لا يكاد يخلو في حجر شبه الجزيرة العربية وقبلها وشماليها من نقش تذكاري نقشه كتاب محترفون او غير محترفين من الرعاة ورجال القوافل يذكرون فيه اسماء آلهتهم متضرعين اليها ان تحميهم وقد يذكرون ما يقدمون اليها من قرابين وقد يكتبونها على قبورهم مسجلين اسماءهم واسماء عشائرهم وما قام به الميت من اعمال وقد يودعونها بعض قوانينهم وشعرائهم.
وعثر المنقبون من المستشرقين على نقوش عربية شمالية: ثمودية ولحيانية ونبطية كثيرة ولا يعنينا منها الا النقوش النبطية وحدها نستطيع – بعد ما بذله العلماء المختصون في الكشف عنها وقراءة حروفها- ان ندرسها دراسة توضح بعض الغموض الذي غشى تاريخ الكتابة العربية في الجاهلية ويعنينا منها الجانب الخطي المتصل بصورة الحروف واشكالها.
ص136
1- نقش ام الجمال:
نقش ام الجمال لمربى ملك تنوخ بين سنة 250- وسنة 271
وهو لفهر بن سُّلّىْ الذي كان مربيا لجذيمة ملك تنوح وخطه نبطي الا انه يمتاز بروابط بين الحروف وهو مكتوب بلغة نبطية آرامية وجد في موقع ام الجمال غربي حوران في سورية وعثر عليه العالم المستشرق انوليتمان ونصه:
1- دنة نفسوفهرو.
2- برشلى ربو جيمة.
3- ملك تنوخ.
ونقله العالم الكونت دي فوجي (De Vogue) بحروف عبرية اولا ثم ترجم على اللغة العربية على النحو الاتي:
1- هذا قبر فهر.
2- ابن سُلّىْ مربى جذيمة.
3- ملك تنوخ.
وارخه الكونت دي فوجي حدسا بسنة 250م.
وارخه العالم المستعرب ليتمان بسنة 270 تقريبا وهو تاريخ بدء استعمال الخط النبطي عند ملوك العرب بدلا من الخطوط العربية الاخرى كالخط اللحياني والثمودي والصفوي المتفرعة من الخط المسند الحميري.
ص137
2- نقش النمارة:
نقش النمارة – عثر عليه في النمارة وه يجبل الدروز وتاريخ 328 ويعتبر النص العربي الأول
اكتشفه العالمان المستعربان دوسو Dussoud ومالكي سنة 1901 م على بعد جبل من النمارة من اعمال حوران في سورية وهي قائمة على اطلال معبد روما شرقي بل الدروز بالقرب من الاماكن التي عثر فيها على الكتابات الصفوية وارخ بشهر كسلول من سنة 223 بتقويم بصري (من سقوط سلع) وهو يوافق شهر كانون الاول (ديسمبر) من سنة 328م وعليه كتابات بالحرف النبطي بلغة عدنان القديمة التي كانت شائعة في اوائل القرن الرابع للميلاد وهي اقدم كتابة عربية شمالية عثر عليها حتى الان.
ونصه:
1- تى نفس مر القيس بر علمك ملك العرب كله ذو اسر التاج.
2- وملك الاسدين ونزرو وملوكهم وهرب مذحجو عكدى وجا.
3- بِزجَى في حبج نجران مدينة شمر وملك معدو ونزل بينه.
4- السعوب ووكلهم فرسو لروم فلم يبلغ ملك مبلغه.
5- عكدى هلك سنة 223 يوم 7 بكسللو بلسعد ذو ولده.
ص138
وترجمته على العربية:
هذا قبر
1- هذه نفس امرئ القيس بن عمرو ملك العرب كلها الذي نال
عقد التاج
الاسدين هزم بقوته وقاد
2- وملك قبيلتي اسد ونزار وملوكهم وشتت مذحجاً بالقوة وجاء الظفر الى السوار
3- باندفاع (بانتصار) في مشارف نجران مدينة شمر وملك معدا واستعمل وولى بنيه
(قسم) ابناءه على القبائل كلهم فرسانا للروم.
4- الشعوب ووكله الفرس والروم – فلم يبلغ ملك مبلغه.
5- في القوة هلك سنة 223 يوم 7 من كسلول ليسعد الذي ولده.
ويلاحظ ان الكاتب بدأه في السطر الاول بكلمة " تي" الاشارية التي للمؤنث لانها داخلة على نفس ولعلها هنا بمعنى جسد وقد استخدم ذو بمعنى الذي وهي لغة معروفة بين بعض القبائل مثل طيئ كما استخدم كلمة اسر بمعنى عصب وعقد وهو من معانيها في المعاجم العربية وقد حذف الالف من كلمة التاج ولم يكونوا يثبتونها حينئذ وليس في هذا السطر كلمة غريبة سوى " بر" التي استخدمها الكاتب بمعنى ابن وهي آرامية.
وفي السطر الثاني: يضيف واواً الى "نزرو ومذحجو" وفقا كتابة النبط التي تضيف الى الاعلام الواو اما عكدي فلعلها عكديا حذفت منها الالف وفي المعجم العكد: القوة ويريد بالاسدين قبليتى أسد.
وفي السطر الثالث: يستخدم كلمة بزجى من فعل زجى بمعنى دفع اي باندفاع
ص139
ومعنى حَبَجَ في المعاجم اشرف وكأنها استعملت في النص مصدرا بمعنى مشارف او حدود وشمر من الملوك الحميرين واستخدم كلمة نزل بينه الشعوب بمعنى جعلهم على الشعوب.
وفي لسطر الرابع: "ووكلهن" بأضافة نون التوكيد على الفعل بعد الضمير ومعنى العبارة: ووكله الفرس والروم.
وفي السطر الخامس: بلسعد ذو ولده اي ليسعد الذي ولده.
فهذا نقش عربي واضح العربية فكلماته جميعا عربية ما عدا كلمة "بر" الآرامية وقد استخدمت فيه أل اداة للتعريف فهو عربي في صورة خطه وهو في مرحلة تاريخية تُظهر في وضوح جلى تطور الخط العربي اذا ما قيس بنقوش القرن الثالث الميلادي ومنها نقش ام الجمال الذي سبق عرضه ومن ثم يعتبر هذا النقش هو النص العربي الاول.
3- نقش زيد:
نقش زبد – عثر عليه في زبد وهي خربة بين قنسرين ونهر الفرات وتاريخه يعود الى سنة 512م.
هذا النقش يرجع تاريخه الى سنة 511-512م وعليه ثلاث كتابات هي اليونانية والسريانية والخط النبطي المتأخر (العربي القديم).
ص140
وخطه قرب الشبه بالخط الكوفي الاسلامي وان كانت بعض كلماته غير مقروءة وهي لاتعدو كلمة واحدة في السطر الاول وكلمة او كلمتين في اخر السطر الثاني اما سائر كلماته فهي عربية الخط على اختلاف العلماء في قراءتها.
وقد وجد هذا النقش في خربة زَبَد التي تقع جنوبي شرق حلب بين قنسرين ونهر الفرات وكتابته على حجر مثبت في بناية كنيسة وقد احتوت اسماء الاشخاص الخيرين الذين اسهموا في انشائها.
وقد اختلف المسعربون دوسو واسرائيل ولفنسون (ابو ذوؤيب) ولد زبارسكى في قراءة نصها وهو السطر الاسفل المتفق عليه:
[باسـ]ــم مع قيود
4- نقش حُراَّن:
نقش حران – عثر عليه في المنطقة الشمالية من جبل الدروز ويعود تاريخه على سنة 568 ويعتبر أول نص كامل بكلماته وتراكيبه جميعا.
جد هذا النقض الذي يعود تاريخه الى سنة 568-569م وهو مكتوب على حجر فوق باب كنيسة في اللجا في حران في المنطقة الشمالية من جبل الدروز عليه كتابتان باليونانية وبالعربية.
ص141
ويقول المستعربون: ان هذا النقش يعود لأمير من كندة وضعه على باب كنيسة بمناسبة افتتاح الكنيسة التي اقيمت للقديس يوحنا المعمدان.
كتب خط واضح لا يخطئ كل من يشبهه بالنسخي القديم لقربه من العصر الاسلامي المبكر الذي قدر له ان يتطور حتى صار الى الصورة المفضلة لتدوين الدواوين والمعارف.
وقد اتفق (ليتمان) في قراءته بصورة صحيحة بعد ان عجز المستعربون عن ذلك اكثر من نصف قرن.
ونصه:
بن ظالم هذا
بعام
وقد رأى المستشرق نولدكه Noeldeke ان هذا التاريخ بعد مفسد خيبر بعام- يصادف- 568-569م بعد الميلاد اي قبل التاريخ الهجري بأربع وخمسين سنة.
ص142
5- نقش ام الجمال الثاني:
نقش ام الجمال الثاني – عثر عليه في أم الجمال، ويعود تاريخع على أواخر القرن السادس بعد الميلاد، وهو أحدث نص عربي عثر عليه حتى الآن.
احدث نقش نصه عربي عثر عليه حتى الان.
ونصه كما قرأه ليتمان:
والذي يدقق النظر في النقوش المكتشفة في شمال الحجاز واقليم حوران وشبه جزيرة سيناء وكلها تنحصر بين عامى 250 للميلاد وخواتيم القرن السادس الميلادي يرى وجه الشبه بين النقوش العربية والنقوش النبطية الاصيلة ولحظ التطور الذي ادرك الكاتب وهي تجاوز اصلها النبطي الى صورتها العربية التي حذقها العرب قبل الاسلام ودونوا بها في الجاهلية الاخيرة مذكراتهم اليومية وربما تراسلوا وكتبوا بها المعلقات.
ص143
وهذه الكتابة التي اصبحت كتابة العرب الحجازيين كانت اول امرها غير منقوطة ولا مشكولة لحقها النقط والشكل في زمن متأخر قليلا خشية التصنيف واللحن.
هذا الذي نسوقه محدود بما اكتشف من نقوش قليلة لما يحتمل ان يحمله باطن ارض الجزيرة العربية على انه لو اظهرت الكشوف التي تقوم الان عن آثار الجزيرة لو اظهرت نقوشاً اخرى فيكون الحال بين امرين: اما ان تظهر النقوش مؤيدة للقول بأن اقرب حلقة الى الكتابة العربية هي الكتابة النبطية كما دلت عليها النقوش التي كشفت وقرئت او تظهر نقوش اخرى تحتاج الى اعادة نظر في هذا القول.
ويكشف البيان الاتي في انهره المختلفة تطور الكتابة بعد قراءة هذه النقوش ومقابلها بالكتابة العربية في شكلها المعاصر:
ص144
ص145
_________________
(1) (أ) بلاشير تاريخ الادب العربي (ترجمة ابراهيم الكيلاني) ط بيروت 1956 م70:1 وما بعده.
(ب) جواد علي تاريخ العرب قبل الاسلام 423:3،10:1، وما بعدها 36:7 ومابعدها.
(ج) خليل يحيى نامي اصل الخط العربي وتاريخ تطوره الى ما قبل الاسلام (بحث في مجلة كلية الاداب جامعة القاهرة) المجلد الثالث العدد الاول مايو 1935 م.
(د) شوقي ضيف تاريخ الادب العربي (العصر الجاهلي) ص32.
(هـ) محمد الكردي تاريخ الخط العربي ط القاهرة 1929 م 30-32.
(و) محمود شكري البوري نشأة الخط العربي وتطوره ط بغداد 1974 م ص 27-32.
(ز) ناصر الدين الاسد مصادر الشعر الجاهلي ص 25- 32.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|