روى ابن القيم: أنه ورد في خبر أن الخليل (عليه الصلاة والسلام) قال: يا رب ممن الداء؟

قال: مني.

قال: فممن الدواء؟

قال: مني.

قال: فما بال الطبيب؟

قال: رجل أرسل الدواء على يديه(1) .

قال: وفي قوله(صلى الله عليه واله سلم): لكل داء دواء. تقوية لنفس المريض والطبيب، وحث على طلب ذلك الدواء، والتفتيش عليه، فإن المريض إذا استشعرت نفسه أن لدائه دواء يزيله تعلق قلبه بروح الرجاء، وبرد من حرارة اليأس، وانفتح له باب الرجاء وقويت نفسه وانبعثت حرارته الغريزية، وكان ذلك سبباً لقوة الأرواح الحيوانية والنفسانية والطبيعية، ومتى قويت هذه الأرواح قويت القوى التي هي حاملة لها، فقهر المرض ودفعته، انتهى.

فإن قلت: ما المراد بالإنزال في قوله في الأحاديث السابقة (إلا أنزل له دواء) وفي الرواية الأخرى (شفاء) فالجواب: أنه يحتمل أن يكون عبّر بالإنزال عن التقدير، ويحتمل أن يكون المراد إنزال علم ذلك على لسان الملك للنبي(صلى الله عليه وآله وسلم) .

وأين يقع طب حذاق الأطباء، الذي غايته أن يكون مأخوذا من قياس أو مقدمات وحدس وتجربة، من الوحي الذي يوحيه الله تعالى إلى رسوله (صلى الله عليه واله سلم) بما ينفعه ويضره، فنسبة ما عند حذاق الأطباء من الطب إلى هذا الوحي كنسبة ما عندهم من العلوم إلى ما جاء به (صلى الله عليه واله سلم).

بل ههنا من الأدوية التي تشفي من الأمراض ما لم تهتد إليها عقول أكابر الأطباء، ولم تصل إليها علومهم وتجربتهم وأقيستهم من الأدوية القلبية والروحانية، وقوة القلب، واعتماده على الله تعالى والتوكل عليه والانكسار بين يديه، والصدقة والصلاة والدعاء والتوبة والاستغفار، والإحسان إلى الخلق والتفريج عن المكروب.

فإن هذه الأدوية قد جربتها الأمم على اختلاف أديانها ومللها، فوجدوا لها من التأثير في الشفاء ما لم يصل إليه علم أعلم الأطباء، وقد جربت ذلك – والله – مرات، فوجدته يفعل ما لا تفعله الأدوية الحسية(2) .

______________

1ـ وتقدم الحديث من مصادر أخرى عن الامام الصادق (عليه السلام).

2ـ المواهب اللدنية بالمنح المحمدية: 12.