المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8222 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
تـشكيـل اتـجاهات المـستـهلك والعوامـل المؤثـرة عليـها
2024-11-27
النـماذج النـظريـة لاتـجاهـات المـستـهلـك
2024-11-27
{اصبروا وصابروا ورابطوا }
2024-11-27
الله لا يضيع اجر عامل
2024-11-27
ذكر الله
2024-11-27
الاختبار في ذبل الأموال والأنفس
2024-11-27

عنصر الزنك وتأثير زيادة ونقصانه على أشجار الفاكهة
2024-11-14
انطباع الإمام الصادق عن أبي الفضل
8-8-2017
ماء المطر الجاري من ميزاب الملاقي للنجاسة
2024-03-16
إبن السبيل- في الزكاة والخمس
22-9-2016
حماية التنفس Respiratory Protection
25-11-2019
معنى كلمة خصم
6/12/2022


تنبيهات في مسألة الصحيح والأعم  
  
1191   12:58 صباحاً   التاريخ: 31-8-2016
المؤلف : ناصر مكارم الشيرازي
الكتاب أو المصدر : أنوَار الاُصُول
الجزء والصفحة : ج 1 ص 134.
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / المباحث اللفظية /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 13-7-2020 2054
التاريخ: 5-8-2016 1495
التاريخ: 13-6-2020 2292
التاريخ: 31-8-2016 1888

التنبيه الأوّل: في دخول أسامي المعاملات في محلّ النزاع:

وقد ذهب المحقّق الخراساني إلى التفصيل بين ما إذا كانت أسامي المعاملات موضوعة للمسبّبات فلا مجال للنزاع في كونها موضوعة للصحيحة، أو للأعمّ وما إذا كانت موضوعة للأسباب فيكون للنزاع فيه مجال، وحاصل كلامه: أنّه إذا كانت الأسامي موضوعة للمسبّبات فلا إشكال في أنّها حينئذ اُمور بسيطة لا تتّصف بالصحّة والفساد بل أمرها دائر بين الوجود والعدم، فجريان نزاع الصحيحي والأعمّي في ألفاظ المعاملات متوقّف على كونها موضوعة للأسباب، ثمّ ذهب إلى أنّه لا يبعد دعوى كونها موضوعة للصحيحة أيضاً وأنّ الموضوع هو العقد المؤثّر لأثر كذا شرعاً وعرفاً، واختلاف الشرع والعرف فيما يعتبر في تأثير العقد لا يوجب الاختلاف في المعنى.

وبعده أتعب المحقّق العراقي(رحمه الله) نفسه الزكيّة حيث أراد إثبات جريان النزاع ولو قلنا بوضع الألفاظ للمسبّبات فإنّه قال: يمكن تصوير جريان النزاع في المسبّبات على ثلاثة أنحاء:

الأوّل: أن يكون المسبّب أمراً واحداً وله مفهوم واحد والمصاديق واحدة، ولا يكون نزاع بين العرف والشرع فيه، وأمّا ردع الشارع في بعض الموارد فإنّه من باب تخطئة العرف في المصداق لا من باب الاختلاف في المفهوم.

الثاني: أن نقول إنّ للمسبّب مفهومين وبالنتيجة له مصداقان، فقبل الشارع أحدهما وردّ الآخر فقال مثلا: بأنّ المعاطاة عندي ليست بيعاً.

الثالث: أن نقول أنّ للمسبّب مفهوماً واحداً وله مصاديق كثيرة ولكن ردع الشارع بعض المصاديق ليس من باب التخطئة في المصداق بل من باب الإستثناء في الحكم، فيقول مثلا: إنّ المعاملة الربوية وإن كانت من مصاديق البيع لكنّها حرام حكماً.

ثمّ قال: فإن قلنا بالأوّل فلا يتصوّر فيه النزاع بين الصحيحي والأعمّي لدوران أمره بين الوجود والعدم دائماً، وأمّا إذا قلنا بالثاني فيمكن تصوير النزاع في أنّ الألفاظ وضعت لخصوص المفهوم المقبول للشارع أو وضعت للأعمّ منه، وكذلك إن قلنا بالثالث فيمكن تصوير النزاع فيه بأنّ الألفاظ وضعت لخصوص المصداق الذي لم يستثن الشارع حكمه، أو وضعت للأعمّ منه ومن المستثنى في الحكم(1) (انتهى).

أقول: يرد عليه أنّ المفروض في باب المعاملات عدم وجود الحقيقة الشرعيّة بينما الصورة الثانيّة والثالثة في كلامه تستلزمانها كما لا يخفى، لأنّه يبحث فيهما في أنّ الألفاظ في لسان الشرع وضعت لأي مصداق؟

ثمّ إنّ هيهنا كلاماً آخر للمحاضرات ذهب فيه أيضاً بجريان النزاع حتّى بناءً على وضع الألفاظ للمسبّبات، واستدلّ له بأنّ المسبّب في باب المعاملات اعتبار قائم بنفس المعتبر، فإنّ البيع مثلا ملكيّة يعتبرها البائع في نفسه وهو ممّا يتصوّر فيه الصحّة والفساد لأنّه إن أمضاه العقلاء والشرع كان صحيحاً وإلاّ ففاسد(2).

أقول: إنّ المسبّب في المعاملات ليس الاعتبار القائم بالنفس فإنّه ليس أمراً شخصيّاً فحسب بل إنّه نفس الاعتبار العقلائي الدائر بينهم كما لا يخفى، ويكون اعتبارها بيد العقلاء، وأهل العرف، فإذا صدرت صيغة عقد مثلا من بايع واعتبر العقلاء الملكيّة في موردها تتحقّق الملكيّة، وإن لم يعتبروها فلا تتحقّق فيكون أمرها حينئذ دائراً مدار الوجود والعدم عندهم وفي اعتبارهم فلا تتّصف بالصحّة والفساد.

فظهر إلى هنا أنّ تفصيل المحقّق الخراساني(رحمه الله) متين لا غبار عليه، نعم أنّه مربوط بمقام الثبوت.

وأمّا مقام الإثبات ومن ناحية الموضوع فهل المراد من أسامي المعاملات الأسباب أو المسبّبات؟

يمكن أن يقال إنّه إذا استعملت الألفاظ في المعنى المصدري فلا إشكال في أنّ المراد منها الأسباب فإنّها التي تعلّق بها الإيجاد أوّلا وبالذات، وأمّا إذا استعملت في المعنى اسم المصدري فيكون المراد منها المسبّبات، لأنّ المسبّبات هي النتائج الحاصلة من الأسباب وتناسب المعنى اسم المصدري، فلابدّ حينئذ من ملاحظة كيفية الاستعمال، فتختلف أسامي المعاملات بحسب اختلاف كيفية استعمالاتها في لسان الشارع، فالتي استعملت في الأسباب داخلة في محلّ النزاع، والتي استعملت في المسبّبات خارجة عنه، اللهمّ إلاّ أن يقال أنّها ظاهرة في المسبّبات دائماً لترتّب الآثار عليها بلا واسطة، وفي موارد استعمالها بالمعنى المصدري يكون النظر إلى إيجادها من طريق التوسّل بالأسباب كما في قولك «أحرقته» فإنّه بمعنى نفس الإحراق ولو بالتوسّل بأسبابه لا نفس الأسباب والفرق بينهما واضح.

التنبيه الثاني: التمسك بإطلاقات المعاملات:

بناءً على جريان النزاع في باب المعاملات فهل تترتّب عليه أيضاً الثمرة المتقدّمة في العبادات فيمكن التمسّك بإطلاقات المعاملات بناءً على الوضع للأعمّ دون الوضع للأخصّ أو لا تترتّب؟

قد يقال: بعدم ترتّبها لجواز التمسّك بالإطلاقات حتّى على القول بالصحيح لما مرّ من أنّ الصحيح في باب المعاملات هو الصحيح عند العقلاء، وأنّ المعاملات اُمور عرفيّة عقلائيّة وليست من الماهيات المخترعة من قبل الشارع المقدّس، إذاً تكون تلك الإطلاقات مسوقة لإمضاء المعاملات العرفيّة العقلائيّة، فالصحيحي أيضاً إذا شكّ في دخالة قيد من جانب الشارع في عقد من العقود، وكان ذلك العقد صحيحاً عند العرف والعقلاء بدون ذلك القيد يمكن له أن يتمسّك بإطلاق «اُوفوا بالعقود» مثلا لنفي ذلك القيد ويثبت به عدم اعتباره شرعاً.

وذهب المحقّق النائيني(رحمه الله) إلى تفصيل في المقام وقال: «لو قلنا بأنّ ألفاظ المعاملات موضوعة بإزاء الأسباب فلا ينبغي الإشكال في صحّة التمسّك بالمطلقات ولو قلنا بأنّها موضوعة للصحيحة، لأنّ الإطلاق يكون منزلا على ما يراه العرف صحيحاً، وأمّا إذا قلنا بأنّها موضوعة للمسبّبات فيشكل الأمر لأنّ إمضاء المسبّب لا يلازم إمضاء السبب.

وما يقال في حلّه من أنّ إمضاء المسبّب يلازم عرفاً إمضاء السبب إذ لولا إمضاء السبب كان إمضاء المسبّب لغواً، فليس بشيء، إذ لا ملازمة عرفاً في ذلك، واللغويّة إنّما تكون إذا لم يجعل الشارع سبباً أو لم يمض سبباً أصلا إذ لا لغويّة لو جعل سبباً أو أمضى سبباً في الجملة، غايته أنّه يلزم حينئذ الأخذ بالمتيقّن (والاحتياط في الباقي) فلزوم اللغويّة لا يقتضي إمضاء كلّ سبب بل يقتضي إمضاء سبب في الجملة».

ثمّ إنّه لمّا رأى نتيجة كلامه ـ وهي عدم إمكان التمسّك بشيء من الإطلاقات الواردة في باب المعاملات ـ خلاف سيرة الفقهاء، تصدّى من طريق آخر لحلّ الإشكال وقال: «فالتحقيق في حلّ الإشكال هو أنّ باب العقود والايقاعات ليست من باب الأسباب والمسبّبات، وإن اُطلق عليها ذلك بل إنّما هي من باب الإيجاد بالآلة، والفرق بين باب الأسباب والمسبّبات وبين باب الإيجاد بالآلة هو أنّ المسبّب في باب الأسباب ليس فعلا اختياريّاً للفاعل بحيث تتعلّق به إرادته أوّلا وبالذات بل الفعل الاختياري وما تتعلّق به الإرادة هو السبب ويلزمه حصول المسبّب قهراً، وهذا بخلاف باب الإيجاد بالآلة فإنّ ما يوجد بالآلة كالكتابة هو بنفسه فعل اختياري للفاعل ومتعلّق لإرادته ويصدر عنه أوّلا وبالذات فإنّ الكتابة ليست إلاّ عبارة عن حركة القلم على القرطاس بوضع مخصوص وهذا بنفسه فعل اختياري صادر عن المكلّف أوّلا وبالذات بخلاف الإحراق فإنّ الصادر من المكلّف هو الإلقاء في النار لا الإحراق، وباب العقود والايقاعات كلّها من قبيل الإيجاد بالآلة فإنّ هذه الألفاظ كلّها آلة لإيجاد الملكيّة والزوجيّة والفرقة وغير ذلك، وليس البيع مثلا مسبّباً توليديّاً لهذه الألفاظ بل البيع بنفسه فعل اختياري للفاعل متعلّق لإرادته أوّلا وبالذات، ويكون إيجاده بيده، فمعنى حلّية البيع هو حلّية إيجاده، فكلّ ما يكون إيجاداً للبيع بنظر العرف فهو مندرج تحت إطلاق قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] والمفروض أنّ العقد بالفارسيّة مثلا يكون مصداقاً لإيجاد البيع بنظر العرف، فيشمله إطلاق حلّية البيع، وكذا الكلام في سائر الأدلّة وسائر الأبواب، فيرتفع موضوع الإشكال، إذ مبنى الإشكال هو تخيّل أنّ المنشئات بالعقود من قبيل

المسبّبات التوليديّة فيستشكل فيه من جهة أنّ أمضاء المسبّب لا يلازم إمضاء السبب، والحال أنّ الأمر ليس كذلك، فتأمّل في المقام جيّداً» (انتهى مع تلخيص في بعض كلماته)(3).

وفيما ذكره إشكال من جهتين:

الجهة الاُولى: ما ذكره من عدم كون الأفعال التوليديّة فعلا للإنسان أوّ: وبالذات ... ـ إن أراد أنّه لا يمكن تعلّق الحكم أو إرادة المولى به فهو ممنوع قطعاً، لأنّ المقدور بالواسطة مقدور واقعاً ويمكن تعلّق الإرادة التكوينيّة والتشريعيّة به، وإن أراد غير ذلك فهو غير مضرّ بالمقصود.

الجهة الثانيّة: ما ذكره من كون الإنشاء والعقد من قبيل الآلة لا من قبيل الأسباب التوليديّة فهو أيضاً ممنوع أشدّ المنع، فإنّ الآلة إنّما تكون في موارد يكون للمكلّف فعل بنفسه سوى ما يتحقّق بالآلة كما في الكتابة، فإنّ للكاتب هناك فعلا، وهو حركة اليد، وللآلة أثراً وهو ترسيم السطور، ولكن في باب المعاملات ليس كذلك، فليس للبائع فعل سوى إنشاء البيع (والمراد بالإنشاء ليس مجرّد ذكر الألفاظ بل الألفاظ مع القصد) وأمّا الملكيّة العقلائيّة أو الشرعيّة فهي من آثار الإنشاء الجامع للشرائط، وإن هو إلاّ كالإحراق الذي يتوسّل به الإنسان من طريق الإلقاء في النار وليس للمحرق فعل مباشرة إلاّ الإلقاء كما أنّه ليس هنا للبائع فعل مباشرة إلاّ الإنشاء.

فتلخّص ممّا ذكرنا أنّ التمسّك بالإطلاقات في أبواب المعاملات لا مانع منه، سواء قلنا بوضع الألفاظ للأسباب أو للمسبّبات، وسواء قلنا بوضعها للصحيح أو للأعمّ.

 

بقي هنا أمران:

الأوّل: أنّه لو فرض عدم وجود إطلاقات لفظيّة في البين أمكن التمسّك بالإطلاق المقامي، لأنّ الشارع المقنّن الذي يكون في مقام التقنين والتشريع قد لاحظ المعاملات الرائجة بين العرف والعقلاء ثمّ شرع أحكامه وحينئذ لو كان لشيء دخل فيها بعنوان الجزء أو الشرط كان

عليه بيانه ولوصل إلينا، وحيث إنّه لم يصل إلينا شيء نستكشف عدم دخل ذلك الشيء.

الثاني: أنّه لو فرض عدم وجود إطلاق لا لفظي ولا مقامي أمكن التمسّك بالسيرة العقلائيّة الجارية على اعتبارهم للمعاملات الرائجة بينهم التي كانت بمرأى ومسمع من الشارع ويستكشف إمضاؤه لها من سكوته وعدم ردعه.

التنبيه الثالث: في دخول الشرائط في محلّ النزاع وعدمه:

وقد مرّ البحث عنه في الأمر الرابع من الاُمور المبحوثة عنه بعنوان المقدّمة ولكن نكرّره هنا على شكل أوسع تأسّياً بالأعاظم.

قال المحقّق الخراساني(رحمه الله) ما حاصله: إن دخل شيء في المأمور به على أربعة أقسام:

فتارةً يكون بعنوان الجزئيّة فيكون دخيلا في قوام الماهية كالركوع والسجود بالنسبة إلى الصّلاة.

واُخرى بعنوان الشرطيّة فيكون التقيّد داخلا في الماهية والقيد خارجاً نحو الطهارة بالنسبة إلى الصّلاة.

وثالثة يكون دخيلا بعنوان الجزئيّة في فرد من أفراد الماهيّة نحو القنوت الذي يكون جزء للفرد الأفضل من الصّلاة.

ورابعة يكون شرطاً للفرد، نحو إتيان الصّلاة مع الجماعة الذي يكون شرطاً للفرد الأفضل (انتهى).

ويمكن تصوير قسم خامس وإن لم يكن محلا للبحث، وهو ليس من باب دخل شيء في شيء بل من باب وقوع واجب في واجب أو واجب في مستحبّ نحو السجدة الواجبة لتلاوة آية السجدة في أثناء الصّلاة على القول بجوازها حين الصّلاة، واجبة كانت الصّلاة أم مستحبّة، فإن كانت واجبة فيكون وجوب السجدة من باب وقوع واجب في واجب، وإن كانت مستحبّة فيكون من باب وقوع واجب في مستحبّ.

ثمّ إنّه لا شكّ في عدم دخول القسم الثالث والرابع في محلّ النزاع لصدق الصّلاة وصحّتها بدونهما، فتصحّ الصّلاة بدون الجماعة أو بدون القنوت مثلا، كما لا إشكال في دخول القسم الأوّل (وهو الأجزاء) عند الصحيحي والأعمّي معاً، والفرق بينهما أنّ الصحيحي يقول:

بدخول جميع الأجزاء في الماهية، والأعمّي يقول: بدخالة بعضها.

أمّا القسم الثاني وهو الشرائط، فقال المحقّق الخراساني(رحمه الله) في بدو كلامه بأنّه يمكن أن يقال بعدمه، ولكن صرّح في آخره بأنّها داخلة فيه، وظاهره دخولها مطلقاً، وقد يقال بعدم دخولها مطلقاً، وقد يفصل فيها بتفاصيل عديدة: تفصيل للمحقّق النائيني، وتفصيل ثاني للمحقّق العراقي، وتفصيل ثالث لتهذيب الاُصول، ورابع يكون هو المختار.

أمّا القول الأوّل، وهو دخل الشرائط مطلقاً فيمكن الاستدلال له بوجهين:

الأوّل: أنّ الجامع الذي لا بدّ من تصويره قد استكشفناه من ناحية الآثار كالنهي عن الفحشاء وغيره، ومن المعلوم أنّها مترتّبة على الصحيح التامّ جزءً وشرطاً لا على الصحيح في الجملة، أي من حيث الجزء فقط دون الشرط.

الثاني: أنّ الأدلّة التي أقمناها على الصحيح من التبادر، وصحّة السلب عن الفاسد، والأخبار المثبتة لبعض الآثار للمسمّيات، والنافيّة للطبيعة بفقد جزء أو شرط، وهكذا دعوى استقرار طريقة الواضعين على الوضع للمركّبات التامّة ـ كلّها ممّا تساعد الوضع للصحيح التامّ جزءً وشرطاً لا الصحيح في الجملة.

وهذان الوجهان تامّان لا غبار عليهما ولكن لا ينافيان ما سنذكره إن شاء الله من التفصيل.

ويمكن أن يستدلّ للقول الثاني وهو القول بعدم الدخالة مطلقاً بأمرين:

الأوّل: أنّ الأجزاء بمنزلة المقتضي، والشرائط بمنزلة شرط تأثير المقتضي فتكون رتبتها متأخّرة عن رتبة الأجزاء ولا يمكن أخذها في المسمّى في عرض الأجزاء كما حكي عن شيخنا العلاّمة الأنصاري(رحمه الله) في تقريراته.

الثاني: أنّ الصّلاة من الاُمور القصديّة، وكثير من الشرائط لا يعتبر فيه القصد نحو طهارة الثوب وطهارة البدن (بل يمكن أن يقال أنّ الوضوء أيضاً من هذا القبيل لأنّه من الشرائط المقارنة للصّلاة ولا يعتبر قصدها حين الصّلاة) ودخل الشرائط في المسمّى تستلزم تركيب الصّلاة من الاُمور القصديّة وغير القصديّة والمفروض أنّها برمّتها من الاُمور القصديّة.

أقول: ويرد على الأوّل أنّ التأخّر في الوجود بحسب المرتبة لا دخل له بالتأخّر في التسمية، وعلى الثاني أنّا لا نسلّم كون الصّلاة أمراً قصديّاً لجميع شرائطها بل يعتبر القصد في خصوص أجزائها لا شرائطها.

أمّا القول الثالث، وهو القول بالتفصيل فقد مرّ أنّ هناك ثلاثة أنواع من التفصيل وبتعبير أصحّ ثلاث بيانات مختلفة لتفصيل واحد:

البيان الأوّل: ما أفاده المحقّق العراقي(رحمه الله) على ما في بدائع الأفكار فإنّه قال: الشرائط على ثلاثة أقسام: قسم أخذ في المأمور به، نحو شرط القبلة بالنسبة إلى دليل «صلّ إلى القبلة» وشرط الوقت بالنسبة إلى دليل «صلّ في الوقت» والطهارة بالنسبة إلى دليل «صلّ مع الطهارة»، وقسم لم يؤخذ فيه من ناحية الشرع بل الدالّ عليه هو العقل ولكن يمكن أخذه في المأمور به نحو عدم المزاحمة بالأهمّ وعدم تعلّق النهي، وقسم يستحيل أخذه في المأمور به والكاشف عنه هو العقل أيضاً، نحو قصد الأمر بناءً على ما هو المشهور من استحالة أخذه في متعلّق الأمر لاستلزامه الدور.

ثمّ ذهب إلى دخول القسم الأوّل في المسمّى، وأمّا الإشكالان المذكوران من جانب القائلين بالعدم فالمهمّ منهما عنده هو الإشكال الأوّل، وأجاب عنه بقضيّة الحصّة التوأمة فقال: المعتبر في الصّلاة هو الركوع والسجود وسائر الأجزاء المحصّصة بالحصّة المقارنة مع القسم الأوّل من الشرائط والتوأمة معها من دون أن تكون مقيّدة بها أو مطلقة بالنسبة إليها.

أمّا القسم الثاني والثالث فقال بأنّهما خارجان عن حريم النزاع للإجماع والاتّفاق على صدق مسمّى الصّلاة في صورة التزاحم مع الأهمّ وصورة فقدان قصد الأمر فيقال الصّلاة المتزاحمة مع الأهمّ والصّلاة الفاقدة لقصد الأمر. هذا ملخّص كلامه (رحمه الله)(4).

ويرد عليه:

أوّلا: أنّه لا معنى محصّل للحصّة التوأمة لأنّ الواقع ليس خالياً من أحد الأمرين، فإمّا أن تكون القضيّة في مرحلة الواقع مشروطة أو تكون مطلقة بنحو القضيّة الحينيّة، فإن كانت مشروطة فمعناه دخل الشرائط في المسمّى وكونه مقيّداً بها وإن كانت مطلقة بنحو القضيّة الحينية فمعناه عدم تقيّده بها، وليس في الواقع أمر ثالث، كما أنّه لا معنى للإهمال في مرحلة الثبوت والواقع.

وثانياً: أنّ الإجمال المدّعى قيامه على صدق الصّلاة في صورة عدم القسم الثاني والثالث في

 الشرائط غير ثابت، لما مرّ من أنّ الصّلاة وضعت لما ينشأ منه الأثر، ولا شكّ في دخل قصد القربة كركن في تأثيرها في الآثار المطلوبة منها، وقد عرفت أنّ مسألة نفي المزاحم أو النهي ترجع في النهاية إلى قصد القربة، فيكون القسم الثاني والثالث أيضاً داخلين في محلّ النزاع، مضافاً إلى عدم حجّية الإجماع في إثبات حقيقة لغويّة أو حقيقة شرعيّة التي لا بدّ فيها من الرجوع إلى التبادر وصحّة السلب ونحوهما، وليست من المسائل التعبّديّة.

البيان الثاني: ما أفاده المحقّق النائيني(رحمه الله) في المقام، وهو نفس ما ذهب إليه المحقّق العراقي(رحمه الله)إلاّ أنّ دليل أحدهما غير دليل الآخر، ودليل المحقّق النائيني(رحمه الله)على خروج القسم الثاني والثالث: أنّ صدق المزاحمة أو ورود النهي فرع وجود المسمّى وإلاّ لا يصدق مزاحمة شيء لشيء ولا عنوان المنهي عنه، وعلى هذا تكون التسمية قبل الابتلاء بالمزاحم وقبل ورود النهي، هذا هو الوجه في خروج القسم الثاني عن محلّ النزاع، وأمّا القسم الثالث فالوجه في خروجه عنده تأخّره عن المسمّى برتبتين، لأنّ قصد القربة أو قصد الأمر متأخّر عن الأمر، والأمر متأخّر عن موضوعه وهو الصّلاة مثلا. (انتهى ملخّص كلامه(5)).

أقول: يرد عليه أنّا لا نسلّم كون المزاحمة أو ورود النهي متفرّعاً على التسمية (المسمّى بما أنّه مسمّى) بل يمكن أن يتعلّق النهي لبعض المسمّى إرشاداً إلى دخل شيء في تمام المسمّى كما في قوله (عليه السلام) «دع الصّلاة أيّام اقرائك» فالأمر متأخّر عن ذات المسمّى لا عن التسمية، وهكذا بالنسبة إلى قصد الأمر، فيمكن أن يقول الشارع: «كبّر، اركع، اُسجد، مع قصد الأمر المتعلّق بها» فيكون قصد الأمر متأخّراً عن متعلّق الأمر، وهو وجود المسمّى لا عن تسميته بالصّلاة مثلا.

ويجاب عن الثاني بأنّ المختار جواز أخذ ما لا يتأتّى إلاّ من قبل الأمر في المأمور به، لأنّ الأمر فرع تصوّر موضوعه، وتصوّر المتأخّر وجوداً ممكن جدّاً، فقد وقع الخلط بين تأخّر الوجود برتبتين وتأخّر التصوّر، والذي يعتبر في الأمر هو الثاني لا الأوّل، وحينئذ يمكن أخذه في التسمية أيضاً على نحو ما مرّ في القسم السّابق، فتدبّر جيّداً.

البيان الثالث: ما أفاده بعض الأعاظم في تهذيب الاُصول فإنّه قال في صدر كلامه بدخول جميع الأقسام في المسمّى، وأجاب عن إشكال تقدّم التسمية على الطلب وقال بإمكان تأخّرها عنه لإمكان تعلّق الطلب على عناوين اُخرى غير عنوان الصّلاة ووقوع التسمية بعده، ثمّ قال: إن قلت: وقوع التسمية بعد الطلب لغو لا فائدة فيه.

قلت: كان النزاع في الإمكان وعدمه وفي مقام الثبوت لا في مقام الإثبات، واللغويّة غير الاستحالة وداخل في مقام الإثبات، ولكن عدل عنه في ذيل كلامه وقال: الشرائط على قسمين: شرائط «المسمّى» (شرائط الماهية) وشرائط «وجود المسمّى» وتحقّقه، والقسم الأوّل من الشرائط لا يبعد أن يكون من شرائط الماهية فيكون داخلا في محلّ النزاع، وأمّا القسم الثاني والثالث فهما من شرائط الوجود فليسا داخلين في محلّ البحث، لأنّ البحث في الصحيح والأعمّ يكون في تعيين ما به مسمّى الألفاظ لا تشخيص شرائط وجوده. (انتهى ملخّص كلامه(6)).

أقول: يلاحظ على بيانه بأمرين:

الأوّل: أنّ ما ذهب إليه من التفصيل بين الشرائط وتقسيمها بشرط الماهية وشرط الوجود مبني على القول بأنّ الألفاظ وضعت للماهيات، وأمّا بناءً على مختارنا في المقام من أنّ جميع الألفاظ (إلاّ ما شذّ) وضعت للوجودات الخارجيّة فهو في غير محلّه كما لا يخفى.

الثاني: أنّه يمكن أن يقال بدخول القسم الثاني والثالث في محلّ النزاع أيضاً لأنّ مقوّم ماهية العبادة هو العبوديّة والمقربيّة، ولا ريب في أنّ مقوّم العبوديّة إنّما هو قصد القربة بل هو أهمّ ما يكون داخلا في ماهية الصّلاة، لأنّ خروجه عنها يستلزم خروج العبادة عن كونها عبادة، فكيف لا يكون داخلا في ماهيّة المسمّى؟ ولا إشكال في أنّ الصّلاة والحجّ ونحوهما من مصاديق العبادة، والعجب منه ومن العلمين (المحقّق العراقي والنائيني(رحمهما الله)) حيث ذهبوا إلى أنّ قصد القربة خارج عن ماهيّة مسمّى العبادة حتّى على مبنى الصحيحي، مع أنّها بدون القربة لا تكون عبادة.

والمختار في المسألة هو ما ننتهي إليه بعد الرجوع إلى الاُصول الموجودة في تسمية المخترعات العرفيّة كما مرّ، فإنّا قد قلنا بأنّ السيارة مثلا وضعت لما يكون منشأً للأثر المرغوب منها، ثمّ نقول: إنّ تأثيرها في الأثر له نوعان من الشرائط: فنوع منها يكون شرطاً لفعلية المقتضي، كوجود النفط في المصباح مثلا بالنسبة إلى تأثيرها في الإضاءة، وكشرب الدواء في صباحاً قبل الطعام، ونوع منها يكون شرطاً لاقتضاء المقتضي نحو كميّة الأجزاء وكيفيتها في المعاجين، ومن الواضح عدم دخالة النوع الأوّل في المسمّى كما يحكم به الوجدان، فإنّه لا يقول أحد بأنّ النفط داخل في مسمّى المصباح، وشرب الدواء قبل الطعام مثلا داخل في مسمّى الأدوية بخلاف النوع الثاني.

هذا في المخترعات العرفيّة، وكذلك في المخترعات الشرعيّة فإنّ شرائط الصّلاة مثلا على قسمين، قسم منها يكون من شرائط اقتضاء الصّلاة للأثر، فيكون داخلا في مسمّاها كالطهارة وقصد القربة، وقسم منها يكون من شرائط فعلية تأثير الصّلاة مثل كون المصلّي مؤمناً (على القول باشتراط الإيمان في الصحّة لا في القبول فقط) ومثل الموافاة على الإيمان فيكون خارجاً عن مسمّاها، ولا بدّ من ملاحظة الأدلّة في باب شرائط العبادات وغيرها وملاحظة تناسب الحكم والموضوع حتّى يعلم أنّ هذا الشرط أو ذاك من القسم الأوّل أو القسم الأخير.

بقي هنا شيء:

وهو أنّ عدم الابتلاء بالمزاحم وعدم ورود النهي يرجعان إلى قصد القربة كما مرّ في الأمر الرابع من الاُمور المذكورة في المقدّمة.

نعم إنّه سيأتي في مبحث الترتّب أنّ عدم الابتلاء بالمزاحم ليس من الشرائط (أي إن الابتلاء بالمزاحم ليس من الموانع) كما هو المعروف والجاري في ألسنة جمع من الأعلام، وإنّ كونه من الشرائط مبني على إنكار الترتّب.

_______________

1. راجع نهاية الأفكار: ج1، ص97.

2. راجع المحاضرات: ج1، ص195.

3. راجع فوائد الاُصول: ج1، ص80 ـ 82، طبع جماعة المدرّسين.

4. راجع نهاية الأفكار: ج1، ص101 طبع جماعة المدرّسين.

5. راجع أجود التقريرات: ج1، ص35.

6. تهذيب الاُصول: ج1، ص50 ـ 51، طبع مهر.

 




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.