزلة أمّ النسبي. وأمّا إن لم نقل به فلا تحرم ، لأنّ عنوان أمّ الأخ الأبويني أو أمّ الأخت الأبويني لم يجعل في النسب موضوعا لحرمة النكاح ، وإن كان كلّ واحد منهما ملازم مع العنوان المحرّم ، أي عنوان الأمّ.
السادس : لو أرضعت زوجتك ابن ابنتك ، أو ابنة ابنتك ، فتصير أمّا لكلّ واحد منهما ، ولا شكّ أنّه في النسب هذان العنوانان ، أي عنوان أمّ ابن البنت ، أو عنوان أمّ بنت البنت ملازمان لكونها بنتا له ، ولكن نفس هذين العنوانين لم يجعلا موضوعا للحرمة.
فإن قلنا بعموم المنزلة تصير زوجتك حراما عليك ، لأنّها تصير بمنزلة ابنتك النسبي ، وإن لم نقل فلا تحرم ، لأنّ هذين العنوانين الحاصلين من الرضاع المفروض ، أي : عنوان أمّ ابن البنت ، أو عنوان أمّ بنت البنت ليسا من العناوين المحرّمة ، وإن كانا ملازمين في النسب للعنوان المحرّم ، أي البنتيّة.
السابع : لو أرضعت زوجتك ابن أختك أو بنتها ، فتصير أمّ ابن أختك أو أمّ ابنة أختك ، ومعلوم أنّه في النسب هذان العنوانان ملازمان للأختيّة التي هي من العناوين المحرّمة ، وإن لم يكونا بنفسهما من العناوين المحرّمة.
فإن قلنا بعموم المنزلة تصير زوجتك حراما عليك ، لأنّها تصير بمنزلة أختك للنسب ، وإن لم نقل ـ كما أوضحناه فيما تقدّم ـ فلا تحرم ، لأنّ العنوانين الحاصلين من الرضاع ليسا من العناوين المحرّمة.
الثامن : لو أرضعت زوجتك عمّك أو عمّتك أو خالك أو خالتك ، فتصير أمّا لهم من الرضاعة ، ولا شكّ في أنّ عنوان أمّ العمّ وعنوان أمّ العمّة في النسب ملازمان لكونها جدّة للإنسان من طرف أبيه ، إن كان العمّ والعمّة مع أبيه من أمّ واحدة ، وكذا عنوان أمّ الخال وأمّ الخالة في النسب ملازمان لكونها جدّة من طرف أمّك ، إن كان الخال والخالة مع أمّك من أمّ واحدة.
فإن قلنا بعموم المنزلة فتصير زوجتك حراما عليك ، من جهة أنّها تصير بمنزلة جدّتك من طرف أبيك ، أو جدّتك من طرف أمّك ، وهما من العناوين المحرّمة ، أي يكونان من مصاديق عنوان الأمّهات. وأمّا إن لم نقل بعموم المنزلة فلا تحرم ، لأنّ عنوان أمّ العمّ والعمّة والخال والخالة ليس من العناوين المحرّمة ، وإن كانت ملازمة لعنوان المحرّم.
ولا يخفى أنّه جميع الأمثلة المذكورة الثمانية من قسم لحوق الفساد بواسطة الرضاع المحرّم للعقد الصحيح ، كما أنّه لو فرضنا أنّ المرضعة ليس امرأة للشخص المفروض ، بل أجنبيّة عنه ، ويجوز نكاحها ، فبعد الرضاعات المذكورة تصير محرّمة ، فيمنع الرضاع عن وقوع النكاح الصحيح.
فتارة يكون دليل الإثبات هو الإقرار ، كأن يقول : هذه المرأة أختي أو بنتي من الرضاعة ، وهكذا في سائر العناوين المحرمة.
وأخرى : يكون هي البيّنة ، أي شهادة عدلين من الرجال.
وثالثة : شهادة النساء.
أمّا الأوّل ـ أي : في صورة الإقرار ـ فلا شكّ في لزوم الأخذ بما أقرّ إن كان على ضرره ، لقوله صلى الله عليه واله : « إقرار العقلاء على أنفسهم نافذ » (123).
وأماريّة الإقرار لإثبات ما أقرّ به إن كان على ضرره ربما كان أقوى من البيّنة على ثبوت ما أقرّ به ، لأنّ العاقل لا يقدم على الإضرار بنفسه ، فلا بدّ وأن يكون الإقرار على نفسه للفرار عن المفاسد المترتّبة على مخالفة الواقع ، فإذا لم يعلم بكذبه ـ من جهة العلم بأنّ إقراره لدواعي أخر غير بيان الواقع والإخبار عنه ـ لا بدّ وأن يحمل على أنّه بصدد بيان الواقع.
وعلى كلّ حال حجّية الإقرار ـ وأنّه طريق إلى إثبات ما أقرّ به ـ أمر مفروغ عنه فيما إذا كان على ضرره ، وعليها بناء العقلاء في مقام القضاء ، حتّى إنّهم يرون الإقرار من نفس الجناة أقوى دليل على صدور الجناية منه.
وخلاصة الكلام في المقام : أنّ الإقرار بكون هذه المرأة المعلومة إحدى محارمي من أمّ أو أخت أو بنت أو غيرها تارة يلاحظ بالنسبة إلى عمل نفس المقرّ مع تلك المرأة ، فلا أثر لإقراره أصلا ، بل العمل تابع لما هو الواقع ، فإن أحرز بمحرز وجداني أو تعبّدي ـ وبعبارة أخرى : قام عنده حجّة على ثبوت ما أقرّ به ـ يعمل على طبقها ، وإلاّ يكون من قبيل الشكّ في الموضوع ، فيجري أصالة الحلّ ، إلاّ في مواضع المستثناة التي حكم الشرع فيها بالاحتياط ، كما هو المعروف في باب الفروج والدماء ، بل قد يقال في الأموال أيضا.
هذا فيما إذا لم يعلم بخلاف ما أقرّ به ، وإلاّ فواضح لزوم العمل على طبق علمه.
وعلى كلّ حال لا أثر لإقراره بالنسبة إلى عمل نفسه ، فإذا أقرّ بأنّ هذه المرأة التي تحته وزوجته إحدى محارمه أمّا رضاعيّا مثلا ، وهو يعلم بأنّه ليس كذلك ، أو قام عنده حجّة على أنّه ليس كذلك مع كونه شاكّا ، فيجب ترتيب آثار الزوجيّة من لزوم إعطاء مهرها ، ويجب عليه نفقتها وسائر الآثار المذكورة في محلّها.
نعم لو أقرّ عند الحاكم وحكم الحاكم بالانفصال ، فيدخل في المسألة المعروفة ، وهي أنّه هل يجب ترتيب الأثر على حكم الحاكم حتّى مع علم المحكوم عليه بالخلاف ، أو قيام الحجّة عنده على الخلاف ، أمّ لا؟
وأخرى : يلاحظ هذا الإقرار بالنسبة إلى عمل المرأة التي تحته ، فإن صدّقته في هذا الإقرار ، فيرجع إلى إقرارها بثبوت ما أقرّ به هذا الزوج.
وحال هذا الإقرار حال إقرار الزوج في جميع ما ذكرنا ، ولا يجوز لها أن تتزوّج بغير هذا الزوج إن كانت تعلم بكذب إقرار الزوج وتصديقها له ، ومع الشكّ وعدم قيام حجّة على الوجود ولا على العدم ترجع إلى الأصول العمليّة ، وعلى أيّ حال لا أثر لإقراره ، ولا لإقرارها لها.
وثالثة : يلاحظ هذا الإقرار بالنسبة إلى عمل غيرهما الذي لا يعلم كذبه فلا شكّ في أنّه لو أقرّ عند الحاكم يؤخذ بإقراره بالنسبة إلى فيما ضرره ، لا فيما نفعه ، ويكون حال الإقرار عند الحاكم بأنّ زوجته إحدى محارمه رضاعا ، حال الاعتراف بأنّه مديون لزيد مثلا بكذا ، ويثبت ما أقرّ به بالنسبة إلى الأحكام والآثار التي للمقرّ به ، إذا كانت تلك الآثار عليها ، وكذلك يثبت بإقراره بالنسبة إلى الآثار التي عليها ، لا لها لغير الحاكم أيضا إذا لم يعلم بكذبه.
والحاصل : أنّ الإقرار عند العقلاء نافذ بالنسبة إلى ما عليه ، لا بالنسبة إلى ماله ، وإلاّ فكل مدّع في مقام الدعوى مقرّ ومعترف بما يدّعيه ، والشارع أمضى ما سلكه العقلاء في إنفاذ الإقرار بما عليه.
نعم ها هنا كلام في إنكاره للرضاع المحرّم بعد ما أقرّ واعترف به ، وأنّه هل يسمع منه هذا الإنكار ، أم لا بل يعدّ من قبيل الإنكار بعد الإقرار في باب الدعاوي والمخاصمات ، فلا يسمع؟.
والتحقيق في هذا المقام : أنّه وجه عدم سماع الإنكار بعد الإقرار هو أنّه يرجع إلى الإقرار والاعتراف بماله ، لا بما عليه ، والعقلاء بناؤهم على سماع الإقرار إذا صدر عن عاقل ، ونفوذه إذا كان الإقرار عليه لا له ، والشارع أمضى ما هو بناء العقلاء عليه ، ففي الحقيقة يرجع الإنكار لما أقرّ به ممّا يكون عليه إلى دعوى عدم ثبوت ما أقرّ به مع وجود الأمارة على ثبوته ، أعني إقراره ، فيصير هذا الإنكار بعد إقراره مثل أنّ يدّعى شيئا تكون البيّنة على خلافه ، ومعلوم مثل هذه الدعوى لا يسمع.
هذا فيما إذا كان متعلّق إنكاره نفي ما أقرّ به ، وأمّا لو كان مرجع إنكاره إلى دعوى بطلان مدرك إقراره ، كما إذا ادّعى أنّ مدرك إقراري كان إخبار فلان ، مع اعتقادي أنّه صادق القول ، ثمَّ تبيّن لي أنّه كذّاب ، أو كان إخباره بذلك الغرض كذا ، فهذه دعوى جديدة يسمع منه ، بمعنى أنّه يطالب بالبيّنة بخلاف الصورة الأولى ، أي :
فيما إذا كان متعلّق الإنكار نفس ما أقرّ به ، لأنّه لا أثر للبيّنة مع إقراره وثبوته به.
وأمّا الثاني أي إثبات الرضاع بالبيّنة ـ فبعد الفراغ عن حجّية البيّنة وإثباتها لجميع الموضوعات عند الشكّ فيها ، سواء أكان في مقام المخاصمة وعند الحاكم ، أم لا وإن لم يكن مخاصمة في البين ، بل حجّيتها مطلقة وعند أيّ شخص كان.
ومع ذلك كلّه ذكر جماعة من الأصحاب عدم قبول الشهادة على ثبوت الرضاع إلاّ مفصّلة ، بأن يشهد بوقوع الرضاع الذي هو عبارة عن كذا وكذا ، بأن يذكر حقيقته وماهيّته وجميع القيود المعتبرة فيه ، حتّى ولو شهد الشاهدان بوقوع الرضاع المحرّم لا يثبت بها ، فضلا عن أن يكون شهادتهما بالرضاع المطلق من دون قيد المحرّم.
وعلّلوا ذلك بأنّ الرضاع المحرّم يختلف عند الفقهاء من حيث اعتبار الشروط قلّة وكثرة ، فربما يكون ارتضاع خاصّ رضاعا محرّما عند فقيه ، من جهة عدم اعتبار ذلك الشرط المفقود عنده ، وهذا الارتضاع بعينه لا يكون محرّما عند فقيه آخر ، لأجل اعتبار ذلك الشرط المفقود عنده ، فمن الممكن أن يكون المشهود به رضاعا عند الشاهدين اجتهادا أو تقليدا ، ولا يكون رضاعا عند الحاكم ، فلو حكم على طبق شهادتهما فقد حكم على خلاف معتقده واجتهاده.
وبطلان هذا معلوم ، لأنّ جعل الحاكم لأجل الحكم على طبق ما استنبطه من الأدلّة ، ولذلك قال عليه السلام : « انظروا إلى رجل منكم روى حديثنا ، ونظر في حلالنا وحرامنا ، وعرف أحكامنا ، فليرضوا به حكما ، فإنّي قد جعلته عليكم حاكما » إلى أن يقوله عليه السلام : « فإذا حكم بحكمنا فالرادّ عليه » كذا وكذا ، إلى آخره (124).
فلا بدّ للحاكم أن يحرز بمحرز وجداني أو تعبّدي أنّ ما يحكم به يكون حكمهم : كي يكون الردّ عليه حراما ، والمفروض فيما نحن فيه أنّه ليس في المقام محرز وجداني ولا تعبّدي على أنّ المشهود به هو الرضاع المحرّم ، ولو صرّح بأنّه رضاع محرّم ، إذ الرضاع المحرّم مختلف عند الفقهاء من حيث الكميّة والكيفيّة.
ولا يمكن أن يدّعى أنّ لفظ الرضاع المطلق أو الرضاع المحرّم ظاهر في الرضاع الذي جعله الشارع موضوعا للحرمة ، فبعد الفراغ عن حجّية البيّنة وحجّية الظواهر كلام الشاهدين يكون محرزا تعبديا لموضوع الحرمة ، أعني ما جعله الشارع محرّما.
وذلك من جهة أنّ حجّية الظواهر من جهة بناء العقلاء على إرادة ما هو ظاهر اللفظ منه في مقام التفهيم والتفهّم. وهذا فيما إذا كان المعنى الذي هو ظاهر اللفظ معلوما عندهم. وأمّا لو كان معنى اللفظ مختلفا عند المتكلّم والمستمع ، ومعلوم أنّ الظاهر من اللفظ حينئذ أنّ المراد هو الذي يكون معنى اللفظ عنده ، أي المتكلّم ، فلو كان ما هو المعنى عنده ـ أي المتكلّم ـ معلوما فيحمل عليه.
وأمّا إذا لم يكن ما هو معنى اللفظ عنده معلوما ، كما فيما نحن فيه ، فيصير مجملا ومن قبيل استعمال اللفظ المشترك في بعض معانيه بدون قرينة معيّنة لذلك البعض ، فلا بدّ للشاهدين حينئذ من التفصيل وشرح ما هو مراده من لفظة الرضاع المطلق ، أو الرضاع المحرّم ، كي يفهم من يقوم عنده البيّنة مراد الشاهدين ، وأنّ المشهود به هو ما ذا.
نعم لو علم الحاكم من الخارج أنّ معنى الرضاع عند الشاهدين هو المعنى المختار عنده ، فلا يحتاج في حكمه بتحقيق الرضاع إلى الشرح والتفصيل ، وكذلك الأمر في صورة العلم بأنّ معنى الرضاع عند الشاهد اجتهادا أو تقليدا كذلك في غير الحاكم أيضا بالنسبة إلى ترتيب الأثر ، فإن علم بالموافقة أو المخالفة فالأمر واضح ، وإن لم يعلم فيحتاج في ترتيب الأثر مثل الحكم إلى التفصيل ، كي يعلم الموفقة أو المخالفة ، ويرتّب أثر كلّ واحد منهما عليه.
ثمَّ إنّ الذي ذكرنا ـ من لزوم تفصيل الشاهد مراده من الرضاع ـ يجري في كلّ ما هو من هذا القبيل ، أي ما كان معنى اللفظ مختلفا عند أهل المحاورة ، خصوصا عند المتكلّم والسامع وعند الشاهدين ومن تقوم عنده البيّنة ، كلفظ « الكرّ » مثلا ، فإنّ فيه اختلافا كثيرا بين الفقهاء من حيث الوزن والمساحة ، ولو شهد الشاهدان العادلان على كرّية ماء ، وكان ما هو معنى الكرّ عندهما معلوما عند من تقوم عنده البيّنة ، فلا إشكال ، لأنّه إن كان موافقا مع مختاره اجتهادا أو تقليدا يرتّب أثر الكرّية على ذلك الماء ، ويثبت كرّيته عنده ، وإلاّ فلا.
وأمّا إذا كان ما هو المعنى للفظ الكرّ ـ اجتهادا أو تقليدا ـ غير معلوم ، فبناء على ما ذكرنا من لزوم التفصيل في الشهادة على الرضاع ، يجب التفصيل ها هنا أيضا ، لكن ظاهر الأصحاب ها هنا قبول الشهادة مطلقا وترتيب آثار الكرّ الواقعي ، مع أنّه لا فارق في البين.
وأمّا الثالث ـ أي إثبات الرضاع بشهادة النساء ـ فالمسألة ذات قولين فذهب جماعة منهم الشيخ (125) والعلاّمة (126) في بعض كتبه إلى عدم قبول شهادتهن فيه. وذهب جماعة أخرى إلى القبول ، منهم الشيخ الأجل المفيد (127) والمرتضى .
لا شكّ في أنّ مقتضى القواعد الأوّليّة عدم ثبوت الرضاع إلاّ بالعلم الوجداني أو البيّنة ، هو مفاد قوله عليه السلام : « الأشياء كلّها على هذا حتّى يتبيّن لك أو تقوم به البيّنة » (128) .
والظاهر أنّ المراد بالبيّنة معناها المصطلح عند الفقهاء ، وهو شهادة رجلين عادلين ، فقبول قول النساء وشهادتهنّ في باب الرضاع يحتاج إلى دليل يدلّ عليه.
وما يمكن أن يكون أمران.
الأوّل : مرسلة ابن بكير عن الصادق عليه السلام في امرأة أرضعت غلاما وجارية؟ قال عليه السلام : « يعلم ذلك غيرها؟ » قلت : لا ، قال : فقال : « لا تصدّق إن لم يكن غيرها » (129).
فمفهوم قوله عليه السلام « لا تصدّق إن لم يكن غيرها » هو أنّها تصدّق إن كان غيرها ، وهذا بإطلاقه يشمل فيما إذا كان ذلك الغير امرأة أخرى ، فينتج أنّه لو كانت هناك امرأة أخرى مع المرضعة وشهدوا بوقوع الرضاع يقبل قولهما وتصدّقان.
وفيه : أنّ ظاهر قوله عليه السلام : « لا تصدّق إن لم يكن هناك حجّة أخرى » غير إخبارها ، فالمرسلة في مقام نفي حجّية إخبار المرضعة واحتياج إثبات الرضاع إلى حجّة أخرى ، وهي كالبيّنة مثلا ، لا أنّ قولها وحدها ليس بحجّة ، ومع انضمامها إلى امرأة أخرى حجّة ، ولا أقلّ من تكافؤ الاحتمالين.
هذا ، مضافا إلى أنّ إثبات هذا الحكم المخالف للأصول والقواعد الأوّلية بمثل هذه المرسلة لا يخلو من إشكال.
الثاني : أنّه أي الرضاع ـ من الأمور التي لا يعلم في الأغلب إلاّ من قبلهنّ ، فلو لم يقبل شهادتهنّ يقع الناس كثيرا في مخالفة الواقع ، لأنّه إذا لم تصدّقن ولم تقبل شهادتهنّ ، فيكون المرجع عمومات الحلّ ، لجريان الأصل الموضوعي ، لعدم إمكان قيام البيّنة ، أي شهادة رجلين عدلين ، بحيث يشهدان بأنّ هذا الطفل ارتضع من ثدي هذه المرأة بالتفاهم الثدي والامتصاص منه ، من جهة أنّ مثل هذه الشهادة تحتاج إلى أن يكون هناك رجلين عدلين من محارم المرضعة ، ينظران إلى ثدييها ، وأنّ الطفل التقمه وامتصّ منه ، وهذا الأمر تكرّر خمسة عشر مرّة متوالية ، في كلّ مرّة رضعة كاملة.
ولكن أنت خبير بأنّ وقوع مثل هذا في غاية القلّة بل الندرة ، فلا بأس بأن يقال : بأنّ شهادتهنّ تقبل فيما لم يكن متّهمات ، كما أنّه ربما يستفاد من بعض الأخبار ، حيث أنّه عليه السلام علّل عدم تصديق المرضعة ـ التي هي أمّ ولده ـ بأنّها متّهمة. وفي دعائم الإسلام عن جعفر بن محمّد عليه السلام أنّ رجلا سأله عن جارية له ولدت عنده ، فأراد أن يطأها ، فقالت أمّ ولد له : إنّي قد أرضعتها؟ قال عليه السلام : « تجر إلى نفسها وتتّهم لا تصدّق » (130).
ثمَّ إنّ ها هنا أمور نذكرها تتميما للفائدة :
[ الأمر ] الأوّل : لو ملك الرجل إحدى المحرّمات عليه نسبا ، كالأمّ والبنت والأخت والعمّة والخالة وغيرهنّ ، فينعتقن عليه ، فهل إذا حصلت هذه العناوين من الرضاع وملكهنّ ينعتقن عليه ، أم لا؟
قال في الشرائع : فيه روايتان أشهرهما العتق ، انتهى (131).
وفي المسألة قولان ، أشهرهما من حيث الرواية والفتوى انعتاقهنّ ، بل قال في الجواهر : أنّه المشهور بين المتأخّرين ، وحكى عن بعضهم دعوى الإجماع عليه (132).
وهذا القول ـ أي اتّحاد حكم المحارم الرضاعيّة مع المحارم النسبيّة ـ في هذا الحكم ـ أي الانعتاق بعد حصول ملكيتهنّ ـ هو الأقوى ، وذلك لورود روايات خاصّة في هذا المقام : منها : صحيح أبي بصير وابي العباس وعبيد بن زرارة كلّهم عن الصادق عليه السلام : « ولا يملك أمّه من الرضاعة ولا أخته ولا عمّته ولا خالته ، إذا ملكن عتقن » وقال : « ما يحرم من النسب فإنّه يحرم من الرضاع » وقال : « يملك الذكور ما خلا والدا أو ولدا ، ولا يملك من النساء ذات رحم محرم » وقلت : يجري في الرضاع مثل ذلك؟ قال : « نعم يجري في الرضاع مثل ذلك » (133).
وهناك أخبار أخر أيضا تدلّ على هذا المعنى لا حاجة إلى ذكرها (134).
هذا ، مضافا إلى إمكان ادّعاء شمول لفظة الأمّ وسائر العناوين الرضاعيّة مثل النسبيّة ، بدون عناية ورعاية علاقة.
وبعبارة أخرى : يكون المتفاهم العرفي من هذه الألفاظ معنى عامّ ، ينطبق على الإضافة الحاصلة من الرضاع ومن الولادة ، فإذا كان كذلك فالأخبار المطلقة ـ التي مفادها انعتاق الأمّ أو أحد العناوين الأخر من هذه العناوين من دون التقييد بالنسب أو الرضاع ـ أيضا تشمل المقام.
وأمّا الأخبار المعارضة لهذه الأخبار ، كصحيح الحلبي عن الصادق عليه السلام في بيع الأمّ من الرضاع؟ قال عليه السلام : « لا بأس بذلك إذا احتاج » (135).
فيتقدّم عليها تلك الأخبار المتقدّمة ، ويتعيّن الأخذ بها دون هذه الأخبار ، لإعراض المشهور عنها بناء على أن يكون القول بالانعتاق هو المشهور بين المتأخّرين ، كما ادّعاه صاحب الجواهر (136).
ولكن الترجيح بمثل هذه الشهرة مشكل ، لما ذكرنا في الأصول من أنّ المدار في الجارية والكاسريّة هي الشهرة الفتوائيّة بين المتقدّمين ، وكذلك في الإعراض ، لا الشهرة أو الأعراض فيما بين المتأخّرين ، فالمتعيّن أن يقال بترجيح الأخبار التي تدلّ على الانعتاق ، لمخالفتها للعامّة ، وحمل تلك الأخبار المعارضة لها على التقيّة.
وفي هذا الفرع جهات من البحث ، والمقصود بالذكر ها هنا جهة وحدة حكم الرضاع مع النسب بالنسبة إلى هذا الحكم ، أي انعتاقهنّ لو ملكهنّ الذي بينه وبينهنّ إحدى هذه العلاقات. وأمّا البحث من الجهات الأخر ، ففي كتاب البيع في باب بيع الحيوان.
الأمر الثاني : في أنّه هل يقع الظهار بالعناوين الحاصلة من الرضاع ـ إذا كانت مثل تلك العناوين الحاصلة من النسب التي يقع بها الظهار ، كعنوان الأمّ والأخت أو إحدى المحرّمات الأخر ، بناء على عدم اختصاص وقوعه بخصوص الأمّ ـ أم لا؟
والأقوى عدم الوقوع ، لأنّ وقوع الظهار بها إمّا لأجل كون هذه العناوين حقيقة في ما إذا حصلت من الرضاع كما إذا حصلت من النسب ، فيكون الحكم المترتّب على هذه العناوين ـ أعني حرمة الوطي قبل التكفير ـ مترتّبا عليها إذا حصلت من الرضاع أيضا.
وفيه : أنّ المتفاهم العرفي لا يساعد هذا المعنى.
وإمّا لأجل قوله صلى الله عليه واله : « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ».
ولكن أنت خبير بأنّ التنزيل بلحاظ حرمة النكاح من ناحية حصول هذه العناوين ، لا كلّ أثر مترتّب على هذه العناوين.
وإمّا من جهة قوله عليه السلام : « هو ـ أي الظهار ـ من كلّ ذي محرم ». ومعلوم أنّ ذي محرم عنوان عام يشمل المحارم الرضاعيّة.
وفيه : أنّ عنوان ذي مرحم بحسب المتفاهم العرفي ظاهر في المحارم النسبيّة ، وفي صحيحة زرارة سأل أبا جعفر عليه السلام من الظهار؟ فقال : « هو من كلّ ذي محرم أمّ أو أخت أو عمّة أو خالة ». إلخ (137) وظاهر التفسير هي المحارم النسبيّة.
الأمر الثالث : في أنّ كثيرا من الأحكام التي يترتّب على هذه العناوين إذا كانت حاصلة من النسب لا تترتّب عليها إن كانت حاصلة من الرضاع ، ومن جملتها التوارث ، فلا يرث الابن البنت الرضاعيين من أبيهما أو أمّهما الرضاعيين وهكذا الأمر في سائر العناوين الحاصلة من الرضاع ومن جملتها عدم وجوب نفقة الأقارب عليهم ، مثلا لا يجب نفقة الابن أو البنت الرضاعيين على أبيهما الرضاعي إن كانا فقيرين ، وكذلك بالعكس.
وكذلك الأمر في سائر العناوين الحاصلة من الرضاع ممّا يوجب إعطاء النفقة في مثلها إذا كانت حاصلة من النسب.
ومن جملتها : عدم قود الوالد بقتل ولده ، فإنّه في الولد نسبا لا يقتل الوالد إن قتل ولده ، وإن ثبت ذلك ببيّنة أو إقرار ، ولكن الأب الرضاعي لو قتل ابنه الرضاعي أو بنته يقتل بهما.
ومن جملتها : أنّ الوالد نسبا لا يقطع يده بسرقة مال ولده نسبا ، ولكنّ الأب الرضاعي لو سرق مال ولده الرضاعي يقطع.
ومن جملتها : عدم ولاية الأب الرضاعي على ابنه أو ابنته الرضاعيين ، بخلاف الأب النسبي ، فإنّه له الولاية عليهما وعلى مالهما ما دام كانا صغيرين.
وكذلك ليس للأمّ الرضاعيّة حقّ الحضانة ، لا للابن الرضاعي ولا لابنتها الرضاعية ، بخلاف الأمّ النسبي ، فإنّ لها حقّ حضانة ابنها سنتين ، وحقّ حضانة ابنتها ستّ سنين.
والسرّ في ذلك كلّه : أنّ الأدلّة الدالّة على هذه الأحكام رتّب فيها هذه الأحكام على نفس هذه العناوين ، وهذه العناوين إمّا حقيقة في خصوص ما إذا كانت حاصلة من النسب ـ واستعمالها في الإضافة الحاصلة من الرضاع يكون بالعناية وبرعاية مع المعنى الحقيقي ، فتكون الحاصلة من الرضاع خارجة عن تحت تلك المفاهيم ولا تشملها ـ أو تكون تلك المفاهيم منصرفه عن الحاصلة من الرضاع ، وإن قلنا بأنّها حقيقة فيها أيضا.
وقوله صلى الله عليه واله : « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » (138) فالظاهر منه أنّ التنزيل بلحاظ حرمة النكاح فقط.
وفي ترتّب غير حرمة النكاح من آثار هذه العناوين إذا كانت حاصلة من النسب على الحاصلة من الرضاع يحتاج إلى وجود دليل خاصّ يدلّ عليه ، كما ادّعيناه في الانعتاق إذا ملكهنّ.
والحمد لله أوّلا وآخرا ، وظاهرا وباطنا.
__________________
(*) « عناوين الأصول » عنوان 94 ، « بلغة الفقيه » ج 3 ، ص 119 و130 و207 ، « أصول الاستنباط بين الكتاب والسنّة » ص 169 ، « القواعد » ص 325 ، « قواعد فقه » ص 175 ، « قاعدتان فقهيتان اللاضرر والرضاع » جعفر السبحاني.
(1) النساء (4) : 23.
(2) « الفقيه » ج 3 ، ص 475 ، ح 4665 ، باب الرضاع ، ح 5 ، « وسائل الشيعة » ج 14 ، ص 280 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب 1 ، ح 1 ، « صحيح البخاري » ج 3 ، ص 222 ، باب الشهادة على الأنساب ، والرضاع المستفيض ، « صحيح مسلم » ج 2 ، ص 1070 ، ح 1445 ، كتاب الرضاع ، ح 9 ، باب تحريم الرضاعة من ماء الفحل ، « مسند أحمد » ج 1 ، ص 454 ، ح 2486 ، مسند عبد الله بن عباس.
(3) « الكافي » ج 5 ، ص 437 ، باب الرضاع ، ح 1 ، « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 291 ، ح 1222 ، باب من أحلّ الله نكاحه من النساء وحرم منهن في شرع الإسلام ، ح 58.
(4) « الكافي » ج 5 ، ص 445 ، باب نوادر في الرضاع ، ح 10 ، « وسائل الشيعة » ج 14 ، ص 300 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب 8 ، ح 5.
(5) « الكافي » ج 5 ، ص 445 ، باب نوادر في الرضاع ، ح 11 ، « وسائل الشيعة » ج 14 ، ص 304 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب 13 ، ح 1.
(6) « الكافي » ج 5 ، ص 445 ، باب نوادر في الرضاع ، ح 11 ، « الفقيه » ج 3 ، ص 411 ، ح 4436 ، باب ما أحلّ الله عزّ وجلّ من النكاح وما حرّم منه ، ح 21 ، « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 292 ، ح 1229 ، باب من أحلّ الله نكاحه من النساء وحرّم منهن في شرع الإسلام ، ح 65 ، « وسائل الشيعة » ج 14 ، ص 300 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب 8 ، ح 6.
(7) « الكافي » ج 5 ، ص 446 ، باب نوادر في الرضاع ، ح 16 ، « وسائل الشيعة » ج 14 ، ص 307 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب 17 ، ح 1.
(8) « تهذيب الأحكام » ج 8 ، ص 243 ، ح 878 ، باب العتق وأحكامه ، ح 111 ، « وسائل الشيعة » ج 14 ، ص 307 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب 17 ، ح 2.
(9) « الفقيه » ج 3 ، ص 113 ، ح 3435 ، باب العتق وأحكامه ، ح 3 ، « تهذيب الأحكام » ج 8 ، ص 246 ، ح 877 ، باب العتق وأحكامه ، ح 110 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 29 ، أبواب بيع الحيوان ، باب 4 ، ح 1.
(10) « قرب الإسناد » ص 369 ، ح 1323 ، أحاديث متفرقة ، « الكافي » ج 5 ، ص 440 ، باب : صفة لبن الفحل ، ح 4 ، « وسائل الشيعة » ج 14 ، ص 295 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب 6 ، ح 7.
(11) « الكافي » ج 5 ، ص 441 ، باب : صفة لبن الفحل ، ح 6 ، « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 319 ، ح 1319 ، باب ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ، ح 27 ، « الاستبصار » ج 3 ، ص 199 ، ح 722 ، باب : ان اللبن للفحل ، ح 4 ، « وسائل الشيعة » ج 14 ، ص 295 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب 6 ، ح 8.
(12) « الكافي » ج 5 ، ص 440 ، باب : صفة لبن الفحل ، ح 2 ، « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 319 ، ح 1317 ، باب : ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ، ح 25 ، « الاستبصار » ج 3 ، ص 199 ، ح 720 ، باب : ان اللبن للفحل ، ح 2 ، « وسائل الشيعة » ج 14 ، ص 295 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب 6 ، ح 6.
(13) « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 322 ، ح 1328 ، باب : ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ، ح 36 ، « وسائل الشيعة » ج 14 ، ص 299 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب 8 ، ح 3.
(14) « الكافي » ج 5 ، ص 440 ، باب : صفة لبن الفحل ، ح 5 ، « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 319 ، ح 1318 ، باب : ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ، ح 26 ، « الاستبصار » ج 3 ، ص 199 ، ح 721 ، باب : ان اللبن للفحل ، ح 3 ، « وسائل الشيعة » ج 14 ، ص 294 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب 6 ، ح 5.
(15) « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 321 ، ح 1325 ، باب : ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ، ح 33 ، « وسائل الشيعة » ج 14 ، ص 306 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب 15 ، ح 3.
(16) « الكافي » ج 5 ، ص 444 ، باب : نوادر في الرضاع ، ح 4 ، « وسائل الشيعة » ج 14 ، ص 305 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب 15 ، ح 1.
(17) « الكافي » ج 5 ، ص 445 ، باب : نوادر في الرضاع ، ح 6 ، « وسائل الشيعة » ج 14 ، ص 303 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب 10 ، ح 2.
(18) « الكافي » ج 5 ، ص 444 ، باب : نوادر في الرضاع ، ح 4 ، « وسائل الشيعة » ج 14 ، ص 302 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب 10 ، ح 1.
(19) « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 323 ، ح 1332 ، باب : ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ، ح 40 ، « وسائل الشيعة » ج 14 ، ص 300 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب 8 ، ح 7.
(20) « الكافي » ج 5 ، ص 447 ، في نحوه ( في كتاب النكاح ) ، ح 1 ، « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 293 ، ح 1230 ، باب : من أحلّ الله نكاحه من النساء وحرم منهن في شرع الإسلام ، ح 66 ، « وسائل الشيعة » ج 14 ، ص 300 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب 8 ، ح 4.
(21) « تهذيب الأحكام » ج 8 ، ص 198 ، ح 696 ، باب : السراري وملك الايمان ، ح 2 ، « وسائل الشيعة » ج 14 ، ص 517 ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، باب 19 ، ح 2.
(22) « الفقيه » ج 3 ، ص 451 ، ح 4559 ، أحكام المماليك والإماء ، ح 4 ، « تهذيب الأحكام » ج 8 ، ص 198 ، ح 695 ، باب : السراري وملك الايمان ، ح 1 ، « وسائل الشيعة » ج 14 ، ص 517 ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، باب 19 ، ح 1.
(23) « الكافي » ج 5 ، ص 416 ، باب : الرجل يفجر بالمرأة فيتزوج أمها أو ابنتها. ، ح 8 ، « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 331 ، ح 1360 ، باب : القول في الرجل يفجر بالمرأة ثمَّ يبدو له في نكاحها. ، ح 18 ، « وسائل الشيعة » ج 14 ، ص 325 ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ونحوها ، باب 7 ، ح 1.
(24) « الحدائق الناضرة » ج 23 ، ص 442.
(25) النساء (4) : 23.
(26) « كتاب المكاسب » ص 376 و382.
(27) « الكافي » ج 5 ، ص 313 ، باب النوادر ( من كتاب المعيشة ) ، ح 40 ، « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 226 ، ح 989 ، باب من الزيادات ، ح 9 ، « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 60 ، أبواب ما يكتسب به ، باب 4 ، ح 4.
(28) « جواهر الكلام » ج 29 ، ص 265 و266.
(29) « دعائم الإسلام » ج 2 ، ص 243 ، ح 916 ، ذكر الرضاع.
(30) « الكافي » ج 5 ، ص 446 ، باب : نوادر في الرضاع ، ح 12 ، « وسائل الشيعة » ج 14 ، ص 302 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب 9 ، ح 1.
(31) « الفقيه » ج 3 ، ص 479 ، ح 4682 ، باب الرضاع ، ح 22 ، « وسائل الشيعة » ج 14 ، ص 302 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب 9 ، ح 1.
(32) « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 325 ، ح 1339 ، باب : ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ، ح 47 ، « وسائل الشيعة » ج 14 ، ص 302 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب 9 ، ح 2.
(33) « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 319 ، ح 1316 ، باب : ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ، ح 24 ، « الاستبصار » ج 3 ، ص 199 ، ح 719 ، باب : ان اللبن للفحل ، ح 1 ، « وسائل الشيعة » ج 14 ، ص 294 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب 6 ، ح 6.
(34) « الكافي » ج 5 ، ص 442 ، باب : صفة لبن الفحل ، ح 9 ، « وسائل الشيعة » ج 14 ، ص 293 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب 6 ، ح 1.
(35) « كتاب المكاسب » ص 377.
(36) « جواهر الكلام » ج 29 ، ص 267.
(37) « بداية المجتهد » ج 2 ، ص 35 ، في مانع الرضاع ، نقل عن أبي حنيفة ، « اللباب » ج 3 ، ص 31 ، كتاب الرضاع.
(38) « الموطأ » ج 2 ، ص 604 ، كتاب الرضاع ، ح 11 ، باب رضاعه الصغير ، « المدونة الكبرى » ج 2 ، ص 405 ، كتاب الرضاع ، ما جاء في حرمة الرضاعة ، « بلغة السالك لأقرب المسالك » ج 1 ، ص 515 ، باب في بيان أحكام الرضاع.
(39) « فقه الأوزاعي » ج 2 ، ص 129 ، في أحكام الرضاع ، المسألة الأولى : المقدار المحرم في الرضاع ، « المحلى » ج 10 ، ص 12 ، أحكام الرضاع ، نقل عن الأوزاعي ، « المغني » ج 9 ، ص 193 ، كتاب الرضاع ، (6410) المسألة الأولى ، نقل عن الأوزاعي.
(40) « المغني » ج 9 ، ص 193 ، كتاب الرضاع ، (6410) المسألة الأولى ، نقل عن الثوري.
(41) « جواهر الكلام » ج 29 ، ص 269 ، في شروط الرضاع وأحكامه ، نقل عن البلخي.
(42) « المغني » ج 9 ، ص 193 ، كتاب الرضاع ، (6410) المسألة الأولى ، نقل عن الليث بن سعد.
(43) « دعائم الإسلام » ج 2 ، ص 240 ، ذكر الرضاع.
(44) « جواهر الكلام » ج 29 ، ص 270.
(45) « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 316 ، ح 1308 ، باب : ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ، ح 16 ، « الاستبصار » ج 3 ، ص 196 ، ح 711 ، باب : مقدار ما يحرم من الرضاع ، ح 16 ، « وسائل الشيعة » ج 14 ، ص 285 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب 2 ، ح 10.
(46) « جواهر الكلام » ج 29 ، ص 270 و271.
(47) « مختلف الشيعة » ج 7 ، ص 30 ، في المحرمات بالرضاع ، نقل عن الإسكافي ، « جواهر الكلام » ج 29 ، ص 270 ، في شروط الرضاع وأحكامه ، نقل عن الإسكافي.
(48) « جواهر الكلام » ج 29 ، ص 270.
(49) « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 317 ، ح 1309 ، باب : ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ، ح 17 ، « الاستبصار » ج 3 ، ص 197 ، ح 712 ، باب : مقدار ما يحرم من الرضاع ، ح 17 ، « وسائل الشيعة » ج 14 ، ص 286 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب 2 ، ح 12.
(50) « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 316 ، ح 1307 ، باب : ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ، ح 15 ، « الاستبصار » ج 3 ، ص 195 ، ح 708 ، باب : مقدار ما يحرم من الرضاع ، ح 13 ، « وسائل الشيعة » ج 14 ، ص 290 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب 4 ، ح 1.
(51) « الكافي » ج 5 ، ص 445 ، باب نوادر في الرضاع ، ح 7 ، « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 316 ، ح 1306 ، باب : ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ، ح 14 ، « الاستبصار » ج 3 ، ص 195 ، ح 707 ، باب : مقدار ما يحرم من الرضاع ، ح 12 ، « وسائل الشيعة » ج 14 ، ص 290 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب 4 ، ح 2.
(52) « الكافي » ج 5 ، ص 438 ، باب : حد الرضاع الذي يحرم ، ح 1 ، « وسائل الشيعة » ج 14 ، ص 289 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب 3 ، ح 2.
(53) « الكافي » ج 5 ، ص 438 ، باب : حد الرضاع الذي يحرم ، ح 2 ، « وسائل الشيعة » ج 14 ، ص 288 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب 2 ، ح 21.
(54) « الكافي » ج 5 ، ص 438 ، باب : حد الرضاع الذي يحرم ، ح 5 ، « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 312 ، ح 1294 ، باب : ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ، ح 2 ، « الاستبصار » ج 3 ، ص 193 ، ح 699 ، باب : مقدار ما يحرم من الرضاع ، ح 4 ، « وسائل الشيعة » ج 14 ، ص 289 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب 3 ، ح 1.
(55) « الكافي » ج 5 ، ص 438 ، باب : حد الرضاع الذي يحرم ، ح 6 ، « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 312 ، ح 1295 ، باب : ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ، ح 3 ، « وسائل الشيعة » ج 14 ، ص 288 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب 2 ، ح 23.
(56) « الكافي » ج 5 ، ص 439 ، باب : حدّ الرضاع الذي يحرم ، ح 10 ، « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 313 ، ح 1297 ، باب من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ح 5 ، « وسائل الشيعة » ج 14 ، ص 287 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب 2 ، ح 19.
(57) « الكافي » ج 5 ، ص 439 ، باب : حد الرضاع الذي يحرم ، ح 9 ، « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 313 ، ح 1296 ، باب : ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ، ح 4 ، « الاستبصار » ج 3 ، ص 194 ، ح 701 ، باب : مقدار ما يحرم من الرضاع ، ح 6 ، « وسائل الشيعة » ج 14 ، ص 287 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب 2 ، ح 18.
(58) « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 313 ، ح 1298 ، باب : ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ، ح 6 ، « وسائل الشيعة » ج 14 ، ص 283 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب 2 ، ح 2.
(59) « كتاب المكاسب » ج 378.
(60) « مسالك الأفهام » ج 1 ، ص 372.
(61) « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 315 ، ح 1304 ، باب : ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ، ح 12 ، « الاستبصار » ج 3 ، ص 192 ، ح 696 ، باب : مقدار ما يحرم من الرضاع ، ح 1 ، « وسائل الشيعة » ج 14 ، ص 283 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب 2 ، ح 1.
(62) « المقنع » ص 110 ، باب بدو النكاح ، « وسائل الشيعة » ج 14 ، ص 286 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب 2 ، ح 14.
(63) « فقه الرّضا » ص 234 ، باب : النكاح والمتعة والرضاع.
(64) « الفقيه » ج 3 ، ص 477 ، ح 4673 ، باب الرضاع ، ح 13 ، « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 318 ، ح 1315 ، باب : ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ، ح 23 ، « الاستبصار » ج 3 ، ص 198 ، ح 718 ، باب : مقدار ما يحرم من الرضاع ، ح 23 ، « وسائل الشيعة » ج 14 ، ص 286 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب 2 ، ح 13.
(65) « الفقيه » ج 3 ، ص 477 ، ح 4675 ، باب الرضاع ، ح 15 ، « وسائل الشيعة » ج 14 ، ص 292 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب 5 ، ح 10.
(66) « الفقيه » ج 3 ، ص 477 ، ح 4674 ، باب الرضاع ، ح 14 ، « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 317 ، ح 1310 ، باب : ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ، ح 18 ، « الاستبصار » ج 3 ، ص 197 ، ح 713 ، باب : مقدار ما يحرم من الرضاع ، ح 18 ، « وسائل الشيعة » ج 14 ، ص 292 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب 5 ، ح 8.
(67) « المعتبر » ج 1 ، ص 29 ، مقدمة الكتاب ، الفصل الثالث : في مستند الأحكام.
(68) الشيخ الأنصاري في « كتاب المكاسب » ص 379 ، في شروط انتشار الحرمة بالرضاع.
(69) « معاني الأخبار » ص 214 ، باب : معنى قول الصادق 7 « لا يحرم من الرضاع إلاّ ما كان مجبورا » ، « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 324 ، ح 1334 ، باب : ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ، ح 42 ، « وسائل الشيعة » ج 14 ، ص 284 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب 2 ، ح 7.
(70) « الكافي » ج 5 ، ص 439 ، باب : حد الرضاع الذي يحرم ، ح 8 ، « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 314 ، ح 1302 ، باب : ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ، ح 10 ، « الاستبصار » ج 3 ، ص 194 ، ح 703 ، باب : مقدار ما يحرم من الرضاع ، ح 8 ، « وسائل الشيعة » ج 14 ، ص 283 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب 2 ، ح 5.
(71) « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 313 ، ح 1299 ، باب : ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ، ح 7 ، « الاستبصار » ج 3 ، ص 195 ، ح 706 ، باب : مقدار ما يحرم من الرضاع ، ح 11 ، « وسائل الشيعة » ج 14 ، ص 283 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب 2 ، ح 3.
(72) « قرب الإسناد » ص 170 ، ح 622 ، أحاديث متفرقة ، « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 313 ، ح 1300 ، باب : ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ، ح 8 ، « وسائل الشيعة » ج 14 ، ص 283 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب 2 ، ح 4.
(73) « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 314 ، ح 1301 ، باب : ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ، ح 9 ، « الاستبصار » ج 3 ، ص 193 ، ح 697 ، باب مقدار ما يحرم من الرضاع ، ح 2 ، « وسائل الشيعة » ج 14 ، ص 284 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب 2 ، ح 6.
(74) « المقنعة » ص 502.
(75) « مختلف الشيعة » ج 7 ، ص 29 ، في المحرمات بالرضاع ، حكى عن العمّاني.
(76) « المراسم » ص 149.
(77) « المهذب » ج 2 ، ص 190.
(78) « الكافي في الفقه » ص 285.
(79) « الوسيلة » ص 301.
(80) « مختلف الشيعة » ج 7 ، ص 30.
(81) « إيضاح الفوائد » ج 3 ، ص 46.
(82) « اللمعة الدمشقية » ص 187 ، كتاب النكاح ، الفصل الثالث : في المحرمات.
(83) « رجال الكشي » ص 389 ، ح 729 ، وص 507 ، ح 979 و980.
(84) « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 315 ، ح 1305 ، باب : ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ، ح 13 ،
(85) « كتاب المكاسب » ص 380.
(86) « الفقيه » ج 3 ، ص 477 ، ح 4672 ، باب الرضاع ، ح 12.
(87) « الوافي » 21 ، ص 239 ، ح 21154 ، أبواب بدء النكاح والحثّ عليه ، ح 23.
(88) « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 316 ، ح 1305 ، باب : ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ، ح 13.
(89) « الحدائق الناضرة » ج 23 ، ص 358.
(90) ابن الجنيد الإسكافي في « الفتاوى » ص 236.
(91) « الفقيه » ج 3 ، ص 479 ، ح 4683 ، باب الرضاع ، ح 23.
(92) « الكافي » ج 5 ، ص 443 ، باب : أنّه لإرضاع بعد فطام ، ح 5 ، « وسائل الشيعة » ج 14 ، ص 290 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب 5 ، ح 1.
(93) « الكافي » ج 5 ، ص 443 ، باب : أنّه لإرضاع بعد فطام ، ح 1 ، « وسائل الشيعة » ج 14 ، ص 291 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، 5 ، ح 2.
(94) « الكافي » ج 5 ، ص 443 ، باب : أنه لا رضاع بعد فطام ، ح 3 ، « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 318 ، ح 1313 ، باب : ما يحرم من النكاح في الرضاع وما لا يحرم منه ، ح 21 ، « الاستبصار » ج 3 ، ص 198 ، ح 716 ، باب : مقدار ما يحرم من الرضاع ، ح 21 ، « وسائل الشيعة » ج 14 ، ص 291 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب 5 ، ح 5.
(95) « الكافي » ج 5 ، ص 443 ، باب : أنه لإرضاع بعد فطام ، ح 2 ، « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 318 ، ح 1312 ، باب : ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ، ح 20 ، « الاستبصار » ج 3 ، ص 198 ، ح 715 ، باب : مقدار ما يحرم من الرضاع ، ح 20 ، « وسائل الشيعة » ج 14 ، ص 291 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب 5 ، ح 4.
(96) « مختلف الشيعة » ج 7 ، ص 35 ـ 36 ، مسألة : 3 ، كتاب النكاح ، في الرضاع ، حكى قول ابن أبي عقيل العمّاني.
(97) « جواهر الكلام » ج 29 ، ص 296 ، في شروط الرضاع وأحكامه.
(98) « جواهر الكلام » ج 29 ، ص 297 ، في شروط الرضاع وأحكامه ، حكى عن الإسكافي.
(99) « الفقيه » ج 3 ، ص 476 ، ح 4667 ، باب الرضاع ، ح 7 ، « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 318 ، ح 1314 ، باب : ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ، ح 22 ، « وسائل الشيعة » ج 14 ، ص 292 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب 5 ، ح 7.
(100) الشيخ الأعظم في « كتاب المكاسب » ص 378 ، في شروط انتشار الحرمة بالرضاع ، حكى قول الشهيد.
(101) « الكافي في الفقه » ص 285.
(102) « الغنية » ضمن « الجوامع الفقهية » ص 547.
(103) « الوسيلة » ص 301.
(104) « الغنية » ضمن « الجوامع الفقهية » ص 547.
(105) « جواهر الكلام » ج 29 ، ص 297.
(106) « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 317 ، ح 1311 ، باب : ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ، ح 19 ، « الاستبصار » ج 3 ، ص 197 ، ح 714 ، باب : مقدار ما يحرم من الرضاع ، ح 19 ، « وسائل الشيعة » ج 14 ، ص 291 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب 5 ، ح 6.
(107) « الفقيه » ج 3 ، ص 476 ، ح 4666 ، باب الرضاع ، ح 6.
(108) « الكافي » ج 5 ، ص 444 ، باب : لا رضاع بعد فطام ، ح 5.
(109) النساء (4) : 23.
(110) « الكافي » ج 5 ، ص 441 ، باب : صفة لبن الفحل ، ح 8 ، « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 320 ، ح 1320 ، باب : ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ، ح 28 ، « الاستبصار » ج 3 ، ص 199 ، ح 723 ، باب : ان اللبن للفحل ، ح 5 ، « وسائل الشيعة » ج 14 ، ص 296 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب 6 ، ح 10.
(111) « الكافي » ج 5 ، ص 441 ، باب صفة لبن الفحل ، ح 8 ، « تهذيب الأحكام » ج 7 ص 320 ، ح 1320 ، باب ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ، ح 28 ، « الاستبصار » ج 3 ، ص 199 ، ح 723 ، باب انّ اللبن للفحل ، ح 5 ، « وسائل الشيعة » ج 14 ، ص 296 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب 6 ، ح 10.
(112) « الفقيه » ج 3 ، ص 476 ، ح 4668 ، باب الرضاع ، ح 8 ، « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 321 ، ح 1324 ، باب : ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ، ح 32 ، « الاستبصار » ج 3 ، ص 201 ، ح 727 ، باب : ان اللبن للفحل ، ح 9 ، « وسائل الشيعة » ج 14 ، ص 306 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب 16 ، ح 1.
(113) « الكافي » ج 5 ، ص 447 ، باب نوادر في الرضاع ، ح 18 ، « وسائل الشيعة » ج 14 ، ص 307 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب 16 ، ح 2.
(114) « الكافي » ج 5 ، ص 444 ، باب نوادر في الرضاع ، ح 4 ، « وسائل الشيعة » ج 14 ، ص 302 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب 10 ، ح 1.
(115) البقرة (2) : 237.
(116) « البرهان في تفسير القرآن » ج 1 ، ص 228 ، الأحاديث 1 ـ 4.
(117) « جواهر الكلام » ج 29 ، ص 325.
(118) « جواهر الكلام » ج 29 ، ص 325.
(119) « جواهر الكلام » ج 29 ، ص 325.
(120) « جواهر الكلام » ج 29 ، ص 324 ، في أحكام الرضاع ، المسألة الرابعة.
(121) « الكافي » ج 5 ، ص 292 ، باب الضرار ، ح 2 ، « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 364 ، أبواب الخيار ، باب 17 ، ح 3 ـ 4.
(122) « وسيلة النجاة » ج 2 ، ص 373 ، كتاب النكاح ، القول في الرضاع ، مسألة : 14.
(123) « التنقيح الرائع » ج 3 ، ص 485 ، « جواهر الكلام » ج 35 ، ص 3 ، « عوالي اللئالي » ج 1 ، ص 223 ، ح 104 ، الفصل التاسع ، « وسائل الشيعة » ج 16 ، ص 133 ، أبواب الإقرار ، باب 3 ، ح 2.
(124) « الكافي » ج 1 ، ص 54 ، باب : اختلاف الحديث ، ح 10 ، وج 7 ، ص 412 ، باب : كراهية الارتفاع الى قضاة الجور ، ح 5 ، « الاحتجاج » ص 355 ، « تهذيب الأحكام » ج 6 ، ص 218 ، ح 514 ، باب من إليه الحكم وأقسام القضاة والمفتين ، ح 6 ، « وسائل الشيعة » ج 18 ، ص 99 ، أبواب صفات القاضي ، باب 11 ، ح 1.
(125) « النهاية » ص 462.
(126) « تحرير الأحكام » ج 2 ، ص 11.
(127) « المقنعة » ص 727.
(128) « الكافي » ج 5 ، ص 313 ، باب النوادر ( من كتاب المعيشة ) ، ح 40 ، « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 60 ، أبواب ما يكتسب به ، باب 4 ، ح 4.
(129) « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 323 ، ح 1330 ، باب : ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ، ح 38 ، « وسائل الشيعة » ج 14 ، ص 304 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب 12 ، ح 3.
(130) « دعائم الإسلام » ج 2 ، ص 242 ، ح 908 ، فصل (10) ذكر الرضاع.
(131) « شرائع الإسلام » ج 3 : ص 113 ، كتاب العتق ، الفصل الثالث في : الملك.
(132) « جواهر الكلام » ج 24 ، ص 142.
(133) « الفقيه » ج 3 ، ص 113 ، ح 3435 ، باب العتق وأحكامه ، ح 3 ، « تهذيب الأحكام » ج 8 ، ص 243 ، ح 877 ، في العتق وأحكامه ، ح 110 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 29 ، أبواب بيع الحيوان ، باب 4 ، ح 1.
(134) « الكافي » ج 6 ، ص 178 ، باب ما لا يجوز ملكه من القرابات ، ح 5 ، « تهذيب الأحكام » ج 8 ، ص 243 ، ح 878 ، في العتق وأحكام ، ح 111 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 29 ، أبواب بيع الحيوان ، باب 4 ، ح 3 ـ 4.
(135) « تهذيب الأحكام » ج 8 ، ص 245 ، ح 886 ، في العتق وأحكامه ، ح 119.
(136) « جواهر الكلام » ج 24 ، ص 142.
(137) « الكافي » ج 6 ، ص 153 ، باب الظهار ، ح 3 ، « الفقيه » ج 3 ، ص 526 ، ح 4828 ، باب الظهار ، ح 3 ، « تهذيب الأحكام » ج 8 ، ص 9 ، ح 26 ، باب حكم الظهار ، ح 1 ، « وسائل الشيعة » ج 15 ، ص 511 ، أبواب الظهار ، باب 4 ، ح 1.
(138) « الكافي » ج 5 ، ص 437 ، بابا الرضاع ، ح 2 ، « الفيه » ج 3 ، ص 475 ، ح 4665 ، باب الرضاع ، ح 5 ، « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 291 ، ح 1223 ، باب من أحلّ الله نكاحه من النساء وحرّم منهن في شرع الإسلام ، ح 59 ، « وسائل الشيعة » ج 14 ، ص 280 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب 1 ، ح 1 ـ 3 ـ 4.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|