أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-01-10
860
التاريخ: 29-7-2016
1599
التاريخ: 2024-02-14
791
التاريخ: 7-5-2022
1621
|
العدل ضدّ الظلم ، وهو مناعة نفسيّة ، تردع صاحبها عن الظلم ، وتحفّزه على العدل ، وأداء الحقوق والواجبات .
وهو سيّد الفضائل ، ورمز المفاخر ، وقوام المجتمع المتحضّر ، وسبيل السعادة والسلام .
وقد مجّده الإسلام ، وعنى بتركيزه والتشويق إليه في القرآن والسنّة : قال تعالى : {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} [النحل : 90] , وقال سُبحانه : {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} [الأنعام : 152] , وقال عزّ وجل : { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء : 58] .
وقال الصادق ( عليه السلام ) : ( العدلُ أحلى مِن الشهد ، وأليَن مِن الزبد ، وأطيَب ريحاً مِن المِسك )(1) .
وقال الراوي لعليّ بن الحسين ( عليه السلام ) أخبرني بجميع شرائع الدين .
قال : ( قولَ الحقّ والحُكم بالعدل ، والوفاء بالعهد )(2) .
وقال الرضا ( عليه السلام ) : ( استعمالُ العدل والإحسان مُؤذنٌ بدوام النعمة ) (3) .
أنواع العدل :
للعدل صورٌ مُشرقةٌ تشعُّ بالجمال والجلال ، وإليك أهمها :
1 - عدل الإنسان مع اللّه عزّ وجل : وهو أزهى صور العدل ، وأسمى مفاهيمه ، وعنوان مصاديقه ، وكيف يستطيع الإنسان أنْ يؤدّي واجب العدل للمُنعِم الأعظم ، الذي لا تُحصى نعماؤه ، ولا تُعَدّ آلاؤه ؟!
وإذا كان عدل المكافأة يُقدّر بمعيار النعم ، وشرف المنعم ، فمن المستحيل تحقيق العدل نحو واجب الوجود ، والغنيّ المطلق عن سائر الخلق ، إلاّ بما يستطيعه قصور الإنسان ، وتوفيق المولى عزّ وجل له .
وجماع العدل مع اللّه تعالى يتلخّص في الإيمان به ، وتوحيده والإخلاص له ، وتصديق سُفرائه وحُجَجِه على العباد ، والاستجابة لمقتضيات ذلك من التولِّه بحبّه والتشرّف بعبادته ، والدأب على طاعته ، ومجافاة عِصيانه .
2 - عدل الإنسان مع المجتمع : وذلك برعاية حقوق أفراده ، وكفّ الأذى والإساءة عنهم وسياستهم بكرم الأخلاق ، وحُسن المداراة وحبّ الخير لهم ، والعطف على بؤسائهم ومعوزيهم ونحو ذلك من محقّقات العدل الاجتماعي .
وقد لخّص اللّه تعالى واقع العدل العام في آيةٍ من كتابه المجيد : {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } [النحل : 90].
وقد رسم أمير المؤمنين ( عليه السلام ) منهاج العدل الاجتماعي بإيجاز وبلاغة ، فقال لابنه :
( يا بنُيّ اجعل نفسك ميزاناً فيما بينك وبين غيرِك ، فأحبب لغيرك ما تُحبّ لنفسك ، واكره له ما تَكره لها ، ولا تظلِم كما لا تحبّ أنْ تُظلَم ، وأحسِن كما تُحِبّ أنْ يُحسَن إليك ، واستقبح مِن نفسِك ما تستقبِح مِن غيرك ، وارض من الناس بما ترضاه لهم مِن نفسك ، ولا تقل ما لا تعلَم وإنْ قلّ ما تعلم ، ولا تقل ما لا تُحِبّ أنْ يُقال لك ) .
أوصى ( عليه السلام ) ابنه الكريم أنْ يكون عادلاً فيما بينه وبين الناس كالميزان ، ثُمّ أوضَح له صور العدل وطرائقه إيجاباً وسلباً .
3 - عدلُ البشر الأحياء مع أسلافهم الأموات : الذين رحلوا عن الحياة ، وخلّفوا لهم المال والثراء ، وحُرِموا مِن مُتَعِه ولذائذه ، ولم يكسبوا في رحلتهم الأبديّة ، إلاّ أذرُعاً مِن أثواب البلى وأشباراً ضيّقة من بُطون الأرض .
فمن العدل أنْ يستشعر الأحياء نحو أسلافِهم بمشاعر الوفاء والعطف وحُسن المكافاة ، وذلك بتنفيذ وصاياهم ، وتسديد ديونَهم ، وإسداء الخيرات و المبرّات إليهم ، وطلب الغفران والرضا والرحمة مِن اللّه عزّ وجل لهم .
قال الصادق ( عليه السلام ) : ( إنّ الميّت ليفرح بالترحم عليه ، والاستغفار له ، كما يَفرح الحيّ بالهديّة تُهدى إليه ) .
وقال ( عليه السلام ) : ( من عمل من المسلمين عن ميت عملاً صالحاً ، أضعف اللّه له أجره ، ونفع اللّه به الميت )(4) .
4 - عدل الحكام :
وحيث كان الحكّام ساسة الرعيّة ، وولاة أمر الأُمّة ، فهم أجدَر الناس بالعدل ، وأولاهم بالتحلّي به ، وكان عدلُهم أسمى مفاهيم العدل ، وأروعها مجالاً وبهاءً ، وأبلغها أثراً في حياة الناس .
بعدلهم يستتبّ الأمن ، ويسود السلام ، ويشيع الرخاء ، وتسعد الرعيّة .
وبجورهم تنتكِس تلك الفضائل ، والأماني إلى نقائضها ، وتغدو الأُمّة آنذاك في قلَق وحيرة وضنَكٍ وشقاء .
محاسن العدل :
فطرت النفوس السليمة على حُبّ العدل وتعشّقه ، وبُغض الظلم واستنكاره .
وقد أجمع البشر عبر الحياة ، واختلاف الشرائع والمبادئ على تمجيد العدل وتقديسه ، والتغنّي بفضائله ومآثره ، والتفاني في سبيله .
فهو سرّ حياة الأُمَم ، ورمز فضائلها ، وقِوام مجدِها وسعادتها ، وضمان أمنِها ورخائها ، وأجلّ أهدافها وأمانيها في الحياة .
وما دالت الدول الكُبرى ، وتلاشت الحضارات العتيدة ، إلاّ بضَياع العدل والاستهانة بمبدئه الأصيل ، وقد كان أهل البيت ( عليهم السلام ) المثَل الأعلى للعدل ، وكانت أقوالُهم وأفعالهم دروساً خالدة تُنير للإنسانيّة مناهج العدْل والحقّ والرشاد .
وإليك نماذج مِن عدلِهم :
قال سوادة بن قيس للنبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله ) في أيّام مرضه : يا رسول اللّه إنّك لمّا أقبْلت مِن الطائف استقبلتك وأنت على ناقتك العضباء ، وبيدِك القضيب المَمشوق ، فرفَعت القضيب وأنت تُريد الراحلة ، فأصاب بطني ، فأمره النبيّ أنْ يقتصّ منه .
فقال : اكشف لي عن بطنك يا رسول اللّه ، فكشف عن بطنه ، فقال سوادة : أتأذن لي أنْ أضع فمي على بطنك ، فأذِن له فقال : أعوذ بموضع القصاص من رسول اللّه مِن النار يوم النار .
فقال ( صلّى اللّه عليه وآله ) : ( يا سوادة بن قيس ، أتعفو أم تقتص؟ ) .
فقال : بل أعفو يا رسول اللّه .
فقال : اللهمّ أعفُ عن سوادة بن قيس كما عفا عن نبيّك محمّد (5) .
وقال أبو سعيد الخدري : جاء أعرابي إلى النبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله ) يتقاضاه دَيناً كان عليه فاشتدّ عليه حتّى قال له : أُحرّج عليك إلاّ قضيتني ، فانتهره أصحابه وقالوا : ويحك ، تدري مَن تُكلّم ؟!.
قال : إنّي أطلب حقّي .
فقال النبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله ) : ( هلا مع صاحب الحقّ كنتم ) ، ثُمّ أرسل إلى خولة بنت قيس فقال لها : ( إنْ كان عندك تمر فأقرضينا ، حتّى يأتي تمرنا فنقضيك ) .
فقالت : نعم بأبي أنت وأُمّي يا رسول اللّه .
قال : فأقرضَته فقضى الأعرابي وأطعمه .
فقال : أوفيت أوفى اللّه لك ؟.
فقال : ( أولئك خيار الناس ، إنّه لا قُدّست أُمّةٌ لا يأخذ الضعيف فيها حقّه غير متعتع ) .
وقيل : إنّ الإعرابي كان كافراً ، فأسلم بمشاهدة هذا الخلق الرفيع ، وقال : ( يا رسول اللّه ، ما رأيت أصبر منك )(6) .
وهكذا كان أمير المؤمنين عليّ ( عليه السلام ) :
قال الصادق ( عليه السلام ) : ( لمّا ولّيَ عليّ صعد المنبر فحمِد اللّه ، وأثنى عليه ، ثُمّ قال : إنّي لا أرزؤكم مِن فَيئكم درهماً ، ما قام لي عذقٌ بيثرِب ، فلتصدقكم أنفسكم ، أفتروني مانعاً نفسي ومعطيكم ؟!! قال : فقام إليه عقيل كرّم اللّه وجهَه فقال له : واللّه ، لتجعلني وأسود بالمدينة سَواء ، فقال : اجلس ، أما كان هنا أحدٌ يتكلّم غيرك ، وما فضلك عليه إلاّ بسابقة أو بتقوى )(7).
(وجاء في صواعق ابن حجَر ص 79) قال : وأخرج ابن عساكر أنّ عقيلاً سأل عليّاً ( عليه السلام ) فقال : إنّي محتاج ، وإنّي فقير فأعطني .
قال : ( اصبر حتّى يخرج عطاؤك مَع المسلمين ، فأعطيك معهم ، فألح عليه ) ، فقال لرجلٍ : ( خذ بيده وانطلق به إلى حوانيت أهل السوق فقل له دُقّ هذه الأقفال ، وخُذ ما في هذه الحوانيت ).
قال : تريد أنْ تتّخذني سارقاً ؟ .
قال : ( وأنت تريد أنْ تتّخذني سارقاً ، أنْ آخذ أموال المسلمين فأعطيكها دونهم ؟ ) .
قال : لآتيَنّ معاوية .
قال : ( أنت وذاك ) .
فأتى معاوية فسأله فأعطاه مِئة ألف ، ثُمّ قال : اصعد على المنبر ، فاذكر ما أولاك به عليّ وما أوّليتك ، فصعد فحمِد اللّه ، وأثنى عليه ، ثُمّ قال : أيّها الناس إنّي أخبركم أنّي أردْت عليّاً ( عليه السلام ) على دينه فاختار دينه ، وإنّي أردت معاوية على دينه فاختارني على دينه (8) .
ومشى إليه ( عليه السلام ) ثُلّة من أصحابه عند تفرّق الناس عنه ، وفرار كثيرٍ منهم إلى معاوية ، طلَباً لما في يدَيه مِن الدنيا ، فقالوا : يا أمير المؤمنين ، أعطِ هذه الأموال ، وفضّل هؤلاء الأشراف من العرب وقريش على الموالي والعجَم ، ومَن تخاف عليه من الناس فراره إلى معاوية ، فقال لهم أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ( أتأمروني أنْ أطلب النصر بالجور ، لا واللّه ما أفعل ، ما طلعَت شمسٌ ، ولاحَ في السماء نجمٌ ، واللّه ، لو كان مالُهم لي لواسَيت بينهم ، وكيف وإنّما هي أموالهم )(9) .
وقال ابن عبّاس : أتيتُه ( يعني أمير المؤمنين عليّاً ) فوجدته يخصف نعلاً ، ثُمّ ضمّها إلى صاحبتها ، وقال لي : ( قوّمها ) .
فقلت : ليس لهما قيمة .
قال : ( على ذلك ) .
قلت : كسْر درهم .
قال : ( واللّه ، لهما أحبّ إليّ مِن أمركم هذا إلاّ أنْ أقيم حدّاً ( حقّاً ) أو ادفع باطلاً ) (10) .
وهو القائل : ( واللّه لئن أبيت على حسَك السعدان مُسهّداً ، وأُجَرُّ في الأغلال مُصفّداً ، أحَبّ إليّ مِن أنْ ألقى اللّه ورسولَه يوم القيامة ظالِماً لبعض العباد ، وغاصباً لشيءٍ من الحُطام ، وكيف أظلِم أحداً لنفسٍ يَسرع إلى البلى قفولها ، ويطول في الثرى حلولها )(11) .
_____________________
1- الوافي ج 3 , ص 89 عن الكافي ، وهو من قبيل تشبيه المعقول بالمحسوس .
2- البحار م 16 , كتاب العشرة : ص 125 , عن خصال الصدوق (ره) .
3- البحار م 16 , كتاب العشرة : ص 125 , عن عيون أخبار الرضا .
4- هذا الخبر وسابقه عن كتاب من لا يحضره الفقيه للصدوق .
5- سفينة البحار : ج 1 , ص 671.
6- فضائل الخمسة من الصحاح الستّة : ج 1 , ص 122 , عن صحيح ابن ماجة .
7- البحار : م 9 , ص 539 , عن الكافي .
8- فضائل الخمسة عن الصحاح الستة : ج 3 , ص 15.
9- البحار : م 9 , ص 533 بتصرّف .
10- سفينة البحار : ج 1 , ص 570 بتصرف.
11- سفينة البحار : ج 2 , ص 606 عن النهج.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|