أقرأ أيضاً
التاريخ: 6-4-2016
6770
التاريخ: 6-8-2017
5504
التاريخ: 6-4-2016
3908
التاريخ: 6-8-2017
3023
|
فيما يتعلق بجواز إبداء التحفظات على المعاهدات الإنسانية فان موقف هذه المعاهدات ينحصر في احتمالات ثلاثة:
الاحتمال الأول/ قد يحظر بعضها صراحة التحفظ على أحكامها كما في المادة الثانية من المعاهدة الدولية التكميلية لإبطال الرق وتجارة الرقيق والممارسات الشبيهة بالرق لعام 1956 والمادة التاسعة من المعاهدة الخاصة بمكافحة التمييز في التعليم لعام 1960.
الاحتمال الثاني/ أن تلوذ طائفة أخرى من المعاهدات بالصمت فلا تتضمن نصوصا تنظم التحفظ على أحكامها كما جاء في اتفاقيات جنيف الأربعة لعام1949(1) والبروتوكولان الإضافيان لعام 1977 وكذلك كل من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لعام1966 والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام1966 والأمر نفسه للميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب لعام1981 وللميثاق العربي لحقوق الإنسان لعام 1994 .
الاحتمال الثالث/ كما في معظم المعاهدات فقد تضمن نصوصا تعالج التحفظ على أحكامها وتنظمه كما في المادة (57) من النص الجديد للمعاهدة الأوربية لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية لعام1950 والمادة(75) من المعاهدة الأمريكية لحقوق الإنسان لعام 1969 والمادة (212) من المعاهدة الدولية للقضاء على جميع إشكال التمييز العنصري لعام1965. إنَّ الالتزامات الناشئة على عاتق الدول بالنسبة للاتفاقيات الإنسانية هي التزامات موضوعية (des obligations obectives) لا تخضع البتة إلى مبدأ المعاملة بالمثل (de principe de reciprocite) الذي يتأسس عليه نظام التحفظات في قانون المعاهدات(2) وبمعنى آخر أن الالتزامات التي تقع على عاتق الدول هي التزامات مطلقة تتطلب وحدانية السلوك في مواجهة جميع الأشخاص التي تنص المعاهدات الإنسانية على حمايتهم وليس موضوع هذه الاتفاقيات إنشاء التزامات تبادلية على عاتق الدول الأطراف. فالمعاهدات الإنسانية ليست مصممة على أساس تبادلي من الحقوق والالتزامات بل على أساس الانضمام إلى نظام قاعدي (un system normotif) فالعنصر المركزي في هذا النظام ليس حماية مصالح فردية أو شخصية للدول الأطراف بل حماية عدد من المصالح الموضوعية التي تهم المجتمع الدولي بأسره.
ولعل الحكم الوارد في المادة (60/5) من معاهدة فيينا لقانون المعاهدات يبلور بصورة لا لبس فيها المبدأ السابق فهذا النص يستثني صراحة النصوص المتعلقة بحماية الحقوق الإنسانية الواردة في المعاهدات ذات الطابع الإنساني من نطاق مبدأ المعاملة بالمثل. وانطلاقا من الاعتبارات والمعطيات السابقة يكون إبداء التحفظات ممكنا وامرأ واردا إلا أن الثابت أن نظام (القبول/ الاعتراض) الوارد في اتفاقية لقانون المعاهدات لا يمكن أن يؤدي إلى النتائج ذاتها التي تمنحه إياها اتفاقية فيينا، فإذا أبدت دولة طرف في معاهدة إنسانية تحفظا على احد أحكامها فان ذلك يجب أن لا يرتب أي نتيجة بالنسبة لالتزامات الدول الأطراف الأخرى فهذه الأخيرة لا يمكنها –استنادا إلى مبدأ المعاملة بالمثل– تعديل الحقوق التي يجب أن تكفلها للجميع دون تمييز في مواجهة مواطني الدولة المتحفظة بل حتى بالنسبة لمواطني دولة ليست طرفا في المعاهدة .كما أن الدولة التي تعترض على التحفظ تكون ملزمة بجميع الالتزامات حتى لو رفضت الارتباط بالدولة المتحفظة(3)، ولعل من الممكن لزيادة تأصيل ما تقدم أن نتعمق في ثلاث مسائل :
أولهما: مسالة تماشي التحفظات مع موضوع المعاهدة والغرض منها.
ثانيهما: مسالة التحفظ على الحقوق غير القابلة للمساس.
ثالثهما: حظر التحفظات ذات الطابع العام.
الفرع الأول
مسألة تماشي التحفظات مع موضوع المعاهدة والغرض منها
يعد النظام الذي أرست قواعده اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات بخصوص التحفظات نظاما رضائيا فالدول الأطراف في معاهدة جماعية تملك دائماً إجازة أو حظر تحفظات معينة بصريح النص في المعاهدة وفي حالة صمت المعاهدة وسكوتها عن تحديد موقفها إزاء التحفظ على أحكامها يكون التحفظ ممكنا ومقبولا بشرط اتفاقه مع موضوع المعاهدة وغرضها، فقد أكدت محكمة العدل الدولية في رأيها الإفتائي الصادر في 28/5/1951 الخاص بالتحفظات بشان اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها على أن هذه الاتفاقية معاهدة عالمية ذات غرض إنساني محض ولا تتضمن مصالح ذاتية أو شخصية للدول فالمصلحة المرجوة من تطبيقها هي مصلحة مشتركة للجميع مفادها صيانة قيم وأهداف عليا للمجتمع الدولي(4). يثار التساؤل عن الجهة التي تملك البت في تماشي أو عدم تماشي التحفظ مع موضوع المعاهدة والغرض منها ويسهل الأمر في حالة التحفظات على أحكام تتضمن مجرد تقنين لقواعد عرفية مستقرة أو هي عبارة عن قواعد آمرة من القواعد العامة في القانون الدولي إذ يمكن القول بعدم جواز التحفظ في هاتين الحالتين(5). أما في غير ذلك من الحالات فيدق الأمر ذلك لأنه لا يمكن الركون إلى القضاء الدولي لأنه ليس إلزاميا ولا مناص والحال كذلك من ترك الأمر للدول التي تقدر فرادى وبكل حرية ما إذا كان التحفظ متماشيا مع موضوع المعاهدة والغرض منها ولا يخضع هذا التقدير لأي رقابة لاحقة(6). ويمكن أن نبين مثلين للتحفظات التي قدمها واضعوها عند التوقيع وسحبوها عند التصديق على اتفاقيات جنيف لعام1949 وذلك نظرا لأنها بدت متعارضة بشكل واضح مع موضوع الاتفاقيات وهدفها إذ نجد أن البرتغال وضعت تحفظا إزاء المادة(3) المشتركة لاتفاقيات جنيف والتي تؤكد على الحد الأدنى من المعاملة الإنسانية إذ ذكرت البرتغال في تحفظها بأنها تحتفظ بحق عدم تطبيق المادة(3) كلما كانت تتناقض مع القانون البرتغالي ويلاحظ على هذا التحفظ انه يجرد هذه المادة التي تشكل جزءا هاما من اتفاق دولي من معناها تماما(7) ويذكر أن البرتغال لم تتمسك بهذا التحفظ عند تصديقها على هذه الاتفاقيات وهناك مثل آخر من هذا النوع من التحفظ الذي وضعته اسبانيا إزاء المادة (82)، وما بعدها من اتفاقية معاملة الأسرى والتي تتعلق بالعقوبات الجنائية والتأديبية التي تطبق على الأسرى إذ تضمن التحفظ الاسباني القول بأنه في المسائل الخاصة بضمانات الإجراءات القضائية والعقوبات الجنائية والتأديبية تمنح اسبانيا لأسرى الحرب نفسها المعاملة التي يقضي بها تشريعها لأفراد قواتها المسلحة وهنا أيضا يلاحظ أن هذا التحفظ يعني إفراغ هذا الفصل المتعلق بالعقوبات الجنائية والتأديبية من كل معنى(8). وقصارى القول في هذا الشأن هو أن التحفظ على المعاهدات الإنسانية إذا لم يكن محظورا فان ذلك لا يعني مطلقا أن الدولة الطرف في معاهدة من هذا النوع تستطيع إبداء أي تحفظ بغض النظر عن غرضه وطبيعته .
أولا: التحفظ والطبيعة العرفية لمبادئ القانون الدولي الإنساني
لا تعد التحفظات -التي يكون محلها حكما أو أكثر من أحكام معاهدة خاصة بالمبادئ الإنسانية– صحيحة إذا كان ذلك الحكم يتضمن قاعدة عرفية من قواعد القانون الدولي عام التطبيق وتجد هذه الفكرة سندها في حقيقة مفادها أن القواعد العرفية تطبق على جميع الدول الأعضاء في المجتمع الدولي إذا لم تكن محلا لاعتراض دولة أو أكثر لحظة نشوئها وعليه، فان قبول تحفظ على قاعدة عرفية من شأنه أن يؤدي إلى اعتبار هذه القاعدة نسبية التطبيق بحيث تبدو مطبقة عند بعض الدول دون أخرى مما يعني أن التحفظ أصبح أداة ووسيلة لتحلل بعض الدول من الالتزامات التي كانت حجة في مواجهتها(9)، فالتحفظ يكون في هذه الحالة مخالفا لموضوع المعاهدة وغرضها ذلك أن المعاهدات الإنسانية تعمل على تكريس وترسيخ(التزامات موضوعية) على عاتق الدول مما يجعل التحفظ على حكم عرفي وارد فيها يشكل وسيلة للتحلل من هذه الالتزامات في حين تهدف المعاهدات الإنسانية إلى التأكيد على القواعد العرفية الخاصة بحماية الإنسان وترسيخها وليس استبعادها والتحلل من مضمونها. وقد أكد حكم محكمة العدل الدولية في قضية الجرف القاري لبحر الشمال الصادر في 20/2/1969 عندما ذكر استحالة إبداء التحفظات على الأحكام الاتفاقية المقننة لقواعد عرفية وقد بُرر ذلك انطلاقا من طابع القانون الدولي العرفي المطبق على الدول جميعا وبشروط متساوية(10) وقد تأكد الحكم ذاته ثانيا في حكم لجنة التحكيم بشأن تحديث الجرف القاري بين فرنسا والمملكة المتحدة الصادر في 3/6/1977(11)، وقد سبق القول أنّ محكمة العدل الدولية في قضية الأنشطة العسكرية والشبه العسكرية في نيكاراكوا وضدها قد أكدت على وجود التزام دولي عام التطبيق على عاتق الدول يقضي بوجوب احترام حقوق الإنسان ذات الأصل العرفي(12). هذا وتعد النصوص الاتفاقية بصورة عامة وتلك الخاصة بمبادئ القانون الدولي الإنساني بصورة خاصة والمتضمنة لقواعد عرفية حد أدنى يجب صيانته والمحافظة عليه من أي استبعاد مما يعطي انطباعا بان أمثال هذه المعاهدات تتضمن حكما ضمنيا مفاده عدم جواز إبداء تحفظات على الأحكام المتضمنة لقواعد عرفية وقد أشارت لجنة حقوق الإنسان في تعليقها العام رقم (24)-52 إلى أن المعاهدات التي تقتصر على مجرد تبادل الالتزامات بين الدول تجيز للدول إبداء تحفظات على قواعد القانون الدولي عام التطبيق في مواجهتها لكن هذا الوضع لا ينطبق بخصوص المعاهدات الدولية الإنسانية فهي مخصصة لحماية الإنسان فلذلك فان أحكام العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على سبيل المثال والمتضمنة لقواعد دولية عرفية لا يمكن أن تكون محلا لأي تحفظ(13).
ثانيا: التحفظ والطبيعة الآمرة لمبادئ القانون الدولي الإنساني(14)
يعكس ظهور نظرية القواعد الآمرة في القانون الدولي العام تطور اجتماعيا واقتصاديا عميقا في بنية النظام القانوني الدولي، فالقواعد الآمرة تشمل عددا من الحقوق التي تكون حمايتها ضرورية بالنسبة لعموم الدول الأعضاء في المجتمع الدولي، وقد أسهم إدخال نظرية القواعد الآمرة إلى القانون الدولي الوضعي في أحداث نوع من التعايش بين نموذجين مختلفين داخل النظام القانوني الدولي نموذج يتأسس على منطق شخصية العلاقات بين دول ذات سيادة لا تخضع لسلطة أعلى، ونموذج ينبني على منطق موضوعي يرتكز على فكرة القواعد الآمرة المفروضة على الدولة . هذا الأمر دفع اللجنة المعنية بحقوق الإنسان إلى عد التحفظات على أحكام المعاهدات الإنسانية المتضمنة لقواعد آمرة يشكل مخالفة لموضوع المعاهدة وغرضها لذاك يتعذر على الدولة إبداء تحفظ على حكم قد ارتقى إلى مصاف القواعد الآمرة في إطار القانون الدولي الإنساني فالدول لا تملك التحفظ على الأحكام الخاصة بتحريم الرق والعبودية وبتحريم التعذيب وبعدم جواز الحرمان التعسفي من الحياة أو بالقضاء على التمييز العنصري(15) وقد يثار تساؤل مفاده هل أنَّ وجود النصوص التي تبيح للدول التحلل مما ورد في الاتفاقيات الإنسانية يقدم دليل على إن المبادئ التي تتضمنها هذه الاتفاقيات لا تنتمي إلى طائفة القواعد الآمرة ؟ وللإجابة على هذا التساؤل يمكن سوق الاعتبارات الآتية:
1-إن التحفظات تشكل في مضمونها استبعاداً أو مخالفة للالتزامات التي التزمت بها الدول في مقتضى الاتفاقية ومن المقرر أن استبعاد أو مخافة القاعدة لا تعني عدم وجود هذه القاعدة .
2-أن التخوف من إساءة تطبيق قواعد القانون الدولي الآمرة أو احتمالات التذرع بتفسيرات معينة لها للتحلل من الالتزامات الدولية الآمرة أمر لا يقتصر على القواعد الدولية الآمرة بل يمكن أن يقع لغيرها من القواعد القانونية الدولية .
3-يشترط لاستعمال الدول لرخصة (التحفظات) وما تتضمنه من مخالفة لالتزاماتها عدة شروط تشكل قيدا على هذه الدول وغالبا ما تنص على هذه الشروط الاتفاقيات الدولية .
فمثلا نجد أنَّ الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان في المادة (15) والاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان في المادة(27) والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية في المادة (4) قد أجازت هذه المواد انتهاك بعض الحقوق الإنسانية بشرط أن تتناسب مع مقتضاه الموقف من حرب أو أي خطر عام وضرورة وان تكون الإجراءات المتخذة متوائمة مع قواعد القانون الدولي كما أن هذه الإجراءات لا ينبغي لها أن تكون قائمة على تمييز اجتماعي أو عنصري أو ديني فضلا عن أن تكون مقيدة بمدة زمنية معينة وعلى أن لا تمس في كل الأحوال حقوق معينة لصيقة بذات الإنسان(16). يظهر مما سبق وجود عدد من الأحكام الاتفاقية ذات الطابع الإنساني والمتمتعة بوصف (القواعد الآمرة) تقف فوق إرادة الدول وسلطتها ولا يجوز لأي دولة أن تبدي تحفظا عليها بهدف التحلل مما تفرضه من التزامات عليها ولقد أسهم هذا التطور إلى تدعيم وجود عدد من (الحقوق الأساسية) التي لا يجوز التحلل منها مطلقا مكونةً ما يسمى (بالنواة الأساسية لحقوق الإنسان) والتي تثار بصددها أيضا مسالة صحة التحفظات على البنود التي تنص عليها.
الفرع الثاني
مسالة التحفظ على الحقوق غير القابلة للمخالفة
يستعمل مصطلح الحقوق غير القابلة للمخالفة لوصف الحقوق التي لا يجوز للدول استثناؤها أو استبعادها أو التحلل منها مطلقا، إذ يوجد في الحقيقة عدد من حقوق الإنسان لا يجوز استبعادها البتة دون غيرها من الحقوق الأخرى المعلنة في المواثيق الدولية فهذه الحقوق تعبر عن مظاهر جوهرية وأساسية للكائن البشري وتستند إلى قيم مشتركة توجد في الثقافات والنظم الاجتماعية جميعها وتأتي هذه الحقوق في سياق تطوري معين من تاريخ النظام القانوني الدولي يتعرض فيه مبدأ السيادة إلى طرقات شديدة تهز النظرة التقليدية المنبثقة عنه هزا لاهوادة فيه فهذه الحقوق غير القابلة للمساس(Les droits intangibles) تشكل نصرا بالنسبة للإنسانية جمعاء ومثالا مشتركا تسعى لبلوغه الشعوب كافة(17)، وتتضمن المعاهدات الدولية الإنسانية سواء المتعلقة بالقانون الدولي الإنساني أو بالقانون الدولي لحقوق الإنسان قائمة بعدد من (الحقوق غير القابلة للمساس) تختلف من معاهدة إلى أخرى(18) ويلاحظ أن هناك نقاط التقاء وتقارب مشتركة بين المعاهدات في هذا المجال فهي كلها تجمع على عدد من الحقوق التي لا يجوز استثناؤها أو التحلل منها وهي: الحق في الحياة والحق في عدم الخضوع للتعذيب أو لمعاملة لا إنسانية أو قاسية وتحريم الرق والعبودية وعدم رجعية القوانين الجزائية والنواة الأساسية المشتركة بين هذه المعاهدات الإنسانية العامة تتكون من حقوق فردية تتعلق بالسلامة الجسدية والمعنوية للإنسان وتكون هذه الحقوق واجبة الاحترام بصورة مطلقة في زمن الحرب أو في زمن السلم فلم تعد تندرج بكاملها في المجال المحجوز للدول وإنما تستثنى من ذلك نظرا لما تمثله من أهمية بالغة بالنسبة للجماعة البشرية(19)،ولذلك قد يثار تساؤل حول جواز إبداء تحفظات على الأحكام المتضمنة لها؟ وحول مدى صحة هذه التحفظات؟ للوهلة الأولى يمكن القول انه من الطبيعي والبديهي أن يمتنع التحفظ على هذه الأحكام التي تضع الحجر الأساس لما أصبح يطلق عليه النواة الصلبة(un-nouyeau dur) لحقوق الإنسان ولكنه خلافا لهذا المنطق فالذي جرى عليه العمل هو أن حظر المخالفة لا يعني حظر التحفظ وهذا أمر لافت للنظر ومستغرب فالتحفظ على هذه الأحكام شانه في ذلك التحفظ على جميع الأحكام الأخرى في الاتفاقيات الدولية الإنسانية ممكن ما دام لا يتعارض وموضوع المعاهدة والغرض منها وقد سبق لدول أطراف في الاتفاقيات الإنسانية أن تحفظت على أحكام غير قابلة للمخالفة مثل تحفظ مالطا على المادة الثانية من الاتفاقية الخاصة بالحق في الحياة وتحفظ ألمانيا على الفقرة الأولى من (م15) من العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والمتعلقة بعدم جواز رجعية القوانين الجزائية. هذا عن موقف الدول من الأحكام غير القابلة للمخالفة أما موقف هيئات الرقابة فهو الآخر يؤيد جواز إبداء التحفظ على الأحكام غير القابلة للمخالفة مادام التحفظ لا يتعارض وموضوع المعاهدة والغرض منها فاللجنة المعنية بحقوق الإنسان تذهب في تعليقها العام (24)-52 إلى التفريق بين الحقوق غير القابلة للمساس من حيث الأهمية الأساسية فمنع حبس المدين من اجل دين مدني في المادة (11) من العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية يجوز التحفظ عليه وفي المقابل هناك حقوق غير قابلة للمساس أكثر أهمية ولزوما لأنها (تهدف إلى إيجاد نوع من التوازن بين مصالح الدولة وحقوق الأشخاص وقت الطوارئ) وهذه الحقوق يكون استثناؤها مستحيلا لان أعلوية القانون وسيادته لا تتحقق من دونها وقد ذهبت اللجنة في مناسبة أخرى إلى القول بان التحفظات الأمريكية على المادتين (6،7) من العهد والخاصة بالحق بالحياة والحق في عدم الخضوع للتعذيب تخالف موضوع المعاهدة والغرض منها(20). هذا وفي الواقع أنَّ الحقوق الأساسية للإنسان كالحق في الحياة وحظر التعذيب والمعاملة القاسية وتحريم الرق والعبودية والتي نصت عليها اغلب المعاهدات الإنسانية لا يمكن القبول بإيراد التحفظ عليها في جميع الأوقات والأمكنة وما خلاف ذلك من التحفظات على الحقوق الأخرى للإنسان فانه يمكن القبول بها بشرط اتساقها مع معيار مواءمة موضوع المعاهدة وغرضها، والخلاصة لما تقدم أن اعتبار الحق غير قابل للمساس يجعل منه في منأى من إمكانية التحفظ عليه، ذلك لان هذه الطائفة من الحقوق المكونة للنواة الأساسية لحقوق الإنسان تمثل تعبيرا عن وعي عالمي بضرورة احترام حد أدنى من حقوق الإنسان بصورة مطلقة مهما كانت الظروف وفي الأوقات جميعا(21).
الفرع الثالث
حظر التحفظات ذات الطابع العام
يظهر هذا الشرط مشتركا بين جميع المعاهدات الدولية الإنسانية فالتحفظ يشترط أن يكون دقيقا محدد الموضوع ومحدد المحل الذي يرد عليه، أن عبارة (التحفظات ذات الطابع العام) تعني التحفظ الذي قد تمت صياغته بألفاظ واسعة وفضفاضة لا تسمح بتحديد مضمون ونطاق تطبيقه بدقة(22) . وقد أكدت الفقرة (19) من التعليق العام المرقم (24)-25 للجنة المعنية بحقوق الإنسان على وجوب أن تكون التحفظات محددة بدقة مما يسمح للأشخاص المقيمين على إقليم الدولة المتحفظة وللدول الأخرى الأطراف في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية معرفة الالتزامات المترتبة على الدول المتحفظة ويترتب على ذلك أن تكون هذه التحفظات واردة على حكم معين بالذات من أحكام العهد وان تحدد بصراحة ودقة نطاق تطبيقها واعتمدت هذه اللجنة معيار موضوعي قوامه ملاءمة هذا التحفظ العام مع غرض المعاهدة وموضوعها أي أنها أسبغت على هذا الشرط طابعا موضوعيا(23). فالتحفظات العامة تعد إذن مخالفة لموضوع الاتفاقيات الإنسانية وغرضها في معظم الأحيان طالما أن اغلبها يهدف إلى إفراغ هذه الاتفاقيات من موضوعها ومضمونها فهي تتخذ كأداة للتنصل من كثير من الالتزامات الواردة في هذه الاتفاقيات مما يهدر الحقوق المعلنة في أمثال هذه الاتفاقيات بصورة جسيمة والمثال على ذلك التحفظات العامة التي تبديها الدول على الاتفاقيات الإنسانية على كل ما يخالف تشريعاتها الداخلية رغم أن هذه الاتفاقيات موجهة مباشرة لمصلحة الإنسان وتتضمن التزامات مطلقة ودائمة للدول الأطراف فيها.
__________________
1- ولم يمنع عدم وجود أحكام في اتفاقيات جنيف تتعلق بتحفظات الدول الأطراف في الاتفاقيات من وضع تحفظات إزاءها ولذا فان(21) دولة قدمت تحفظات حقيقية تتعلق في الوقع بعدد محدود من الأحكام، انظر:- كلودبيلو، التحفظات المتعلقة باتفاقيات جنيف لعام 1949، المجلة الدولية للصليب الأحمر، العدد(14) تموز- آب،1990 ص163-201.
2- Rene provast, Reciprocity in human rights and humanitarian law. BYBIL.1995,P.P383-454
3- د.محمد خليل الموسى، التحفظات على أحكام المعاهدة الدولية لحقوق الإنسان، مجلة الحقوق، العدد الثالث، السنة(26) ايلول،2002،ص282-286.
4- الفقرة(64) من فتوى محكمة العدل الدولية بشان اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها عام 1951.
5- انظر الفقرة(36) من حكم محكمة العدل الدولية الصادر في 20/2/1969 بشان الجرف القاري لبحر الشمال.
6- لكن عندما تستند سلطة البت في صحة التحفظات إلى جهاز معين أي عندما يكون التقويم موضوعيا لا شخصيا بواسطة جهة محايدة فان التحفظ المخالف لموضوع المعاهدة وغرضها لا يكون صحيحا حتى ولو قبلته دول أخرى أطراف المعاهدة.
- انظر: د.محمد خليل الموسى، مرجع سابق، ص361.
7- كلودبيلو، مرجع سابق، ص16.
8- كلودبيلو، مرجع سابق، ص17.
9- د. محمد خليل الموسى، مرجع سابق، ص363.
10- انظر الفقرة(36) من حكم المحكمة المشار إليه سابقا.
11- د. محمد خليل الموسى، مرجع سابق، ص364.
12- انظر الفقرة(762) من حكم المحكمة المشار إليه سابقاً.
13- ينتقد عدد من الكتاب اتجاه اللجنة المعينة في تعليقها العام رقم(24)-52 والمتعلق بعدم جواز التحفظ على إحكام حقوق الإنسان ذات الطابع العرفي. حيث ذكر بعض الفقه إن اللجنة قد أشكل عليها الأمر فخلطت بين القواعد العرفية والقواعد الآمرة بينما يعتقد فقه آخر إن استبعاد قاعدة عرفية عامة التطبيق ليس محظورا إذا اقره ووافق عليه طرف متعاقد. إلا انه يمكن القول إن الأسلوب التعاقدي التقليدي للمعاهدات الدولية لا ينسجم والطابع الموضوعي لحقوق الإنسان فمن شان الاتفاق على مخالفة قاعدة عرفية أن يخالف موضوع المعاهدة والغرض منها : انظر د.محمد خليل الموسى ، مرجع سابق، ص365.
14- يرى الأستاذ (روزين) إن النص في المعاهدة على حظر إيراد تحفظ عليها يدل إن الأطراف المتعاقدة أرادت أن تسبغ الصفة الآمرة على القواعد التي تضعها المعاهدة وعلى العكس من ذلك إذا سمحت الاتفاقية بالتحفظات ولو بالنسبة لأي بند فيها فان هذا يرشح إلى القول بأنها لا تتضمن قواعد قانونية آمرة. وقد اخذ البعض عن هذا المعيار انه يؤدي إلى إضفاء الصفة الآمرة على سائر القواعد التي حددت في المعاهدة مع إن بعضها لا تكون له هذه الصفة ومن ناحية أخرى فان التحفظات قد يمنع إيرادها على المعاهدة الجماعية ودون الحاجة إلى نص صريح متى كانت تتعارض مع هدف أو موضوع المعاهدة . انظر د.سليمان عبد المجيد، النظرية العامة للقواعد الآمرة..، مرجع سابق، ص219-220.
15- د. محمد خليل الموسى، مرجع سابق، ص366 وما بعدها.
16- انظر د.عادل محمد عبد العزيز حمزة، مرجع سابق ص175 وما بعدها.
17- د. محمد خليل الموسى، مرجع سابق، ص272-273.
18- انظر المادة(3) المشتركة لاتفاقيات جنيف لعام 1949 وكذلك المادة(7) من العهد الدولي للحقوق الدنية والسياسية والمادة(15) من المعاهدة الأوربية لحقوق الإنسان والمادة(11) من المعاهدة الأمريكية لحقوق الإنسان.
19- انظر الأعمال التي تنص عليها المادة(3) المشتركة لاتفاقيات جنيف لعام 1949
- د.حسام احمد محمد هنداوي، التدخل الدولي الإنساني،دراسة فقهية وتطبيقية في ضوء قواعد القانون الدولي،دار النهضة العربية،1996-1997،ص125-128.
20- د. محمد يوسف علوان، القانون الدولي لحقوق الإنسان، مرجع سابق، ص193.
21- لقد أكدت محكمة العدل الدولية في قضائها الخاص بموضوع الموظفين الدبلوماسيين والقنصليين للولايات المتحدة الأمريكية المحتجزين في إيران بان (تجريد البشر من حريتهم وتعريضهم للإكراه الجسماني لا يتفق ومبادئ الأمم المتحدة وكذا الحقوق الأساسية الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان) انظرI.C.J. Rec 1980, p842.
22- د. محمد خليل الموسى، مرجع سابق، ص354- 355.
23- المرجع أعلاه، ص355.
ش
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|