المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8222 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
تـشكيـل اتـجاهات المـستـهلك والعوامـل المؤثـرة عليـها
2024-11-27
النـماذج النـظريـة لاتـجاهـات المـستـهلـك
2024-11-27
{اصبروا وصابروا ورابطوا }
2024-11-27
الله لا يضيع اجر عامل
2024-11-27
ذكر الله
2024-11-27
الاختبار في ذبل الأموال والأنفس
2024-11-27

تفسير الآية (37-46) من سورة فصلت
2-10-2020
الظواهر اللغوية
5-5-2017
Generic Character
13-8-2020
معنــــــــى الإباحـــــــــــة
19-4-2017
أنواع المعنى
2-9-2017
الكروم Chromium
29-1-2016


حـــــــــجية مطلق الظن  
  
1011   08:12 صباحاً   التاريخ: 6-9-2016
المؤلف : الشيخ ضياء الدين العراقي
الكتاب أو المصدر : مقالات الاصول
الجزء والصفحة : ج2 ص 121.
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / مباحث الحجة /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-7-2020 2760
التاريخ: 5-9-2016 4341
التاريخ: 5-9-2016 1087
التاريخ: 17-7-2020 1634

من جملة ما استدلوا [به] على حجية مطلق الظن: هو أن في مخالفة المجتهد للحكم الإلزامي مظنة الضرر، ودفع الضرر المظنون واجب. وفيه أنه لا [تتم] صغراه لو اريد الضرر الدنيوي، ولا [تتم] الكبرى لو اريد الضرر الاخروي، إلا بضم بقية مقدمات الإنسداد على فرض تماميتها. ومنها: أنه لو لم يؤخذ بالظن لزم ترجيح المرجوح على الراجح. وذلك - أيضا - مبني على ثبوت لزوم الأخذ بأحد الطرفين [تعيينا]. وإلا فمع احتمال [التخيير] بحلية المشكوك [لا] ينتهي الأمر إلى أصل الترجيح، فضلا عن ترجيح المرجوح. ومنها: أن مقتضى الجمع بين العلم الإجمالي بالتكاليف وعدم التمكن عن تحصيل الموافقة القطعية، التنزل إلى تحصيل الظن بالموافقة. وفيه: أن هذا البيان يرجع إلى لزوم التبعيض في الاحتياط، والأخذ بصرف المظنون، وهو كذلك لو بقي العلم الإجمالي بحاله، وإلا فمع انحلاله بوجود [حجة] اخرى - على ما سيأتي بيانه في الدليل الرابع المعروف بدليل الانسداد - لا يبقى مجال للتبعيض المزبور، كما لا يخفى. ومنها: دليل الانسداد المعروف، وبه نستعين وعليه التكلان، وهو الدليل الرابع من أدلة حجية مطلق الظن، المعروف بدليل الانسداد، المنوط إنتاجه لديهم بطي مقدمات أربع (1)، مع اختلافهم في تمهيد هذه المقدمات بجعل العلم الإجمالي من المقدمات من بعض (2)، وإسقاطه من آخر (3). أقول:

 أولا: أن مدرك بطلان الخروج من الدين إن كان هو العلم بالتكاليف - ولو إجمالا - المانع عن جريان الاصول النافية في أطرافه، فلا محيص من جعل العلم المزبور من المقدمات. وحينئذ نتيجة ذلك - بعد ضم المقدمة الاخرى من عدم لزوم الاحتياط، للحرج - ليس إلا تبعيض الاحتياط، الراجع إلى كون الظن [بالآخرة] مرجعا في مقام الإسقاط، وإلا فالمثبت للتكليف ليس إلا العلم المزبور.

و- حينئذ - لا [تكاد تنتهي] النوبة إلى منجزية الظن، وإنما هو مرجع في مقام إطاعة ما [تنجز] في حقه بالعلم المزبور. بل - وبناء على ذلك أيضا - لا معنى لكشف مرجعية الظن من قبل الشرع، إذ لا مجال لتصرف الشارع وجعله مولويا في مرتبة تحصيل الفراغ عما ثبت بالعلم أو غيره، بل المرجع في مثله هو العقل المستقل بالحكم في باب الإطاعة بلا تصرف من الشارع في هذا المقام. وحينئذ فالنزاع المعروف في الكشف والحكومة لا يكاد يجري على هذا المسلك إلا على تقدير قيام الظن على تعيين المعلوم بالإجمال في مورده، إذ حينئذ للشارع تعيين [المفرغ] بلسان جعل البدل، كما هو الشأن في كل علم إجمالي، بل وفي العلوم التفصيلية أيضا كما أسلفنا. وإلا ففي كل مورد لا يكون الظن قائما بتعيين المعلوم بالإجمال، بل غاية الأمر قيام الظن على مجرد وجود التكليف في مورده، مع احتمال كونه غير ما هو معلوم اجمالا، فلا [تكاد تكون] مرجعية الظن إلا بملاحظة كونه من محتملات [المعلوم] المتنجز فعله، وفي مثله يستحيل تصرف الشارع فيه، مع فرض الفراغ عن منجزية العلم به. وهو ظاهر واضح.

وحينئذ بعد الجزم بأن النزاع المعروف بينهم كان في مثل هذا الفرض، لا يكاد يجري النزاع المزبور على هذا المسلك، كما لا يخفى. نعم لو لم يكن مدرك بطلان الخروج من الدين مثل هذا العلم الإجمالي بالتكاليف، ولو من جهة الجزم بأنه لو لم يكن في البين مثل هذ العلم، أو لم يكن العلم الإجمالي منجزا أصلا أيضا، [و] قام الإجماع على بطلان الخروج من الدين، فلا شبهة في أن مثل هذا الإجماع [التقديري] كاشف عن وجود منجز بمقدار المعلوم بالإجمال في البين. وحينئذ لازمه انحلال العلم المزبور بوجود مثل هذا الطريق الإجمالي القائم في اطراف العلم المزبور، فيخرج العلم به حينئذ عن المنجزية. وحينئذ يسقط العلم الإجمالي عن المقدمية، بل لابد في الاكتفاء في المقدمة الاولى بقضية بطلان الخروج المزبور. ولازمه حينئذ أيضا عدم جريان التبعيض في الاحتياط بمناط مرجعية الظن في مقام الإسقاط. بل على فرض انتهاء النوبة إلى مرجعيته، بضم بقية المقدمات، يكون الظن مرجعا في مقام الإثبات، إذ الفرض خروج العلم السابق بانحلاله عن المثبتية. وحينئذ ربما يجري على هذا المسلك النزاع المعروف من الكشف والحكومة، إذ لتصرف الشارع في هذه المرحلة مجال. وحيث اتضح هذا المقدار فنقول: إن بنينا على انحصار الطريق المنجز بالعلم بالواقع، ولو جعليا بتتميم كشفه، أو قلنا بالتكاليف الطرقية، بناء على أن وجه منجزيتها منحصر باقتران الواقع بالبيان الشرعي الواصل إلى المكلف، كما أشرنا إليه في مبحث القطع. وقلنا أيضا بقيام الإجماع على عدم مرجعية الاحتياط، ولو لم يكن حرج في الأخذ بمحض احتمال التكليف - الأعم من الواقعي والظاهري - فلا محيص من استكشاف جعل بيان من قبل الشرع واصل إلى المكلف، ولو من جهة [إيكال تعيينه] إلى العقل. وحيث إن من المحتمل جعل طرق عرضية من الشرع، فلا محيص من كون الطريق المجعول واصلا بنفسه، إذ معنى [الإيكال] إلى العقل [تعيين] إيصاله إلى المكلف بتوسيط عقله. وحينئذ فبالمقدمة الأخيرة يتعين في الظن بالواقع أو الظن بالطريق المحتمل جعله من قبل غير مقدمات الانسداد. نعم لو احتمل في البين جعل طرق - ولو طولية - فلابد وأن يكون الطريق المجعول من قبل هذه المقدمات واصلا إلى المكلف ولو بطريقه، إذ مرجعه إلى [ايكال] تعيين الطريق الواصل إلى المكلف إلى العقل ولو كان قائما على المجعول الآخر المحرز أيضا بمقدمات الانسداد. وحينئذ يتعين هذا الطريق إلى الطريق بالظن، دون الطريق الآخر، وهذا معنى الواصل ولو بطريقه. نعم لو احتمل جعل طريق لم يوصل أصلا إلى المكلف، بمعنى عدم [إيكال تعيينه] إلى العقل أصلا لا [تكاد] حينئذ [تنتهي] النوبة إلى تعيين الظن أصلا، لكن لازم ذلك ابتلاء المكلف بالعلم الإجمالي في دائرة الطرق، فحينئذ لابد من الأخذ بالمتيقن ولو بالإضافة. ومع عدم التيقن في البين [ينتهي] الأمر - بضم أدلة [الحرج] - إلى التبعيض في الاحتياط في دائرة الطرق المحتملة، على فرض كون مدرك الإجماع السابق قاعدة نفي الحرج، إذ لا محيص - حينئذ - من مرجعية الاحتياط ولو تبعيضا في دائرة الطرق المجعولة المستكشفة. ولكن الانصاف - على فرض تمامية الإجماع المزبور - عدم الأخذ بالاحتياط والاحتمال ولو تبعيضا، حتى في دائرة الطرق. وحينئذ، من نتائج هذا المسلك سقوط قاعدة نفي الحرج - أيضا - عن المقدمية في باب الانسداد، بل عمدة المقدمة - حينئذ، علاوة عما ذكرنا - هذا الإجماع الموجب للرجوع إلى الطريق الواصل بنفسه أو بطريقه، بلا وصول النوبة إلى طريق لم يوصل. ثم إن ذلك أيضا نتيجة انحصار الطريق المنجز للواقع بالعلم بالواقع ولو جعليا بتتميم كشفه، أو بالأمر الطريقي الكاشف عن الواقع في ظرف الوجود، على أحد المسلكين السابقين، إذ - حينئذ - ليس للعقل نصيب في إثبات المنجز، بل ذلك ليس إلا شأن الشارع، ولذا: لا محيص على هذا المسلك - كما أشرنا إليه في المقام وفي أوائل مسألة القطع - إلا من الكشف في باب الانسداد، ولا يبقى مجال لتوهم الحكومة أصلا.

وأما لو قلنا بإمكان وجود منجز آخر غير مجرد تتميم الكشف والعلم الجعلي التنزيلي ولو بمثل الأمر الطريقي الكاشف عن اهتمام الشارع بحفظ مرامه حتى في مرتبة الجهل بخطابه - على ما أسلفنا بيانه في أوائل القطع - فلا شبهة حينئذ أن أمر التنجيز يدور مدار هذا الاهتمام. وحيث كان بطلان الخروج من الدين كافيا في إثبات هذا المعنى، فيكفي - حينئذ - احتماله منجزا عقلا بلا احتياج حينئذ إلى جعل من قبل الشارع بأي لسان: من تتميم كشف أو جعل حجية أو صرف أمر بالعمل بكذا. ولا نعني - حينئذ - من حكومة العقل - أيضا - إلا هذا المقدار، كحكمه بوجوب النظر إلى المعجزة، بلا جعل شرعي في البين أبدا. وحينئذ، مجرد احتمال [إيكال] الشرع أصل الطريق إلى العقل كاف في منع كشف المقدمات المزبورة عن جعل شرعي، كما هو ظاهر. وبعد ما اتضح ذلك فنقول أيضا: إن مراتب الاهتمام في حفظ مرامه ربما [يختلف]: فربما يكون الاهتمام بمقدار يكون الشارع في مقام حفظ مرامه حتى في أبعد المحتملات. واخرى لا يكون الاهتمام بهذه المثابة، بل المتيقن كونه حافظا في دائرة الأقرب منها. لا طريق إلى الأول. كيف؟ ولازمه الأخذ بجميع المحتملات المستتبع للحرج، الكافي في الكشف عن عدم الاهتمام بهذه المثابة. وعليه: يتعين في البين الاحتمال الأخير، كما لا يخفى. وحينئذ، لا محيص من مرجعية الظن دون غيره، لعدم إحراز الاهتمام الذي هو مناط حكومة العقل في غير الظنون.

وحينئذ، يستنتح من هذه الجهة مرجعية الظن لدى العقل، بلا احتياج إلى المقدمة الأخيرة أيضا. كما أنه لا ينافي هذه الحكومة - أيضا - قيام الإجماع السابق على عدم البناء على الأخذ بالاحتمال، إذ المتيقن من الاجماع المزبور عدم الأخذ بصرف الاحتمال، بلا إحراز الاهتمام المزبور المصحح لجعل الطرق والاصول - أيضا - كما تقدم. وحيث عرفت ما ذكرناه من تشريح المرام في هذا المقام عرفت أن في باب الانسداد مسالك، لكل مسلك لابد من تشكيل مقدمات مخصوصة به. منها: مسلك التبعيض في الاحتياط بمناط منجزية العلم الإجمالي، ومرجعية الظن في مقام [الإسقاط]. فمثل هذا المسلك يحتاج إلى مقدمات: منها: العلم الإجمالي. ومنها: لزوم الحرج في الجمع بين المحتملات أجمع وحكم العقل عند الدوران بين الأخذ بالأقرب والأبعد بتعيين الأقرب. وفي هذا المسلك يخرج بطلان الخروج من الدين عن المقدمية، بل إنما هو من لوازم منجزية العلم المزبور. ولكن قد عرفت أن هذا المسلك منوط ببقاء العلم على منجزيته، وهو فرع كون مدرك بطلان الخروج من الدين هذا العلم. وإلا فلو قام إجماع على البطلان المزبور - ولو لم يكن علم في البين - [لزمه] استكشاف وجود منجز آخر في البين الموجب لانحلاله، المخرج له عن المنجزية. هذا مضافا إلى أن منجزية هذا العلم فرع عدم ورود ترخيص على بعض أطرافه بنحو التعيين. وإلا لا مجال لمنجزيته أيضا. وحينئذ نقول: لازم قاعدة الحرج بضم المقدمة الرابعة إن كان ورود الترخيص نحو الأبعد على الإطلاق فذلك مانع عن منجزية العلم جزما. وإن كان ورود الترخيص نحو الأبعد في ظرف عدم الإتيان بالأقرب فهو مع كونه مستتبعا لنحو من الترتب في حكم العقل بمتابعة العلم المزبور لأوله إلى وجوب اتباع المظنون مطلقا، وفي [ظرف] مخالفته يجب اتباع غيره، لا أظن التزامه من أرباب الانسداد، إذ تمام همهم مرجعية الظن على الإطلاق، والرخصة في مخالفة غيره أيضا على الإطلاق. ومن البديهي أن لازمه ورود الترخيص في ترك غير المظنون على الإطلاق المانع عن منجزية العلم. وحينئذ لك أن تقول: إن المقدمات المزبورة لا تكاد تنتج ذلك، وعليه: فأبعد المسالك، بل أردأها هذا المسلك. ومنها: مسلك مرجعية الظن في مقام الإثبات مع كشف المقدمات عن جعل شرعي. وهذا المسلك منوط بمقدمات: منها: قيام الإجماع على بطلان الخروج من الدين المستتبع لإسقاط العلم عن المنجزية والمقدمية. ومنها: انحصار المنجز بالعلم، أو بجعل حكم طريقي - على أحد الوجهين في منجزيته كما تقدم - ولو جعليا الذي ليس شأن جعله إلا للشرع، بلا نصيب للعقل في ذلك. ومنها: قيام الإجماع على عدم مرجعية الاحتياط ولو تبعيضا ولو لم يكن في البين حرج، أو لم يقم دليل على نفيه. ومنها: إيكال تعيينه إلى العقل، بتوسيط المقدمة الأخيرة المعروفة من الأخذ بالأقرب، من دون احتياج - حينئذ في الاستنتاج - إلى قاعدة الحرج أيضا ف‍ [تخرج] هذه القاعدة - أيضا - عن المقدمية، لكفاية المقدمات المزبورة لمرجعية الظن بنفسه في تشخيص الحكم أو مرجعية الظن في تعيين الطريق إليه – حسب اختلاف اقتضاء المقدمات -: الطريق الواصل إلى المكلف بنفسه أو بطريقه، على ما شرحناه. ولكن قد تقدم: أن عمدة ما يرد على هذا المسلك دفع توهم انحصار البيان المنجز بجعل الحكم الطريقي أو بالعلم ولو جعليا، ولقد شرحنا في مسألة القطع فساده، فراجع، ولذا نقول أيضا: إن هذا المسلك - أيضا - دون المسلك السابق في الرداءة، كما لا يخفى. ومنها: مسلك مرجعية الظن في مقام الإثبات بحكومة من العقل، بلا كشف جعل شرعي، وهو المسلك المختار. وهذا المسلك - أيضا - منوط بمقدمات: منها: الإجماع على بطلان الخروج من الدين ولو لم يكن العلم الإجمالي منجزا. ومنها: عدم انحصار المنجز بالعلم أو غيره، بل ومع عدم صلاحية العلم الجعلي التنزيلي للمنجزية، كما تقدم، وأنه يكفي في المنجز القطع باهتمام الشارع في حفظ مرامه حتى في ظرف الجهل بخطابه المستكشف ذلك من إنشائه بأي لسان، أو من الخارج - ولو من مثل: بطلان الخروج من الدين وأمثاله - كمورد النظر إلى المعجزة، فإن في هذه الصورة يستقل العقل بمنجزية احتماله، بلا نصيب للشرع فيه، وإنما شأنه إثبات الاهتمام المزبور بجعله وإنشائه بأي لسان. وحينئذ، ربما يستكشف هذا الاهتمام من الخارج بلا توسيط إنشاء وجعل شرعي، ففي مثله ليس المرجع إلا الحكومة العقلية، خصوصا بعد احتمال إيكال الشرع في إثبات أصل الطريق إلى العقل. وحينئذ لا مجال لكشف جعل شرعي أبدا. ومنها: كون المتيقن من الاهتمام كونه في مقام حفظ المرام في دائرة الأقرب، دون [غيره] المستتبع لاستقلال العقل فيه بالبراءة، لولا أصل مثبت شرعي فيه.

ومن المعلوم أن هذا المقدار ينتج مرجعية الظن بالأحكام، بلا احتياج إلى قاعدة نفي الحرج، ولا المقدمة الرابعة بتعيين الأقرب وترجيحه، ولا على قيام الإجماع على عدم مرجعية الاحتياط، إذ يكفي في إثباتها قاعدة البراءة عن موارد لم يثبت فيها اهتمام بحفظها، بعد احتمال خروج هذه الموارد عن معقد الإجماع، كما أشرنا. ثم بعد توضيح هذه المسالك بقي في البين امور: أحدها: في أن النتيجة على المسلك الأول في مقدار حجية الظن [تابعة] مقدار دائرة العلم الإجمالي، إذ مرجعية الظن في مرحلة الفراغ [تابعة] مقدار الاشتغال الحاصل بالعلم المزبور. فان [كانت] دائرة متعلق العلم خصوص الحكم الواقعي فلا [تكاد تنتهي] النوبة إلى أزيد من الظن به. وتوهم: أن الظن بالطريق أيضا ظن بالبدل، والعقل لا يفرق بين الظن بالشيء بنفسه أو ببدله. مدفوع بأن هم العقل - حينئذ - ليس إلا تحصيل القطع بالفراغ عن الدائرة التي [تنجز] التكليف بالعلم به، وهذه الدائرة - حسب الفرض - منحصرة بالعلم بنفس الواقع لا ببدله، وحينئذ: الظن بالبدل لا يجدي شيئا في تحصيل ما [اشتغلت] الذمة به يقينا، لأن الظن في نفسه لا يغني من الحق شيئا. نعم، لو [كانت] دائرة العلم المنجز أعم من الحكم الواقعي والظاهري، ففي مقام الإسقاط بالفراغ [تكون] دائرة الظن أيضا أعم من الواقعي أو الظاهري، ولازمه حينئذ مرجعية الظن ولو كان قائما بالطريق. نعم لو كان في البين علم إجمالي بوجود طرق مجعولة لا محيص من الاخذ بخصوص دائرة الطرق، ولكن أنى لنا بإثباته. وحينئذ: فما عن الفصول (4) من تخصيص الحجية بالطريق [ببركة] انحصار دائرة العلم الصغير بالطرق الموجب لانحلال العلم الكبير به، منظور فيه. نعم هنا كلام آخر من [بعض] أعاظم المحققين في [حاشية] المعالم (5)، حيث اختار في الباب حجية خصوص الظن بالطريق بوجه آخر. وملخص ما يستفاد من كلماته هو: أن مرجعية القطع بالحكم - في حال الانفتاح - إنما هو بملاحظة استتباعه القطع بالفراغ عما اشتغلت الذمة به، ولولا هذا القطع الأخير لما حكم العقل باتباع القطع بأداء الواقع أبدا. وذلك يكشف: ان المهم بنظر العقل تحصيل القطع بالفراغ عما اشتغلت به ذمته، لا مجرد أداء الواقع السابق [على] القطع بالفراغ. كيف؟ وهذا القطع في رتبة متأخرة عن فراغ ذمته واقعا. وإذا كان كذلك فلازم الملازمة - بين وجوب تحصيل القطع بحكم في ظرف الانفتاح ووجوب التنزل إلى الظن به في حال الانسداد - عدم الاكتفاء بمجرد الظن بأداء الواقع، إذ هو بمجرده لا يوجب القطع بالفراغ عما اشتغلت الذمة به، ولا الظن به، بل يحتاج مثل هذا الظن إلى حصول الظن بحجيته، لأن حجيته واقعا [ملازمة] مع حكم العقل بالفراغ عما اشتغلت الذمة بحكمه واقعا، فحينئذ، الظن بحجيته ملازم مع الظن بالفراغ المزبور، دون مجرد الظن بأداء الواقع. وحينئذ، لا يرد عليه بأن المهم بنظر العقل مجرد أداء الواقع، فيتنزل إلى الظن به في حال الانسداد كما [يكتفى بالقطع] به في حال الانفتاح. وتوضيح الفساد: بأن وجه الاكتفاء بالقطع بأداء الواقع بملاحظة كونه عين القطع بالفراغ عما اشتغلت [به] الذمة، ولذا اشتهر بأن الاشتغال اليقيني يقتضي الفراغ اليقيني. وهذه الملازمة منتفية في مجرد الظن بأداء الواقع، بل الملازمة ثابتة في ظرف حجيته. ولازمه عدم حصول الظن بالفراغ بهذا المعنى إلا في فرض تعلق الظن بحجيته أيضا، فلا يتعدى حينئذ إلى مجرد الظن بأداء الواقع محضا. نعم الذي ينبغي أن يورد عليه هو أن هم العقل وإن لم يكن مجرد أداء الواقع، ولكن ليس ممحضا أيضا في تحصيل القطع بالفراغ، بل تمام هم العقل تحصيل ما يوجب الاشتغال بالواقع، وأن تحصيل القطع بالفراغ من تبعات هذا الاشتغال قهرا. وحينئذ، لازم الملازمة السابقة التنزل من القطع بالواقع إلى الظن به، ظن [حجيته] أم لا، بلا احتياج إلى الظن بالحجية، كما هو ظاهر. هذا. مضافا إلى منع اقتضاء المقدمات السابقة مثل هذه الملازمة، بل لا [تنتج] - كما عرفت - إلا حجية ما قطع باهتمام الشارع [به] في حفظ مرامه. والمتيقن منه صورة الظن بمرامه واقعا، سواء ظن حجيته أم لا، إذ حيث الظن بالحجية لا يوجب إلا الظن باهتمامه لا القطع به، وهو غير منظور، بل تمام النظر إلى (حيث الظن) بالاهتمام بمرامه واقعا، فلا يتعدى حينئذ إلى حيث الظن بالحجية، خصوصا إذا لم يوجب الظن بالواقع. ومع هذه المقدمة في استنتاج حجية الظن على الحكومة لا يصدق العقل الملازمة السابقة كي يتنزل إلى مطلق الظن بالواقع أو بالحجية محضا. وأما على المسلك الثاني: فلا شبهة في أن نتيجة المقدمات تعيين جعل طريق من الشارع على مطلق حكمه، أعم من الواقعي أو الظاهري. فبالمقدمة الأخيرة يتعين بالظن بالواقع أو بالطريق من دون احتياج - في إثبات حجية الظن بالطريق حينئذ - إلى دعوى العلم بجعل الطريق من غير ناحية المقدمات في باب الانسداد، كي يصير قابلا للأشكال، وموردا للقيل والقال. بل مجرد قيام الإجماع على عدم الاحتياط بضم المقدمة الاخرى يثبت [الاجتزاء] بجعل طريق حافظ (6) عن سلوك المكلف مسلك الاحتياط، وذلك قابل لأن ينطبق على الظن بالطريق بلا [خصوصية] للظن بالحكم الفرعي بذلك، كما لا يخفى. وأما على المسلك الثالث المختار من حكومة العقل [فهي تابعة ل‍] إحراز الاهتمام المشار إليه سابقا، فبأي مقدار احرز ذلك يكون احتماله [مرجعا]، وحينئذ نقول: إنه - بعدما عرفت مراتب الاهتمام وأن المتيقن اهتمامه في الحفظ في دائرة الأقرب - فلا مجال للتعدي عنه إلى غيره، ولازمه [الاقتصار] في المرجعية بنفس الظن بالواقع بلا [تعد] منه إلى غيره بمحض كونه مظنون الحجية، إذ في مثله لا يكون إلا مجرد الظن بالاهتمام، وذلك لا يكفي بعد فرض خروج غير الظن بالواقع عن المتيقنية في الاهتمام، كما هو ظاهر. الأمر الثاني: أنه - على مسلك التبعيض ومرجعية الظن في مقام الإسقاط - لا شبهة في أن الحكم بمرجعية الظن من العقل ليس إلا تنجزيا، ولازمه عدم مجيء ردع من قبل الشرع في قباله. ولذا نقول بعدم جريان الاصول النافية في أطراف العلم ولو بلا معارض. وحينئذ، فالظنون القياسية الواقعة في أطراف العلم لا يكاد [يشملها] عموم نواهيها. وتوهم كشفها عن شائبية الواقع كلام ظاهري، إذ النواهي المزبورة في طول الواقعيات، فكيف تصلح لرفع اليد [بها] عن ظهورها؟ ونظيره في الفساد توهم تعليقية حكم العقل بتعيين الظن في مرحلة الفراغ، وذلك غير الحكم بحصول الفراغ في فرض تعيينه. وتوضيح الفساد: هو أن مرجع حكم العقل بتعيين الظن إلى صرف أدلة الحرج نحو غيره وإبقاء الظن على مقتضى طرفيته للعلم، لا أن الغرض منه تعيين الظن في حدوث صفة المفرغية فيه، كما لا يخفى. وحينئذ: لا معنى لتعليقية حكم العقل في الظن في مقام تعيينه أيضا، كما لا يخفى. وأما على المسلك الثاني: فلا شبهة في أن اللازم من كشفها عن حجية شيء شرعا عدم كون المنكشف مما نهي عنه. فمن الأول الظنون القياسية خارجة عن دائرة المجعولة. كما أنه بناء على المسلك المختار فأمر خروج الظنون القياسية أوضح، لأن المنجزية بنظر العقل وحكومته [تابعة] الجزم باهتمام الشارع في حفظ مرامه في مورد الطريق. وهذا المعنى ينافي [الظنون] القياسية، فلا يكون فيها مناط حكومة العقل أصلا. وحينئذ: لا مجال [للإشكال رأسا] (7) في خروج [الظنون القياسية] عن دائرة حكم العقل بحجية الظن في باب الانسداد، وعلى فرض عدم كون مناط حكمه إحراز الاهتمام المزبور، أمكن دعوى تعليقية حكمه في منجزية الظن في هذا الباب. ولعمري إن عمدة ما أوقعهم في خروج الظنون القياسية في حيص وبيص خلطهم بين مسلك التبعيض وغيره، وارتكاز ذهنهم في المقام بتنجزية حكم العقل بمسلك التبعيض دعاهم [إلى] تسرية الشبهة في باب الانسداد بلا ميز فيه بين مسلك دون مسلك، فتدبر في المقام فإنه مزلة الاقدام. الأمر الثالث: انه بناء على مسلك التبعيض وانتهاء الأمر بتنجزية حكم العقل بتحصيل الفراغ عما علم بأقرب الطرق إلى المعلوم لا محيص من الأخذ بالظن الممنوع، وطرح الظن المانع، لأن مرجعه إلى الترخيص في مخالفة الظن الذي كان العقل حاكما بمنجزية أخذه في مقام الفراغ. وفي مثله يأبى العقل عن مجيء الترخيص على خلافه. وأما على مسلك الكشف، فبناء على كون المرجع الطريق القائم بالأعم من الحكم الواقعي والظاهري، فلا محيص من الأخذ بالظن المانع، إذ [بالأخذ به] يستكشف خروج الممنوع عن [تحت] الجعل، بخلاف ما لو اخذ بالممنوع، فإن لازمه طرح الظن المانع بلا وجه. وبعبارة اخرى نتيجة هذا المسلك حجية كل ظن لم يرد على خلافه دليل. وحينئذ: لو أخذ بالمانع يخرج الممنوع بالتخصص، وأما العكس: فيلزم خروج المانع بالتخصيص، والتخصص أولى من التخصيص، فتأمل. وأما على المسلك المختار: فلا شبهة - أيضا - في تعيين الأخذ بالمانع، لعدم إحراز الاهتمام في غيره، كما لا يخفى. هذا خلاصة ما أدى إليه فكري القاصر في ميدان هذا الجدال مع مالهم في مثله، [وبه] ينتهي القيل والقال، فكل ذي نظر اعطى منتهى فكره في تنظيم هذا الأمر، وملأوا الطوامير في مقدماته، واتخاذ نتائجها بنحو ربما يشتبه الانسان في [أنه] من اين يدخل؟ ومن أي باب يخرج؟ ولعمري إنك لو تأملت فيما تلوناه لا يبقى مجال إشكال في المسألة، ومقام شبهة في استنتاجه، فتدبر فيما ذكرناه، وافهم، واستقم، كي يسهل عليك باب الخروج عن المسألة، وباب دخولك فيها، وكن في تشريح هذا المقصد العظيم من الشاكرين. تتميم: قد جرى ديدنهم على [التعرض إلى] اعتبار الظن في اصول الدين في المقام، ونقول تبعا لهم: أولا: أن المراد من اصول الدين ما [يجب] العلم به مقدمة لعقد القلب به، والمتيقن منه لزوم معرفة المنعم على الاطلاق ووسائط النعم، بحكم العقل بأداء شكر المنعم ووسائط النعم.

وكثرة [الاهتمام بهذا] الشكر صارت موجبة [لدى] العقل بلزوم معرفتهم مع الجهل بهم. وليس هذا الاحتمال مجرى قبح العقاب بلا بيان، إذ هو في حكم لم يحرز الاهتمام [بمطلوبيته] حتى في ظرف الجهل به. وإلا فمع إحراز هذا الاهتمام، العقل يحكم بمنجزية هذا الاحتمال، بلا احتياج إلى عناية تتميم كشف من عقل أو شرع، إذ الأخير دوري، والاول أيضا ليس شأن العقل ذلك. ومن ذلك نقول: إن البيان [الرافع] لموضوع القبح مطلق ما يحكم العقل [بمنجزيته]. وبهذا الوجه أيضا نقول بوجوب النظر إلى المعجزة، لا بقاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل، وإلا فقاعدة قبح العقاب واردة عليها، كما لا يخفى. وكيف كان نقول: إن العقل بقاعدة شكر المنعم ووسائطه لا يحكم بوجوب تحصيل معرفة أزيد مما ذكرنا. نعم، لا بأس بدعوى حكم العقل أيضا بتحصيل الاعتقاد بالحشر ويوم الجزاء، مقدمة للإيقان بوجوب إطاعة منعمه، وان [كانت تفي] به قاعدة الشكر أيضا، لأن [إطاعته] والانقياد [له] بل وعقد القلب [به] أيضا من مراتب شكره (8). وبعد معرفة المنعم ووسائط [النعم] لا يحكم العقل أيضا بأزيد مما يستفاد من كلماتهم. وحينئذ ربما يدعى ورود الأمر بالمعرفة مطلقا منهم، ولازمه تأسيس الأصل في كل ما يشك في لزوم معرفته [لزومها] إلا ما خرج. و [لكن] يمكن منع هذا الإطلاق، وحينئذ مرجع تأسيس الأصل بعكس ما سبق. وحينئذ، ربما قام الإجماع أيضا على لزوم معرفة الحشر، وأنه يوم جزاء ولو إجمالا. وأما لزوم معرفة ضروريات الدين، فغايته عدم جواز [إنكارها] لا لزوم [معرفتها] على [تأمل] في عدم [لزومها] أيضا. ثم إنه مع عدم التمكن من المعرفة للمنعم، ففي لزوم تحصيل الظن وجه، مع حفظ عقد القلب بمنعميته رجاء. وذلك لولا دعوى منع كون الظن من مراتب الشكر، بل غايته كونه مقدمة لعقد القلب به الذي هو شكر ومع التمكن [منه] رجاء - حتى مع الاحتمال - لا وجه للزوم الظن به. نعم يجب عليه الالتفات إلى هذه الجهة بأن لا يصير غافلا على وجه لا يتمشى منه عقد القلب ولو رجاء، إذ العقل يحكم بحرمة تفويت شكره، كما لا يخفى. ثم إنه لو كان في البين حجج شرعية، ففي الاكتفاء بها في الزائد عن لزوم المعرفة - من سائر آثاره الشكرية وغيرها - وجه، وأما بالنسبة إلى نفس معرفة المنعم فدوري. ثم يكفي في المعرفة مجرد الاعتقاد الجازم بالألوهية والنبوة والإمامة، ولو من غفلته عما يرد عليه من الشبهات كالعقيدة الحاصلة من تقليد الآباء والأجداد. نعم التقليد بلا عقيدة لا يكاد يكفي مع التمكن من تحصيل المعرفة. نعم مع عدم التمكن لا بأس بأخذه الاحتمال منهم، لعقد قلبه رجاء، وإلا فلزوم أخذه، بل جوازه لعقد القلب به جزما ممنوع، لعدم دليل على اتباعهم في هذا المقام، كما لا دليل على لزوم تقليد العالم أو الأعلم في هذا الباب، لولا دعوى أن حكم العقل الارتكازي لا يفرق بين هذا المقام وغيره. غاية الأمر دائرة [العالم] هنا أوسع، فيشمل الآباء والأجداد أيضا. ولكن يمكن أن يقال: إن الحكم الارتكازي [برجوع] الجاهل إلى العالم إنما هو في الأعمال [المحتاجة] غالبا إلى التعبد بقول الغير. وأما في مثل أفعال القلوب [القابلة لترتبها] رجاء، فلا يحتاج إلى التعبد بشيء و[إنما] اللازم الفحص عن المنعم بمقدار لا يغفل عنه، كي لا يفوت عنه عقد قلبه به وانقياده له رجاء. نعم مع التمكن من تحصيل المعرفة، يجب عليه تحصيلها أداء لمراتب شكره مهما أمكن، كما لا يخفى.

_____________
(1) هي: أولا: انسداد باب العلم والعلمي بمعظم الاحكام الشرعية. ثانيا: عدم جواز اهمال التكاليف في الوقائع المشتبهة والرجوع في كل منها إلى البراءة. ثالثا: بطلان الرجوع إلى الوظائف المقررة للجاهل بالأحكام من الاحتياط التام في جميع الوقائع والرجوع إلى فتوى الغير أو الرجوع في كل مسألة إلى الأصل الجاري فيها من البراءة والاستصحاب والتخيير ونحوها. رابعا: قبح ترجيح المرجوح على الراجح بالأخذ بالموهومات والمشكوكات. فيتعين العمل بالظن، وقد يضاف إليها مقدمة اخرى خامسة وهي: العلم الاجمالي بثبوت تكاليف كثيرة في الشريعة في الوقائع المشتبهة. (نهاية الافكار القسم الاول من الجزء الثالث: 145).

(2) كالمحقق الخراساني في الكفاية: 356.

(3) كالشيخ الأنصاري في فرائد الاصول: 183.

(4) انظر الفصول الغروية: 280 - 281.

(5) هداية المسترشدين: 384.

(6) أي أن الشارع يكتفي بجعله الطريق الحافظ لمرامه عن سلوك المكلف مسلك الاحتياط.

(7) في الأصل: (لا مجال كخصوصية مرجحية). وعدلنا عنها بما في النسخة المصححة.

(8) راجع نهاية الأفكار: القسم الأول من الجزء الثالث: 188.




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.