المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 7556 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تمييز المشتركات وتعيين المبهمات في جملة من الأسماء والكنى والألقاب/ عبد الرحمن.
2024-07-01
شروط امتداد الخصومة
2024-07-01
زوال صفة الخصم وامتداد الخصومة
2024-07-01
خصومة الوارث غير الحائز للعين
2024-07-01
خصومة الوارث الحائز للعين
2024-07-01
2024-07-01

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


امتناع اجتماع الامر والنهي  
  
676   01:50 مساءاً   التاريخ: 25-8-2016
المؤلف : محمد باقر الصدر
الكتاب أو المصدر : دروس في علم الاصول
الجزء والصفحة : ح3 ص 238.
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / المباحث العقلية /

لا شك في التضاد بين الاحكام التكليفية الواقعية وعلى هذا الاساس يمتنع اجتماع الامر والنهي لتضادهما بلحاظ المبادئ وعالم الملاك وبلحاظ النتائج وعالم الامتثال. اما الاول فلان مبادئ الامر هي المصلحة والمحبوبية ومبادئ النهي هي المفسدة والمبغوضية. واما الثاني فلضيق قدرة المكلف عن امتثالهما معا وعدم امكان الترتب بينهما وقد سبق في مباحث القدرة انه كلما ضاقت قدرة المكلف عن الجمع بين شيئين ولم يكن بالإمكان الترتب بين امريهما وحكميهما امتنع جعل الحكمين.

وعلى هذا الاساس اذا دل دليل على الامر بشئ ودل دليل آخر على النهي عنه من قبيل (صل) و(لا تصل) كان الدليلان متعارضين للتنافي بين الجعلين بسبب التضاد في عالم الملاك اولا، وبسبب ضيق قدرة المكلف عن الجمع بين الامتثالين مع عدم امكان الترتب ثانيا. وهذا مما لا اشكال فيه من حيث الاساس، ولكن قد نفترض بعض الخصوصيات في الامر والنهي التي قد تخرجهما عن كونهما مجتمعين حقا على شئ واحد فيزول الامتناع ولا ينشأ التعارض بين دليليهما ويمكن تلخيص تلك الخصوصيات فيما يلي: الخصوصية الاولى ان نفترض تعلق الامر بالطبيعة على نحو التخيير العقلي بين حصصها وتعلق النهي بحصة معينة من حصصها من قبيل (صل) و (لا تصل في الحمام) وهذا الافتراض يوجب اختلاف المتعلقين بالإطلاق والتقييد، ولا شك في ان ذلك يوجب زوال السبب الثاني للتنافي وهو ضيق قدرة المكلف عن الجمع بين الامتثالين، وذلك لأنه اذا كان بإمكان المكلف ان يصلي في غير الحمام فهو قادر على الجمع بين الامتثالين، وانما المهم تحقيق حال السبب الاول للتنافي وهو التضاد في عالم المبادئ فقد يقال بزواله ايضا لان الوجوب بمبادئه متعلق بالجامع ولا يسري إلى الحصة، والحرمة بمبادئها قائمة بالحصة فلم يتحد المعروض لهما، وهذا مبني على بحث تقدم في التخيير العقلي وانه هل يستبطن تخييرا شرعيا ووجوبات مشروطة للحصص ولو بلحاظ عالم المبادئ، فان قيل باستبطانه ذلك لم يجد اختلاف المتعلقين بالإطلاق والتقييد في التغلب على السبب الاول للتنافي لان وجوب الجامع يسري ولو بمبادئه إلى الحصص، وان انكرنا الاستبطان المذكور اتجه القول بعدم التنافي وجواز الامر بالمطلق والنهي عن الحصة.

غير ان مدرسة المحقق النائيني (رحمه الله) برهنت على التنافي بين الامر بالمطلق والنهي عن الحصة بطريقة اخرى منفصلة عن الاستبطان المذكور، وهي ان الامر بالمطلق يعنى ان الواجب لوحظ مطلقا من ناحية حصصه، والاطلاق مؤداه الترخيص في تطبيق الجامع على اي واحدة من تلك الحصص وهذا متعدد بعدد الحصص وعليه فالترخيص في تطبيق الجامع على الحصة للنهي ينافي هذا النهي لا محالة، لان نفس الحصة معروفة لهما معا فالتنافي لا يقع بالذات بين النهي عن الحصة والامر بالمطلق بل بين النهي عن الحصة والترخيص فيها الناتج عن اطلاق متعلق الامر.

والفرق بين اثبات التنافي بطريقة الميرزا هذه واثباتها بدعوى الاستبطان المذكور سابقا انه على طريقة الميرزا لا يكون هناك تناف بين وجوب المطلق والنهي على نحو الكراهة عن حصة من حصصه لان الكراهة لا تنافي الترخيص، ومن هنا فسر الميرزا كراهة الصلاة في الحمام وامثالها.

واما على مسلك الاستبطان المذكور سابقا فالتنافي واقع بين الامر بالمطلق والنهي عن الحصة سواء كان تحريميا او كراهتيا. ولكن التحقيق ان طريقة الميرزا هذه في اثبات التنافي غير وجيهة لان الاطلاق ليس ترخيصا في التطبيق ولا يستلزمه. اما انه ليس ترخيصا، فلان حقيقة الاطلاق كما تقدم عدم لحاظ القيد مع الطبيعة عندما يراد جعل الحكم عليها. واما انه لا يستلزم الترخيص، فلان عدم لحاظ القيد انما يستلزم عدم المانع من قبل الامر في تطبيق متعلقه على اي حصة من الحصص وعدم المانع من قبل الامر شئ وعدم المانع من قبل جاعل الامر المساوق للترخيص الفعلي شيء آخر، وما ينافي النهى عقلا هو الثاني دون الاول.

وعلى اي حال فاذا تجاوزنا هذه الخصوصية وافترضنا الامتناع والتنافي على الرغم من الاختلاف بالإطلاق والتقييد بين المتعلقين نصل حينئذ إلى الخصوصية الاخرى، كما يلي: الخصوصية الثانية ان نفترض تعدد العنوان وتعلق الامر بعنوان، والنهي بعنوان آخر وتعدد العنوان قد يسبب جواز الاجتماع ورفع التنافي بأحد وجهين، الاول ان تعدد العنوان يبرهن على تعدد المعنون، والثاني دعوى الاكتفاء بمجرد تعدد العنوان في دفع التنافي مع الاعتراف بوحدة المعنون والوجود خارجا.

اما الوجه الاول فهو اذا تم يدفع التنافي بكلا تقريبيه اي بتقريب استبطان الامر بالجامع للوجوبات المشروطة بالحصص وبتقريب استلزامه الترخيص في التطبيق على الحصة المنافي للنهي اذ مع تعدد الوجود الخارجي لا يجري كلا هذين التقريبين، ولكن الاشكال في تمامية هذا الوجه اذ لا برهان على ان مجرد تعدد العنوان يكشف عن تعدد المعنون خارجا لان بالإمكان انتزاع عنوانين من موجود خارجي واحد.

نعم اذا ثبت ان العنوان ماهية حقيقية للشيء تمثل حقيقته النوعية فمن الواضح ان تعدده يساوق تعدد الشيء خارجا اذ لا يمكن ان يكون للشيء الخارجي الواحد ماهيتان نوعيتان، ولكن ليس كل عنوان يشكل الماهية النوعية لمعنونه بل كثيرا ما يكون من العناوين العرضية المنتزعة.

واما الوجه الثاني فحاصله ان الاحكام انما تتعلق بالعناوين والصور الذهنية لا بالوجود الخارجي مباشرة فإذا كان العنوان في افق الذهن متعددا كفى ذلك في عدم التنافي فان قيل ان العناوين في الذهن انما يعرض لها الامر والنهي بما هي مرآة للخارج، وهذا يعني استقرار الحكم في النهاية على الوجود الخارجي بتوسط العنوان والوجود الخارجي واحد فلا يمكن ان يثبت امر ونهي عليه ولو بتوسط عنوانين. كان الجواب على ذلك ان ملاحظة العنوان في الذهن مرآة للخارج عند جعل الحكم عليه لا يعني ان الحكم يسري إلى الخارج حقيقة وانما يعني ان العنوان ملحوظ بما هو صلاة او غصب لا بما هو صورة ذهنية.

وهذا الوجه اذا تم انما يدفع التنافي بالتقريب الاول اي بدعوى الاستبطان المذكور سابقا فان الامر بجامع الصلاة اذا كان يستبطن وجوبات مشروطة بعدد الحصص فكل وجوب متعلق بحصة من حصص الصلاة بهذا العنوان لا بها بما هي حصة من حصص الغصب، فلا تنافي بين الوجوبات المشروطة والنهى بعد افتراض تعدد العنوان، ولكن الوجه المذكور لا يدفع التنافي بالتقريب الثاني الذي افاده المحقق النائيني وهو المنافاة بين النهي عن الحصة والترخيص في التطبيق لان اطلاق الواجب لحالة غصبية الصلاة اذا كان يعني الترخيص في تطبيقه على المقيد بهذه الحالة فهو مناف لتحريم هذه الغصبية لا محالة.

الخصوصية الثالثة ان نسلم بان الخصوصيتين السابقتين غير نافعتين لدفع التنافي وان الصلاة في المكان المغصوب لا يمكن ان يجتمع عليها امر ونهي بعنوانين، ولكننا نفترض انها متعلقة للأمر والنهي مع عدم تعاصرهما في الفعلية زمانا فيبحث عما اذا كان هذا نافعا في دفع التنافي او لا.

ومثاله المقصود حالة طرو الاضطرار بسوء الاختيار، وتوضيحه ان الانسان تارة يدخل إلى الارض المغصوبة بدون اختياره واخرى يدخلها بسوء اختياره، وفي كلتا الحالتين يصبح بعد الدخول مضطرا إلى التصرف في المغصوب بالمقدار الذي يتضمنه الخروج غير ان هذا المقدار يكون مضطرا اليه لا بسوء الاختيار في الحالة الاولى ومضطر اليه بسوء الاختيار في الحالة الثانية ويترتب على ذلك ان هذا المقدار في الحالة الاولى يكون مرخصا فيه من قبل الشارع خلافا للحالة الثانية لان الاضطرار بسوء الاختيار لا ينافي المسؤولية والادانة، كما تقدم، ولكن النهي ساقط على القول المتقدم بان الاضطرار بسوء الاختيار لا ينافي الاختيار عقابا وينافيه خطابا وعليه فلو كان وقت الصلاة ضيقا وكان بإمكان المكلف ان يصلي حال الخروج بدون ان تطول بذلك مدة الخروج فصلي بنفس خروجه، فهذه صلاة في المكان المغصوب ولا شك في وجوبها في الحالة الاولى لان الخروج باعتباره مضطرا اليه لا بسوء الاختيار غير منهي عنه منذ البدء.

وما في الحالة الثانية فقد يقال بانها منهي عنها ومأمور بها غير ان النهي والامر غير متعاصرين زمانا. ومن هنا جاز ثبوتهما معا وذلك لان النهي سقط خطابا بالاضطرار الحاصل بسوء الاختيار وان لم يسقط عقابا وادانة والامر توجه إلى الصلاة حال الخروج بعد سقوط النهي فلم يجتمعا في زمان واحد. ولكن التحقيق ان ذلك لا يدفع بين الامر والنهي لان سقوط النهي لو كان لنسخ وتبدل في تقدير الملاكات لامكن ان يطرأ الامر بعد ذلك. واما اذا كان بسبب الاضطرار بسوء الاختيار الذي هو نحو من العصيان، فهذا انما يقتضى سقوط الخطاب لا المبادئ فالتنافي بلحاظ المبادئ ثابت على كل حال. هذا اذا اخذنا بالقول السابق الذي يقول بان الاضطرار بسوء الاختيار ينافي الاختيار خطابا واذا انكرنا هذه المنافاة فالأمر اوضح.

وقد واجه الاصوليون هنا مشكلة اجتماع الامر والنهي من ناحية اخرى في المقام وحاصلها انه قد افترض كون الخروج مقدمة للتخلص الواجب من الغصب ومقدمة الواجب واجبة فيكون الخروج واجبا فعلا مع كونه منهيا عنه بالنهي السابق الذي لا يزال فعليا بخطابه وروحه معا او بروحه وملاكه فقط على الاقل فهل يلتزم بان الخروج ليس مقدمة للواجب او بتخصيص في دليل حرمة التصرف في المغصوب على نحو ينفي وجود نهي من اول الامر عن هذه الحصة من التصرف او بانخرام في قاعدة وجوب المقدمة وجوه بل اقوال.

اما الوجه الاول: فحاصله ان الخروج والبقاء متضادان والواجب هو ترك البقاء وفعل احد الضدين ليس مقدمة لترك ضده، كما تقدم في الحلقة السابقة، وهذا الوجه حتى اذا تم لا يحل المشكلة على العموم لان هذه المشكلة لا نواجهها في هذا المثال فقط بل في حالات اخرى لا يمكن انكار المقدمية فيها من قبيل من سبب بسوء اختياره إلى الوقوع في مرض مهلك ينحصر علاجه بشرب الشراب المحرم فان مقدمية الشرب في هذه الحالة واضحة.

واما الوجه الثاني: فلا يمكن الاخذ به الا مع قيام برهان على التخصيص المذكور بتعذر اي حل آخر للمشكلة.

واما الوجه الثالث: فهو المتعين وذلك بان يقال ان المقدمة من ناحية انقسامها إلى فرد مباح وفرد محرم على اقسام: احدها: ان تكون منقسمة إلى فردين من هذا القبيل فعلا، وفي هذه الحالة يتجه الوجوب الغيري نحو غير المحرم خاصة لان الملازمة التي يدركها العقل لا تقتضي اكثر من ذلك.

ثانيها: ان تكون منحصرة اساسا - وبدون دخل للمكلف في ذلك - في الفرد المحرم وفي هذه الحالة يتجه الوجوب الغيري نحو الفرد المحرم اذا كان الوجوب النفسي اهم من حرمته وتسقط الحرمة حينئذ.

ثالثها: ان تكون منقسمة اساسا إلى فرد مباح وفرد محرم غير ان المكلف عجز نفسه بسوء اختياره عن الفرد المباح وفي هذه الحالة يدرك العقل ان الانحصار في الفرد المحرم غير مسوغ لتوجه الوجوب الغيري نحوه ما دام بسوء الاختيار، فالفرد المحرم يظل على ما هو عليه من الحرمة ويكون تعجيز المكلف نفسه عن الفرد المباح من المقدمة مع بقاء الفرد المحرم على حرمته تعجيزا له شرعا عن الاتيان بذي المقدمة لان المنع شرعا عن مقدمة الواجب تعجيز شرعي عن الواجب، ولما كان هذا التعجيز حاصلا بسوء اختيار المكلف فيسقط الخطاب المتكفل للامر بذي المقدمة على القول المشهور دون العقاب والادانة غير ان العقل يحكم بلزوم تحصيل ذي المقدمة ولو بارتكاب المقدمة المحرمة لان ذلك اهون الامرين، وهذا يؤدي إلى اضطراره إلى ارتكاب الفرد المحرم من المقدمة غير انه لما كان منشأ هذا الاضطرار اساسا سوء الاختيار فيسقط الخطاب على القول المشهور دون العقاب وينتج عن ذلك ان الخطابات كلها ساقطة فعلا وان روحها بما تستتبعه من ادانة ومسؤولية ثابت.

وفي كل حالة يثبت فيها امتناع اجتماع الامر والنهي لا يختلف الحال في ذلك بين الامر والنهي النفسيين او الغيريين او الغيري مع النفسي لان ملاك الامتناع مشترك، فكما لا يمكن ان يكون شئ واحد محبوبا ومبغوضا لنفسه كذلك لا يمكن ان يكون محبوبا لغيره ومبغوضا لنفسه مثلا لان الحب والبغض متنافيان بسائر انحائهما، ونحن وان كنا ذهبنا إلى انكار الوجوب الغيري في مرحلة الجعل والحكم، ولكنا اعترفنا به في مرحلة المبادئ، وهذا كاف في تحقيق ملاك الامتناع لان نكتة الامتناع تنشأ من ناحية المبادئ وليست قائمة بالوجود الجعلي للحكمين.

واما ثمرة البحث في مسألة الاجتماع فهي انه على الامتناع يدخل الدليلان المتكفلان للامر والنهي في باب التعارض ويقدم دليل النهي على دليل الامر لان دليل النهي اطلاقه شمولي ودليل الامر اطلاقه بدلي والاطلاق الشمولي اقوى.

واما على القول بالجواز فلا تعارض بين الدليلين وحينئذ فان لم ينحصر امتثال الواجب بالفعل المشتمل على الحرام وكانت للمكلف مندوحة في مقام الامتثال فلا تزاحم ايضا والا وقع التزاحم بين الواجب والحرام.

واما صحة امتثال الواجب بالفعل المشتمل على الحرام فترتبط بما ذكرنا من التعارض والتزاحم بان يقال: انه اذا بني على التعارض بين الدليلين وقدم دليل النهي فلا يصح امتثال الواجب بالفعل المذكور سواء كان واجبا توصليا او عباديا لان مقتضى تقديم دليل النهي سقوط اطلاق الامر وعدم شموله له فلا يكون مصداقا للواجب واجزاء غير الواجب عن الواجب على خلاف القاعدة، كما تقدم واذا بني على عدم التعارض فينبغي التفصيل بين ان يكون الواجب توصليا او عباديا فان كان توصليا صح واجزأ سواء وقع التزاحم لعدم وجود المندوحة او لا، لانه مصداق للواجب والامر ثابت به على وجه الترتب في حالة التزاحم، وعلى الاطلاق في حالة عدم التزاحم ووجود المندوحة، وان كان عباديا صح وأجزأ كذلك اذا كان مبني عدم التعارض هو القول بالجواز بملاك تعدد المعنون.

واما اذا كان مبناه القول بالجواز بملاك الاكتفاء بتعدد العنوان مع وحدة المعنون فقد يستشكل في الصحة والاجزاء لان المفروض حينئذ ان الوجود الخارجي واحد وانه حرام ومع حرمته لا يمكن التقرب به نحو المولى فتقع العبادة باطلة لأجل عدم تأتي قصد القربة لا لمحذور في اطلاق دليل الامر. وفي كل حالة حكمنا فيها بعدم صحة العمل من اجل افتراض التعارض فلا يختلف الحال في ذلك بين الجاهل والعالم بها لان التعارض تابع للتنافي بين الوجوب والحرمة، وهذا التنافي قائم بين وجوديهما الواقعيين بقطع النظر عن علم المكلف وجهله، وفي كل حالة حكمنا فيها بعدم صحة العمل من اجل كونه عبادة وتعذر قصد التقرب به فينبغي ان يخصص البطلان بصورة تنجز الحرمة. واما مع الجهل بها وعدم تنجزها، فالتقرب بالفعل ممكن فيقع عبادة ولا موجب للبطلان حينئذ.




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.