أقرأ أيضاً
التاريخ: 16-10-2014
4707
التاريخ: 2024-08-30
298
التاريخ: 2023-11-28
1176
التاريخ: 2023-07-22
1744
|
في الفترة بعد وفاة النبي ( صلّى الله عليه وآله ) ، قامت جماعة من كبار الصحابة بتأليف القرآن وجمع سوَره بين دفَّتين ، كلّ بنَظمٍ وترتيب خاصّ ، وكان يسمّى ( مصحفاً ) .
يقال : أوَّل مَن جمَع القرآن في مُصحف ـ أي رتَّب سوَره ككتاب منظَّم ـ هو : سالم مولى أبي حذيفة ، فائتمروا في ما يسمّونه ؟ فقال بعضهم : سمّوه السِفر ، فقال سالم : ذلك تسمية اليهود ، فكرهوه ، فقال : رأيت مثله في الحبشة يسمَّى ( المصحف ) ، فاجتمع رأيهم على أن يسمُّوه ( المصحف ) . أخرجه ابن أشتة في كتاب المصاحف (1) .
وهكذا قام بجمع القرآن : ابن مسعود ، وأُبي بن كعب ، وأبو موسى الأشعري ، وكان سمّى مصحفه ( لُباب القلوب ) (2) ، والمقداد بن الأسود ، ومعاذ بن جبل .
ويبدو من حديث العراقي الذي جاء إلى عائشة يطلب إليها أن تُريَه مصحفها ، أنَّ لها أيضاً مصحفاً كان يخصّها ، وروى البخاري عن ابن ماهك ، قال : إنّي عند عائشة إذ جاءها عراقيٌّ فسألها عن مسائل منها : أنّه طلب أن تُريَه مصحفها ، قال : يا أمَّ المؤمنين ، أريني مصحفك ، قالت : لِمَ ؟ قال : لعلّي أُؤلِّف القرآن عليه ، فإنَّه يُقرأ غير مؤلَّف ـ أي غير مرتَّب ولا منظَّم ، أو لاختلاف الناس في نظْم آيِهِ وعدَدها (3) ـ قالت : وما يضرّك أيَّهُ قرأت ؟... إلى أن قال : فأخرجَت له مصحفاً وأملَت عليه آيِ السوَر (4) أي : عدد آيِها .
وحاز بعض هذه المصاحف مقاماً رفيعاً في المجتمع الإسلامي آنذاك ، فكان أهل الكوفة يقرأون على مصحف عبد الله بن مسعود ، وأهل البصرة يقرأون على مصحف أبي موسى الأشعري ، وأهل الشام على مصحف أُبَي بن كعب ، وأهل دمشق خاصَّة على مصحف المقداد بن الأسود ، وفي رواية الكامل : إنَّ أهل حمْص كانوا على قراءة المقداد (5) .
أمَدُ هذه المصاحف :
كان أمَدُ هذه المصاحف قصيراً جدّاً ، انتهى بدَور توحيد المصاحف على عهد عثمان ، فذهبت مصاحف الصحابة عُرضَة التمزيق والحرْق .
قال أنس بن مالك : أرسل عثمان إلى كلّ أُفقٍ بمصحف ممّا نسَخوا ، وأمَر بما سواه من القرآن في كلِّ صحيفة أو مصحف أن يُحرَق (6) .
نعم ، حظِيت بعض هذه المصاحف عُمْراً أطول ، كالصُحف التي كانت عند حفصة ، طلبها عثمان ليقابل بها نُسَخ المصاحف ، فأبت أن تدفعها إليه حتّى عاهدها ليردَّنّها عليها (7) ، ومن ثمَّ ردَّها وبقيت عندها حتّى توفّيت ، فأمر بها مروان فشُقَّت .
ويبدو من رواية أبي بكر بن أبي داود : أنَّ وُلد أُبَي بن كعب كانوا قد احتفظوا بنُسخة من مصحف أبيهم بعيداً عن آخرين ، قال : قدِم أُناس من العراق يريدون محمَّد بن أُبَي ، فطلبوا إليه أن يُخرج لهم مصحف أبيه ! فقال : قد قبَضه عثمان ، فألحُّوا عليه ولكن من غير جدوى ، الأمر الذي كان يدلّ على مبلَغ خوفه من الحُكم القائم ، فلم يخرجه للعراقيين (8).
وفي رواية الطبري : أنَّ ابن عبّاس دفع مصحفاً إلى أبي ثابت ، ووصفه بأنَّه على قراءة أُبَيّ بن كعب ، وبقي إلى أن انتقل إلى نصير بن أبي الأشعث الأسدي الكوفي ، فأتاه يحيى بن عيسى الفاخوري يوماً وقرأ فيه : ( فما استمتعتم به منهنّ إلى أجَل مسمّى ) (9) الأمر الذي يدلّ على أنَّ هذا المصحف عاش حتّى أواخر القرن الثاني ؛ لأنَّ يحيى بن عيسى توفّي عام 201هـ (10) .
قال الفضل بن شاذان : أخبرنا الثقة من أصحابنا ، قال : كان تأليف السوَر في قراءة أُبيّ بن كعب بالبصرة في قرية يقال لها ( قرية الأنصار ) ، على رأس فرسخين عند محمَّد بن عبد الملك الأنصاري ( توفّي سنة 150 هـ ) ، أخرج إلينا مصحفاً قال : هو مصحف أُبيّ ، رويناه عن آبائنا ، فنظرت فيه ، فاستخرجت أوائل السوَر وخواتيم الرُسل وعدد الآي ... (11) .
وجاء في روايات أهل البيت ( عليهم السلام ) قول الصادق ( عليه السلام ) : ( أمّا نحن فنقرأ على قراءة أُبيّ ـ أي ابن كعب ـ ) (12) .
* * *
أمّا ابن مسعود ، فامتنع أن يدفع مصحفه إلى رسول الخليفة ، وظلَّ محتفظاً به في صرامة بالِغة أدَّت إلى مشاجرة عنيفة جرت بينه وبين عثمان ، كان فيها إبعاده عن عمله وأخيراً حَتْفه .
عندما جاء رسول الخليفة إلى الكوفة لأخذ المصاحف ، قام ابن مسعود خطيباً قائلاً : أيُّها الناس إنّي غالّ مصحفي ، ومَن استطاع أن يغلّ مصحفاً فليغلُل ؛ فإنَّه مَن غلَّ يأت يوم القيامة بما غلَّ ونِعمَ الغلّ المصحف (13) .
وهكذا كان يحرِّض الناس على مخالفة الحُكم القائم ، الأمر الذي جرَّ عليه الوَيلات ، فأشخَصه الخليفة إلى المدينة ، وجرى بينهما كلام عنيف انتهى إلى ضربه وكسر أضلاعه ، وإخراجه من المسجد بصورة مزرية .
روى الواقدي بإسناده وغيره : أنَّ ابن مسعود لمّا استقدم المدينة دخلها ليلاً ، وكانت ليلة جمعة ، فلمّا علم عثمان بدخوله ، قال : أيُّها الناس إنَّه قد طرقكم الليلة دُوَيبة ، مَن تمشي على طعامه يقيء ويسلُحْ .
قال ابن مسعود : لستُ كذلك ولكنَّني صاحب رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) يوم بدْر ، وصاحبه يوم أُحُد ، وصاحبه يوم بيعة الرضوان ، وصاحبه يوم الخندق ، وصاحبه يوم حنين ....
وصاحت عائشة : يا عثمان ، أتقول هذا لصاحب رسول الله ؟! فقال عثمان : اُسكتي .
ثمَّ قال لعبد الله بن زمعة بن الأسود : أخرِجه إخراجاً عنيفاً ! فأخذه ابن زمعة ، فاحتمله حتّى جاء به باب المسجد ، فضرب به الأرض ، فكسَر ضِلعاً من أضلاعه ، فقال ابن مسعود : قتلَني ابن زمعة الكافر بأمْر عثمان .
قال الراوي : فكأنّي أنظر إلى حموشة ساقَي عبد الله بن مسعود ، ورجلاه تختلفان على عُنُق مولى عثمان ، حتّى أُخرج من المسجد ، وهو يقول : أُنشدك الله أن لا تُخرجني من مسجد خليلي رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) (14) .
قيل : واعتلّ ابن مسعود فأتاه عثمان يعوده ، فقال له : ما كلام بلَغَني عنك ؟ قال : ذكرتُ الذي فعلتَه بي ، إنّك أمرتَ بي فَوِطئ جَوفي فلم أعقل صلاة الظهر ولا العصر ، ومنعتَني عَطائي ، قال عثمان : فإنّي أُقيدُك من نفسي ، فافعل بي مثل الذي فُعل بك ... وهذا عطاؤك فخُذه .
قال ابن مسعود : منعتنيه وأنا محتاجٌ إليه ، وتعطيني وأنا غنيّ عنه ! لا حاجة لي به ، فأقام ابن مسعود مغاضباً لعثمان حتّى توفّي ، وصلّى عليه عمّار بن ياسر في ستْرٍ من عثمان ، وهكذا لمّا مات المقداد صلَّى عليه عمّار بوصيَّة منه ، فاشتدّ غضب عثمان على عمّار ، وقال : ويلي على ابن السوداء ، أمَا لقد كنت به عليماً ! (15) .
* * *
هذا ، ورغم ذلك كلّه فقد بقي مصحفه متداولاً إلى أيّام متأخّرة .
يقول ابن النديم (297 ـ 385هـ) : رأيت عدَّة مصاحف ذكرَ نسّاخها أنّها مصحف عبد الله بن مسعود ، وقد كُتب بعضها منذ مئتي سنة (16) .
وهكذا يبدو من الزمخشري : أنَّ هذا المصحف كان معروفاً حتّى القرن السادس ؛ لأنَّه يقول : ( وفي مصحف ابن مسعود كذا ...) ، وظاهر هذه العبارة أنَّه هو وجدها في نفس المصحف ، لا أنَّه منقول إليه (17) .
وصفٌ عامٌّ عن مصاحف الصحابة :
كان الطابع العامّ الذي كانت المصاحف آنذاك تتَّسم به هو : تقديم السوَر الطوال على القِصار نوعاً ما في ترتيب منهجيّ خاصّ :
1 ـ ابتداء من السبْع الطوال : البقرة ، آل عمران ، النساء ، الأعراف ، الأنعام ، المائدة ، يونس (18) .
2 ـ ثمَّ المئين : وهي السوَر تربو آياتها على المئة ، وهي ما تقرب اثنتي عشرة سورة .
3 ـ ثمَّ المثاني : وهي السوَر لا تبلغ آياتها المئة ، وهي ما تقرب عشرين سورة ، وسمِّيت مثاني ؛ لأنّها تُثنّى ، أي تكرّر قراءتها أكثر ممّا تقرأ غيرها من الطوال والمئين .
4 ـ ثمَّ الحواميم : وهي السور بَُدئت بـ ( حم ) ، سبْع سوَر .
5 ـ ثمَّ الممتحنات : وهي تقرب من عشرين سورة .
6 ـ ثمّ المفصَّلات : تُبتَدأ من سورة الرحمن إلى آخِر القرآن .
وسمِّيت بذلك لقُرب فواصلها وكثرة فصولها .
هذا هو الطابع العامّ لمصاحف الصحابة ، والنظر في الأكثر إلى مصحف ابن مسعود ، وإن كانت المصاحف تختلف مع بعضها في تقديم بعض السوَر على بعض وتأخيرها عنها ، أو يزيد عدد سوَر بعضها على بعض .
____________________
(1) الإتقان : ج1 ، ص58 . وراجع المصاحف للسجستاني : ص11 ـ 14 .
(2) الكامل في التاريخ : ج3 ، ص55 .
(3) احتمله ابن حجر في فتح الباري : ج9 ، ص36 .
(4) صحيح البخاري : ج6 ، ص228 .
(5) الكامل في التاريخ : ج3 ، ص55 . وراجع البخاري : ج6 ، ص225 . والمصاحف لابن أبي داود السجستاني : ص11 ـ 14 . والبرهان للزركشي : ج1 ، ص239 ـ 243 .
(6) البخاري : ج6 ، ص226 .
(7) مصاحف السجستاني : ص9 .
(8) نفس المصدر : ص25 .
(9) تفسير الطبري : ج5 ، ص9 .
(10) تهذيب التهذيب : ج11 ، ص263 .
(11) فهرست ابن النديم : ص29 .
(12) وسائل الشيعة : ج4 ، ص821 ( الطبعة الإسلامية ) .
(13) المصاحف للسجستاني : ص15 .
(14) ابن أبي الحديد : شرح النهج ، ج3 ، ص43 ـ 44 .
(15) تاريخ اليعقوبي : ج23 ، ص160 ، طبع نجف .
(16) الفهرست : ص46 .
(17) راجع الكشّاف : ج2 ، ص410 ، آية 71 من سورة هود . وج4 ، ص490 ، آية 7 من سورة المجادلة .
(18) تلك السبع الطوال في مصاحف الصحابة ، غير أنّ عثمان عمَد إلى تقديم سورة الأنفال فزعمها مع سورة البراءة سورة واحدة ، جعلهما من السبع الطوال ، وسيأتي الكلام في ذلك ( راجع : الإتقان: ج1 ، ص60 . ومستدرك الحاكم : ج2 ، ص221 ) .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|