المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 7560 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


الإجزاء في الأوامر  
  
649   11:39 صباحاً   التاريخ: 25-8-2016
المؤلف : ناصر مكارم الشيرازي
الكتاب أو المصدر : أنوَار الاُصُول
الجزء والصفحة : ج 1 ص 312.
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / المباحث العقلية /

الإتيان بالمأمور به على وجهه هل يقتضي الإجزاء، أم لا؟

وقبل الورود في أصل البحث لا بدّ من تقديم اُمور:

الأمر الأوّل: في أنّ المسألة عقليّة أو لفظيّة؟

مقتضى تعبير المحقّق الخراساني(رحمه الله) في عنوان البحث (كما نسب نفس التعبير إلى صاحب التقريرات ومن تأخّر عنهما أيضاً) أنّه بحث عقلي، حيث قال: «الإتيان بالمأمور به على وجهه يقتضي الإجزاء في الجملة بلا شبهة» فإنّ الاقتضاء فيه يكون بمعنى العلّية لأنّه نسب إلى الإتيان دون صيغة الأمر فيبحث حينئذ في مبحث الإجزاء في أنّ العقل هل يحكم بالإجزاء بعد الإتيان بالمأمور به بتمام أجزائه وشرائطه أو لا؟ فيكون البحث عقليّاً.

ولكن مقتضى ما نسب إلى المحقّق القمّي وصاحب الفصول(رحمهما الله) ومن تقدّمهما من الاُصوليين أنّ البحث لفظي حيث إنّهم قالوا في عنوان البحث: «أنّ الأمر بالشيء يقتضي الإجزاء أم لا»؟ فنسبوا الاقتضاء إلى الأمر وهيئته.

ولا إشكال في أنّ لازم التعبير الأوّل بناءً على الاقتضاء المزبور لزوم إيقاع هذا البحث ضمن المباحث العقليّة مع أنّهم أوردوه في المباحث اللّفظيّة (وهو نفس ما يرد عليهم بالنسبة إلى مباحث «جواز اجتماع الأمر والنهي» و «دلالة النهي في العبادة على الفساد» و «مقدّمة الواجب» و «دلالة الأمر بالشيء على النهي عن ضدّه» حيث إنّ جميعها مباحث عقليّة وردت ضمن المباحث اللّفظيّة).

ولكن هذا كلّه ما يقتضيه ظاهر التعبير في بدو النظر، والصحيح إمكان كون البحث لفظيّاً حتّى بناءً على ما اختاره المحقّق الخراساني(رحمه الله) من التعبير.

توضيحه: أنّ الأوامر على قسمين: واقعية وظاهريّة، والواقعيّة تنقسم أيضاً إلى قسمين: واقعية اختياريّة وواقعية اضطراريّة (كالأمر بالتيمّم عند فقدان الماء) والظاهريّة نظير الأمر بالاستصحاب عند الشكّ في الطهارة مثلا مع اليقين السابق بها، وسيأتي دخول كلا القسمين في محلّ النزاع، ولا إشكال في أنّ النزاع يكون عقليّاً بالنسبة إلى الأوامر الواقعيّة الاختياريّة، وأمّا بالنسبة إلى الواقعيّة الاضطراريّة والأوامر الظاهريّة فيمكن أن يكون النزاع لفظيّاً لأنّ البحث فيهما يدور في الواقع مدار دلالة أدلّتهما اللّفظيّة (دليل التيمّم ودليل الاستصحاب مثلا) على الإجزاء واستظهاره منها وعدمه فيبحث فيهما عن مفاد ظواهر الأدلّة وهو بحث لفظي كما لا يخفى.

هذا كما يمكن أن يكون البحث عقليّاً حتّى بناءً على التعبير الثاني وهو ما نقل عن قدماء الأصحاب ونسب الاقتضاء فيه إلى الأمر دون الإتيان، حيث إنّه يمكن أن يكون مرادهم من اقتضاء الأمر للإجزاء أنّ الأمر يدلّ على إرادة المولى للمتعلّق المأمور به، والإرادة تدلّ على وجود غرض للمولى في المتعلّق، وبعد إتيان المكلّف بالمأمور به يحصل الغرض عقلا وبه تسقط الإرادة وبتبعه يسقط الأمر كذلك وهو معنى الإجزاء، ولا إشكال في أنّه بحث عقلي فحسب، وبهذا يندفع الإيراد المزبور الوارد على التعبير الأوّل بالنسبة إلى مبحث الإجزاء ويثبت أنّ مجرّد نسبة الاقتضاء إلى الإتيان ليس دليلا على أنّ المسألة عقليّة، مضافاً إلى عدم كون هذا التعبير أمراً متّفقاً عليه عند القوم كي يستكشف منه كون الاقتضاء في عنوان البحث بمعنى العلّية والتأثر عقلا.

الأمر الثاني: في المراد من لفظ «على وجهه» المأخوذ قيداً في عنوان البحث والاحتمالات فيه ثلاثة:

1 ـ أن يكون قيداً توضيحاً لكلمة «المأمور به» فيكون المعنى إتيان المأمور به مع جميع الشرائط المأخوذة فيه من ناحية الشرع.

2 ـ أن يكون المراد منه نيّة الوجه وهو الوجوب والندب.

3 ـ أن يكون قيداً احترازيّاً فيكون المعنى إتيان المأمور به مع جميع قيوده وشرائطه الشرعيّة والعقليّة المعتبرة فيه، فيشمل الإتيان بالعبادات مع قصد القربة حتّى بناءً على مبنى القائلين بأنّ اعتباره بحكم العقل دون الشرع لعدم إمكان أخذه في المأمور به في لسان الشارع.

ذهب المحقّق الخراساني(رحمه الله) إلى الوجه الثالث لا الوجه الثاني لأنّه لا خصوصيّة له من بين القيود والشرائط حتّى يختصّ بالذكر في عنوان البحث، مضافاً إلى عدم اعتباره عند معظم الأصحاب، ومضافاً إلى أنّ من قال باعتباره لم يقل به إلاّ في خصوص العبادات، ومحلّ النزاع في ما نحن فيه أعمّ منها ومن غيرها، ولا الوجه الأوّل لأنّ ظاهر القيود الواردة في عنوان البحث أنّها قيود احترازيّة لا توضيحية، مضافاً إلى أنّه يستلزم خروج التعبّديات عن حريم النزاع بناءً على ما اختاره من كون اعتبار قصد القربة في العبادات هو بحكم العقل لا بحكم الشرع وذلك لوضوح عدم كون الإتيان بها على الكيفية المعتبرة فيها شرعاً، بلا مراعاة لما اعتبر فيها عقلا ـ مجزياً قطعاً.

أقول: المختار هو الوجه الأوّل، وذلك لما اخترناه من إمكان أخذ قصد القربة في المأمور به، مع أنّ الوجه الثالث لازمه كون مبنى جميع من عنون النزاع بالعبارة المزبورة هو مبنى المحقّق الخراساني(رحمه الله) من عدم إمكان أخذ قصد القربة في المأمور به شرعاً وهو غير ثابت.

وبعبارة اُخرى: إنّ شبهة عدم إمكان أخذ قصد القربة في المأمور به شبهة حادثة في الأزمنة المتأخّرة، فكيف يمكن أن يكون مبنى القدماء من الأصحاب عدم إمكان قصد القربة في المأمور به؟

الأمر الثالث: في معنى «الاقتضاء» الوارد في العنوان فهل هو بمعنى العلّية والتأثير أو بمعنى الكشف والدلالة؟ ذهب المحقّق الخراساني(رحمه الله)(كما مرّ آنفاً في الأمر الأوّل) إلى أنّه هو الاقتضاء بنحو العلّية، ولذا قد نسب إلى الإتيان، فلو كان المراد منه هو الدلالة والكشف كان الأنسب نسبته إلى الصيغة.

ثمّ قال: إن قلت: هذا إنّما يكون كذلك بالنسبة إلى أمره لا بالنسبة إلى أمر آخر فلا يكون إتيان المأمور به في الأمر الاضطراري أو الظاهري علّة لأسقاط الأمر الواقعي الاختياري لأنّ النزاع في الحقيقة في دلالة دليلهما (الأمر الاضطراري والأمر الظاهري) على نحو يفيد الإجزاء وعدمها.

قلنا: نعم لكنّه لا ينافي كون النزاع فيهما أيضاً في الاقتضاء بمعنى العلّية لأنّ كاشفية الدليل فيهما تكون كاشفية عن حصول تمام المصلحة وهو يكون صغرى لعلّية الإجزاء، أي كلّما حصل تمام المصلحة حصل الإجزاء وحصول الإجزاء علّة لسقوط الأمر فيصحّ التعبير فيهما أيضاً بأنّ إتيان المأمور به علّة للإجزاء لأنّه كاشف عن صغرى علّية الإجزاء وهي حصول تمام المصلحة (انتهى بتوضيح منّا).

وقال في تهذيب الاُصول ما حاصله: لا يتصوّر العلّية في ما نحن فيه بأيّ معنى فسّر به الإجزاء سواء فسّر بالكفاية أو بسقوط الأمر أو سقوط الإرادة، أمّا الأوّل فلأنّها معنى انتزاعي لا يقع مورد التأثير والتأثّر التكوينيين، وأمّا الثاني فلأنّ الإتيان ليس علّة مؤثّرة في سقوط الأمر كما أنّ السقوط والاسقاط ليسا من الاُمور القابلة للتأثير والتأثّر الذين هما من خصائص التكوين، وأمّا الثالث فلأنّ منشأ إرادة المولى تصوّره المراد بما له من المصلحة وهي علّة لأمره بإتيان المأمور به فيكون الإتيان معلولا للإرادة، فكيف يصير المعلول علّة لانعدام علّته؟ فالأولى دفعاً لهذه التوهّمات أن يقال: إنّ الإتيان بالمأمور به هل هو مجز أو لا؟(1)(انتهى).

أقول: ولكن يرد عليه:

أوّلا: أنّ الاُمور الانتزاعيّة وإن لم تقع مورداً للتأثير والتأثّر إلاّ أنّ لها منشأً للانتزاع، وهو في ما نحن فيه تحقّق المصلحة وحصول الغرض، فيمكن أن يقال بأنّ الإتيان علّة للإجزاء والكفاية باعتبار علّيته لمنشأ انتزاع الكفاية وهو حصول الغرض.

ثانياً: أنّ منشأ الإرادة ليس خصوص تصوّر المراد بما له من المصلحة بل هو بضميمة فقدان المراد كفقدان الماء في قولك «اسقني الماء» فيكون الفقدان موضوعاً للإرادة والطلب، وبعد الإتيان يتبدّل الفقدان إلى الوجدان، فينعدم موضوع الطلب بوجدان الماء مثلا وبتبعه ينعدم نفس الطلب والأمر، وهو أمر وجداني غير قابل للإنكار فصار إتيان المأمور به علّة لسقوط الأمر وانعدامه.

وثالثاً: لا يندفع الإشكال بتبديل العنوان المزبور إلى ما ذكره من العنوان وهو «أنّ الإتيان

بالمأمور به مجز» لأنّ حمل الخبر (مجز) على المبتدأ (الإتيان بالمأمور به) في هذا العنوان أيضاً لا يخلو من أحد الأمرين: فإمّا أن يكون المبتدأ فيه علّة للخبر، أو يكون كاشفاً عنه فيعود الإشكال.

فتلخّص ممّا ذكرنا أنّه لا مانع من كون الاقتضاء بمعنى العلّية إمّا لأنّ الإتيان علّة لمنشأ الإجزاء (إذا كان بمعنى الكفاية) أو لأنّه موجب لانعدام موضوع الأمر أو الإرادة (إذا كان بمعنى سقوط الأمر أو سقوط الإرادة) فما ذهب إليه المحقّق الخراساني(رحمه الله) متين في محلّه.

الأمر الرابع: في معنى الإجزاء:

ذهب بعض إلى أنّ لفظ الإجزاء المأخوذ في العنوان بمعنى الكفاية، أي معناه اللغوي، فلا يكون حقيقة شرعيّة، وذهب بعض آخر إلى أنّه حقيقة شرعيّة وضع في لسان الشرع لأسقاط الإعادة.

أقول: الإنصاف رجوع أحد المعنيين إلى الآخر، لأنّ من لوازم الكفاية الاسقاط فلا يكون حقيقة شرعيّة بل هو بمعناه اللغوي، وحيث إنّ من مصاديق الكفاية في الفقه اسقاط الإعادة استعمل فيه استعمال الكلّي في بعض مصاديقه.

الأمر الخامس: الفرق بين المسألتين:

أولاً: الفرق بين هذه المسألة ومسألة: المرّة والتكرار.

ثانياً: الفرق بينها وبين مسألة: أنّ القضاء هل هو بأمر جديد أو بالأمر الأوّل.

أمّا الأوّل: فربّما يتوهّم أنّه لا فرق بين المسألتين لأنّ لازم الإجزاء هو إتيان المأمور به مرّة واحدة، ولازم عدم الإجزاء هو إتيانه مكرّراً، وعليه فلا وجه لعقدهما مسألتين مستقلّتين.

لكن الفرق بينهما واضح جدّاً، لأنّ البحث في مسألة المرّة والتكرار يكون في مقدار دعوة الأمر ومقدار المأمور به، وأمّا في مسألة الإجزاء فيكون في كفاية إتيان المأمور به بما له من الدعوة سواء كان المأمور به واحداً أو أكثر، والفرق بينهما واضح جدّاً.

أمّا الثاني: فربّما يتوهّم أيضاً بأنّه لا فرق بين مسألة الإجزاء ومسألة القضاء بأمر جديد، لأنّ الإجزاء معناه كون القضاء بأمر جديد وعدم كونه تابعاً للأداء بل يكون الأمر باقياً في

خارج الوقت، وعدم الإجزاء معناه تبعيّة القضاء للأداء وكون القضاء بالأمر الأوّل المتعلّق بالأداء، فلا وجه أيضاً لعقدهما مسألتين مستقلّتين.

لكن هذا التوهّم أيضاً خاطيء، لأنّ بينهما بون بعيد فإنّ القضاء يتصوّر فيما إذا لم يأت بالمأمور به أصلا، وعدم الإجزاء يتصوّر فيما إذا أتى بالمأمور به إمّا بأمر اضطراري أو بأمر ظاهري ولكنّه لا يكون مجزياً، فالموضوع في إحدى المسألتين الإتيان مع عدم الإجزاء، وفي الاُخرى عدم الإتيان أصلا، وفرقهما واضح أيضاً.

إذا عرفت هذا كلّه فاعلم أنّ البحث يقع في مقامات أربع:

1 ـ في إجزاء الإتيان بالمأمور به مطلقاً سواء كان واقعياً أو ظاهريّاً أو اضطراريّاً عن أمر نفسه.

2 ـ في إجزاء الإتيان بالمأمور به الاضطراري عن الواقعي الاختياري.

3 ـ في إجزاء الإتيان بالمأمور به الظاهري الشرعي عن الواقعي.

4 ـ في إجزاء الإتيان بالمأمور به الظاهري العقلي (كحكم العقل بجواز الإفطار فيما إذا قطع بغروب الشمس مع عدم غروبها في الواقع، ويعبّر عنها بتعبير أدقّ الأوامر الخياليّة لأنّ فيها يتخيّل بوجود الأمر في الواقع مع عدمه واقعاً) عن الواقعي.

المقام الأوّل ـ إجزاء الإتيان بالمأمور به مطلقاً عن أمر نفسه:

والحقّ أنّه لا إشكال في كون إتيان المأمور به فيها مجزياً عنها، والدليل عليه هو العقل لأنّ الامتثال بعد الامتثال مع حصول الغرض تحصيل للحاصل.

ولكن قد خالف فيه أبو هاشم وعبدالجبّار من قدماء المتكلّمين من أهل السنّة فقالا: بأنّه يمكن القول بعدم الإجزاء فيها، ومنشأ خطأهما وجود بعض الأمثلة في الفقه قد أمر فيها بإتمام العمل مع الأمر بإعادته كالحجّ الفاسد الذي أمر الشارع بإتمام مناسكه مع إيجابه الإعادة في السنة القابلة.

والمسألة عندنا لا إشكال فيها ولا غبار عليها لما مرّ من حكم العقل بالإجزاء وأمّا ما أشار إليه من مثال الحجّ ونحوه فالمستفاد من جملة من الرّوايات الواردة عن طريق أئمّة أهل البيت(عليهم السلام) أنّها ليست من قبيل الامتثال بعد الامتثال بالنسبة إلى أمر واحد، بل هناك أمران يطلب كلّ واحد منهما من المكلّف امتثالا يخصّ به، ومن جملتها ما رواه زرارة قال: سألته عن مُحرم غشى امرأته وهي محرمة قال: «جاهلين أو عالمين؟» قلت: أجبني في (عن) الوجهين جميعاً، قال(عليه السلام): «إن كانا جاهلين استغفرا ربّهما ومضيا على حجّهما وليس عليهما شيء، وإن كانا عالمين فرّق بينهما من المكان الذي أحدثا فيه وعليهما بدنة وعليهما الحجّ من قابل، فإن بلغا المكان الذي أحدثا فيه فرّق بينهما حتّى يقضيا نسكهما ويرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا» قلت: فأي الحجّتين لهما قال: «الاُولى التي أحدثا فيها ما أحدثا، والاُخرى عليهما عقوبة»(2).

حيث إنّ هذه الرّواية تدلّ على وجود أمرين في المسألة يكون لكلّ واحد منهما امتثال على حدّه، أمر واقعي أوّلي وأمر واقعي ثانوي، فلا تكون من باب الامتثال بعد الامتثال بالنسبة إلى أمر واحد حتّى يستفاد منها عدم إجزاء الإتيان بالمأمور به عن الأمر الأوّل.

بقي هنا شيء:

وهو جواز الامتثال بعد الامتثال في الجملة.

ذهب المحقّق الخراساني (رحمه الله) إلى جوازه وتبعه المحقّق النائيني (رحمه الله)(3) وذهب المحقّق العراقي إلى عدم جوازه وتبعه بعض أعاظم العصر(4).

قال المحقّق الخراساني(رحمه الله) في الكفاية: «لا يبعد أن يقال بأنّه يكون للعبد تبديل الامتثال والتعبّد به ثانياً بدلا عن التعبّد به أوّلا لا منضمّاً إليه كما أشرنا إليه في المسألة السابقة وذلك فيما علم أنّ مجرّد امتثاله لا يكون علّة تامّة لحصول الغرض وإن كان وافياً به لو اكتفى به كما إذا أتى بماء أمر به مولاه ليشربه فلم يشربه بعدُ، فإنّ الأمر بحقيقته وملاكه لم يسقط بعدُ، ولذا لو اُهرق الماء واطلع عليه العبد وجب عليه إتيانه ثانياً كما إذا لم يأت به أوّلا، ضرورة بقاء طلبه ما لم يحصل غرضه الداعي إليه وإلاّ لما أوجب حدوثه، فحينئذ يكون له الإتيان بماء آخر موافق للأمر كما كان له قبل إتيانه الأوّل بدلا عنه، نعم فيما كان الإتيان علّة تامّة لحصول

الغرض فلا يبقى موقع للتبديل كما إذا أمر بإهراق الماء في فمه لرفع عطشه فأهرقه بل لو لم يعلم أنّه من أي القبيل فله التبديل باحتمال أن لا يكون علّة فله إليه سبيل، ويؤيّد ذلك بل يدلّ عليه ما ورد من الرّوايات في باب إعادة من صلّى فرادى جماعة وأنّ الله تعالى يختار أحبّهما إليه» (انتهى كلامه).

وما ذكره من الرّواية إشارة إلى ما رواه أبو بصير قال قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): «اُصلّي ثمّ أدخل المسجد فتقام الصّلاة وقد صلّيت فقال: صلّ معهم يختار الله أحبّهما إليه»(5).

واستدلّ القائل بعدم الجواز بما حاصله: إنّ الإتيان بالمأمور به في الخارج علّة تامّة لحصول الغرض الداعي إلى الأمر به، والإجزاء في مثله عقلي محض لاستقلال العقل حينئذ بسقوط الغرض وسقوط الأمر بسقوطه بمجرّد الموافقة وإيجاد المأمور به فلا يبقى مقتض للإتيان به ثانياً بوجه أصلا، نعم هذا مبني على القول بوجوب مطلق المقدّمة، وأمّا إذا قلنا بوجوب خصوص المقدّمة الموصلة فلازمه جواز الإتيان بالمأمور به ثانياً بعنوان امتثال الأمر بالطبيعة مع عدم اختيار المولى إيّاه، لأنّ الغرض الداعي إلى الأمر باق على حاله، غايته أنّه ليس له الفاعلية والمحرّكيّة بعد الإتيان بالمأمور به أوّلا بملاحظة صلاحية المأتي به للوفاء بالغرض لا أنّه يسقط رأساً بمجرّد الإتيان به، ولازم ذلك التفكيك بين «فعلية الأمر» و «فاعليته» وجواز الإتيان بالمأمور به ثانياً، ونتيجة ذلك في فرض تعدّد الإتيان بالمأمور به هو وقوع الامتثال بخصوص ما اختاره المولى منهما لا بهما معاً وصيرورة الفرد الآخر لغواً محضاً فلا يكون من باب الامتثال بعد الامتثال(6).

أقول: الحقّ جواز تبديل الامتثال بالامتثال وفاقاً للمحقّق الخراساني والمحقّق النائيني(رحمهما الله)والدليل عليه أنّ الغرض المترتّب على الأمر يكون على نحوين: غرض يترتّب على فعل المكلّف وهو غرض ابتدائي كإتيان الماء ووضعه بين يدي المولى، وغرض نهائي يترتّب على فعل المولى وهو رفع العطش الذي يترتّب على شرب المولى الماء، وما لم يحصل الثاني كان المحلّ باقياً لتبديل الامتثال ويقوم الامتثال الثاني مقام الامتثال الأوّل، وبعبارة اُخرى: يعدّ الإتيان الأوّل امتثالا لأنّه يوجب سقوط الأمر، ويكون الإتيان الثاني امتثالا آخر (بدل الامتثال الأوّل) لأنّه محصّل للغرض الذي لم يحصل بالامتثال الأوّل.

وأمّا قضيّة وجوب المقدّمة الموصلة وعدمه فالحقّ أنّه لا ربط لها بالمسألة لأنّها مختصّة بما إذا كان كلّ من المقدّمة وذي المقدّمة فعلا للمكلّف مثل مقدّمية الوضوء بالنسبة إلى الصّلاة، بخلاف ما إذا كانت المقدّمة عملا للمكلّف وكان ذو المقدّمة من عمل المولى كما في ما نحن فيه حيث إنّ الشرب فيه يكون عملا للمولى.

هذا كلّه في مقام الثبوت، أمّا في مقام الإثبات:

فنقول: يوجد في الفقه موردان يحتمل كون الإتيان الثاني فيهما مصداقاً لتبديل الامتثال إلى امتثال آخر:

أحدهما باب صلاة الكسوف حيث ورد فيه رواية يستدلّ بها للمسألة وهي خبر معاوية بن عمّار قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام): «صلاة الكسوف إذا فرغت قبل أن ينجلي فأعد»(7).

لكن الإنصاف خروجها عن ما نحن فيه لأنّ الإعادة فيها تنشأ من أمر استحبابي فتكون امتثالا لأمر آخر غير الأمر الأوّل، وهو نظير الإتيان بالحجّ في العامّ الثاني والثالث، وإن أبيت عن ذلك فلا أقلّ من احتماله، وحينئذ لا تكون الرّواية شاهدة قطعية لجواز تبديل الامتثال، ولا يصلح الاستدلال بها عليه.

ثانيهما: باب صلاة الجماعة.

والرّوايات الواردة فيه على طائفتين: طائفة تدلّ على إعادة الصّلاة في مقام التقيّة فتكون الإعادة لأجلها بحيث لولا التقيّة لما كان موجب لمشروعيتها فهي أجنبية عن محلّ الكلام، وطائفة تدلّ على إعادة الصّلاة جماعة، منها ما مرّ آنفاً من خبر أبي بصير قال قلت: لأبي عبدالله (عليه السلام) اُصلّي ثمّ أدخل المسجد فتقام الصّلاة وقد صلّيت فقال: «صلّ معهم يختار الله أحبّهما إليه» ولا إشكال في أنّ هذه الرّواية ظاهرها تبديل الامتثال بالامتثال بقرينة ذيلها: «يختار الله أحبّهما إليه» فإنّه يدلّ على أنّ الامتثال الثاني يقوم مقام الامتثال الأوّل وأنّه بدل عنه، نعم الإشكال في سندها.

ومنها ما رواه حفص بن البختري عن أبي عبدالله(عليه السلام) في الرجل يصلّي الصّلاة وحده ثمّ يجد جماعة، قال: «يصلّي معهم ويجعلها الفريضة»(8) فإنّ ظاهر قوله (عليه السلام) «ويجعلها الفريضة» أيضاً أنّ الجماعة تقوم مقام الفرادى ويتقبّل الله الجماعة بعنوان الفريضة مقام الفرادى، وإنّ الامتثال بالفرادى يتبدّل إلى الامتثال بالجماعة.

فتخلّص من جميع ما ذكرنا: أنّ تبديل الامتثال إلى امتثال آخر جائز عقلا وأنّ بعض الرّوايات الواردة في لسان الشرع يشهد عليه.

هذا تمام الكلام في المقام الأوّل.

المقام الثاني: إجزاء الإتيان بالمأمور به الاضطراري عن الواقعي الاختياري

الصحيح فيه طرح البحث في مقامين: مقام الثبوت ومقام الإثبات كما فعله المحقّق الخراساني(رحمه الله) حيث تكلّم:

أوّلا: عن أنحاء الأمر الاضطراري ثبوتاً وبيّن مقتضى كلّ منها من حيث الإجزاء وجواز البدار قبل ضيق الوقت.

وثانياً: عن حال الأمر الاضطراري إثباتاً وأنّه من أي نحو هو؟ فهل هو من القسم المقتضي للإجزاء أو لا.

وحاصل بيانه في مقام الثبوت: أنّ الاضطراري إمّا أن يكون في حال الاضطرار مشتملا على تمام مصلحته (فيكون حاله كحال الاختياري في حال الاختيار) وإمّا أن لا يكون مشتملا على تمام مصلحته بل يبقى منه شيء، وعلى الثاني إمّا أن يمكن تدارك الباقي وإمّا أن لا يمكن، وعلى الأوّل إمّا أن يكون الباقي بمقدار يجب أو بمقدار يستحبّ، فهذه أربع صور:

أمّا الصورة الاُولى: فيجزي الاضطراري عن الواقعي بلا كلام لاشتماله على تمام مصلحته، وأمّا جواز البدار فيها وعدمه فيدور مدار كون الاضطراري بمجرّد الاضطرار مشتملا على تمام مصلحة الواقعي أو بشرط الانتظار إلى آخر الوقت أو بشرط طروّ اليأس من الاختيار.

وأمّا الصورة الثانيّة: (وهي أن لا يكون الاضطراري مشتملا على تمام مصلحة الواقعي وكان الباقي ممّا يمكن تداركه وكان بمقدار يجب) فلا يجزي قطعاً، وأمّا البدار فيها فيجوز، غايته

أنّه يتخيّر بين البدار والإتيان بعملين: العمل الاضطراري قبل ضيق الوقت والعمل الاختياري بعد رفع الاضطرار، وبين الانتظار والاقتصار بإتيان ما هو تكليف المختار.

وأمّا الصورة الثالثة: (وهي أن لا يكون الاضطراري مشتملا على تمام الواقعي وكان الباقي ممّا يمكن تداركه وكان دون حدّ الإلزام) فيجزي قطعاً غير أنّه يستحبّ الإعادة أو القضاء لدرك الباقي، وأمّا البدار فيها فيجوز أيضاً بل يستحبّ لدرك أوّل الوقت ثمّ الإعادة أو القضاء بعد رفع الاضطرار لدرك الباقي المفروض كونه دون حدّ الإلزام.

وأمّا الصورة الرابعة: (وهي أن لا يكون الاضطراري مشتملا على تمام مصلحة الواقعي ولا يمكن تدارك الباقي) فيجزي أيضاً بعد فرض عدم إمكان التدارك أصلا كما لا يجوز له البدار في هذه الصورة إلاّ لمصلحة كانت فيه لما فيه من نقض الغرض، وتفويت مقدار من المصلحة لولا مراعاة ما هو فيه من الأهمّ (انتهى كلامه في مقام الثبوت).

أقول: الصورة الثالثة (وهي أن لا يكون الاضطراري مشتملا على تمام المصلحة وكان الباقي ممّا يمكن تداركه وكان دون حدّ الإلزام) خارجة عن محلّ الكلام لأنّ النزاع في المقام فيما إذا تحقّق الاضطرار حقيقة، ولا إشكال في أنّ الاضطرار حقيقة لا يصدق إلاّ فيما إذا فاتت من الواجب مصلحة ملزمة لا مجرّد الكمال والفضيلة هذا «أوّلا».

وثانياً: يمكن تقسيم المسألة رباعياً على نحو آخر تكون بجميع صورها الأربع داخلة في محلّ النزاع، أي كانت المصلحة في جميعها ملزمة، وذلك بأن نقول: إمّا أن يكون الاضطراري وافياً بتمام مصلحة الواقعي أو لا يكون، وعلى الثاني إمّا أن يمكن تدارك الباقي أو لا يمكن، وعلى الأوّل إمّا أن يعارض التدارك مفسدة أهمّ من تلك المصلحة الباقية أو لا يعارض مفسدة كذلك، فتأمّل.

هذا كلّه بالنسبة إلى مقام الثبوت.

وأمّا مقام الإثبات فالبحث فيه يقع في مقامين:

الأوّل: ما إذا ارتفع الاضطرار في داخل الوقت (أي الإعادة).

الثاني: ما إذا ارتفع الاضطرار في خارج الوقت (أي القضاء).

وفي كلّ منهما تارةً يكون النظر إلى مفاد الأدلّة الخاصّة كقوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] في باب التيمّم، واُخرى يكون النظر إلى مقتضى العمومات والإطلاقات (مع قطع النظر عن الأدلّة الخاصّة) كقوله (صلى الله عليه وآله)«رفع ما اضطرّوا إليه».

أمّا المقام الأوّل: وهو فيما إذا ارتفع الاضطرار في داخل الوقت، فبالنسبة إلى الأدلّة الخاصّة لا بدّ من ملاحظة لسان هذه الأدلّة وأنّه هل هو لسان التنويع والتقسيم، أي تنويع المكلّفين مثلا إلى الواجدين للماء والفاقدين له (كما في آية التيمم) أو إلى السالمين والمرضى، أو إلى القادرين على القيام والعاجزين عنه، أو يكون لسانها لسان البدليّة حيث تجعل التيمّم مثلا للفاقد للماء بدلا عن الوضوء للواجد للماء؟

فعلى الأوّل: لا إشكال في أنّ مقتضى الإطلاق المقامي (بناءً على كون المولى في مقام بيان تمام وظيفة المضطرّ) هو الإجزاء، فإنّ المولى إذا نوّع المكلّفين إلى أنواع وجعل لكلّ نوع منهم وظيفته الخاصّة به فأمر المكلّف الواجد للماء مثلا بالصّلاة مع الطهارة المائيّة وأمر المكلّف الفاقد للماء بالصّلاة مع الطهارة الترابيّة (وهكذا بالنسبة إلى سائر الأنواع) ولم يحكم بالإعادة بعد رفع الاضطرار، فيعلم من هذا التنويع مع هذا الإطلاق وعدم الحكم بالإعادة كفاية الاضطراري عن الواقعي وإجزائه عنه، حيث إنّ المفروض أنّ المكلّف المضطرّ أيضاً كالمكلّف المختار أتى بوظيفته الخاصّة به، فلو كانت الإعادة واجبة عليه لحكم المولى بها قطعاً بعد فرض كونه في مقام البيان.

كما لا إشكال في أنّ مقتضى إطلاقها الأزماني جواز البدار، فمقتضى إطلاق قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] من حيث الزمان وكذلك إطلاق قوله (عليه السلام)«التراب أحد الطهورين»(9) أو قوله (عليه السلام) «ويكفيك عشر سنين»(10) كون التراب كافياً وطهوراً وقابلا للتيمّم عليه في أيّ ساعة من ساعات الوقت، أوّله أو وسطه أو آخره، وهو معنى جواز البدار.

وعلى الثاني: أي ما إذا كان ظاهر لسان الدليل البدليّة بمعنى أنّ المولى يقول: أنّ المأمور به في باب الطهارة مثلا إنّما هو الوضوء ولكن أتقبّل التيمّم حين الاضطرار بدلا عن الوضوء ـ فالأصل في المأمور به إنّما هو الوضوء وأمّا التيمّم فهو فرع له وبدل عنه، فحينئذ يلاحظ نطاق البدليّة وأنّ التيمّم مثلا هل هو بدل مطلقاً أو أنّ بدليته مقيّدة بما لم يجد الماء في تمام الوقت؟ فعلى الأوّل يكون الحكم هو الإجزاء، وعلى الثاني عدم الإجزاء، ولا يبعد كون ظاهره مطلقاً

بالنسبة إلى إجزاء الوقت.

وإن شئت قلت: لا بدّ حينئذ من ملاحظة لسان الدليل وأنّه هل يستفاد منه البدليّة في تمام الملاك أو في بعضه والباقي هل هو مصلحة ملزمة أو غير ملزمة؟ والملزمة هل يمكن تداركها أو لا؟ فيؤخذ بمقتضى كلّ منها.

ولو فرض عدم دلالة الدليل على شيء من ذلك فالمرجع هو العمومات والإطلاقات ثمّ الاُصول العمليّة، وقد عرفت أنّ مقتضى الاُولى (أي الإطلاقات والعمومات) الإجزاء حتّى بالنسبة إلى داخل الوقت وأنّ مقتضاها جواز البدار كما أنّ مقتضى الأصل عدم جوازه لما عرفت من الاشتغال.

هذا بالنسبة إلى مقتضى الأدلّة الخاصّة.

وأمّا الإطلاقات والعمومات نظير حديث الرفع أعني قوله (صلى الله عليه وآله) «رفع ما اضطّروا إليه» فحيث إنّ العنوان المأخوذ فيها إنّما هو عنوان الاضطرار وهو يصدق فيما إذا استوعب الاضطرار تمام الوقت (وأمّا إذا فقد الماء مثلا في جزء من الوقت فقط فلا يصدق عنوان الاضطرار إلى التراب) فلا يمكن التمسّك بها للإجزاء في داخل الوقت أو جواز البدار كما لا يخفى.

هذا ـ وقد أنكر الإجزاء فيما نحن فيه (أي ما إذا ارتفع الاضطرار في داخل الوقت) في المحاضرات وقال: «الصحيح في المقام أن يقال: أنّه لا إطلاق لأدلّة مشروعيّة التيمّم بالقياس إلى من يتمكّن من الإتيان بالعمل الاختياري في الوقت بداهة أنّ وجوب التيمّم وظيفة المضطرّ ولا يكون مثله مضطرّاً لفرض تمكّنه من الصّلاة مع الطهارة المائيّة في الوقت، ومجرّد عدم تمكّنه منها في جزء منه لا يوجب كونه مكلّفاً بالتكليف الاضطراري ما لم يستوعب تمام الوقت»(11).

أقول: وما أفاده جيّد إذا كان المعتمد في المسألة هو الأدلّة العامّة، وذلك لأنّ موضوعها هو عنوان الاضطرار (كما قال) ومع التمكّن من الصّلاة المائيّة في الوقت لا يتحقّق الاضطرار، لكن الدليل على الإجزاء عندنا هو الأدلّة الخاصّة الموجودة في مثل باب التيمّم كآية التيمّم، حيث

إنّ مقتضى إطلاقها المقامي هو الإجزاء كما مرّ بيانه.

وبعبارة اُخرى: أنّا تابعون لإطلاق قوله تعالى: «إذا قمتم ... فلم تجدوا ...» لا عنوان الاضطرار، وكذلك قوله (عليه السلام) «التراب أحد الطهورين» وأمثاله.

والعجب منه حيث إنّه قبل الإجزاء في مورد التقيّة لإطلاق أدلّتها الخاصّة ولم يقبله في التيمّم مع أنّ الأدلّة الخاصّة هنا أيضاً مطلقة، والمقامان من باب واحد.

هذا كلّه في المقام الأوّل من مقام الإثبات، وهو ما إذا ارتفع الاضطرار في داخل الوقت.

أمّا المقام الثاني: وهو ما إذا ارتفع الاضطرار في خارج الوقت فالحقّ أنّ ظاهر الأدلّة أيضاً هو الإجزاء إذا كان لسانها التنويع والتقسيم كما مرّ بيانه في المقام الأوّل، وأمّا إذا كان لسانها البدليّة ببيان مرّ أيضاً في المقام الأوّل فإمّا أن يكون له إطلاق يعني هذا بدل عن ذاك إلى الأبد، فنأخذ به ونقول بالإجزاء، وأمّا إذا كان في لسانه إهمال وإجمال فاللازم الرجوع إلى الاُصول العمليّة كما لا يخفى، والأصل العملي فيه هو البراءة، لأنّ القضاء يحتاج إلى أمر جديد وهو منفي بأصل العدم.

إن قلت: موضوع القضاء هو فوت الفريضة كما ورد في بعض أخبار الباب: «من فاتته فريضة فليقضها كما فات» والمفروض في المقام عدم استيفاء المكلّف تمام المصلحة في داخل الوقت، فيصدق عنوان الفوت بالنسبة إليه ولازمه عدم الإجزاء.

قلنا: المستفاد من ظاهر أخبار الباب أنّ الموضوع إنّما هو عنوان فوت الفريضة بتمامها كما يستظهر من التعبير المزبور (من فاتته فريضة) وهو غير فوت بعض مصلحة الفريضة كما في ما نحن فيه حيث إنّ بعضها الآخر يستوفى بإتيان البدل، وعليه فلا يصدق عنوان الفوت الذي أخذ في موضوع القضاء.

فظهر أنّ النتيجة صارت في نهاية المطاف الإجزاء مطلقاً (سواء في داخل الوقت أو خارجه) فيما إذا كان ظاهر الأدلّة التنويع والتقسيم، وعدم الإجزاء في الجملة فيما إذا كان لسان الأدلّة البدليّة، ولعلّ المقامات مختلفة وتفصيله في الفقه.

بقي هنا شيء:

وهو ما أفاده المحقّق النائيني(رحمه الله) بالنسبة إلى القضاء والإجزاء في خارج الوقت وحاصله:

«أنّ التقيّد بالطهارة المائيّة إمّا أن يكون ركناً في الصّلاة مطلقاً وبها قوام مصلحتها في حالتي التمكّن وعدمه، وإمّا أن لا يكون ركناً كذلك بل كان ركناً في خصوص حال التمكّن، فعلى الأوّل لا يعقل الأمر بالصّلاة الفاقدة للطهارة المائيّة، بل لا بدّ من سقوط الأمر الصلاتي كما في صورة فقد الطهورين، وحيث إنّه أمر بالصّلاة مع فقدان الماء فلابدّ أن لا يكون لقيد الطهارة المائيّة دخل لا في الخطاب بالصلاة ولا في الملاك في صورة الفقدان وتكون الصّلاة مع الطهارة الترابيّة واجدة لكلّ من الخطاب والملاك الذي تتقوّم به الصّلاة، وحينئذ لا يعقل القضاء لأنّه لم يفت من المكلّف شيء حتّى يقضيه»(12). (انتهى).

أقول: مدّعاه وهو الإجزاء وإن كان حقّاً ولكن دليله غير واف بالمسألة، لأنّه يتصوّر هناك شقّ ثالث وهو أن يتوجّه إليه الأمر بعد وجدان الماء، وإن أتى بالصّلاة، لعود الملاك الملزم، وهذا جائز في الاُمور الاعتباريّة، وبعبارة اُخرى: تكون الطهارة المائيّة كافية في زمن الفقدان دون الوجدان، ونظيره واقع في العرفيّات.

هذا تمام الكلام في المقام الثاني من مبحث الإجزاء.

المقام الثالث ـ إجزاء الأوامر الظاهريّة الشرعيّة:

ويبحث عنه أيضاً في مباحث الاجتهاد والتقليد (في البحث عن تبدّل رأي المجتهد) وله نتائج كثيرة في الفقه، وقد فصّل المحقّق الخراساني (رحمه الله) فيه بين الاُصول والأمارات، وبين ما كان منهما جارياً في إجزاء الواجب وشرائطه وموانعه (سواء في الشبهات الحكمية والموضوعيّة) وما كان جارياً منهما لإثبات أصل التكليف، وذهب إلى الإجزاء في القسم الأوّل (أي ما كان جارياً منهما في الإجزاء والشرائط والموانع) في خصوص موارد الاُصول دون الأمارات (إلاّ بناءً على مبنى السببيّة في الأمارات فذهب فيها أيضاً إلى الإجزاء في الجملة) وإلى عدم الإجزاء في القسم الثاني (ما كان جارياً منهما لإثبات أصل التكليف) مطلقاً سواء في الأمارات والاُصول.

وعلى هذا لا بدّ من البحث في موردين:

المورد الأوّل: الأحكام الظاهريّة من الاُصول والأمارات التي تجري في إجزاء واجب أو شرائطه وموانعه، أي تجري لتنقيح موضوع تكليف آخر سواء كانت من الشبهات الحكمية

أو الموضوعيّة نظير قاعدة الفراغ مثلا بالنسبة إلى من شكّ في إتيان جزء أو شرط أو مانع، ونظير استصحاب العدم لمن شكّ في إتيان جزء في محلّه، ونظير البيّنة القائمة على إتيان جزء أو عدم إتيانه مثلا (هذا في الشبهات الموضوعيّة) ونظير حديث الرفع الدالّ على رفع جزئيّة السورة أو الاستعاذة، وقاعدة الطهارة الدالّة على طهارة الحيوان المتولّد من طاهر ونجس مثلا المقتضية لجواز الصّلاة مع ملاقاة البدن له (في الشبهات الحكمية).

المورد الثاني: الأحكام الظاهريّة التي تجري لإثبات تكليف مستقلّ، وتكون بالطبع جارية في الشبهات الحكمية فقط، ولا تتصوّر في الشبهات الموضوعة نظير ما إذا كان مفاد الأمارة أو الأصل وجوب صلاة الجمعة أو عدم وجوب الدعاء عند رؤية الهلال أو حرمة شيء أو عدم حرمته.

أمّا المورد الأوّل: فحاصل ما أفاده المحقّق الخراساني(رحمه الله) فيه (مع توضيح وتحرير): أنّ الحكم الظاهري على قسمين:

الأوّل: حكم ظاهري مجعول في ظرف الشكّ والجهل بالواقع حقيقة من دون نظر إلى الواقع أصلا فهو يجري في تنقيح ما هو موضوع التكليف وتحقيق متعلّقه، ويكون بلسان تحقّق ما هو شرطه أو شطره.

الثاني: حكم ظاهري مجعول أيضاً في ظرف الشكّ في الواقع والجهل به إلاّ أنّه ناظر إلى الواقع وكاشف عنه ويكون بلسان أنّه ما هو الشرط واقعاً.

والأوّل مفاد الاُصول العمليّة كقاعدتي الطهارة والحلّية أو استصحابهما، والثاني مفاد الأمارات.

ولا إشكال في أنّ مقتضى كيفية الجعل في القسم الأوّل حكومة الاُصول العمليّة على الأدلّة الواقعيّة في مرحلة الظاهر وتوسعة دائرتها حيث إنّ ما دلّ على شرطيّة الطهارة أو الحلّية للصّلاة مثلا ظاهر في الطهارة أو الحلّية الواقعيّة ولكنّها جعلت الشرط أعمّ منها ومن الطهارة أو الحلّية الظاهريّة، ومقتضى هذه الحكومة أنّه كما أنّ المكلّف إذا كان واجداً للطهارة الواقعيّة كان واجدا للشرط حقيقة، فكذلك إذا كان واجداً للطهارة الظاهريّة، فلو صلّى معها ثمّ انكشف الخلاف لم ينكشف أنّ العمل فاقد للشرط بل هو واجد له حقيقة فيجزي.

كما أنّ مقتضى كيفية الجعل في الأمارات هو عدم الإجزاء فإنّ المجعول فيها إنّما هو حجّيتها بلحاظ نظرها إلى الواقع وإثباتها له على ما هو عليه من دون جعل شيء آخر فيها في مقابل الواقع، فلو كانت خاطئة وغير مطابقة له لم تؤدّ إلى حكم شرعي أصلا لا واقعي ولا ظاهري، ونتيجته عدم الإجزاء.

هذا بناءً على ما هو الأظهر الأقوى في الطرق والأمارات من أنّ حجّيتها ليست بنحو السببيّة، وأمّا بناءً عليها فيجزي لو كان الفاقد كالواجد في كونه وافياً بتمام الغرض، ولا يجزي لو لم يكن كذلك، فيجب الإتيان بالواجد لاستيفاء الباقي إن وجب، وإلاّ لأستحبّ. (انتهى كلامه).

وقد أورد عليه المحقّق النائيني (رحمه الله) بالنسبة إلى بيانه في الاُصول العمليّة باُمور خمسة:

1 ـ «إنّ الحكومة عند هذا القائل (المحقّق الخراساني(رحمه الله)) لا بدّ وأن تكون بمثل كلمة «أعني» و «أردت» وأشباه ذلك، ولأجله لم يلتزم بحكومة أدلّة نفي الضرر على أدلّة الأحكام الواقعيّة ولا بحكومة الأدلّة الاجتهاديّة على الاُصول العمليّة، ومن الواضح عدم تحقّق الحكومة بهذا المعنى في المقام».

أقول: للمحقّق الخراساني(رحمه الله) أن يقول: أنّ مفاد «أعني» وأشباهه تارةً يستفاد من الأدلّة الحاكمة بمدلولها المطابقي واُخرى يستفاد منها بمدلولها الالتزامي، ولا إشكال في أنّ مثل قول الشارع «كلّ شيء لك طاهر حتّى تعلم أنّه قذر» يكون مدلوله الالتزامي بالنسبة إلى قوله (عليه السلام): «لا صلاة إلاّ بالطهور» عبارة عن قولك «أعني أنّ الطهارة المشروط بها في الصّلاة هي الأعمّ من الطهارة الواقعيّة والظاهريّة» بحيث لولاه لم تكن فائدة في قوله «كلّ شيء طاهر ...».

2 ـ إنّ وجود الحكم الظاهري لا بدّ وأن يكون مفروغاً عنه حين الحكم بعموم الشرط الواقعي للطهارة الواقعيّة والظاهريّة أو بعمومه للإباحة كذلك، ومن الواضح أنّ المتكفّل لإثبات الحكم الظاهري ليس إلاّ نفس دليل قاعدة الطهارة أو أصالة الإباحة، فكيف يمكن أن يكون هو المتكفّل لبيان كون الشرط أعمّ من الواقعيّة والظاهريّة منهما؟».

ويرد عليه أيضاً: أنّه يمكن أن تكون دلالة أدلّة الاُصول كدليل قاعدة الطهارة أو الحلّية

على الحكم الظاهري (أي الطهارة الظاهريّة أو الحلّية الظاهريّة) بالدلالة المطابقية، وأمّا دلالتها على كون الشرط أعمّ من الواقعيّة والظاهريّة منهما فهي بالدلالة الالتزاميّة.

3 ـ «إنّ الحكومة في المقام وإن كانت مسلّمة إلاّ أنّها لا تستلزم تعميم الشرط واقعاً، فإنّ الحكومة على قسمين: قسم يكون الدليل الحاكم في مرتبة الدليل المحكوم ولا يكون الشكّ في المحكوم مأخوذاً في الدليل الحاكم كقوله(عليه السلام) «لا شكّ لكثير الشكّ» الحاكم على أدلّة الشكوك في الصّلاة فلا محالة يكون الدليل الحاكم موجباً لعموم الدليل المحكوم أو مخصّصاً له بلسان الحكومة، ويسمّى هذا القسم حكومة واقعية.

وقسم آخر يكون الشكّ في المحكوم مأخوذاً في الدليل الحاكم، فلا محالة يكون الدليل الحاكم متأخّراً عن المحكوم لأخذ الشكّ فيه موضوعاً في الدليل الحاكم، فيستحيل كونه معمّماً أو مخصّصاً له في الواقع، فتكون حكومته ظاهريّة لا محالة، ويترتّب على ذلك جواز ترتيب آثار الواقع ما لم ينكشف الخلاف، فإذا انكشف الخلاف ينكشف عدم وجدان العمل لشرطه ويكون مقتضى القاعدة هو عدم الإجزاء كما في الأمارات، وإذا انقسمت الحكومة إلى قسمين مختلفين في الأثر فإثبات الإجزاء يتوقّف على إثبات كون الحكومة في المقام واقعية مع أنّها مستحيلة، ضرورة أخذ الشكّ في موضوع أدلّة الاُصول ومعه تكون الحكومة ظاهريّة غير مستلزمة للإجزاء قطعاً».

ويمكن تقرير هذا الإشكال ببيان أوضح وأقصر، وهو أنّ غاية ما يستفاد من دليل أصالة الطهارة مثلا ثبوت أحكامها لموردها ما دام الشكّ موجوداً ولازمه عدم وجود تعميم في الحكم الواقعي.

وهذا الإشكال جيّد في الجملة.

4 ـ «إنّ الحكومة المدعاة في المقام ليست إلاّ من باب جعل الحكم الظاهري وتنزيل المكلّف منزلة المحرز للواقع في ترتيب آثاره، وهذا مشترك فيه جميع الأحكام الظاهريّة سواء ثبتت بالأمارة، أم بالأصل، محرزاً كان أم غير محرز، بل الأمارة أولى بذلك من الأصل فإنّ المجعول في الأمارات إنّما هو نفس صفة الإحراز وكون الأمارة علماً تعبّداً، وأمّا الاُصول فليس المجعول فيها إلاّ التعبّد بالجري العملي وترتيب آثار إحراز الواقع في ظرف الشكّ».

ويرد عليه: أنّه إشكال مبنائي لا يرد على المحقّق الخراساني (رحمه الله) حيث إنّ مبناه في باب الأمارات هو المنجزيّة والمعذريّة، (نعم قد يستفاد من بعض كلماته في الكفاية أنّه قائل بجعل

الحكم المماثل كما سيأتي في باب الأمارات وحينئذ يكون الإشكال هذا وارداً عليه).

أضف إلى ذلك ما قد مرّ سابقاً من الإشكال في المبنى من أنّه لا معنى محصّلا لتعلّق الجعل بالعلم، فلا يمكن أن يكون المجعول في باب الأمارات كون الأمارة علماً تعبّداً لأنّه من الاُمور التكوينيّة التي لا تصل إليها يد الجعل بل مجاله الاُمور الاعتباريّة كما لا يخفى.

5 ـ «إنّ الحكومة لو كانت واقعية فلابدّ من ترتيب جميع آثار الواقع لا خصوص الشرطيّة، فلابدّ وأن لا يحكم بنجاسة الملاقي لما هو محكوم بالطهارة ظاهراً ولو انكشف نجاسته بعد ذلك، ولا أظنّ أن يلتزم به أحد»(13).

أقول: ويمكن الجواب عنه أيضاً بأنّ صاحب الكفاية لم يدّع حكومة أصالة الطهارة على ما دلّ على أنّ كلّ شيء لاقى نجساً فقد تنجّس، بل هي حاكمة على أدلّة الواجبات وشرائطها، وأمّا الأحكام الوضعية مثل النجاسة بالملاقاة فهي تابعة لواقعها، فلو انكشف الخلاف وجب التطهير.

فلم يبق من الإشكالات عليه إلاّ الثالث، وهو كون الحكومة هنا ظاهريّة ما دام الشكّ موجوداً.

ثمّ إنّ هيهنا كلام أفاده في تهذيب الاُصول يشبه مقالة المحقّق الخراساني(رحمه الله)في المقام، حيث إنّه فصّل أيضاً بين الاُصول والأمارات وقال بالإجزاء في الاُصول بدعوى حكومة أدلّة الاُصول على أدلّة الشرائط والإجزاء، وبعدم الإجزاء في الأمارات وقال: «التحقيق عدم الإجزاء فيها بناءً على الطريقية كما هو الحقّ وفاقاً لجملة من المحقّقين سواء قلنا بأنّ الطرق التي بأيدينا كلّها طرق وأمارات عقلائيّة وليس للشرع أمارة تأسيسية بل لم يرد من الشارع أمر باتّباعها وإنّما استكشفنا من سكوته وهو بمرآه، رضائه، ومن عدم ردعه إمضائه، أم قلنا بورود أمر منه بالاتّباع لكنّه بنحو الإرشاد إلى ما هو المجبول والمرتكز في فطره العقلاء، أم قلنا بأنّ الطرق المتعارفة في الفقه ممّا أسّسها الشارع كلّها أو بعضها وصولا إلى الواقع، ولم يكن عند العقلاء منها عين ولا أثر.

توضيح ذلك: أمّا على الوجهين الأوّلين فلأنّ المتّبع فيهما حكم العقلاء وكيفية بنائهم، ولا شكّ أنّ عملهم لأجل كشفها نوعاً عن الواقع مع حفظ نفس الأمر على ما هو عليه من غير تصرّف فيه ولا انقلابه عمّا هو عليه، ومع هذا كيف يمكن الحكم بالإجزاء مع انكشاف الخلاف؟ وأمّا على الوجه الأخير على فرض صحّته فلا شكّ في أنّ لسان أدلّة حجّيتها هو التحفّظ على الواقع لا التصرّف فيه وقلبه إلى طبق المؤدّى، أضف إلى ذلك أنّ معنى كون شيء أمارة ليس إلاّ كونه كاشفاً عن الواقع عند المعتبر، فلو تصرّف مع ذلك فيه وقلب الواقع على طبق مؤدّاه لدى التخلّف لخرجت الأمارة عن الأماريّة ... ومعه لا معنى للإجزاء(14).

ولكن يمكن أن يناقش فيه:

أوّلا: بما مرّ من عدم حكومة لأدلّة الاُصول على أدلّة الإجزاء والشرائط.

ثانياً: بأنّه لا فرق بين الأمارات والاُصول في كون كلّ واحدة منهما من المخترعات العقلائيّة، فإنّ البراءة بل الاستصحاب أيضاً ممّا استقرّ عليه بناء العقلاء، وإن كانت دائرتهما في الشرع أوسع أو أضيق منه، والعقلاء ليس بناؤهم إلاّ على العمل بها ما دام الشكّ موجوداً لا على توسعة الأحكام الواقعيّة.

المختار في مسألة إجزاء الأوامر الظاهريّة الشرعيّة

وفي نهاية المطاف نقول: الحقّ والإنصاف في المسألة هو ما ذهب إليه بعض المحقّقين المعاصرين وهو سيّدنا الاُستاذ المحقّق العلاّمة البروجردي قدّس سرّه الشريف فإنه ذهب إلى الإجزاء مطلقاً سواء في الاُصول والأمارات بل كان يصرّ عليه بل قال في بعض كلماته: «الظاهر تسالم الفقهاء إلى زمن الشّيخ (رحمه الله) على ثبوت الإجزاء وإنّما وقع الخلاف فيه من زمنه حتّى أنّ بعضهم قد أفرط فادعى استحالته (انتهى موضع الحاجة من كلامه)(15).

والدليل عليه (بعد أن كان محلّ النزاع أوّلا ما اذا كانت الأوامر الظاهريّة أوامر مولويّة، وثانياً ما إذا لم تقم قرينة على عدم حصول غرض المولى بالمأمور به، أي على عدم الإجزاء) أنّه هو الظاهر عرفاً من أمر المولى بالمأمور به الظاهري، فإنّه إذا أمر المولى عبده بشيء في

صورة الشكّ بالواقع أو الجهل به وقال «إذا شككت في المأمور به الواقعي أو جهلت به فاعمل كذا وكذا وإنّ هذا هو وظيفتك» استفاد العرف منه أنّ ذلك هو تكليفه الفعلي وأنّ المولى لا يطلب منه شيئاً غيره، وإنّ الإتيان به يوجب استيفاء غرض المولى.

وبعبارة اُخرى للمحقّق المزبور: لا إشكال في أنّ المتبادر من قوله (عليه السلام) «كلّ شيء نظيف حتّى تعلم أنّه قذر» مثلا أنّ المكلّف بعد إتيانه الصّلاة في الثوب المشكوك فيه قد أدّى وظيفته الصلاتيّة وامتثل قوله تعالى: { أَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [الأنعام: 72] لا أنّه عمل عملا يمكن أن يكون صلاة وأن يكون لغواً، وتكون الصّلاة باقية في ذمّته(16).

أضف إلى ذلك أنّ عدم الإجزاء في الاُصول والأمارات يستلزم فساد أكثر أعمال المكلّفين وعدم حصولهم على مصالح الأحكام الواقعيّة، لوجود العلم الإجمالي بأنّ كثيراً ممّا نحكم بطهارته مثلا نجس في الواقع ولازمه بطلان عدد كثير من الصّلوات اليوميّة بناءً على اعتبار الطهارة الواقعيّة في ماء الوضوء والغسل (لا في الثوب والبدن فإنّ المعتبر فيهما أعمّ من الواقعيّة والظاهريّة). فإذا توضّأ أو اغتسل بالماء القليل وكان في الواقع نجساً كان لازمه بطلان الوضوء والغسل وما يترتّب عليهما من العبادات المختلفة.

وهكذا بالنسبة إلى أعمال مقلّدي مجتهد تبدّل رأيه أو مات وخالف رأيه قول المجتهد الحي، فهل يمكن أن يقال بأنّ الشارع وضع قانوناً لمصلحة خاصّة لا تصل إليها أيدي أكثر المكلّفين؟ وكذلك بالنسبة إلى الصّيام والحجّ وغيرهما.

هذا كلّه في المورد الأوّل من المقام الثالث، وهو ما إذا كان الأصل أو الأمارة جارياً لتنقيح ما هو موضوع التكليف وتحقيق متعلّقه، أي كان جارياً في الأجزاء والشرائط سواء في الشبهات الحكمية أو الموضوعيّة.

أمّا المورد الثاني: وهو ما إذا كان الأصل أو الأمارة جارياً لإثبات أصل التكليف فذهب أكثر الأعلام فيها إلى عدم الإجزاء، منهم المحقّق الخراساني والمحقّق النائيني والمحقّق العراقي(رحمهم الله)بل المحقّق الخراساني(رحمه الله) ذهب إلى عدم الإجزاء حتّى على مبنى السببيّة ببيان أنّ صلاة الجمعة وإن فرض إنّها صارت ذات مصلحة لأجل قيام الأمارة السببيّة على وجوبها ولكن لا ينافي ذلك بقاء صلاة الظهر على ما هي عليه من المصلحة والوجوب، فبعد كشف الخلاف لا بدّ من الإتيان بصلاة الظهر أيضاً، نعم إلاّ إذا قام دليل خاصّ من إجماع ونحوه على عدم وجوب صلاتين في يوم واحد.

ولكن خالفه بعض الأعلام في المحاضرات وذهب إلى الإجزاء بناءً على مبنى السببيّة بجميع معانيها، نعم ذهب في المعنى الأخير بالنسبة إلى خصوص الأداء إلى عدم الإجزاء.

وملخّص كلامه: أنّ السببيّة في الأمارات تتصوّر على ثلاثة وجوه:

الوجه الأوّل: ما نسب إلى الأشاعرة (وإن كانت النسبة غير ثابتة) من أنّ الله تعالى لم يجعل حكماً من الأحكام في الشريعة المقدّسة قبل تأدية نظر المجتهد إلى شيء وإنّما يدور جعله مدار تأدية نظرية المجتهد ورأيه.

الوجه الثاني: ما نسب إلى المعتزلة وهو أن يكون قيام الأمارة سبباً لكون الحكم الواقعي بالفعل هو المؤدّى، وذلك لأنّ قيام الأمارة يوجب احداث مصلحة أو مفسدة في متعلّقه، وحيث إنّ الأحكام الشرعيّة تابعة للمصالح والمفاسد في متعلّقاتها فبطبيعة الحال ينحصر الحكم الواقعي الفعلي فيه، أي تنحصر الأحكام الواقعيّة الفعليّة في مؤدّيات الحجج والأمارات ولا حكم في غيرها إلاّ شأناً واقتضاءً.

الوجه الثالث: ما نسب إلى بعض الإماميّة، وهو أن يكون قيام الأمارة سبباً لإحداث المصلحة في السلوك على طبق الأمارة وتطبيق العمل على مؤدّيها مع بقاء الواقع على ما هو عليه من دون أن يوجب التغيير والانقلاب فيه أصلا.

ثمّ قال: أمّا على ضوء السببيّة بالمعنى الأوّل فلا مناصّ من القول بالإجزاء حيث لا واقع على الفرض ما عدا مؤدّى الأمارة لنبحث عن أنّ الإتيان به مجز عنه أو لا؟ إلاّ أنّ السببيّة بذلك المعنى غير معقولة في نفسها بداهة أنّ تصوّرها في نفسه كاف للتصديق ببطلانها بلا حاجة إلى إقامة برهان عليه من لزوم دور ونحوه، حيث إنّ هذا المعنى من السببيّة خلاف الضرورة من الشرع.

وأمّا على ضوء السببيّة بالمعنى الثاني فالأمر أيضاً كذلك، يعني أنّه لا مناصّ من القول بالإجزاء حيث إنّه لا واقع على ضوئها أيضاً في مقابل مؤدّى الأمارة ليقع البحث عن أنّ الإتيان به هل هو مجز عنه أم لا؟ بل الواقع هو مؤدّى الأمارة، هذا من ناحية، ومن ناحية اُخرى: إنّ السببيّة بهذا المعنى وإن كان أمراً معقولا بحسب مقام الثبوت بأن يكون ثبوت الواقع مقيّداً بعدم قيام الأمارة على خلافه، إلاّ أنّ الأدلّة لا تساعد على ذلك، أمّا الإطلاقات الأوّليّة فلأنّ مقتضاها ثبوت الأحكام الواقعيّة للعالم والجاهل ولا دليل على تقييدها بعدم قيام الأمارة على الخلاف، وأمّا أدلّة الاعتبار فلسانها لسان الطريقية لا السببيّة، أمّا السيرة العقلائيّة فلأنّها جرت على العمل بها بملاك كونها طريق إلى الواقع، وأمّا الآيات والرّوايات فلأنّ الظاهر منها إمضاء ما هو حجّة عند العقلاء.

وأمّا السببيّة بالمعنى الثالث فذهب شيخنا الاُستاذ (رحمه الله) إلى أنّ حال هذه السببيّة حال الطريقة في عدم اقتضائها الإجزاء، لأنّ المصلحة القائمة بسلوك الأمارة تختلف باختلاف السلوك (وهو الزمان الذي لم ينكشف الخلاف فيه) فإن كان السلوك بمقدار فضيلة الوقت، فكانت مصلحته بطبيعة الحال بمقدار يتدارك بها مصلحتها فحسب، لأنّ فوتها مستند إليه دون الزائد، وأمّا مصلحة أصل الوقت فهي باقية فلابدّ من استيفائها بالإعادة، وهكذا إذا كان السلوك بمقدار تمام الوقت وكان انكشاف الخلاف في خارجه فكون مصلحته بمقدار يتدارك بها مصلحة تمام الوقت الفائتة، وأمّا مصلحة أصل العمل فهي باقية فلابدّ من استيفائها بالقضاء في خارج الوقت.

ولكن قوله بالنسبة إلى القضاء يرجع في الحقيقة إلى القول بأنّ القضاء تابع للأداء، مع أنّ الحقّ أنّ القضاء يحتاج إلى أمر جديد، ونتيجته أنّ سلوك الأمارة في مجموع الوقت إذا كان وافياً بمصلحة الصّلاة في الوقت كما هو مقتضى القول بالسببية بهذا المعنى لا مناصّ من القول بالإجزاء أيضاً، فالصحيح بناءً على هذا المعنى من السببيّة هو التفصيل بين الأداء والقضاء، والقول بالإجزاء في القضاء دون الأداء.

هذا ـ ولكن أوّلا: قد حقّقنا في محلّه أنّه لا ملزم للإلتزام بهذه المصلحة التي تسمّى بالمصلحة السلوكيّة لتصحيح اعتبار الأمارات وحجّيتها، لأنّه يكفي في ذلك ترتّب المصلحة التسهيلية عليه.

وثانياً: لا يمكن الالتزام بها لاستلزام القول بها التصويب وتبدّل الحكم الواقعي. (انتهى كلامه بتلخيص منّا)(17).

أقول: الإنصاف كما سيأتي مشروحاً في مسألة التخطئة والتصويب في مبحث الاجتهاد والتقليد أنّ ما ذكره هذا المحقّق وغيره (قدّس الله أسرارهم) (من كون القسم الأوّل من التصويب مستلزماً للدور أو واضح البطلان بالضرورة من الشرع وغيره) ناش عن الغفلة عمّا بنى عليه القول في هذه المسألة، فإنّهم قالوا بأنّ الوقائع الخاليّة عن النصّ خاليّة عن الحكم الواقعي الشرعي وإنّ الشارع أوكل حكم التشريع في هذه المسائل إلى الفقهاء من طريق الاستحسان أو القياس على غيره أو ملاحظة المصالح المرسلة وغيرها، فإذا أفتى فقيه بحكم في هذه الموارد صوّب الله رأيه.

وهذا وإن كان باطلا لعدم قيام دليل على جواز التشريع للفقيه لا من الكتاب ولا من السنّة بل هو ازراء للشريعة من حيث استلزامها النقص في أحكامها وعدم إكمال الدين وإتمام النعمة بل استلزامه نوعاً من الشرك الخفي.

ولكن هذا كلّه لا دخل له بلزوم الدور وشبهه، هذا أوّلا.

وثانياً: ما ذكره من وجود مصلحة التسهيل في الطرق والأمارات هو بعينه المصلحة السلوكيّة، ومن العجب أنّه أثبت مصلحة التسهيل ونفي المصلحة السلوكيّة مع اتّحادهما أو كون التسهيل من مصاديقها البارزة.

وثالثاً: ما أفاده من لزوم القول بالتصويب وتبدّل الحكم الواقعي في القسم الثالث أيضاً ممنوع جدّاً، لأنّ المصلحة السلوكيّة ليست في عرض مصلحة الحكم الواقعي بل هي في طولها.

وإن شئت قلت: إنّ المكلّف إذا سلك طريق الأمارة للوصول إلى الحكم الواقعي الذي هو ذو مصلحة في نفسه فأخطأه كان سلوكه هذا الطريق مستلزماً لمنافع جابرة لما فات منه من منافع الحكم الواقعي (وسيأتي الإشارة إلى هذا إن شاء الله في مباحث الاجتهاد والتقليد أيضاً).

إذا عرفت هذا فلنرجع إلى أصل المسألة فنقول ومن الله التوفيق والهداية:

الحقّ أنّ هذه المسألة هي مسألة تبدّل رأي المجتهد، فنذكر هنا إجمالا منها ونترك تفصيلها إلى محلّها من مبحث الاجتهاد والتقليد.

فنقول: ذهب جماعة من الأصحاب إلى الإجزاء فيما إذا تبدّل رأي المجتهد، واستدلّوا عليه بوجوه:

أوّلها: الإجماع، وقد استدلّ به جماعة من أعاظم المتأخّرين، بينما نقل بعض آخر كالسيّد الحكيم في مستمسكه عن العلاّمة الإجماع على الخلاف، ولو سلّمنا وجود الإجماع كما لا يبعد، لكنّه ليس بحجّة في أمثال المقام لاحتمال استنادهم إلى سائر الوجوه.

ثانيها: إنّ عدم الإجزاء يستلزم العسر والحرج.

واُجيب عنه: بأنّ قاعدة العسر والحرج قاعدة شخصية لا نوعيّة، أي لا يسقط الحكم ممّن لا يكون في عسر إن كان غيره فيه.

ثالثها: إنّ الاجتهاد الثاني كالاجتهاد الأوّل، فإذا لم يكن الاجتهاد الأوّل مجزياً عن الواقع لم يكن الاجتهاد الثاني أيضاً مجزياً، لأنّه أيضاً أمارة ظنّية الدلالة بالنسبة إلى الواقع وإن كان مجزياً فكذا الأوّل.

واُجيب عنه: بأنّ المفروض في المقام ما إذا انكشف في الاجتهاد الثاني أنّ الأوّل على خلاف الواقع ولو بحسب الموازين الظاهريّة، مع أنّه لم يحصل بالنسبة إلى الاجتهاد الثاني نفسه، فهو نظير ما إذا قام دليل أقوى على خلاف الدليل الأوّل في الموضوعات الخارجيّة، كما إذا قامت أمارة على أنّ هذا الماء كان كرّاً أو قليلا من قبل، فيعمل بمقتضى الدليل الثاني حتّى بالنسبة إلى ما سبق.

رابعها: إنّ الواقعة الواحدة لا تتحمّل اجتهادين بل الأعمال السابقة داخلة في نطاق الاجتهاد الأوّل، والأعمال اللاّحقة داخلة في لاجتهاد الثاني، فلا يعمّ الاجتهاد الثاني ما سبق من الأعمال، ولازمه الإجزاء.

وفيه: أنّه إن كان المراد منه عدم قبول الواقعة الواحدة الاجتهادين في زمان واحد فهو صحيح وأمّا في زمانين فهو دعوى بلا دليل.

خامسها: إنّ تبدّل رأي المجتهد يكون بمنزلة النسخ، فكما لا تجب إعادة الأعمال السابقة في ما إذا نسخ الحكم السابق فكذلك إذا تبدّل رأي المجتهد سواء بالنسبة إلى أعمال نفسه أو أعمال مقلّديه.

واُجيب عنه: بأنّ النسخ يتعلّق بالأحكام الواقعيّة، ومعناه تغيّر الحكم الواقعي، بينما رأى المجتهد يتعلّق بالأحكام الظاهريّة، وهو لا يوجب انقلاب الحكم الواقعي من حين تبدّل رأيه بل إنّه يقول بعد تبدّل رأيه أنّ حكم الله إنّما هو مؤدّى الاجتهاد الثاني من بدو جعله تعالى إيّاه، فقياسه بالنسخ قياس مع الفارق.

وهيهنا وجه سادس: لا غبار عليه، وهو عدم شمول أدلّة جواز العدول إلى المجتهد الثاني (فيما إذا عدل المقلّد من مجتهد إلى مجتهد آخر) أو أدلّة حجّية الاجتهاد الثاني (فيما إذا تبدّل رأي المجتهد) الأعمال السابقة وأنّه لا إطلاق لها بالنسبة إلى ما سبق، بل القدر المتيقّن منها الأعمال اللاّحقة، والحاصل أنّ حجّية الاجتهاد الثاني إنّما هي بالنسبة إلى أعماله في الحال وفي المستقبل، أمّا بالنسبة إلى الماضي فلا يكشف عن فسادها.

ولعلّ هذا هو مراد من قال: «الواقعة الواحدة لا تتحمّل اجتهادين» ومن قال: «إنّ تبدّل رأي المجتهد كالنسخ»، ومن قال: «إنّ الاجتهاد الثاني كالاجتهاد الأوّل» وإن كانت عباراتهم غير وافية بهذا المعنى، وهذا الوجه خال عن الإشكال، واف بتمام المقصود.

هذا كلّه بالنسبة إلى أعمال المقلّدين، وأمّا حكم المجتهد نفسه بالنسبة إلى أعماله السابقة فالإجزاء أو عدم الإجزاء فيها مبني على شمول أدلّة حجّية الأمارات والاُصول للأعمال السابقة، لأنّ المحكّم بالنسبة إليه إنّما هو هذه الأدلّة لا أدلّة التقليد كما هو واضح، فإن استظهر عمومها بالنسبة إليها فالحكم هو عدم الإجزاء ووجوب الإعادة أو القضاء، وإلاّ يؤخذ بالقدر المتيقّن وهو الأعمال اللاّحقة، ولازمه هو الإجزاء.

فالمهمّ بالنسبة إلى المجتهد نفسه حينئذ إنّما هو وجود هذا الإطلاق وعدمه في مقام الإثبات والاستظهار من الأدلّة، والإنصاف أنّها أيضاً لا إطلاق لها بالنسبة إلى الأعمال السابقة، والقدر المتيقّن هو حجّيتها بالنسبة إلى الأعمال اللاّحقة فتأمّل جيّداً.

 

هذا كلّه فيما إذا انكشف الخلاف بأمارة اُخرى أو أصل كذلك، أمّا إذا ظهر الخلاف بالقطع واليقين فالحكم بالإجزاء مشكل لعدم الدليل عليه.

بقي هنا اُمور:

الأمر الأوّل: أنّ ما اخترناه من الإجزاء لا يختصّ بالأحكام التكليفية بل يعمّ المعاملات بالمعنى الأخصّ وهو العقود والايقاعات، فإذا أفتى مجتهد بجواز إجراء عقد النكاح بالصيغة الفارسيّة ثمّ تبدّل رأيه أو عدل المقلّد إلى مجتهد آخر يفتي بعدم الجواز، كانت العقود الجاريّة بها مجزيّة ولا تجب إعادتها بالصيغة العربيّة، وهكذا إذا إشترى داراً معاطاة لفتوى مقلّده بجوازها ثمّ تبدّل رأيه، بل يعمّ المعاملات بالمعنى الأعمّ أيضاً كما إذا أفتى المجتهد بجواز قطع الأوداج الأربعة من الذبيحة عن القفا ثمّ تبدّل رأيه إلى عدم جوازه، فيكون مجزياً ولا تترتّب على المذكّى أحكام الميتة بل أحكام المذكّى.

والعمدة في ذلك كلّه عدم إطلاق أدلّة حجّية الفتوى الجديدة بالنسبة إلى الأعمال السابقة أو الأحكام الماضيّة، ولا أقلّ من الشكّ في ذلك (فيؤخذ بالقدر المتيقّن وهو الأعمال اللاّحقة) خصوصاً بالإضافة إلى المقلّدين، لأنّ الدليل على حجّية الفتوى الثانيّة بالنسبة إليهم إنّما هو بناء العقلاء، وهو دليل لبّي لا إطلاق له لما سبق، والشاهد على ذلك أنّ العقلاء لا يقيسون أحكامهم السابقة بالأحكام اللاّحقة، ويقولون: إنّ القانون الجديد لا يعمّ الوقائع السابقة، وقد شاع هذا بينهم فصار كالأمثال السائرة: «إنّ القانون لا يعطف على ما سبق» وهذا وإن كان جارياً في نسخ القوانين، ولكن الظاهر أنّه جار في الأمارات أيضاً.

الأمر الثاني: أنّه لا كلام ولا إشكال في الإجزاء في أجزاء الصّلاة وشرائطها ولو لم نقل به في غيرها وذلك لمكان حديث لا تعاد، فإنّه يدلّ على الإجزاء في أجزاء الصّلاة وشرائطها غير الاُمور الخمسة المذكورة في عقد المستثنى (وهي الأركان الخمسة) نعم أنّه لا يعمّ الجاهل المقصّر كما قرّر في محلّه بل عليه الإعادة أو القضاء مطلقاً.

الأمر الثالث: قد مرّ أنّ الإجماع في ما نحن فيه ليس بحجّة، وذلك لا لأنّه محتمل المدرك فحسب، بل لخصوصيّة في المقام وهي أنّ الاجتهاد والتقليد بالصورة الموجودة في أزماننا لم يكن له عين ولا أثر في الأزمنة المقارنة لعصر الأئمّة المعصومين (عليهم السلام) كما هو واضح لمن تتبّع في تاريخ الاجتهاد والتقليد تطوّراً، وعليه لا يمكن أن يحرز من الإجماع الموجود في زماننا وجوده في ذلك العصر حتّى يكون كاشفاً عن قول المعصوم (عليه السلام)، لا أقول أنّ الاجتهاد والتقليد أمر مستحدث في أعصارنا، فإنّه كان في عصر الأئمّة (عليهم السلام) أيضاً بشكل بسيط، بل أقول: إنّ مسألة التبدّل وأشباهه لم تكن بهذه الكيفية في سابق الأيّام.

الأمر الرابع: أنّ ما ذكرنا إلى هنا كان مختصّاً بصورة كشف الخلاف ظنّاً، وأمّا إذا تبدّل رأي المجتهد وانكشف الخلاف عن طريق القطع كما إذا أفتى على حديث نقله خطأً ثمّ قطع بالخطأ والحكم الواقعي، فلا وجه حينئذ للإجزاء لأنّ حجّية القطع ذاتي وبحكم العقل، ولا معنى للإطلاق وعدمه فيه.

الأمر الخامس: ذهب صاحب الفصول إلى التفصيل بين المتعلّقات والأحكام في المقام، فقال بالإجزاء في المتعلّقات دون الأحكام، واستدلّ له باُمور: منها: أنّ واقعة واحدة ومتعلّقاً واحداً لا تتحمّل اجتهادين(18)، والظاهر أنّ مراده من المتعلّق هو متعلّق الحكم نظير ما مرّ من مثال فري الأوداج الأربعة أو إجراء عقد النكاح بالصيغة الفارسيّة.

وفيه: أنّه دعوى بلا دليل كما أشار إليه صاحب الكفاية في مبحث الاجتهاد والتقليد، فقال: «ولم يعلم وجه للتفصيل بينهما كما في الفصول وإنّ المتعلّقات لا تتحمّل اجتهادين

بخلاف الأحكام إلاّ حسبان أنّ الأحكام قابلة للتغيّر والتبدّل، بخلاف المتعلّقات والموضوعات، وأنت خبير بأنّ الواقع واحد فيهما وقد عيّن أوّلا بما ظهر خطأه ثانياً».

هذا تمام الكلام في المقام الثالث من مبحث الإجزاء.

المقام الرابع: في إجزاء الأوامر الظاهريّة العقليّة (الخياليّة):

ويتصوّر فيما إذا قطع بالأمر ثمّ انكشف خلافه فقطع مثلا بدخول وقت الصّلاة أو بجهة القبلة ثمّ انكشف الخلاف (هذا في الشبهات الموضوعيّة) أو قطع بوجود الإجماع على وجوب صلاة الجمعة ثمّ انكشف عدمه (هذا في الشبهات الحكمية) فيبحث في أنّه هل يكون قطعه هذا مجزياً عن الأعمال المأتي بها على طبقه أو لا؟

لا إشكال في عدم الإجزاء لأنّ جميع الوجوه المذكورة في إثبات الإجزاء فيما سبق لا يأتي شيء منها في المقام، أمّا ما اختاره صاحب الكفاية بالنسبة إلى خصوص الاُصول العمليّة من حكومة أدلّتها على الأوامر الواقعيّة (وقد مرّ كلامه في ابتداء المقام الثالث) فلأنّ المفروض في المقام أنّه لم يقم أصل على الحكم حتّى يكون دليله حاكماً مجزياً، وأمّا ما اخترناه من أنّ الإجزاء من اللوازم العرفيّة لأمر المولى فلأنّه لا أمر من ناحية المولى الشارع في المقام على حجّية القطع بل حجّيته ذاتيّة وبحكم العقل، وهكذا ما مرّ في تبدّل رأي المجتهد من أنّه لا إطلاق لأدلّة حجّية رأي المجتهد بالنسبة إلى الأعمال السابقة حيث إنّه أيضاً يتصوّر فيما إذا قامت أمارة أو أصل على الحجّية وكان لها إطلاق لفظي.

لكن مع ذلك كلّه يستثنى منها موارد تكون خارجة عنها خروجاً موضوعياً على نحو الإستثناء المنقطع:
منها: غير الاُمور الخمسة التي وردت في حديث لا تعاد، فلا إعادة فيه بمقتضى عقد المستثنى منه، فإذا حصل العلم بإتيان سورة الحمد مثلا ثمّ انكشف أنّه لم يأت بها لم تجب الإعادة، والوجه في خروجه موضوعاً أنّ سبب الإجزاء فيه إنّما هو الجهل بالواقع الذي يكون موضوع حديث لا تعاد (لا القطع بعدم الإتيان حتّى يكون إستثناء هذا المورد عن المقام استثناءً متّصلا) حيث إنّ مورد الحديث هو الجاهل بالموضوع جهلا مركّباً أو بسيطاً عن قصور وكذا الناسي.

وإن شئت قلت: جزئيّة الحمد إنّما هو في ظرف الالتفات والعلم فقط.

ومنها: ما إذا قام دليل خاصّ على حصول تمام مصلحة الواقع في الجاهل بالحكم أو حصول بعض المصلحة مع عدم كون الباقي قابلا للتدارك، كما إذا قطع بكون الواجب عليه هو الإتمام ثمّ انكشف أنّ عليه حكم المسافر، أو قطع بأنّ الوظيفة إتيان الصّلاة عن إخفات مع كون الواجب إتيانها جهراً، فإنّ الإجزاء في كليهما ثبت بأدلّة خاصّة، نعم إنّ الإجزاء فيهما أيضاً ليس من خصوصّيات القطع بالخلاف بل الشارع حكم به في مورد الجهل تعبّداً.

وإن شئت قلت: الشرطيّة إنّما هي في ظرف العلم فقط.

ومنها: ما إذا كان القطع مأخوذاً في موضوع الحكم كما أنّه كذلك في باب الطهارة والنجاسة، فإنّ الشرط للصّلاة هو العلم بالطهارة الظاهريّة أو الواقعيّة فلو قطع بطهارة ثوبه في الصّلاة فصلّى بالثوب النجس ثمّ علم بنجاسته لم تجب الإعادة، والسرّ فيه أنّ المعتبر ليس الطهارة الواقعيّة حتّى يتكلّم في أنّ الحكم الظاهري الشرعي الحاصل من الأمارات والاُصول أو الظاهري العقلي الحاصل من القطع هل يقوم مقام الواقع أو لا يقوم لأنّ الشرط أعمّ منهما، وأيّهما حصل كان الشرط حاصلا، فهو كالإتيان بالأوامر الواقعيّة كما هو حقّه.

تنبيه: الإجزاء ومسألة التصويب:

هل يوجب القول بالإجزاء مطلقاً أو في بعض الموارد التصويب المحال أو التصويب المجمع على بطلانه، أو لا؟

الإنصاف أنّه لا يوجب ذلك، لأنّ التصويب المحال (وهو ما نسب إلى الأشاعرة من أنّه لم

يجعل حكم في الشريعة المقدّسة قبل تأدية نظر المجتهد إلى شيء وإنّما يدور جعله مدار نظره ورأيه فهو يبحث ويجتهد عمّا لا يكون إلاّ تابعاً لنظره) أو التصويب المجمع على بطلانه (وهو المنسوب إلى المعتزلة، وحاصله أن يكون قيام الأمارة سبباً لتبدّل الحكم الواقعي إلى مؤدّاها لحصول مصلحة أو مفسدة في متعلّقه) لا دخل له بمسألة الإجزاء، لأنّ التصويب على كلّ حال هو إنكار الحكم الواقعي المشترك بين العالم والجاهل، والقول بالإجزاء لا يستلزم هذا الانكار، بل لازمه القول بوجود الحكم الواقعي المشترك، وهذا الحكم باق على مصالحه ومفاسده، أدّت إليه الأمارة أو لم تؤدّ، نعم لا يكون هذا الحكم فعليّاً في بعض الموارد، وهو ما إذا قامت الأمارة أو الاُصول على خلافه، وانكشاف الخلاف فيما بعد لا يوجب فعليته بعد أن لم يكن فعليّاً حين العمل به.

وإن شئت قلت: المباني في مسألة الإجزاء مختلفة، أمّا على المختار فقد عرفت أنّ العمدة في الإجزاء هو عدم شمول الاجتهاد اللاحق للقضايا السابقة لعدم إطلاق في أدلّة حجّيتها، وأين هذا من مسألة التصويب.

وأمّا على مبنى صاحب الكفاية ومن تبعه فلأنّهم يرون أن أدلّة بعض الاُصول توجب التوسعة في مفاد أدلّة الشرائط والإجزاء، ومع توسعة الحكم الواقعي يكون العمل مطابقاً له بلا زيادة ولا نقصان، وأين هذا من التصويب لأنّه ليس هنا إلاّ حكم واحد قد عمل به المكلّف لا حكمان، أحدهما واقعي والآخر ظاهري، بل الإنصاف أنّه لا دخل لهذا القول بمسألة الإجزاء في الأحكام الظاهريّة فإنّ الحكم هنا واقعي بعد توسعة مفاده.

نعم، لو قيل بالإجزاء من ناحية القول بالسببية ـ أي سببية قيام الأمارة لتحقّق المصلحة التي تفوق على مصلحة الواقع ـ كان بين المسألتين ربط قوىْ، ولكن القول بالسببية بهذا المعنى مطروح ممنوع من ناحية المحقّقين من أصحابنا.

هذا بالنسبة إلى ربط المسألتين ـ مسألتي الإجزاء والتصويب ـ وأمّا الكلام في أصل مسألة التصويب والأقوال الموجودة فيها وأقسامها وأدلّة القائلين بها ونقد آرائهم فسيأتي الكلام فيها مستوفاً إن شاء الله في محلّه من الاجتهاد والتقليد في آخر مباحث الاُصول...

_________________

1. تهذيب الاُصول: ج1، ص136 و137، طبع مهر.

2. وسائل الشيعة: ج 9، الباب 3 من أبواب كفّارات الاستمتاع، ح 9.

3. راجع فوائد الاُصول: ج1، ص242.

4. راجع المحاضرات: ج2، ص225.

5. وسائل الشيعة: الباب 54 من أبواب صلاة الجماعة، ح10.

6. راجع نهاية الأفكار: ج1، ص224 ـ 225، طبع جماعة المدرّسين.

7. وسائل الشيعة: الباب 8 من أبواب صلاة الكسوف، ح 1.

8. وسائل الشيعة: الباب 54 من أبواب صلاة الجماعة، ح 11.

9. التهذيب: ج1، باب التيمّم وأحكامه.

10. نفس المصدر.

11. المحاضرات: ج2، ص235.

12. فوائد الاُصول: ج1، ص244.

13. أجود التقريرات: ج1، ص198 ـ 199.

14. تهذيب الاُصول: ج1، ص146 ـ 147، طبع مهر.

15. نهاية الاُصول: ص129.

16. نهاية الاُصول: ص127.

17. راجع المحاضرات: ج2، ص266 ـ 272.

18. راجع الفصول فصل رجوع المجتهد عن الفتوى، ص409، والكفاية: ج2، ص433، الطبع القديم، حاشية المشكيني حيث نقل ملخّص أدلّة الفصول على مدّعاه.




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.