أقرأ أيضاً
التاريخ: 6-6-2016
3620
التاريخ: 5-12-2017
2644
التاريخ: 6-12-2017
2755
التاريخ: 19-6-2018
2017
|
وتبدو القيمة الذاتية للشكل في استقلاله عن الإرادة ، فوجود الإرادة لا يغني عن وجود الشكل، ووجود الشكل لا يغني عن وجود الإرادة ، وهو ما نتناوله في الفقرتين الآتيتين:-
أولاً: وجود الإرادة لا يغني عن وجود الشكل
لقد كان القانون الروماني قانونا شكليا وبالأخص في عهوده الأولى فلم يكن فيه مجال للتصرفات المجردة عن الشكل، إذ كان التصرف القانوني عبارة عن تصرف مجرد من السبب لابد لنشاته وانتاج آثاره القانونية من طقوس وإجراءات تتصف بالعلانية ودون الاهتمام أو إيلاء نظر إلى الإرادة وما قد يصيبها من عيب او فقدان السبب، فمتى ما أتم المتعاقدان الطقوس والإجراءات التي حددها القانون يولد التصرف وينتج آثاره، وبعكسه فإذا وقع خطا في تلك الإجراءات أو الطقوس كان العقد باطلاً. ومن هنا نشأت القاعدة الرومانية القائلة: ((أن الاتفاق المجرد لا ينشا التزاما ولا تحميه دعوى)). فالشكلية ليست مجرد تعبير عن الإرادة وإنما هي العنصر الوحيد الذي يهتم به القانون ويرتب عليه الأثر(1).إلا أن الوضع قد تغير في القانون الحديث حيث اصبح للإرادة ما كان للشكل في القانون الروماني، فقد كان للأفكار الفردية اثر بالغ في الفكر القانوني، فظهرت نظريات تدعو إلى إطلاق يد الإرادة في التصرف القانوني وتحريرها من كل قيد يمكن أن يحد من قدرتها الأمر الذي أدى إلى سيادة مبدا سلطان الإرادة ، والذي جعل من الإرادة جوهر التصرف القانوني سواء من حيث إنشاؤه أو من حيث ترتيب آثاره(2). ولكن هذا الدور الذي أعطى للإرادة في نطاق التصرف القانوني لا يعني بتاتاً أنها العنصر الوحيد في هذا التصرف وانما ينبغي الإقرار بأنها تمثل عنصرا جوهرياً فيه، فالقول بان الإرادة هي العنصر الوحيد في التصرف القانوني إنما يجافي الحقيقة وينافي الواقع الذي يؤكد وبصورة
لا تقبل الشك ان الإرادة ظاهرة نفسية لا يعتد بها القانون الا إذا ظهرت في ثوب اجتماعي هو التعبير عنها. ومن هنا فان التصرف القانوني في القانون الحديث ينبسط على عنصرين: أولهما الإرادة، وثانيهما التعبير. وإذا ما انتقلنا إلى نطاق التصرفات الشكلية، ووضعنا في الاعتبار أن الشكل يمثل صورة خاصة للتعبير عن الإرادة ، تحصل لدينا ان للتصرفات الشكلية عنصرين: هما الإرادة والشكل. ومع أن الشكل هو انعكاس للإرادة فانه ذو قيمة ذاتية مستقلة عنها، فعندما يقرر المشرع شكلاً للتصرف القانوني فانه يهدف بذلك إلى حماية مصلحة معينة رأى أن فرض هذا الشكل هو السبيل الوحيد لحمايتها، لذلك نجده يحدد وسائل التعبير عن الإرادة في صورة معينة ولا يمنح الأفراد حرية اللجوء إلى وسيلة أخرى، حتى ولو كان من شان هذه الوسيلة أن تؤدي إلى تحقيق الغاية ذاتها التي سعى المشرع إلى تحقيقها من خلال فرض الشكل. ومن هنا فان المشرع لا يقيم وزنا للتعبير عن الإرادة في غير الشكل المطلوب بل لا يكون للتصرف في هذه الحالة وجود في نظره، فليس هناك إجراء آخر يحل محل الشكل الذي حدده المشرع لنشأة التصرف(3). وعليه فان صحة التصرف الشكلي تستلزم توافر عنصرين، مع الإشارة إلى انه لا يوجد تلازم بينهما من حيث الصحة، فإذا كان أحدهما صحيحاً فان ذلك لا يعني صحة العنصر الآخر وانما يجب على القاضي أن يبحث في صحة كل عنصر على حده، فعندما تكون الإرادة صحيحة وخالية من العيوب فان ذلك لا يؤدي إلى صحة التصرف دون النظر إلى الشكل الذي فرضه المشرع، إذ يتعين على القاضي أن يبحث في صحة الشكل المفروض من حيث الشروط والإجراءات التي فرضها المشرع. فإذا كان الشكل خاليا من العيوب حكم القاضي في هذه الحالة بصحة التصرف القانوني.
ثانياً. وجود الشكل لا يغني عن وجود الإرادة
إن توافر الشكل لا يغني عن البحث في الإرادة ، وذلك لان وظيفة الشكل في القانون الحديث تختلف عن وظيفته في القانون الروماني، فالشكلية الحديثة ليست بديلاً عن الإرادة (4). وانما هي تعبير عنها بأسلوب محدد من قبل المشرع. ولذلك لا يكفي توافر الشكل لصحة التصرف الذي يشترط فيه، إنما يجب أن تكون وراءه إرادة حرة متنورة تهدف إلى غايات لا اعتراض للقانون عليها(5). ويترتب على ذلك أن توافر الشكل لا يكون عقبة في وجه الطعن بالتصرف الشكلي بالصورية أو عيوب الرضا أو حتى قيام القاضي بتفسير التصرف الشكلي(6)، ومن باب أولى فان غياب الإرادة أو انعدامها يؤدي إلى بطلان التصرف الشكلي(7). ولذلك يشترط لصحة التصرف الشكلي إضافة إلى توافر الشكل القانوني توافر الشروط الثلاثة الآتية:
1. وجود الإرادة
يشترط في التصرف القانوني، بصورة عامة، أن تتوفر أركانه التي يقف في مقدمتها التراضي الذي مناطه الإرادة، فهو يوجد بوجودها وبتوجهها إلى إحداث اثر قانوني وبالتعبير عنها(8). والتصرف الشكلي لا يختلف في هذا المجال عن التصرفات غير الشكلية، فقد اجمع الفقه واستقر القضاء على ان التصرف الشكلي يجب أن يتضمن إرادة حقيقية، فالشكلية لاتعد حكما سابقا فيما يتعلق بحقيقة التصرف الداخلية(9)، إذ أن توافر الشكل لا يغني عن وجود إرادة مستترة خلفه تكون مدركة تماما لحقيقة التصرف، ومتجهة إلى الحقوق والالتزامات التي تترتب عليه. وفي حالة انعدامها أو تخلفها فان البطلان يكون جزاءً لهذا التصرف على الرغم من توافر الشكل فيه(10). وقد عبرت محكمة التمييز العراقية عن وجوب وجود الإرادة في التصرفات الشكلية بإبطالها معامله بيع أجراها محجور، فقد جاء في قرارها ((لدى التدقيق والمداولة من قبل الهيئة الموسعة الأولى لمحكمة التمييز وجد أن محكمة البداءة قد أتبعت بحكمها المميز الأخير الصادر بتاريخ 24/5/83 قرار النقض الصادر من محكمة التمييز بعدد 305/م2/82-1983، فقضت بإبطال معاملة بيع الدار موضوع الدعوى التي أجراها مالكها –المحجور عليه– لزوجته المميزة المدعى عليها في دائرة التسجيل العقاري والمسجلة بعدد 78 تشرين أول سنة 1981، بلد 94، وأعادتها إلى مالكها المذكور بناء على ما تحقق لديها من التقارير الطبية المعطاة بحقه من قبل اللجنة الطبية النفسية والعصبية الدائمة المبرزة في الدعوى من ابتلائه بمرض عقلي هو خرف الشيخوخة الذي سبب فقدان أهلية الأداء لديه وجعله غير مقدر للمسؤولية وإدارة شؤونه بنفسه، وبالتالي محجور عليه لذاته وبحكم القانون عملاً بحكم المادة (94) من القانون المدني، وتكون بالتالي خصومة المدعي – القيم عليه- متوجهة قانونا ضد المميز عليه في هذه الدعوة مما يجعل للأسباب المتقدمة الاعتراضات التمييزية غير واردة. قرر ردها وتصديق الحكم البدائي المميز وتحميل المميزة رسم التمييز وصدر القرار بالأكثرية في 26/6/1984(11))). وتطبيقاً لذلك قضت محكمة النقض المصرية ببطلان الهبات الصادرة من شخص لم تكن قواه العقلية سليمة نتيجة لتقدم السن بقولها ((متى ما كان الحكم قد انتهى إلى أن حالة مورثة الخصوم العقلية لم تكن تسمح لها بان تأتي أو تعقل معنى أي تصرف استنادا إلى الأسباب السائغة التي أوردها، وان الهبات والقروض المقول بصدورها من المورثة لم تصدر منها عن رضاء صحيح، وبالتالي يتحمل المسؤولية عنها من كان يتولى إدارة أموالها والتصرف فيها فانه لا مخالفة في ذلك للقانون(12))). ويستلزم التصرف الشكلي بالإضافة إلى وجود الإرادة أن تكون هذه الإرادة جدية فيما انصرفت إليه من حقوق والتزامات يمكن أن تترتب على التصرف، وبعبارة اكثر دقة فان استيفاء التصرف للشكل المفروض لا يمنع الطعن بصوريته إذا كان يخفي حقيقة مغايرة للوضع الظاهر الذي ابرم فيه، ذلك لان من شروط نجاح الطاعن بالصورية في طعنه أن تتوافر جميع الشروط الشكلية والموضوعية في التصرف الظاهر(13)، مما يعني أن العقد الظاهر إذا كان شكليا وجب أن يستوفي الشكل المخصص لهذا العقد، وذلك لان الغرض من الصورية هو إخفاء الحقيقة التي أرادها المتعاقدان وهذا لا يكون إلا إذا كان الوضع الظاهر لا يدع شكا في انه التصرف الذي قصده المتعاقدان، مثال ذلك أن يذكر في عقد البيع ثمن اقل من الثمن الحقيقي تخفيفا من رسوم التسجيل، فالعقار المبيع هنا يكون قد تم تسجيله ومع ذلك فانه يجوز لكل ذي مصلحة الطعن بصوريته فيما يتعلق بالثمن، وكذلك الصورية في الهبة التي في صورة بيع، فعلى الرغم من تسجيل البيع يستطيع من له مصلحة الطعن بصوريته(14). وفي ذلك تقول محكمة النقض المصرية ((يجوز لمن كسب من البائع حقا على المبيع -كمشتر ثان- أن يثبت بكافة طرق الإثبات صورية البيع الصادر من سلفه صورية مطلقة ليزيل جميع العوائق القائمة في سبيل تحقيق اثر عقده ولو كان العقد المطعون فيه مسجلاً، فالتسجيل ليس من شانه أن يجعل العقد الصوري عقدا جديا، كما أن التسجيل لا يكفي وحده لنقل الملكية بل لابد أن يرد على عقد جدي…(15). كما قضت بان ((الصورية النسبية التدليسية التي تقوم على إخفاء رهن وراء البيع تعد تحايلا على القانون مما يترتب عليه بطلان البيع وللمتعاقد أن يثبت بكافة طرق الإثبات ومنها البينة والقرائن أن العقد لم يكن بيعاً وإنما هو على خلاف نصوصه يخفي رهناً(16). إلا أن المشرع العراقي لم يقبل الطعن بصورية التصرفات الواردة على عقار بعد تسجيلها في دائرة التسجيل العقاري(17). ولكن هذا الحكم لم يكن موضع اتفاق الفقه من حيث النطاق، فبينما ذهب بعض الكتاب(18). إلى أن المنع من الطعن بالصورية في التصرفات الواردة على عقار إنما يسري في حق كل من المتعاقدين والغير فالنص مطلق لا يميز بينهما، وإتاحة المجال للغير للطعن في الصورية إنما ينطوي على محاذير فالعقد في حق الغير واقعة مادية وهذا يتيح إثبات الصورية بكل وسائل الإثبات بما في ذلك الشهادة. فان كتابا آخرين قد رأوا –بحق– أن المنع يسري بحق المتعاقدين فقط، أما الغير فان له أن يطعن في الصورية لكي يمنع المتعاقدين من العبث في حقوقه(19). وبناء على هذا الرأي يجوز، مثلاً، لدائرة ضريبة الدخل أو لدائرة التسجيل العقاري (بوصفها من الغير) أن تثبت أن الثمن الحقيقي الذي تم به بيع العقار يزيد على الثمن المسجل في دائرة التسجيل العقاري، وانه قد سجل بهذا المقدار بغية التقليل من الضريبة أو رسوم التسجيل العقاري، بل ويجوز أيضا للشفيع بوصفه من الغير أن يثبت أن الثمن المسجل في دائرة التسجيل العقاري يزيد على الثمن الحقيقي وانه سجل كذلك لحرمانه من حق الشفعة. والواقع أن حكم المشرع العراقي هذا قد اقتصر على العقارات، فلم يرد حكم مماثل بالنسبة إلى المنقولات ذات الطبيعة الخاصة كالسفينة (20). والمركبة(21). والماكنة(22). ومن ثم فإننا نرى أنه من الممكن الطعن بالصورية في التصرفات الواردة على هذه المنقولات بعد تسجيلها. ومما تجدر الإشارة إليه بهذا الصدد إن الطعن في الصورية في التصرفات الشكلية حيث يكون الشكل ورقة رسمية(23). لا يعني الخروج على القواعد المقررة في شان حجية السندات الرسمية في الإثبات(24). وذلك لأنه يجب التمييز فيما يتعلق بحجية هذه السندات بين واقعة الإقرار التي تقع أمام الموظف المختص وبين صحة الإقرار في ذاته، فوصف الرسمية يلحق واقعة الإقرار فقط وهي لا يجوز الطعن فيها إلا بالتزوير، وهذا على خلاف صحة الإقرار في ذاته فهي لا تتمتع بحجية السندات الرسمية، ومن ثم يجوز إثبات خلافها بجميع طرق الإثبات، فما أثبته الموظف المختص من بيانات وأمور في حدود مهمته أو ما أدلى به ذوو الشأن في حضوره إنما يكتسب حجية السندات الرسمية ومن هذا يعد التمسك بعدم وقوعها طعناً في أمانة الموظف، الأمر الذي يستوجب الطعن في الورقة بالتزوير. أما إذا نازع المتعاقدان في صحة ما تم التقرير به أمام الموظف المختص فهذا لا يمس أمانة الموظف ومن ثم يجوز التمسك بصورية العقد الرسمي أو بعدم نفاذه دون الحاجة إلى الطعن بالتزوير(25). وقد كان لهذا التمييز صداه، ومن ذلك ما ورد في قانون الإثبات العراقي والمصري(26). بل ان المذكرة الإيضاحية للقانون المدني المصري قد قالت في هذا الشان ((والواقع انه ينبغي تحاشي الخلط بين صحة واقعة انعقاد العقد وصحة هذا العقد في ذاته، فإذا اقر ذوو الشان بمحضر من الموظف أن أحدهما باع وان الآخر اشترى فالورقة الرسمية تعتبر حجة على صدور الإقرارين واثبات الموظف لهما بعد أن اتصلا بسمعه إلى أن يطعن فيهما بالتزوير أما حقيقة هذين الإقرارين في ذاتهما من حيث مبلغ مطابقتهما للواقع فلا حيلة للموثق في العلم بها وإثباتها لأنها ليست مما يقع تحت حسه))(27). والواقع أن الاختلاف بين هذين الأمرين من جهة اشتراط وجود إرادة حقيقية، وتستوي في هذا البيانات التي دونها الموظف في حدود اختصاصه وتلك التي حدثت أمامه، وكذلك تلك التي وردت على لسان ذوي الشأن، فالفارق بينهما إنما يتمثل تحديدا في طريقة الإثبات(28). وهذا يعني ان الطعن بالصورية جائزاً عندما يكون الشكل رسمياً(29). ويلزم، من باب أولى، ان يكون مثل هذا الطعن جائزاً على صعيد غيره من الإشكال الأخرى(30).
2. سلامة الإرادة
لئن استلزم التصرف الشكلي وجود إرادة جدية، فان هذا وحده لا يكفي في الواقع لصحة التصرف وإنما يلزم إلى جانب ذلك أن تكون هذه الإرادة سليمة خالية من العيوب(31). وإلا كان التصرف موقوفا وجاز لمن تقرر الوقف لمصلحته أن ينقضه خلال ثلاثة اشهر من تاريخ ارتفاع الإكراه أو تبين الغلط أو انكشاف التغرير(32). وهذا هو ما جعل خلو الإرادة من العيوب يعد شرطاً لصحة الشكل الرسمي(33). ومن هنا فإذا قيل فيما يتصل بالتصرفات العقارية أن الملكية تنتقل بالتسجيل فانه ينبغي قبل ذلك والى جانبه أن يكون هناك تصرف صالح من جميع الوجوه، إذ أن التسجيل ليس إلا وسيلة لاعلان التصرفات المقصود بها نقل الحقوق العينية(34)، وان خلو الإرادة من العيوب هو وجه اظهر بين هذه الوجوه، ولذا فان التسجيل لا يمنع من المطالبة بإبطال التصرفات العقارية إذا ما تبين أن الإرادة غير سليمة، ويعبر عن ذلك بان التسجيل في السجل العقاري لا يصحح عقداً باطلاً(35). وقد كان هذا المعنى واضحاً في ذهن المشرع العراقي حين وضع نصوص قانون التسجيل العقاري، إذ قضى بجواز إبطال التسجيل ومن ثم إبطال السند، ويعني هذا كذلك بطلان التصرف العقاري الذي ترتب عليه التسجيل، فقد نصت المادة (139) من قانون التسجيل العقاري على انه ((يتم إبطال التسجيل العقاري استنادا إلى قرار من الوزير قبل اكتساب التسجيل شكله النهائي وفقاً لإحكام هذا القانون، أما إذا كان التسجيل قد اكتسب الشكل النهائي فلا يجوز إبطاله إلا بحكم قضائي حائز درجة البتات 2. إذا ابطل التسجيل يبطل السند تبعا له)) وهذه المادة تفيد صراحة إمكان إبطال التسجيل بناء على حكم قضائي حائز درجة البتات الأمر الذي يتحصل منه أن بوسع الشخص الذي شاب رضاءه أحد العيوب أن يلجا إلى المحكمة المختصة للمطالبة بإبطال التسجيل بناء على رغبته في نقض العقد الذي توقف لمصلحته، وذلك بعد إثبات ما يدعيه على أن هذا الأمر ينطوي في الغالب على عسر وصعوبة، فإذا ابطل التسجيل ترتب على ذلك عودة الحقوق العينية الأصلية في العقار إلى الحالة التي كانت عليها قبل التسجيل وبطلان جميع الحقوق العينية التبعية وإشارات الحجز الواقعة بعد التسجيل(36). ويخلص من هذا أن الشكل الرسمي في التصرفات العقارية لا يمنع من الطعن بالتصرف العقاري بعد تسجيله بسبب عيوب الإرادة. وينطبق الأمر ذاته على الشكل الرسمي الذي تخضع له التصرفات الواردة على الماكنة، فهذه التصرفات لا تنعقد إلا إذا تم تسجيلها لدى دائرة الكاتب العدل المختصة(37). ولكن هذا الشكل لا يمنع من الطعن في التصرفات الواردة على الماكنة بسبب عيوب الارادة، ومن ثم الوصول إلى إبطال التصرف ومن ثم أبطال السند الذي انتظم الحقوق الواردة على الماكنة، وهو ما تسمح به نصوص قانون الكتاب العدول ذي الرقم 33 لسنة 1998، فقد نصت المادة (45) منه على انه ((لا يجوز إبطال السندات المنظمة أو الموثقة من الكاتب العدل الا بحكم قضائي أو باتفاق الطرفين مع مراعاة الأحكام المتعلق بعزل الوكيل)). ويتحصل لدينا من كل هذا أن المشرع العراقي قد أولى التصرف الشكلي اهتماما معمقا ينم عن إدراك بان هذا التصرف يلتئم على عنصرين يستقل أحدهما عن الاخر، وانه لا يصح دون توافرهما معاً. ولكن إذا جاز الطعن في الشكل الرسمي بناء على عيب من عيوب الإرادة فان مثل هذا يجوز ايضا، ومن باب أولى، لدى تعلق الأمر بالشكل العرفي.
3. أن يكون للإرادة سبب مشروع
إن صحة التصرف الشكلي تقتضي كذلك تحرك الإرادة لتحقيق غاية معينة وتتطلب ان تكون هذه الغاية مشروعة. وبعبارة أخرى أن التصرفات الشكلية يجب أن تتضمن سببا وان يكون هذا السبب مشروعاً، فإذا تخلف السبب أو كان غير مشروع بطل التصرف الشكلي سواء كان الشكل رسمياً أو عرفياً(38). ويجدر بالذكر فيما يتعلق بالشكل الرسمي ان بالإمكان إبطال تسجيل الحق العيني لدى دائرة مختصة معينة كدائرة التسجيل العقاري فيما يتصل بالعقارات ودائرة الكاتب العدل فيما يتصل بالمكائن، ويقع هذا إذا حصل المتعاقد على حكم قضائي ببطلان التصرف لتخلف السبب أو لعدم مشروعيته فالسندات الصادرة من تلك الدائرة المختصة تبطل إذا قضى بذلك حكم قضائي(39). أما فيما يتعلق بالشكل العرفي فان تطلب وجود السبب ومشروعيته يبدو واضحاً في نطاق أحكام الأوراق التجارية، فهذه الأخيرة عبارة عن تصرف إرادي يتسم بطابع الشكلية(40). وهي لا تنشأ وتكون صحيحة إلا إذا توافرت فيها شروط موضوعية وأخرى شكلية(41). ومما ينضوي تحت الشروط الموضوعية للورقة التجارية هو أن يكون هناك سبب وان يكون هذا السبب مشروعاً((42).ويتمثل السبب هنا في علاقة سابقة على الورقة التجارية تنشا الأخيرة تنفيذا لها، ويعبر عنها ب ((وصول القيمة(43)))، ويترتب على عدم وجود سبب للورقة الحكم ببطلانها.
_____________________
- انظر د. صوفي حسن أبو طالب: الوجيز في القانون الروماني، دار النهضة العربية، القاهرة، 1965،
ص290 و299-330). د. عبد السلام الترمانيني: الوسيط في تاريخ القانون والنظم القانونية، ط2، الكويت، 78-1979، ص133.
2-انظر د. السنهوري: الوسيط، جـ1، المرجع السابق، ص ص 141-146. د. عبد المجيد الحكيم: الوسيط في نظرية العقد، الجزء الاول، انعقاد العقد، شركة الطبع والنشر الأهلية، بغداد، 1967 ص ص (75-78)
3- انظر غستان: المرجع السابق، فقرة (432)، ص44. Durma: Op. Cit, No 176, p 193.
4- انظر Durma: Op. cit, No 176, p 4 - 194
5- انظر د.جميل الشرقاوي:المرجع السابق، فقرة(109)، ص312. د. وليم قلادة: المرجع السابق، فقرة (18)،ص63
6- انظر في ذلك د. وليم قلادة: المرجع السابق، فقرة (19)، ص63.
7- انظر د. السنهوري: المرجع السابق، فقرة (48)، ص152. د. جميل الشرقاوي: المرجع السابق، فقرة (109)، ص312. د.وليم قلادة : المرجع السابق، فقرة (19)، ص66
8- انظر استاذنا د. جاسم العبودي: مصادر الالتزام، مرجع سابق، ص14
9- انظر د. وليم قلادة: المرجع السابق، فقرة (18)، ص63
0- انظر د. ياسر الصيرفي: المصدر السابق، ص 156.
1- القرار الصادر برقم 3/ موسعة أولى/ 83- 1984 في 26/ 2/ 1984 ((أورده المشاهدي: المختار من قضاء محكمة التمييز، الجزء الأول، بغداد، 1999، ص ص (133- 114) )).
2- قرارها الصادر بتاريخ21/3/1957 "مجموعة أحكام النقض المصرية، السنة 8، العدد(2)1957، رقم 31،ص241.
3- انظر د. عبد المجيد الحكيم، محمد طه البشير، ا. عبد الباقي البكري: النظرية العامة للإلتزام، الجزء الثاني، أحكام الالتزام، بغداد، 1988، ص127.
4- والصورية تعني وضع ظاهر غير حقيقي يستر موقفاً خفياً حقيقياً يقوم على اتفاق مستتر قد يمحو كل اثر للوضع الظاهر وقد يعدل أحكامه. وتكون الصورية على نوعين: صورية مطلقة تمحو كل اثر للوضع الظاهر، وصورية نسبية وهي تخفي حقيقة العلاقة الحقيقية بين الطرفين دون أن تنكر وجودها، فهي تخفي جانبا من جوانب العلاقة الحقيقية وهي بدورها تنبسط على ثلاث صور: 1. الصورية بطريق التستر وتتناول نوع العقد
لا وجوده، 2. الصورية بطريق الضد: وتتناول ركنا في العقد أو شرطا ًمن شروطه 3. الصورية بطريق التسخير: وتتناول شخص احد المتعاقدين ويتم التصرف بها لحساب شخص آخر غير من ذكر في العقد. انظر د. عبد المجيد الحكيم وآخرين: المرجع السابق، ص ص (121-122).
5- الطعن رقم161 لسنة 38 ق–جلسة 26/ 6/ 1973 م.م ق سنة 24 ص1967 ((أورده خلف محمد: مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها محكمة النقض، الهيئة المصرية العامة للكتب، القاهرة، 1980، ص577))
6- الطعن رقم 397 لسنة 36 ق جلسة 27/ 4/ 1971 م. م. ف سنة 22، ص571 (( أورده خلف محمد: المرجع السابق، ص322)).
7- فقد نصت المادة (149) مدني عراقي على أنه ((لا يجوز الطعن بالصورية في التصرفات الواقعة على عقار بعد تسجيلها في دائرة الطابو)) كما نصت المادة (1204) منه على أنه ((لا يجوز الطعن بالصورية في التصرفات الواقعة على الأراضي الأميرية بعد تسجيلها في دائرة الطابو)). ونصت المادة (10/1)من قانون التسجيل العقاري رقم 43 لسنة 1971المعدل على أنه ((تعتمد السجلات العقارية وصورها المصدقة وسنداتها أساسا لإثبات حق الملكية والحقوق العقارية الأخرى وتعتبر حجة على الناس كافة بما دون بها ما لم يطعن فيها بالتزوير ولا يقبل الطعن بالصورية في التصرفات المسجلة فيها)).
8- د. عباس الصراف: شرح عقدي البيع والإيجار، بغداد، 1956، ص ص (159-160). د. كمال قاسم ثروت: المرجع، ص127حاشية رقم (2). د. مصطفى مجيد: شرح قانون التسجيل العقاري، جـ1، مطبعة الإرشاد بغداد، 1973، ص178. الأستاذ منير القاضي: ملتقى البحرين: الشرح الموجز للقانون المدني العراقي، المجلد الأول، الباب التمهيدي، نظرية الالتزام العامة، مطبعة العاني، بغداد، 1951-1952، ص246 د. عبد المنعم يحيى جواد: كسب الملكية العقارية بالتصرف القانوني، رسالة ماجستير، كلية القانون جامعة بغداد، 1987، ص– ص (299-303).
9- د. غني حسون طه: المرجع السابق ، ص – ص (226- 228) د. سعدون العامري: المرجع السابق، ص – ص (103- 105). د. شاكر ناصر حيدر: المرجع السابق، ص150. د. حامد مصطفى: الملكية العقارية في العراق، الحقوق العينية الأصلية، معهد الدراسات العربية العالية، مطبعة لجنة البيان العربي، القاهرة، 1964، ص243. د. سعيد عبد الكريم مبارك: الحقوق العينية الأصلية ، دار الحرية للطباعة، جـ1، بغداد، 1973، ص-ص (155- 157).
20- فقد نصت المادة (3) من قانون التجارة البحرية العثماني لسنة 1863والنافذ حالياً في العراق فيما يتصل ببيع السفينة على أن ((بيع السفينة كاملة أو حصة منها سواء كان قبل سفرها أو في إثناء السفر إذا وقع في ممالك الدولة العلية يجري بسند رسمي بحضور رئيس الميناء في محله...))، كما لم يتضمن قانون تسجيل السفن رقم 19 لسنة 1942 الذي أوجب تسجيل السفن مثل هذا الحكم.
2- فقد نصت المادة (5/ 5) من قانون المرور الصادر برقم 48 لسنة 1971 المعدل على انه ((لا ينعقد بيع المركبة الا ‘ذا سجل في دائرة المرور المختصة واستوفى الشكل المنصوص عليه في الفقرة الثالثة من هذه المادة))، ونصت الفقرة الرابعة على أنه ((يعتمد سجل التسجيل أساساً لإثبات حق ملكية المركبة ويعتبر حجة على الناس كافة بما دون فيه ما لم يطعن فيه بالتزوير)).
22- نصت المادة (30/ 2) من قانون الكتاب العدول الصادر برقم (13) لسنة 1998 على انه ((لا تنعقد التصرفات القانونية على الماكنة الا بتسجيلها لدى دائرة الكاتب العدل المختص))، كما نصت المادة (34) منه على انه ((تعتبر شهادة ملكية المكائن حجة على الناس كافة بما دون فيها ما لم يطعن فيا بالتزوير)).
23- والواقع ان التصرفات الشكلية ذات الطابع الرسمي إنما تعد سندات رسمية ويكون لها من ثم قوة هذه السندات في الاثبات. ويتضح هذا من النصوص القانونية التي تولت تعريف المحررات الرسمية، فمثلاً المادة (21/ 1) من قانون الاثبات العراقي الصادر برقم 107 عام 1979 المعدل قد نصت على ان ((السندات الرسمية، هي التي يثبت فيها موظف عام او شخص مكلف بخدمة عامة طبقاً للأوضاع القانونية وفي حدود اختصاصه ما تم على يديه أو ما أدلى به ذوو الشأن في حضوره)). وقد ساقت المادة (22/2) من هذا القانون بعض الأمثلة على السندات الرسمية إذا قضت بأنه ((يعتبر من قبيل السندات الرسمية شهادات الجنسية وبراءات الاختراع وأحكام المحاكم وسجلات التسجيل العقاري وما هو في حكم ذلك)). كما أن المادة (10) من قانون الإثبات المصري الصادر برقم 25 لسنة 1968 قد جاء بنص مطابق لهذا النص.
24- انظر د. ياسر الصيرفي: المرجع السابق، ص160.
25- انظر حسين المؤمن: نظرية الإثبات، المحررات أو الأدلة الكتابية، جـ3، مكتبة النهضة، بيروت، بغداد، 1975 ص ص(245-259). د. آدم وهيب النداوي: شرح قانون الاثبات، ط2 بغداد، 1986، ص ص (103-104). د. عصمت عبد المجيد بكر: الوجيز في شرح قانون الإثبات، مطبعة الزمان، بغداد، 1997، ص97. د. توفيق حسني فرج: قواعد الإثبات في المواد المدنية والتجارية مؤسسة الثقافية الجامعية، الإسكندرية، 1982، ص-ص (60- 63). د. أحمد أبو الوفا: الإثبات في المواد المدنية والتجارية، الدار الجامعية للطباعة والنشر، بيروت، 1983، ص-ص (80- 81).
26- فقد نصت المادة (22/ أولا) إثبات عراقي على أن ((السندات الرسمية حجة على الناس بما دون فيها من أمور قام بها موظف عام أو شخص مكلف بخدمة عامة في حدود اختصاصه أو وقعت من ذوي الشأن في حضوره ما لم يتبين تزويرها بالطرق المقررة قانوناً أما ما ورد على لسان ذوي الشأن من بيانات أو إقرارات فيجوز إثبات عدم صحتها طبقاً لأحكام هذا القانون)).
كما نصت المادة (11) من قانون الإثبات المصري على أن ((المحررات الرسمية حجة على الناس كافة بما دون فيها من أمور قام بها محررها في حدود مهمته أو وقعت من ذوي الشأن في حضوره ما لم يتبين تزويرها بالطرق المقررة قانوناً)).
27- المذكرة الإيضاحية للقانون المدني المصري: جـ3، ((ما اتصل بالمادة (391) المقابلة (11) من قانون الاثبات المصري))، ص – ص (356- 357).
28- انظر د. وليم قلادة: المرجع السابق، فقرة (18)، ص-ص (62- 63).
29- مع ملاحظة موقف القانون العراقي بالنسبة إلى التصرفات العقارية.
30- انظر د. ياسر الصيرفي: المرجع السابق، ص161.
3- وعيوب الإرادة أو الرضا هي، في القانون المدني العراقي، الإكراه، والغلط، والتغرير مع الغبن الفاحش، والاستغلال.
32- انظر المادة (136) مدني – عراقي، وقد استثنى المشرع الاستغلال من هذا الجزاء في المادة (125) من تقنينه المدني فأجاز لمن وقع عليه الاستغلال أن يطلب خلال سنه من وقت العقد رفع الغبن عنه إلى الحد المعقول إذا كان التصرف معاوضة، وأن ينقض التصرف في هذه المدة إذا كان هذا التصرف تبرعاً.
33- انظر د. وليم قلادة: المرجع، فقرة (18)، ص63، كذلك د. محمود أبو عافية: المرجع السابق، فقرة (17)، ص74.
34- انظر د. عباس الصراف: شرح عقد البيع في القانون المدني الكويتي، دار البحوث العلمية، ط1، الكويت، 1975، ص432. د. عبد المجيد الحكيم: شهر التصرفات العقارية في القانون العراقي، مجلة العدالة الإماراتية، العدد(23)، السنة (7)، 1980، ص25. د. محمد لبيب شنب: شرح أحكام عقد البيع، القاهرة، 1966، ص118.
35-انظر د. عباس الصراف: المرجع السابق، ص432. د. محمد لبيب شنب: المرجع السابق، ص118.
36- انظر المادة (141) من قانون التسجيل العقاري، ويمثل هذا الحكم في الحقيقة تطبيقاً للقواعد العامة الواردة في القانون المدني، ومن ذلك أن المادة (138/1،2) من هذا القانون تنص على انه ((1. العقد الباطل لا ينعقد ولا يفيد الحكم أصلاً. 2. فإذا بطل العقد يعاد المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد. فإذا كان هذا مستحيلاً جاز الحكم بتعويض عادل)).
37- انظر المادة (30) من قانون الكتاب العدول. ومما يجدر بالإشارة هنا إننا في هذا النطاق نجاري ما هو متعارف عليه في العراق من اعتبار التسجيل في السجل العقاري أو التسجيل في سجل المكائن شكلا لازما لانعقاد التصرفات الواردة على العقار وتلك التي ترد على الماكنة، ولكننا في حقيقة الأمر لا نعد التسجيل في سجل معين صورة من صور الشكل بمعناه الدقيق. انظر تفصيل ذلك ص96 وما بعدها مما يأتي من هذه الدراسة.
38- انظر د. ياسر الصيرفي: المرجع السابق، ص168.
39- انظر المادة (139) من قانون التسجيل العقاري، والمادة (45) من قانون الكتاب العدول.
40- انظر د. اكرم ياملكي و د. فائق الشماع: القانون التجاري، جامعة بغداد، 1980، ص215.
4- انظر د. اكرم ياملكي ود. فائق الشماع: المرجع السابق، ص ص (215-216)، وكذلك د. محمد حسن عباس: الأوراق التجارية في التشريع الكويتي، مكتبة الانجلو المصرية، القاهرة، غير مؤرخ، ص ص (42-48- د. رفعت ابادير: دروس في الأوراق التجارية، جامعة الكويت، 86-1987 ص ص (32-34).
42- انظر د. اكرم ياملكي ود. فائق الشماع: المرجع السابق، ص 217. وكذلك د. محمد حسين عباس: المرجع السابق، ص 48. د. رفعت أبادير: المرجع السابق، ص34.
43- انظر د. أكرم ياملكي: و د. فائق الشماع: المرجع السابق، ص 216. د. محمد حسين عباس: المرجع السابق، ص 48. د. رفعت أبادير: المرجع السابق، ص34.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|