أقرأ أيضاً
التاريخ: 4-5-2016
3376
التاريخ: 13-4-2019
6810
التاريخ: 2023-11-07
8530
التاريخ: 30-01-2015
3731
|
إن من أبشع المهازل وأسوئها في التأريخ الانساني هي حيلة رفع المصاحف فقد افتتن بها الجيش العراقي وانقلب رأسا على عقب فاذا بهم يخلعون الطاعة ويعلنون العصيان والتمرد من دون تفكير ولا تدبر وهم قد أشرفوا على الفتح والظفر بعدوهم الذي أراق سيلا عارما من دمائهم , يا للمصيبة والأسف لقد استعلى الباطل على الحق باسم الحق فقد عملت مكيدة ابن العاص عملها الفظيع في قلب حكومة العدل والمساواة فقد اندفعت كتائب منهم كالسيل فأحاطوا بالامام مرغميه على الاذعان والخضوع لدعوة معاوية وهم يهتفون بلسان واحد : لقد اعطاك معاوية الحق دعاك الى كتاب الله فاقبل منه!!
وكان في طليعة الهاتفين بدعوة التحكيم الأشعث بن قيس الذي كان سوسة تنخر في المعسكر العراقي وأداة للشغب والتمرد أما بواعث ذلك فانه كانت له رئاسة كندة وربيعة وقد عزله الامام عنها وجعلها لحسان ابن مخدوج وتكلم جماعة مع الامام فى ارجاعه وعدم عزله فابى وقد أثار ذلك كوامن الحقد في نفسه على الامام وجعلته يتطلب الفرصة المواتية للانتقام وقد وجدها في تلك الفترة الرهيبة ومن الخطأ أن يقال إنه انخدع بدعوة معاوية فانه ليس من السذج والبسطاء حتى يخفى عليه الامر وعلى أي حال فقد جاء يشتد كأنه الكلب نحو الامام وهو يقول : ما أرى الناس إلا قد رضوا وسرهم أن يجيبوا القوم الى ما دعوهم إليه من حكم القرآن فان شئت أتيت معاوية فسألته ما يريد؟ فنظرت ما يسأل , وأخذ يلح على الامام بان يوفده الى معاوية فامتنع من اجابته ولكنه اصر عليه اصرارا شديدا فلم يجد (عليه السلام) بدا من إجابته فمضى وهو يحمل شارات الشر والشقاء فقال لمعاوية : لأي شيء رفعتم هذه المصاحف؟
فأجابه معاوية بالخداع والأباطيل قائلا : لنرجع نحن وأنتم إلى أمر الله عز وجل في كتابه تبعثون منكم رجلا ترضون به ونبعث منا رجلا ثم نأخذ عليهما أن يعملا بما في كتاب الله لا يعدوانه ثم نتبع ما اتفقا عليه ؛ وانبرى مصدقا لمقالة معاوية : هذا هو الحق , وأغلب الظن ان معاوية مناه وارشاه لأنه كان يعلم بانحرافه عن أمير المؤمنين وقد استجاب لدعوته وقفل راجعا الى الامام وهو ينادي بالتحكيم فقال الامام (عليه السلام) له ولغيره من المعاندين الذين لا يجدون لذة سوى العناد والتمرد : عباد الله إني أحق من أجاب إلى كتاب الله ولكن معاوية وعمرو بن العاص وابن أبي معيط وحبيب بن مسلمة وابن أبي سرح ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن إني أعرف بهم منكم صحبتهم أطفالا وصحبتهم رجالا فكانوا شر أطفال وشر رجال إنها كلمة حق يراد بها باطل إنهم يعرفونها ولا يعملون بها وما رفعوها لكم إلا خديعة ومكيدة اعيروني سواعدكم وجماجمكم ساعة واحدة فقد بلغ الحق مقطعه ولم يبق إلا أن يقطع دابر الذين ظلموا .
لقد اعرب (عليه السلام) في كلامه كذب ما يدعيه معاوية من الانقياد إلى كتاب الله وأبان لهم عن غيهم وتمردهم عن الدين فهو أدرى بهم من غيره ولكن ذلك المجتمع الهزيل لم يذعن لكلام الامام واعار حديثه أذنا صماء فقد انبرى إليه زهاء أثنى عشر الفا من الذين يظهرون القداسة والدين وهم لا يفهمون منهما شيئا فخاطبوه باسمه الصريح منذرين ومتوعدين إن لم يخضع لما يرومونه قائلين : يا علي أجب القوم إلى كتاب الله إذ دعيت إليه وإلا قتلناك كما قتلنا ابن عفان فو الله لنفعلنها إن لم تجبهم .
فأجابهم (عليه السلام) : ويحكم أنا أول من دعا الى كتاب الله وأول من أجاب إليه وليس يحل لى ولا يسعني في ديني أن أدعى إلى كتاب الله فلا أقبله إني إنما أقاتلهم ليدينوا بحكم القرآن فانهم قد عصوا الله فيما أمرهم ونقضوا عهده ونبذوا كتابه ولكن قد اعلمتكم أنهم قد كادوكم وأنهم ليسوا العمل بالقرآن يريدون .
وكلما حاول الامام إقناعهم وإفهامهم بشتى الاساليب بأنها خديعة بعد فشلهم وعجزهم عن المقاومة فلم يتمكن وأخذوا يصرون عليه بأن يأمر قائده الأشتر بالانسحاب عن ساحة الحرب .
ورأى الامام الشرفي وجوههم وقد اجمعوا على مناجزته واحاطوا به مهددين ومنذرين فلم يجد (عليه السلام) بدا من إجابتهم فانفذ بالوقت الى الأشتر يزيد بن هانئ يأمره بالانسحاب عن الحرب فلما انتهى الرسول الى الاشتر وبلغه رسالة الامام انبرى الأشتر قائلا مقالة رجل تهمه مصلحة الأمة والنفع العام : قل لسيدي ليست هذه بالساعة التي ينبغي لك أن تزيلني فيها عن موقفي إني قد رجوت الله أن يفتح لي فلا تعجلني ؛ فرجع الرسول الى الامام فأخبره بمقالة الحازم اليقظ وكانت إمارة الفتح والظفر قد بدت على يده وأوشك أن ينتهى الأمر وارتفعت الأصوات من كتائب جيشه معلنة بالفتح المبين فلما سمع هؤلاء المتمردون ذلك أحاطوا بالامام قائلين له : والله ما نراك إلا امرته أن يقاتل.
قال : أرأيتموني ساررت رسولى إليه ؟ أليس إنما كلمته على رؤوسكم علانية وانتم تسمعون.
فانطلقوا يهتفون بلسان واحد : فابعث إليه فليأتيك وإلا فو الله اعتزلناك.
فأريع الامام منهم وقد أوشكوا أن يفتكوا به فقال (عليه السلام) : ويحك يا يزيد قل له : اقبل إلى فان الفتنة قد وقعت!! فانطلق يزيد مسرعا إلى الأشتر فقال له : أقبل إلى أمير المؤمنين فان الفتنة قد وقعت ؛ فقد قلب الأشتر فقال ليزيد والذهول باد عليه مستفهما عن مدرك هذه الفتنة والانقلاب الذي وقع في الجيش : الرفع هذه المصاحف؟
قال : نعم.
وقال الأشتر مصدقا تنبؤ نفسه وحدسها في وقوع هذا الانقلاب : أما والله لقد ظننت أنها حين رفعت ستوقع اختلافا وفرقة إنها مشورة ابن العاهرة ثم التفت الى الرسول والألم يحز في نفسه : ألا ترى إلى الفتح ألا ترى الى ما يلقون ألا ترى الى الذي يصنع الله لنا أينبغى أن ندع هذا وننصرف عنه؟.
فانطلق يزيد يخبره بحراجة الموقف والاخطار التي تحف بالامام قائلا : أتحب أنك ظفرت هاهنا وأن أمير المؤمنين بمكانه الذي هو به يفرج عنه ويسلم الى عدوه؟
قال : سبحان الله , لا والله ما احب ذلك.
قال : فانهم قالوا : لترسلن الى الأشتر فليأتينك أو لنقتلنك بأسيافنا كما قتلنا ابن عفان أو لنسلمنك الى عدوك.
فقفل الأشتر راجعا إلى الامام والحزن قد استولى عليه لضياع أمله المنشود فقد ظفر بالفتح واهريقت دماء جيشه حتى اشرف على النهاية وإذا بتلك المتاعب والجهود تذهب سدى لمكر ابن العاص وخاطب اولئك الاراذل بشدة وصرامه منددا بهم قائلا : يا أهل الذل والوهن أحين علوتم القوم فظنوا أنكم لهم قاهرون رفعوا المصاحف يدعونكم إلى ما فيها؟! وقد والله تركوا ما أمر الله به فيها وسنة من أنزلت عليه فلا تجيبوهم أمهلوني فواقا فاني قد أحسست بالفتح .
فانطلق هؤلاء المتمردون مظهرين له الغي والعناد قائلين بلسان واحد : لا, لا.
قال : امهلوني عدوة الفرس فاني قد طمعت في النصر.
قالوا : إذن ندخل معك في خطيئتك.
وانبرى الأشتر يحاججهم ويقيم لهم الأدلة على خطل رأيهم وبعدهم عن الصواب حدثوني عنكم وقد قتل أماثلكم وبقى أراذلكم متى كنتم محقين أحين كنتم تقتلون أهل الشام فانتم الآن حين أمسكتم عن القتال مبطلون أم انتم الآن فى إمساككم عن القتال محقون؟ فقتلاكم إذن الذين لا تنكرون فضلهم وكانوا خيرا منكم في النار ؛ ولم يجد هذا الكلام المشفوع بالأدلة معهم شيئا فأجابوه : دعنا منك يا أشتر قاتلناهم في الله وندع قتالهم في الله إنا لسنا نطيعك فاجتنبنا ؛ فقال لهم الاشتر : خدعتم والله فانخدعتم ودعيتم الى وضع الحرب فأجبتم يا اصحاب الجباه السود كنا نظن أن صلاتكم زهادة في الدنيا وشوق إلى لقاء الله فلا أرى فراركم إلا إلى الدنيا من الموت ألا فقبحا يا اشباه النيب الجلالة ما أنتم برائين بعدها عزا أبدا فابعدوا كما بعد القوم الظالمون .
وما انهى الأشتر كلامه حتى اقبلوا عليه يكيلون له أصواعا من السب والشتم فقابلهم بالمثل والتفت الى الامام بحماس قائلا : يا أمير المؤمنين , احمل الصف على الصف يصرع القوم .
ولم يجبه الامام وأطرق برأسه وهو يفكر فى العاقبة المرة التي جرها هؤلاء المتمردون على الأمة وقد اتخذ هؤلاء سكوته رضى منه بالأمر فهتفوا : إن عليا أمير المؤمنين قد رضى الحكومة ورضى بحكم القرآن , ولم يسع الامام الا الرضا كما لم يسع الأشتر إلا الاذعان والقبول فقال : إن كان أمير المؤمنين قد قبل ورضى بحكم القرآن فقد رضيت بما رضى به أمير المؤمنين .
فانبروا يهتفون : رضى أمير المؤمنين , رضى أمير المؤمنين , والامام (عليه السلام) ساكت لا يجيبهم بشيء قد استولى عليه الهم والحزن لأنه ينظر الى جيشه قد فتكت به ومزقته حيلة ابن العاص وليس بوسعه اصلاحهم وارجاعهم إلى طريق الحق والصواب فانه لم يكن له نفوذ وسلطان عليهم كما أعرب (عليه السلام) عن ذلك بقوله : لقد كنت أمس أميرا فأصبحت اليوم مأمورا , وكنت أمس ناهيا فأصبحت اليوم منهيا .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|