أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-08-29
1371
التاريخ: 2024-09-04
323
التاريخ: 2023-11-21
1362
التاريخ: 14/12/2022
1753
|
قال تعالى : { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [آل عمران : 106 ، 107] .
قالوا : إنّ في هكذا تعابير إزراء بشأن مُلوَّني البَشَرة ؛ حيث أصبح ابيضاض الوجه رمزاً للفوز والسعادة ، واسوداده رمزاً للحرمان والشقاء ! في حين أنّ اللون مهما كان فهو أمرٌ طبيعي لا غَضاضة في لونٍ دون آخر ، كما لا مَساس له بمسألة السعادة والشقاء ولا استيجاب مَدح أو قدح ، الأمر الذي اُخِذَ على القرآن ، حيث استجوابه لمَزاعم كانت عند العرب في أمثال هذه التعابير !
لكنّ السواد ـ في هكذا تعابير قرآنية أو في غيرها ـ لا يُراد به ذات اللون الخاصّ ، وإنّما المُراد هو كُدْرة الظَلام المُعبَّر عنه بالسواد في الاستعمال الدارج ، في مقابلة فِلقَة الضياء المُعبّر عنه بالبياض ، كما في قوله تعالى : {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ } [البقرة : 187] ، أي حتّى يبدو فلق الصباح عن ظُلمة الليل .
ونظيره قول الشاعر ـ وهو عمرو بن أبي ربيعة المخزومي ـ :
إذا اسـودّ جُـنح الـليل iiفـلتأتِ ولتَكن خُطاك خِفافاً إنّ حرّاسَنا أُسداً
فالاسوداد كناية عن اشتداد ظَلام الليل ، وليس المُراد ذات اللّون الخاصّ .
فالتعبير باسوداد الوجه كناية عن كُدْرته كأنها ظُلمة تَعتريه على أثر الانقباض الحاصل فيه والتقطيب ، والناشئ مِن فَزَعِ نفسي وسوء وحشته ، كما قال تعالى ـ حكايةً عن حالةٍ نفسيّة رديئة كان يَبدو أثرها كظُلمةٍ تعلو وجه أحدهم إذا بشّر بالأُنثى ـ : {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ} [النحل : 58] ، فهو يُحاول كَظْمَ غيظِه ، ولكن بَشَرة وجهه المُظلمة هي التي تَفضحه بما تَكنّه نفسُه مِن ألمٍ وسوء حال .
وعليه جاء قوله تعالى : {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ } [الزمر : 60] ، أي مغبرّة ومُنقبِضة مِن هَول المُطَّلَع في مقابلة وجوه الصالحين المُسفِرة المُنبسِطة .
يقول تعالى : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (38) ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (39) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (40) تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ (41) أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ } [عبس : 38 - 42].
فالوجوه المُسْفِرة هي الوجوه المُتفتّحة المُشرقة المضيئة ؛ لأنّها ضاحكة مُستبشرة ، حيث سرُورها وبهجتُها بما تُعايِنُه من ثواب ربّها .
ووجوه عليها غَبَرة ( غُبْرة الظَّلام ) على أثر كآبة الهمّ وهو المُطَّلَع ، ترهقها قَتَرة ( انقباض وتقطيب ) وهذا تفسير لغُبّرة الوجه ، أي تعلوه كُدرة الغمّ وقطوب الانقباض ، والقَتَرة هي بنفسها الغَبَرة ، أي كدورة الغبار التي تُذهب بصفاء بَشَرة الوجه .
وعن زيد بن أسلم : الغَبَرة ، الغُبار يَنحطّ مِن العلوّ ، والقَتَرة ، الغُبار يرتفع من الأرض (1) .
قال تعالى : {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (26) وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [يونس : 26 ، 27].
ففي هذه الآية جاء التعبير بغَشيان وجوهِهم قِطَعٌ مِن الليل مُظلماً بَدل التعبير بسواد الوجه .
وفي آية أُخرى : {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (24) تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ } [القيامة : 22 - 25] ، فالوجوه الناضرة هي المُبتهجة المسرورة ، تَنبسط وتُشرق إشراقاً لامعاً ؛ حيث لَمَست لذّة الحضور وأحسّت بسعادة البقاء ، تنتظر ثواب ربّها ورحمته . {فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا} [الإنسان : 11] ، {تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ} [المطففين : 24] .
أمّا الوجوه الباسرة فهي الكالحة العابسة ، يَعلوها ظَلام وكُدرة مِن سوء الوَحشة وشدّة الفزع ، حيث ( تظنّ ـ أي تخشى ـ أن يُفعل بها فاقرة ) وهي الداهية ، تفقر الظهر أي تَقصمه .
وعليه ، فالتعابير الواردة في القرآن بهذا الشأن أربعة :
{ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ } [آل عمران : 106].
{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ }.
{ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (38) ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (39) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ }.
{ أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا } [يونس : 27].
فالاسوداد والبَسُور والاغبرار وغشاء الظلام ، كلّها تعابير تَنمّ عن معنى واحد وهو كُدرة وظُلمة تعلو الوجه على أثر الانقباض والتقطيب ، وليس المراد ذات اللون كما حسبه المعترض .
______________________
(1) مجمع البيان ، ج10 ، ص441 .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|