أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-6-2020
1419
التاريخ: 13-6-2020
2305
التاريخ: 5-8-2016
1888
التاريخ: 8-8-2016
1936
|
...ويستدلّ له بوجوه:
الوجه الأوّل: التبادر:
إنّ المتبادر من الألفاظ عند إطلاقها هو الصحيح، فيكون إطلاقها على الفاسد بنوع من المجاز والعناية.
ولكن هيهنا مشكلتان لا بدّ من حلّهما لكي يتمّ هذا الوجه:
الاُولى: أنّ التبادر فرع وجود معنى مبيّن للألفاظ، مع أنّ الألفاظ على القول بالصحيح مجملات (في مثل العبادات) إذ من الواضح وقوع الشكّ في جملة من أجزاء الصّلاة وشروطها، فعلى هذا القول يكون معناها مجملا مردّداً بين الأقلّ والأكثر، فكيف يدّعي الصحيحي تبادر الصحيح التامّ من ألفاظها؟
وقد إلتفت المحقّق الخراساني(رحمه الله) إلى هذه العويصة وأشار إليها في كلماته وأجاب عنها بأنّ معاني الألفاظ وإن كانت على هذا القول مجملات ولكنّها مبيّنات في الجملة من ناحية بعض الخواصّ والآثار، فتكون الصّلاة مثلا هي التي تنهى عن الفحشاء، أو تكون معراجاً للمؤمن، أو عمود الدين ونحو ذلك. وهذا المقدار من البيان الإجمالي يكفي في صحّة التبادر.
وقد أشار في تهذيب الاُصول إلى هذا الجواب وأورد عليه بأنّ «للماهية في وعاء تقرّرها تقدّماً على لوازمها وعلى الوجود الذي هو مظهر لها، كما أنّها متقدّمة على لوازم الوجود بمرتبتين، لتوسّط الوجود بينها وبين لوازم الوجود، وإذ أضفت ذلك إلى ما قد علمت سابقاً من ـ أنّ النهي عن الفحشاء وكونها معراج المؤمن وما أشبهها من لوازم الوجود لا من آثار الماهيّة لعدم كونها منشأً لتلك الآثار في حدّ نفسها ـ تعرف أنّه لا وجه لهذا التبادر أصلا، لأنّ تلك العناوين في مرتبة متأخّرة عن نفس المعنى الماهوي الموضوع له، بل لو قلنا أنّها من عوارض الماهية أو لوازمها كانت أيضاً متأخّرة عنه، فمع ذلك كيف يمكن دعوى تبادرها من لفظ الصّلاة مثلا؟»(1).
أقول: ولكن يمكن دفعه بما اخترناه في مبحث الوضع، وهو أنّ أكثر الألفاظ المستعملة عند أهل اللّغة موضوعة للوجود (كما أنّه مقتضى حكمة الوضع) لا للماهية، وإذاً لا إشكال في تبادر المعنى إلى الذهن بتبادر الآثار، لوجود الملازمة بين الوجود وآثاره، لأنّ الآثار من لوازم الوجود، والإنصاف أنّ الخلط بين المصطلحات الفلسفية والمفاهيم العرفيّة هو الذي أوجب هذه المفاسد الكثيرة في علم الاُصول كما مرّ سابقاً.
الثانيّة: أنّ الوجدان حاكم على صحّة إطلاق الألفاظ في المركّبات الخارجيّة على بعض الأفراد الناقصة من دون وجود عناية وتسامح في البين (نظير إطلاق لفظ الإنسان على الفاقد لعضو من الأعضاء من اليد أو الرجل مثلا) مع أنّ لازم دعوى تبادر المعنى الصحيح إلى الذهن كون هذا القبيل من الاستعمالات مجازاً.
والجواب: واضح بناءً على مختارنا في حقيقة الوضع أيضاً، فإنّا قلنا هناك أنّ الموضوع له إنّما هو المؤثّر، للأثر ولا إشكال في أنّ الأثر قد يكون أمراً ذا مراتب، مرتبة واجدة لتمام الأثر، ومرتبة واجدة لمعظمه، ومرتبة واجدة لضعيفه ونازله، والإطلاق حقيقي بشهادة التبادر وصحّة السلب فيما إذا كان العمل واجداً لمعظم الأثر، ومجاز في ما يكون فاقداً له، ولا يخفى أنّه كلّما كان إطلاق اللفظ على الفاقد لجزء من الأجزاء أو لشرط من الشرائط حقيقيّاً بلا عناية ومجاز كشفنا منه وجود معظم الأثر، كما أنّه لا إشكال في أنّ الأثر المترتّب على الصّلاة في ما نحن فيه من هذا القبيل أي ممّا يكون ذا مراتب عديدة، وحينئذ نقول: إنّ إطلاق الصّلاة على صلاة المريض مثلا حقيقي لتحقّق معظم أثر الصّلاة بها وذلك لحكم الشارع بصحّتها فإنّ حكمه بالصحّة في كلّ مورد يكون كاشفاً عن وجود معظم الآثار كما أنّ حكمه بالفساد كاشف عن عدم وجودها كما لا يخفى.
وبهذا تنحلّ العويصتان المذكورتان بالنسبة إلى دليل التبادر.
الوجه الثاني: صحّة السلب عن الفاسد:
وهو وجه تامّ إلاّ من ناحية تانك العويصتين اللّتين اجيب عنهما فإنّ الإشكال هو الإشكال والجواب هو الجواب.
الوجه الثالث: وجود روايات تلائم مذهب الصحيحي فقط:
وهي الرّوايات الدالّة على آثار الصّلاة نحو قوله (عليه السلام) «الصّلاة عمود الدين» وقوله (عليه السلام): «الصّلاة معراج المؤمن» وكذلك الرّوايات الدالّة على نفي ماهيّة الصّلاة عن فاقد بعض الأجزاء، نظير قوله (عليه السلام): «لا صلاة إلاّ بالطهور» وقوله «لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب» فإنّ القول بالأعمّ يستلزم تقييد لفظة الصّلاة في هذه الرّوايات بقيد «الصحيحة» وهو خلاف ظواهرها فإنّ ظاهرها ترتّب هذه الآثار على نفس الصّلاة بما لها من المعنى من دون أي قيد، وحيث إنّها لا تترتّب على الفاسد منها نستكشف أنّ الصّلاة في لسان الشارع وضعت للصحيح وما تترتّب عليه هذه الآثار.
هذا بالنسبة إلى الطائفة الاُولى من الرّوايات وكذلك بالنسبة إلى الطائفة الثانيّة فإنّ ظاهرها إنّ فاقدة الطهور أو فاقدة الفاتحة ليست بصلاة أصلا لا أنّها ليست صلاة صحيحة.
أقول: صحّة الاستدلال بهذه الرّوايات تتوقّف على أمرين:
الأوّل: ترتّب الآثار المذكورة على خصوص الصّلاة الصحيحة (كما أنّه كذلك).
الثاني: كون استعمال لفظ في معنى دليلا على كونه معنىً حقيقيّاً له كما هو مذهب السيّد المرتضى(رحمه الله)، ومن المعلوم أنّ المشهور من العلماء لم يوافقوا على الأمر الثاني فإنّ الاستعمال عندهم أعمّ من الحقيقة والمجاز.
هذا ـ مضافاً إلى أنّ المدّعى في المقام أسوأ حالا من مقالة السيّد المرتضى(رحمه الله)حيث إنّ المدّعى في ما نحن فيه أنّ المستعمل فيه تمام الموضوع له، ومذهب السيّد (رحمه الله) إنّما هو مجرّد كون المستعمل فيه المعنى الحقيقي فحسب.
اللهمّ إلاّ أن يقال: إنّ ظاهر هذه الرّوايات استعمال لفظ الصّلاة في معناها من دون عناية ومجاز ومن دون قيد وقرينة خاصّة، فالإستدلال متوقّف على هذا الظهور لا على قبول مذهب السيّد (رحمه الله).
إن قلت: لماذا لم يتمسّك بذيل أصالة الحقيقة لإثبات أنّ الموضوع له خصوص الصحيح (بعد ما علمنا أنّ المراد من الصّلاة في هذه الأخبار هو خصوص الصحيح) مع أنّها من الاُصول المعتبرة اللّفظيّة؟
قلنا: إنّ أصالة الحقيقة من الاُصول اللّفظيّة المراديّة تجري في خصوص ما إذا كان المراد مشكوكاً لا ما إذا علمنا بالمراد كما في المقام (حيث إنّ المفروض كون المراد هو خصوص الصحيح والشكّ إنّما وقع في كون الاستعمال حقيقة أو مجازاً).
إن قلت: إنّ لازم وضع الصّلاة للأعمّ خروج الصّلاة الفاسدة من هذه الأخبار بالتخصيص، ولازم وضعها للصحيحة خروجها بالتخصّص، ومقتضى أصالة عدم التخصيص (أصالة العموم) خروجها بالتخصّص، وهو يستلزم كون اللفظ موضوعاً للصحيح.
قلنا: إنّ وزان أصالة العموم وزان أصالة الحقيقة في أنّها من الاُصول المراديّة فيكون الجواب هو الجواب.
فظهر ممّا ذكر عدم إمكان التمسّك بهذه الرّوايات لإثبات القول بالصحيح، إلاّ أن يقال: إنّ ظاهرها كون استعمال الصّلاة فيها استعمالا حقيقيّاً وأنّ الآثار آثار لماهية الصّلاة لا لمصداق من مصاديقها لعدم وجود قيد ولا قرينة فيها بل الظاهر كون هذه الألفاظ بما لها من المعنى عند الشرع واجدة لهذه الآثار وفاقدة لتلك الموانع وهذه الدعوى ليست ببعيدة، نعم يمكن أن يستدلّ أيضاً باطراد استعمال لفظة الصّلاة في هذه الأخبار في الصحيح، والاطّراد من علائم الحقيقة على المختار، ولا يخفى أنّ الاطّراد في الاستعمال غير مجرّد الاستعمال.
الوجه الرابع: أنّه مقتضى حكمة الوضع، لأنّ مورد الحاجة إنّما هو المعنى الصحيح:
وأورد عليه: أنّ الفاسد أيضاً محلّ للحاجة، فإنّ الحاجة إلى الفاسد لو لم تكن أكثر من الحاجة إلى الصحيح لم تكن أقلّ منها.
أقول: الأولى في تقريب هذا الوجه هو الرجوع إلى المخترعات العرفيّة، فلا ريب أنّ المقصود في كلّ مخترع من المخترعات العرفيّة أوّلا وبالذات هو الوصول إلى الآثار التي تترتّب عليها والإنسان المخترع يلاحظ حين التسمية تلك الآثار ويضع اللفظ لمنشئها، ولا إشكال في أنّ منشأها إنّما هو الفرد الصحيح فيصير هو المسمّى للفظ، نعم يستعمل اللفظ بعد ذلك في الفرد الفاسد مجازاً، هذا في المخترعات العرفيّة، وكذلك في المخترعات الشرعيّة فإنّ المستفاد من قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ } [إبراهيم: 4] أنّ الشارع اختار في أوضاعه سيرة العقلاء لأنّها أقرب إلى التفهيم الذي يراد من وضع الألفاظ.
إن قلت: إنّ المخترع جزئي حقيقي يستلزم وضع اللفظ بإزائه كون إطلاقه على سائر الأفراد المصنوعة بعده مجازاً، وهذا كاشف عن أنّ الواضع المخترع لا يضع اللفظ لخصوص هذا الفرد الذي بين يديه بل ينتقل من تصوّره إلى تصوّر الجامع الارتكازي المعرّى عن الخصوصيّات الفرديّة من الصحّة والفساد وغيرهما ثمّ يضع اللفظ لذلك الجامع الأعمّ من الصحيح والفاسد.
قلنا: إذا كان الجزئي عبارة عن الفرد الصحيح كان المنتقل إليه أيضاً هو الجامع للأفراد الصحيحة فإنّه يقول مثلا: «وضعت هذا اللفظ للجامع بين هذه السيارة وكلّ ما كان مثلها» فيكون وصف الصحّة ملحوظاً في الجامع أيضاً.
هذا تمام الكلام في أدلّة القول بالصحيح وقد عرفت صحّة بعضها وإن كان بعضها الآخر قابلا للمناقشة.
_______________
1. تهذيب الاُصول: ج1، ص60، طبع مهر.
|
|
لتجنب "بكتيريا قاتلة".. تحذير من أطعمة لا يجب إعادة تسخينها
|
|
|
|
|
الهند تنجح بإطلاق صاروخ باليستي من غواصة نووية
|
|
|
|
|
جامعة الكفيل تنظم محاضرة علمية عن الأمن الإلكتروني الشخصي والوقاية من الابتزاز
|
|
|