المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8456 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
Bronchiectasis
2025-01-13
ما ورد في شأن موسى (عليه السّلام) / القسم الأول
2025-01-13
مواعيد زراعة الفول الرومي
2025-01-13
طرق تكاثر وزراعة الفول الرومي
2025-01-13
Mediators of Inflammation and the Interferons
2025-01-13
Formation of Bone
2025-01-13

أجهزة المسح الخاصة بجسيمات α
27-1-2022
فضل سورة سبأ وخواصها
3-05-2015
أنس بن النضر
25-1-2023
هل كان النبي [صلى الله عليه وآله] قبل بعثته يملك المعارف الإلهية التي كان يملكها بعد بعثته؟
2024-06-29
معنى لفظة إذ‌
25-1-2016
تنظيم دورة الخلية
11-10-2017


العلم الإجمالي  
  
789   11:47 صباحاً   التاريخ: 2-9-2016
المؤلف : ناصر مكارم الشيرازي
الكتاب أو المصدر : أنوَار الاُصُول
الجزء والصفحة : ج 2 ص 259-263.
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / تعاريف ومفاهيم ومسائل اصولية /

[البحث في]... العلم الإجمالي وأنّه ما هو حكمه ؟ فهل يترتّب عليه جميع آثار العلم التفصيلي أو لا؟ وبعبارة اُخرى: كان العلم التفصيلي حجّة في مقامين، مقام التنجّز ومقام الامتثال، فيقع البحث في العلم الإجمالي أيضاً في مقامين:

الأوّل: في إثبات التكليف وتنجّزه به، فهل يجب موافقته ويحرم مخالفته قطعاً أو احتمالا، أو لا؟

والثاني: في أنّه هل يجوز الاكتفاء به في مقام الامتثال وإسقاط التكليف كما إذا صلّى الإنسان إلى أربع جهات مع كونه قادراً على تعيين القبلة تفصيلا؟

ولا بدّ قبل الورود في البحث من الإشارة إلى نكتة، وهي أنّه لماذا يبحث عن العلم الإجمالي في موضعين من الاُصول: مباحث القطع، ومبحث الاشتغال؟

ذهب المحقّق الخراساني (رحمه الله) في مقام بيان الفارق بين المقامين إلى أنّ البحث هنا بحث عن المقتضى، أي هل العلم الإجمالي مقتض لإثبات الحكم أو لإسقاط التكليف كالعلم التفصيلي أو لا؟ وهناك يبحث عن المانع، أي: هل يمنع مانع عن حجّية العلم الإجمالي في مقامين، أو لا؟

وأمّا شيخنا الأعظم (رحمه الله) فقد فرّق بين البابين بوجه آخر، وهو أنّ البحث هنا بحث في حرمة المخالفة القطعيّة، وهناك بحث في وجوب الموافقة القطعيّة.

ونحن نقول: لا يمكن القناعة بهذا المقدار من الفرق والتفاوت مع أنّ أدلّة المسألتين مرتبطتان، فلا وجه لتقطيع البحث والتكلّم هنا عن المقتضى وهناك عن وجود المانع، أو يبحث هنا عن حرمة المخالفة وهناك عن وجوب الموافقة.

بل الحقّ أنّ العلم الإجمالي يناسب كلا البابين، لأنّ ماهيّته علم مختلط بالشكّ، فهو من جهة شكّ يمكن أن يترتّب عليه آثار الشكّ، ومن جهة اُخرى علم يمكن أن يترتّب عليه آثار العلم، فيناسب أن يبحث عنه في مباحث القطع لجهة كونه علماً وفي مباحث الشكّ لاختلاطه بالشكّ، نعم حيث إنّه لا وجه للبحث التفصيلي عنه في كلا الموضعين يبحث عنه هنا إجمالا وهناك تفصيلا.

إذا عرفت هذا فلنشرع في البحث عن المقامين:

أمّا المقام الأوّل: في تنجّز العلم الإجمالي وعدمه:

وهو البحث عن تنجّز العلم الإجمالي ففيه أقوال أربعة:

الأوّل: ما ذهب إليه المحقّق الخراساني (رحمه الله) في المقام (مباحث القطع) من أنّ العلم الإجمالي خلافاً للعلم التفصيلي مقتض للتنجّز بالنسبة إلى حرمة المخالفة القطعيّة ووجوب الموافقة القطعيّة معاً وليس علّة تامّة لواحد منهما.

الثاني: ما ذهب إليه أيضاً المحقّق الخراساني (رحمه الله) لكن في مبحث الاشتغال وهو أنّه علّة تامّة لكلّ واحد من حرمة المخالفة القطعيّة ووجوب الموافقة القطعيّة، ولكن ألاّ يؤدّي هذا إلى التناقض في كلامه (قدس سره) أو لا؟ فسيأتي إن شاء الله في مبحث الاشتغال بيانه وتوجيه كلامه.

الثالث: ما اختاره الشيخ الأعظم (رحمه الله) من كونه علّة تامّة بالنسبة إلى حرمة المخالفة القطعيّة ومقتضياً بالنسبة إلى وجوب الموافقة القطعيّة.

الرابع: ما نسب إلى المحقّق الميرزا القمّي(رحمه الله) من أنّه مقتضي بالنسبة إلى حرمة المخالفة القطعيّة، وأمّا بالنسبة إلى وجوب الموافقة القطعيّة، فليس بعلّة تامّة ولا مقتضياً.

أمّا القول الأوّل: فاستدلّ له بأنّه فرق بين العلم التفصيلي والعلم الإجمالي حيث إنّ الأوّل كشف تامّ بالنسبة إلى متعلّقه، ولذا لا مجال فيه لصدور حكم ظاهري بالترخيص ولا يمكن مخالفته، بخلاف العلم الإجمالي لأنّه مخلوط بالشكّ، فيمكن للشارع الترخيص في المخالفة الاحتماليّة بل في المخالفة القطعيّة أيضاً لمكان الشكّ.

إن قلت: العلم على كلّ حال لا يجتمع مع الترخيص ومانع عنه.

وقد أجاب عنه بجوابين:

أحدهما: بالنقض بجواز الترخيص في أطراف الشبهة غير المحصورة كما قام عليه الإجماع، وهكذا في الشبهات البدويّة، لأنّ احتمال التناقض واجتماع النقيضين محال كاليقين به.

والثاني: بالحلّ وأنّ هنا حكمين: أحدهما: في مرحلة الإنشاء، والآخر: في مرحلة الفعليّة، ولا تنافي بين المرحلتين، وبعبارة اُخرى: الترخيص حكم ظاهري والمعلوم بالإجمال حكم واقعي، ولا منافاة بين الحكم الواقعي والظاهري كما سوف يأتي في محلّه إن شاء الله.

أقول: يمكن توجيه ما اختاره الشيخ (رحمه الله) وتقويته (أي تقوية أنّ العلم الإجمالي علّة تامّة بالنسبة إلى حرمة المخالفة القطعيّة لكنّه مقتض بالنسبة إلى الموافقة القطعيّة) بأنّ الحكم الظاهري وإن كان موضوعه الشكّ ولذا لا منافاة بينه وبين الحكم الواقعي لكن متعلّق الشكّ في العلم الإجمالي إنّما هو خصوص أحد الطرفين لا كليهما.

وبعبارة اُخرى: أنّ قوله «كلّ شيء لك حلال حتّى تعلم أنّه حرام» وإن كان يشمل كلا من الطرفين لكن مجموع الطرفين من حيث المجموع داخل في الغاية، أي قوله: «حتّى تعلم أنّه حرام» وإن شئت قلت: ظهور الذيل مانع عن انعقاد الإطلاق في صدره وشموله لموارد العلم الإجمالي.

إن قلت: فكيف تحكم بالجواز في الشبهة غير المحصورة؟ قلت: جواز إرتكاب الجميع فيها أيضاً أوّل الكلام، فلا يجوز فيها إرتكاب جميع الأطراف والمخالفة القطعيّة، ولذا عدّ بعضهم من ضوابطها أن لا تكون جميع الأطراف قابلة للإرتكاب، هذا أوّلا.

ثانياً: أنّه يمكن أن يقال: إنّ احتمال انطباق العمل بالحرام الواقعي في الشبهة المحصورة ضعيف جدّاً بحيث يعدّ عند العرف كالعدم، وحينئذ لا تنجّز للعلم الإجمالي الموجود فيها،

فقياس المقام بها مع الفارق، فتأمّل.

فظهر ممّا ذكرنا أنّه لا يجوز الترخيص في المخالفة القطعيّة ويكون العلم الإجمالي علّة تامّة لحرمة المخالفة القطعيّة وإن لم تكن الموافقة القطعيّة واجبة وجازت المخالفة الاحتماليّة.

نعم، يستثنى منها موردان يجوز للشارع الترخيص فيهما:

الأول: ما إذا كان القطع الإجمالي موضوعياً فيمكن للشارع أن يقيّد القطع الذي يأخذه في موضوع الحكم بقيد التفصيلي بلا إشكال، لكنّه خارج عن محلّ البحث لأنّ البحث هنا في القطع الطريقي المحض.

الثاني: إذا صادف الحكم أحد موانع الفعلية كالعسر والحرج، ويؤدّي الاحتياط وتنجيز العلم الإجمالي للحفاظ على الحكم الواقعي إلى العسر والحرج، لكنّه لا يختصّ بموارد العلم الإجمالي بل أنّه جار في موارد العلم التفصيلي أيضاً.

لكن لتهذيب الاُصول في المقام كلام، وهو أنّ البحث في المقام عن القطع الوجداني بالتكليف الفعلي الذي لا يحتمل الخلاف ويعلم بعدم رضا المولى بتركه لكن اشتبه متعلّق التكليف بحسب المصداق أو غيره، كما أنّ البحث في باب الاشتغال إنّما هو عن العلم بالحجّة المحتمل صدقها وكذبها كإطلاق دليل حرمة الخمر الشامل لصورتي العلم بالتفصيل والإجمال، وعلى ذلك فلا شكّ أنّ العلم والقطع الوجداني بالتكليف علّة تامّة لحرمة المخالفة ووجوب الموافقة القعطيّين ولا يجوز الترخيص في بعض أطرافه فضلا عن جميعه إذ الترخيص كلا أو بعضاً ينافي بالضرورة مع ذاك العلم الوجداني، فإنّ الترخيص في تمام الأطراف يوجب التناقض بين الإرادتين في نفس المولى، كما أنّ الترخيص في بعضها يناقض ذاك العلم في صورة المصادفة ... (إلى أن قال): وممّا ذكر يظهر حال الأقوال المذكورة في الباب، فإنّ كلّ ذلك ناش عن خلط ما هو مصبّ البحث مع ما هو مصبّه في باب الاشتغال»(1).

أقول يرد عليه:

أوّلا: أنّه كيف يكون مصبّ البحث هنا هو العلم الوجداني بالتكليف الواقعي وهناك العلم بالحجّة والحكم الظاهري مع أنّا لم نجد أحداً يلتزم بهذا الفرق؟ والأمثلة في المسألتين واحدة كأدلّتهما، إلاّ أن يقال: يدلّ على كون مصبّ البحث هنا العلم الوجداني قياسه بالعلم التفصيلي، فلا شكّ في أنّ المقصود منه هو العلم التفصيلي الوجداني، ولذلك يقال بأنّه حجّة ذاتاً ولا تناله يد الجعل.

اللهمّ أن يقال: إنّ هذا لا يمنع عن كون البحث عاماً في مبحث الاشتغال كما هو ظاهر كلماتهم، وحينئذ يكون بين المسألتين عموم مطلق فلا يبقى وجه أيضاً للتكرار.

ثانياً: لو كان المعلوم بالإجمال هو الحكم الفعلي من جميع الجهات الذي لا يرضى المولى بتركه، فكيف وقع البحث عن كونه علّة تامّة للحكم وعدمه وعن أنّه هل يكون الحكم فعلياً أو لا؟ وإن هو إلاّ كالقضايا الضروريّة بشرط محمولاتها.

ثالثاً: كيف يحصل العلم الوجداني بالحكم مع أنّ الطرق الموجودة عندنا إطلاقات وعمومات التي هي طرق ظنّية توجب العلم بالحجّة لا العلم الوجداني.

وإن شئت قلت: جعل مصبّ البحث هنا العلم الوجداني يستلزم أن يكون البحث هنا بحثاً عن شيء تكون مصاديقه نادرة.

هذا كلّه في أنّ العلم الإجمالي هل هو علّة تامّة لتنجّز التكليف أو يكون مقتضياً له؟ وقد اخترنا كونه علّة تامّة بالنسبة إلى حرمة المخالفة القطعيّة ومقتضياً بالنسبة إلى وجوب الموافقة القطعيّة كما اختاره الشيخ الأعظم (رحمه الله).

ثمّ إنّه بعد كونه مقتضياً لحرمة المخالفة الاحتماليّة أو وجوب الموافقة القطعيّة، فهل يوجد مانع عنه من قبيل عموم قوله (عليه السلام) «كلّ شيء لك حلال حتّى تعلم أنّه حرام» أو من قبيل أدلّة خاصّة تدلّ على وجود المانع، أو لا؟ فسيأتي البحث عنه في باب الاشتغال إن شاء الله تعالى.

أمّا المقام الثاني : في كفاية العلم الإجمالي في مقام الامتثال وعدمه:

وهو البحث عن كفاية العلم الإجمالي في مقام الامتثال وعدمه فهو ما تعرّضوا له في مباحث الاجتهاد والتقليد وأنّ الناس على ثلاثة أصناف: مجتهد ومقلّد ومحتاط، فهل يمكن العمل بالاحتياط مع إمكان الاجتهاد أو التقليد أو لا؟ وهو تارةً يتصوّر في الشبهة الموضوعيّة كالإتيان بأربع صلوات إلى الجهات الأربعة، واُخرى في الشبهة الحكميّة كما إذا علم إجمالا بأنّ الواجب عليه يوم الجمعة أمّا صلاة الظهر أو صلاة الجمعة، ومحلّ الكلام ما إذا قدر على تحصيل العلم التفصيلي، وإلاّ فلا ريب في تعيّن الاحتياط وكفاية الامتثال الإجمالي.

ويتصوّر للمسألة أيضاً أربع صور (والمهمّ منها هو الصورة الرابعة)، لأنّ المعلوم بالإجمال تارةً يكون من التوصّليات، واُخرى من التعبّديات، وفي كلّ منهما تارةً يكون الامتثال الإجمالي مستلزماً للتكرار، واُخرى لا يكون.

أمّا التوصّليات فلا إشكال ولا كلام في كفاية العلم الإجمالي فيها في مقام الامتثال، سواء استلزم التكرار أو لم يستلزم، وهكذا في التعبّديات إذا لم يستلزم التكرار كما إذا شككنا في جزئيّة السورة.

إنّما البحث والإشكال في العبادات إذا استلزم الامتثال الإجمالي فيها التكرار كمثال الصّلاة في أربع جهات، فأجازه قوم ومنعه آخرون، واستدلّ المانعون بوجوه متفرّقة في كتبهم يمكن جمعها وتلخيصها في ثمانية:

الوجه الأوّل: الإجماع بإحدى الصور التالية:

الاُولى: الإجماع قولا على المنع في خصوص ما إذا استلزم التكرار في العبادات، أي في خصوص محلّ النزاع.

الثانية: الإجماع قولا على المنع مطلقاً، استلزم التكرار أو لم يستلزم.

الثالثة: الإجماع عملا في خصوص العبادات، والمقصود منه أنّ سيرة علماء السلف استقرّت على عدم تكرار العبادة.

الوجه الثاني: أصالة الاشتغال، فإنّه إذا شككنا في حصول الامتثال وبراءة الذمّة مع ترك العلم التفصيلي فالاشتغال اليقيني يقتضي البراءة اليقينيّة.

الوجه الثالث: أنّه يوجب اللعب بأمر المولى خصوصاً فيما إذا تداخل علمان إجماليّان أو أكثر في مورد واحد، كما إذا أراد أن يصلّي كلّ واحد من صلاة الظهر وصلاة الجمعة في أربع جهات للحصول على القبلة وفي أثواب متعدّدة، للعلم إجمالا بطهارة واحد منها بحيث يوجب الإتيان بصلوات كثيرة بدل صلاة واحدة.

الوجه الرابع: لزوم الاخلال بقصد الوجه.

الوجه الخامس: لزوم الاخلال بقصد التمييز فلا يمكن أن يأتي بصلاة الظهر بقصد أنّها هي المأمور بها متميّزة عن غيرها.

الوجه السادس: أدلّة وجوب تحصيل العلم كقوله تعالى {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ } وقوله (صلى الله عليه وآله): طلب العلم فريضة على كلّ مسلم» فإنّها ظاهرة في الوجوب التعييني فلا يجوز العمل بالاحتياط.

الوجه السابع: ظاهر أدلّة حجّية الأمارات والطرق فإنّ ظاهرها هو الوجوب التعييني أيضاً لا التخيير بين العمل بمفادها وبين الاحتياط.

الوجه الثامن: ما أفاده المحقّق النائيني (رحمه الله) في المقام ملخّصه: أنّ الإطاعة هي الانبعاث عن بعث المولى والتحرّك عن تحريكه خارجاً وهو لا يتحقّق مع الامتثال الإجمالي، بداهة أنّ المحرّك لخصوص صلاة الظهر أو الجمعة يستحيل أن يكون هو إرادة المولى وبعثه، فإنّ المفروض الشكّ في تعلّقها بكلّ منها بل المحرّك هو احتمال تعلّق الإرادة بكلّ منهما، ومع التمكّن من التحرّك عن نفس الإرادة يستقلّ العقل بعدم حسن التحرّك عن احتمالها، فإنّ مرتبة الأثر متأخّرة عن مرتبة العين (المقصود من العين هو نفس الإرادة ومن الأثر احتمالها) فكلّ ما أمكن التحرّك عن نفس الإرادة في مقام الإطاعة فلا حسن في التحرّك عن احتمالها»(2).

فملخّص كلامه استقلال العقل بعدم حسن التحرّك عن احتمال الإرادة الموجود في الامتثال الإجمالي في المقام.

هذا ـ والحقّ هو جواز العمل بالاحتياط وإن استلزم التكرار كما عليه أكثر المتأخّرين والمعاصرين، ولا يتمّ أحد هذه الوجوه.

أمّا الإجماع فجوابه واضح، لأنّ استناد المجمعين إلى الأدلّة السابقة محتمل أو معلوم فلا يكشف عن قول المعصوم.

وأمّا أصالة الاشتغال فلأنّ الأصل الجاري في المقام هو البراءة لا الاشتغال لأنّ الشكّ هنا يرجع إلى الشكّ في الشرطيّة أو الجزئيّة حيث يشكّ في اعتبار قيد عدم تكرار العمل، وهو قيد أو شرط زائداً على الشروط والأجزاء المتيقّنة تفصيلا، فينحلّ العلم الإجمالي إلى العلم التفصيلي بسائر الأجزاء والشرائط والشكّ البدوي في القيد المذكور، ولا ريب في أنّه مجرى  لأصالة البراءة لا الاشتغال، والاشتغال مصبّه غير ذلك، وهو ما إذا كان أصل المأمور به معلوماً وشكّ في وجوده خارجاً.

قال المحقّق النائيني (رحمه الله) هنا ما حاصله: أنّ أدلّة أصل البراءة كحديث الرفع جار فيما كان وضعه ورفعه بيد الشارع ويكون قاصراً عن الشمول لما يتحمّل اعتباره في الطاعة عقلا كما في المقام، حيث إن الشكّ فيه راجع إلى اعتبار أمر في الطاعة العقليّة، ضرورة أنّ حسن الاحتياط من الأحكام التي يستقلّ العقل بها، فمع الشكّ في تحقّقه لا يمكن التمسّك بحديث الرفع(3).

أقول: إن كان حسن الاحتياط في المقام من المستقلاّت العقليّة فلا معنى للشكّ فيه، لأنّ لاعقل لا يشكّ في حكم نفسه، فإمّا أن يحكم بكفاية الامتثال الإجمالي أو يحكم بعدمها، ولا تردّد له فيه، وحينئذ فلو كان هناك شكّ كان شكّاً في حكم الشرع، أي شكّاً في الجزئيّة أو الشرطيّة الشرعيّة فيرجع إلى الأقلّ والأكثر الإرتباطيين الذي يكون مجرى لأصل البراءة.

وأمّا الدليل الثالث وهو لزوم اللعب بأمر المولى فاُجيب عنه بجوابين:

أحدهما: أنّ التكرار لا يعدّ لعباً بأمر المولى إذا نشأ من دواع عقلائيّة.

ثانيهما: سلّمنا ذلك، ولكنّه لعب في كيفية الإطاعة لا في أصلها، واللعب في كيفية العمل لا يوجب بطلان أصله.

لكن الإنصاف أنّ هذا الجواب غير تامّ، لأنّ كيفية العمل ليست منفكّة عن أصل العمل بل هي متّحدة معه عرفاً.

وللمحقّق الإصفهاني(رحمه الله) هنا كلام وإليك نصّه: «إنّ المانع إمّا عدم صدور العمل عن داع إلهي بل من غيره، أو التشريك في الداعي بحيث لا يكون الأمر مستقلا في الدعوة، أو تعنون الفعل بنفسه بعنوان اللعب، أو تعنون الفعل المأتي بداعي الأمر بعنوان اللعب، والكلّ مفقود، أمّا الأوّل فلأنّ المفروض أنّ المحرّك لفعل كلّ من المحتملات هو الأمر المحتمل تعلّقه به، وأمّا الثاني فلأنّ المفروض عدم محرّك إلى ذات كلّ واحد من المحتملات سوى الأمر المحتمل فلا تشريك في الداعي، وإلاّ فلو فرض التشريك لم يكن فرق بين الداعي العقلائي وغيره في المفسدية وعدم صدور العمل عن داع إلهي مستقلّ في الدعوة، وأمّا الثالث فلأنّ المفروض أنّ ذات العمل صلاة واتّصافها باللعب والعبث باعتبار صدورها عن داع نفساني شهواني ومع فرض صدورها عن داع الأمر المستقلّ في الدعوة لا معنى لتعنون ذات الصّلاة باللعب والعبث، وأمّا الرابع فبأنّ اتّصاف المأتي به بداع الأمر بوصف اللعب والعبث بأن يكون الداعي إلى جعل الأمر داعياً غرضاً نفسانياً غير عقلائي والمفروض أنّ داعيه إلى امتثال أمر المولى ما هو الداعي في غيره من توقّع الثواب أو تحصيل مرضات المولى أو غيرها»(4).

أقول: الحقّ عدم الحاجة إلى هذا التفصيل بل روح الكلام والعمدة في المقام هو ما ذكرنا من أنّ التكرار لا يكون لعباً إذا نشأ من دواع عقلائيّة.

أمّا الدليل الرابع: وهو اعتبار قصد الوجه ففيه: أوّلا: أنّه قد ثبت في محلّه عدم اعتباره في صحّة العبادة.

وثانياً: لو سلّمنا اعتباره فإنّه حاصل في المقام لأنّه على قسمين: قصد الوجه الغائي وقصد الوجه الوصفي، والغائي حاصل في المقام لأنّ صلاته إنّما هي لغاية وجوب تلك الصّلاة الواجبة إجمالا، وكذلك الوصفي لأنّه بصدد الإتيان بالصلاة المتّصفة بالوجوب المتردّد بين الأربعة.

وأمّا قصد التمييز فهو ممّا لا دليل على اعتباره إلاّ في مورد واحد، وهو ما إذا توقّف عليه حصول عنوان من العناوين القصديّة، حيث إن العنوان القصدي لا يحصل إلاّ بتمييزه عن سائر العناوين كما إذا اشتغل مثلا ذمّة المكلّف بصيام يوم للكفّارة وبصيام يوم آخر للنذر وبصيام يوم ثالث للقضاء، وكلّ واحد من هذه الثلاثة عنوان من العناوين القصديّة يحتاج تحقّقه في الخارج إمّا إلى تمييز تفصيلي له بالنسبة إلى سائر العناوين كما إذا قال مثلا: أصوم للكفّارة، أو تمييز إجمالي كما إذا نوى ما اشتغلت به ذمّته أوّلا، وأمّا في غير هذه الصورة فلا يجب التمييز لا إجمالا ولا تفصيلا بل يكفي قصد ما في الذمّة، وما نحن فيه من هذا القبيل كما لا يخفى.

ثالثاً: أنّه لم يأت بدليل على مقالته إلاّ ما أفاده من أنّ التحرّك عن الأثر متأخّر عن التحرّك عن العين، وهذا ما لا محصّل له لأنّه إن كان المراد منه التأخّر في عالم الخارج فهذا مسلّم لكنّه لا يثبت المدّعى، وإن كان المراد التأخّر في الداعويّة والبعث فهو أوّل الكلام لأنّه ربّما يتحرّك الإنسان عن الأثر من دون أن يتحرّك عن العين كما إذا أمر الطبيب بالحمية فنهى عن أكل بعض الأغذية وشرب بعض آخر لرفع المرض والحصول على السلامة، والمريض يتركها لكن لا لجهة مرضه وتحصيل السلامة عنه بل لما يترتّب عليها من العواقب والآلام.

 

بقي هنا اُمور:

الأوّل: إنّه هنا كان البحث في جواز الامتثال الإجمالي مع القدرة على تحصيل العلم التفصيلي واخترنا فيه الجواز، أمّا إذا لم يقدر على تحصيل العلم التفصيلي بل كان قادراً على الظنّ التفصيلي الذي هو الغالب في الفقه كما مرّ وعليه يدور رحى الاجتهاد والتقليد فالكلام فيه أظهر، بل يجوز الامتثال الإجمالي فيه بطريق أولى كما أشرنا إليه سابقاً.

الثاني: أنّ ما يقال من «أنّ الاحتياط في ترك الاحتياط» فهو صحيح على الإطلاق في بعض الموارد، وهو ما إذا كان قادراً على العمل التفصيلي، والوجه فيه هو الخروج عن القول بالخلاف، أمّا إذا لم يقدر على العلم بل كان قادراً على الظنّ التفصيلي المعتبر، فحينئذ لعلّ الاحتياط من بعض الجهات كان في العمل بالاحتياط لا في تركه، وذلك لأنّ الاحتياط حينئذ يوصل الإنسان إلى الواقع قطعاً، والظنّ المعتبر يوصله إليه ظنّاً (مع قطع النظر عن ما يستلزم التكرار من مخالفة الاحتياط).

الثالث: لا يخفى أنّ ما اخترناه من جواز الاحتياط لا يجري في نفس المسألة وهي «هل يجوز العمل بالعلم الإجمالي والاحتياط مع إمكان الاجتهاد أو التقليد؟» بل لابدّ فيها من الاجتهاد أو التقليد وهو واضح لا يحتاج إلى مزيد بيان.

الرابع: كثيراً ما لا يمكن العمل بالإحتياط لكونه من موارد الدوران بين المحذورين، ويرشدنا إلى هذه الموارد الرجوع إلى أبواب الحدود والتعزيرات والقصاص وكذلك باب الإرث وكثير من أبواب المعاملات، وحينئذ لابدّ من الاجتهاد أو التقليد وعلى هذا العمل بالاحتياط مطلقاً غير ممكن.

الخامس: أنّ العمل بالاحتياط قد يوجب العسر والحرج لشخص الإنسان وقد يوجب اختلال النظام أو الاضرار بالغير كما إذا استلزم من احتياط إنسان الاضرار بعياله أو صديقه مثلا، فعلى الأوّل لا إشكال في جوازه وعدم حرمته لأنّه ليس ناشئاً من جانب الشارع بل هو نشأ من ناحية شخصه واختياره، ولا كلام في أنّ المرفوع في أدلّة العسر والحرج هو الإلزام الحاصل من حكم الشرع لا الجواز، وعلى الثاني فلا إشكال أيضاً في حرمة الاحتياط حينئذ ووجوب العمل بالاجتهاد أو التقليد. والله العالم.

_____________________

1. تهذيب الاُصول: ج2، ص52 ـ 53، طبع جماعة المدرسين.

2. أجود التقريرات: ج 2، ص 44.

3. راجع أجود التقريرات: ج2، ص45.

4. نهاية الدراية: ج2، ص39.




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.