المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17761 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24

مـصادر الأفـكار الرياديـة والفـرص الاستثماريـة
2024-07-17
أفضل عمل للمرأة
9-11-2017
الروابط الكيميائية (Chemical Bonds)
2023-07-22
أسطر العنوان الصحفي
2-1-2023
ضد حب المدح‏
11-10-2016
الشباب في خط العلم والمعرفة
2-3-2022


التأويل‏  
  
5608   02:19 صباحاً   التاريخ: 17-3-2016
المؤلف : د. احسان الامين .
الكتاب أو المصدر : التفسير بالمأثور وتطويره عند الشيعة
الجزء والصفحة : ص289-332 .
القسم : القرآن الكريم وعلومه / علوم القرآن / التفسير والمفسرون / التأويل /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 27-04-2015 2268
التاريخ: 14-11-2014 2079
التاريخ: 11-11-2020 5892
التاريخ: 10-10-2014 2015

التأويل أصله من الأول وهو الرّجوع ، وتأويل الكلام «هو عاقبته وما يؤول إليه» «1» . وأمّا اصطلاحا فقد اختلف فيه ، فقال قدماء المفسّرين باتحاد معناه مع التفسير كقول الطبري عند تفسير الآية : القول في تأويل الآية . . . «2» ، والطوسي الّذي عدّ التأويل والتفسير بمعنى واحد «3» .

وقال من تأخّر عنهم باختلاف معناه عن التفسير من حيث أنّ التفسير يكثر استعماله في الألفاظ ومفرداتها فيما يكثر استعمال التأويل في المعاني ، وهو قول الراغب .

أو أنّ التفسير بيان لفظ لا يحتمل إلّا وجها واحدا ، أمّا التأويل فهو توجيه لفظ متوجّه إلى معان مختلفة إلى واحد منها بما ظهر من الأدلّة «4» .

أو أنّ التفسير بيان وضع اللّفظ ، إمّا حقيقة أو مجازا ، والتأويل : تفسير باطن اللّفظ ، وهو قول أبي طالب التغلبي‏ «5» .

وقد وردت في معنى التأويل آراء اخرى ، منها أنّه الحقيقة الخارجية ، وهو رأي ابن تيميّة «6» ، أو أنّه الحقيقة الواقعية ، كما عند الطباطبائي‏ «7» ، أو أنّه تفسير المعنى وما يؤول إليه المفهوم العام ويتجسّد به من صورة ومصداق ، وهو رأي الشهيد الصّدر «8» ، وأخيرا رأي الاستاذ معرفة من أنّه يستعمل في معنيين ، الأوّل في توجيه المتشابه ، في الآيات المتشابهة ، والثاني في المعنى الثانوي للكلام ، المعبّر عنه بالبطن‏ «9» .

وما نريد به في بحثنا هذا المعنى الأخير ، وهو تفسير باطن اللّفظ الّذي يؤول إليه ، سواء من حيث المفهوم أو المصداق ، وهو يشترك بصورة أو اخرى مع كثير من الآراء السابقة المطروحة في هذا المقام .

فقد يكون هذا البطن مفهوما عامّا مستفادا من الآية الكريمة ، كما في مفهوم الانقاذ المستفاد من قوله تعالى : {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا } [المائدة : 32] ، فإنّ هذا المفهوم المنتزع من الآية الكريمة له مصاديق متعدّدة تقع جميعا تحت عنوان الإنقاذ ويمكن أن تكون تأويلا له .

كما يمكن أن يكون هذا البطن هو ما يؤول إليه اللّفظ في الواقع ، من وجودات أو مصاديق خارجية ، كما في قصّة رؤيا يوسف (عليه السلام) في قوله تعالى : { إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} [يوسف : 4] ، فإنّ التأويل الواقعي للشمس والقمر هو أبوا يوسف .

ومن هنا اعتبر بعض المفسّرين الروايات الواردة في ذكر مصاديق الآيات وموارد الجري والتطبيق ، اعتبرها من قبيل التفسير بالباطن‏ «10» .

أمّا المعنى المتبادر عند المتأخّرين في التأويل ، من أنّه المعنى المخالف لظاهر اللّفظ ، وهو الشائع عندهم في المباحث الكلامية ، فهو معنى- مع شهرته- ليس بصحيح ولا ينطبق على الآيات القرآنية- في التأويل- «11» .

إنّ المعنى الثانوي ، التأويل أو البطن الّذي هو مورد بحثنا قد يكون صحيحا ومقبولا ، وقد يكون مرفوضا ومذموما من حيث عدم انطباق الآيات ودلالتها عليه .

وكان موضوع تفسير القرآن بالباطن أو «تأويل الآيات» من الموضوعات التي أثارها البعض كإحدى نقاط ضعف التفسير بالمأثور ، أو التفسير عموما عند الشيعة «12» ، لذا اقتضى بحث الموضوع ، ومعرفة أبعاده ، عموما ، وعند الشيعة بشكل خاص .

وقد ارتبط مبحث التأويل بروايات الظهر والبطن ، وأن للقرآن ظاهرا تدل عليه ظواهر الآيات وبطنا أو بطونا ما وراء ذلك الظاهر ، سواء من حيث المفاهيم أو المصاديق ؛ لذا تطلب أوّلا دراسة روايات الظهر والبطن كمدخل لدراسة التأويل ، لا بالمعنى المصطلح العام ، وإنّما بمعنى التفسير بالباطن .

روايات أنّ للقرآن ظهرا وبطنا :

رويت في هذا المعنى أحاديث عديدة من طرق الجمهور ومن طريق أهل البيت (عليه السلام) ، فمن طرق الجمهور :

1- ما أخرجه الفريابي : حدّثنا سفيان عن يونس بن عبيد ، عن الحسن ، قال : قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) : «لكلّ آية ظهر وبطن ، ولكلّ حرف حدّ ، ولكلّ حدّ مطلع» .

والرواية مرسلة كما ترى .

2- أخرج الديلمي من حديث عبد الرّحمن بن عوف مرفوعا : «القرآن تحت العرش ، له ظهر وبطن يحاجّ العباد» .

3- أخرج الطبراني وأبو يعلى والبزّاز وغيرهم ، عن ابن مسعود موقوفا : «إن هذا القرآن ليس منه حرف إلّا له حدّ ولكلّ حدّ مطلع» «13» .

4- ما أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء ، يرفعه إلى عبد اللّه بن مسعود أنّه قال : «القرآن نزل على سبعة أحرف ، ما منها حرف إلّا له ظهر وبطن ، وإن عليّ بن أبي طالب عنده منه علم الظاهر والباطن» «14» .

والروايات في ذلك إمّا مرسلة أو مرفوعة ، أو موقوفة ، فما ذكره الفيض الكاشاني‏ «15» عن ادعاء البعض تواتر أصل هذا الحديث لا ينهض به واقع الروايات المروية عن الرسول (صلى الله عليه وآله) ، كما هي أعلاه .

روايات مدرسة أهل البيت (عليه السلام) :

1- ما رواه محمّد بن الحسن الصفار في بصائر الدرجات ، عن محمّد بن عبد الجبار ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن منصور ، عن ابن اذينة ، عن الفضيل بن يسار ، قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن هذه الرواية : «ما من آية إلّا ولها ظهر وبطن» فقال : (ظهر وبطن هو تأويله ، منه ما قد مضى ، ومنه ما لم يجئ ، يجري كما تجري الشمس والقمر ، كلّما جاء فيه تأويل شي‏ء منه يكون على الأموات كما يكون على الأحياء ، قال اللّه تبارك وتعالى : {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران : 7] نحن نعلمه) ورواها العياشي في تفسيره .

2- ما رواه العياشي ، عن جابر ، قال : قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) : «يا جابر! إنّ للقرآن بطنا وللبطن ظهرا» ثمّ قال : «يا جابر! وليس شي‏ء أبعد من عقول الرجال منه ، إنّ الآية لينزل أوّلها في شي‏ء وأوسطها في شي‏ء ، وآخرها في شي‏ء ، وهو كلام متصل يتصرّف على وجوه» .

3- ما رواه العياشي عن حمران بن أعين ، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : «ظهر القرآن‏ الّذين نزل فيهم وبطنه الّذين عملوا بمثل أعمالهم» «16» .

والروايتان الثانية والثالثة أسقط سندهما من اختصر أسانيد العياشي في النسخة المتداولة ، وهي الوحيدة الموجودة بين أيدينا ، أمّا رواية البصائر فسندها صحيح .

معنى بطن الآيات :

ذكر في معنى ذلك عدّة وجوه :

الأوّل : إذا بحث عن باطنها وقيس على ظاهرها ، فقد وقف على معناها ، أي انّه المعنى المستلهم من الآية الموافق لظاهرها ، ونسب هذا القول إلى الحسن .

الثاني : أنّ القصص القرآني لها ظاهر هو الاخبار بهلاك الأوّلين ، ولها باطن هو وعظ الآخرين وتحذيرهم أن يفعلوا كفعلهم فيحلّ بهم مثل ما حلّ بهم .

وهو قول أبي عبيدة ورجّحه الزركشي والسيوطي .

الثالث : أن ما من آية إلّا عمل بها قوم ولها قوم سيعملون بها ، وقد نسب القول بذلك إلى ابن مسعود ، إلّا أنّهم لم يبيّنوا هل أنّ المراد بالبطن هنا : المفهوم العام المنتزع من الآية والّذي سينطبق على كل قوم انطبقت عليهم ، فهو بذلك مشابه للرأي الثاني ، أم أنّ المراد بالبطن هنا : المصداق ، من حيث تحديد وتشخيص القوم الّذين ستنطبق عليهم الآية .

الرابع : أن ظاهر الآية لفظها ، وباطنها تأويلها ، ونسبه الزركشي إلى بعض المتأخرين‏ «17» .

الخامس : أن ظهرها ما ظهر من معانيها لأهل العلم بالظاهر ، وبطنها ما تضمنته من الأسرار الّتي أطلع اللّه عليها أرباب الحقائق .

ونسب السيوطي هذا الرأي إلى ابن النقيب‏ «18» .

ونحن إذا بحثنا الآراء المذكورة وجدنا :

أوّلا : أنّها تتّفق جميعا ، ووفقا لما سبق من روايات ، على وجود بطن للآيات القرآنية .

ثانيا : أن معاني البطن هنا ، تشترك في المساحة مع بعض معاني التأويل ، والّتي سبق أن بحثناها .

ثالثا : أنّ المعنى المراد بالبطن (التأويل) غالبا هو :

أ- المعنى العام المنتزع من الآيات وظواهرها ، والّذي لا يتناقض مع ظواهر الآيات ، بل أنّها تدلّ عليها ، ولكن لا يراد به معنى الألفاظ وما تدل عليه ابتداء ، وما يسمّى بالتفسير اللفظي للآيات ، بل هو المعنى الثانوي للكلام في مقابل المعنى الأولي المعبّر عنه بالظهر «19» .

وفي القرآن أمثلة على ذلك ، إذ ضرب اللّه أمثلة عديدة ، وكان المطلوب فهمها والاعتبار بها ، ونعى على الكافرين وقوفهم عند ظاهرها حتّى قال الكفار : ما بال العنكبوت والذباب يذكر في القرآن؟ فنزل : {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} [البقرة : 26] ، إذ أنّهم أخذوا بظاهر الآية ولم ينظروا في المراد فقال تعالى : {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ . .} [البقرة : 26] «20» .

وكذلك آيات القرآن الحاثّة على التدبّر وفقه القرآن وذم الكفار الّذين لا يكادون يفقهون حديثا ، فانّه لا يريد منهم أنّهم لا يفهمون ظاهر الكلام ، وقد نزل بلغتهم؛ وانّما أراد أنّهم لا يفهمون مراد اللّه من الخطاب لذا حضهم على أن يتدبّروا في آياته . . .

وذلك هو الباطن الّذي جهلوه ولم يصلوا إليه بعقولهم‏ «21» .

ب- تحديد المصداق الذي تنطبق الآية عليه ، أو في تحديد المصداق الخارجي الّذي تجري عليه الآية لاحقا ، وما سمّيت موارده بالجري والتطبيق‏ «22» ، ويفهم ذلك من الرأي المنسوب إلى ابن مسعود .

وعلى العموم فإنّنا نجد جلّ العلماء المفسّرين ، سنّة وشيعة يتقبّلون وجود بطن للآيات ، على اختلافهم في تحديد البطن ومساحته ، بل ذهب الكثير منهم إلى أن فهم القرآن وفقهه لا يتحصل بمجرّد تفسير الظاهر ، فقد ورد عن ابن مسعود : «من أراد علم الأوّلين والآخرين فليثوّر القرآن» . وقال ابن الأثير في شرحه : أي لينقّر عنه ويفكّر في معانيه وتفسيره وقراءته .

وعن أبي الدرداء قال : لا يفقه الرجل كل الفقه حتّى يجعل للقرآن وجوها «23» .

كما إنّ الكثير من الآيات القرآنية لا يفهم معناها الدقيق إلّا بتأويلها ، أي فهم المعنى الكامن وراء اللفظ ، لا الجمود على ظاهره؛ ومنها بعض آيات الصفات ، والعرش والكرسي . . . الخ ، وقد كان السبب في انجرار البعض إلى القول في التشبيه ، حتّى أنّهم أجروا ما ورد في صفات اللّه تعالى من آيات وروايات على ما يتعارف في الأجسام‏ «24» ، ذلك أنّهم قالوا : «لا بدّ من إجرائها على ظاهرها والقول بتفسيرها من غير تعرّض للتأويل ولا توقّف في الظاهر ، فوقعوا في التشبيه الصرف ، وذلك على خلاف ما اعتقده السلف . . .» «25» .

وإذا رجعنا إلى ما روي عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) في التفسير نجد أنّ الكثير منه كان في‏ تأويل الآيات ، سواء على صعيد انتزاع بعض المفاهيم الكلية من بعض الشواهد في الآيات القرآنية ، أو في تحديد مصاديق الآيات القرآنية أو حقيقة المعنى المقصود في الآية وهي ممّا تؤول إليه ، ومن أمثلة ذلك :

- أخرج سعيد بن منصور وأبو يعلى والحاكم- وصححه- والبيهقي في الدلائل : عن جابر بن عبد اللّه ، قال : (جاء يهودي إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال : يا محمّد! أخبرني عن النجوم الّتي رآها يوسف ساجدة له ، ما أسماؤها ؟ . . .

و{الشَّمْسَ والْقَمَرَ} . . . يعني أباه وأمّه رآها في افق السماء ساجدة له . فلمّا قصّ رؤياه على أبيه ، قال : ارى أمرا مشتتا يجمعه اللّه) «26» .

- وأخرج ابن جرير عن أبي هريرة ، قال : قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) : «السائحون هم الصائمون» .

- وأخرج أبو الشيخ وغيره عن أنس ، قال : قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) في قوله : {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ‏} قال : القرآن ، {وَبِرَحْمَتِهِ } [يونس : 58] : «أن جعلكم أهله» «27» .

- وأخرج أحمد والشيخان وغيرهم ، عن ابن مسعود ، قال : لمّا نزلت هذه الآية {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام : 82] ، شقّ ذلك على الناس ، فقالوا :

يا رسول اللّه ! وأيّنا لا يظلم نفسه ؟

قال : إنّه ليس الّذي تعنون ، أ لم تسمعوا ما قال العبد الصالح : {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان : 13] ؟ «إنّما هو الشّرك» «28» .

- وأخرج الحاكم- وصحّحه- عن أنس : أن رسول اللّه سئل عن قول اللّه تعالى :  { مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران : 97] . ما السبيل؟ قال : «الزاد والراحلة» «29» .

- وأخرج أحمد وغيره ، عن أبي هريرة ، عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) في قوله : { عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء : 79] . قال : «هو المقام الّذي أشفع فيه لأمّتي» وفي لفظ : «وهي الشفاعة» «30» .

وفي القرآن ما يستحيل حمله على ظاهره ، كما قال الزركشي ، فيحمل على المؤول ، لا المعنى الظاهر الراجح فيه ، كقوله تعالى : {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} [الإسراء : 24] ، فانّه يستحيل حمله على الظاهر ، لاستحالة أن يكون آدمي له أجنحة ، فيحمل على الخضوع وحسن الخلق .

وكقوله تعالى : {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} [الإسراء : 13] ‏ يستحيل أن يشدّ في القيامة في عنق كلّ طائع وعاص وغيرهما طير من الطيور ، فوجب حمله على الكتاب في الحساب لكل واحد منهم بعينه‏ «31» .

والانتقال من المعنى الأولي الظاهر ، إلى المعنى الباطن المكتسب بالتدبّر والتأمّل ، يعطي لفهم الآية القرآنية أبعادا إضافية واسعة وعالية المرام ، وهي لا تقع في عرض المعنى الظاهر بل في طوله ، فإن إرادة الظاهر لا تنفي إرادة الباطن ، كما إن إرادة الباطن لا تزاحم إرادة الظاهر «32» .

فعند التدبّر في قوله تعالى : {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} [النساء : 36] ، والآيات المشابهة لها ، نرى انّه تعالى ينهى عن عبادة الأصنام؛ وعند ما نتوسّع بعض التوسّع نرى النهي عن عبادة غير اللّه . . . ثمّ النهي عن عبادة الانسان نفسه باتباع‏ شهواتها . أمّا لو توسّعنا أكثر فنرى النهي عن الغفلة عن اللّه والتوجّه إلى غيره أيّا ما كان ذلك الغير .

إنّ هذا التدرّج من المعنى البدائي الظاهر إلى معان اخرى أوسع فأوسع جار في جميع الآيات ، وهو المقصود بالبطن . إذ تكون ظواهر الآيات كأمثال للبواطن ، تقرب المعارف إلى الأفهام ، بحسب مستواها ، وعلى قدر عقولها «33» .

شرائط التأويل :

وقد ذكروا لصحّة التأويل ، بمعنى الباطن ، شرطين أساسيين :

1- بيان احتمال اللفظ للمعنى الّذي ادّعاه .

إذ انّ القرآن نزل عربيا ، ولو كان له فهم لا يقتضيه كلام العرب لم يوصف بكونه عربيا بإطلاق .

2- بيان الدليل الموجب للصرف إليه في المعنى الظاهر ، فيجب أن يكون له شاهد نصّا أو ظاهرا في محلّ آخر يشهد لصحّته من غير معارض‏ «34» .

ولكن هذا الرأي قائم على أساس أنّ التأويل من قبيل صرف اللّفظ عن المعنى الراجح إلى المرجوح بدليل ، وقد ذكرنا فيما سبق أنّ التأويل (البطن) هو المعنى المراد من الآية ، أو المصداق المراد فيها في مواضع اخرى ، فلا يحتاج ذلك إلى دليل لصرف الآية عن ظاهرها إلّا إذا كان المراد تحديدا غير واضح من عموم لفظ الآية .

لذا نجد الطباطبائي- المفسّر الشيعي المعاصر- يرفض أن يكون التأويل من قبيل‏ صرف اللّفظ عن المعنى الراجح . . . موضحا أن هذا الفهم صادر من اعتقادهم أنّ المتشابه ما اريد به خلاف ظاهره ، ووصفه بأنّه اصطلاح محض لا يمكن استفادته من قوله تعالى : {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} [آل عمران : 7] «35» .

وعلى أيّة حال ، فانّنا نجد أن هناك تداخلا كبيرا في فهم التفسير ، والتأويل ، والباطن ، عند كثير من الباحثين حتّى دخلت شرائط وتعاريف بعضها ببعض‏ «36» .

التأويل المذموم :

اتفقت الامّة على أن من التأويل (التفسير الباطني هنا) ما هو مقبول وصحيح ، ومنه ما هو فاسد وباطل‏ «37» ، إلّا أنّه اختلف في حدوده ، ودخلت فيه كما دخلت في غيره الميول والاتجاهات .

فانّنا نجد أنّ الغالب فيمن كتب عن التأويل الباطل قصد فيه النيل من الشيعة ، فهذا الذهبي في معرض كلامه عن الإصابة في المعنى الباطن والخطأ فيه يقول :

« . . . وما أخطأ فيه : بعضه عن جهل وبعضه عن تعمد خبيث ونيّة سيّئة ، فالأمامية مع قولهم بالظاهر على ما به ، قالوا بالباطن أيضا ولكنّهم تعمّدوا أن يفسّروا الباطن على ما يتّفق وعقيدتهم الفاسدة!!

والباطنية لم يعترفوا بظاهر القرآن واعترفوا بالباطن فقط ولكنهم أيضا تعمدوا أن يفسروا الباطن على ما يتفق ونواياهم السيّئة ، وكلا الفريقين ضال مبتدع» «38» .

ولكنّه بعد أن يذكر تفاسير باطنية لبعض المتصوفة ويقرّ بعدم وجود تفسير مماثل لها عند الصحابة والتابعين ، وأنّها لو اريد بها تفسير الآيات «لكان هو بعينه مذهب الباطنية» ، مع كل هذا ، وتوافقا مع ميوله المذهبية ، يبرّر لهم أقوالهم حاملا لهم خير محمل فيقول : «ولكن إجلالنا لهؤلاء المفسّرين ووثوقنا بهم من الناحية العلمية والدينية واعترافهم في تفاسيرهم- الّتي نقلنا عنها- بالمعاني الظاهرية للقرآن وإنكارهم على من يقول بباطن القرآن دون ظاهره ، كل هذا يجعلنا نحسن الظن بالقوم ، فنحمل أمثال هذه المعاني على أنّها ليست من قبيل التفسير ، وإنّما هي ذكر منهم لنظير ما ورد في القرآن ، فإنّ النظير يذكر بالنظير ، كما قال ابن الصلاح في فتاواه» «39» .

رأي المفسّرين الشيعة :

ذكر الشيخ الطوسي ابتداء أن معاني القرآن على أربعة أقسام :

الأوّل : ما اختص اللّه تعالى بالعلم به ، فلا يجوز لأحد تكلّف القول فيه ، ولا تعاطي معرفته كعلم الساعة ووقتها .

الثاني : ما كان ظاهره مطابقا لمعناه ، فكل من عرف اللّغة الّتي خوطب بها عرف معناها .

الثالث : ما هو مجمل لا ينبئ ظاهره عن المراد به مفصّلا ، مثل الصّلاة والصّيام‏ والزّكاة ، إذ جاء الأمر بها في القرآن ولم يأت بيانها وتفصيل أحكامها فيه ، وهذا ممّا «لا يمكن استخراجه إلّا ببيان النبي ووحي من جهة اللّه تعالى . فتكلّف القول في ذلك خطأ ممنوع منه يمكن الأخبار- بالنهي عن التفسير بالرأي- متناولة له» .

الرابع : «ما كان اللفظ مشتركا بين معنيين فما زاد عنهما ويمكن أن يكون كل واحد منهما مرادا . فإنّه لا ينبغي أن يقدم أحد فيقول : أن مراد اللّه فيه بعض ما يحتمل- إلّا بقول نبي أو إمام معصوم- بل ينبغي أن يقول : انّ الظاهر يحتمل لأمور ، وكل واحد يجوز أن يكون مرادا على التفصيل ، واللّه أعلم بما أراد» «40» .

وبعد هذا التقسيم ، عاد إلى الكلام مفصلا في تأويل الآيات ، وبيان المقبول منه المبتني على أدلّة شرعيّة وعقليّة صحيحة وذمّ بعض المفسّرين لخطئهم في ذلك وتأويلهم الآيات وفقا لرأيهم ومذهبهم ، فقال : «ولا ينبغي لأحد أن ينظر في تفسير آية لا ينبئ ظاهرها عن المراد تفصيلا ، أو يقلد أحدا من المفسّرين إلّا أن يكون التأويل مجمعا عليه ، فيجب اتباعه لمكان الاجماع لأنّ من المفسّرين من حمدت طرائقه ومدحت مذاهبه ، كابن عباس والحسن وقتادة ومجاهد وغيرهم ، ومنهم من ذمّت مذاهبه كأبي صالح والسدّي والكلبي وغيرهم . هذا في الطبقة الاولى ، وأمّا المتأخرون فكل واحد منهم نصر مذهبه وتأوّل على ما يطابق أصله ، ولا يجوز أن يقلّد أحدا منهم ، بل ينبغي أن يرجع إلى الأدلّة الصحيحة : إمّا العقلية أو الشرعية ، من إجماع عليه ، أو نقل متواتر به عمن يجب اتباع قوله . . .» «41» .

وأمّا الطباطبائي- المفسّر الشيعي المعاصر- ، فانّه ابتداء يقدم الظاهر ويتمسك به ، فيقول : «ولا نجد دليلا على أنّه يقصد من كلماته- القرآن الكريم- غير المعاني الّتي ندركها من ألفاظه وجمله» «42» .

ولكنّه في نفس الوقت يقرّ بأنّ وراء الظاهر باطنا ، ولكنّه يحدّد له شرطين :

الأوّل : أن يكون الكاشف عنه ظواهر الآيات نفسها ، فالظاهر عنوان الباطن وطريقه .

الثاني : أن لا يكون الباطن مناقضا لمعطيات ظواهر الكتاب نفسه وحقائق الشريعة .

فهو يقول : «إنّ القول بأن تحت ظواهر الشريعة حقائق هي باطنها حقّ ، والقول بأن للانسان طريقا إلى نيلها حق ، ولكن الطريق انّما هو استعمال الظواهر الدينية على ما ينبغي من الاستعمال لا غير ، وحاشا أن يكون هناك باطن لا يهدي إليه ظاهر ، والظاهر عنوان الباطن وطريقه . . . وحاشا أن يكون هناك باطن حق ولا يوافقه ظاهره ، وحاشا أن يكون هناك حق من ظاهر أو باطن والبرهان الحق يدفعه أو يناقضه ، وحاشا أن يكون هناك شي‏ء آخر أقرب مما دلّ عليه شارع الدين غفل عنه أو تساهل في أمره ، أضرب عنه لوجه من الوجوه بالمرّة ، وهو القائل عزّ من قائل :

{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل : 89] «43» .

لذا فانّه يحدّد أنّ المعنى الباطن إنّما يكون في طول المعنى الظاهر لا في عرضه ، ولا تزاحم بينهما «44» .

ونجده في أكثر من موضع ينتقد من ناقض ظواهر الدين وحكم العقل ، ومن ذلك بعض المتصوفة وأهل الباطن الّذين اعتقدوا أن ما يصلون إليه من الباطن هو المقصود وأنّ الباطنيّات لا ينالها فهم أهل الظاهر ، فيقول : «ولو كان الأمر على ما يدّعون وكانت هي لب الحقيقة وكانت الظواهر الدينية كالقشر عليها لكان مشرع الشرع أحقّ برعاية حالها وإعلان أمرها كما يعلنون ، وإن لم تكن هي الحق فما ذا بعد الحق إلّا الضّلال» «45» .

وقد ذهب المفسّر الطباطبائي إلى نوعين للباطن :

1- المفاهيم العامّة المستنبطة من الآيات ، كما في مفهوم العبادة والشرك‏ «46» ، وقد تقدّم .

2- موارد التطبيق وذكر المصاديق ، وما يطلق عليه بالجري ، كما في قبوله لبعض الروايات التطبيقية الواردة في أهل البيت (عليه السلام) ، مع أنّه لا يشير إلى قسم آخر منها ، ممّا يؤيّد أنّه متشدد عموما في قبول ما روي من طرق الفريقين في هذا الباب‏ «47» .

موارد التأويل المقبول :

من هذه الموارد الروايات الواردة في تطبيق الآيات ، وتعيين مصاديقها ، فإنّ من موارد التأويل الصحيحة والتفسير الباطن ، بيان مصاديق الألفاظ العامّة ، أو المطلقة ، وما يسمّى بالجري والتطبيق‏ «48» ، ومن موارده أيضا إلى تجريد المفاهيم والمعاني من مواردها الخاصّة ، إذ تجري الآيات مجرى الأمثال والحكم ، وممّا يستدل به على صحّة التأويل وخطئه أن يكون في الآية دلالة على التأويل أو ارتباط به من حيث المعنى أو السياق .

ومن أمثلته في التفاسير الشيعية « (*)» :

أ- موارد الجري والتطبيق :

1- في قوله تعالى : { أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ} [هود : 17] .

فقد روى الطبري بسنده عن جابر ، عن عبد اللّه بن يحيى ، قال : قال عليّ (عليه السلام) :

ما من رجل من قريش إلّا وقد نزلت فيه الآية والآيتان ، فقال رجل : فأنت أيّ شي‏ء نزل فيك ، فقال عليّ : أما تقرأ الآية التي نزلت في هود {وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ } [هود : 17] «49» ؟

وفي الدرّ المنثور عن ابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم في المعرفة عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، قال : ما من رجل من قريش إلّا نزل فيه طائفة من القرآن ، فقال رجل : ما نزل فيك؟ قال : أما تقرأ سورة هود {أَ فَمَنْ كانَ عَلى‏ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ ويَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ‏} ؟ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) على بيّنة من ربّه ، وأنا شاهد منه .

وفي تفسير البرهان عن ابن المغازلي ، وتفسير الثعلبي ، وعن ابن شهرآشوب عن الحافظ أبي نعيم بثلاثة طرق عن ابن عباس . . . وفيه عن موفق بن أحمد ، قال : قوله تعالى : {أَ فَمَنْ كانَ عَلى‏ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ ويَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ}‏ قال ابن عباس : هو عليّ يشهد للنبيّ (صلى الله عليه وآله) وهو منه .

ومن طرق الشيعة : عن الكافي ، وأمالي الشيخ ، وبصائر الدرجات ، وأمالي المفيد ، وتفسير العيّاشي ، . . . عن الحسن (عليه السلام) وعن زين العابدين ، والباقر والصادق (عليه السلام) ، بنفس المعنى .

واعتبر الطباطبائي الرواية في معنى الآية أنّ إرادته (عليه السلام) بالشاهد من باب الانطباق لا بمعنى الارادة الاستعمالية «50» .

2- في قوله تعالى : { وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} [الرعد : 7] .

(فقد روى الطبري بسنده عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : لمّا نزلت‏ {إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ ولِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ} وضع (صلى الله عليه وآله) يده على صدره ، فقال : أنا المنذر ، ولكلّ قوم هاد ، وأومأ بيده إلى منكب عليّ ، فقال : أنت الهادي يا عليّ ، بك يهتدي المهتدون بعدي) «51» .

وفي الدرّ المنثور نقل الرواية عن ابن جرير وابن مردويه وأبو نعيم في المعرفة والديلمي وابن عساكر وابن النجّار ، ومن طرق الجمهور في هذا المعنى روايات كثيرة ، كما رواها من طرق الشيعة : الكليني في الكافي والصدوق في المعاني والصفّار في البصائر والعيّاشي والقمّي في تفسيريهما وغيرهم بأسانيد كثيرة .

واعتبر الطباطبائي أنّ شمول الآية لعليّ (عليه السلام) من الجري ، وأنّ معنى قوله (صلى الله عليه وآله) : (أنا المنذر وعليّ الهادي) ، أنّي مصداق المنذر ، والإنذار هداية مع دعوة ، وعليّ مصداق للهادي من غير دعوة ، وهو الإمام ، لا أنّ المراد بالمنذر هو رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) والمراد بالهادي هو عليّ (عليه السلام) ، فإنّ ذلك مناف لظاهر الآية «52» .

3- في قوله تعالى : {لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ } [الحاقة : 12] .

في الدرّ المنثور : أخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن مكحول ، قال : لمّا نزلت‏ {وتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ} قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) : سألت ربّي أن يجعلها اذن عليّ ، قال مكحول : فكان عليّ يقول : ما سمعت عن رسول اللّه شيئا فنسيته .

وفيه أخرج ابن جرير «53» وابن أبي حاتم والواحدي وابن مردويه وابن عساكر وابن النجّار عن بريدة قال : قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) لعليّ : إنّ اللّه أمرني أن ادنيك ولا اقصيك ، وأن اعلّمك لتعي ، فأنزلت هذه الآية {وتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ} ، فأنت اذن واعية لعلمي .

ومن طرق الشيعة : روى في البرهان باسناده عن سعد بن عبد اللّه عن أبي عبيد اللّه (عليه السلام) ، وعن الكليني بإسناده عنه (عليه السلام) ، وعن ابن بابويه- الصدوق- بإسناده عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) .

(و الروايات في ذلك من طرق الفريقين متعدّدة ، فقد روى منها في غاية المرام ستة عشر حديثا ، وقال في البرهان : إنّ محمد بن العبّاس روى فيه ثلاثين حديثا من طرق العامّة والخاصّة) «54» .

4- في قوله تعالى : {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ } [الواقعة : 10 ، 11] ‏ .

- ما رواه أبو نعيم الحافظ مرفوعا إلى ابن عباس قال :

إنّ سابق هذه الامة عليّ بن أبي طالب ، ومن كان إلى الاسلام أسبق كان أولى بنبيّه السابق إليه وأحرى بخصائص المثنى عليه .

- وروي عن ابن عباس ، قال : سبق الناس ثلاثة : يوشع صاحب موسى إلى موسى ، وصاحب ياسين إلى عيسى ، وعليّ بن أبي طالب إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله) «55» .

5- عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في معنى قوله عزّ وجلّ : {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [النور : 55] ، قال (عليه السلام) : (نزلت في القائم وأصحابه) «56» . وهو من موارد تطبيق الوعد العام للاستخلاف على مصداقه الظاهر في المهدي (عليه السلام) وفقا للروايات الواردة عن الرسول (صلى الله عليه وآله) فيه .

6- عن زرارة ، قال : قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) : سئل أبي عن قول اللّه : {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً} [التوبة : 36] . {حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ } [الأنفال : 39] ، فقال : إنّه لم يجئ تأويل هذه الآية ، ولو قد قام قائمنا بعده سيرى من يدركه ما يكون من تأويل هذه الآية ، وليبلغنّ دين محمّد (صلى الله عليه وآله) ما بلغ اللّيل حتّى لا يكون شرك على ظهر الأرض كما قال اللّه‏ «57» .

وما ورد في تأويلها موافق لظاهر الآية الكريمة .

7- في قوله تعالى : {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى : 23] ‏ ، أخرج في البحار بسنده ، قال : خطب الحسن بن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) حين قتل علي (عليه السلام) ثمّ قال : وإنا من أهل بيت افترض اللّه مودّتهم على كل مسلم حيث قال : {قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى‏ ومَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً} فاقتراف الحسنة مودّتنا أهل البيت‏ «58» ، فإنّ لاقتراف الحسنة معنى أوسع ولكن خصّ هنا بمودّة أهل البيت (عليه السلام) لدلالة الآية وشأن نزولها عليه .

8- في قوله تعالى : { فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} [آل عمران : 61] .

في تفسير القمي عن الصادق (عليه السلام) : أنّ نصارى نجران لمّا وفدوا على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) ، وكان سيّدهم الأهتم والعاقب والسيّد ، وحضرت صلواتهم ، فأقبلوا يضربون الناقوس وصلّوا ، فقال أصحاب رسول اللّه : يا رسول اللّه ، هذا في مسجدك ؟ فقال (صلى الله عليه وآله) : دعوهم ، فلمّا فرغوا دنوا من رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) فقالوا : إلى ما تدعو؟ فقال : إلى شهادة أن لا إله إلّا اللّه ، وأنّي رسول اللّه ، وأنّ عيسى عبد مخلوق ، يأكل ويشرب‏ ويحدث ، قالوا : فمن أبوه؟ فنزل الوحي على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) فقال : قل لهم : ما تقولون في آدم ، أ كان عبدا مخلوقا يأكل ويشرب ويحدث وينكح؟ فسألهم النبيّ ، فقالوا : نعم . قال : فمن أبوه ؟ فبهتوا ، فأنزل اللّه : { إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ} [آل عمران : 59] الآية ، وقوله : {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ‏} إلى قوله : {فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ}‏ ، فقال رسول اللّه : فباهلوني فإن كنت صادقا انزلت اللّعنة عليكم ، وإن كنت كاذبا انزلت عليّ ، فقالوا : أنصفت ، فتواعدوا للمباهلة ، فلمّا رجعوا إلى منازلهم قال رؤساؤهم السيّد والعاقب والأهتم : إن باهلنا بقومه باهلناه ، فإنّه ليس نبيّا ، وإن باهلنا بأهل بيته خاصّة لم نباهله ، فإنّه لا يقدم إلى أهل بيته إلّا وهو صادق ، فلمّا أصبحوا جاءوا إلى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) ومعه أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين (عليه السلام) ، فقال النصارى : من هؤلاء ؟ فقيل لهم : هذا ابن عمّه ووصيّه وختنه عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ، وهذه ابنته فاطمة ، وهذان ابناه الحسن والحسين (عليه السلام) ، ففرقوا فقالوا لرسول اللّه (صلى الله عليه وآله) ، نعطيك الرّضى ، فاعفنا من المباهلة ، فصالحهم رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) على الجزية وانصرفوا .

وفي العيون بإسناده إلى موسى بن جعفر (عليه السلام) في حديث له مع الرشيد ، قال له الرشيد : كيف قلتم إنّا ذرّيّة النبيّ ، والنبيّ لم يعقّب ، وإنّما العقب للذّكر لا للأنثى ، وأنتم ولد البنت ولا يكون له عقب ؟ . . .

قال- موسى بن جعفر- : بسم اللّه الرّحمن الرّحيم : { وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ} [الأنعام : 84 ، 85] ، من أبو عيسى يا أمير المؤمنين؟ فقال : ليس له أب ، فقلت : إنّما ألحقه بذراري الأنبياء من طريق مريم ، وكذلك ألحقنا اللّه بذراري النبيّ من امّنا فاطمة ، أزيدك يا أمير المؤمنين ؟ قال : هات ، قلت : قول اللّه عزّ وجلّ : {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وأَبْناءَكُمْ ونِساءَنا ونِساءَكُمْ وأَنْفُسَنا وأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ}‏ ، ولم يدّع أحد أنّه أدخل النبيّ تحت الكساء عند المباهلة مع النصارى إلّا عليّ بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين‏  (عليه السلام) ، فكان تأويل قوله : (أبناءنا) : الحسن والحسين ، (و نساءنا) : فاطمة ، (و أنفسنا) : عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) .

والروايات في هذا الشأن من طرق السنّة والشيعة متواترة ، ففي صحيح مسلم عن عامر بن سعد بن أبي وقّاص عن أبيه ، قال : أمر معاوية بن أبي سفيان سعدا فقال : ما يمنعك أن تسبّ أبا تراب- عليّا-؟ قال : أما ما ذكرت ثلاثا قالهنّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) فلن أسبّه ، لأن يكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليّ من حمر النعم ، سمعت رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) يقول حين خلفه في بعض مغازيه ، فقال له عليّ : يا رسول اللّه خلفتني مع النّساء والصّبيان؟ فقال له رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) : أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي؟ وسمعته يقول يوم خيبر : لأعطين الرّاية غدا رجلا يحبّ اللّه ورسوله ، ويحبّه اللّه ورسوله ، قال : فتطاولنا لها ، فقال : ادعوا لي عليّا فأتي به أرمد العين ، فبصق في عينيه ، ودفع الراية إليه ، ففتح اللّه على يده . ولمّا نزلت هذه الآية : {فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وأَبْناءَكُمْ ونِساءَنا ونِساءَكُمْ وأَنْفُسَنا وأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ‏} ، دعا رسول اللّه عليّا وفاطمة وحسنا وحسينا وقال : اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي .

ورواها الترمذي في صحيحه ، وأبو المؤيّد الموفّق بن أحمد في كتاب فضائل عليّ ، ورواها أيضا أبو نعيم في الحلية عن عامر بن سعد عن أبيه ، والحمويني في كتاب فرائد السمطين .

وروى قصّة المباهلة من المفسّرين السنّة : ابن جرير الطبري عن علياء بن أحمد الشكري ، والثعلبي عن مجاهد والكلبي ، وأبي الفداء ، وابن كثير والزمخشري ، وقال : (و فيه دليل لا شي‏ء أقوى منه على فضل أصحاب الكساء . . . وفيه برهان واضح على صحّة نبوّة النبيّ (صلى الله عليه واله وسلم)؛ لأنّه لم يرو أحد من موافق ولا مخالف أنّهم أجابوا إلى ذلك) .

والفخر الرازي قال معقّبا على الرواية : (و اعلم أنّ هذه الرواية كالمتّفق على صحّتها بين أهل التفسير والحديث) ، والسيوطي في الدرّ المنثور من عدّة طرق‏ «59» .

ب- موارد انتزاع المفهوم العام وتطبيقه :

1- في الكافي بإسناده عن فضيل بن يسار ، قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : قول اللّه عزّ وجلّ في كتابه : {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا } [المائدة : 32] ، قال : من حرق أو غرق ، قلت : من أخرجها من ضلال إلى هدى ، قال : ذلك تأويلها الأعظم‏ «60» . فإنّ التأويل هنا انتزاع مفهوم الانقاذ العام من الآية وتطبيقه على موارده الاخرى .

2- عن جابر عن أبي جعفر- الباقر- (عليه السلام) في قول اللّه : {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} [النساء : 119] ، قال : دين اللّه‏ «61» .

فإنّ الآية وإن كانت ظاهرة في أنّ التغيير يكون في الخلق ، إلّا أنّ المفهوم العام المستنبط منه في هذه الآية ، هو العمل بخلاف ما سنّه اللّه وخطّه للإنسان في الحياة ، ومن أجلى مظاهره العمل بخلاف ما أمر اللّه وتغيير دينه .

3- في قوله تعالى : {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ } [عبس : 24] .

فقد روى الكليني بإسناده إلى زيد الشحّام ، قال : سألت الإمام جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام) ، قلت : ما طعامه؟ قال : علمه الذي يأخذه عمّن يأخذه‏ «62» .

فإنّ التأويل انتزع مفهوم ضرورة تدقيق الانسان في ما يتناوله من علم من الآية الكريمة التي تدعو إلى التدقيق في ما يتناول الانسان من طعام .

4- في قوله تعالى {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء : 79] .

روى العيّاشي عن أحدهما (عليه السلام) في قوله : {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء : 79] ، قال :

هي الشّفاعة .

وهي تأويل المعنى العام للمقام المحمود الذي يعطاه النبيّ (صلى الله عليه وآله) في أبرز آثاره ، وهي الشفاعة «63» .

5- عن أبان بن عبد الرحمن قال : سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول : أدنى ما يخرج به الرجل من الاسلام أن يرى الرأي بخلاف الحقّ فيقيم عليه ، قال : {ومَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ‏} (المائدة/ 5) ، وقال : يكفر بالايمان الذي لا يعمل بما أمر اللّه به ولا يرضى به‏ «64» .

فإنّ المفهوم المتبادر من اللّفظ أنّ الكفر هنا يكون بعدم الاعتقاد- بعد الإيمان- إلّا أنّ الرواية هنا أوّلت الكفر بترك العمل المترتّب على الايمان ، والذي بدوره يؤول إلى حبط العمل وزعزعة الايمان أو الكفر به ، فهي أرجعت نتيجة الأمر إلى مقدّمته .

التأويل الباطني المذموم :

تشدّد الفريقان سنّة وشيعة- من حيث المبدأ- في رفض التأويل الباطني الّذي لا ينسجم مع ظواهر الكتاب وحقائق الشريعة ، وبالتالي فإنّه تأويل حمّل على آيات اللّه تحميلا ، تبعا لرأي أو ميل أو هوى . . . ، وكان لكلا الفريقين موقف صارم من تأويلات الفرق الباطنية المتفرّعة من كلا الفريقين : كبعض المتصوفة ، أو الباطنية الإسماعيلية ومن تفرّع عنهم .

وكان من المتمّم لبحثنا أن نضرب أمثلة للتأويل الخاطئ ، مع مناقشتها من حيث السند والمتن ، كنموذج لدراسة بقية موارد التأويل (التطبيق هنا) الواردة في التفاسير ، علما بأن جلّ المفسّرين المعتبرين الشيعة ورغم اطّلاعهم على هذه الموارد ، لم يأتوا بها في تفاسيرهم ، ممّا يدل على عدم قبولهم لها .

موارد التأويل المذموم :

وتعلم هذه الموارد من خلال إرجاعها إلى القرآن نفسه أوّلا ، وإلى ظواهر الشريعة الثابتة ، إذ يشترط في الباطن أن لا يكون مناقضا لمعطيات ظواهر الكتاب وحقائق الشريعة كما سبق‏ «65» .

على أنّ البحث في سند الأحاديث غالبا ما يعطينا القرينة على ضعفها ووضعها ، إذ يوجد في سندها عادة رجال ضعفاء متّهمون بالغلوّ أو مجاهيل وضعفاء لا يعتمد عليهم ، وردّ رواياتهم علماء الشيعة ولم يقبلوها «66» .

جدير ذكره أنّ الشيعة لا تسلّم بوجود كتاب في الحديث صحيح كلّه ، بحيث تقبل رواياته دون فحص وتحقيق ، وإنّما تخضع سائر الروايات للبحث والدراسة من حيث صحّة السند والمتن ، ومن أساسيّات منهجهم في ذلك عدم تعارض الروايات مع كتاب اللّه ، فما خالف كتاب اللّه فهو زخرف .

ونذكر هنا بعض الأمثلة على التأويل المردود والتي لم يقبلها المفسّرون المحقّقون الشيعة مع بيان دليل ردّها :

1- في تأويل الآيات من سورة الطارق : {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (2) النَّجْمُ الثَّاقِبُ} [الطارق : 1 - 3] .

ففي تفسير عليّ بن إبراهيم : عليّ بن إبراهيم ، عن جعفر بن أحمد ، عن عبيد اللّه بن موسى ، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة ، عن أبيه ، عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، في قوله تعالى : {والسَّماءِ والطَّارِقِ}‏ قال : السماء في هذا الموضع أمير المؤمنين .

والطارق الّذي يطرق الأئمّة (عليه السلام) فيما يحدث باللّيل والنهار ، وهو الروح الّذي مع الأئمّة (عليهم السلام) .

قلت : والنجم الثاقب ؟ قال : ذاك رسول اللّه (صلى الله عليه واله) .

ورواه عنه في البحار/ ج 24/ ص 70/ ح 3 . والبرهان/ ج 4/ ص 448/ ح 3 .

ويلاحظ عليه :

أوّلا : التأويل أعلاه يخالف ظاهر النص القرآني في أنّ الطارق هو النجم الثاقب ، كما تدل عليه الآيات من حيث اللّغة .

ولذا أهمل المفسّرون المحققون من الشيعة هذه الرواية ولم يأتوا بها .

قال الطبرسي :

«المعنى : أقسم اللّه سبحانه فقال‏ {والسَّماءِ} أي بالسماء . وقيل بربّ السّماء وقد بيّنا القول في ذلك . {والطَّارِقِ‏} وهو الّذي يجي‏ء ليلا {وما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ‏} وذلك أن هذا الاسم يقع على كل ما طرق ليلا ولم يكن النبي (صلى الله عليه وآله) يدري ما المراد لو لم يبيّنه ثمّ بيّنه بقول‏ {النَّجْمُ الثَّاقِبُ‏} أي هو الكوكب المضي‏ء ويريد به العموم وهو جماع النجوم . . .» «67» .

ثانيا : السورة مكّية وسياق الآيات جميعها في الاستدلال بآيات اللّه الكونية على الخلق والنشور والوعيد بذلك ، وهي في جملة السور المكّية الّتي كانت تؤكّد على المسائل العقائدية في التوحيد والنبوّة والبعث ، والتأويل لا يتناسب مع سياق الآيات .

ثالثا : وأمّا من حيث السند ففيه :

الحسن بن علي بن أبي حمزة البطائني ، وفي كتب الرجال عنه : «طعن عليه ، من وجوه الواقفة ، ضعيف في نفسه ، وقال عليّ بن الحسن بن فضّال : إنّي لأستحي من اللّه أن أروي عن الحسن بن علي ، كذاب ملعون ، رويت عنه أحاديث كثيرة وكتبت عنه تفسير القرآن كلّه من أوّله إلى آخره ، إلّا أني لا أستحل أن أروي عنه حديثا واحدا . . . رجل سوء ، كذاب» «68» .

2- وهكذا فان معظم موارد التأويل هذه ضعيفة السند ، فقد روى محمّد بن العباس «حدّثنا جعفر بن محمّد بن مالك ، عن الحسن بن عليّ بن مهران ، عن سعيد ابن عثمان ، عن داود الرقي ، قال : سألت أبا عبد اللّه عن قول اللّه عزّ وجلّ : { الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ } [الرحمن : 5]؟

قال : يا داود! سألت عن أمر فاكتف بما يرد عليك . إنّ الشمس والقمر آيتان من آيات اللّه يجريان بأمره ، ثمّ إنّ اللّه ضرب ذلك مثلا لمن وثب علينا وهتك حرمتنا وظلمنا حقّنا ، فقال : هما بحسبان ، قال : هما في عذابي .

قال : قلت‏ {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ} [الرحمن : 6] ‏ قال : النجم رسول اللّه ، والشجر أمير المؤمنين ، والأئمّة لم يعصوا اللّه طرفة عين .

قال : قلت : { وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ } [الرحمن : 7] ‏ .

قال : {السَّماءَ} رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) ثمّ قبضه ثمّ رفعه إليه .

ووَضَعَ الْمِيزانَ‏ والميزان أمير المؤمنين ونصبه لهم من بعده .

قلت : {أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ}‏ قال : لا تطغوا في الإمام بالعصيان والخلاف .

قلت : {وأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ ولا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ}‏ .

قال : أطيعوا الامام بالعدل ولا تبخسوا من حقّه» «69» .

ففي سند الرواية :

جعفر بن محمد بن مالك : كان ضعيفا في الحديث ، كان يضع الحديث وضعا ، كان أيضا فاسد المذهب والرواية ، كذاب ، متروك الحديث جملة ، وكان في مذهبه ارتفاع (غلو) ويروي عن الضعفاء والمجاهيل ، وعيوب الضعفاء مجتمعة فيه .

الحسن بن علي بن مهران : مجهول .

سعيد بن عثمان : مجهول .

داود الرقي : ضعيف جدّا ، والغلاة تروي عنه ، قلّ ما رأيت له حديثا سديدا . . .

فاسد المذهب ضعيف الرواية لا يلتفت إليه . . . يذكر الغلاة أنّه من أركانهم وقد يروى عنه المناكير من الغلو وينسب إليه أقاويلهم ، وقد روى البعض توثيقه إلّا أنّه معارض بما تقدم‏ «70» .

ومن الواضح أن مثل هذا السند الواهي يغني عن مناقشة الرواية ، ومع ذلك ففيها من حيث اللّغة أنّه لم يقل أحد من اللغويين ولا المفسّرين أن (حسبان) هنا بمعنى العذاب ، إذ الأصل أنّها من الحساب‏ «71» ، قال تعالى : { لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ} [يونس : 5] ‏ وقال تعالى : { وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا} [الأنعام : 96] بمعنى الحساب ، وإلّا لكان معنى الآية : وجعلنا اللّيل سكنا والشمس والقمر عذابا . . .!! ولم يقل بذلك أحد .

قال الطبرسي : {الشَّمْسُ والْقَمَرُ بِحُسْبانٍ}‏ أي يجريان بحسبان ومنازل لا يعدو انها وهما يدلان على عدد السنين والحساب والأوقات ، عن ابن عباس . . .» «72» .

3- وروي أيضا عن محمّد بن جمهور ، عن موسى بن بكر ، عن زرارة ، عن حمران ، قال : سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عمّا يفرق في ليلة القدر ، هل هو ما يقدّر اللّه فيها؟

قال : لا توصف قدرة اللّه إلّا أنّه قال : {فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ‏} فكيف يكون حكيما إلّا ما فرق ، ولا توصف قدرة اللّه سبحانه ، لأنّه يحدث ما يشاء .

وأمّا قوله : { لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر : 3] يعني فاطمة (سلام اللّه عليها) .

وأمّا قوله : {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا} [القدر : 4] والملائكة في هذا الموضع المؤمنون الّذين يملكون علم آل محمّد والرُّوحُ‏ روح القدس وهو في فاطمة (عليها السلام) .

{مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ} [القدر : 4، 5] يقول : من كل أمر مسلّمة .

{حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر : 5] حتّى يقوم القائم (عليه السلام) «73» .

وفي سند الرواية : محمّد بن جمهور ، قال عنه أصحاب الرجال : «غال ضعيف في الحديث ، فاسد المذهب ، وقيل فيه أشياء اللّه أعلم بها من عظمها . . . لا يلتفت إلى حديثه ولا يعتمد على ما يرويه» «74» .

والناظر إلى الرواية يجد أنّها من جزءين؛ الأوّل ينتهي بعبارة «لأنّه يحدث ما يشاء» وهي منسجمة مع الآية ومع ما فيها ، والجزء الثاني مفكك ولا ينسجم مع الآية ولا مع الرواية نفسها ، فكيف تكون ليلة القدر فاطمة (عليها السلام)؟ وثانية الروح في فاطمة ؟

وكيف يكون الملائكة المؤمنين ؟ وكيف يتنزّلون ؟ ولمن يعود الضمير في‏ {فِيها . . .}

وكيف تمتد هذه اللّيلة وذلك التنزل حتّى يقوم القائم ؟

وكأن الواضع أو المؤوّل قد دسّ في الحديث الجزء الثاني ليأتي مع القسم الأوّل ملتحقا به ، واستفاد من رواته الثقات : موسى بن بكر وزرارة وحمران التالين لمحمّد بن جمهور- الضعيف الغالي- ليضفي على ما دسّه قوّة ويعطيه سندا ، فقد قيل ليونس بن عبد الرّحمن- وهو من وجوه أصحاب الأئمّة (عليهم السلام)- : ما أكثر إنكارك لما يرويه أصحابنا؟ فقال : «حدثني هشام بن الحكم أنّه سمع الإمام الصادق (عليه السلام) يقول :

لا تقبلوا علينا حديثا إلّا ما وافق القرآن والسنّة ، أو تجدون معه شاهدا من أحاديثنا المتقدمة؛ فإنّ المغيرة بن سعيد دسّ في كتب أصحاب أبي ما لم يحدّث أبي بها» .

وقال : «عرضت كتب كثير من أصحاب الصادق (عليه السلام) على الرضا (عليه السلام) فأنكر منها أحاديث كثيرة أن تكون من الصادق (عليه السلام) . وقال : (إنّ أصحاب أبي الخطاب- محمّد ابن مقلاص الغالي الملعون- يدسّون إلى يومنا في كتب أصحاب الصادق (عليه السلام) فلا تقبلوا علينا خلاف القرآن؛ فإنّا إذا حدّثنا حدّثنا بموافقة القرآن وموافقة السنّة ، إنّا عن اللّه وعن رسوله نحدّث ولا نقول : قال فلان وقال فلان ، فيتناقض كلامنا . إن‏ كلام آخرنا مثل كلام أوّلنا ، وكلام أوّلنا مصدق لكلام آخرنا . وإذا أتاكم من يحدثكم بخلاف ذلك فردّوه عليه وقولوا : أنت أعلم وما جئت به ، فإنّ مع كل قول منا حقيقة وعليه نور ، فما لا حقيقة له ولا نور عليه فذلك قول الشيطان» «75» .

وعلى أيّة حال فقد مرّ في بحث (الوضع) ، من أنّ أحد علامات الموضوع : ركاكة ألفاظه ومعانيه‏ «76» ، والارتباك في ألفاظ الرواية السابقة وتداعي المعاني واضح للعيان .

4- في قوله تعالى : {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [الشرح : 7، 8] ، وردت الروايات التالية :

أ- قال محمّد بن العباس : حدّثنا محمّد بن همام ، عن عبد اللّه بن جعفر ، عن الحسن بن موسى ، عن عليّ بن حسان ، عن عبد الرّحمن ، عن أبي عبد اللّه جعفر (عليه السلام) قال : قال اللّه سبحانه وتعالى : {أَ لَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ‏- بعلي- ووَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ ، فَإِذا فَرَغْتَ‏- من نبوّتك- فَانْصَبْ‏ عليّا وصيّا وإِلى‏ رَبِّكَ فَارْغَبْ} في ذلك‏ «77» .

ب- وفي رواية اخرى في تفسير عليّ بن إبراهيم ، قال : إذا فرغت من حجّة الوداع فانصب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) .

و{إِلى‏ رَبِّكَ فَارْغَبْ}‏ :

قال : حدثنا محمّد بن جعفر ، عن يحيى بن زكريا ، عن حسان ، عن عبد الرّحمن بن كثير ، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) : فإذا فرغت من نبوتك فانصب عليّا (عليه السلام) وإلى ربّك فارغب في ذلك‏ «78» .

ج- وفي رواية اخرى : قال (محمد بن العباس) : حدّثنا محمد بن همام بإسناده ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن ابن أبي عمير ، عن المهلبي ، عن سلمان ، قال : قلت لأبي عبد اللّه : قوله تعالى‏ {أَ لَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ‏} قال : بعليّ فاجعله وصيّا . قلت : وقوله‏ {فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ}‏ قال : إنّ اللّه عزّ وجلّ أمره بالصّلاة والزّكاة والصّوم والحجّ ، ثمّ أمره إذا فعل ذلك أن ينصب عليّا وصيّا {وإِلى‏ رَبِّكَ فَارْغَبْ‏} في ذلك‏ «79» .

د- وقال (محمّد بن العباس) أيضا : حدّثنا أحمد بن القاسم ، عن أحمد (بن محمّد) ابن خالد ، عن محمّد بن عليّ ، عن أبي جميلة ، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) :

قال : قوله تعالى‏ {فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ‏} كان رسول اللّه حاجّا فنزلت‏ {فَإِذا فَرَغْتَ}‏- من حجّك- فَانْصَبْ‏ عليّا للناس‏ «80» .

هـ- وقال أيضا (محمّد بن العباس) : حدّثنا أحمد بن القاسم ، عن أحمد بن محمّد باسناده إلى المفضل بن عمر ، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال : {فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ‏} عليّا بالولاية «81» .

وفيها :

أوّلا : من حيث السياق القرآني ، فإنّ السورة مجمع على أنّها مكّية ، ففي الدرّ المنثور عن ابن عباس وعبد اللّه بن الزّبير وعائشة ، أنّها نزلت بمكّة وزاد بعضهم عن ابن عباس : بعد (الضحى) «82» .

وقال الطبرسي : «مكّية وهي ثمان آيات بالإجماع» «83» .

وقد شرع الحج في المدينة بعد الهجرة ، أمّا حجّ التمتع فقد شرع في حجّة الوداع الّتي حجّها رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) في السنة الأخيرة من عمره الشريف ، وخطبته في غدير خم الّتي أوصى بها لعليّ (عليه السلام) كانت بعد الفراغ من حجّه هذا وفي أثناء رجوعه إلى المدينة ، وبالتالي فما ذكر في الروايات : ب ، ج ، د أن هذه الآيات من سورة الانشراح نزلت بعد الحج- حجّة الوداع- يتعارض مع الإجماع على أنّ السورة مكّية ، فلا يمكن قبولها .

ثانيا : وأمّا الروايتان : أ ، ج فهما تصرّحان بمعنى تبليغ الولاية بعد الفراغ من النبوّة ، ولا يعلم متى الفراغ منها ، هل هو بعد البعثة مباشرة ، أم بعد حجة الوداع في آخر عمر الرسول الشريف (صلى الله عليه وآله) كما في الروايات؟ فعلى الأوّل لا يتم ولا يتناسب مع خطبة الغدير التي كانت بعد حجة الوداع ، وعلى الثاني لا يتم لأنّ الآيات مكّية كما مرّ .

على أنّ الروايات معارضة بما ورد عن الإمامين الباقر والصادق (عليه السلام) والّذي ذكره صاحب المجمع ، والذي سنذكره في الفقرة الرابعة فيما يأتي .

ثالثا : إنّ فعل نصب لو اريد به نصب شخص وصيا أو وليا فهو فعل متعدّ ، تقول :

نصب الأمير فلانا ، ولكانت الآية يجب أن تكون : فإذا فرغت فانصبه ، أمّا إذا جاء نصب كفعل لازم- كما في الآية- فهي من نصب نصبا بمعنى أعيا وتعب ، وجدّ واجتهد «84» .

رابعا : لذا أجمع المفسّرون من كلا الفريقين على أنّ المعنى : «فاذا فرغت من الصلاة المكتوبة فانصب إلى ربّك بالدعاء وارغب إليه في المسألة يعطك . عن مجاهد وقتادة والضحاك ومقاتل والكلبي ، وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه (عليهم السلام) .

ومعنى انصب من النصب وهو التعب أي لا تشتغل بالراحة .

وقال الزهري : إذا فرغت من الفرائض فادع بعد التشهّد بكل حاجتك .

وقال الصادق (عليه السلام) : هو الدّعاء في دبر الصلاة وأنت جالس . . .» «85» .

خامسا : هذا وفي سند الروايات جمع من الضعفاء منهم :

- علي بن حسن بن كثير الهاشمي ، قالوا عنه : ضعيف جدّا ، ذكره بعض أصحابنا في الغلاة ، فاسد الاعتقاد ، له كتاب تفسير الباطن تخليط كلّه ، . . . ، غال ، ضعيف ، رأيت له كتابا سمّاه تفسير الباطن لا يتعلّق من الاسلام بسبب . . . فهو كذّاب واقفي‏ «86» .

- وهو يروي عن عمّه عبد الرّحمن بن كثير الّذي جاء فيه : كان ضعيفا ، غمز أصحابنا عليه ، وقالوا : كان يضع الحديث ، له كتاب فضائل سورة إنّا أنزلناه . . .

- وأبو جميلة ، هو المفضل بن صالح ، قالوا عنه أنّه من جماعة : غمز فيهم وضعّفوا ، ضعيف ، كذّاب ، يضع الحديث‏ «87» .

- وأمّا المفضل بن عمر فقد وردت روايات في مدحه وذمّه ، وممّن ذمّه النجاشي إذ قال فيه : «فاسد المذهب ، مضطرب الرواية ، لا يعبأ به ، وقيل : إنّه كان خطابيا ، وقد ذكرت له مصنفات لا يعوّل عليها» «88» .

وعلى أيّة حال فالروايات : أ ، ب ، ج ، د ، الّتي جاءت في اطلاق القول بالنصب بالولاية ، مرسلة كما هو واضح من إسنادها .

والخلاصة : ان هذه الروايات لا علاقة دلالية فيها بالآيات ، وضعيفة سندا ، وتخالف النزول والسياق القرآني ، كما تخالف إجماع المفسّرين ، لذا فإنّ كثرتها- بحيث يحسب الناظر إليها أنّها متواترة- لا تفيد شيئا ، ولا يمكن قبول تأويلها على أي حال .

وما نريده هنا نفي دلالة هذه الروايات على التأويل المنسوب للآيات ، أمّا مسألة الولاية ففيها دلائل اخرى ، تراجع في مظانها ، وقد ذكرنا قسما منها فيما سبق .

5- في تأويل قوله تعالى : { يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ} [ص : 75] .

تأويله : ما رواه أبو جعفر محمّد بن بابويه (رحمه اللّه) ، عن عبد اللّه بن محمّد بن عبد الوهاب ، عن أبي الحسن محمّد بن أحمد القواريري ، عن أبي الحسين محمّد بن عمار ، عن إسماعيل بن ثويّة ، عن زياد بن عبد اللّه البكائي (البكالي) ، عن سليمان الأعمش ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : كنّا جلوسا عند رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) إذ أقبل إليه رجل ، فقال : يا رسول اللّه! أخبرني عن قول اللّه عزّ وجلّ لإبليس : {أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ}‏ من هم يا رسول اللّه الّذين هم أعلى من الملائكة المقرّبين ؟

فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) : أنا وعلي وفاطمة والحسن والحسين كنّا في سرادق العرش نسبّح اللّه ، فسبّحت الملائكة بتسبيحنا قبل أن يخلق اللّه عزّ وجلّ آدم بألفي عام .

مّا خلق اللّه عزّ وجلّ آدم أمر الملائكة أن يسجدوا له ، ولم يؤمروا بالسجود إلّا لأجلنا ، فسجدت الملائكة كلّهم أجمعون إلّا إبليس أبى أن يسجد ، فقال اللّه تبارك وتعالى‏ يا {إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ، أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ} أي من هؤلاء الخمسة المكتوبة في سرادق العرش .

فنحن باب اللّه الّذي يؤتى منه وبنا يهتدي المهتدون ، فمن أحبنا أحبّه اللّه وأسكنه جنته ، ومن أبغضنا أبغضه اللّه وأسكنه ناره ، ولا يحبّنا إلّا من طاب مولده‏ «89» .

قال في الوسيط : السّرادق : كل ما أحاط بشي‏ء من حائط أو مضرب ، وسردق البيت جعل أعلاه وأسفله مشددا كلّه‏ «90» .

مناقشة الرواية : أ- من حيث السند :

- عبد اللّه بن محمد بن عبد الوهاب : القرشي ، من مشايخ الصدوق في «العيون» ولكنّه مجهول‏ «91» .

- محمّد بن عمار : مشترك بين عدّة أشخاص كلّهم مجاهيل‏ «92» .

- ولم نجد في كتب الرجال الّتي بأيدينا ذكرا لكل من : أبي الحسن محمّد بن أحمد القواريري (العرابري) ، إسماعيل بن ثوية ، ولا زياد بن عبد اللّه البكائي (البكالي) .

- وأمّا سليمان الأعمش فهو سليمان بن مهران ، أبو محمّد الأسدي الكوفي ، وقد مدحه ابن شهرآشوب ، وذكر أنّه من خواص أصحاب الصادق (عليه السلام) «93» المولود (سنة 60- 61 هـ) إلّا أنّه لا يمكن أن يروي عن أبي سعيد الخدري من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) المتوفّى سنة (63 ، أو 64 أو 65 ، أو 74 هـ) «94» . إذ يستبعد روايته عن أبي سعيد الصحابي وهو صبي صغير وينفرد بروايته تلك عن سائر الناس ، فالرواية مرسلة فضلا عمّا فيها من مجاهيل .

وأمّا من حيث المتن فنكتفي بما قاله الشيخ المفيد- وهو من أعاظم الشيعة الإمامية- معقبا على مقولة البعض بأنّ ذوات آل محمّد كانت موجودة قبل آدم ، قال (قدس سره) : «فذلك باطل بعيد عن الحق لا يعتقده محصل ، ولا يدين به عالم ، وإنّما قال به طوائف من الغلاة الجهال والحشوية من الشيعة الّذين لا بصيرة لهم بمعاني الأشياء ولا حقيقة الكلام ، وقد قيل إنّ اللّه تعالى كان قد كتب أسماءهم في العرش ورآها آدم وعرفهم بذلك وعلم أنّ شأنهم عند اللّه عظيم» «95» .

وقال الطبرسي في تفسير الآية : «{أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ}‏ أي أ رفعت نفسك فوق قدرك وتعظّمت عن امتثال أمري ؟ أم كنت من الّذين تعلو أقدارهم عن السجود فتعاليت عنه» «96» .

وقال الطباطبائي : «وقوله‏ {أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ}‏ استفهام توبيخ ، أي أ كان عدم سجودك لأنّك استكبرت ، أم كنت من الّذين يعلون ، أي يعلو قدرهم أن يؤمروا بالسجود ، ولذا قال بعضهم بالاستفادة من الآية : إنّ العالين قوم من خلقه تعالى مستغرقون في التوجّه إلى ربّهم لا يشعرون بغيره تعالى .

وقيل : المراد بالعالين ملائكة السماء فإنّ المأمورين بالسجود هم ملائكة الأرض .

ويدفعه ما في الآية من العموم» «97» .

منهج الإماميّة في التأويل الباطني‏

يمكن من خلال ما سبق أن نحصل على معالم موقف الإمامية من التأويل بالباطن ،  وعلاقته بالنص القرآني كما يلي :

1- أن ظاهر النص القرآني مقدّم على سواه ويتمسّك به أوّلا .

2- للآيات القرآنية بطن كما إنّ لها ظهرا .

3- يشترط في البطن أن يكون الكاشف عنه ظواهر الآيات نفسها .

4- ويشترط فيه أن لا يكون مناقضا لظواهر الكتاب وحقائق الشريعة .

5- ويشترط فيه أن يكون في طول الظاهر لا في عرضه ولا يزاحمه .

6- يكون الباطن على نوعين :

أ- المفاهيم العامّة المستنبطة من الآيات فيما وراء المفهوم الأوّلي البدوي من الظاهر .

ب- موارد الجري والتطبيق وتحديد المصاديق للآيات .

7- تكون موارد الجري والتطبيق- عادة- بالإخبار من قبل المعصوم .

8- يرفض- بشدّة- التأويلات الباطنية الّتي لا علاقة لها بالظاهر ممّا يطلقه بعض المتصوفة ، أو الفرق الباطنية .

لذا فقد ألّف علماء الشيعة- قديما وحديثا- كتبا في الرد على الفرق الباطنية القديمة ومنهم القرامطة وفرق الصوفية ، أو الفرق المستحدثة منها كالبابية ، ذكر صاحب الذريعة منها أسماء تسعة وخمسين كتابا «98» .

9- اتّخذ علماء الشيعة منذ القدم موقفا شديدا ممّن تأوّل- من غير دليل وحجّة- الآيات القرآنية ، سواء في أهل البيت أو في غيرهم ، ويتّضح ذلك الموقف الصارم من خلال عبارات علماء رجالهم في لعن الكذابين الواضعين وردّ أحاديثهم وعدم الاعتناء بها ، حتّى أنّهم لا يستحلون الرواية عنهم حديثا واحدا ، ومنهم من كتب عنه تفسير القرآن كلّه من أوّله إلى آخره؛ أو آخر له كتاب تفسير الباطن ووصفوه بأنّه :

لا يتعلّق من الاسلام بسبب ، أو آخر له كتاب فضائل في سورة من القرآن وهو موضوع ، فمصنفاتهم لا يعوّل عليها .

10- القاعدة العامّة الحاكمة على سائر الروايات ، هي ما سنّها أئمّة أهل البيت (عليه السلام) إذ حذّروا من الدسّ والوضع الّذي جرى في حديثهم- كما جرى في حديث رسول اللّه (صلى الله عليه واله)- فأمروا بإرجاع ما يروى عنهم من حديث إلى كتاب اللّه والسنّة- المتواترة- فما وافقهما اخذ به ، لأنّهم يحدّثون عن اللّه وعن رسوله (صلى الله عليه وآله) ، وما خالفهما ردّ على من أتى به فهو أعلم وما جاء به .

11- ولذا فإنّ هذه التأويلات غير المعقولة أو الباطلة لم يأخذ بها علماء الشيعة ومفسروهم المحققون المعتبرون ، ولا نجد لها أثرا في كتب التفسير الأساسية عندهم ، نعم توجد هذه التأويلات في بعض المجاميع الحديثية التفسيرية الّتي غايتها جمع الروايات دون إبداء نظر أو تمحيص ، وهي لا تمثل الخط العام للمفسّرين الشيعة .

12- لا شك في وجود روايات تأويل مقبولة ، وروايات جري وتطبيق صحيحة ، فلا يسوّغ وجود روايات ضعيفة فتح الباب للطعن في الروايات الصحيحة ، ومنها روايات مأثورة متواترة في فضائل أهل البيت (عليه السلام) ذكرتها كتب الفريقين ، إذ يبقى لأهل البيت (عليه السلام) المقام السامي من التطهير والفضل والاسوة المتقدمة في عالم الاسلام .

اختلاف التأويل عن التفسير الباطني :

إنّ التأويل بالباطن عند الشيعة ، وأغلبه في موارد الجري والتطبيق ليس تفسيرا باطنيا يلغي التفسير بالظاهر ، وإنّما التفسير الظاهر للآيات باق بوجوده وحجّيّته ولزوم العمل به ، وما يأتي من التفسير بالباطن ، هو في طول هذا التفسير ، من باب تطبيق الآية من القرآن على ما تقبل أن تنطبق عليه من الموارد ، وإن كان خارجا عن مورد النزول ، ومن ذلك تطبيق الآيات القرآنية على أهل البيت (عليه السلام) وفي أعدائهم ، كما يؤكّد ذلك العلّامة الطباطبائي‏ «99» .

وأكّد هذا المنهج مفسّر شيعي آخر ، وهو السيد السبزواري الذي يقول :

« . . . كما إنّي لم أهتم بذكر شأن النزول غالبا؛ لأنّ الآيات المباركة كلّيات تنطبق على مصاديقها في جميع الأزمنة ، فلا وجه لتخصيصها بزمان النزول أو بفرد دون فرد آخر ، وكذلك جميع الروايات الواردة عن الأئمة الهداة في بيان بعض المصاديق لها ، فهو ليس من باب التخصيص ، بل من باب تطبيق الكلّي على الفرد ، كما ستعرف ذلك كلّه إن شاء اللّه تعالى» «100» .

وهذه مسألة أساسية يختلف بها التأويل الذي نحن بصدده عن التفسير الباطني الذي يلغي الظاهر ويتمسّك بالباطن ، فإنّ الباطنية رفضوا الأخذ بظاهر القرآن وقالوا : للقرآن ظاهر وباطن ، والمراد منه باطنه دون ظاهره‏ «101» ، وهذا يختلف جوهريا ومبدئيا عن التأويل بالباطن- عند الشيعة- ، فهم يقرّون الظاهر ويثبتون حجّيّته؛ فهذا الإمام الخوئي- المرجع المعاصر للشيعة- يعقد في مقدّمة تفسيره فصلا في إثبات حجّيّة ظواهر الكتاب ، وبعد ما أورد جملة من الآيات الدالّة على وجوب العمل بما في القرآن ولزوم الأخذ بما يفهم من ظواهره ، قال :

«وممّا يدلّ على حجّيّة ظواهر الكتاب وفهم العرب لمعانيه :

1- أنّ القرآن نزل حجّة على الرسالة ، وأنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) قد تحدّى البشر على أن يأتوا ولو بسورة من مثله ، ومعنى هذا أنّ العرب كانت تفهم معاني القرآن من ظواهره ، ولو كان القرآن من قبيل الألغاز لم تصحّ مطالبتهم بمعارضته ، ولم يثبت لهم إعجازه؛ لأنّهم ليسوا ممّن يستطيعون فهمه ، وهذا ينافي الغرض من إنزال القرآن ودعوة البشر إلى الإيمان به .

2- الروايات المتظافرة الآمرة بالتمسّك بالثّقلين اللّذين تركهما النبيّ في المسلمين ،  فإنّ من البين أنّ معنى التمسّك بالكتاب هو الأخذ به ، والعمل بما يشتمل عليه ، ولا معنى له سوى ذلك .

3- الروايات المتواترة التي أمرت بعرض الأخبار على الكتاب ، وأنّ ما خالف الكتاب منها يضرب على الجدار ، أو أنّه باطل ، أو أنّه زخرف ، أو أنّه منهيّ عن قبوله ، أو أنّ الأئمة لم تقله ، وهذه الروايات صريحة في حجّيّة ظواهر الكتاب ، وأنّه ممّا تفهمه عامّة أهل اللّسان العارفين بالفصيح من لغة العرب . ومن هذا القبيل الروايات التي أمرت بعرض الشروط على كتاب اللّه وردّ ما خالفه منها .

4- استدلالات الأئمة (عليه السلام) على جملة من الأحكام الشرعية وغيرها بالآيات القرآنية» «102» .

فالتأويل بالباطن عند الشيعة لا يلتقي بحال مع مبادئ الباطنية وتفسيراتهم ، وإنّما هو يمكن تشبيهه بالتفسير الإشاري المقبول ، والذي يمكن الجمع بينه وبين الظاهر ، فإنّ هذا التفسير- مع اشتراط عدم منافاته للقرآن وللشريعة وظواهر النص . . .-

ليس إحالة للظاهر عن ظاهره ، ولكن ظاهر الآية ما جاءت له ودلّت عليه في عرف اللّسان ، والتفسير الإشاري هو من باب فهم باطن الآية لمن فتح اللّه قلبه ، ولذا كان ذلك مقبولا لدى العلماء «103» .

ومن هنا نعلم ، أنّ الخلط بين التأويل عند الشيعة ، والتأويل عند الباطنية ، والّذين ردّهم الشيعة وتبرّءوا منهم ، لم يكن صائبا ولا يقوم على أساس صحيح؛ لاختلاف المبادئ وكذا التطبيقات عن بعضها البعض .

بقي أمر ، وهو وجود مرويّات غير مقبولة- في التأويل وغيره- هنا وهناك ، فإنّ هذه المرويّات موجودة في سائر أنواع الحديث ، وقد مرّ علينا في الوضع‏ والاسرائيليات ، كثرة المرويّات الموضوعة ، وبلغ الضعف في المرويّ حدّا حتّى قال بعضهم بأنّ أكثر الروايات في التفسير لا يصحّ له سند متّصل ، وما صحّ سنده إلى بعض الصحابة يقلّ فيه المرفوع- إلى النبيّ (صلى الله عليه واله )- الّذي يحتجّ به ، حتّى ذهب البعض إلى أنّ أكثر ما روي في التفسير أو كثيره حجاب على القرآن وشاغل لتاليه عن المقاصد العالية المزكّية للأنفس المنوّرة للعقول ، وبالتالي ، فإنّ المفضّلين للتفسير بالمأثور لهم شاغل عن مقاصد القرآن بكثرة الروايات التي لا قيمة لها سندا ولا موضوعا «104» .

إلّا أنّ ذلك ، كما يعلم ، لا يصدّ المفسّر والباحث عن استقصاء الروايات الصحيحة والمقبولة ، وإنّما يعطينا الدّليل على أنّ هذه الروايات تحتاج إلى تمحيص دقيق ، لا من جهة السّند- إذ إنّ أكثرها ليس له سند تام وصحيح- بل من جهة موافقتها للقرآن وعدم تعارضها مع الأدلّة الشرعية والعقلية .

ولذا فإنّ وجود روايات ضعيفة أو غير مقبولة في التأويل لا يدعونا بأي حال إلى رفض سائر المرويّات ، بل يحثّنا على الدقّة في بحثها والتأكّد من صحّتها .

وفي مقابل الاتجاه للتأويل ، حاول البعض- ومنهم الحشوية وأصحاب الحديث- الوقوف بوجه التأويل ، بكل أنواعه ، والقول بالجمود على ظاهر الآيات والأحاديث وعدم تأويلها ، فوقعوا في الجبر والتشبيه والتجسيم والتصوير ، فقالوا إنّ معبودهم على صورة ذات أعضاء وأبعاض . . . ويجوز عليه الانتقال والنزول والصعود . . . إلخ‏ «105» .

وسنأتي على دراسة هذا الاتجاه وغيره في التعامل مع الحديث وتأثيراته في الفصل القادم إن شاء اللّه .

التأويل لدى مختلف المذاهب :

والاتجاه إلى التأويل لم يقتصر على الشيعة ، بل هو موجود لدى سائر المذاهب ، وقد سبق وأن علمنا أنّ أكثر المسلمين يقرّون بوجود باطن للآيات ، كما إنّ كثيرا من الفرق من مختلف المذاهب كان لديها التأويل بصور مختلفة .

فالمعتزلة قالوا بتأويل الآيات المتشابهة ، خصوصا التي تتعارض مع عقيدة التوحيد ، قال الشهرستاني :

«اتّفقوا على نفي رؤية اللّه تعالى بالأبصار في دار القرار ونفي التشبيه عنه من كل وجه : جهة ومكانا وصورة وتمييزا وانتقالا وزوالا وتغيّرا وتأثّرا ، وأرجعوا تأويل الآيات المتشابهات فيها وسمّوا هذا النمط تأويلا» «106» .

كما أنّهم أوّلوا بعض الآيات الاخرى وفقا لقولهم في المنزلة بين المنزلتين- أنّ صاحب الكبيرة لا يكون مؤمنا ولا كافرا ولا منافقا ، بل يكون فاسقا- ، وكذلك القول بأنّ أفعال العباد مخلوقة لهم‏ «107» .

وقال الزمخشري بأنّ من القرآن ما يستحيل حمله على ظاهره ، فلا بدّ من تأويله وحمله على المؤوّل لا المعنى الظاهر الرّاجح فيه‏ «108» .

ومن المؤوّلين- ضمن ضوابط معيّنة- كثير من الاصوليين السنّة كالمالكية والشافعية والحنفية ، ومنهم أبو اسحاق الشاطبي ، الذي هاجم الظاهريين في غير ما موضع من كتابه «الموافقات» ، ناقلا عن فقهاء سابقين أو صائغا أحكامه من عنده ، يقول : «فقد نقل عن عياض بعض العلماء أنّ مذهب داود- الظاهري- بدعة ظهرت بعد المائتين ، وهذا وإن كان تغاليا في ردّ العمل بالظاهر ، فالعمل بالظاهر أيضا على تتبّع وتغال بعيد عن مقصود الشارع» ، بل إنّه يذهب أبعد من ذلك ، فينفي كلّ فقه‏ وعلم عن الواقفين مع ظاهر الآيات ، فيقول : «فاعلم أنّ اللّه تعالى إذا نفى الفقه أو العلم عن قوم فذلك لوقوفهم مع ظاهر الأمر وعدم اعتبارهم للمراد منه» .

وهو يجد أنّ المعنى الباطني- في كثير من الآيات كالمتشابه منها- هو الّذي يضمن انسجام العقيدة وينقذ المفسّرين من التناقض ، ويكون عندها مقدّما على المعنى الحرفي ، لذا يقول الشاطبي : «وعلى الجملة فكلّ من زاغ ومال عن الصّراط المستقيم فبمقدار ما فاته من باطن القرآن فهما وعلما ، وكلّ من أصاب الحقّ وصادف الصّواب فعلى مقدار ما حصل له من فهم باطنه» «109» .

ومن التأويل الباطني كذلك ، التفسير الاشاري لدى الفرق الصوفية والتفاسير العرفانية من سائر مذاهب المسلمين ، ولكن علماء الجمهور جهدوا أنفسهم بإخراج ذلك عن دائرة الباطنية؛ لأنّ أكثر مفسّري هذا النوع منهم ، فقد قال ابن الصلاح في فتاواه : وجدت عن الإمام أبي الحسن الواحدي المفسّر أنّه قال : صنّف أبو عبد الرّحمن السلمي حقائق في التفسير ، فإن كان قد اعتقد أنّ ذلك تفسير فقد كفر . قال ابن الصلاح : وأنا أقول : الظنّ بمن يوثق به منهم إذا قال شيئا من ذلك أنّه لم يذكره تفسيرا ، ولا ذهب مذهب الشرح للكلمة ، فإنّه لو كان كذلك كانوا قد سلكوا مسلك الباطنية ، وإنّما ذلك منهم تنظير لما ورد به القرآن ، فإنّ النظير يذكر بالنظير ، ومع ذلك فيا ليتهم لم يتساهلوا بمثل ذلك ، لما فيه من الإبهام والالتباس‏ «110» .

وهذا الرّفق والتساهل الكبير مع تفاسير الصوفية نجده أيضا عند الدكتور الذهبي الذي يصف هذه التفاسير أوّلا بأنّه لو اريد بها التفسير لكان هو بعينه مذهب الباطنية ، ولكنّه يحملهم على حسن الظن ويبرّر لهم ذلك وفقا لتعبير ابن الصلاح‏ «111» ، في نفس‏ الوقت الذي يقرّ به بأنّ الإمامية يقولون بالظاهر ، ولكنّهم لقولهم بالباطن ، فإنّهم كانوا- برأيه- والباطنية سواء بسواء ، فقال عنهما : «وكلا الفريقين ضالّ مبتدع» «112» .

فانظر كيف كال بمعيارين وقاس بمقياسين وفقا لميوله المذهبية وآرائه الشخصية .

مع أنّ الناظر إلى بعض التفاسير الإشارية ، والصوفية ، لا يجد فيها ذكرا لظاهر القرآن وتفسيره اللّغوي ، بل يجد فيها تفاسير غريبة بالباطن تجرّد القرآن عن معانيه الظاهرية المعقولة إلى معان باطنية .

ففي تفسير قوله تعالى : {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً } [البقرة : 67] ، قالوا :

{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} هي النفس الحيوانية ، وذبحها قمع هواها الذي هو حياتها ومنبعها ، من الأفعال الخاصّة بها بشفرة سكّين الرياضة .

وقال في تفسير آية {ولِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً} إلى قوله : {وذِكْرى‏ لِلْعابِدِينَ}‏ من سورة الأنبياء [الآيات : 81- 84] قال ما نصّه :

و{لِسُلَيْمانَ الرِّيحَ‏} أي سخّرنا لسليمان العقل العملي ، والمتمكّن على عرض النفس في الصّدر ، ريح الهوى‏ {عاصِفَةً} في هبوطها . {تَجْرِي بِأَمْرِهِ‏} مطيعة له‏ {إِلى‏ الْأَرْضِ}‏ أرض البدن المتدرّب بالطاعة والأدب . {الَّتِي بارَكْنا فِيها} بتمييز الأخلاق والملكات الفاضلة والأعمال الصالحة . {وكُنَّا بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ} من أسباب الكمال‏ {عالِمِينَ}‏ .

و{مِنَ الشَّياطِينِ‏} شياطين الوهم والتخييل ، {مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ‏} في بحر الهيولى الجثمانية ويستخرجون درر المعاني الجزئية . {ويَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذلِكَ}‏ من التركيب والتفصيل والمصنوعات ، وتهييج الدواعي المكسوبات وأمثالها . {وكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ‏} عن الزّيغ والخطأ والتسويل الباطل والكذب . {وأَيُّوبَ‏} النّفس المطمئنّة الممتحنة بأنواع البلاء في الرياضة ، البالغة كمال الزّكاء في المجاهدة . {إِذْ نادى‏ رَبَّهُ‏} عند شدّة الكرب في الجلد ، وبلوغ الطّاقة والوسع في الجهد . {أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ} من الضّعف‏ والانكسار والعجز . {وأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ‏} بالتوسعة والرّوح . {فَاسْتَجَبْنا لَهُ‏} بروح الأحوال عن كدّ الأعمال ، عند كمال الطمأنينة ونزول السكينة . {فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ} من ضرّ الرياضة بنور الهداية ، ونفّسنا عنه ظلمة الكرب ، بإشراق نور القلب . {وآتَيْناهُ أَهْلَهُ‏} القوى النفسية التي ملكناها وأمتناها بالرياضة ، بإحيائها بالحياة الحقيقيّة . ومِثْلَهُمْ مَعَهُمْ‏ من إمداد القوى الروحانية وأنوار الصّفات القلبية ، ووفّرنا عليهم أسباب الفضائل ، وأحوال العلوم النافعة الجزئية {رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وذِكْرى‏ لِلْعابِدِينَ}‏» «113» .

ولو سرنا مع القرآن بهذا التأويل ، لكان قرآنا آخر غير الّذي فهمه المسلمون وتداولوه منذ نزوله حتّى يومنا الحاضر .

ولا يعلم ما اختلاف هذا ، من حيث الاستعارة والتشبيه ، عن تأويل الباطنية الّذي ذمّه المسلمون كلّهم ، والّذين يقولون : إنّ (الكعبة) هي النبيّ ، و(الباب) عليّ ، و(الصّفا) هو النبيّ ، و(المروة) عليّ ، و(نار إبراهيم) هي غضب النمرود عليه ، و(عصا موسى) هي حجّته‏ «114» . . . إلخ .

فكيف يكون الأوّل : من باب ذكر النظير بالنظير ، ولا يكون الثاني كذلك ، وأين التناظر في كليهما؟ علما بأنّنا لا نقول دفاعا عن ذا وذاك ، فكلاهما مردودان مخالفان لظاهر القرآن ، ولكن لأجل بيان طريقة التعامل المذهبي وتأثيره المسبق على الأفكار والأحكام .

لذا فإنّ الطريق الأسلم ليس الإلغاء والطرح للروايات ، بل هو الرّجوع بها إلى القرآن الكريم ، فما وافق منها القرآن اخذ به ، وما خالف القرآن ترك .

______________________________
(1)- معجم مقاييس اللّغة/ ج 1/ ص 162 .
(2)- علوم القرآن/ ص 226 .
(3)- التبيان/ ج 2/ ص 399 .
(4)- مجمع البيان/ ج 1/ ص 80 .
(5)- الإتقان/ ج 2/ ص 150 .
(6)- التفسير الكبير/ ج 2/ ص 102 ، نقلا عن : علوم القرآن عند المفسّرين/ ج 3/ ص 203 .
(7)- الميزان/ ج 3/ ص 45 .
(8)- علوم القرآن/ ص 231 .
(9)- التمهيد/ ج 3/ ص 30 .
(10)- الطباطبائي ومنهجه في تفسير القرآن/ الأوسي/ ص 192 .
(11)- القرآن في الاسلام/ ص 57 .
(12)- التفسير والمفسّرون/ ج 2/ ص 31 .
(13)- الإتقان/ ج 2/ ص 1219 .
(14)- البرهان في تفسير القرآن/ الباب 7/ الحديث 157 .
(15)- تفسير الصافي/ ج 1/ المقدمة الثامنة .
(16)- البرهان في تفسير القرآن/ البحراني/ ج 1/ الباب السابع/ ص 44 .
(17)- ذكر الأقوال الأربعة : البرهان/ ج 2/ ص 168 ، الإتقان/ ج 2/ ص 1220 .
(18)- الإتقان/ ج 2/ ص 1220 .
(19)- التمهيد/ ج 3/ ص 30 .
(20)- محاسن التأويل/ ج 1/ ص 51- 67 .
(21)- الموافقات للشاطبي/ ج 3/ ص 382- 383 . انظر التفسير والمفسّرون/ ج 2/ ص 383 .
(22)- قال الطباطبائي : وقد يعتبر بطن القرآن مثل الجري أحيانا . القرآن في الإسلام/ ص 52 .
(23)- الإتقان/ ج 2/ ص 1221 . التفسير والمفسّرون/ ج 2/ ص 386 .
(24)- الملل والنحل/ الشهرستاني/ ج 1/ ص 97 .
(25)- م . ن/ ص 84 .
(26)- الإتقان/ ج 2/ ص 1255 .
(27)- م . ن/ ص 1253 .
(28)- م . ن/ ص 1246 .
(29)- م . ن/ ص 1243 .
(30)- م . ن/ ص 1261 .
(31)- البرهان/ ج 2/ ص 206 .
(32)- القرآن في الاسلام/ ص 41 .
(33)- م . ن/ ص 40- 45 .
(34)- الطباطبائي ومنهجه في التفسير لعلي الأوسي/ ص 204 ، عن : مجموعة الرسائل الكبرى/ ابن تيميّة/ رسالة الاكليل/ ج 2/ ص 17 . والتفسير والمفسّرون/ ج 2/ ص 388 ، نقلا عن الموافقات للشاطبي/ ج 2/ ص 394 .

(35)- الطباطبائي مفسّرا/ علي الأوسي/ ص 206 .
(36)- قال الشهرستاني : «وإنّ الفارقين بين التفسير والتأويل لمّا لم يذكروا أقسام التفسير وأقسام التأويل لم يتحقق ببيانهم الفرق بينهما ، فلربّما لا يتقابل قسمان منهما ، فلا يكون الفرق صحيحا ، وقد وضع بعضهم التنزيل والتأويل متقابلين ، ووضع بعضهم الظاهر والتأويل متقابلين ، ووضع بعضهم الظاهر والباطن متقابلين ، والتفسير والتأويل متقابلين . وقد يتفق اللفظان في المعنى فيكون التفسير تأويلا والتأويل تفسيرا والظاهر باطنا والباطن ظاهرا . تفسير الشهرستاني/ تحقيق د . آذرشب/ ج 1/ ص 178 .
(37)- التفسير والمفسّرون/ ج 2/ ص 389 ، الميزان/ ج 1/ مقدّمة الكتاب/ ص 11 .
(38)- التفسير والمفسّرون/ ج 2/ ص 386 .
(39)- م . ن/ ص 397 .
(40)- مجمع البيان/ ج 12/ المقدّمة .
(41)- م . ن/ ص 6 .
(42)- القرآن في الاسلام/ ص 24 .
(43)- الميزان/ ج 5/ ص 288 .
(44)- القرآن في الاسلام/ ص 41 .
(45)- الميزان/ ج 6/ ص 287 ، وج 1/ مقدّمة المفسّر .
(46)- الميزان/ ج 15/ تفسير سورة النور/ آية 35 .
(47)- الطباطبائي ومنهجه في تفسير الميزان/ د . الأوسي/ ص 192- 195 .
(48)- القرآن في الاسلام/ الطباطبائي/ ص 52 .
*- أخذنا الأمثلة مع بعض التوسّع في معنى التأويل ، وهي تدخل على أي حال ضمن أحد التعاريف المذكورة للتأويل والتي تطرّقنا لها ضمن البحث .
(49)- تفسير الطبري/ ج 7/ تفسير الآية .
(50)- الميزان/ ج 11/ تفسير الآية .
(51)- تفسير الطبري/ ج 8/ ص 108 .
(52)- الميزان/ ج 13/ تفسير الآية .
(53)- روى الطبري ثلاث روايات متقاربة بهذا المعنى/ تفسير الطبري/ ج 14/ تفسير الآية .
(54)- الميزان/ ج 29/ تفسير الآية .
(55)- م . ن/ ج 2/ ص 641 . وفي هامشه : عنه البحار/ ج 35/ ص 333/ ح 5 ، والبرهان ج 4/ ص 276/ ح 8 .
(56)- الغيبة/ محمّد بن إبراهيم النعماني/ تحقيق : علي أكبر غفاري/ ص 240 .
(57)- العيّاشي/ ج 2/ ص 60 .
(58)- البحار/ ج 23/ ص 251/ ح 26 ، البرهان/ ج 4/ ص 124/ ح 11 ، يراجع : تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة/ الاسترابادي النجفي/ ج 2/ ص 444 .
(59)- الميزان/ ج 3/ تفسير الآية .
(60)- الميزان/ ج 5/ ص 329 .
(61)- تفسير العيّاشي/ ج 1/ ص 302 .
(62)- تفسير البرهان/ ج 4/ ص 429 .
(63)- الصافي/ الفيض الكاشاني/ ج 3/ ص 211 .
(64)- العيّاشي/ ج 1/ ص 325 .
(65)- الطباطبائي ومنهجه/ علي الأوسي/ ص 192 .
(66)- راجع للمزيد : موضوع الغلو المتقدم من هذا الفصل .
(67)- مجمع البيان/ ج 10/ ص 255 .
(68)- معجم رجال الحديث/ ج 6/ ص 17- 18 .
(69)- البحار/ ج 24/ ص 309/ ح 12 ، وتفسير البرهان/ ج 4/ ص 264/ ح 3 .
(70)- معجم رجال الحديث/ ج 8/ ص 126 .
(71)- مفردات الراغب/ مادّة حسب .
(72)- مجمع البيان/ ج 9/ ص 253 .
(73)- البحار/ ج 25/ ص 97/ ح 70 ، تفسير البرهان/ ج 4/ ص 487/ ح 24 .
(74)- جامع الرواة/ ج 2/ ص 87 .
(75)- الأخبار الدخيلة/ ج 1/ ص 217 .
(76)- تلخيص مقباس الهداية/ ص 72 .
(77)- البحار/ ج 36/ ص 135/ ح 91 ، وتفسير البرهان/ ج 4/ ص 474/ ح 2 .
(78)- تفسير عليّ بن إبراهيم/ ج 2/ ص 428 .
(79)- البحار/ ج 36/ ص 135/ ملحق ح 91 ، والبرهان/ ج 4/ ص 475/ ح 3 .
(80)- البرهان/ ج 4/ ص 475/ ح 4 .
(81)- البرهان/ ج 4/ ص 475/ ح 5 . تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة/ ج 2/ ص 811 .
(82)- الدرّ المنثور/ ج 8/ ص 553 .
(83)- مجمع البيان/ ج 10/ ص 306 .
(84)- المعجم الوسيط/ ج 2/ ص 924 .
(85)- مجمع البيان/ الطوسي/ ج 10/ ص 310 .
(86)- معجم رجال الحديث/ ج 12/ ص 338 .
(87)- م . ن/ ج 19/ ص 311 .
(88)- م . ن/ ج 19/ ص 315 .
(89)- فضائل الشيعة/ ج 7/ ص 7 ، وعنه البحار : ج 11/ ص 142/ ح 9 ، وج 15/ ص 21/-ح 34 ، وج 39/ ص 306/ ح 120 ، البرهان/ ج 4/ ص 64/ ح 3 ، وفي البحار ج 26/ ص 346/ ح 19 ، عن التأويل ، تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة/ ج 2/ ص 509 .
(90)- المعجم الوسيط/ ج 1/ ص 426 .
(91)- معجم رجال الحديث/ ج 11/ ص 330 .
(92)- م . ن/ ج 18/ ص 62 .
(93)- ابن شهرآشوب لا معاصر للمعنون ولا قريب العصر منه فكلامه عن حدس . المفيد من معجم رجال الحديث/ محمّد الجواهري/ ص 268 .
(94)- موسوعة رجال الكتب التسعة/ ج 2/ ص 23 .
(95)- في ضمن جواب المسألة الاولى من المسائل العكبرية ، بهامش أوائل المقالات/ ص 211/ ط . الداوري بقم .
(96)- مجمع البيان/ ج 8/ ص 393 .
(97)- الميزان/ ج 17/ ص 226 .
(98)- الذريعة إلى تصانيف الشيعة/ ج 10/ ص 188- 222 .
(99)- الميزان/ ج 1/ ص 44 و45 .
(100)- مواهب الرّحمن/ مقدّمة المؤلف/ ص 7 .
(101)- مناهل العرفان في علوم القرآن/ ج 2/ ص 82 .
(102)- البيان في تفسير القرآن/ ص 282 و283 .
(103)- مناهل العرفان/ ج 2/ ص 87 .
(104)- م . ن/ ص 28 .
(105)- الملل والنحل/ ج 1/ ص 98 .
(106)- م . ن/ ص 49 .
(107)- مناهل العرفان/ ج 2/ ص 78 .
(108)- البرهان/ ج 2/ ص 206 .
(109)- مجهول البيان/ د . محمد مفتاح/ ص 93 . الموافقات للشاطبي/ ج 3/ ص 154 ، 385 ، 390 .
(110)- م . ن/ ص 86 .
(111)- التفسير والمفسّرون/ ج 2/ ص 397 .
(112)- م . ن/ ص 386 .
(113)- مناهل العرفان/ ج 2/ ص 96 ، عن التفسير المنسوب لابن عربي .
(114)- م . ن/ ص 83 .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .