أقرأ أيضاً
التاريخ: 30-8-2016
1675
التاريخ: 5-8-2016
1464
التاريخ: 8-8-2016
2059
التاريخ: 31-8-2016
1461
|
لمّا عرفت (1) أنّ الحقيقة اللفظ المستعمل فيما وضع له ، والمجاز اللفظ المستعمل في غير ما وضع له ، تعلم أنّ اللفظ قبل الاستعمال فيهما لا يكون حقيقة ولا مجازا.
ثمّ لا شبهة في أنّ الحقيقة لا تستلزم المجاز ، يعني إذا كان اللفظ حقيقة في معنى ، لا يلزم كونه مجازا في معنى آخر ، وهذا ظاهر متّفق عليه ؛ لأنّ استعمال اللفظ في موضوعه لا يستلزم استعماله في غيره بوجه من الوجوه ، والحقائق التي ليست لها مجازات كثيرة.
وأمّا العكس ، أعني استلزام المجاز للحقيقة ـ بمعنى (2) استعمال اللفظ في غير ما وضع له وعدم استعماله فيما وضع له ـ ففيه خلاف. والحقّ عدم الاستلزام هنا أيضا ؛ لأنّ المجاز لمّا كان لفظا مستعملا في غير ما وضع له ، فيستلزم تقدّم الوضع. وأمّا تقدّم الاستعمال فيما وضع له ، فلا يستلزمه بوجه ، ولذا استعمل لفظ « الرحمن » في معناه المجازي أعني ذا الرحمة القديمة ، ولا يجوز استعماله فيما وضع له وهو ذو الرحمة مطلقا ، فثبت له المجاز دون الحقيقة.
واستدلّ المخالف : بأنّه لو لم يستلزم المجاز الحقيقة ، لعرى الوضع عن الفائدة ؛ لأنّ المطلوب من الوضع استفادة الموضوع له من اللفظ ، فإذا لم يستعمل فيه يكون عبثا (3).
واجيب بوجهين :
أحدهما : أنّ كلّ ما أريد به فائدة لا يوجب ترتّبها عليه.
وثانيهما : أنّ الفائدة لا تنحصر فيما ذكر ، بل قد تكون الفائدة في الوضع صحّة التجوّز ؛ لأنّه موقوف على معنى يناسب الموضوع له (4).
فائدة :
المجاز على ثلاثة أقسام :
الأوّل : الوضعي ، وهو أن يقع التجوّز في مفردات الألفاظ ، كإطلاق الأسد على الشجاع.
الثاني : العقلي ، وهو أن يقع التجوّز في الإسناد ، نحو : طلعت الشمس ، وأخرجت الأرض أثقالها ؛ فإنّه لم يقع تجوّز في مفردات الألفاظ ؛ لأنّ المراد من الطلوع والشمس ، والإخراج والأرض والأثقال معانيها الحقيقيّة ، وإنّما وقع التجوّز في الإسناد ؛ لأنّه اسند الطلوع والإخراج إلى الشمس والأرض ، مع أنّهما مسندان حقيقة إلى الله ، فوقع التجوّز في التركيب. وإنّما سمّي بالمجاز العقلي ؛ لأنّ إسناد الأثر إلى مؤثّره حكم عقلي لا دخل له بالوضع والاصطلاح ، فإذا اسند الأثر إلى مؤثّره الحقيقي فيكون حكما عقليّا حقيقة ، وإذا اسند إلى غيره فيكون نقلا للحكم العقلي حقيقة إلى غيره ، فيكون مجازا عقليّا.
الثالث : الوضعي والعقلي معا ، وهو أن يقع التجوّز في المفردات والإسناد معا ، نحو : إحيائي اكتحالي بطلعتك ؛ إذ المراد من الإحياء السرور ، ومن الاكتحال الرؤية ، ومن الطلعة الصورة، واسند الإحياء إلى الرؤية مع أنّه مسند حقيقة إلى الله.
أصل :
إذا كانت للّفظ حقيقة واحدة يجب حمله عليها عند الإطلاق ، وإن كانت له الحقائق الثلاث قدّمت الشرعيّة ، ومع عدمها أو تعذّر الحمل عليها ، قدّمت العرفيّة ، ومع العدم أو التعذّر ، يحمل على اللغويّة.
ثمّ إنّ العرفيّة العامّة تقدّم على الخاصّة ، كما أنّ الخاصّة تقدّم على اللغويّة. وهذا التفصيل هو المشهور بين القوم ، بل لم نعثر على مخالف سوى بعض المتأخّرين من الأخباريين ، حيث قال: إنّ المستفاد من أخبارهم عليهمالسلام أنّه مع عدم العلم بما هو المراد من الخطاب الشرعي، يجب الفحص والتفتيش والسؤال ، ومع العجز عن الظفر بالمراد ، يجب رعاية الاحتياط ، على أنّ العرف العامّ غير منضبط ؛ لاختلاف عرف الناس وعاداتهم ، والعرف الخاصّ مختلف ، فيلزم اختلاف الأحكام الشرعيّة باختلافه (5).
أقول : تحقيق الحقّ في هذا الأصل يتوقّف على بيان امور :
[ الأمر ] الأوّل : لا شبهة في تقدّم العرف العامّ على اللغة بشرط تحقّقه ؛ لأنّه أعرف عند الناس، وهم عند الإطلاق لا يفهمون غيره ، والحكيم لا يتكلّم الناس إلاّ بما يفهمونه.
ويدلّ عليه قوله تعالى : {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} [إبراهيم: 4]، وما ورد عن بعض الصادقين عليهما السلام : « أنّ الله أجلّ من أن يخاطب مع قوم ، ويريد منهم خلاف ما هو بلسانهم وما يفهمونه » (6).
وبما ذكرنا اندفع ما ذكر هذا البعض من أنّ العرف العامّ غير منضبط ؛ لأنّ كلامنا في العرف الذي كان منضبطا وثابتا.
ويتفرّع عليه : حمل الألفاظ التي لها معان عرفيّة ولغويّة على معانيها العرفيّة ، سواء وقعت في كلام الشارع ، أو في كلامنا في الأيمان والنذور والتعليقات وغيرها ، كحمل الدابّة على الفرس لا على ما يدبّ على الأرض ، وحمل الراوية على المزادة (7) لا على الجمل الذي يحمل عليه الماء ، وحمل الغائط على الحدث المخصوص لا على المطمئنّ من الأرض.
ويتفرّع عليه أيضا : أنّه إذا حلف أن لا يشرب ماء زيد عن عطش أن يحنث بشرب الماء مطلقا وإن لم يكن عطشانا ، وبالأكل من أمواله أيضا ؛ لأنّ المفهوم منه عرفا اجتناب مائه مطلقا ، وأمواله كذلك. وذكر الماء ، والتقييد بالعطش للمبالغة وإن كان معناه لغة الاجتناب عن الماء عند العطش.
[ الأمر ] الثاني : لا شبهة أيضا في تقدّم العرف العامّ على الخاصّ ؛ لأنّه أعرف وأغلب. وهذا في صورة كون اللفظ صادرا عن الشارع ، وكون المخاطب جميع الناس ، أو غير من له العرف الخاصّ ، ظاهر. وأمّا في صورة كون المخاطب من له العرف الخاصّ ، أو صدور اللفظ منه في الأيمان وأمثالها ، فالحقّ وجوب الحمل على العرف العامّ أيضا ؛ لأنّه إن لم يكن أعرف عنده ، فلا شبهة في كونه أغلب وأشهر ، ويجب حمل اللفظ على ما هو أغلب. والظاهر أنّه أعرف عنده أيضا.
[ الأمر ] الثالث : وجه تقدّم العرف الخاصّ على اللغة ظاهر إذا كان المخاطب أهل العرف المذكور ، أو صدر اللفظ منه ؛ لأنّه أعرف عنده من اللغة. وأمّا إذا كان غيره ، أو جميع الناس، فالحقّ وجوب الحمل حينئذ على اللغة ؛ لكونها أعرف.
[ الأمر ] الرابع : قيل في وجه تقدّم الحقيقة الشرعيّة على سائر الحقائق بأنّها طارئة وناسخة لها، فيجب حمل اللفظ عليها دونها (8).
أقول : الأمر كذلك ؛ لأنّ ثبوت الحقيقة الشرعيّة موقوف على أن يستعمل الشارع اللفظ في معناه الشرعي استعمالا يغلب على استعماله في معانيه العرفيّة واللغويّة ، فبعد ذلك يلزم تبادر المعنى الشرعي عند الإطلاق ، وقبل ذلك لم يثبت حقيقة شرعيّة.
وإذا عرفت ذلك ، تعلم أنّ كلّ لفظ له الحقائق الثلاث أو الحقيقة الشرعيّة مع إحداهما ، يجب حمله عند الإطلاق على حقيقته (9) الشرعيّة ، سواء وقع في كلام الشارع أو غيره ، كحمل الدينار على الدينار من الذهب ؛ لأنّه مقتضاه شرعا ولغة ، دون غيره من الفضّة والفلوس ، كما هو مقتضاه العرفي في بعض البلاد.
نعم ، إن علم بالقرائن والأمارات أنّ المراد معناه العرفي ، يحمل عليه ، وكذا الحكم في الطهارة والصلاة والزكاة وغيرها.
وفروع هذا الأصل كثيرة ؛ وكيفيّة التفريع عليك ظاهرة.
وقد وقع الخلاف في أنّه إذا وقع التغاير بين اصطلاح المعصوم والراوي ، فهل يقدّم الأوّل ، أو الثاني؟ وذلك كالرطل ، فهل يحمل على المدني الذي هو اصطلاح المعصوم ، أو العراقي الذي هو اصطلاح الراوي ، أعني ابن أبي عمير؟ والترجيح لا يخلو عن إشكال ، ولا بدّ من الرجوع إلى القرائن ، إلاّ أنّ الحمل على الأوّل عند فقدها لا يخلو عن رجحان ما ، وغير خفيّ أنّ هذا لا ينافي القطع بتقدّم الحقيقة الشرعيّة على العرفيّة ؛ لأنّ المراد من اصطلاح المعصوم عرف بلده لا ما صار من استعمال الشارع حقيقة ، فتقدّم الثاني قطعا لا ينافي الشكّ في تقدّم الأوّل.
___________
(1) تقدّم في ص 51 ، الفصل 8.
(2) ظاهر العبارة هو تفسير المجاز فقط دون استلزامه للحقيقة. والحقّ أن تفسّر الجملة بأن يقال : بمعنى استلزام استعمال اللفظ في غير ما وضع له استعماله فيما وضع له. وبحذف « وعدم » تستقيم العبارة.
(3) راجع الذريعة إلى أصول الشريعة 1 : 10.
(4) راجع إرشاد الفحول 1 : 74.
(5) راجع الحدائق الناضرة 1 : 121.
(6) لم نجده في المجاميع الروائيّة ، ونقله البهبهاني أيضا في الفوائد الحائريّة : 105.
(7) « المزادة » : وعاء يحمل فيه الماء في السفر ، كالقربة ونحوها. المعجم الوسيط : 409 ، « ز ي د ».
(8) قاله الوحيد البهبهاني في الفوائد الحائريّة : 99 ، الفائدة 8 ، و 113 ، الفائدة 5.
(9) في « ب » : « الحقيقة ».
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|