أقرأ أيضاً
التاريخ: 24-6-2016
3562
التاريخ: 9-1-2022
1649
التاريخ: 14-12-2016
2355
التاريخ: 15-12-2016
2102
|
في هذا الصدد، نجد فيض من الأحاديث التي تحثُّ الفرد على الانضمام للجماعة والانسجام معها، والانصباب في قالبها، بعد أن ثبت عند العقلاء بأنّ في الاجتماع قوة ومنعة، وبعد أن أكد النقل على أنّ اللّه تعالى قد جعل فيه الخير والبركة، يقول الرسول الأكرم (صلى الله عليه واله): (يدُ اللّه مع الجماعة، والشيطان مع من خالف الجماعة يركُضُ)(1).
وقال (صلى الله عليه واله) : (من خرج من الجماعة قيد شبر، فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه)(2).
وفي كلِّ ذلك دليل قاطع على أنّ الإسلام دين اجتماعي، يحاول ربط الفرد بالجماعة، ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.
وهنا لا بدَّ من التنبيه على أنّ الحكام الظلمة، قد استغلوا مفهوم (الجماعة) أبشع استغلال لتثبيت سلطانهم والمحافظة على عروشهم، فاخذوا يصبّون جام غضبهم على كلِّ من يجهر بكلمة الحق ويقوم بمعارضة تسلطهم اللامشروع، ويفضح أساليبهم غير الإسلامية، وكان الأمويون ـ الذين اتّخذوا مال اللّه دولاً وعباده خولاً ـ يقتلون كل من خرج عليهم بحجة أنّه مفارق للجماعة، وكذلك سار العباسيون على ذلك النهج، بل وتفوّقوا على الأمويين في ابتكار أساليب القتل والتعذيب.
ومن يتصفّح كتب التأريخ ، يجد أنّه ينقل صورا بشعة لأساليب التنكيل والقتل التي مارسها الأمويون والعباسيون ضد العلويين بحجة واهية هي الخروج عن الاجماع والجماعة.
على أنّ الرسول (صلى الله عليه واله) قد أوضح بجلاء مفهوم الجماعة الذي لا يعني ـ بالضرورة الكثرة، كما يتصوره السطحيون وكما يُحرِّفه السلطويون، بل يعني جماعة أهل الحقّ وإن قلّوا، قال (صلى الله عليه و آله): (من فارق جماعة المسلمين فقد خلع ربقة الاِسلام من عنقه قيل: يا رسول الله ما جماعة المسلمين ؟ قال (صلى الله عليه و آله): جماعة أهل الحق وإن قلّوا)(3).
وعودة إلى أصل المطلب، فقد تبيّن لنا بأنّ العقيدة تدعو الاِنسان المسلم إلى الانضمام إلى الجماعة، وهنا ثمة تساؤل يفرض نفسه، وهو وجود أحاديث كثيرة في مصادرنا، تدعو الاِنسان المسلم إلى إيثار العزلة، وبالتالي الابتعاد عن الناس، يُجيب مؤلف جامع السعادات، الشيخ النراقي عن ذلك بقوله: (نظر الاَولون إلى إطلاق ما ورد في مدح العزلة، وإلى فوائدها وما ورد في مدحها، كقول النبي (صلى الله عليه و آله): (إنّ الله يحب العبد التقي الخفي)، وقوله (صلى الله عليه و آله): (أفضل الناس مؤمن يجاهد بنفسه وماله في سبيل الله، ثم رجل معتزل في شعب من الشعاب). وقول الاِمام الصادق (عليه السلام): (فسد الزمان، وتغيّر الاخوان، وصار الانفراد أسكن للفؤاد)، وقوله (عليه السلام): (أقلل معارفك، وأنكر من تعرف منهم).
إلى أن قال: فالصحيح أن يقال: إنَّ الاَفضلية منهما ـ أي المخالطة والعزلة ـ تختلف بالنظر إلى الاَشخاص والاَحوال والاَزمان والاَمكنة، فينبغي أن ينظر إلى كلِّ شخص وحاله.. أنَّ الاَفضل لبعض الخلق العزلة التامة، ولبعضهم المخالطة، ولبعضهم الاعتدال في العزلة والمخالطة) (4).
ويمكننا التوفيق بين الطائفتين بالقول: إنّ الاتجاه الداعي إلى العزلة، يمكن حمله على عدّة
وجوه، منها: أنّ التوجه للعبادة يتطلب ـ عادةً ـ الابتعاد عن الناس آناً ما، بغية الانقطاع إلى الله تعالى.
وهذا الاَمر ـ بطبيعة الحال ـ لا ينطبق على جميع العبادات، فالحج الذي هو عبادة ذات صبغة اجتماعية، يجتمع خلاله الناس من كلِّ حدب وصوب في مكان واحد، وزمان محدد، لاَداء شعائر واحدة.
من جانب آخر يمكن حمل العزلة على تجنّب مخالطة الاَشرار، فقد ورد في وصية الرسول (صلى الله عليه و آله) لاَبي ذر الغفاري (رضي الله عنه): (... يا أبا ذر، الجليس الصالح خيرٌ من الوحدة، والوحدة خيرٌ من جليس السوء..) (5).
أما الاختلاط بالأخيار، فهو أمر مرغوب فيه، والاِسلام ـ كما أسلفنا ـ يحثُ عليه، وعلى العموم فهناك حالات استثنائية تستدعي العزلة عن الناس، أما القاعدة العامة في الاِسلام، فتؤكد على مخالطة الناس، والصبر على أذاهم.
يقول الرسول الاَكرم (صلى الله عليه و آله): (المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم) (6). والاِسلام يبغض العزلة التامة عن الناس مهما كانت مبرراتها، عبادية أو غيرها، فلا رهبانية في الاِسلام كما هو معروف، ومن الشواهد النقلية على ذلك أن رسول الله (صلى الله عليه و آله) فقد رجلاً، فسأل عنه فجاء، فقال: يا رسول الله إنّي أردتُ أن آتي هذا الجبل فأخلو فيه فأتعبّد، فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): (لصبر أحدكم ساعةٍ على ما يكره في بعض مواطن الاِسلام خير من عبادته خالياً أربعين سنة) (7). وعلى ضوء ذلك فهناك مواطن تتطلب من الفرد أن ينظم إلى الجماعة وأن ينصهر بها، كمواطن الجهاد، وحضور الجماعة في المساجد، والدراسة في مراكز التعليم المختلفة وغيرها.
ـ تغيير نظم الروابط الاجتماعية :
كان المجتمع الجاهلي يعتبر رابطة الدم والرحم أساس الروابط الاجتماعية، فيضع مبدأ القرابة فوق مبادئ الحق والعدالة في حال التعارض بينهما، والقرآن الكريم قد ذمَّ هذه الحمَّية الجاهلية صراحة: (إذ جعلَ الَّذِينَ كَفرُوا في قُلُوبِهِم الحَمِيَّةَ حِميَّةَ الجَاهِلِيَّةِ..) (8).
وقد عملت العقيدة على إزالة غيوم العصبية عن القلوب، ولم تقرَّ بالتفاضل بين الناس القائم على القرابة والقومية أو اللّون والمال والجنس، وبدلاً من ذلك أقامت روابط جديدة على أسس معنوية هي التقوى والفضيلة.
وعليه فالعقيدة تنبذ كل أشكال العصبية، إذ لا يمكن التوفيق بين الاِيمان والتعصّب.
عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): من تعصّب أو تُعصّبَ له، فقد خلع ربقة الاِيمان من عُنقه) (9).
وقال (عليه السلام) أيضاً: (ليس منّا من دعا إلى عصبية، وليس منّا من قاتل[على] عصبيّة، وليس منّا من مات على عصبيّة) (10).
وفي هذا المجال، يُقدم أمير المؤمنين (عليه السلام) رؤيته العلاجية لمرض العصبية البغيض، ففي خطبته المعروفة بالقاصعة يقول (عليه السلام): (ولقد نظرتُ فما وجدت أحداً من العالمين يتعصّب لشيء من الاَشياء إلاّ عن علّة تحتمل تمويه الجهلاء، أو حجّة تليط بعقول السفهاء غيركم، فإنّكم تتعصّبون لأمر ما يُعرف له سبب ولا علة، أما إبليس فتعصّب على آدم لأصله، وطعن عليه في خلقته، فقال: أنا ناريٌّ وأنت طينيٌّ، وأما الاَغنياء من مترفة الاُمم فتعصّبوا لآثار مواقع النّعم، فقالوا: (نحنُ أكثر أموالاً وأولاداً وما نحن بمعذّبين) فإن كان لا بدَّ من العصبيّة فليكُن تعصّبكُم لمكارم الخصال، ومحامد الاَفعال ومحاسن الاُمور... فتعصّبوا لخلال الحمد من الحفظ للجوار، والوفاء بالذِّمام، والطَّاعة للبرِّ، والمعصية للكبر، والاَخذ بالفضلِ، والكفِّ عن البغي، والاِعظام للقتل، والاِنصاف للخلقِ، والكظم للغيظ، واجتناب الفسادِ في الاَرض) (11).
ضمن هذا السياق قام حفيده علي بن الحسين (عليه السلام) بإيضاح مفهوم العصبيّة، وما هو المذموم منها، عندما سُئل عنها، فقال (عليه السلام): (العصبيّة التي يأثم عليها صاحبها أن يرى الرّجل شرار قومه خيراً من خيار قوم آخرين، وليس من العصبيّة أن يحبّ الرجل قومه، ولكن من العصبيّة أن يعين قومه على الظّلم) (12). هكذا نجد أنّ العقيدة قد عملت على قشع غيوم العصبية السوداء من القلوب، وقامت بتشكيل هوية اجتماعية جديدة للناس تقوم على الاِيمان بالله ورسوله، واشاعت مشاعر الحب والرّحمة بدلاً من مشاعر التعصّب والكراهية، فالعصبية التي تعني: (مناصرة المرء قومه، أو أسرته، أو وطنه، فيما يخالف الشرع، وينافي الحق والعدل. وهي: من أخطر النزعات وأفتكها في تسيّب المسلمين، وتفريق شملهم، وإضعاف طاقاتهم، الروحية والمادية، وقد حاربها الاِسلام، وحذّر المسلمين من شرورها) (13).
ولعل من أبرز مظاهر التغيير الاجتماعي، الذي صنعته العقيدة أنّ هناك أفراداً كانوا في أسفل السلَّم الاجتماعي في فترة ما قبل الاِسلام، فإذا هم بعد إشراق شمس الاِسلام، يتصدرون قمة الهرم الاجتماعي، فبلال الحبشي رضي الله عنه يصبح مؤذن الرسول (صلى الله عليه و آله)، وسلمان الفارسي (رضي الله عنه) هو رجل من بلاد فارس، تنقّل من رقّ إلى رقّ، أصبح في عصر الاِسلام صحابياً جليلاً، وحاكماً عاماً على بلاد كبيرة، وفوق كل ذلك غدا من أهل البيت (عليهم السلام)، سأل رجلٌ علياً (عليه السلام): يا أمير المؤمنين أخبرني عن سلمان الفارسي قال (عليه السلام): (بخٍ بخِ سلمان منّا أهل البيت، ومن لكم بمثل لقمان الحكيم..) (14).
وكان زيد بن حارثة وابنه أُسامة ممن ينبغي ـ وفق التقسيم الجاهلي ـ أن يكونا في طبقة العبيد، فإذا بهما يقودان جيوش المسلمين في اثنتين من أكبر الحملات الاِسلامية عدّة وعدداً.
ولم يكن من اليسير أن يتم هذا التحوّل الكبير في أفكار الناس وعلاقاتهم، في هذه الفترة القصيرة من عمر الرسالة، لولا الدور التغييري الكبير الذي اضطلعت به العقيدة الاِسلامية.
____________________
1ـ كنز العمال 1: 206.
2ـ كنز العمال 1: 206 | 1035.
3ـ روضة الواعظين، للفتّال النيسابوري: 334 ـ منشورات الرضي ـ قم.
4ـ جامع السعادات، للنراقي 3: 195 ـ 197 ـ مطبعة النجف الاشرف 1383 هـ ط3.
5ـ مكارم الاخلاق، للطبرسي: 466 ـ مؤسسة الاعلمي ـ ط6.
6ـ كنز العمال 1: 154 | 769.
7ـ كنز العمال 4: 454 | 11354.
8ـ الفتح 48: 26.
9ـ أُصول الكافي 2: 308 | 2 باب العصبية.
10ـ سُنن أبي داود 2: 332 | 4 باب في العصبية.
11ـ أخلاق أهل البيت عليهم السلام، للسيد مهدي الصدر: 70.
12ـ الاحتجاج، للطبرسي 1: 260.
13ـ سُنن أبي داود 2: 332 | 4 باب في العصبية.
14ـ شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد 13: 166 ـ دار احياء التراث العربي ط2.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|