أقرأ أيضاً
التاريخ: 31-8-2016
1825
التاريخ: 5-8-2016
1721
التاريخ: 5-8-2016
1554
التاريخ: 5-8-2016
1419
|
إذا نسخ الوجوب فهل يبقى الجواز أو لا؟
ويمكن أن نعبّر عن عنوان البحث بأنّه إذا نسخ الوجوب فهل يبقى الجواز على حدّ الاستحباب، أو لا؟
واعلم أنّه لم يذكر في كلمات القوم مثالا من الأمثلة الفقهيّة للمقام ولكن يمكن التمثيل له بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ } [الأنفال: 65] حيث يمكن أن يقال بأنّه يدلّ على وجوب الجهاد وإن كان المسلمون من حيث العدد عُشر عدد الكفّار ولكنّه نسخ بقوله تعالى بعده: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 66] فإنّه يدلّ على تخفيفه تعالى عن المسلمين ورفع وجوب الجهاد إلاّ فيما إذا كان عدد المسلمين نصف عدد الكفّار على الأقلّ، فيبحث حينئذ في أنّه هل يبقى جواز الجهاد أو استحبابه فيما إذا كان عدد المسلمين عُشر عدد الكافرين أو لا؟
إذا عرفت هذا فاعلم أنّ المعروف بين المحقّقين عدم بقاء حكم الجواز فضلا عن الاستحباب، وهو الصحيح في المسألة، وذلك لأنّ بقاء الجواز إمّا يستفاد من دليل الناسخ أو من دليل المنسوخ أو من دليل آخر خارج عنهما، أمّا الدليل الناسخ فلا إشكال في عدم دلالته عليه حيث إنّه دالّ على مجرّد نسخ الحكم فقط لا أكثر وهذا واضح، وبعبارة اُخرى: أنّ لسانه لسان الرفع لا الوضع والإثبات.
وأمّا دليل المنسوخ فقد يقال بدلالته على بقاء الجواز ببيان أنّ الوجوب الذي يكون مدلولا له ـ مركّب من أمرين: طلب الفعل والمنع من الترك، والمنفي بدليل الناسخ إنّما هو الجزء الثاني أي المنع من الترك، وأمّا الجزء الأوّل وهو طلب الفعل واستحبابه فهو باق على حاله.
ولكن اُجيب عنه: بأنّ الوجوب ليس أمراً مركّباً بل أنّ حقيقته أمر بسيط، والتعبير بتركيبه من طلب الفعل والمنع عن الترك تعبير تسامحي، ولو سلّمنا كونه مركّباً منهما إلاّ أنّ أوّلهما بمنزلة الجنس وثانيهما بمنزلة الفصل، وقد قرّر في محلّه أنّ الجنس والفصل من الأجزاء العقليّة الانتزاعيّة لا الحقيقية الخارجيّة حيث إنّ الجنس عبارة عن ماهية مبهمة لا محصّلة وإنّما يحصّل في الخارج بالفصل، ومن الواضح أنّه لا يبقى بزوال الفصل حينئذ تحصّل للجنس في الخارج.
وأمّا الدليل من الخارج فلا يتصوّر في البين دليل إلاّ أصالة الاستصحاب، أي استصحاب كلّي الجواز، وقد اُجيب عنه أيضاً بأنّ الاستصحاب في ما نحن فيه يكون من قبيل القسم الثالث من استصحاب الكلّي (نظير ما إذا كان كلّي الإنسان موجوداً في الدار مثلا ضمن وجود زيد وبعد خروجه عن الدار شككنا في بقاء كلّي الإنسان بدخول عمرو) وقد ثبت في محلّه عدم حجّيته.
نعم، يمكن أن يقال أنّه قد استثنى من القسم الثالث صورة ما إذا كان الفرد الزائل والفرد المحتمل وجوده من مراحل شيء واحد في نظر العرف كالسواد الشديد والسواد الخفيف، حيث إنّهما وإن كانا متباينين بالدقّة العقليّة إلاّ أنّهما عند العرف يعدّان من المراحل الوجوديّة لشيء واحد، فيستصحب كلّي السواد إذا علمنا بزوال الفرد الشديد واحتملنا بقاء الفرد الخفيف، وما نحن فيه من هذا القبيل، لأنّ الوجوب والاستحباب (أو الجواز) من المراحل الوجوديّة لحكم واحد عند العرف، وهذا لا ينافي بساطة معنى الوجوب كما لا يخفى.
ولكن اُجيب عنه أيضاً بأنّه خلاف ما نجده بوجداننا العرفي حيث إنّ الأحكام الخمسة متباينات عند العرف، والميزان في باب الاستصحاب والحكم بتعدّد المتيقّن والمشكوك أو اتّحادهما إنّما هو العرف.
بقي هنا أمران:
الأمر الأوّل: ربّما يقاس ما نحن فيه بما ثبت في محلّه من أنّه إذا دلّت رواية على وجوب شيء ورواية اُخرى على جواز تركه كان مقتضى الجمع العرفي بينهما رفع اليد من ظهور الأولى في الوجوب وحملها على الاستحباب، فليكن المقام أيضاً من هذا القبيل، فيحمل دليل المنسوخ على الاستحباب.
ولكنّه قياس مع الفارق، حيث إنّ الكلام هناك أنّ الدليل الدالّ على جواز الترك يكون قرينة عرفيّة على كون المراد من الدليل الأوّل من أوّل الأمر هو الاستحباب مع أنّ المدّعى في المقام كون الحكم من أوّل الأمر إلى زمان ورود دليل الناسخ هو الوجوب لا غير.
الأمر الثاني: قال بعض الأعلام في المحاضرات: «إنّ دعوى بقاء الجنس بعد ارتفاع الفصل لو تمّت فإنّما تتمّ في المركّبات الحقيقيّة كالانسان والحيوان وما شاكلهما، وأمّا في البسائط الخارجيّة فلا تتمّ أصلا ولا سيّما في الأحكام الشرعيّة التي هي اُمور اعتباريّة محضة وتكون من أبسط البسائط، ضرورة أنّ حقيقتها ليست إلاّ اعتبار الشارع ثبوت الفعل على ذمّة المكلّف أو محروميته عنه، ومن هنا قلنا أنّ الوجوب والحرمة والاستحباب والكراهة جميعاً منتزعة من اعتبار الشارع بحكم العقل وليس شيء منها مجعولا شرعياً، فالمجعول إنّما هو نفس ذلك الاعتبار، غاية الأمر أنّ نصب الشارع قرينة على الترخيص في الترك فينتزع العقل منه الاستحباب وإن لم ينصب قرينة عليه فينتزع منه الوجوب، وعلى ضوء هذا فلا يعقل القول بأنّ المرفوع بدليل الناسخ إنّما هو فصل الوجوب دون جنسه ضرورة أنّ الوجوب ليس مجعولا شرعياً ليكون هو المرفوع بتمام ذاته أو بفصله»(1).
أقول: في كلامه(رحمه الله) مواقع للنظر:
أوّلا: فلأنّ ما ذكره بالإضافة إلى حقيقة الأحكام الشرعيّة من «أنّ حقيقتها ليست إلاّ اعتبار الشارع ثبوت الفعل على ذمّة المكلّف أو محروميته عنه» يستلزم عدم الفرق بين الأحكام التكليفية والوضعية مثل الديون، حيث إنّه لا إشكال في أنّ مثل هذا الحكم الوضعي جعل في الذمّة، فلو كان الحكم التكليفي أيضاً جعلا للفعل مثلا على الذمّة فما هو الفرق بين النوعين من الحكم؟
وإن شئت قلت: المتبادر من هيئة «افعل» في قوله «صلّ» مثلا ومن هيئة «لا تفعل» في قوله «لا تشرب الخمر» إنّما هو البعث إلى الصّلاة والزجر عن شرب الخمر، لا جعل ثبوت الصّلاة في الذمّة أو جعل المحروميّة عن الشرب فإنّه مخالف لاتّفاق أرباب اللّغة والاُصوليين من أنّ معنى الأمر طلب الفعل أو البعث إلى الفعل، وأنّ معنى النهي طلب الترك أو الزجر عن الفعل، فالتعبير بالدَين أو البقاء في الذمّة في بعض الكلمات (حيث يعبّر مثلا أنّ الصّلاة باقية على ذمّتي أو إنّي مديون بها) بالنسبة إلى الأحكام التكليفية يكون من قبيل العناية والمجاز بلا إشكال.
ثانياً: ينتقض كلامه بالإباحة التي هي أيضاً من الأحكام الخمسة حيث إنّه لا معنى محصّل لجعل الجواز أو الإباحة على ذمّة المكلّف فيلزم التفكيك بينه وبين سائر الأحكام التكليفية مع أنّ جمعيها من سنخ واحد، فتأمّل.
ثالثاً: إنّ بيانه بالنسبة إلى الاستحباب والكراهة مستبطن لنوع من التناقض في الجعل، لأنّ الجعل على الذمّة لازمه كون المكلّف مديوناً للشارع، والدَين لا يجتمع مع الترخيص عند العرف والعقلاء كما في الديون الماليّة، فإن كان الإنسان مديوناً فلا يكون مرخّصاً وإن كان مرخّصاً فلا يكون مديوناً.
رابعاً: إنّ ما ذكره بالنسبة إلى الحرمة أيضاً لا يمكن الالتزام به لأنّ المحروميّة أمر عدمي لا يقبل الجعل والاعتبار، إلاّ أن يراد منه جعل الترك والكفّ، وهو وإن كان موافقاً لما ذهب إليه القدماء من الاُصوليين ولكنّه خلاف التحقيق عند المحقّقين المتأخّرين حيث ذهبوا إلى أنّ النهي عبارة عن الزجر عن الفعل لا طلب الترك أو الكفّ.
خامساً: سلّمنا ما ذكره بالنسبة إلى حقيقة الحكم ولكنّه لا ينافي تصوير الجنس والفصل هنا ودعوى بقاء الجنس بعد ارتفاع الفصل، لأنّ الوجوب والاستحباب بناءً على هذا المبنى مشتركان في كون كليهما مجعولا على ذمّة المكلّف إلاّ أنّ الشارع نصب القرينة على الترخيص في أحدهما دون الآخر، فلهما قدر مشترك، وهو أصل اعتبار الشارع ثبوت الفعل على الذمّة (فيكون بمنزلة الجنس لهما) ويكون لكلّ واحد منهما أمر يختصّ به، وهو عدم الترخيص في الترك في الوجوب (فيكون بمنزلة الفصل للوجوب) والترخيص في الترك في الاستحباب (فيكون بمنزلة الفصل للاستحباب) وحينئذ يمكن أن يقال: إنّ عدم الترخيص يرفع بدليل الناسخ، وأمّا أصل الاعتبار فيبقى على حاله.
وإن شئت قلت: بين الحكمين أي الوجوب والاستحباب ما به الاشتراك وما به الامتياز (أو بين منشأ انتزاعهما) وهما وإن لم يكونا في المقام من الجنس والفصل ولكنّهما من قبيلهما، فيمكن ارتفاع أحدهما وبقاء الآخر لأنّ كليهما مجعولان من قبل الشارع.
إذا عرفت ذلك وانتهى الكلام إلى حقيقة الأحكام الشرعيّة وناقشنا في المبنى المزبور فينبغي البحث في أنّ حقيقتها ماذا؟
فنقول: أمّا الوجوب والحرمة فحقيقتهما إتّضحت ضمن الأبحاث السابقة، فإنّ الوجوب عبارة عن البعث الشديد إلى الفعل، والحرمة هي الزجر الشديد عن الفعل، وأمّا الاستحباب فحقيقته أيضاً هو البعث إلى الفعل ولكن مرتبة خفيفة من البعث، كما أنّ الكراهة أيضاً حقيقتها هي الزجر عن الفعل ولكن زجراً خفيفاً و هذا كلّه ما يوافقه الارتكاز العرفي مع قطع النظر عن بيان الشرع.
وأمّا الإباحة فهي إرسال تشريعي وترخيص إنشائي اعتباري من جانب الشارع نظير الترخيص التكويني فيما إذا فتحت باب دارك مثلا ورفعت الموانع عن الدخول فيها، فكما أنّ الإباحة التكوينيّة عبارة عن رفع المانع وإطلاق السراح والترخيص كذلك الإباحة الإنشائيّة التشريعيّة.
___________________
1. المحاضرات: ج4، ص23.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|