المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية
آخر المواضيع المضافة
تأثير الجنس ذكر أم أنثى على إنتاجية لحم الماشية تأثير التزاوج بالخلط على زيادة إنتاج لحم الماشية المساكن والأدوات اللازمة لقطيع ماشية اللبن جـمع البيـانـات الدراسـة التشخيصيـة لإعـادة الهـيكلـة (نوع البيانات ــ البيانات على مستوى المنظمة ككل) الدراسـة التشخيصيـة لإعـادة الهـيكلـة (تـخطيـط الدراسـة) مـقيـاس الاستـعداد لإعـادة الهيـكلـة في المنـظمـات حظائر ماشية اللحم وعجول التسمين حـالات اعـادة الهيـكلـة واخـتيار المـستشاريـن (امثلة وتطبيقات) وراثة الألوان وخصائص الغطاء الجلدي وبعض الصفات المورفلوجية للماشية إعادة الهيكلة في مطاعم ماكدونالدز McDonald s أطـراف أخـرى مـؤثـرة فـي إعـادة الهـيكلـة تـحديـد دور المـستشـار في اعادة الهيكلـة وكيفـية اختـيـاره وخـطوات الاسـتشـارة وراثة الصفات الفسيولوجية للماشية وراثة الارتباط بين الخصائص الداخلية للماشية مع إنتاجها وراثة صفة الخصوبة وقيم أخرى للخصائص الفسيولوجية للماشية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8013 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


قاعدة « الجبّ »  
  
328   07:50 صباحاً   التاريخ: 18-9-2016
المؤلف : آية اللَّه العظمى الشيخ محمد الفاضل اللنكراني
الكتاب أو المصدر : القواعد الفقهية
الجزء والصفحة : ص265 - 289.
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / القواعد الفقهية / الجب - الاسلام يجب عما قبله /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-07-27 248
التاريخ: 18-9-2016 329
التاريخ: 2024-07-27 279
التاريخ: 2024-07-27 272

وهي أيضاً من القواعد الفقهية التي يستند إليها في كثير من أبواب الفقه؛ كقضاء الصلاة والصوم، وأصل الحجّ والزكاة، وبعض من أبواب الضمانات وباب الحدود والديات وغيرها، والتكلّم فيها أيضاً في مقامات:

المقام الأوّل: في مدركها، والعمدة في هذا المقام الحديث النبويّ المعروف الذي رواه العامّة‏ (1) والخاصّة‏ (2)؛ وهو قوله صلى الله عليه و آله: الإسلام يجبّ ما قبله.

ففي المحكيّ عن الطبقات لابن سعد في حكاية إسلام المغيرة بن شعبة، أنّه وفد مع جماعة من بني مالك على المقوقس ملك مصر، فلمّا رجعوا قتلهم المغيرة في الطريق، وفرّ إلى المدينة مسلماً، وعرض خمس أموالهم على النبيّ صلى الله عليه و آله، فلم يقبله، وقال: لا خير في غدر، فخاف المغيرة على نفسه وصار يحتمل ما قرب وما بعد، فقال صلى الله عليه و آله: الإسلام يجبّ ما قبله‏‏ (3).

وحكى مثله ابن هشام في السيرة في قصة إسلام عمرو بن العاص و خالد بن الوليد‏ (4).

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم القمّي في تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا} [الإسراء: 90] إلى آخر الآية، قال: فإنّها نزلت في عبداللَّه ابن أبي اميّة أخي امّ سلمة- رحمة اللَّه عليها- وذلك أنّه قال: هذا لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله بمكّة قبل الهجرة، فلمّا خرج رسول اللَّه صلى الله عليه و آله إلى فتح مكّة استقبله عبداللَّه بن أبي اميّة، فسلّم على رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فلم يردّ عليه السلام، فأعرض عنه ولم يجبه بشي‏ء، وكانت اخته امّ سلمة مع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، فدخل إليها وقال : يا اختي إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قبل إسلام الناس كلّهم وردّ عليّ إسلامي، وليس يقبلني كما قبل غيري.

فلمّا دخل رسول اللَّه صلى الله عليه و آله على امّ سلمة قالت: بأبي أنت وامّي يا رسول اللَّه سعد بك جميع الناس إلّا أخي من بين قريش والعرب، رددت إسلامه وقبلت إسلام الناس كلّهم.

فقال صلى الله عليه وآله : يا امّ سلمة إنّ أخاك كذّبني تكذيباً لم يكذّبني أحد من الناس ، هو الذي قال لي : {وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا} ، إلى آخر الآيات، قالت امّ سلمة: بأبي أنت وامّي يا رسول اللَّه ألم تقل: إنّ الإسلام يجبّ ما كان قبله؟ قال صلى الله عليه و آله: نعم، فقبل رسول اللَّه صلى الله عليه و آله إسلامه‏‏ (5).

وفي السيرة الحلبيّة أنّ عثمان لمّا شفع في أخيه ابن أبي سرح قال صلى الله عليه و آله: أما بايعته‏ وآمنته؟ قال: بلى، ولكن يذكر ما جرى منه معك من القبيح ويستحي، قال صلى الله عليه و آله : الإسلام يجبّ ما قبله‏‏ (6).

وفي السيرة المذكورة حكى هذا القول عنه صلى الله عليه و آله في إسلام هبار بن أسود‏ (7).

وروي ذلك في كتب اللّغة أيضاً، ففي مجمع البحرين رواه هكذا: الإسلام يجبّ ما قبله، والتوبة تجبّ ما قبلها من الكفر والمعاصي والذنوب‏‏ (8).

وفي البحار نقل ذلك عن عليّ عليه السلام؛ حيث روى في ذكر قضايا أمير المؤمنين عليه السلام أنّه جاء رجل إلى عمر فقال: إنّي طلّقت امرأتي في الشرك تطليقة وفي الإسلام تطليقتين، فما ترى؟ فسكت عمر، فقال له الرجل: ما تقول؟ قال: كما أنت حتى يجي‏ء عليّ بن أبي طالب، فجاء عليّ عليه السلام فقال: قصّ عليه قصّتك، فقصّ عليه القصّة، فقال عليّ عليه السلام: هدم الإسلام ما كان قبله، هي عندك على واحدة‏ (9).

وبالجملة: شهرة هذا الحديث والرواية عن النبيّ صلى الله عليه و آله توجب انجبار ضعف السند، كما صرّح به صاحب الجواهر في كتاب الزكاة‏ (10)، وكذا المحقّق الهمداني قدس سره في ذلك الكتاب أيضاً في مقام الجواب عن صاحب المدارك لأجل تضعيفه للرواية‏ (11) حيث قال: المناقشة في سند مثل هذه الرواية المشهورة المتسالم على العمل بها بين الأصحاب فممّا لا ينبغي الالتفات إليها، بل وكذا في دلالتها‏ (12)، بل ذكر صاحب‏ العناوين: أنّ هذا الحديث من الأحاديث المسلّمة الصدور‏ (13).

ثمّ إنّه ربما يستدلّ لهذه القاعدة أيضاً بقوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ }‏ (14). وصرّح صاحب الجواهر في كتاب الزكاة بأنّه موافق لقوله صلى الله عليه و آله الإسلام يجبّ ما قبله‏ (15)، ويظهر منه ذلك في كتاب الصوم أيضاً (16).

واستدلّ به في كنز العرفان على عدم وجوب القضاء؛ أي قضاء الصلاة على الكافر الأصلي، واستشكل في شموله للمرتدّ؛ لظهور قوله تعالى: الَّذِينَ كَفَرُوا في الكافر الأصلي‏ (17).

وحكي عن بعض مفسّري المتأخّرين من العامة (18) أنّه ذكر في ذيل هذه الآية ما رواه مسلم في صحيحه عن عمرو بن العاص أنّه قال بعد كلام طويل: لمّا جعل اللَّه الإسلام في قلبي أتيت النبيّ صلى الله عليه و آله فقلت: ابسُط يمينك فلُا بايعك، فبسط يمينه.

قال: فقبضت يدي. قال: مالك يا عمرو؟ قال: قلت: أردت أن أشترط. قال:

تشترط بماذا؟ قلت: أن يُغفر لي. قال: أما علمت أنّ الإسلام يهدم ما كان قبله؟

وأنّ الهجرة تهدم ما كان قبلها ؟ وأنّ الحجّ يهدم ما كان قبله‏ (19)؟ فيظهر منه أنّه جعل الرواية موافقة للآية في المفاد والدلالة.

ولكنّ الظاهر بلحاظ التعبير بالغفران في الآية انحصار مفادها بالمعاصى العملية والمخالفة الاعتقادية في الفروع والاصول، ولازمه عدم ترتّب أثر عليها، فلا يترتّب عليها الحدود والديات التي موضوعها المعصية. وأمّا دلالتها على عدم وجوب قضاء ما فات من عباداته مثل الصلاة والصوم وغيرهما، وعلى سقوط الزكاة بالإسلام وإن كان النصاب موجوداً وأمثالهما، فغير ظاهرة، ولعلّه لأجل ذلك لم يستدلّ بها للقاعدة كثير من الأصحاب رضوان اللَّه تعالى عليهم أجمعين.

وممّا يدلّ على هذه القاعدة سيرة النبيّ صلى الله عليه و آله ومعاملته مع من أسلم من الكفّار، حيث إنّه لم يكلّف أحداً بقضاء العبادات التي فاتت منه في حال كفره، وكذلك بأداء الزكاة مع أنّ العين الزكويّة كانت موجودة عندهم، ومع ذلك لم يطلب منهم زكاة السنين التي كانوا فيها على الكفر. نعم، لو كان حلول الحول بعد إسلامه فلا يسقط، ويجب عليه لتعلّق التكليف بعد الإسلام به، فالسيرة مع قطع النظر عن الرواية أيضاً دليل على القاعدة.

المقام الثاني: في مفاد القاعدة ومدلول الحديث.

فنقول: لا خفاء في أنّ الحديث وارد في مقام الامتنان على من أسلم والتحريص والترغيب إلى قبول الإسلام، وأنّ قبوله يمنع عن بقاء آثار ما فعل أو قال أو اعتقد، وفي الحقيقة تسهيل لطريق قبول الإسلام وتشويق إلى ما يترتّب على قبوله من الآثار والبركات، ويظهر ذلك من ملاحظة الموارد المتقدّمة التي ورد الحديث فيها، كقصّة إسلام المغيرة، وعمرو بن العاص وخالد بن الوليد، وعبداللَّه ابن أبي اميّة، وشفاعة عثمان في أخيه من الرّضاعة، وهبار.

وبالجملة: هذه العبارة حاكية عن منّة الإسلام وتفضّله على من يقبله ويتشرّف به، خصوصاً بعد كثرة المعاصي العملية والاعتقادات السخيفة في الجاهلية من الشرك في العبادة، وقتل النفس، وارتكاب الفجور والمعاصي، من الزنا واللّواط والسرقة وشرب الخمر وغيرها.

وبعد ذلك نقول: إنّ مفاد الحديث أنّ كلّ فعل أو قول أو تركهما، أو اعتقاد، إذا كان يترتّب عليه في الإسلام ضرر أو عقوبة، فالإسلام يوجب عدم ترتّب ذلك الضرر أو العقوبة، وينظر بذلك بنظر العدم ويجعله كأنّه لم يتحقق ولم يصدر، لكن هذا فيما إذا كان الضرر والعقوبة ثابتاً في الإسلام فقط؛ بمعنى أنّه لو كان مسلماً ويصدر منه ذلك العمل لكان يترتّب عليه الضرر أو العقوبة، ولكنّه حيث لا يكون في الكفر محكوماً بهذا الحكم، فالإسلام يجبّ ويقطع ويهدم ما قبله ويجعله كأنّه لم يصدر أصلًا، فإذا تحقّق منه الزنا في حال الكفر فحيث أنّه لا يكون الزنا في الكفر محكوماً بترتّب الحدّ عليه، فالإسلام يهدمه ويجعله كأنّه لم يتحقّق، وهكذا.

وكذلك الترك الصادر منه في حال الكفر إذا ترتّب عليه أثر في الإسلام، كالقضاء والكفارة، لا يترتّب عليه الأثر بعد الإسلام، فلا يترتّب على ترك الصلاة قضاء، وإن كان الكافر مكلّفاً بها في حال الكفر، بناءً على أنّ الكفّار مكلّفون بالفروع أيضاً. وكذا لا يترتّب على ترك الصوم قضاء ولا كفّارة. هذا إجمال معنى الرواية.

وأمّا التفصيل بلحاظ المسائل الواقعة من الكافر في حال الكفر، فنقول:

منها: الشرك والكفر الواقع من الكافر، ولا ريب في أنّ الإسلام يجبّه ويفرضه كالعدم، فلا يترتّب عليه العذاب الاخروي، فإذا أسلم ثمّ مات بلا فصل، فكأنّه لم يتحقق منه الشرك- الذي هو ظلم عظيم- والكفر في مدّة حياته أصلًا، بل يلقى اللَّه مسلماً طاهراً وإن كان زمان إسلامه بالإضافة إلى زمان كفره في غاية القلّة.

ومنها: المحرّمات الشرعية والمعاصي التي رتّب عليها الحدّ أو التعزير، كالأمثلة المتقدمة؛ فإنّه لا يترتّب عليها بعد إسلامه، ولو زنى في السابق ألف مرّة أو سرق كذلك.

ومنها: العبادات والحقوق المختصة باللَّه تعالى مع عدم اعتقادهم بها في حال‏ الكفر، كالصلاة والصيام بل الحجّ، فتركها لا يترتّب عليه بعد الإسلام شي‏ء من القضاء والكفّارة، حتى الحج في ما إذا كان مستطيعاً حال كفره واستقرّ عليه ولم يأت به، فصار غير مستطيع ثمّ أسلم.

نعم، لو كانت الاستطاعة باقية بعد الإسلام فالظاهر هو الوجوب؛ لتوجهه إليه بعده، وقد استدلّ جمع من الفقهاء لسقوط القضاء بهذه القاعدة (20)، بل يظهر من صاحب العناوين أنّ هذا القسم واضح الدخول تحت الخبر (21) ، وقد عرفت جريان السيرة النبويّة القطعية على عدم تكليف أحد من الكفّار الذين أسلموا بقضاء ما فات منه من الصلاة والصيام وغيرهما.

ومنها: حقوق اللَّه مع اعتقادهم باشتغال الذمّة بها في كفرهم، كما لو كان في دينهم مثلًا أنّ قتل الخطأ يجب فيه عتق رقبة، فتحقق منه القتل كذلك ثمّ أسلم، فهل الإسلام يجبّ ذلك أيضاً؟ الظاهر هو الجبّ وعدم وجوب عتق الرّقبة عليه.

ودعوى أنّ الإسلام يجبّ ما يلزم الإنسان من جهة الإسلام، فإذا أسلم الكافر فالشي‏ء الذي اشتغلت ذمّته به من جهة دين الإسلام فهو يسقط عنه، لا ما اشتغلت ذمّته بسبب آخر، مدفوعة بأنّ اشتغال ذمّته به بعد الإسلام لابدّ وأن يكون مستنداً إلى ما كان عليه من الكفر، والمفروض أنّه رجع عنه واعتقد خلافه الذي هو الإسلام، ومجرّد اعتقاده في السابق لا يوجب ثبوته.

نعم، مقتضى ما ذكرنا في معنى الحديث إجمالًا عدم السقوط هنا، لأنّا ذكرنا أنّ مفاد القاعدة سقوط الآثار المترتبة في الإسلام فقط، ولم تكن تلك الآثار ثابتة في حال الكفر، وأمّا مع ثبوتها في حال الكفر أيضاً فالحديث لا يدلّ على سقوطها، كما لا يخفى.

ومنها: حقوق اللَّه المشتركة بين اللَّه وبين المخلوقين كالزكاة والخمس، والظاهر شمول الحديث لها، وقال في الجواهر في باب الزكاة: ومنه يستفاد ما صرّح به جماعة من سقوطها بالإسلام وإن كان النصاب موجوداً؛ لأنّ الإسلام يجبّ ما قبله، المنجبر سنداً ودلالة بعمل الأصحاب- إلى أن قال:- بل يمكن القطع به بملاحظة معلوميّة عدم أمر النبيّ صلى الله عليه و آله لأحد ممّن تجدّد إسلامه من أهل البادية وغيرهم بزكاة إبلهم في السنين الماضية، بل ربما كان ذلك منفرّاً لهم عن الإسلام، كما أنّه لو كان شي‏ء منه لذاع وشاع، ثمّ قال: فمن الغريب ما في المدارك من التوقّف في هذا الحكم؛ لضعف الخبر المزبور سنداً ومتناً (22) .

وقد عرفت أنّ الإشكال في الحديث من جهة السند ممّا لا مجال له أصلًا، وأمّا من جهة الدلالة فلا وجه له؛ لظهور شموله لهذه الموارد، والإشكال فيها من جهات اخرى سيأتي البحث عنه، فانتظر.

نعم، استشكل في السقوط في هذه الحقوق تارة: من جهة ما عرفت من مجمع البحرين من العطف على الحديث قوله : والتوبة تجبّ ما قبلها من الكفر والمعاصي والذنوب‏ ؛ نظراً إلى اتّحاد السياق، وذكر الكفر في عداد المعاصي والذنوب، مع أنّ التوبة لا أثر لها إلّا بالإضافة إلى العقوبة، فجبّ الإسلام أيضاً يكون بهذه الملاحظة فقط.

واخرى: من جهة أنّ الحديث إنّما هو في مقام الامتنان، كحديث الرفع، ودليل نفي العسر والحرج، وهو إنّما يتمّ إذا لم يعارض بالامتنان في مورد آخر، وفي المقام‏ يكون الامتنان على الكافر بإسقاط الزكاة عنه معارضاً لحقّ مستحقّي الزكاة من الأصناف الثمانية المذكورة في الكتاب‏ (23).

وثالثة: بأنّ البعث سبب إلى العمل المبعوث إليه، فإذا كان العمل المبعوث إليه مقيّداً بالإسلام، وكان الإسلام مسقطاً للتكليف يلزم علّية الشي‏ء لعدم نفسه، وهو مستحيل.

والجواب: أنّ عطف التوبة لا يقتضي الإتّحاد بعد كونهما حكمين مستقلّين، خصوصاً بعد ملاحظة الموارد المتقدّمة التي ورد فيها الحديث والامتنان في المقام، حيث أنّه يرجع إلى أساس الإسلام في مقابل الكفر، وإلى التحريض والترغيب في رفع اليد عن الكفر، فلا يقاس بالامتنان الذي يتضمّنه جعل الزكاة للأصناف الثمانية خروجاً عن الفقر والمسكنة وغيرهما، مع أنّه ليس بالإضافة إلى كلّ واحد من الأصناف امتناناً، فإنّ العاملين عليها إنّما يأخذون اجرة عملهم، ولو لا الزكاة لكانوا يعملون في بعض الامور الاخرى‏، فالإشكال من هذه الجهة مندفع.

وأمّا الاستحالة، فربما يجاب عنها بأنّ مقتضى الحديث أنّ الإسلام يكون علّة لإثبات التكاليف عليه في المستقبل فقط لا بالنسبة إلى الماضي.

ومرجع هذا الجواب إلى أنّ ما اشتهر من كون الكفّار مكلّفين بالفروع كالأصول‏ (24) ، إنّما هو بالنسبة إلى الكافر الذي بقي على كفره إلى آخر عمره، وأمّا الكافر الذي أسلم فلا يكون مكلّفاً بالفروع في زمن كفره، وهذا في غاية الضعف والوهن؛ فإنّه لا دلالة لحديث الجبّ على ذلك بوجه، بل مفاده أنّ الكافر وإن كان‏ مكلّفاً، إلّا أنّ الإسلام رفع اليد عمّا سبق وجعله كالعدم، فالتكليف كان ثابتاً، ولكنّه رفع عنه بعد الإسلام، كحديث الرفع‏ بالإضافة إلى الامور المذكورة فيه.

والحقّ في الجواب أن يقال- مضافاً إلى النقض بالصلاة والصيام والحجّ، فإنّ تركها مجبوب بالإسلام، مع أنّها لا تصحّ في حال الكفر؛ لمدخليّة الإسلام في صحّتها-: إنّ هذه الاستحالة إنّما تتحقّق إذا كان الخطاب متوجّها إلى خصوص الكفّار، كالخطاب المتوجّه إلى العاجز، وأمّا لو كان الخطاب متوجّها إلى العموم من دون فرق بين المسلم والكافر، فلا تكون صحّة هذا الخطاب متوقّفة على صحّته بالنسبة إلى كلّ واحد من المخاطبين، ألا ترى أنّه يصحّ الخطاب إلى جماعة بخطاب واحد أن يعملوا عملًا ولو مع العلم بعدم قدرة بعضهم على إيجاد العمل؟ نعم، لو كان الجميع أو الأكثر غير قادرين لما صحّ الخطاب.

وأمّا مع عجز البعض فلا مانع منه، مع أنّه لو إنحلّ الخطاب الواحد إلى خطابات متعدّدة لما صحّ؛ لاستحالة بعث العاجز مع العلم بعجزه، وفي المقام أيضاً كذلك؛ فإنّ قوله تعالى: { وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة: 43] عامّ يشمل المسلم والكافر، ولا ينحلّ إلى خطاب خاصّ بالكافر حتى يقال بالاستحالة؛ نظراً إلى علّيّة الشي‏ء لعدم نفسه، فالكافر مادام كافراً يكون مكلّفاً بالعبادات المذكورة، ومن شرائط صحّتها الإسلام، وبعد الإسلام لا يجب عليه إتيان ما فات في حال الكفر، فتدبّر جيّداً.

ومنها: الحقوق المختصّة بالمخلوقين مع اعتقادهم بثبوتها في أديانهم، كالدّين وضمان المغصوب وضمان الإتلاف ونحو ذلك، والظاهر أنّه لا دلالة للحديث على‏ سقوطها؛ لما ذكرنا من أنّ مفاده سقوط الآثار المترتّبة في الإسلام فقط، وأمّا الآثار الثابتة في حال الكفر أيضاً بمقتضى الدين، أو بمقتضى حكم العقل وقضاء ضرورته، فلا دلالة للحديث على سقوطها، والحقوق المذكورة من هذا القبيل، فيلزم على الكافر الذي تجدّد إسلامه أداء ديونه والخروج عن عهدة الغصب والإتلاف ونحوها، وظاهر الأصحاب أيضاً عدم السقوط.

ومنها: الحقوق المختصّة بالمخلوقين مع عدم اعتقادهم بثبوتها في أديانهم، كما لو لم يعتقدوا أنّ قتل العمد فيه القصاص، أو أنّ قتل الخطأ فيه الدية على العاقلة، فإذا أسلم الكافر وقد ارتكب القتل عمداً أو خطأً فهل يسقط القصاص أو الدية عنه في الإسلام، أم لا؟

ظاهر كلمات الأصحاب عدم السقوط؛ لإطلاقهم أنّ حقّ المخلوق لا يسقط (25).

ولكنّ الظاهر بمقتضى ما ذكرنا في مفاد الحديث إجمالًا هو السقوط؛ لأنّ المفروض ثبوت القصاص مثلًا في الإسلام، ولم يكن له سابقة في سائر الأديان، وليس ثبوته بمقتضى حكم العقل والعقلاء، وقوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} [البقرة: 179] يشعر بعدم تخضّع أولي الألباب في أنفسهم لهذا الحكم الإلهي، بل يحتاج إلى إرشاد اللَّه تبارك وتعالى، خلافاً لما يحكم به العقل البدوي من كون القصاص ضمّ موت إلى موت آخر، وإعدام زائد على إعدام آخر.

وعليه: فمقتضى قوله صلى الله عليه و آله: «الإسلام يجبّ ما قبله»، هو السقوط، خصوصاً في مسألة ثبوت الدية على العاقلة، الذي لا يتطرّق إليه العقل بوجه.

نعم، هنا إشكال؛ وهو أنّ الظاهر ثبوت القصاص في النفس في الأديان‏ السّابقة أيضاً، دون القصاص في ما دون النفس؛ فإنّه ثابت في الإسلام ومن أحكامه، ومقتضى ما ذكرنا في معنى الحديث عدم جبّ الإسلام ما كان ثابتاً فيه وفي الأديان السابقة، بل يختصّ الجبّ بخصوص ما ثبت في الإسلام من الآثار والأحكام، فاللازم حينئذ عدم رفع الإسلام للقصاص الذي هو من حقوق المخلوقين، وكان ثابتاً عند الكافر وعلى حسب اعتقاده أيضاً، مع أنّ الظاهر أنّه صلى الله عليه و آله لم يحكم بقصاص من أسلم من الكفّار القاتلين، بل يظهر من قصّة إسلام المغيرة بن شعبة المحكيّة في الطبقات لابن سعد ... عدم حكمه صلى الله عليه و آله بقصاصه، مع أنّه غدر بأصحابه وقتلهم وفرّ إلى المدينة.

ودعوى أنّ عدم الحكم بالقصاص لا يكون مستنداً إلى قاعدة الجبّ، بل مستند إلى قوله صلى الله عليه و آله: كلّ دم كان في الجاهلية فهو تحت قدميّ هاتين‏ (26)، مدفوعة باستناد النبيّ صلى الله عليه و آله: في قصّة المغيرة إلى أنّ الإسلام يجبّ ما قبله، وهو ظاهر في دلالة القاعدة على سقوط القصاص أيضاً.

واللازم أن يقال بعدم دلالة الحديث على سقوط القصاص كما ذكرنا في معناه، وقصّة المغيرة لا تكون معتبرة بجميع خصوصياتها، بل حكايتها إنّما هي للاشتمال على القاعدة. وبعبارة اخرى: حجّيتها بالإضافة إلى القاعدة المذكورة فيها لا تستلزم حجّيتها بالإضافة إلى جميع الخصوصيات الواقعة فيها، التي منها القتل الموجب للقصاص، كما لا يخفى.

فالحقّ أنّ سقوط القصاص كان مستنداً إلى أمر آخر، من دون فرق بين القتل الواقع في القضايا الشخصية والموارد الجزئية، وبين القتل الواقع في الغزوات الواقعة بين المسلمين والكفّار، حيث لم ينقل الحكم بالقصاص في شي‏ء منها، بل المعلوم من عمل النبيّ صلى الله عليه و آله وسيرته الخلاف، كما لا يخفى على من رجع إلى التاريخ.

ومنها: العقود والايقاعات، كالبيع والنكاح والطلاق الصادر من الكافر حال كفره، فإذا باع داره في تلك الحال ببيع فاقد لبعض شرائط الصحّة في الإسلام، كما لو فرض أنّه باعه بثمن مجهول، أو تزوّج بنكاح كذلك، أو طلّق زوجته بطلاق كذلك، كما إذا كان فاقداً لشرط حضور العدلين مثلًا، فمقتضى إطلاق القاعدة تماميّة تلك العقود والايقاعات بعد كون الشرائط من خصائص الإسلام، فلا يبطل بيعه ولا نكاحه ولا طلاقه.

وما ... في قضايا أمير المؤمنين عليه السلام من عدم الاعتبار بالتطليقة الواحدة الواقعة في حال الشرك‏، فهو ليس بمعنى بطلان ذلك الطلاق بالمرّة، بل بمعنى عدم عدّه من الطلقات الثلاث المؤثّرة في الحرمة والافتقار إلى المحلّل، وعدم كونه جزءاً للسّبب من هذه الجهة.

ثمّ إنّ معنى صحّة النكاح الواقع منه في حال كفره لا يرجع إلى صحّته ولو بالإضافة إلى ما يمكن رعايته بقاءً في حال الإسلام أيضاً، فإذا أسلم المجوسيّ وقد نكح امّه أو اخته أو بنته، فمعنى القاعدة يرجع إلى ملاحظة هذا النكاح بالنسبة إلى ما مضى كالعدم، وأمّا بقاءً فلا مجال لتوهّم اقتضاء القاعدة صحّة النكاح، بحيث كان المجوسيّ المسلم باقياً على نكاح إحدى‏ محارمه، كما أنّه إذا أسلم الزوج الكافر دون زوجته، وقلنا بعدم صحّة هذا النكاح بقاءً أيضاً، لا يكون مفاد القاعدة الصحّة ولو بحسب البقاء، كما لا يخفى.

ومنها: الأسباب الواقعة في حال الكفر؛ كأسباب الوضوء والغسل، وأسباب الغسل- بالفتح- وأسباب تحريم النكاح من رضاع أو مصاهرة أو وطء في عدّة أو لذات بعل، أو لواط بالنسبة إلى امّ الموطوء وبنته واخته، وتطليقات موجبة للتحريم حتى تنكح زوجاً غيره، أو للتحريم المؤبّد كما لو كانت تسعاً، فهل مقتضى القاعدة الجبّ في الجميع، أو أنّها لا تقتضي الجبّ في شي‏ء منها، أو اللازم هو التفصيل؟ وجوه واحتمالات.

أمّا الوجه الأوّل: فيبتني على إطلاق القاعدة، خصوصاً مع ملاحظة أنّ القاعدة كما عرفت إنّما هي لطف ومنّة، والغرض منها التحريص والترغيب بقبول الإسلام ورفع اليد عن الكفر ، وهذا الغرض موجود في هذا المقام، مع أنّ الشارع إذا أسقط الزكاة والخمس- مع ثبوت حقّ الفقراء والسّادة- ترغيباً وتشويقاً إلى الإسلام، فإسقاط هذه الأسباب عن السببيّة يكون بطريق أولى، ومع أنّ رواية البحار ... قد دلّت على عدم كون التطليقة الواحدة الواقعة في حال الشرك جزء سبب للتحريم حتى تنكح زوجاً غيره، وللتحريم المؤبّد، ولا فرق بينها وبين سائر الأسباب، خصوصاً مع ذكر القاعدة الكلية قبل الحكم بعدم اعتبار التطليقة في حال الشرك، فمن هذه الرواية يستفاد إسقاط جميع الأسباب عن السببيّة.

وأمّا الوجه الثاني: فيبتني على عدم ثبوت إطلاق معتدّ به لهذه القاعدة، ولم يعلم العمل بها في هذه الموارد، بل هذه الموارد تكون كالحقوق المختصّة بالمخلوقين كالديون وضمان الغصب والإتلاف وأشباهها، ورواية البحار ضعيفة غير مجبورة حتى بالإضافة إلى صدور القاعدة من أمير المؤمنين عليه السلام، فلا مجال للاعتماد عليها، فيبقى الحكم في هذه الموارد على طبق القاعدة الأوّلية المقتضية لتأثير هذه الأسباب في مسبّباتها وترتّب أحكامها عليها، كما لا يخفى.

وأمّا التفصيل، فيظهر من المحقق البجنوردي قدس سره في قواعده الفقهية؛ حيث‏ اختار في مثل الوطء في العدّة أو لذات البعل وكذا اللواط عدم كونه سبباً لتحقّق التحريم؛ لجريان القاعدة فيه، وفي مسألة الأحداث الموجبة للغسل أو الوضوء أو التيمّم عدم جريانها، نظراً إلى أنّ الشارع جعل الطهارة شرطاً لأشياء كالصلاة والطواف ومسّ المصحف مثلًا، وتلك الأحداث حيث لا ترتفع آثارها إلّا بإحدى الطهارات الثلاث، فبعد إسلامه إذا أراد إيجاد ما هو مشروط بالطهارة، لابد وأن يتطهّر من ذلك الحدث؛ لعدم إمكان امتثال ما هو مشروط بالطهارة بدونها، ولا وجه لإجراء القاعدة هنا؛ لأنّه لا أثر لها لإثبات الشرط.

كما أنّ الرضاع الحاصل في حال الكفر يوجب حصول أحد العناوين المحرّمة؛ كالأمومة والبنتيّة والاختيّة، ومع حصول أحد هذه العناوين لا يمكن أن يكون إسلامه رافعاً للحرمة عن اخته الرّضاعي مثلًا، وكما أنّه لم يتوهّم أحد أنّ هذه العناوين إذا حصلت في حال الكفر عن النسب فإسلامه لا يوجب التحريم، فكذلك الرضاع.

والسرّ في ذلك أنّ هذه العناوين إضافات تكوينيّة قد تحصّل بواسطة الولادة، وقد تحصّل بواسطة الرضاع، وقد جعلها الشارع موضوعاً لحرمة نكاحهنّ، وإذا وجد الموضوع واحرز وجوده وجداناً أو تعبّداً فيترتّب عليه الحكم قهراً (27).

ونقول: أمّا مسألة الأحداث، فيظهر من كثير من الفقهاء عدم ارتفاع آثارها بالإسلام، قال الشيخ في محكيّ الخلاف: الكافر إذا تطهّر أو اغتسل عن جنابة ثمّ أسلم لم يعتدّ بهما، وبه قال الشافعي‏ (28)، وقال أبو حنيفة: إنّه يعتدّ بهما (29)، دليلنا ما بيّناه من أنّ هاتين الطهارتين تحتاجان إلى نيّة القربة، والكافر لا يصحّ منه نيّة القربة في حال كفره؛ لأنّه غير عارف باللَّه تعالى، فوجب أن لا يجزئه‏ (30)؛ فإنّ التعبير بعدم الاعتداد في الصدر، وبعدم الإجزاء في الذيل، يدلّ على لزوم الوضوء والغسل عليه بعد الإسلام، كما أنّ مراده بالتطهّر في الصدر هو الوضوء بقرينة اعتبار قصد القربة فيه.

وقال الشهيد الثاني في المسالك في باب غسل الجنابة: إنّه يمكن أن يقال: على هذا يحكم عند الإسلام بسقوط وجوب الغسل عنه إن كان الإسلام في غير وقت عبادة مشروطة به؛ لأنّ الوجوب من باب خطاب وضع الشرع، ثمّ إذا دخل وقتها أو كان حاصلًا وقت الإسلام حكم عليه بوجوب الغسل إعمالًا للسبب المتقدّم، كما لو أجنب الصبيّ بالجماع؛ فإنّه يجب عليه الغسل بعد البلوغ في وقت العبادة (31).

وقال في مفتاح الكرامة في البحث عن سقوط قضاء الصلاة عن الكافر:

واستثنى المحقّق الثاني في حاشيته حكم الحدث كالجنابة وحقوق الآدميّين، قال:

والمعلوم أنّ الذي يسقط ما خرج وقته‏ (32)، وكذلك الشهيد الثاني‏ (33)، وفي الذخيرة:

أنّ ذلك محلّ وفاق‏ (34)، وكذا مجمع البرهان، قال: إنّ حقوق الآدميّين مستثنى بالإجماع‏ (35) (36).

وقال صاحب الجواهر في كتاب الطهارة: فإذا أسلم وجب عليه الغسل عندنا بلا خلاف أجده، ويصحّ منه لموافقته للشرائط جميعها؛ إذ الظاهر أنّ المراد بكونه‏ «يجبّ ما قبله» إنّما هو بالنسبة إلى الخطابات التكليفية البحتة، لا فيما كان الخطاب فيه وضعيّاً كما فيما نحن فيه، فإنّ كونه جنباً يحصل بأسبابه، فيلحقه الوصف وإن أسلم‏ (37).

وقال صاحب مصباح الفقيه: لا ينبغي الارتياب في وجوب الغسل عليه بعد أن أسلم وإن لم نقل بكونه مكلّفاً به حال كفره؛ إذ غايته أنّه يكون كالنائم والمغمى عليه وغيرهما ممّن لا يكون مكلّفاً حين حدوث سبب الجنابة، ولكنّه يندرج في موضوع الخطاب بعد اجتماع شرائط التكليف، فيعمّه قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا } [المائدة: 6] وقوله عليه السلام: إذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة  (38).

ولا ينافي ذلك ما ورد من أنّ «الإسلام يجبّ ما قبله»؛ لأنّ وجوب الغسل لصلاته بعد أن أسلم من الامور اللّاحقة، فلا يجبّه الإسلام.

وحدوث سببه قبله لا يجُدي؛ لأنّ الإسلام يجعل الأفعال والتروك الصادرة منه في زمان كفره في معصية اللَّه تعالى كأن لم تكن، لا أنّ الأشياء الصادرة منه حال كفره ترتفع آثارها الوضعية، خصوصاً إذا لم يكن صدورها على وجه غير محرّم، كما لو بال أو احتلم؛ فإنّه كما لا ترتفع نجاسة ثوبه وبدنه المتلوّث بهما بسبب الإسلام، كذلك لا ترتفع الحالة المانعة من الصلاة الحادثة بسببهما- إلى أن قال:- وكيف كان، فلا مجال لتوهّم ارتفاع الحدث بالإسلام، كما لا يتوهّم ذلك بالنسبة إلى التوبة التي روي فيها أيضاً أنّها تجبّ ما قبلها (39).

وهذه العبارات وإن اشتركت في عدم سقوط الغسل بالإسلام، إلّا أنّها كانت‏ مختلفة في بيان الوجه له، فيظهر من بعضها أنّ عدم السقوط إنّما هو بنحو الاستثناء من القاعدة، كعدم سقوط حقوق الآدميّين، ومن بعضها الآخر أنّ عدم السقوط لأجل عدم شمول القاعدة للآثار والأحكام الوضعيّة، وبعضها غير متعرّض للدّليل.

أقول: أمّا الاستثناء فلابدّ له من دليل، ولا مجال للأخذ به بدونه، والظاهر عدم وجود الإجماع الذي له أصالة عليه، وإن ادّعى صاحب الجواهر عدم وجدان الخلاف فيه؛ لأنّ حكمه بعده بعدم شمول دليل القاعدة للأحكام الوضعية ظاهر في أنّ الدليل هو قصور دليل القاعدة، لا الإجماع.

وأمّا عدم شمول القاعدة للأحكام الوضعيّة، فيردّه أنّ لازم ذلك بطلان العقود والايقاعات الصادرة من الكافر إذا لم تكن واجدة لجميع الشرائط المعتبرة في الإسلام، مع أنّ مقتضاها جعل السببيّة لها والحكم بترتّب الآثار التي هي أحكام وضعية كالملكية والزوجية والفراق وأشباهها، كما أنّ لازم ذلك ترتّب الحدّ أو التعزير على ما صدر منه في حال الكفر؛ لأنّ شرب الخمر مثلًا سبب لوجوب حدّه، وهكذا سائر الموجبات للحدّ أو التعزير، فلا مجال للمناقشة في عموم القاعدة للأحكام الوضعيّة.

نعم، يمكن الاستدلال على وجوب الغسل أو الوضوء على الكافر.

إمّا من طريق ما مرّت الإشارة إليه في كلام بعض الأجلّة؛ وهو أنّ المستفاد من آية الوضوء والغسل والتيممّ أنّ هذه الامور شروط يجب تحصيلها، فمعنى قوله تعالى: { إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] إلى آخر الآية، أنّه عند إرادة الصلاة لابدّ من الوضوء أو مثله، وإن لم يعلم بكونه محدثا ولم يثبت ذلك ولو ظاهراً، كما في مورد تعارض استصحابي الطهارة والحدث؛ فإنّه لابدّ له من تحصيل‏ الطهارة إحرازاً للشرط، وكما في المريض الذي ليس له بول ولا غائط بل يقي‏ء كلّما يأكل.

والكافر أيضاً من هذا القبيل؛ فإنّه يجب عليه تحصيل الطهارة بمعنى الوضوء أو الغسل أو التيمّم للعبادات المشروطة بها، وإن لم نقل بسببيّة ما وقع منه في حال الكفر لحدوث الحدث، وبعبارة اخرى: الطهارة شرط ، لا أنّ الحدث مانع، ويؤيّده التعبير عن مثل البول والغائط بالناقض الذي مرجعه إلى رفع ما يكون شرطاً، لا إيجاد ما يكون مانعاً، وعليه: فلا يرتبط بالقاعدة أصلًا.

وإمّا ممّا يشعر به كلام الشهيد الثاني قدس سره المتقدّم من أنّ السّبب لا يكون مؤثراً في المسبّب مادام كونه كافراً، فإذا زال الكفر باختيار الإسلام فالسبب السابق يؤثّر في مسبّبه فعلًا، فالكافر الذي بال أو أجنب يكون بعد الإسلام محدثاً بالحدث الأصغر أو الأكبر.

ومثله يجري في باب الرضاع أيضاً؛ بأن يقال: الرضاع الواقع في حال الكفر لا يترتّب عليه أثر مادام الكفر باقياً، فإذا زال الكفر وأسلم يترتّب عليه الأثر، فإذا نكح اخته من الرّضاعة فهذا النكاح لا يترتّب عليه أثر وعقوبة مادام كونه كافراً، وبعد زواله يترتّب عليه آثاره.

ولا يتوهّم أنّ ذلك يوجب الالتزام بعدم اشتراك الكفّار مع المسلمين في الأحكام؛ لأنّ ما ذكرنا إنّما هو بالنسبة إلى الكافر الذي أسلم بلسان الجبّ والقطع والرفع، وأمّا الكافر الذي بقي على كفره، فهو يشترك مع المسلم في جميع أحكام الإسلام؛ أعمّ من التكليفيّة والوضعيّة، فالحكم بعدم تأثير بوله في الحدث الأصغر إنّما هو بلحاظ القاعدة في خصوص زمان الكفر أيضاً، وهكذا الرّضاع.

وأمّا ما أفاده المحقق البجنوردي في باب الرّضاع- من أنّ عناوين الامومة والاختيّة والبنتيّة عناوين تكوينيّة، ولا يمكن أن يكون الحديث رافعاً لها- فلم‏ نعرف له وجهاً؛ فإنّه يرد عليه:

أوّلًا: أنّ تحقّق هذه العناوين إنّما هو بمعونة التعبّد بأنّ الرضاع لحمة كلحمة النسب؛ ضرورة أنّه لو لم يكن هذا التعبّد لما كان تتحقّق هذه العناوين أصلًا.

وثانياً: أنّ كون العناوين تكوينيّة لا ينافي جريان القاعدة بعد وضوح كون الأحكام المترتّبة عليها شرعيّة تعبّدية، وجريان القاعدة إنّما هو بلحاظ تلك الأحكام لا بلحاظ العناوين، وقد عرفت‏ في المجوسيّ الذي أسلم وقد نكح امّه في زمان الكفر، أنّ القاعدة تجري بالإضافة إلى الماضي، وأمّا بالنسبة إلى المستقبل فحيث يكون العنوان باقياً لا مجال لصحّة نكاحه.

وقد ظهر ممّا ذكرنا حكم التطليقة أو التطليقات الواقعة في حال الكفر، فإنّ مقتضى القاعدة عدم ترتّب الأثر من جزئيّة السّبب أو السببيّة التامّة للتحريم عليها؛ لعدم اختصاصها بالأحكام التكليفية، ولا حاجة في ذلك إلى رواية البحار حتى يناقش فيها من حيث السّند، كما لا يخفى.

خاتمة تشتمل على بيان امور:

الأوّل: الكافر المنتحل للإسلام، كالخوارج والغلاة والنواصب والمجسّمة ونحو ذلك إذا رجع إلى الإسلام، فهل يكون مشمولًا للقاعدة أم لا؟ نسب إلى ظاهر إطلاق الأصحاب أنّه أيضاً كالكتابي والوثني في هذا الحكم‏ (40)، ولكنّه محلّ تردّد وإشكال؛ لأنّه ربما يقال: إنّ المتبادر من حديث الجبّ هو الإسلام المسبوق بكفر صرف، ولا تديّن بالإسلام فيه.

ويمكن الإيراد عليه بأنّ المقصود من التديّن بالإسلام إن كان هو التديّن‏ الواقعي فهو لا يجتمع مع كفرهم، كما هو المفتى به للأصحاب، وإن كان هو التديّن الاعتقادي فهو ينكشف خلافه بعد الإسلام؛ لأنّ المنتحل بعدما أسلم يرى أنّه كان غير مسلم، والاعتقاد السابق لا يجدي، كما أنّ الكافر لا يرى نفسه كافراً في زمان كفره. وعليه: فلا يبعد أن يقال بالشمول.

الثاني: الظاهر عدم شمول القاعدة للمخالف إذا استبصر؛ لما عرفت من أنّها في مقام التحريص والترغيب إلى الإسلام في مقابل الكفر ، فلا دلالة لها على حكم المخالف بوجه، بل لابدّ في استفادة حكمه من الرجوع إلى القواعد الاخر، مثل قاعدة «لا تعاد» في باب الصلاة (41) وغيرها (42)، وقد وردت في باب زكاته روايات خاصّة (43).

الثالث: الكافر إذا أسلم في أثناء العبادة، كما إذا أسلم في نهار شهر رمضان ولم يأت بشي‏ء من المفطرات، فهل يتحقّق الجبّ بالنسبة إلى مجموع هذه العبادة، فلا يجب عليه صوم ما بقي من النهار ولا قضاؤه، أو لا يتحقق الجبّ، فلابدّ من الإتيان بها أداءً لو كان له فرض، أو قضاءً كما في مثال الصوم المذكور، أو يتحقّق الجبّ بالإضافة إلى ما مضى في حال الكفر دون ما بقي، فيأتي بالباقي مؤمناً مسلماً؟

وجوه واحتمالات، ولا يبعد ترجيح الاحتمال الأخير.

الرّابع: الواجبات الموسّعة إذا أسلم الكافر وقد مضى من وقتها مقدار يمكن‏ أداؤها فيه مع الشرائط وهو لم يأت بها على ما هو المفروض؛ لكونه كافراً، فهل يسقط التكليف بها أم لا؟ فيه وجهان:

من أنّه تعلّق الخطاب به قبل الإسلام؛ لأنّ المفروض مضيّ مقدار من الوقت يمكن أداؤها فيه، فيكون مشمولًا للقاعدة، فلا يجب عليه الإتيان بها فيما بقي من الوقت. ومن استمرار الخطاب في آنات الوقت الموسّع واستصحاب اشتغال الذمّة والشك في شمول القاعدة لهذه الصورة، فيجب عليه الإتيان بها.

وربما يؤيّد الوجه الأوّل ملاحظة أنّ الواجبات الموسّعة مادام العمر، كصلاة الزلزلة وقضاء الصّلوات اليوميّة، لا ريب فى سقوطها بالإسلام؛ فإنّ الكافر إذا أسلم في شهر شوّال، فلا ريب في عدم وجوب قضاء شهر رمضان عليه، مع أنّ قضاء رمضان موسّع بحسب الرّخصة إلى رمضان الآتي، وبحسب الإجزاء إلى آخر العمر، ولا يرى فرق بين الواجبات الموسّعة أصلًا (44).

أقول: الظاهر هو الفرق؛ فإنّ وجوب القضاء متفرّع على الفوت، وبعد اقتضاء الحديث كون الترك كالعدم لا يبقى مجال لوجوب القضاء، ووجوب صلاة الزلزلة مسبّب عنها، وقد مرّ أنّ الحديث يشمل الأحكام الوضعية أيضاً، وهذا بخلاف مثل صلاة الظهر التي دخل وقتها ثمّ أسلم بعد مضيّ مقدار من الوقت يمكن أداؤها فيه، فإنّه لا مجال للحكم بسقوطها بالقاعدة مع فرض سعة الوقت وإمكان الأداء وهو مسلم، فتدبّر.

هذا تمام الكلام في قاعدة الجبّ.

_____________________

(1) المسند لابن حنبل: 6/ 232 قطعة من ح 17792 و ص 243 ح 17829 و ص 246 ح 17844، دلائل النبوّة: 4/ 351، كنز العمال: 1/ 66 ح 243.

(2) عوالي اللئالي: 2/ 54 ح 145، مستدرك الوسائل: 7/ 448 أبواب أحكام شهر رمضان ب 15 ح 2 و ج 18/ 220 كتاب القصاص، أبواب القصاص في النفس ب 9 ح 3.

(3) الطبقات الكبرى‏ لابن سعد: 4/ 284- 286، وذكره أبو الفرج في الأغاني: 16/ 80- 82.

(4) السيرة النبويّة لابن هشام: 3/ 289- 291.

(5) تفسير القمّي: 2/ 26- 27.

( 6) السيرة الحلبية: 3/ 36- 37.

(7) السيرة الحلبيّة: 3/ 39.

(8) مجمع البحرين: 1/ 264.

(9) بحار الأنوار: 40/ 230 عن مناقب آل أبي طالب عليهم السلام لابن شهر آشوب: 2/ 364 نقلًا من شرح الأخبار: 2/ 317 ح 654.

(10) جواهر الكلام: 15/ 62.

(11) مدارك الأحكام: 5/ 42.

(12) مصباح الفقيه: 13/ 93.

(13) العناوين: 2/ 499.

(14) سورة الأنفال 8: 38.

(15) جواهر الكلام: 15/ 62.

(16) جواهر الكلام: 17/ 10.

(17) كنز العرفان: 1/ 241.

(18) تفسير المنار: 9/ 664- 665.

(19) صحيح مسلم: 1/ 104 ب 54 ح 121.

(20) تذكرة الفقهاء: 2/ 349 مسألة 49( طبع جديد)، منتهى المطلب: 7/ 90، مدارك الأحكام: 6/ 201، مفاتيح الشرائع: 1/ 182، كشف اللثام: 5/ 130، جواهر الكلام: 13/ 6.

(21) العناوين: 2/ 496.

(22) جواهر الكلام: 15/ 62.

(23) سورة التوبة: 9/ 60.

(24) غنية النزوع، بحث الاصول: 304، المعتبر: 2/ 595، إرشاد الأذهان: 1/ 271، منتهى‏ المطلب: 2/ 188، الحدائق الناضرة: 3/ 39، ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد: 563، معتمد الشيعة: 235، عوائد الأيّام: 279 عائدة 30، العناوين: 2/ 714، جواهر الكلام: 17/ 10.

( 25) العناوين: 2/ 498- 500.

(26) الكافي: 8/ 246 ح 342، مسند أحمد بن حنبل: 5/ 248 ح 15388 و ج 7/ 376 قطعة من ح 20720، سنن ابن ماجة: 3/ 504 قطعة من ح 3074.

(27) القواعد الفقهية للمحقّق البجنوردي: 1/ 55- 56.

(28) المهذّب في فقه الشافعي: 1/ 119، المجموع شرح المهذّب: 2/ 171- 172.

(29) المغني لابن قدامة: 1/ 206، نيل الأوطار: 1/ 224.

(30) الخلاف: 1/ 127 مسألة 70.

(31) مسالك الأفهام 1: 51.

(32) حاشية الإرشاد للمحقّق الثاني: 125.

(33) روض الجنان: 2/ 948 و 961.

(34) ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد: 388.

(35) مجمع الفائدة والبرهان: 3/ 236.

(36) مفتاح الكرامة: 9/ 597 ط ج.

(37) جواهر الكلام: 3/ 40.

(38) تهذيب الأحكام: 2/ 140 ح 546، الفقيه: 1/ 22 ح 67، وعنهما وسائل الشيعة: 1/ 372، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء ب 4 ح 1.

(39) مصباح الفقيه: 3/ 276- 277.

(40) العناوين: 2/ 502- 503.

(41) الخصال: 284 ح 35، تهذيب الأحكام: 2/ 152 ح 597، الفقيه: 1/ 181 ح 857 و ص 225 ح 991 وعنها وسائل الشيعة: 1/ 371، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء ب 3 ح 8، و ج 4/ 312، كتاب الصلاة، أبواب القبلة ب 9 ح 1، و ج 5/ 470، أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 14، و ج 6/ 91، أبواب القراءة في الصلاة ب 29 ح 5.

(42) وسائل الشيعة: 1/ 125، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات ب 31.

(43) وسائل الشيعة: 9/ 216، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، ب 3.

(44) العناوين: 2/ 502.

 




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.