الباء في قوله بالذي: للسببية لا للتعدية لدخولها على المخبر عنه، لأن الذي يجعل في هذا الباب مبتدأ لا خبراً كما ستقف عليه، فهو في الحقيقة مخبر عنه، فإذا قيل: أخبر عن زيد من قام زيد، فالمعنى: أخبر عن مسمى زيد بواسطة تعبيرك عنه بالذي؛ وهذا الباب وضعه النحويون للتدريب في الأحكام النحوية، كما وضع التصريفيون مسائل التمرين في القواعد التصريفية. وبعضهم يسمي هذا الباب باب السبك. قال الشارح: وكثيراً ما يصار إلى هذا الإخبار لقصد الاختصاص أو تقوي الحكم أو تشويق السامع أو إجابة الممتحن انتهى.
ص386
والكلام في هذا الباب في أمرين: الأول في حقيقة ما يخبر عنه، والثاني في شروطه. وقد أشار إلى الأول بقوله: (مَا قِيْلَ أَخْبِرْ عَنْهُ بالَّذِي خَبَرْ عَنِ الَّذِي مُبتدأ قَبْلُ اسْتَقَرْ) ما موصولة مبتدأ، وخبر خبرها، ومبتدأ حال من الذي الثاني، والذي الأول والثاني في البيت لا يحتاجان إلى صلة، لأنه إنما أراد تعليق الحكم على لفظهما لا أنهما موصولان، والتقدير.l ما قيل لك أخبر عنه بهذا اللفظ ــ أعني الذي ــ هو خبر عن لفظ الذي حال كونه مبتدأ مستقراً أولاً (وَمَا سِواهما) أي ما سوى الذي وخبره (فَوَسِّطْهُ صِلَهْ عائِدُهَا) وهو ضمير الموصول (خَلَفُ مُعطِي التَّكْمِلهْ) وهو الخبر فيما كان له من فاعلية أو مفعولية أو غيرهما (نحوُ الذي ضرَبْتُهُ زَيْدٌ فذا ضرَبتُ زيداً كانَ فادْرِ المَأخَذَا) أي إذا قيل لك: أخبر عن زيد من شربت زيداً، قلت: الذي ضربته زيد، فتصدر الجملة بالذي مبتدأ، وتؤخر زيداً وهو المخبر عنه فتجعله خبراً عن الذي، وتجعل ما بينهما صلة الذي، وتجعل في موضع زيد الذي أخرته ضميراً عائداً على الموصول. ولو قيل لك أخبر عن التاء من هذا المثال، قلت الذي ضرب زيداً أنا ففعلت به ما ذكر، إلا أن التاء ضمير متصل لا يمكن تأخيرها مع بقاء الاتصال. وإن قيل أخبر عن زيد من قولك زيد أبوك، قلت الذي هو أبوك زيد، أو عن أبوك قلت الذي هو زيد أبوك (وباللَّذَيْنِ والَّذِيْنَ والتي أَخْبِرْ مُرَاعِيَاً وفَاقَ المُثْبَتِ) وهو ما قيل لك أخبر عنه في التثنية والجمع والتأنيث، كما تراعى وفاقه في الإفراد والتذكير. فإذا قيل لك: أخبر عن الزيدين من نحو بلغ الزيدان العمرين رسالة، قلت: اللذان بلغا العمرين رسالة الزيدان، أو عن العمرين قلت: الذين بلغهم الزيدان رسالة العمرون، أو عن الرسالة قلت: التي بلغها الزيدان العمرين رسالة، فتقدم الضمير وتصله، لأنه إذا أمكن الوصل لم يجز العدول إلى الفصل، وحينئذٍ يجوز حذفه لأنه عائد
ص387
متصل منصوب بالفعل. ثم أشار إلى الثاني وهو ما في شروط المخبر عنه بقوله: (قَبولُ تأخيرٍ وتعريفٍ لِمَا أخْبِرَ عنهُ هَهنا قَدْ حتِما كذا في الغنى عنهُ بأجنَبِيَ أو بِمُضْمَرٍ شرْطٌ فراعِ ما رَعَوْا) اعلم أن الإخبار إن كان بالذي أو أحد فروعه اشترط للمخبر عنه تسعة أمور:
الأول: قبوله التأخير فلا يخبر عن أيهم من قولك أيهم في الدار لأنك تقول حينئذٍ الذي هو في الدار أيهم، فيخرج الاستفهام عما له من وجوب الصدرية، وكذا القول في جمع أسماء الاستفهام والشرط وكم الخبرية وما التعجبية وضمير الشأن، فلا يخبر عن شيء منها لما ذكرته. وفي التسهيل أن الشرط أن يقبل الاسم أو خلفه التأخير، وذلك لأن الضمير المتصل يخبر عنه مع أنه لا يتأخر ولكن يتأخر خلفه وهو الضمير المنفصل كما مرّ.
الثاني: قبوله التعريف فلا يخبر عن الحال والتمييز لأنهما ملازمان للتنكير فلا يصح جعل المضمر مكانهما لأنه ملازم للتعريف، وهذا القيد لم يذكره في التسهيل.
ص388
الثالث: قبول الاستغناء عنه بأجنبي، فلا يخبر عن اسم لا يجوز الاستغناء عنه بأجنبي ضميراً كان أو ظاهراً. فالضمير كالهاء من نحو زيد ضربته لأنه لا يستغني عنها بأجنبي كعمرو وبكر، فلو أخبرت عنها لقلت الذي زيد ضربته هو، فالضمير المنفصل هو الذي كان متصلاً بالفعل قبل الإخبار، والضمير المتصل الآن خلف عن ذلك الضمير الذي كان متصلاً، ففصلته وأخرته، ثم هذا الضمير المتصل إن قدرته رابطاً للخبر بالمبتدأ الذي هو زيد بقي الموصول بلا عائد وانخرمت قاعدة الباب، وإن قدرته عائداً على الموصول بقي الخبر بلا رابط، والظاهر كاسم الإشارة في نحو: {ولباسُ التقوى ذلك خير} (الأعراف: 26)، وغيره مما حصل به الربط، فإنه لو أخبر عنه لزوم المحذور السابق، وكالأسماء الواقعة في الأمثال، نحو الكلاب في قولهم. الكلاب على البقر، فلا يجوز أن تقول التي هي على البقر الكلاب لأن الكلاب لا يستغنى عنه بأجنبي لأن الأمثال لا تغير.
الرابع: قبوله الاستغناء عنه بالضمير فلا يخبر عن الاسم المجرور بحتى أو بمذ أو بمنذ لأنهن لا يجررن إلا الظاهر، والإخبار يستدعي إقامة ضمير مقام المخبر عنه كما تقدم، ففي نحو قولك: سرّ أبا زيد قرب من عمرو الكريم، ويجوز الإخبار عن زيد ويمتنع عن الباقي لأن الضمير لا يخلفهن، أما الأب فلأن الضمير لا يضاف، وأما القرب فلأن الضمير لا يتعلق به جار ومجرور ولا غيره، وأما عمرو والكريم فلأن الضمير لا يوصف ولا يوصف به. نعم إن أخبرت عن المضاف والمضاف إليه معاً أو عن العامل والمعمول معاً أو عن الموصوف وصفته معاً جاز لصحة الاستغناء حينئذٍ بالضمير عن المخبر عنه، فتقول في الأخبار عن المضاف مع المضاف إليه: الذي سره قرب من عمرو الكريم أبو زيد، وعن العامل مع المعمول الذي سر أبا زيد قرب من عمرو الكريم، وعن الموصوف مع صفته الذي سر أبا زيد قرب منه عمرو الكريم.
ص389
الخامس: جواز استعماله مرفوعاً، فلا يخبر عن لازم النصب كسبحان وعند.
السادس: جواز وروده في الإثبات فلا يخبر عن أحد وديار وعريب لئلا يخرج عما لزمه من الاستعمال في النفي.
السابع: أن يكون في جملة خبرية فلا يخبر عن اسم في جملة طلبية، لأن الجملة بعد الإخبار تجعل صلة والطلبية لا تكون صلة.
الثامن: أن لا يكون في إحدى جملتين مستقلتين نحو زيد من قولك قام زيد وقعد عمرو، وإلا يلزم بعد الإخبار عطف ما ليسصلة على الذي استقر أنه الصلة بغير الفاء فإن كانتا غير مستقلتين بأن كانتا في حكم الجملة الواحدة كجملتي الشرط والجزاء، وكما لو كان العطف بالفاء أو كان في الأخرى ضمير الاسم المخبر عنه جاز الإخبار لانتفاء المحذور المذكور. ففي نحو أن قام زيد قام عمرو تقول في الإخبار عن زيد: الذي إن قام قام عمرو زيد، وعن عمرو الذي إن قام زيد قام عمرو، وفي نحو قام زيد فقعد عمرو تقول في الإخبار عن زيد: الذي قام فقعد عمرو زيد، وعن عمرو: الذي قام زيد فقعد عمرو، لأن ما في الفاء من معنى السببية نزل الجملتين منزلة الشرط والجزاء. وفي نحو قام زيد وقعد عنده عمرو، تقول في الإخبار عن زيد: الذي قام وقعد عنده عمرو زيد، وعن عمرو: الذي قام زيد وقعد عنده عمرو، وفي نحو ضربني وضربت زيداً، ونحو أكرمني وأكرمته عمرو، تقول في الإخبار عن زيد: الذي ضربني وضربته زيد، وعن عمرو: الذي أكرمني وأكرمته عمرو.
التاسع: إمكان الاستفادة، فلا يخبر عن اسم ليس تحته معنى كثواني الأعلام نحو بكر ــــ من أبي بكر ــــ إذ لا يمكن أن يكون خبراً عن شيء.
ص390
تنبيهات: الأول الشرط الرابع في كلامهمغن عن اشتراط الثاني لأن ما لا يقبل التعريف لا يقبل الإضمار، وقد نبه في شرح الكافية على أنه ذكره زيادة في البيان. الثاني أو ــــ في قوله أو بمضمر ــــ بمعنى الواو لما بان لك أن الشروط المذكورة في النظم أربعة وأن الثالث والرابع لا يغني أحدهما عن الآخر، وقد عطف في الكافية ثلاثة شروط بأو فقال:
وَشرط الاسم مخبر عنه هنا جواز تأثير ورفع وغنى
عنه بأجنبي أو بمضمر أو مثبت أو عادم التنكر
مع عده كلا منها في الشرح شرطاً مستقلاً. الثالث سكت في الكافي أيضاً عن الثلاثة الأخيرة وقد ذكرها في التسهيل (وأخبروا هنا بأل) .
أي الموصولة (عَنْ بعض ما يَكونُ فيهِ الفعلُ قَدْ تَقَدَّمَا) أي يشترط لجواز الإخبار عن أل ثلاثة شروط زيادة على ما سبق في الذي وفروعه: الأول أن يكون المخبر عنه من جملة تقدم فيها الفعل ــ وهي الفعلية ــ وإلى هذا الإشارة بقوله: فيه الفعل قد تقدما. الثاني أن يكون ذلك الفعل متصرفاً. الثالث أن يكون مثبتاً فلا يخبر عن زيد من قولك زيد أخوك ولا من قولك عسى زيد أن يقوم ولا من قولك ما قام زيد، وإلى هذين الشرطين الإشارة بقوله: (إنْ صحَّ صَوْغُ صلَةٍ منهُ لأَلْ) إذ لا يصح صوغ صلة لأل من الجامد ولا من المنفي. ثم مثل لما يصح ذلك منه بقوله: (كصَوْغِ واقٍ مِنْ وَقَى اللَّهُ البطَلْ) فإن أخبرت عن الفاعل قلت: الواقي البطل ا أو عن المفعول قلت: الواقية ا البطل، ولا يجوز لك أن تحذف الهاء لأن عائد الألف واللام لا يحذف إلا في الضرورة كقوله:
مَا المُسْتَفِزُّ الْهَوَى مَحْمُوْدُ عَاقِبَةٍ
ص391
(وَإنْ يَكُنْ مَا رَفعتْ صِلَةُ أَلْ ضَمِيْرَ غَيْرها) أي غير أل (أُبِيْنَ وانْفَصلْ) وإن رفعت ضمير أل وجب استتاره ففي نحو قولك: بلغت من أخويك إلى الزيدين رسالة، إن أخبرت عن التاء فقلت: المبلغ من أخويك إلى الزيدين رسالة أنا كان في المبلغ ضمير مستتر لأنه في المعنى لأل لأنه خلف من ضمير المتكلم، وأل للمتكلم لأن خبرها ضمير المتكلم والمبتدأ نفس الخبر، وإن أخبرت عن شيء من بقية أسماء المثال وجب إبراز الضمير وانفصاله لجريان رافعه على غير ما هو له، تقول في الإخبار عن الأخوين: المبلغ أنا منهما إلى الزيدين رسالة أخواك، وعن الزيدين: المبلغ أنا من أخويك إليهم رسالة الزيدون، وعن الرسالة: المبلغها أنا من أخويك إلى الزيدين رسالة: فالمبلغ خال من الضمير في هذه الأمثلة لأنه فعل المتكلم وأل فيهن لغير المتكلم لأنها نفس الخبر الذي أخرته، فأنا فاعل المبلغ وضمير الغيبة هو العائد، وكذا تفعل مع ضمير الغيبة فتقول في الإخبار عن ضمير الغائب الفاعل من نحو زيد ضرب جاريته زيد الضارب جاريته هو، ففي الضارب ضمير أل مستتر لجريانه على ما هو له، فإن أخبرت عن الجارية قلت: زيد الضاربها هو جاريته فلا ضمير في الضارب بل فاعله الضمير المنفصل لجريانه على غير ما هو له.
خاتمة: يجوز الإخبار عن اسم كان بأل وغيرها فتقول في نحو كان زيد أخاك: الكائن أو الذي كان أخاك زيد، وأما الخبر ففيه خلاف والصحيح الجواز نحو: الكائنة أو الذي كانه زيد أخوك، وإن شئت جعلته منفصلاً فقلت: الكائن أو الذي كان زيد إياه أخوك، وعن الظرف المتصرف فيجاء مع الضمير الذي يخلفه بفي كقولك مخبراً عن يوم الجمعة من صمت يوم الجمعة: الذي صمت فيه يوم الجمعة، فإن توسعت في الظرف وجعلته مفعولاً به على المجاز جئت بخلفه مجرداً من في، فتقول: الذي صمته يوم الجمعة. واعلم أن باب الإخبار طويل الذيل فليكتف بما تقدم وا أعلم.
ص391