أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-1-2019
23846
التاريخ: 2024-10-24
134
التاريخ: 10-5-2016
3652
التاريخ: 8-8-2022
1413
|
ذهب جانب كبير من الفقه الفرنسي(1). إلى ضرورة قيام الطبيب بتبصير مريضه تبصيراً مشدداً، أي بجميع الحوادث والآثار سواءً كانت مؤكدة أم محتملة الوقوع وسواءً أكان العمل الطبي علاجياً أم جراحياً وذلك لاعتبارات عديدة:
1. الاعتبار الأول: معصومية الجسد
يتعلق هذا الاعتبار بحق الإنسان في الحياة وفي سلامة بدنه وهذا يتطلب عدم المساس بجسمه الا بعد الحصول على رضاه استناداً إلى الفكرة الفلسفية التي تقضي بحق المريض في أن يكون سيد نفسه، ومن أجل أن يكون هذا الرضاء صحيحاً يجب أن يصدر عن بيّنة بالحقائق التي يمكن أن تؤثر في تكوين إرادته عند إظهار الرضا، فكل إخفاء لحقيقةٍ ما أو كذب يعد اعتداء على حرية المريض فهذا كله يفرض على الطبيب تبصير مرضاه تبصيراً مشدداً. فلو كان العمل الطبي علاجياً، وجب على الطبيب أن يبصر مريضه بنوع المرض المصاب به والعلاج الذي يمكن أن يشفي علته هذه والمخاطر التي قد يتعرض لها من عدم تناوله العلاج ومقدار ما يتناوله، أما إذا كان العمل الطبي تدخلاً جراحياً فيجب على الطبيب أن يبصر المريض تبصيراً كاملاً بحالته ونوع العمل الجراحي المطلوب إجراؤه ومخاطره ومخاطر عدم إجرائه حتى يكون على بينة تامة عن حالته وما مطلوب اتخاذه من إجراءات من أجل بلوغ الهدف المشترك بين طرفي العقد الطبي ألا وهو المحافظة على صحة المريض.
2. الاعتبار الثاني: كمال أهلية المريض وإرادته
كما يقوم التشديد في تبصير المريض على اعتبار أخر هو أن الأصل في الأخير حر كامل الأهلية، وهو صاحب الحق الأول في سلامة بدنه، فليس من المقبول أن يقال أنه بمجرد تعاقده مع الطبيب أو دخوله المستشفى يفقد إرادته وحريته على جسمه ويصبح تحت رحمة الأطباء(2). فالمريض عندما يكون كامل الأهلية يجب أن يبصر تبصيراً كاملاً بالتدخل الطبي علاجياً كان أم جراحياً من اجل الحصول على رضاه المستنير بذلك، وحتى بالنسبة إلى المريض الفاقد لإرادته كالصغير أو فاقد الوعي فان هذا لا يعني إعفاء الطبيب من التزامه بتبصير المريض إنما ينقل التزامه بالتبصير إلى من ينوب عن المريض أو من برفقته إذ يقوم الطبيب بتبصير هؤلاء تبصيراً كاملاً عن حالة المريض.
3. الاعتبار الثالث: العقد الطبي من عقود الثقة
كما أن العقد الطبي هو من العقود التي تقوم على الثقة، والثقة تتعارض مع الكذب لأنه يعد بمثابة الجمع بين نقيضين، فمتى علم المرضى أن الأطباء يخفون الحقائق عن مرضاهم ويكذبون عليهم فإنهم سوف يفقدون الثقة بينهم ومتى انعدمت هذه الثقة استحال التعاون بين الأطباء ومرضاهم وهذا بدوره يؤدي إلى عزوف المرضى عن مراجعة الأطباء وهذا له دور سلبي على صحة المجتمع بأسره، لذلك يجب على الطبيب أن يبصر مرضاه تبصيراً مشدداً وموسعاً بكل الآثار والمخاطر التي قد يتعرضون لها نتيجة إخضاعهم للعمل الطبي علاجياً كان أم جراحياً، بل عليه أن يبصر مرضاه بكل ما هو نادر الوقوع أو استثنائي(3). يتضح مما تقدم ان حالة التبصير المشدد تفرض على الطبيب التزاماً بتبصير مريضه تبصيراً كاملاً حتى بتلك الأمور التي قد لا تقع إلا نادراً بل حتى بتلك الأمور التي قد يكون تحققها استثنائياً وإعلامه بكل التعقيدات والآثار التي يمكن أن تترتب على العمل الطبي وكل ما يمكن أن يسببه من إزعاج أو ألم فضلاً عما يحتاج إليه من فترة نقاهة وما يمكن أن ينتج عنه من تعطل عن العمل أو ممارسة النشاط الاجتماعي أو غير ذلك. واستناداً إلى هذا فقد قضت الدائرة المدنية لمحكمة النقض الفرنسية في 17/11/1969 في قرارٍ لها مقتضاه: (أن الطبيب يكون مسؤولاً إذا أجرى عملية جراحية لسيدة تبلغ من العمر 66 عاماً من أجل إزالة الورم والتجاعيد الموجودة في أسفل عينها؛ إلا أن العملية فشلت ونتج عنها عمى بعينها اليسرى بالرغم من اتباع الطبيب كافة الأصول الفنية إلا أنه مع ذلك اعتبر مسؤولاً لعدم تنبيه المريضة بالاحتمالات الخطيرة لتدخله الجراحي حتى لو كانت هذه الاحتمالات نادرة الحدوث)(4).
كما قضت محكمة (Douai) الفرنسية في 5/1/2000 في قرارٍ لها جاء فيه: (أن أحد الأطباء قام بفحص ورم في ذراع أحد المرضى وبعد التشخيص أعلم الطبيب مريضه باجراء عملية جراحية بسيطة وبغير عواقب سيئة فاطمئن المريض لذلك لكن أثناء إجراء الجراحة اكتشف الطبيب وجود تعقيدات مرضية لم يكتشفها أثناء الفحص الابتدائي، فقام على أثر ذلك باجراء جراحة أخرى دون إخطار المريض بذلك، فأصيب المريض على أثر هذه العملية في شبه شلل في ذراعه فرفع الدعوى على الطبيب مطالباً اياه بالتعويض فقضت المحكمة بذلك على اعتبار أن عدم قيام الطبيب بتبصير مريضه بالعلاج ومخاطره يعد سبباً لإقامة المسؤولية عليه خصوصاً أن حالة الضرورة والاستعجال لم تعد متحققة)(5). أن قيام مسؤولية الطبيب بعدم إعلام المريض بالمخاطر الاستثنائية على الرغم من اتباعه جميع الأصول الفنية والعلمية بعمله قد يكون جديراً بالتأييد في نطاق عمليات التجميل دون غيرها إلاّ أن هذا لا يمكن تعميمه على غيره من حالات التدخل الجراحي أو العلاجي الأخرى لأنه سوف يشكل قيداً على إرادة الطبيب بالزامه بالإفضاء حتى بالمخاطر التي يعد وقوعها نادراً، لأننا لا نجد حاجة إلى إشغال ذهن المريض بها وإلا امتنع عن أي تدخل يعود لمنفعته، كما أن الفائدة المتوخاة من العلاج في الغالب تعلو وتفوق المخاطر الناجمة عنه، إذا فالأمر نسبي يختلف من حالة لأخرى. فلو ألزمنا الطبيب على سبيل المثال بتبصير المريض بالوسائل العلمية التي يستخدمها الطبيب من اجل اكتشاف العلة التي يعاني منها المريض كالتحليلات والفحوص ومدى أهميتها وخطورتها في الوقت نفسه على سلامة بدنه مع إعلامه بالتطور الذي قد يؤول إليه المرض إذا لم يتم علاجه كإصابته بمرض مزمن غير قابل للشفاء، وطرائق العلاج وآثارها الجانبية، أي مخاطرها ومخاطر عدم العلاج المؤكدة والمحتملة الوقوع ونسبة نجاح العمل الطبي ونسبة فشله فان إغراق المريض بكل هذا وذاك قد يؤثر في إرادته ويدفعه إلى اتخاذ قرار غير سليم مما يؤثر سلباً في صحته؛ وبعبارة أخرى يمكننا القول أن المبالغة بالتبصير تؤثر سلباً في المريض وتجعله يحجم عن العمل الطبي الذي قد يكون بأمس الحاجة اليه.
_______________________________
[1]- Patrice Jourdain, Responsabilite civile R.T.D. Civ., Janvier. Mars, 1999, P.111.
- Mazeaud Tunc, Trait, theorique et pratique de la, responsabilite civile delictiuelle et contractuelle, tom 2, Paris, 1972, P.11.
- Patrice Jourdain, Le FonDement De L’obligation de Securite, Gazette du Palais, 1997, P.1197.
2- Isabelle pariente, Butterlin, La relation du patient et du medecin, confiance, contrat ou partenariat, esprit, Mai 20002, P.90.
3- Isabelle pariente, Op.Cit., P.96.
4- القرار منشور في مجلة إدارة قضايا الحكومة، العدد الأول، السنة 17 يناير/ مارس، 1973،
ص183 وما بعدها.
5- Recueil Dalloz, 2001, Jurisprudence, P.2924.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|