المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8195 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المراقبة
2024-11-24
المشارطة
2024-11-24
الحديث المرسل والمنقطع والمعضل.
2024-11-24
اتّصال السند.
2024-11-24
ما يجب توفّره في الراوي للحكم بصحّة السند (خلاصة).
2024-11-24
من هم المحسنين؟
2024-11-23

موانع الميراث عند الرومان
2-1-2022
Thomas Allen
15-1-2016
تمارين التمثيل
23-3-2021
آلية الغدة الدرقية
17-7-2016
مطر التضاريس
2-6-2016
موطن وتاريخ زراعة الفلفل
26/12/2022


إشكال في جريان الاستصحاب في الامور التدريجية غير القارة  
  
807   09:40 صباحاً   التاريخ: 1-8-2016
المؤلف : محمد تقي البروجردي النجفي
الكتاب أو المصدر : نهاية الأفكار
الجزء والصفحة : ج4. ص.146
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / الاصول العملية / الاستصحاب /

قد يستشكل في جريان الاستصحاب في الامور التدريجية غير القارة كالزمان والزمانيات المبنية على التجدد والانصرام (بتوهم) ان مورد الاستصحاب كما يقتضيه تعريفه ويستفاد من ادلته انما يكون في فرض الشك في بقاء ما كان، ولا يتصور البقاء في مثل الزمان، ولا في الزمانيات من الموجودات التصرمية التي توجد وتنصرم شيئا فشيئا على التدريج كالحركة والتكلم ونحوهما حتى يشك في بقائها، فيجري فيها الاستصحاب (لان) بقاء الشيء عبارة عن استمرار وجود الشيء بجميع حدوده في الآن الثاني بعين وجوده في آن حدوثه وهو غير متصور في الموجودات التصرمية زمانا كانت أو زمانية، فانها بقطعتها الموجودة سابق كانت منعدمة في الآن الثاني وبقطعتها الاخرى تكون مشكوكة الحدوث، فلا يجرى فيه الاستصحاب، بل ولا في القار الذي كان الزمان قيدا له (ونظير) هذا الاشكال، الاشكال المعروف في مبحث المشتق في نحو اسماء الزمان كالمقتل وغيره. حيث قيل بخروجها عن محل النزاع بلحاظ ان الذات المتلبسة بالمبدء فيها بنفسها متقضية مع المبدء لا ان الانقضاء مختص باتصافها بالمبدء، فلا يصدق على الزمان الفعلي الموجود انه ذات انقضى عنها المبدء كي يجري فيها النزاع (ولكن) التحقيق صحة الاستصحاب فيها كغيرها من الامور القارة(تنقيح) المرام يستدعى عقد الكلام في مقامات.

(المقام الاول) في استصحاب الزمان وما يعرضها من العنوان الطارئ كاليوم والليل والشهر ونحوها من العناوين المنتزعة من مجموع الازمنة المتعاقبة المحدودة بين الحدين والمحصورة بين الحاصرين (ولا ينبغي) الاشكال في جريان الاستصحاب فيها فان الآنات والازمنة المتعاقبة وان كانت في الحقيقة وجودات متعددة متحدة سنخا،  ولكنها لما كانت على نهج الاتصال ولم يتخلل سكون بينها، كان الجميع بنظر العرف موجودا واحدا مستمرا، وبهذا الاعتبار يعد الموجود اللاحق بقاء لما حدث اولا، فيصدق عليه الشك في بقاء ما حدث وتتحد القضية المتيقنة مع القضية المشكوكة، وان لم يكن كذلك بحسب الحقيقة والدقة (وحينئذ) إذا صدق الموجود الواحد المستمر على الوجودات المتعاقبة على نعت الاتصال، وكان مدار الوحدة في متعلق الوصفين على الانظار العرفية لا على المداقة العقلية، فلا جرم يجرى فيها الاستصحاب كجريانه في الامور القارة لتمامية اركانه جميعا من اليقين السابق بالوجود والشك اللاحق في البقاء (بل) يمكن ان يقال: انه ليس لعنوان البقاء اثر في ادلة الاستصحاب، فان الموجود فيها هو النهي عن نقض اليقين بالشك، ولا ريب في ان دائرة صدق النقض عرفا اوسع من البقاء الحقيقي والمسامحي، فيكون رفع اليد عن ترتب الاثر على الامر التدريجي الذي ينعدم ويوجد على التعاقب بالشك في انقطاع سلسلة وجوداته، نقضا لليقين بالشك عرفا (مع ان) الانصرام والتجدد المانع عن الاستصحاب كما افاده المحقق الخراساني انما هو في الحركة القطعية في الاين وغيره المنتزعة من الاكوان المتعاقبة على نهج الاتصال الموافية للحدود الواقعة بين المبدء والمنتهى، وهى الصورة الممتدة المرتسمة في الوهم المجتمعة الاجزاء في مرحلة الخيال والمتفرقة في الخارج، كحركة الجوالة الموجبة لارتسام دائرة في الخيال، فهي باعتبار منشاء انتزاعها الذي هي الاكوان المتعاقبة المتفرقة في الخارج تدريجية، في أنى فيها الاشكال المزبور (واما الحركة) التوسطية وهى الكون بين المبدء والمنتهي والآن السيال في الزمان، فلا قصور في جريان الاستصحاب فيها (إذ هي) بهذا الاعتبار من الامور القارة، فيصدق عليها البقاء حقيقة لا مسامحة، هذا (ولكن) الانصاف انه لا سبيل إلى دعوى صدق القار على الحركة بمعنى التوسط كي يتصور فيها البقاء الحقيقي، لما عرفت من ان البقاء الحقيقي للشيء عبارة عن استمرار وجوده في ثاني زمان حدوثه بماله من المراتب والحدود المشخصة له في آن حدوثه (ومثله) غير متصور في الحركة التوسطية في مثل الزمان ونحوه بداهة انها ليست بحقيقتها الا عين التجدد والانقضاء والخروج من القوة إلى الفعل، فالموجود المتحقق منها في الخارج انما هو الحصول في حد معين وهو امرآني لا قرار له، فهي بهذا الاعتبار عين الوجودات المتعاقبة والحصولات المتدرجة الموافية للحدود المعينة، لان كل واحد منها كون واقع بين المبدء والمنتهي وفرد للحركة التوسطية ومرتبة من مراتب وجودها خارجا (ومعه) كيف يمكن التفكيك بين الحركتين وجعلها بمعنى التوسط من القار الذي يتصور له البقاء الحقيقي (فلا محيص) حينئذ من دفع شبهة البقاء بما ذكرناه من كفاية الوحدة العرفية الناشئة من كون الوجودات المتعاقبة على نعت الاتصال وعدم تخلل السكون بينها، في صدق البقاء الحقيقي أو دعوى كفاية كون الوجودات التصرمية على نهج الاتصال في صدق النقض عرفا على رفع اليد عن الامر التدريجي بالشك في انقطاع سلسلة الوجودات، لا وسعية صدق النقض عرفا من البقاء الحقيقي والمسامحي (وعلى كل) من التقريبين لا فرق بين الحركة بمعنى القطع أو التوسط (فان) المصحح للاستصحاب حقيقة انما هو الاتصال المزبور الموجب لصدق البقاء الحقيقي أو العرفي، وهو كما يجدى في الحركة بمعنى التوسط، كذلك يجدى في الحركة بمعنى القطع (وعليه) فلا اشكال في جريان الاستصحاب في نفس الزمان (وكذا) الكلام فيما يعرضه من العناوين الطارية المنتزعة من مجموع الازمنة المتعاقبة المحدودة بين الحدين كاليوم والليل ونحوهما، فانه بهذا الاعتبار يكون كل آن جزء من الليل والنهار فيكون وجود الليل والنهار عرفا بوجود اول جزء منهما وبقائهما بتلاحق بقية الآنات المحدودة كونها بين الحدين، فإذا شك في بقائهما يجري فيهما الاستصحاب لاجتماع اركانه من اليقين بالوجود والشك في البقاء واتحاد القضيتين، هذا إذا كان الشك في البقاء من جهة الشبهة المصداقية .

(واما) لو كان الشك فيه من جهة الشبهة المفهومية، كالشك في ان النهار ينتهى حده إلى آن غروب الشمس أو إلى ذهاب الحمرة المشرقية بعد القطع بغيبوبة الشمس فلا يجري فيه استصحاب، لكونه من استصحاب العنوان الاجمالي الذى لا يكون مثله موضوعا لأثر شرعي، لان ماله الاثر انما هو المحدود بأحد الحدين، ولاشك فيه في البقاء لكونه مقطوع البقاء على تقدير ومقطوع الارتفاع على تقدير آخر. (ثم ان) ما ذكرناه من جريان الاستصحاب عند الشك في حدوث الزمان أو بقائه من الليل أو النهار أو الشهر ونحوها انما هو إذا كان الاثر الشرعي مترتبا عليه بنحو مفاد كان أو ليس التامة .

(واما) إذا كان الاثر مترتبا عليه بمفاد كان أو ليس الناقصة، ككون الزمان الحاضر من الليل أو النهار أو من رمضان، ففي جريان الاستصحاب اشكال، ينشأ من ان المتصف بمفاد كان أو ليس الناقصة ليس له حالة سابقة حتى يستصحب، لان الزمان الحاضر الذي شك في ليليته أو نهاريته حدث اما من الليل واما من النهار، فلا يقين باتصافه بكونه من الليل أو النهار (واستصحاب) بقاء الليل والنهار بمفاد كان التامة لا يثبت نهارية الزمان الحاضر أو ليليته حتى يترتب عليه اثره الخاص من وقوع متعلق التكليف أو موضوعه في الزمان الذي اخذ كونه ظرفا لامتثاله (ولأجل) ذلك يشكل الامر في كلية الموقتات كالصلوات اليومية والصوم في رمضان ونحوهما، نظرا إلى ان غاية ما يقتضيه استصحاب الليل أو النهار بمفاد كان التامة في مثل تلك الموقتات انما هو اثبات بقاء التكليف بالموقتات ووجوب الاتيان بها (واما)اثبات وقوعها في الليل أو النهار أو رمضان الذي اخذ ظرفا لها ليترتب عليه الامتثال والخروج عن العهدة فلا (لان) صدق كون العمل واقعا في الوقت المضروب له شرعا مبني على اثبات نهارية الزمان الحاضر أو ليليته أو رمضانيته، (وبعد) عدم اثبات الاصل المزبور نهارية الزمان الحاضر أو ليليته، فلا يترتب عليه الامتثال والخروج عن عهدة التكليف بالموقت (وبذلك) تقل فائدة استصحاب الوقت والزمان، لان الاثر المهم فيه انما هو في الموقتات.

(ولكن) يمكن دفع الاشكال، (اما شبهة) استصحاب مفاد كان الناقصة فبان يقال: ان ذوات الآنات المتعاقبة كما تكون تدريجية، كذلك وصف الليلية والنهارية الثابتة لها ايضا تدريجية،  تكون حادثة بحدوث الآنات وباقية ببقائها، فإذا اتصف بعض هذه الآنات بالليلية أو النهارية وشك في اتصاف الزمان الحاضر بالليلية أو النهارية، فكما يجري الاستصحاب في نفس الزمان، ويدفع شبهة الحدوث فيما كان اسما لمجموع ما بين الحدين، كذلك يجري الاستصحاب في وصف الليلية أو النهارية الثابتة للزمان، لان صدق البقاء في الزمان كما يكون بتلاحق بقية الآنات بالآنات السابقة ولحاظ المجموع من جهة كونها على نعت الاتصال وجودا واحدا ممتدا،  كذلك بقاء وصف ليلتها يكون بتلاحق القطعة من الوصف الثابت للزمان الحاضر بقطعات الوصف الثابت للآنات السابقة، فلو شك حينئذ في ليلية الزمان الحاضر، فلا قصور في استصحاب الليلية الثابتة للآنات السابقة وجرها إلى زمان الحاضر، لرجوع الشك المزبور بعد اليقين باتصاف الآنات السابقة بالليلية أو النهارية إلى الشك في البقاء لا في الحدوث فيقال: بعد الغاء خصوصية القطعات ولحاظ مجموع الآنات من جهة اتصالها امر واحدا مستمرا، ان هذا الزمان الممتد كان متصفا بالليلية أو النهارية سابقا والآن كما كان، فيثبت بذلك اتصاف الآن المشكوك ليليته أو نهاريته بالليلية أو النهارية (والا) فلو فتحنا باب هذا الاشكال يلزم سد باب الاستصحاب في الزمان في مثل الليل والنهار ولو بمفاد كان التامة، لجريان الاشكال المزبور فيه ايضا من حيث عدم تصور اليقين بالحدوث في مثل الليل والنهار الذي هو اسم لمجموع ما بين الحدين من حيث المجموع وكون القطعة الحاضرة من الزمان غير القطعة الموجودة سابقا، (وكما يصح) استصحاب الليل والنهار بمفاد كان التامة، وتدفع شبهة عدم اليقين بالحدوث، بكفاية اليقين بوجود اول جزء من الليل عرفا في احراز وجود الليل، كذلك يصح استصحاب اتصاف الزمان الشخصي الممتد إلى زمان الحاضر بالليلية أو النهارية:

(واما) شبهة المثبتية في استصحاب الزمان بمفاد كان التامة في الموقتات، فتندفع ايضا بما سيتضح لك من بيان كيفية اخذ الزمان في ادلة الموقتات (فنقول): ان صور اخذ الزمان في ادلة الموقتات بنحو القيدية أو المقارنة: والمعية اربعة، لانه اما ان يكون راجعا إلى الهيئة والوجوب بناء على ما حققناه في محله من امكانه (واما) ان يكون راجعا إلى المادة (وكل) منهما باعتبار القيدية أو الظرفية، أو المقارنة والمعية ينقسم إلى قسمين،  فتكون الصور اربعة (بعد ذلك) نقول: اما ما كان راجعا بحسب ظاهر الدليل إلى الهيئة والوجوب بنحو القيدية أو المقارنة والمعية، فلا شبهة في صحة استصحابه عند الشك في بقائه وانه يترتب عليه الوجوب بلا كونه مرتبطا بباب المثبت، لانه من قبيل استصحاب الموضوع واثبات الحكم الفعلي به.

(واما) ما كان راجع إلى الموضوع والمادة، فان كان على نحو المقارنة والمعية، كما لعله الظاهر في اكثر ادلة التوقيت في الموقتات، من نحو قوله (عليه السلام) إذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة وقوله سبحانه {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} [الإسراء: 78] حيث كان المستفاد منها مجرد لزوم وقوع المأمور به صلاة أو صوما عند تحقق اوقاتها، بلا اقتضائها لكون الوقوع في الوقت المضروب لها شرطا شرعيا، فلا اشكال في جريان الاستصحاب، فانه باستصحاب بقاء الليل أو النهار أو رمضان يترتب وجوب الاتيان بالصوم أو الصلاة، ويترتب عليه تحقق الامتثال والخروج عن عهدة التكليف عقلا بإتيان المأمور به في الوقت المستصحب، لكونه من اللوازم العقلية المترتبة على الاعم من الواقع والظاهر، وان لم يتحقق معنى الظرفية والقيدية ولا يصدق على المأتي به عنوان وقوعه في ازمان الذي كان من الليل أو النهار أو رمضان (إذ لا يحتاج) إلى اثبات هذا العنوان بعد عدم اخذ عنوان الظرفية قيدا لموضوع التكليف شرعا.

 (واما) إذا كان الزمان مأخوذا في المأمور به على نحو القيدية أو الظرفية بحيث اعتبر عنوان وقوع الفعل في الوقت المضروب شرطا شرعي ، فيمكن تصحيحه ايضا بما بيناه من صحة استصحاب الليلية والنهارية للآنات التدرجية (إذ حينئذ) يصدق وقوع الفعل في زمان كان ذلك الزمان ليلا أو نهارا، فانه لا نعنى من القيدية المزبورة الا اضافة الفعل إلى زمان متصف بالليلية أو النهارية، فوقوع اصل الفعل في زمان كان محرزا بالوجدان واتصاف ذلك الزمان بالليلية أو النهارية كان محرزا بالأصل فيترتب عليه الامتثال والخروج عن عهدة التكليف (ويمكن) اجراء الاستصحاب ايضا في نقص العمل المظروف أو المقيد، بتقريب ان هذا العمل الشخصي لو اتى به سابقا قبل الآن المشكوك ليليته أو نهاريته لوقع متصفا بعنوان كذا والآن كما كان، وهذا التقريب اولى مما افاده في الكفاية من استصحاب بقاء الامساك النهاري قبل ذلك على حاله في الآن المشكوك، وذلك، لما يرد عليه من انه يتم بالنسبة إلى ما يترتب على بقاء الامساك النهاري بمفاد كان التامة، لا بالنسبة إلى ما يترتب على كون شخص الامساك الموجود امساكا نهاريا بمفاد كان الناقصة، ولعله إلى ذلك اشار بقوله فتأمل.

(المقام الثاني) في استصحاب الزمانيات المتدرجة المبنية على التقضي والتصرم،  كالحركة والتكلم وجريان الماء وسيلان الدم ونحوها (وملخص) الكلام فيها هو ان الشك في بقاء الزمانى التدريجي (تارة) يكون لأجل الشك في انتهاء حركته وبلوغه إلى المنتهى أو بقائه بعد على صفة الجريان (واخرى) يكون لأجل الشك في طرو ما يمنع عن حركته وجريانه مع القطع باستعداده للبقاء، كما لو شك في بقاء التكلم لأجل احتمال طرو صارف عن الداعي الذي اقتضى التكلم، وكما لو شك في جريان الماء وسيلان الدم من عروق الأرض وباطن الرحم لاحتمال وجود ما يمنع عن ذلك (وثالثه) يكون لأجل الشك في كمية المبدء ومقدار استعداده، كما لو شك في مقدار استعداد عروق الارض وباطن الرحم لجريان الماء وسيلان الدم (ورابعة) لأجل احتمال قيام مبدء آخر مقام المبدء الاول مع العلم بارتفاعه، كما لو شك في بقاء التكلم من جهة احتمال انقداح داع آخر للمتكلم يقتضى التكلم بعد القطع بارتفاع الداعي الاول، وكما لو شك في جريان الماء لاحتمال قيام منبع آخر مقام المنبع الاول الذي علم بنفاد مائه (وهذا) يتصور على وجهين (فان) المبدء الآخر الذي احتمل قيامه مقام المبدء الاول (تارة) على نحو يوجب تغييرا في عنوان المستصحب أو في الخصوصية المقومة لفرديته عرفا، بحيث يعد معه الموجود اللاحق فردا مغايرا مع الموجود السابق نظير تغيير عنوان التكلم من مثل القرآن إلى الادعية، أو الخطبة أو الزيارة أو تغييره من فرد إلى فرد آخر (واخرى) على نحو لا يوجب ذلك، نظير تبدل اعمدة الخيمة غير الموجب لتغيير في هيئتها، كما في تبدل عرق الارض الجاري منه الماء إلى عرق آخر غير موجب لتغيير في الماء وجريانه (فهذه) صور خمسة للشك في بقاء الامر الزمانى التدريجي.

(ولا ينبغي) الاشكال في جريان الاستصحاب في الصورة الاولى والثانية (واما الصورة) الثالثة، فجريان الاستصحاب فيها ايضا مما لا غبار فيه، لولا شبهة كونه من الشك في المقتضى، وهى ايضا مندفعة بما حققناه في بعض المباحث المتقدمة من عموم حجية الاستصحاب حتى في مورد الشك في المقتضى (واما الصورة) الرابعة ، ففي الوجه الاول منها لا يجري الاستصحاب، لكونه من استصحاب الوجه الثاني من القسم الثالث من اقسام الكلي الذي عرفت عدم جريان الاستصحاب فيه (واما الوجه) الثاني منها، فلا قصور في جريان الاستصحاب فيه، لكونه مما تم فيه اركانه من اليقين السابق والشك اللاحق واتحاد متعلق الوصفين، نظير استصحاب بقاء هيئة الخيمة عند الشك في قيام عمود آخر مقام العمود الاول المنتفي قطعا (ولعل) من هذا القبيل استصحاب بقاء جريان الماء وسيلان الدم عند الشك في قيام مبدء آخر مقام المبدء الاول الذي علم بارتفاعه، فان مجرد اختلاف المبادئ لا يمنع عن جريان الاستصحاب فيها ما لم يوجب اختلافها تغيير في عنوان المستصحب عرفا أو في الخصوصية المقومة له بنحو يعد الموجود اللاحق مغاير مع الموجود السابق عرفا (وكذا) الحال في مثل التكلم والقراءة في بعضن افرادهما فل يمنع عن جريان الاستصحاب فيها مجرد تعدد الدواعي (وحينئذ) فلا وجه لما في التقرير عن بعض الاعاظم قده من اطلاق القول بالمنع عن جريان الاستصحاب في الصورة الرابعة وادراجها بقول مطلق في استصحاب الوجه الثاني من القسم الثالث من اقسام الكلى، بل لا بد من التفصيل حسب ما اشرنا إليه بين ما يكون اختلافه من قبيل اختلاف عمود الخيمة بالنسبة إلى هيئتها المخصوصة غير الموجب لتغيير فيها، وبين ما يكون موجبا لتغيير في المستصحب اما في عنوانه أو في خصوصيته المقومة لفرديته على نحو يعد الموجود اللاحق عرفا فردا آخرا مغايرا للموجود السابق، كتغيير عنوان التكلم من القرآن إلى الخطبة أو الزيارة أو تغيير الخطبة إلى فرد آخر مغاير للفرد الاول عرفا، بتخصيص المنع عن الاستصحاب بالثاني دون الاول (وحيث) انه يختلف ذلك باختلاف الموارد حتى في مثل التكلم وجريان الماء وسيلان الدم، فلابد في تجويز الاستصحاب أو المنع عنه من ملاحظة خصوصيات الموارد (والضابط) في ذلك هو بقاء الوحدة العرفية بين القضيتين وعدم بقائه كذلك، فكل مورد اقتضى تعدد المبدء أو الداعي اختلافا في المستصحب على وجه لا يصدق عليه البقاء عرفا لا يجرى فيه الاستصحاب، وكل مورد لا يقتضي تعددهما اختلافا فيه ولا تشكيكا في صدق البقاء عرفا على الموجود السابق يجري فيه الاستصحاب.

(المقام الثالث) في استصحاب الامور المقيدة بالزمان كما لو وجب الجلوس إلى الزوال مثلا، فشك في وجوبه بعد الزوال (وقد وقع) فيه الخلاف بين الاعلام (وتحقيق) الكلام في المقام ان يقال: ان الشك في ثبوت الحكم الشرعي في المقيدات بالزمان، تارة يكون من جهة الشك في بقاء القيد، كالشك في بقاء الليل أو النهار (واخرى) يكون من غير تلك الجهة مع القطع بانتفائه كما في نحو المثال فيما لو شك في بقاء الوجوب لاحتمال كون القيد من علل حدوثه وقيام علة اخرى تقتضي بقائه، أو احتمال كون الواجب بنحو تعدد المطلوب (وعلى الاول) فالشك في بقاء القيد (تارة) يكون من جهة الشبهة المصداقية (واخرى) من جهة الشبهة المفهومية مع القطع ببقائه بمعنى، وزواله بمعنى آخر، كالشك في ان النهار ينتهي بغياب القرص أو بذهاب الحرمة المشرقية (وثالثة) من جهة الشك في اخذ اي واحدمن القيدين المبينين مفهوما (وعلى التقادير) اما ان يكون الزمان في ظاهر الدليل مأخوذا ظرفا أو قيدا مقوما لنفس الحكم، واما ان يكون مأخوذا في الموضوع كذلك، فهذه شقوق متصورة للشك في بقاء الحكم الشرعي في المقيدات بالزمان. (وبعد) ذلك نقول، انه لو كان الشك في بقاء الحكم الشرعي من جهة الشك في بقاء القيد المبين مفهوما، فل شبهة في انه يجري الاستصحاب في نفس القيد الذي هو الزمان الخاص، كالنهار الذي قيد به الصوم، فيترتب عليه وجوب الإمساك وعدم جواز الافطار، من غير فرق بين ان يكون الزمان مأخوذا ظرفا أو قيدا مقوما، لنفس الحكم، أو لموضوعه كذلك، فانه باستصحابه يثبت المقيد، فيترتب عليه حكمه، كما انه يجري الاستصحاب في نفس المقيد، هذا إذا كان الاثر الشرعي لوجود القيد أو المقيد بمفاد كان التامة (واما) لو كان الاثر لوجوده بمفاد كان الناقصة، ففيه الاشكال السابق من عدم احراز الحالة السابقة لهذا المعنى وعدم اقتضاء الاصل في الوقت المستصحب أو المقيد بمفاد كان التامة لأثبات نهارية الزمان الحاضر أو رمضانيته، ويأتي فيه ايضا ما دفعنا به الاشكال المزبور على كل من تقريبي الاستصحاب بمفاد كان التامة والناقصة فراجع .

(واما) إذا كان الشك في الحكم الشرعي ناشئا من الشك في القيد من جهة الشبهة المفهومية، كتردد النهار بين كونه منتهيا إلى غياب القرص، أو إلى ذهاب الحمرة المشرقية، كما لو شك في وجوب الامساك في النهار بعد غياب القرص، فلا يجري الاستصحاب لا في القيد ولا في المقيد، فانه بالنسبة إلى ما تم فيه اركانه وهو العنوان الاجمالي المأخوذ في موضوع الحكم، لا يكون موردا للأثر الشرعي حتى يستصحب، وبالنسبة إلى ما هو المورد للأثر الشرعي يكون من قبيل استصحاب الفرد المردد الذي تقدم في طي استصحاب الكلى المنع عن جريان الاستصحاب في امثاله (ومثله) الكلام فيما لو كان الشك في بقاء الحكم من جهة الشبهة الحكمية في اخذ احد المعنيين المبينين مفهوما قيدا لموضوع الحكم، ففيه ايضا لا يجري الاستصحاب لا في القيد ولا في المقيد، لعدم تصور الشك في البقاء فيما هو موضوع الاثر بعد تردد القيد بين الزائل والباقي، فينتهى الامر حينئذ إلى استصحاب نفس الحكم الشرعي، ولا بأس بجريان الاستصحاب فيه بناء على فهم العرف ظرفية القيد لا مقوميته لموضوعه، والا فلا يجري فيه الاستصحاب لرجوع الشك في اخذ احد القيدين المردد بين الزائل والباقي إلى الشك في بقاء موضوع التكليف (هذا كله) إذا كان الشك في بقاء الحكم الشرعي ناشئا من الشك في بقاء القيد من جهة الشبهة الموضوعية أو الشبهة المفهومية في القيد أو الشبهة الحكمية في اخذ احد المعنيين قيدا للتكليف أو لموضوعه (واما) إذا كان الشك فيه ناشئا من جهة اخرى، بان كان الحكم مبهما من حيث الامد بحيث يحتمل بقائه بعد انقضاء الزمان الخاص (فان كان) الزمان مأخوذا في ظاهر الدليل على وجه الظرفية أو القيدية للحكم الشرعي، كقوله: يجب الجلوس في المسجد في النهار، يجري فيه استصحاب الوجود،  دون العدم (اما) جريان استصحاب الوجود، فعلى الظرفية ظاهر، وكذلك على القيدية لاجتماع اركانه فيه (فان) شخص الحكم الخاص الثابت لموضوع كذلك مما علم بثبوته سابق فشك في بقائه بعد انقضاء النهار، لاحتمال كون القيد الخاص من علل حدوثه وقيام علة اخرى تقتضي بقائه في الليل، أو لاحتمال قيديته لبعض مراتبه، لا لأصله حتى ينتفي بزواله (وتوهم) انه على القيدية يكون الوجوب المجعول وجوبا موقتا ولا يعقل بقائه بشخصه بعد ارتفاع قيده، وانما المعقول هو ثبوت شخص وجوب آخر مقارنا لارتفاع الوجوب الموقت، ومعه يكون الاستصحاب المزبور من استصحاب الوجه الثاني من القسم الثالث من اقسام الكلى الذي تقدم المنع عن جريانه (مدفوع) بانه كذلك إذا كان الحكم الثابت في الوقت محدودا ومبينا بالتفصيل بداية ونهاية، ولكنه خارج عن مفروض البحث بينهم (إذ على ذلك) لا يتصور الشك في بقاء الحكم المجعول حتى يتأتى فيه النزاع بينهم في استصحابه حتى على فرض ظرفية الزمان للحكم المجعول (فلا بد) حينئذ من فرض البحث بينهم في مورد يكون الحكم والتكليف مبهما من جهة الامد بحيث يحتمل بقائه بعد ارتفاع قيده بأحد الوجهين المتقدمين، وفي هذا الفرض لا قصور في استصحابه على كل من الظرفية والقيدية، فان قيدية الزمان ليس الا كسائر القيود المأخوذة في طي الخطاب للحكم أو لموضوعه، فيجري فيه استصحاب الشخص والكلى القسم الاول (واما عدم جريان) استصحاب العدم فيه، فللعلم الوجداني بانتقاض العدم الازلي المطلق بصرف الوجود وانقلابه بالنقيض (واما توهم) لزوم كون القيود الراجعة إلى الحكم في ظاهر الدليل قيودا للموضوع، اما لما افاده الشيخ (قدس سره) من ان معنى الهيئة معنى حرفي وهو لجزئيته غير قابل للإطلاق والتقييد، واما لما افاده في الكفاية من ان ما يكون قيدا للحكم لابد من كونه قيدا للموضوع ايضا، لاستحالة اوسعية دائرة الموضوع من دائرة حكمه، ومع تقييده به يتعدد الموضوع لا محالة، فيمتنع استصحاب الوجود لكونه من اسراء حكم ثابت لموضوع خاص إلى موضوع آخر، ومع امتناع استصحابه يتعين كونه مجرى لاستصحاب العدم (فمدفوع) اما التقريب الاول، فبما حققناه في محله من ان تقييد الهيئة بمكان من الامكان، لعموم المعنى والموضوع له في الحروف والهيئات (واما التقريب) الثاني فبمنع اقتضاء تقييد الحكم والهيئة تقييد الموضوع والمادة، بل هو من المستحيل لاستحالة قيدية شيء لكل من الهيئة والمادة، لما يلزمه من لزوم كون الشيء الواحد في مرتبتين (فان) لازم قيدية شيء للموضوع هو ان يكون ملحوظا في المرتبة السابقة على الحكم المتعلق به للزوم تأخر كل حكم عن موضوعه ومتعلقه بماله من القيود كما هو الشأن في كل عرض بالنسبة إلى معروضه (ولازم قيديته لنفس الحكم كونه ملحوظا في رتبة متأخرة، فيلزم من قيدية الشيء لكل من الحكم والموضوع ان يكون ملحوظا في مرتبتين،  وهذا مما لا خفاء في بطلانه واستحالته (نعم) قضية لزوم تطابق دائرة الحكم والموضوع في مفروض البحث هو عدم اطلاق موضوع الحكم ولزوم اختصاصه بحصة من الذات التوائمة مع وجود القيد، ولكن ذلك غير تقييده به كما هو ظاهر (وعليه) فلا قصور في استصحاب الحكم الثابت لتلك الذات إلى ما بعد القيد لاتحاد موضوع القضيتين ولو على النظر الدقي العقلي فضلا عن العرفي التسامحي، فيقال: انه كان على يقين بحكم الذات في الوقت فشك في بقاء حكمه بعده من جهة احتمال كون الوقت المحدود من علل حدوث الحكم، أو احتمال كونه قيدا لبعض مراتبه لا قيدا لأصله، ولا ينقض اليقين بالشك، هذا إذا كان الزمان في ظاهر الدليل مأخوذا في الحكم على وجه الظرفية أو القيدية.

(واما) إذا كان مأخوذا في الموضوع، فان كان على وجه الظرفية، فأما ان يكون المطلوب صرف وجود الطبيعي الذي لا تعدد فيه ولا تكثر ولو بالتعمل والتحليل، أو يكون هو الطبيعة السارية في ضمن كل فرد التي لازمها انحلال الحكم المتعلق بها إلى احكام متعددة واختصاص كل فرد بحكم شخصي مستقل غير مرتبط بالآخر في مقام الاطاعة والمعصية،  ومرحلة المثوبة والعقوبة (فعلى الاول) لا يجري فيه الا استصحاب الوجود، دون العدم للقطع بانتقاض العدم الازلي بصرف الوجود (وعلى الثاني) يجري فيه كلا الاستصحابين استصحاب الوجود، والعدم (اما) استصحاب الوجود فباعتبار ذلك الحكم المنشاء والمجعول الحقيقي الذي من شأنه الانحلال إلى احكام متعددة حسب تعدد افراد الموضوع بتعدد الآنات والازمنة، حيث انه من جهة اهمال امد ذلك الحكم المنشاء الذي من شأنه الانحلال وقابليته للزيادة والشمول للأفراد الحادثة بعد الوقت يشك في بقائه، فيجري فيه الاستصحاب واما جريان استصحاب العدم فباعتبار اشخاص حصص الحكم المختصة بالأفراد الحادثة بعد الوقت المضروب، حيث ان كل واحد منهما تبعا لموضوعاتها المقدرة وجوده كان مسبوقا بالعدم الازلي، وبعد وجود موضوعاتها يشك في انقلابه إلى الوجود فيستصحب،  فيقع التعارض بين الاستصحابين كما ذهب إليه النراقي (قدس سره) فيما حكى عنه (وعلى هذا) التقريب لا يتوجه اشكال لزوم الجمع بين النظرين المختلفين مع وحدة الملحوظ، إذ على ما ذكرنا يكون الملحوظ ايضا متعددا كاللحاظ، احدهما انقلاب عدم الحكم في الجملة إلى الوجود،. ثانيهما عدم معلومية انقلابه بالوجود مطلقا حتى بالنسبة إلى الافراد الحادثة بعد انقضاء الوقت (هذا) إذا كان الزمان مأخوذا في الموضوع على وجه الظرفية (واما إذا كان) مأخوذا فيه على وجه القيدية والمفردية بنحو يقتضي تعدد الموضوع بحسب الوقت وخارجه، فلا مجال فيه لاستصحاب الحكم واثباته لذات الموضوع بعد انقضاء الوقت،  لمبائنة الموضوع مع عدم القيد للموضوع المقيد، فلا يكون اثبات الحكم له حينئذ ابقاء للحكم الاول الثابت للمقيد، لانه مما قطع بارتفاعه بارتفاع موضوعه المقيد بزوال قيده، بل احداثا له في موضوع آخر

(الا ان يقال): ان كون الزمان قيدا مقوما للموضوع انما هو بحسب لسان الدليل والنظر العقلي (واما) بالنظر العرفي المسامحي يكون من حالات الموضوع لا من مقوماته، فيمكن حينئذ استصحابه (أو يقال): انه من المحتمل ان يكون ثبوت الحكم للذات المتقيدة بالزمان من باب تعدد المطلوب بان يكون لذات الامساك مثلا مطلقا مصلحة ملزمة تقتضي مطلوبيته، ولخصوصية كونه في النهار مصلحة اخرى ملزمة غير المصلحة القائمة بذات الامساك، فتنبعث من هاتين المصلحتين ارادة قوية نحو المقيد بالنهار وبعد ارتفاع الخصوصية تبقي المصلحة الاولى بحالها فتقتضى مطلوبية ذات الامساك، فانه مع هذ الاحتمال لا يقين بارتفاع اصل الحكم الثابت للمقيد بزوال قيده، بل يحتمل بقاء مرتبة من الحكم الاول المتعلق بنفس الذات حتى مع اليقين بزوال القيد، غاية الامر يتبدل حده من الضمني إلى الاستقلالي، وذلك ايضا بضميمة فهم العرف عدم المغايرة بين الذات في الوقت وخارجه الا بصرف الوجدان للقيد والفقدان له، وبذلك يجري فيه استصحاب الوجود لتمامية اركانه من اليقين السابق والشك اللاحق ووحدة القضيتين فتأمل

 (واما) استصحاب العدم فيجري فيه بلا كلام، لان مرجع اخذ الزمان قيدا مفردا للموضوع بعد ان كان إلى تعدد الموضوع وكون الوجوب الثابت للذات مع القيد غير الوجوب الثابت للذات مع عدم القيد، فلا محاله مهما يشك في ثبوته للفرد الفاقد للقيد، يجري فيه استصحاب العدم لليقين بالعدم سابقا والشك في البقاء لاحقا، لان ما علم بانتقاضه بالوجود انما هو عدم شخص الحكم المختص بالموضوع المقيد، لا عدم طبيعي الحكم الجامع بينه وبين غيره كما هو ظاهر (ولكن) الذي يظهر من بعض الاعاظم (قدس سره) على ما في التقرير المناقشة في الاستصحاب المزبور، (فأورد عليه) بما ملخصه ان الحكم الثابت للشيء على نحو القضية الحقيقية ينحل إلى احكام تقديرية ثابتة لموضوعات مقدرة الوجود دائرة مدارها في الفعلية والشأنية، فإذا كان وجود الحكم الثابت للمقيد تبعا لموضوعه مقيد بقيد خاص من الزمان أو الزماني، فلابد من ان يكون عدمه ايضا مقيدا بذلك القيد، لان نقيض الوجود المقيد بشيء هو العدم المقيد بذلك الشيء لا العدم المطلق، فنقيض الوجود المقيد كالوجود المقيد يكون متقوما بوجود القيد، ثم استنتج من ذلك في المقام بانه إذا اوجب الجلوس في المسجد إلى الزوال على نحو كان الزوال قيدا للحكم أو الموضوع، فشك في وجوبه بعد الزوال فوجوب الجلوس بعد الزوال حسب مفردية الزمان وان كان من الحوادث المسبوقة بالعدم، ولكن عدمه المسبوق به لا يكون هو العدم الازلي المطلق، لانه مما انتقض بالوجود قطعا بوجوب الجلوس قبل الزوال، وانما هو العدم الخاص والمقيد ببعد الزوال، وهذا العدم الخاص باعتبار كونه كالوجود الخاص مما قوام تحققه بوجود القيد، فقبل الزوال لا يكون الوجوب المقيد بما بعد الزوال متحققا ولا عدم الوجوب المقيد به متحققا حتى يصح استصحابه الا بنحو السالبة بانتقاء الموضوع (وبالجملة) العدم المتحقق سابقا انما هو العدم المطلق وهو مع انه منتقض بالوجود قطعا، لا يكون نقيضا للوجود المقيد بما بعد الزوال، وانما النقيض هو العدم الخاص الذي موطنه بعد الزوال، وهذا قبل تحقق موطنه لا يكون له تحقق الا بنحو السالبة بانتفاء الموضوع فلذلك لا يجري فيه استصحاب الوجود ولا العدم، بل لابد من الرجوع فيه عند الشك إلى البراءة أو الاشتغال (ثم قال) نعم لا بأس باستصحاب عدم الجعل بالنسبة إلى هذا الموطن، لانه لا مانع من انشاء وجوب الجلوس يوم الجمعة من يوم الخميس، بل انشاء الاحكام الشرعية كلها ازلية، فإذا شك في انشاء وجوب الجلوس يوم الجمعة وجعله ازلا، فالأصل عدم الجعل، لان كل جعل شرعي مسبوق بالعدم، من غير فرق بين اخذ الزمان قيدا أو ظرفا، غاية الامر انه على القيدية لوجوب الجلوس لم يعلم انتقاض عدم الجعل بالنسبة إلى يوم الجمعة أو بعد الزوال، لانه على القيدية يحتاج وجوب الجلوس يوم الجمعة أو بعد الزوال إلى جعل آخر مغاير لجعل الوجوب يوم الخميس أو بعد الزوال (وحيث) انه يشك في جعل الوجوب يوم الجمعة أو بعد الزوال، فالأصل عدمه،  الا انه لا اثر لاستصحاب عدم الجعل الا باعتبار ما يلزمه من عدم المجعول، واثبات عدم المجعول باستصحاب عدم الجعل يكون من اوضح افراد المثبت انتهى ملخص كلامه (وفيه مالا يخفى) فان مرجع كون الزمان قيدا للموضوع ومفردا له بعد ان كان إلى تعدد الموضوع بحسب الازمنة واختصاص كل موضوع بحكم شخصي مستقل غير الحكم المختص بالآخر، فلا جرم يكون المجعول في المقام فردين من الوجوب الثابت احدهما للمقيد بما قبل الزوال والآخر للمقيد بما بعد الزوال، غاية الامر يكون الفردان تبعا لتدريجية موضوعهما المقيدين بالزمان تدريجيين. (وحينئذ) فإذا كان الفردان من الحوادث المسبوقة بالعدم وكان مرجع الحدوث في كل شيء إلى سبقه بعدم نفسه، لا بعدم الطبيعي الجامع بنيه وبين غيره، يكون الفرد الثاني ايضا حادثا مسبوقا بعدم نفسه الراجع إلى سبقه بالعدم المضاف إلى المقيد، لا إلى العدم المقيد بنحو التوصيف، إذ العدم المقيد لا يكون نقيضا للوجود المقيد وانما نقيضه عدم المقيد بالاضافة لا بالتوصيف، والا يلزم ارتفاع النقيضين بارتفاع القيد وهو كما ترى من المستحيل.

(وبالجملة) نقول ان مرجع القيد في امثال هذه القضايا إلى كونه مأخوذا في ذات المهية المسبوقة في اللحاظ على طرو الوجود عليها، وان الوجود والعدم كانا طاريين على المهية المقيدة، لا ان القيد مأخوذ في طرف الوجود نفسه ليكون النقيض هو العدم المقيد (فلا بد) حينئذ من جعل الوجود والعدم مرسلين عن القيد في مرحلة طروهما على المقيد، لاستحالة تقييدهما بما هو مأخوذ في معروضهما (غاية الامر) يكون تقييد المعروض مانعا عن اطلاقهما كما هو الشأن في كل عرض بالنسبة إلى معروضه، لا انه موجب لتقييدهما (وحينئذ) فإذا كان القيد مأخوذا في ذات الموضوع الملحوظ كونه في الرتبة السابقة على طرو الوجود عليه وكان الوجود مرسلا من القيد في مرحلة طروه على المقيد، فقهرا يصير النقيض للوجود المزبور هو العدم المضاف إلى المقيد، لا العدم المقيد بالتوصيف (وحيث) ان هذا العدم المضاف لا يكون الا ازليا، لان ما ليس بأزلي هو العدم المقيد، فلا محالة يجري فيه الاستصحاب لتحقق اركانه فيه، حيث ان شخص وجوب الجلوس بعد الزوال من الحوادث المسبوقة بعدم نفسه ازلا، فإذا شك قبل الزوال أو حينه في ثبوته للمقيد ببعد الزوال يجري فيه استصحاب العدم (ولعمري) ان المنشاء كله للمناقشة المزبورة هو تخيل رجوع القيود في نحو هذه القضايا إلى نفس العدم لا إلى المعدوم، ولأجل ذلك انكر الاستصحاب في المقام وفي كلية الاعدام الازلية (والا) فعلى ما ذكرنا من رجوعها إلى المعدوم، فلا مجال للمناقشة المزبورة كما هو ظاهر، وتنقيح الكلام بازيد من ذلك موكول إلى محله (واما) ما افاده من المنع عن استصحاب عدم الجعل، لعدم ترتب اثر شرعي عليه في نفسه، وعدم اثباته لعدم المجعول ولكون الترتب فيه عقليا لا شرعيا (ففيه) اولا ان الجعل والمجعول نظير الايجاد والوجود، ليسا الا حقيقة واحدة وان التغاير بينهما انما هو بصرف الاعتبار (وثاني) على فرض تغايرهما بحسب الحقيقة نقول: ان شدة التلازم بينهما لما كانت بمثابة لا يرى العرف تفكيكا بينهما حتى في مقام التعبد والتنزيل، بحيث يرى التعبد بأحدهما تعبد بالآخر، نظير المتضايفين كالأبوة والبنوة، فلا قصور في استصحابه حيث يكون التعبد بعدمه تعبدا بعدم المجعول (وحينئذ) فعلى ما ذكرنا من التقريب في صحة استصحاب الوجود ايضا يتوجه اشكال الفاضل النراقي (قدس سره) من التعارض بين الاصلين.




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.