أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-8-2016
578
التاريخ: 2-9-2016
589
التاريخ: 10-8-2016
712
التاريخ: 10-8-2016
696
|
تمهيد:
قد تعلم أن أخاك الاكبر قد سافر إلى مكة، وقد تشك في سفره لكنك تعلم على أي حال أن أحد أخويك الاكبر أو الاصغر قد سافر فعلا إلى مكة، وقد تشك في سفرهما معا ولا تدري هل سافر واحد منهما إلى مكة أو لا؟.
فهذه حالات ثلاث، ويطلق على الحالة الاولى اسم العلم التفصيلي لأنك في الحالة الاولى تعلم أن أخاك الاكبر قد سافر إلى مكة، وليس لديك في هذه الحقيقة أي تردد أو غموض، فلهذا كان العلم تفصيليا. ويطلق على الحالة الثانية اسم العلم الاجمالي ، لأنك في هذه الحالة تجد في نفسك عنصرين مزدوجين: أحدهما عنصر الوضوح، والآخر عنصر الخفاء، فعنصر الوضوح يتمثل في علمك بأن أحد أخويك قد سافر فعلا، فأنت لا تشك في هذه الحقيقة، وعنصر الخفاء والغموض يتمثل في شكك وترددك في تعيين هذا الاخ، لأنك لا تدري أن المسافر هل هو أخوك الاكبر أو الاصغر، ولهذا تسمى هذه الحالة ب العلم الاجمالي ، فهي علم لأنك لا تشك في سفر أحد أخويك، وهي إجمال وشك لأنك لا تدري أي أخويك قد سافر. ويسمى كل من سفر الاخ الاكبر وسفر الاصغر طرفا للعلم الاجمالي، لأنك تعلم أن أحدهما لا على سبيل التعيين قد وقع بالفعل. وأفضل صيغة لغوية تمثل هيكل العلم الاجمالي ومحتواه النفسي بكلا عنصريه هي " إما وإما " إذ تقول في المثال المتقدم: سافر إما أخي الاكبر وإما أخي الاصغر فإن جانب الاثبات في هذه الصيغة يمثل عنصر الوضوح والعلم، وجانب التردد الذي تصوره كلمة " إما " يمثل عنصر الخفاء والشك وكلما أمكن استخدام صيغة من هذا القبيل دل ذلك على وجود علم إجمالي في نفوسنا. ويطلق على الحالة الثالثة اسم الشك الابتدائي أو البدوي أو الساذج ، وهو شك محض غير ممتزج بأي لون من العلم، ويسمى بالشك الابتدائي أو البدوي تمييزا له عن الشك في طرف العلم الاجمالي، لان الشك في طرف العلم الاجمالي يوجد نتيجة للعلم نفسه، فأنت تشك في أن المسافر هل هو أخوك الاكبر أو أخوك الاصغر نتيجة لعلمك بأن أحدهم لا على التعيين قد سافر حتما، وأما الشك في الحالة الثالثة فيوجد بصورة ابتدائية دون علم مسبق.
وهذا الحالات الثلاث توجد في نفوسنا تجاه الحكم الشرعي، فوجوب صلاة الصبح معلوما تفصيلا، ووجوب صلاة الظهر في يوم الجمعة مشكوك شكا ناتجا عن العلم الاجمالي بوجوب الظهر أو الجمعة في ذلك اليوم، ووجوب صلاة العيد مشكوك ابتدائي غير مقترن بالعلم الاجمالي. وهذه الامثلة كلها من الشبهة الحكمية، وأما أمثلة الحالات الثلاث من الشبهة الموضوعية فيمكن توضيحها في الماء ، فأنت إذا رأيت قطرة من دم تقع في كأس من ماء تعلم علما تفصيليا بنجاسة ذلك الماء، وأما إذا رأيت القطرة تقع في أحد كأسين ولم تستطع أن تميز الكأس الذي وقعت فيه بالضبط فينشأ لديك علم إجمالي بنجاسة أحد الكأسين ويصبح كل واحد منهما طرفا للعلم الاجمالي، وقد لا تكون متأكد من أن هناك قطرة دم لا في هذا الكأس ولا في ذاك، فيكون الشك في النجاسة عندئذ شك ابتدائيا ساذجا. ونحن في حديثنا عن القاعدة العملية الثانوية التي قبلت القاعدة العملية الاساسية كنا نتحدث عن الحالة الثالثة، أي حالة الشك الساذج الذي لم يقترن بالعلم الاجمالي. والآن ندرس حالة الشك الناتج عن العلم الاجمالي، أي الشك في الحالة الثانية من الحالات الثلاث السابقة، وهذا يعني أننا درسنا الشك بصورته الساذجة وندرسه الآن بعد أن نضيف إليه عنصرا جديدا وهو العلم الاجمالي، فهل تجري فيه القاعدة العملية الثانوية كما كانت تجري في موارد الشك الساذج أو لا؟.
منجزية العلم الاجمالي:
وعلى ضوء ما سبق يمكننا تحليل العلم الاجمالي إلى علم بأحد الامرين وشك في هذا وشك في ذاك. ففي يوم الجمعة نعلم بوجوب أحد الامرين
صلاة الظهر أو صلاة الجمعة ، ونشك في وجوب الظهر كما نشك في وجوب الجمعة، والعلم بوجوب أحد الامرين بوصفه علما يشمله مبدأ حجية العلم الذي درسناه في بحث سابق، فلا يسمح لنا العقل لأجل ذلك بترك الامرين معا الظهر والجمعة، لأننا لو تركناهما معا لخالفنا علمنا بوجوب أحد الامرين، والعلم حجة عقلا في جميع الاحوال سواء كان إجماليا أو تفصيليا. ويؤمن الرأي الاصولي السائد في مورد العلم الاجمالي لا بثبوت الحجية للعلم بأحد الامرين فحسب بل يؤمن أيضا بعدم إمكان إنتزاع هذه الحجية منه واستحالة ترخيص الشارع في مخالفته بترك الامرين معا، كما لا يمكن للشارع أن ينتزع الحجية من العلم التفصيلي ويرخص في مخالفته وفقا للمبدأ الاصولي المتقدم الذكر في بحث حجية القطع القائل باستحالة صدور الدرع من الشارع عن القطع. وأما كل واحد من طرفي العلم الاجمالي أي وجوب الظهر بمفرده ووجوب الجمعة بمفرده فهو تكليف مشكوك وليس معلوما.
وقد يبدو لأول وهلة أن بالإمكان أن تشمله القاعدة العملية الثانوية، أي أصالة البراءة النافية للاحتياط في التكاليف المشكوكة، لان كل واحد من الطرفين تكليف مشكوك. ولكن الرأي السائد في علم الاصول يقول بعدم إمكان شمول القاعدة العملية الثانوية لطرف العلم الاجمالي، بدليل أن شمولها لكلا الطرفين معا يؤدي إلى براءة الذمة من الظهر والجمعة وجواز تركهما معا، وهذا يتعارض مع حجية العلم بوجوب أحد الامرين، لان حجية هذا العلم تفرض علينا أن تأتي بأحد الامرين على أقل تقدير.
فلو حكم الشارع بالبراءة في كل من الطرفين لكان معنى ذلك الترخيص منه في مخالفة العلم، وقد مر بنا أن الرأي الاصولي السائد يؤمن باستحالة ترخيص الشارع في مخالفة العلم ولو كان إجماليا وعدم إمكان انتزاع الحجية منه. وشمول القاعدة لاحد الطرفين دون الآخر وإن لم يؤد إلى الترخيص في ترك الامرين معا لكنه غير ممكن أيضا، لأننا نتسأل حينئذ أي الطرفين نفترض شول القاعدة له ونرجحه على الآخر، وسوف نجد أنا لا نملك مبررا لترجيح أي من الطرفين على الآخر، لان صلة القاعدة بهما واحدة. وهكذا ينتج عن هذا الاستدلال القول بعدم شمول القاعدة العملية الثانوية أصالة البراءة لأي واحد من الطرفين، ويعني هذا أن كل طرف من أطراف العلم الاجمالي يظل مندرجا ضمن نطاق القاعدة العملية الاساسية القائلة بالاحتياط ما دامت القاعدة الثانوية عاجزة عن شموله. وعلى هذا الاساس ندرك الفرق بين الشك الابتدائي والشك الناتج عن العلم الاجمالي، فالاول يدخل في نطاق القاعدة الثانوية وهي أصالة البراءة والثاني يدخل في نطاق القاعدة الاولية وهي أصالة الاحتياط. وفي ضوء ذلك نعرف أن الواجب علينا عقلا في موارد العلم الاجمالي هو الاتيان بكل الطرفين أي الظهر والجمعة في المثال السابق، لان كلا منهما داخل في نطاق أصالة الاحتياط. ويطلق في علم الاصول على الاتيان بالطرفين مع الموافقة القطعية ، لان المكلف عند إتيانه بهما معا يقطع بأنه وافق تكليف المولى، كما يطلق على ترك الطرفين معا اسم المخالفة القطعية . وأما الاتيان بأحدهما وترك الآخر فيطلق عليهما اسم الموافقة الاحتمالية و المخالفة الاحتمالية لان المكلف في هذه الحالة يحتمل أنه وافق تكليف المولى ويحتمل أنه خالفه.
انحلال العلم الاجمالي:
إذا وجدت كأسين من ماء قد يكون كلاهما نجسا وقد يكون أحدهم نجسا فقط ولكنك تعلم على أي حال بأنهما ليسا طاهرين معا، فينشأ في نفسك علم إجمالي بنجاسة أحد الكأسين لا على سبيل التعيين. فإذا اتفق لك بعد ذلك أن اكتشفت نجاسة في أحد الكأسين وعلمت أن هذا الكأس المعين نجس، فسوف يزول في رأي كثير من الاصوليين علمك الاجمالي بسبب هذا العلم التفصيلي، لأنك الآن بعد اكتشافك نجاسة ذلك الكأس المعين لا تعلم إجمالا بنجاسة أحد الكأسين لا على سبيل التعيين، بل تعلم بنجاسة ذلك الكأس المعين علما تفصيليا وتشك في نجاسة الآخر.
ولأجل هذا لا تستطيع أن تستعمل الصيغة اللغوية التي تعبر عن العلم الاجمالي " إما وإما " فلا يمكنك أن تقول: إما هذا نجس أو ذاك ، بل هذا نجس جزما وداك لا تدري بنجاسته.
ويعبر عن ذلك في العرف الاصولي ب انحلال العلم الاجمالي إلى العلم التفصيلي بأحد الطرفين والشك البدوي في الآخر لان نجاسة ذلك الكأس المعين أصبحت معلومة بالتفصيل ونجاسة الآخر أصبحت مشكوكة شكا ابتدائيا بعد أن زال العلم الاجمالي، فيأخذ العلم التفصيلي مفعوله من الحجية وتجري بالنسبة إلى الشك الابتدائي أصالة البراءة، أي القاعدة العملية الثانوية التي تجري في جميع موارد الشك الابتدائي.
موارد التردد:
عرفنا أن الشك إذ كان ابتدائيا حكمت فيه القاعدة العملية الثانوية القائلة بأصالة البراءة، وإذا كان مقترنا بالعلم الاجمالي حكمت فيه القاعدة العملية الاولية.
وقد يخفى أحيانا نوع الشك فلا يعلم أهو من الشك الابتدائي أو من الشك المقترن بالعلم الاجمالي أو الناتج عنه بتعبير آخر؟ ومن هذا القبيل مسألة دوران الامر بين الاقل والاكثر كما يسميها الاصوليون، وهي أن يتعلق وجوب شرعي بعملية مركبة من أجزاء كالصلاة ونعلم باشتمال العملية على تسعة أجزاء معينة ونشك في اشتمالها على جزء عاشر ولا يوجد دليل يثبت أو ينفي، ففي هذه الحالة يحاول الفقيه أن يحدد الموقف العملي فيتسأل هل يجب الاحتياط على المكلف فيأتي بالتسعة ويضيف إليها هذا العاشر الذي يحتمل دخوله في نطاق الواجب لكي كون مؤديا للواجب على كل تقدير؟ أو يكفيه الاتيان بالتسعة التي يعلم بوجوبها ولا يطالب بالعاشر المجهول وجوبه؟. وللأصوليين جوابان مختلفان على هذا السؤال يمثل كل منهما اتجاها في تفسير الموقف، فأحد الاتجاهين يقول بوجوب الاحتياط تطبيقا للقاعدة العملية الاولية، لان الشك في العاشر مقترن بالعلم الاجمالي، وهذا العلم الاجمالي هو علم المكلف بأن الشارع أوجب مركبا ما ولا يدري أهو المركب من تسعة أو المركب من عشرة أي من تلك التسعة بإضافة واحد؟. والاتجاه الآخر يطبق على الشك في وجوب العاشر القاعدة العملية الثانوية بوصفه شكا ابتدائي غير مقترن بالعلم الاجمالي، لان ذلك العلم الاجمالي الذي يزعمه أصحاب الاتجاه الاول منحل بعلم تفصيلي، وهو علم المكلف بوجوب التسعة على أي حال، لأنها واجبة سواء كان معها جزء عاشر أولا، فهذا العلم التفصيلي يؤدي إلى انحلال ذلك العلم الاجمالي، ولهذا لا يمكن أن نستعمل الصيغة اللغوية التي تعبر عن العلم الاجمالي، فلا يمكن القول بأنا نعلم إما بوجوب التسعة أو بوجوب العشرة، بل نحن نعلم بوجوب التسعة على أي حال ونشك في وجوب العاشر. وهكذا يصبح الشك في وجوب العاشر شكا ابتدائيا بعد انحلال العلم الاجمالي فتجري البراءة. والصحيح هو القول بالبراءة من غير الاجزاء المعلومة من الاشياء التي يشك في دخوله ضمن نطاق الواجب تبعا لتفصيلات لا مجال للتوسع فيها.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|