أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-04-01
909
التاريخ: 22-6-2016
8290
التاريخ: 22-6-2016
5418
التاريخ: 17-1-2019
3952
|
اذا كان استقلال القضاء عن السلطة التنفيذية لم يعرف في الدول الغربية الا في اوائل القرن التاسع عشر فقد سبقها الاسلام به(1). إذ إن الحكم بالعدل من واجبات رئيس الدولة في الإسلام وهو مسؤول أمام الله عن رعيته ومسؤول كذلك أمام الأمة أو الشعب الذي يملك الحق في محاسبته(2). وقد كان القضاء في بداية نشوء الدولة الإسلامية في المدينة المنورة على عهد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يتولاه النبي عليه الصلاة والسلام بنفسه بين الناس أو يعهد به إلى بعض الولاة في توليتهم أمر الولاية الإدارية والسياسية فلم يكن القضاء نظاماً مستقلاً في بادئ الأمر عن السلطة التنفيذية (3) , واستمر الحال هكذا في زمن الخليفة أبي بكر ، وبعد أن اتسعت الدولة الإسلامية في عهد الخليفة عمر استقل القضاء عن الولاة وأصبح الخليفة هو الذي يتولى القضاء أو يكون أمر توليتهم من الوالي عندما يخوله الخليفة أمر تولية القضاء . أو يوكل أمر توليتهم إلى من كان يسمى (قاضي القضاة) في زمن الدولة العباسية(4). وللاحاطة بموضوع الدراسة سوف نتطرق لة في نقطتين: -
اولاً :الاستقلال حق للقاضي وواجب عليه
ولمّا كان القضاء هو ديناً يحاسب عليه القاضي فإن من حقه أن يرفض التدخل في شؤون عمله القضائي ليتجنب سخط الله إذ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) {{ إن القضاة ثلاثة واحد في الجنة واثنان في النار ، فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضى به ، ورجل عرف الحق فجار عنه فهو في النار ، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار }}(5). وإن استقلال القاضي حق له ، مصدره الشرع إلاّ أن هذا الحق في جذوره هو واجب شرعي على القاضي ، ودليل كونه واجباً هو أن القاضي لا يستطيع أن يتنازل عن استقلال قضائه ، ولو كان حقاً خاصاً لاستطاع التنازل عنه مثل باقي الحقوق الشخصية ، وأن تدخل ولي الأمر في عمل القاضي معصية والقاعدة في الشريعة الإسلامية أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، ممّا جاء في الحديث {السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية ، فإذا أُمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة}(6) . نقل عن الفقيه المالكي أشهب أنه قال (من واجب القاضي أن يكون مستخفاً بالأئمة) وفسر ذلك ، أي مستخفاً بتوسطاتهم وشفاعاتهم ، وإذا لم يستطع القاضي الحفاظ على استقلاليته في الحكم وجب عليه الاسـتقالة من وظيفته(7). بل يتوجب على الشخص إذا علم أنه لا يستطيع أن يتمتع بالاسـتقلال في الحكم أن يمتنع عن قبول منصب القضاء ، فنجد لذلك مثلاً الفقيه أبا حنيفة عندما امتنع عن قبول منصب القضاء من المنصور العباسي رغم إصرار الأخير على قبوله إذ قال له أبو حنيفة: (اتق الله ، ولا تشرك في أمانتك إلاّ من يخاف الله ، والله ما أنا بمأمون الرضا ، فكيف أكون مأمون الغضب ، وأني لا أصلح لذلك ، فصاح به المنصور قائلاً : كذبت أنت تصلح ، فرد عليه أبو حنيفة قائلاً : قد حكمت على نفسك فكيف يحل لك أن تولي قاضياً على أمانتك وهو كذاب) . فإذا كان الاستقلال متحصلاً وتوافرت فـي الرئيس الأعلى الصفات المطلوبة وجب على من كانت له أهلية القضاء أن يجيب لذلك ، ولا يجوز له الرفض في حال دعوته لذلك(8). لذا نجد أن القضاة في صدر الإسلام وعهوده الأولى كانوا يتمتعون باستقلال في عملهم القضائي ويحكمون حتى على الخلفاء في خصوماتهم إذا كان الحق عليهم ويقفون في وجه السلاطين والامراء عندما يحاولون ان يسخروا القضاء لخدمة مصالحهم (9). ، ومن خلال ذلك ، ومن الحصانة التي يتمتع بها القاضي من تدخل ولي الأمر في عمله يطمئن الناس على حقوقهم فلا يخافون جور السلطان ولا بغي ذوي الجاه لأن القاضي سيعمل بالحق فيهم . ويناقش الفقه الإسلامي في مسألة أنه ، في بعض الحالات ، تجتمع السلطة القضائية والسلطة التنفيذية بيد الخليفة فكيف يتم ضمان استقلال القضاء ؟ وجواب ذلك أن الخليفة عندما يمارس العمل القضائي فإنه يخضع في أعماله لما يخضع له القضاة الآخرون من جهة ضوابط المرافعة ووسائل الإثبات وقواعد الحكم التي منها عدم جواز نظره لقضية هو فيها خصم ، مدعٍ أو مدعى عليه ، أو أن أحد خصومها ممن لا تجوز الشهادة له وغير ذلك من القواعد ، وأنه بناءً على المصالح المرسلة وسد الذرائع ، لا يجوز لرئيس الدولة القيام بوظيفة القضاء ، دفعاً للتهمة عن نفسه وخشية انحرافه(10). وإذا كان مبدأ استقلال القضاء أمراً مهماً وضرورياً في ظل نظم الحكم الاستبدادية ، التي استبد فيها الملوك والنبلاء ورجال الدين ، ممّا استوجب في فرنسا قيام الثورة الفرنسية وإقرار نظام الفصل بين السلطات لضمان الحريات الفردية وكذلك في ظل نظم الحكم الدستورية التي تنص دساتيرها على أن الملك غير مسؤول وأن ((ذاته مصونة لا تمس)) ، فانه رغم عدم وجود نظام الفصل بين السلطات على النحو الذي وجد في الديمقراطيات الغربية ، فان الشريعة الاسلامية تجعل السلطة القضائية سلطة تعلو فوق كل السلطات ، فهي فوق الخليفة أو الإمام أو رئيس الدولة أيا كان ، إذ نجد في ظل هذا النظام الإسلامي أهم ضمانة للحريات وهي أن الناس متساوون , والذي يساوي فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نفسه بأي فرد، في القضاء والقصاص يقول عمر بن الخطاب (رض) [رأيت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يقص من نفسه] (11). فقد ورد أنه [بينما رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يقسم شيئاً ، إذ أكب عليه رجل ، فطعنه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، بعرجون كان معه ، فجرح الرجل ، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : تعال فاستقد ، قال : بل عفوت يا رسول الله] (12). ونجد ان الامام علياً ( عليه السلام ) في اثناء خلافته تخاصم مع يهودي امام القاضي شريح , فقام له شريح عندما دخل عليه الامام فاعترض عليه الامام وقال له ( هذا اول جورك ) , في قضية درع الامام المشهورة (13) . كذلك نجد أن عمر بن الخطاب ، مثل هو وخصمه أبي بن كعب أمام زيد بن ثابت ليقضي بينهما فيلقي زيد لعمر وسـادة فيقول له عمر (هذا أول جورك) . ويجعل عمر ابن المصري يقتص من ابن عمرو بن العاص والي مصر ويقول له : أضرب ابن الأكرمين(14). وهكذا نجد أن الشريعة الإسلامية كانت قد عرفت الفصل بين السـلطات من خلال الفصل بين السلطة التنفيذية والسلطة القضائية(15).
ثانياً : رقابة القضاء في الفقه الإسلامي
إذا كانت النتيجة التي توصلنا إليها هي أن القضاء مستقل في الشريعة الإسلامية لا سلطان عليه لغير الأحكام الشرعية إلاّ أن ذلك لا يمنع من أن تكون هناك رقابة على عمل القاضي وذلك للتثبت من حسن قضائه وأدائه واجبه على النحو الأفضل ولمّا كان القاضي هو وكيل رئيس الدولة في أداء عمل القضاء ومن حق الموكل أن يراقب وكيله في ما يقوم به من أعمال على الوجه المشروع ، فإن هذه الرقابة لا تعارض استقلال القاضي أو أداء واجبه"(16). وقد رأى الأمام علي عليه السلام أن واجب ولي الأمر إقامة العدل بين الرعية من خلال مراقبة أعمال القضاة وتصرفاتهم من حين لآخر ، مع اتصافهم بأوصاف القضاة الصالحين والفضلاء ، لأن محاسبة النفس والشعور بالمسؤولية قد يكون ضئيل الأثر في نفوس بعض المسؤولين فأراد عليه السلام أن يقويه ويعمقه في نفوس القضاة خاصة ، فعهد إلى عامله أن يكثر تعاهد قضائه – القاضي – أي تطلعه إلى أحكامه وأقضيته(17). ومن ثمّ فإنه [ ينبغي للإمام أن يتفقد أحوال القضاة فإنهم قوام أمره ورأس سلطانه ، وكذلك قاضي الجماعة ، فينبغي له أن يتفقد قضاته ونوابه ويتصفح أقضيتهم ويراعي أمورهم وسيرتهم في الناس وعلى الإمام والقاضي الجامع لأحكام القضاء أن يسأل الثقات عنهم] (18). كذلك يبدو أنه يجب عليه أن يراقب القضاة في سرعة إنجاز دعاواهم القضائية المعروضة عليهم وسرعة إيصال الحقوق إلى أصحابها لأن تأخير الفصل فيها يمثل مطلاً يوجب إثماً ويؤدي إلى ظلم صاحب الحق ، لأن عدم إيصال الحق له بسرعة أي في وقته ، وإن حصل عليه فيما بعد ، يمثل ظلماً وإخلالاً بالعدالة أو ما يسمى (عدالة ناقصة) ، وبذلك فإن [القاضي بتأخير الحكم يأثم ويعزر ويعزل] (19).
___________________
- علي علي منصور , نظم الحكم والادارة في الشريعة الاسلامية والقوانين الوضعية , دار الفتح , بيروت , 1971 , ص 364 .
2- د. محمد عبد الجواد محمد ، المصدر السابق ، ص113 .
3- د. فاروق عمر . النظم الاسلامية , الصين 1983 , ص 125 ؛ و د. محمد سلام مدكور . القضاء في الاسلام , دار النهضة العربية , ص 23 .
4- علي الفنطاسي ، المصدر السابق ، ص786 .
5- مر تخريجه سابقاً .ص31.
6- العسقلاني ، فتح الباري ، ج13 ، ص121-122 .
7- د. عبد الكريم زيدان ، المصدر السابق ، ص73 .
8- باقر شريف ، المصدر السابق ، ص335 .
9- د . محمد فاروق النبهان . المدخل للتشريع الاسلامي , دار القلم , بيروت 1977 , ص 344 .
0- د. عبد الكريم زيدان ، المصدر السابق ، ص73-75 .
1- سنن النسائي ، ج8 ، ص31 .
2- سنن النسائي ، ج8 ، ص29 .
3- د . صبحي محمصاني . المجتهدون في القضاء , دار العلم للملايين , بيروت 1980 , ص 36 .
4- د. محمد عبد الجواد ، المصدر السابق ، ص116 .
5- د. صلاح الدين الناهي ، بحث عن حقوق الإنسان والضمانات القضائية ، مجلة القضاء ، عدد3-4 ، 1980 ،ص15 .
6- د. عبد الكريم زيدان ، المصدر السابق ، ص77 .
7- توفيق الفكيكي ، الراعي والرعية ، ص67.
8- ابن فرحون المالكي ، المصدر السابق ، ج1 ، ص77 .
9- ابن عابدين ، رد المحتار على الدر المختار ، ج5 ، 443 .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|