أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-12-2015
3530
التاريخ: 24-3-2016
8599
التاريخ: 11-3-2016
2714
التاريخ: 22-7-2016
3432
|
هو أبو عبد اللّه محمد بن يوسف بن محمد، ولد بحي البيازين في غرناطة سنة ٧٣٣ لأسرة هاجرت إليها من شرقي الأندلس، و هي أسرة متواضعة حياتها بها غير قليل من الشظف، إذ كان أبوه حدادا، و يقول ابن الأحمر المؤرخ عنه إنه نشأ ضئيلا كالشهاب يتوقد، و حفظ القرآن الكريم سريعا، و أخذ يختلف-مثل أترابه-إلى حلقات الشيوخ ينهل من معارفهم و محاضراتهم. و يذكرون من شيوخه في الفقه أبا سعيد بن لب و في الحديث النبوي أبا البركات ابن الحاج و في الأصول أبا علي منصور الزواوي و في التصوف أبا عبد اللّه بن مرزوق و في العربية أبا عبد اللّه بن الفخار و الشريف الغرناطي أبا القاسم محمد بن أحمد شارح مقصورة حازم و في الأدب و الشعر ابن الخطيب وزير الإمارة المشهور، فهو تلميذه و خريجه و صنيعته، و عنى به فألحقه بدواوين الإمارة و كفل له راتبا حسنا. و نراه حين خلع السلطان محمد الخامس الغني باللّه عن إمارة الأندلس سنة ٧6٠ و نفي إلى المغرب و التجأ إلى أبي سالم المريني يلتحق به في منفاه مثل أستاذه ابن الخطيب و غيره ممن رفضوا التعاون مع أخيه أبي الوليد إسماعيل مدبر المؤامرة ضده، و لم يهنأ إسماعيل باستيلائه على الإمارة، إذ سرعان ما دار العام و فتك به زوج شقيقته من أبناء عمومته و استولى على صولجان الحكم و هو أبو عبد اللّه محمد و اتخذ لقبا له الغالب باللّه، و تطورت الظروف سريعا، فقتل بدوره و عاد محمد الخامس الغني باللّه إلى إمارته في جمادي الأولى سنة ٧6٣ و عاد معه ابن زمرك كما عاد وزيره لسان الدين بن الخطيب، و نرى ابن زمرك يردد لأستاذه دائما في رسائل و قصائد ولاءه له و حمده و شكره على ما أنعم به عليه. و تظل الأيام تسير رخاء حتى سنة ٧٧٣ إذ يترامى إلى ابن الخطيب أن مؤامرة تدبّر للقضاء عليه فيفر فجأة إلى السلطان المريني عبد العزيز بتلمسان و يحتلّ ابن زمرك منصبه، فيصبح الوزير الأول للسلطان الغني باللّه. و يرسل الغني باللّه إلى السلطان المريني أبا الحسن النباهي قاضي الجماعة بغرناطة ليتسلم منه ابن الخطيب متّهما بتهمة الإلحاد و الزندقة. و أخفق القاضي في مهمته، إذ حمى ابن الخطيب منه السلطان المريني، غير أن حاميه لم يلبث أن توفي سنة ٧٧4 و نقل المرينيون عاصمتهم إلى فاس، و تجددت مساعي الغني باللّه للقبض على ابن الخطيب، و أخيرا يقبض عليه في سنة ٧٧6 و تقدم من غرناطة لجنة لمحاكمته برياسة ابن زمرك و يمثل أمامها و يعنف به تلميذه القديم و صنيعته في المحاكمة متهما له بالزندقة و الإلحاد لعبارات صوفية وردت على لسانه في كتابه: «روضة التعريف بالحب الشريف» و يسترسل في توبيخه. و زجّ به في غياهب السجون، و بإحدى الليالي دسّ إليه من قتله و أشعلت فيه النار على قبره قبل دفنه، فاسودّت بشرته و وورى التراب مأسوفا عليه لتهمة زائفة دبّرت له كيدا آثما. و نعم ابن زمرك بوزارة الغني باللّه عشرين عاما متوالية أصبح فيها المدبّر لشئون الإمارة حتى ليروي ابن الأحمر المؤرخ سفاراته الموفقة للغني باللّه إلى الملوك و أنه فوّض له في عقد الصلح بين الملوك بالعدوتين أي بين ملوك المغرب و ملوك إسبانيا و البرتغال، و يقال إنه فوّضه في الصلح مع النصارى تسع مرات. و توفى الغني باللّه سنة ٧٩٣ و يخلفه ابنه يوسف الثاني فيهوى به من حالق إلى غياهب السجون و يردّ إليه بعد نحو عام و نصف حريته و يعيده إلى منصبه، و بعد أيام قليلة توفى و يخلفه ابنه محمد السابع فيعزله و يولى مكانه محمد بن عاصم، ثم يعيده إلى منصبه سنة ٧٩5 و سرعان ما اقتحم حرس السلطان عليه داره و فتكوا به و بابنين له.
و إذا أغضينا النظر عن أخلاقية ابن زمرك و جحوده لفضل أستاذه ابن الخطيب و التجني عليه لمآرب دنيوية زائلة و رجعنا إلى شعره و موشحاته نقرؤهما وجدناه ينزل فيهما منزلا عليّا من شعراء الأندلس في مختلف عصورهم، و يذكر السلطان يوسف الثالث في كتابه السالف: «البقية و المدرك من كلام ابن زمرك» أنه خدم جده السلطان الغني باللّه سبعا و ثلاثين سنة، منها ثلاثة بالمغرب و باقيها بالأندلس و أنه أنشده في تلك السنوات ستا و ستين قصيدة أو مدحة في ستة و ستين عيدا. و يذكر أيضا أن كل ما في منازل الغني باللّه من القصور و الرياض و الضياع من نظم رائق و مدح فائق منقوش في القباب و الطاقات و الثياب السلطانية فهو له. و ينشد المقري له في كتابه أزهار الرياض عن كتاب «البقية و المدرك» ما يقرب من عشرين قصيدة و مخمسة طويلة و نحو ثلاثين مقطوعة في مديح الغني باللّه سوى مقطوعات متعددة في مديح ابن الخطيب ولىّ نعمته و سوى قصيدة في مديح أبي سالم المريني و قطع من قصائد للسلطان يوسف الثاني و ابنه السلطان محمد و سوى ثلاث مراث في الغني باللّه و مرثية في أستاذه الشريف الغرناطي. و من أهم مدائحه للغني باللّه يائية امتدت إلى نحو مائة و خمسين بيتا استهلها بغزل بديع شغل ثمانية و عشرين بيتا، و خرج منه إلى مديح الغني باللّه قائلا إنه الشمس يعم نفعها و ضوؤها القريب و البعيد و الغيث الذي يهطل على العفاة دائما و الباسل الذي يروى غصون الرماح العطشى دماء الأعداء القانية. ثم يأخذ في وصف مبانيه في قصور الحمراء مأخوذا بروعة النقوش و ترصيعاتها و زخارفها، يقول:
و للّه مبناك الجميل فإنّه يفوق على حكم السعود المبانيا
بنيت له كفّ الثريا معيذة و يصبح معتلّ النواسم راقيا
و تهوى النجوم الزّهر لو ثبتت به و لم تك في أفق السماء جواريا
و قد جعل ابن زمرك نجمة الثريا عوذة له و تميمة من عيون الحساد لشدة سموقه و ارتفاعه، و جعل النسيم العليل فيه كأنه الرّقية التي يستروحها الناس، لما يندفع فيه من مياه تجري في قنوات مثبتة في الحوائط بجميع الغرف لتلطيف الجو. و يمضي ابن زمرك فيصور البهو الذي شاده الغني باللّه و ما يتوسطه من حوض كبير من المرمر به نافورة مرمريّة يحملها اثنا عشر أسدا تمج المياه من أفواهها إلى بركة تحيط بها، و يستمر ابن زمرك في وصفه المبنى الباهر و هذا البهو الرائع و النافورة قائلا:
به البهو قد حاز البهاء و قد غدا به القصر آفاق السماء مباهيا
به المرمر المجلوّ قد شفّ نوره فيجلو من الظّلماء ما كان داجيا
و راقصة في البهو طوع عنانها تراجع ألحان القيان الغوانيا
إذا ما علت في الجوّ ثم تحدّرت تحلّى بمرفضّ الجمان النّواصيا (1)
يذوب لجين سال بين جواهر غدا مثلها في الحسن أبيض صافيا (2)
تشابه جار للعيون بجامد فلم أدر أيّا منهما كان جاريا
و تصويره للنافورة في الأبيات الأربعة الأخيرة تصوير بديع، و خاصة البيت الأخير، إذ لم يعد يدري أيهما السائل لجين الماء أو جواهر المرمر الناصعة البياض، و يشيد بما في البهو من زخارف بديعة ترصع أعمدته. و يلتفت إلى قاعة السفراء أو قاعة العرش البهيجة و ما يعلوها من برج قمارش المصعد في السماء و ينشد:
و طامحة في الجوّ غير مطالة يردّ مداها الطّرف أحسر عانيا (3)
تمدّ لها الجوزاء كفّ مصافح و يدنو لها بدر السماء مناجيا
و لا عجب أن فاتت الشّهب بالعلا و أن جاوزت منها المدى المتناهيا
و الأبيات السالفة جميعا لا تزال ترصع البهو إلى اليوم و معها غيرها من نفس القصيدة امتدت على حافات النافورة و حيطان البهو و قاعة بني سراج المتصلة به. و يصور ابن زمرك في نفس القصيدة جنة العريف القائمة في مدخل القصر، و هي من عجائب البساتين و الرياض في الدنيا، و كأنما تكمل زينة القصر بل كأنما تكمل العرس البهيج الذي لا يزال قائما فيه ليل نهار بدون أهله.
و لابن زمرك خمس عشرة موشحة أكثرها في مديح الغني باللّه، و إحداها في مديح الرسول صلّى اللّه عليه و سلّم، و جمهورها من مخلع البسيط. و اشتهرت له موشحات صبحية يذكر فيها وداع صاحبته في الصباح، و لذلك أصل واضح عند الأندلسيين قبله بل عند العرب منذ عمر بن أبي ربيعة و سنعرض لذلك في حديثنا عن الغزل، و يعد ابن زمرك بدون ريب آخر الشعراء الأندلسيين المبدعين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١) مرفض الجمان: متناثر اللؤلؤ.
2) اللجين: الفضة.
3) أحسر: كليلا.
دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) . |
جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) . وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً . |
الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل. |
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|