المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 16458 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
شخصية الإمام الرضا ( عليه السلام )
2024-05-18
{ان رحمت اللـه قريب من الـمحسنين}
2024-05-18
معنى التضرع
2024-05-18
عاقبة من اخذ الدنيا باللعب
2024-05-18
من هم الأعراف؟
2024-05-18
{ان تلكم الـجنة اورثتموها بما كنتم تعملون}
2024-05-18

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


إعجاز القرآن في تصور العلوم الحديثة  
  
3690   06:27 مساءاً   التاريخ: 2-12-2015
المؤلف : الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الكتاب أو المصدر : نفحات القران
الجزء والصفحة : ج8 , ص101- 143
القسم : القرآن الكريم وعلومه / الإعجاز القرآني / الإعجاز العلمي والطبيعي /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 8-10-2014 1450
التاريخ: 23-11-2014 1772
التاريخ: 2-12-2015 2061
التاريخ: 11-4-2016 1716

قبل الدخول في هذا البحث لابدّ من الإشارة إلى‏ نقطتين لتصحيح أي ‏نوع من سوء الفهم بصدد هذا البحث :

1- يجب أن لا يتوقع أحد أن يُبيّن القرآن الكريم جميع مسائل العلوم الطبيعية وأسرار وخواص كل الأشياء، لأنّ القرآن لم ينزل لبيان هذه الامور، فهو ليس دائرة للمعارف أو كتاباً لعلم طبقات الأرض «الجيولوجيا» أو لعلم النبات وإنّما هو كتاب للتربية والهداية، نزل ليقود الناس إلى‏ حياة طيبة مقترنة بالسعادة والفضيلة ويحكمها الصدق والأمانة والنظام والرحمة، وليوصلها في النهاية إلى‏ القرب من اللَّه تعالى‏.

وأمّا الغرض من قوله تعالى‏ في صدد القرآن الكريم : {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ تِبْيَانَاً لِّكُلِّ شَى‏ءٍ}. (النحل/ 89)

فهو لبيان كليات الامور التي تتعلق بنجاة الإنسان وسعادته وتربيته ولذلك يقول تعقيباً على‏ هذه الجملة : {وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى‏ لِلمُسْلِمِينَ}. (النحل/ 89)

بيدَ أنّ بعضاً من الآيات الإلهيّة ومن أسرار الخلق في العالم وفي وجود الإنسان ذاته تساعد على‏ معرفة اللَّه والتعرف على‏ عظمة عالم الخلائق الذي هو من صنع اللَّه تعالى‏، لذلك قد نجد أحياناً إشارات إلى‏ هذه المسائل بين الآيات القرآنية وقد رفعت الستار عن امور خفيت واستترت عن جميع علماء العالم في ذلك الوقت.

وملخص الكلام هو : أنّ الإتيان ببعض أسرار العلوم وحقائق عالم الوجود في القرآن لا لعرض العلوم الطبيعية أو لتأليف دائرة للمعارف بل الغرض منه هو تبيين الأهداف التربوية والأخلاقية، وتعليم درس التوحيد ومعرفة اللَّه، وفهم أسماء وصفات الحق، أو الاطلاع على‏ جانب من أسرار المعاد وما شاكل ذلك.

2- هل من الصحيح التشبث بمثل هذه البحوث وتطبيق الآيات القرآنية على‏ الاكتشافات العلمية؟ هل يحق لنا أن نطبق المسائل المختلفة للعلوم الطبيعية على‏ الآيات القرآنية، أو بالعكس؟ في حين أنّ آراء العلماء لا تستقر على‏ حال، وهي في تغير دائم، ولذلك ليس من المنطق في نظرنا أن نطبق أمراً ثابتاً مستحكماً على‏ آخر متغير؟

للإجابة عن هذا السؤال لابدّ من القول : إنّ هناك ثلاثة آراء مختلفة، فأتباع الرأي الأول وهم الذين اتخذوا جانب الإفراط في هذا المجال، فقد طبقوا الآيات القرآنية على‏ الفرضيّات العلمية لأدنى‏ تناسب أو توافق بينهما- لا على‏ الحقائق المسلَّمة والقطعية للعلوم- ظناً منهم أنّهم قد أسدوا خدمة إلى‏ معرفة القرآن من هذا الطريق.

في حين أننا نعلم في وقتنا الحاضر أنّ القيام بهذا العمل يعد خطأً كبيراً لأنّه لا يعد عدم خدمة للقرآن فحسب، بل سبباً لسقوط اعتبار القرآن ومكانته، لأنّ الفرضيات العلمية- لا القوانين المسلَّمة- في حالة تحول وتغير مستمر، ولذلك ليس من المنطق ولا هي خدمة للعلم والعقيدة أن نقوم بتطبيق الحقائق القرآنية الثابتة على‏ جملة من الامور المتحولة والمتغيرة، والمشكوكة أو المظنونة.

وأمّا القائلون بالرأي الثاني : فهم الذين سلكوا طريق التفريط، واعتقدوا بعدم جواز التطبيق في أي ‏مورد من الموارد حتى‏ في المسلّمات العلمية التي تنسجم بصورة أو بأخرى‏ مع العبارات القرآنية الصريحة، وهذا يعدُ نوعاً من التعصب والجمود والبعد عن المنطق والدليل أيضاً.

و أمّا الرأي الثالث وهو الذي يمثل الحالة الوسط بين هاتين النظريتين الخاطئتين، فلو خرجنا من حيز الافتراضات ودخلنا في عالم القوانين العلمية الثابتة بالدلائل القطعية أو الشواهد المُسَلَّمة لكانت دلالة القرآن على‏ هذه الامور صريحة وواضحة.

فما هو المانع من تطبيق هذه المسائل على‏ آيات القرآن؟ ولماذا نتخوف من هذا

الانسجام الذي هو أحد الأدلة على‏ عظمة هذا الكتاب السماوي؟ وإذن ما المانع من أن يكشف القرآن الستار بوضوح عن البحوث التوحيدية ومعرفة اللَّه تعالى‏، والمسائل التربوية المستندة لجملة من الحقائق العلمية المجهولة بصورة كاملة في ذلك العصر، ومن ثم يوجه أتباعه ويوقفهم على‏ هذا الأمر، فبالإضافة إلى‏ تحقق النتائج التوحيدية والأخلاقية من وراء ذلك، يعتبر إمارة واضحة على‏ حقانية القرآن فضلًا عن أنه يفتح باباً واسعاً للعلوم والمعارف.

وعلى‏ هذا الأساس سنتطرق بدقة إلى‏ نقطتين مهمتين في هذا البحث المتواصل وهما :

1- سنختار المسائل الثابتة والمسلَّمة مائة بالمائة من العلوم الطبيعية مثل قانون الجاذبية، والزوجية في عالم النباتات، حركة الأرض، وحركة المنظومة الشمسية، وأمثال ذلك ممّا ثبت بالأدلة الحسية في يومنا هذا.

2- سننتخب من الآيات في هذا المجال ما هو صالح للانطباق على‏ القواعد العلمية العصرية بدون أدنى‏ تكلُّف أو تأويل، أو بعبارة اخرى‏ فدلالة الآيات التي تقع مورداً للقبول، هي التي تكون وفق القواعد الأدبية التي يكثر فيها استفادة المعاني من الجمل والكلمات.

1- القرآن وجاذبيته العامة

نقرأ في قوله تعالى‏ : {اللَّهُ الَّذِى رَفَعَ السَّمواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى‏ عَلَى‏ الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ}. (الرعد/ 2)

مما يستحق الإهتمام في هذه الآية، أنّ القرآن لا يقول : إنّ السماء ليس لها عمد، وإنّما يقول : ليس لها عمد قابل للرؤية والمشاهدة. يستفاد جيداً من هذا التعبير أنّ أعمدة السماء غير مرئية وأنّ هذه الأعمدة هي التي أرست دعائم السماء (1).

ونقرأ في حديث عن الإمام علي بن موسى‏ الرضا عليه السلام وقد سأله أحد أصحابه وهو «حسين بن خالد» عن معنى‏ قوله تعالى‏ : {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الحُبُكِ‏ ...}. (الذاريات/ 7)

فقال الإمام عليه السلام : «سبحان اللَّه، أليس اللهُ يقول : «بغير عمدٍ ترونها»؟ قلت : بلى‏، فقال :

ثَمَّ عمدٌ ولكن لا ترونها» (2).

فهل يوجد توجيه وتفسير لهذا الحديث سوى‏ العمد الذي نطلق عليه في عصرنا هذا إسم «التوازن بين القوة الجاذبية والدافعة».

وتوضيح ذلك، يكمن في أنّ النظرية الوحيدة التي غزت أفكار علماء ذلك العصر- زمان نزول القرآن الكريم- ومن ثم القرون السابقة واللاحقة، هي نظرية «الهيئة» لبطليموس التي سيطرت بقوة تامة على‏ المحافل العلمية الدولية. ووفقاً لذلك صوَّرت السماوات على‏ شكل كرات متداخلة نظير طبقات البصل المتلاصقة وكانت الأرض في مركزها، ومن الطبيعي أن تستند السماوات كل منها إلى‏ الاخرى‏.

إلّا أنّه ثبت بطلان هذه العقيدة بالأدلة القطعية بعد مرور زهاء الالف سنة من نزول القرآن، وذهبت تماماً نظرية الأفلاك- قشور البصل- إلى‏ غير رجعة، وأصبح من المسلّمات أنّ كلّاً من هذه الكرات السماوية معلقة وثابتة في مدارها وموضعها، وأنّ المجاميع والمنظومات متحركة، والشي‏ء الوحيد الذي يحافظ على‏ ثباتها واستقرارها هو نفس هذا التعادل بين القوة الجاذبة والدافعة.

إنّ الذي يتسبب في التحرك السريع لكل الكرات السماوية ومن ثم اجتماعها في مركز واحد، هو القوة الجاذبة- التي تقول : إنّ الجاذبية بين كل جسمين تتناسب طردياً مع وزنيهما، وعكسياً مع الجذر التربيعي للمسافة بينهما-، بَيدَ أنّ الحركة الدورية موجودة في الكواكب السيارة أو المنظومات- ولا يخفى‏ أنّ الميزة الدورية هي نفس القوة الطاردة المركزية وهي التي تؤدّي إلى‏ الابتعاد السريع لهذه الكرات والمنظومات عن بعضها (على‏ شاكلة الهروب من دائرة النار في حالة دورانها وذلك عندما ينقطع سلكها ويتطاير الشرر من قطع النار المتقاذفة)، أمّا لو كانت القوة الجاذبة متساوية مع القوة الدافعة بدون أدنى‏ نقيصة أو زيادة، فسيظهر في هذه الحالة العمد اللامرئي القوي حتى‏ يثبتها في موضعها الخاص كما أنّ الكرة الأرضية تتحرك في دورانها حول الشمس بمدار معين ملايين السنين بدون أن تقترب منها أو تبتعد عنها، وهذه من دلائل عظمة اللَّه وإعجاز القرآن.

ومن الظريف أنّ المفسرين القدامى‏ وقفوا على‏ هذه النكتة إجمالًا بيد أنّهم لم يعبِّروا عنها سوى‏ بالقول بمسألة القدرة الإلهيّة، بحيث يقول «ابن عباس» وفقاً لنقل الطبرسي في «مجمع البيان» والآلوسي في «روح المعاني» : إنّ معنى‏ الآية هو أنّ السماء تكون بدون عمد قابل للمشاهدة، وعليه يكون عمدها هو القدرة الإلهيّة الهائلة (3).

2- القرآن وخلقُ العالم‏

إنّ للقرآن الكريم تعابير وإشارات متعددة حول حدوث العالم، إذ يقول في أحد المواضع : {ثُمَّ اسْتَوَى‏ الَى‏ السَّمَاءِ وَهِىَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلَارْضِ ائتِيَا طَوْعَاً اوْ كَرْهَاً قَالَتَا اتَيْنَا طَائِعِينَ}. (فصلت/ 11)

وفي موضع آخر يقول : {اوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا انَّ السَّموَاتِ وَالْارضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ المَاءِ كُلَّ شَى‏ءٍ حَىٍّ افَلا يُؤْمِنُونَ}. (الأنبياء/ 30)

لقد اشير في هاتين الآيتين إلى‏ ثلاث نكات مهمة في صدد خلق العالم والموجودات الحيّة :

1- كان العالم في بادى‏ء الأمر على‏ شكل غاز وبخار.

2- كان العالم متصلًا في البداية ثم فصلت الكرات السماوية عن بعضها الاخرى‏.

3- بدأت خلقة الموجودات الحية من الماء.

وهذه هي نفس الامور التي عرفت في هذا اليوم بعنوان النظريات العلمية المسلمة.

ويتقرر توضيح ذلك : بأنّه بالرغم من وجود فرضيات مختلفة لم تخرج عن حدود الفرضية في صدد كيفية نشوء العالم، إلّا أنّه نظراً للمطالعات التي اجريت على‏ المجرات والمنظومات التي تتجه نحو التكون والحدوث، بدا من المسلَّم أنّ العالم كان على‏ شكل أكوام من الغاز في بادى‏ء الأمر نظير الشي‏ء المضغوط الذي تنعزل منه قطعاته وتتطاير أوصاله على‏ أثر دورانه حول نفسه، وهذه القطع تبرد شيئاً فشيئاً ثم تظهر بشكل مائع أو جامد في كثير من الأحيان لتشكل الكرات المسكونة وغير المسكونة.

وبعبارة اخرى‏ تدل دراسات العلماء الفلكيين في مجال السُحب، والعوالم البعيدة عن متناول اليد والتي تأخذ طريقها نحو التكامل على‏ أنّهم أخرجوا هذه النظرية وهي كون الدنيا على‏ شكل أكوام من غاز البخار من حيِّز الفرضية واعتبروها من النظريات القطعية، والتي تم تأييدها من قِبل المحافل العلمية الدولية.

وكذلك نقرأ في بداية الآية الاولى‏ بصراحة ب «أن السموات» الكرات السماوية كانت في بداية الأمر على‏ هيئة دخان وهذه الآية تنسجم مع الاكتشافات العلمية للعلماء التي لم تزل حديثة العهد، وفي ذلك دلالة واضحة على‏ الاعجاز العلمي للقرآن الذي يكشف عن الحقيقة التي كانت مجهولة في زمن نزول القرآن بصورة كاملة.

والآية الثانية أيضاً تُعبِّر عن حالة الارتباط الموجودة في العالم في بادى‏ء الأمر، ومن ثم انفصال أجزائه الاخرى‏ وهذا أيضاً أيدته المحافل العلمية كأصل من الأصول في يومنا هذا، وكذلك الحال بالنسبة إلى‏ ظهور الموجودات الحية من ماء البحار في بادى‏ء الأمر- سواء كانت نباتية أو حيوانية- هي الاخرى‏ تعتبر اليوم من النظريات العلمية المعروفة، وإن كان البحث قائماً على‏ قدم وساق بين العلماء في صدد كيفية التحول والتطور، وظهور الأنواع المختلفة للنباتات والحيوانات.

والقرآن أيضاً يفصح عن حقيقة ظهور كافة الموجودات الحية من الماء في الآية الثانية المتقدمة الذكر، وفضلًا عن ذلك تصرح الآيات التي تنسب خلقة الإنسان إلى‏ التراب، بأنّ‏ هذا التراب كان ممتزجاً مع الماء على‏ هيئة طين.

ونقرأ أيضاً في قوله تعالى‏ : {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِّنْ مَّاءٍ}. (النور/ 45)

وللمفسرين أحاديث مطولة في صدد «الرتق» و «الفتق» الواردين في الآية الثانية واللذيْنِ هما في الأصل بمعنى‏ «الإتصال» و « «الإنفصال».

اختار البعض المعنى‏ المتقدم، وهو السماء والأرض واللتين كانتا على‏ هيئة كُتل عظيمة من البخار والغاز الُمحترق، وتجزأت شيئاً فشيئاً على‏ أثر الانفجارات الداخلية وحركتها حول نفسها، ومن ثم ظهرت الكواكب والنجوم، من جملتها المنظومة الشمسية.

ويرى‏ البعض الآخر أنّ ذلك إشارة إلى‏ الوحدة النوعية في مواد العالم، بحيث كانت متداخلة في بداية الأمر حيث ظهرت على‏ هيئة مادة واحدة، لكنها انفصلت عن بعضها الآخر، وتشكلت مع مرور الزمان بتركيبات جديدة.

وذهب جمع آخر أيضاً إلى‏ أنّ ذلك إشارة إلى‏ عدم نزول المطر ونمو النباتات من الأرض، بمعنى‏ أنّ السماء كانت في بداية الأمر متصلة مع بعضها الآخر، ولم يكن ينزل المطر، والأرض أيضاً كانت متصلة مع بعضها الآخر، فلم يكن للنبات وجود فيها، ثم بأمر من اللَّه تعالى‏ انفجرت السماء ونزل المطر، وتفتحت الأرض فخرجت النباتات.

وقد أشارت إلى‏ المعنى‏ الأخير روايات متعددة من طريق أهل البيت عليهم السلام، وكذلك قسم من الروايات الواردة من طريق العامة (4)، في حين تضمنت بعض الروايات الاخرى‏ الإشارة إلى‏ المعنى‏ الأول‏ (5)، وتبدو الإشارة إلى‏ هذا الاتصال أيضاً في الخطبة الاولى‏ من نهج البلاغة، وفي كل الاحوال ينسجم ظاهر الآية مع التفسير الأول، علاوة على‏ عدم وجود مانع من الجمع بين التفاسير المتقدمة، فمن الممكن الجمع بين كل من المعاني الثلاثة في المفهوم الجامع للآية.

وممّا يسترعي الإنتباه ما ورد في قوله تعالى‏ : {ءَانْتُمْ اشَدُّ خَلْقَاً امِ السَّمَاءُ بَنها ... وَالارْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحهَا* اخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا* وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا} (النازعات/ 27- 32) .

وتدل هذه الآيات بوضوح أيضاً على‏ كون السماء مخلوقة قبل الأرض، ثم إنّ ظهور الماء والنباتات والجبال كان بعد الانتهاء منها.

وبناءً على‏ ذلك، يكون هذا الأمر هو الشي‏ء الذي يؤكّد عليه العلم الحديث، وهو يرى‏ أنّ الأرض وجدت بعد وجود الشمس، ويعتبر ظهور الماء من سطح الأرض، ومن ثم النباتات وكذلك ظهور الجبال بعد خلق الأرض.

3- القرآن وحركة الأرض‏

نقرأ في قوله تعالى‏ : {وَتَرَى‏ الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِىَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِى اتْقَنَ كُلَّ شَى‏ءٍ انَّهُ خَبيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ}. (النمل/ 88)

تتجلّى‏ في هذه الآية عدّة نكات :

أولًا : إنّ الجبال التي تبدو ساكنة في نظركم، هي في حركة سريعة كسرعة حركة السحب، (وينبغي الالتفات إلى‏ أنّ السرعة الفائقة تُشَبَّهُ عادة بسرعة السَّحاب، إضافة إلى‏ خلو الحركة السريعة للسحب من التزلزل والصخب).

ثانياً : إنّ هذا هو صنع اللَّه الذي خلق كل شي‏ء بميزان معين.

ثالثاً : إنّ اللَّه عزّ وجل مطلع على‏ أفعالكم.

عند التأمل بدقّة في هذه الجمل الثلاث، يتضح أنّ الآية لا ترتبط بيوم القيامة كما تخيَّل بعض المفسرين، بل ترتبط بنفس هذه الدنيا، إذ تقول : «أنتم تتخيلونها وتتصورونها هكذا في حين أنّها ليست كذلك»، وأمّا حركة الجبال في القيامة أو على‏ مشارف القيامة فليست هي من الامور المخفية والمبهمة، بل إنّها واضحة ومهوِّلة بحيث لا يقوى‏ أحد على‏ تحملها والصبر على‏ مشاهدتها.

إضافة إلى‏ أنّ الاتقان في الخلقة وحاكمية النظم والموازين فيها، هو إشارة ودلالة على‏ وضعها الفعلي لا على‏ زمن اقتراب يوم القيامة، حيث سيتلاشى‏ النظام العالمي ليبنى‏ على‏ أنقاضه نظام جديد.

فضلًا عن ذلك فإنّ العلم الإلهي بالأفعال التي نقوم بها يرتبط بأفعالنا في هذه الدينا، وإلّا فإنّ القيامة يوم حساب لا يوم عمل.

ويتضح من خلال هذه القرائن الثلاث أنّ هذه الآية لا تطابق حركة الجبال في نهاية مسيرة العالم ووقوع يوم القيامة بأيّ شكل من الأشكال، غاية ما في الأمر أنّ جماعة من المفسرين لم يتمكنوا من إدراك عمق المفهوم في الآية، فما وجدوا بُدّاً سوى‏ القبول بخلاف ظاهر الآية، وتفسيرها بمسألة القيامة.

كما تتضح هذه المسألة أيضاً وهي أنّ حركة الجبال لا تنفصل عن حركة الأرض، بل هما مترابطتان مع بعضهما الآخر كوحدة واحدة، فاذا تحركت الجبال تحركت الأرض الحركة الدائبة.

وربّما ينقدح في الذهن هذا السؤال : لماذا اقتصر اللَّه تعالى‏ على‏ ذكر الجبال، ولم يقل إنّك ترى‏ الأرض فتحسبها ساكنة في حين أنّها متحركة.

والجواب عن هذا السؤال واضح، لأنّ الجبال من أعظم الموجودات على‏ وجه الأرض، وهي مظهر من مظاهر الصلابة والصمود والاستحكام، ولذا نقول لضرب المثل المعروف :

«إنّ الشخص الفلاني منيع وصامد كالجبل»، ولذلك يمكن اعتبار حركة الجبال على‏ عظمتها وصلابتها وثباتها، أحد العلائم على‏ القدرة اللامتناهية للحق تعالى‏، لكن ممّا لا جدال فيه أنّ حركة الجبال هي احدى‏ التجليات الواضحة لحركة الأرض.

وفي كل الاحوال، تعتبر الآية المذكورة أحد المعاجز العلمية المهمّة للقرآن، إذ من المعلوم أنّ العقيدة الرائجة والحاكمة لدى‏ كافة المحافل العلمية الدولية في عصر نزول القرآن وزهاء الألف سنة بعد ذلك هي نظرية ثبات الأرض ودوران الكرات حولها، والتي نشأت من هيئة «بطليموس».

ومن العلماء الأوائل الذين اكتشفوا حركة الأرض هم كل من «غاليلو» الايطالي، و «كبرنيك» البولندي، وذلك بعد مرور ما يقارب الألف سنة، إذ اعلنوا عقيدتهم في آواخر القرن السادس عشر وأوائل القرن السابع عشر الميلاديين، ممّا أثار على‏ الفور حفيظة أرباب الكنيسة بشدّة بحيث هدّدوهما بالقتل، في حين أنّ القرآن الكريم كشف الستار عن هذه الحقيقة بعشرة قرون قبلها، وطرح بعباراته البديعة المتقدمة حركة الأرض باعتبارها إحدى‏ علائم التوحيد والعظمة الإلهيّة.

وعلى‏ كل حال، فممّا لا شك فيه أنّ هذه الآية تتحدث عن حركة الجبال (وبتعبير آخر حركة الأرض) في هذه الدينا، ذلك لأنّ حركة الجبال عند وقوع يوم القيامة، تُحدثُ زلزالًا قوياً في الكرة الأرضية بحيث يقول تعالى‏ عنها {يَومَ تَروْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمّا أرْضَعَتْ وتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَملٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكارَى‏ وَمَاهُمْ بِسُكارَى‏ ...}. (الحجّ/ 2)

وهذا الكلام لا ينسجم مع جملة : {تَحْسَبُها جَامِدَةً} على‏ الاطلاق.

إضافة إلى‏ أنّه لا يبقى‏ مجال لأفعال الخير والشر في تلك اللحظات الحرجة، حتى‏ يتأتى‏ القول بأنّ اللَّه تعالى‏ مطلع على‏ الأفعال التي نقوم بها.

والقول بأنّ الآيات التي تسبق الآية المتقدمة أو ما بعدها ترتبط بالقيامة لا يمكن اعتباره دليلًا قطعياً على‏ أنّ مفهوم هذه الآية يرتبط بالقيامة، لأنّ هذا ليس أحد المصاديق النادرة في القرآن، فَرُبَّ آية تتحدث في مسألة معينة وتتحدث التي قبلها أو بعدها عن مسألة اخرى‏. وبعبارة اخرى‏ فالإطلاع على‏ محتوى‏ الآية نفسها والقرائن الموجودة فيها أهم وأفضل من الملاحظات الاخرى‏.

وهذه النكتة تستحق الاهتمام أيضاً وهي أنّ التشبيه بحركة السحب بالإضافة إلى‏ أنّه إشارة إلى‏ السرعة الفائقة لها، يعتبر جواباً قاطعاً عن هذا السؤال، وهو إذا كانت الأرض متحركة فلماذا لا نشعر بها؟ فيأتي الجواب إنّها تتحرك ببطءٍ ومرونة وهدوءٍ بحيث لا يمكن تشخيص ذلك، كما لو صعد أحد على‏ السحاب مثلًا، فانّه لم يكن يشخص حركتها أيضاً.

وممّا يدعو إلى‏ الاهتمام هذه النكتة أيضاً وهي أنّ القرآن يقول : {الَمْ نَجْعَلِ الارْضَ‏

كِفَاتَاً* احْيَاءً وَامْوَاتَاً}. (المرسلات/ 25- 26)

ونشاهد في قواميس اللغة التي من جملتها «المفردات» للراغب وكتاب «العين» أنّه قد ذكر معنيان للفظة «كِفات» المأخوذة من مادة «كَفْت» وهما الجمع والطيران السريع، فاذا كان المعنى‏ الأول هو المقصود، يكون مفهوم الآية على‏ أن جعلنا الأرض محطاً لاجتماع بني البشر في حياتهم، وما تحت الأرض مقراً لاجتماعهم بعد مماتهم، وإذا كان المقصود المعنى‏ الثاني، يكون مفهومها الطيران السريع للأرض. وهذا يتناسب مع الحركة الانتقالية للأرض حول الشمس التي تسير دائريّاً بسرعة فائقة- تقدر ب (20) كيلو متر في كل ثانية و (1200) كيلو متر في كل دقيقة- ثم إنّها تحمل الأموات والأحياء معها وتدور بهم حول الشمس.

ولعل السبب في اطلاق لفظة «كَفْت» على‏ الطيران السريع، هو أنّ الطيور عندما تريد أن تطير بسرعة فائقة في السماء تجمع أجنحتها بصورة كاملة وبشكل متناوب وتسبح في الفضاء، لكن نظراً لكون لفظة «كَفْت وكِفات» تحتمل معنين، لم نذكر هذه الآية بعنوان أحد الأدلة القطعية على‏ مسألة دوران الأرض.

4- القرآن وحركة المنظومة الشمسية

يقول القرآن الكريم : {وَالْشَّمْسُ تَجْرِى لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذلِكَ تَقْدِيرُ العَزِيزِ العَلِيمِ* لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِى لَهَا انْ تُدْرِكَ القَمَرَ وَلَا الليْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِى فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}.

(يس/ 38- 40)

كما تقدمت الإشارة إليه من قبل أنّ النظرية التي تحدثت في صدد السماء والأرض وسيطرت على‏ المحافل العلمية في عصر نزول القرآن والقرون السابقة واللاحقة عليه، هي نظرية الهيئة ل «بطليموس» الذي كان يعتبر الأرض مركز العالم، ويعتقد أنّ النجوم والشمس مندكَّة في قلب الأفلاك البلورية، ويتصور أنّ الأفلاك تدور حول أطراف الأرض.

ويذكر القرآن في الآيات أعلاه مطلباً يتنافى‏ مع هذا الكلام بصورة كاملة، فهو يقول :

أولًا : إنّ الشمس تتحرك باتجاه احدى‏ المقرات (أو إنّ الشمس تتحرك في قرارها المختص بها)، لا أنّ الشمس مع فلكها البلوري تدور حول الأرض.

ثانياً : إنّ كلّاً من الشمس والقمر يسبح في فلكه الخاص به.

وبعد إنهيار دعائم فرضية «بطليموس» على‏ أثر اكتشافات القرون الأخيرة، وتحرُّر الأجرام السماوية من قيود الأفلاك الخارجية، استحكمت هذه النظرية التي ترى‏ أنّ الشمس ساكنة وثابتة في مركز المنظومة الشمسية، وتدور حولها المنظومة الشمسية بأكملها.

وفي هذا المضمار أيضاً لم تكن هناك معلومات عن حركة الشمس باتجاه قرارها الخاص أو في دائرة نفسها.

وهكذا تطور العلم أكثر فأثبت من خلال مشاهداته النجومية بالاستفادة من المراصد الفلكية القوية جدّاً أنّ للشمس حركتين على‏ أقل تقدير : الحركة الموضعية حول نفسها، والحركة الانتقالية بصحبة المنظومة الشمسية بأكلمها باتجاه نقطة معينة من السماء، او بتعبير آخر باتجاه نجم «ويكا» وهو يعتبر من نجوم الصورة الفلكية التي تسمى‏ «الجاثي على‏ ركبتيه» (6).

جاء في إحدى‏ دوائر المعارف : أنّ للشمس- بالإضافة إلى‏ الحركات الظاهرية- حركة واقعية، «الحركة الدورية للمجرات تسير بالشمس وتدور بها في الفضاء بسرعة مليون ومائة وثلاثين ألف كيلو متر في الساعة تقريباً، وكذلك ليست الشمس ثابتة في داخل المجرات، بل تتحرك باتجاه الصورة الفلكية التي تدعى‏ «بالجاثي» بسرعة تناهز (72) ألف كيلو متر في الساعة، والسبب في عدم اطلاعنا على‏ الحركة السريعة للشمس في الفضاء هو الدورة الفلكية للأجرام السماوية».

ثم تضيف على‏ ذلك بالقول : إنّ للشمس في دورانها حول نفسها حركة دورية موضعية أيضاً (الدورة الموضعية لحركة الشمس في استوائها تستغرق (25) ليلة تقريباً (7).

ن ممّا لا يقبل الشك أنّ الآية : {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} لا تتلاءم مع نظرية الأفلاك البلورية ل (بطليموس) التي أثبتت كل واحدة من الكرات في موضعها الخاص، وتنسجم تماماً مع اكتشافات العلم الحديث، علاوة على‏ أنّ الحركة باتجاه «المستقر» إشارة اخرى‏ إلى‏ حركة الشمس باتّجاه أحد جوانب المجرات أيضاً، وفي الواقع فإنّ بيان هذا الموضوع يُعدُّ معجزةً.

5- القرآن واتساع العالم‏

نقرأ في قوله تعالى‏ : {وَالْسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِاييْدٍ وَانَّا لَمُوسِعُونَ}. (الذاريات/ 47)

«أيدٍ» : (على‏ وزن صيدٍ) معناه القدرة والقوة، كما جاء هذا المعنى‏ في آيات اخرى‏ من القرآن أيضاً، وذكر بعض المفسرين إضافة إلى‏ ما قلناه معنى‏ (النعمة) ل «أيد» أيضاً، في حين أن‏ «يَدْ» تأتي بمعنى‏ «النعمة» في بعض الأحيان والتي يكون جمعها «أيدي» وجمع جمعها «أيادي».

وعلى‏ أيّة حال، تدل جملة «انّا لَمُوْسِعُون» بوضوح على‏ أنّ اللَّه تعالى‏ الذي خلق السموات بقدرته التامة يضفي عليها عامل الاتساع والاستيعاب بصورة مستمرة، وبناء على‏ عدم وضوح هذا المطلب بالنسبة للعلماء والمفسرين سابقاً، فقد فسَّر الكثير منهم هذه الجملة بأنّها تعطي معنى‏ سعة رزق اللَّه تعالى‏ على‏ عباده من خلال نزول المطر، أو من خلال طرق مختلفة. وفسَّرها بعض أنّها تعطي معنى‏ الغنى‏ والكفاف، وبأنّ اللَّه تعالى‏ كلما أجزل نعمة وأعطى‏ لا تنقضي خزائنه أبداً. بيدَ أنّنا لو ألقينا نظرة على‏ ما أثبتته المشاهدة النجومية بواسطة المراصد الفضائية نلاحظ أنّ المجرات تبتعد إحداها عن الاخرى‏ بسرعة، وأنّ‏ العالم في حالة اتساع مطَّرد، ولكي يتّضح مفهوم هذه الجملة في أذهاننا بصورة كاملة، نقرأ في كتاب «بداية ونهاية العالم» لمؤلفه «جان ألدر» :

«لقد كشفت أحدث وأدق الحسابات على‏ طول مسيرة الأمواج التي تنبعث من النجوم، الستار عن إحدى‏ الحقائق العجيبة والمدهشة، حيث بيّنت أنّ مجموعة النجوم التي تشكل هيئة العالم تبتعد بسرعة فائقة عن مركز العالم بصورة مستمرة، وكلما اتسعت الفاصلة بينها وبين مركز العالم كلما زاد ذلك من سرعة سيرها، ويبدو أنّ النجوم بأكملها كانت مجتمعة في هذا المركز في يوم من الأيّام ثم تشتت شملها بعد ذلك، وانفصلت عنها مجموعة من النجوم الكبيرة لتشق طريقها في مسالك الفضاء المختلفة، علاوة على‏ أنّ العلماء استفادوا من هذا الموضوع على‏ أنّ للعالم نقطة شروع في بداية الأمر» (8).

ونقل في نفس الكتاب عن «جورج كاموف» قوله في كتاب «خلق العالم» :

«إنّ فضاء العالم المتكون من مليارات المجرّات، في حالة اتساع مطَّرد، وفي الحقيقة أنّ عالمنا ليس في حالة سكون وإنّما في حالة انبساط، والتوصل إلى‏ الحقيقة القائلة بأنّ هذا العالم هو في حالة انبساط وتوسع، هو المفتاح الذهبي للتعرف على‏ لغز هذا العالم، قولنا : إنّ العالم في حالة انبساط حالياً، يستلزم منه أنّ العالم كان في حالة انقباض شديد جدّاً في يوم من الأيّام» (9).

ونقرأ في كتاب «حدود النجوم» لمؤلفه «فورد هويل» حول سرعة الانبساط واتساع العالم ما يلي :

«تصل أقوى‏ درجات السرعة لتقهقر الكرات التي خضعت للقياس إلى‏ وقتنا هذا إلى‏ حدود ستة وستون ألف كيلو متر في الثانية، إنّ نور المجرات الأبعد يبدو ضعيفاً بنظرنا إلى‏ درجة بحيث يتعسر علينا قياس سرعتها، نظراً لعدم وجود النور الكافي، لقد بيّنت الصور التي التقطت من السماء بوضوح أنّ فاصلة هذه المجرّات ابعد بكثير من فاصلة المجرّات القريبة» (10).

وعلى‏ هذا الأساس نقف على‏ تفسير واضح جدّاً في صدد الآية السابقة واتساع السموات، والتي تكشف الستار عن السر وراء أحد المعجزات العلمية للقرآن.

وممّا يستحق الاهتمام أيضاً أنّ عبارة : «إنّا لَمُوْسِعُونَ» والتي استعمل فيها اسم الفاعل والجملة الإسمية للدلالة على‏ حالة الاستمرار والديمومة، وعلى‏ تداوم حالة التوسع والانبساط.

6- القرآن ووجود الحياة في المجرات الاخرى‏

جاء في قوله تعالى‏ : {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّموَاتِ وَالارْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى‏ جَمْعِهِمْ اذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ}. (الشورى‏/ 29)

يا ترى‏ هل العيش والحياة مختص بالكرة الأرضية، والكرات الاخرى‏ ليست مسكونة اطلاقاً؟ لقد كان العلماء الأوائل يتابعون هذه المسألة دائماً بشي‏ء من التردّد أو الحكم المنفي، بيدَ أنّ التحقيقات الأخيرة للعلماء أثبتت لنا أنّ الحياة لا تختص بالكرة الأرضية.

ونقرأ في كتاب «الحياة في العالم» من منشورات مجلة «لايف» ما يلي :

«من الممكن حسب احصاءات العلماء أن تتواجد في مجرتنا ملايين النجوم التي تكون سياراتها التابعة لها آهلة بالسكان».

وذهب البعض إلى‏ أكثر من ذلك حيث اعتقدوا بوجود موجودات حية في بعض الكرات السماوية تفوق حالة التطور لدى‏ الإنسان بكثير، فالإرسالات الراديوية التي يبثونها في الفضاء ولا نستطيع الإتيان بمثلها، قابلة للاطلاع عليها بصورة كاملة من خلال أجهزة الاستقبال التي بحوزتنا، وإن كنّا لا نفهم لغتهم ولا نعي مغزاها.

وعلى‏ أيّة حال فتصريح الآية المتقدمة بالقول : إنّ اللَّه تعالى‏ بث الموجودات الحية في السموات والأرض، يخبر عن حياة الموجودات الاخرى‏ بشكل واضح، ومن الاشتباه بمكان أن نتصور أنّ المقصود من الموجودات الحية في السماء هي (الملائكة)، وذلك لكون‏ كلمة «دابة» تطلق على‏ الموجودات الجسمانية فحسب ولا تطلق على‏ الملائكة.

ولهذا ففي الموضع الذي يريد القرآن الكريم أن يذكر الملائكة يتحدث عنها بصورة مستقلة بعد ذكر كلمة «الدابة»، كما نقرأ ذلك في قوله تعالى‏ : {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِى السَّمواتِ وَمَا فِى الارْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ}. (النحل/ 49)

بحيث نجد أنّ‏ «الملائكة» جعلت في قبال‏ «الدابة»، وهذا يدل على‏ عدم شمول كلمة الدابّة للملائكة في الآية التي جاء ذكرها في بحثنا هذا.

ومن الظريف ما يقوله «الفخر الرازي» في تفسير الآية الواردة في بحثنا هذا بأنّه : «لا يستبعد أن يقال إنّ اللَّه خلق في السموات أنواعاً من الموجودات الحية تمشي كما يمشي الإنسان على‏ وجه الأرض» (11).

ونقرأ في حديث ظريف عن الإمام علي عليه السلام ما يلي : «هذه النجوم التي في السماء مدائن مثل المدائن التي في الأرض مربوطة كل مدينة إلى‏ عمودٍ من نور» (12).

ووردت في بعض المصادر الإسلامية روايات اخرى‏ في هذا المجال‏ (13).

ومن المعلوم أنّ هذه المعلومات استقيت من نفس المصدر الذي استقاه القرآن الكريم، وإلّا لم يطلع أحد على‏ هذه المسائل في ذلك العصر.

7- القرآن وخلق الجبال‏

وردت في القرآن الكريم عبارات مختلفة وغنية في معانيها في مجال خلق الجبال، يقول تعالى‏ في أحد المواضع : {وَالْقَى‏ فِى الارْضِ رَوَاسِىَ انْ تَمِيدَ بِكُمْ وَانْهَاراً وَسُبُلًا لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}. (النحل/ 15)

وفي موضع آخر يقول تعالى‏ : {الَمْ نَجْعَلِ الارْضَ مِهَادَاً* وَالْجِبالَ اوْتَادَاً}. (النبأ/ 6- 7)

ونقرأ في آية اخرى‏ قوله عزّ وجلّ : {وَجَعَلْنَا فِيهَا رَواسِىَ شَامِخَاتٍ وَاسْقَيْنَاكُمْ مَّاءً فُرَاتاً}. (المرسلات/ 27)

ويقول تعالى‏ أيضاً : {وَالْقَى‏ فِى الارْضِ رَواسِىَ انْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ} (لقمان/ 10) .

وهناك آيات اخرى‏ بهذا المضمون أو قريبة منها في القرآن الكريم أيضاً.

الأمر الذي نواجهه لأول وهلة في هذه الآيات، هو تأثير وجود الجبال في الحفاظ على‏ استقرار الأرض، والتي عبر عنها تارة ب «الأوْتاد» والتي تستخدم عادة في اقفال أقسام مختلفة من الأبواب والصناديق والسفن وما شابه ذلك، أو صيانة المخيمات وتقويتها في مقابل هبوب الرياح.

وتارة اخرى‏ عبر عنها ب {أنْ تَميدَ بِكُم} المأخوذة من مادة «مَيْدان» بمعنى‏ الاهتزاز والاضطراب، ومعنى‏ ذلك أنّ الجبال تَحُدُّ دون اضطراب الأرض واهتزازها. ولم يطلع أحد على‏ هذا المطلب في ذلك العصر، ونحن في هذا الوقت نعلم جيداً مدى‏ دور الجبال على‏ هذا الصعيد، وذلك للنقاط التالية :

أولًا : إنّ الجبال في واقع الأمر هي في قوة أحد الدروع الفولاذية التي تحيط بالأرض من كل جوانبها، ونظراً لقوة ارتباطها واتصالها بأعماق الأرض تشكل بدورها أحد الشبكات القوية الشاملة، وإذا لم يكن كذلك وكانت الرمال الناعمة تغطي صعيد الأرض، لوقعت تحت تأثير الجاذبية القوية للقمر بكل سهولة، ولهزَّ الجزر والمدُّ كل شي‏ء على‏ اليابسة نظير المد والجزر في البحار، واستولى‏ الاضطراب والاهتزاز والحركة على‏ وجه الأرض في الليل والنهار، ولتعرض لإمكان الانهدام والسقوط كل مبنى‏ من المباني.

بيدَ أنّ وجود هذا الحصن المنيع في الأرض ينزل بالمد والجزر إلى‏ أدنى‏ مستوى‏، وحالياً تأخذ القشرة السميكة للأرض بالارتفاع والانخفاض بمقدار ثلاثين سانتيمتراً في كل يوم وليلة أيضاً، وهذا بعكس البحار التي ترتفع وتنخفض على‏ أثر الجزر والمد امتاراً متعددة أحياناً.

وتوجِد جاذبية الشمس المد والجزر أيضاً وإن كان ضعيفاً، ولو وقع مسير الشمس والقمر في خط واحد واتصلت الجاذبيتان في جانب واحد، لاشتدت قوة هذه الحركات‏ وتضاعفت قوتها، إلّا أنّ القرآن يذهب بالقول إلى‏ أنّ الجبال التي هي أوتاد الأرض تصونها من الاهتزاز.

ثانياً : إنّ الضغط الداخلي للأرض بواسطة حرارتها المركزية الهائلة يؤثر على‏ قشرة الأرض بصورة دائمة، ولولا وجود الجبال لأصبح مصدراً من مصادر الاضطراب المستمر للأرض.

والآن تدبّروا لو اشتد الاضطراب الناجم عن المد والجزر والضغط الداخلي على‏ أثر مرونة قشرة الأرض وطراوتها، فهل سننعم بالهدوء والاستقرار الذي نعيشه الآن على الكرة الأرضية؟ وهل سنجد بيتاً وملجأً ومأوىً نلجأ إليه؟

ثالثاً : لقد ثبت في وقتنا الحاضر أنّ الجبال بأعمدتها القوية تحرك معها الهواء الحاصل في أطراف الأرض، والآن لو فرضنا أنّ الأرض تتحرك في دورانها حول نفسها بسرعتها الذاتية المعهودة- أي ‏ما يقارب الثلاثين كيلو متر في الدقيقة-، فلو لم تكن الجبال، لما تحقق مثل هذا الدوران للهواء الموجود في أطرافها، ولثارت ثائرة العواصف والأعاصير والرياح الشديدة على‏ أثر اصطدام جزيئات الهواء بوجه الأرض، فضلًا عما يولِّد ذلك من حرارة هائلة تحرق الأخضر واليابس. كما أنّ الطائرات السريعة لو سارت في الطبقات السفلى‏ للجو لارتفعت درجة حرارة أجنحتها بحيث قد يؤدّي ذلك إلى‏ عواقب وخيمة، لهذا تضطر إلى‏ الصعود في الطبقات العليا للجو لتتحرك في وسط الهواء الرقيق جدّاً حتى‏ يقل احتكاكها بالهواء الذي هو المنشأ لإيجاد الحرارة.

أجل، لقد أزالت منخفضات ومرتفعات وجبال الأرض هذه الازمة وحرَّكت الطبقة السميكة للجو مضافاً إلى‏ حركة الأرض، تماماً كدوران أسنان الدواليب ذات المقود التي تدور مع دورانها بقية الأشياء الاخرى‏.

فبناءً على‏ ذلك، تعتبر الجبال وسيلة من وسائل استقرار الأرض واستقرار ساكنيها سواء في مقابل جاذبية القمر والشمس، أو في مقابل الضغط الداخلي، أو في مقابل العواصف الشديدة والمستمرة، أو في مقابل تولد الحرارة الشاقة.

من جهة اخرى‏، تقدمت الإشارة في الآيات السابقة إلى‏ وجود العلاقة بين الجبال وبين‏ نزول المطر وارتواء الأراضي والحصول على‏ الماء الفرات وهو «الماء العذب»، يقول عزّ من قائل : {وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِىَ شَامِخَاتٍ وَاسْقَيْنَاكُم مَّاءً فُراتاً}.

ممّا لا يقبل الشك هو أنّ العلاقة بين الاثنين- الماء والجبال- لم تكن معروفة في السابق، إلّا أنّنا نعلم في الوقت الحالي :

أولًا : أنّ الجبال هي سبب من اسباب تجمع بخار الماء، أي تراكم السحب.

وثانياً : أنّها سبب من أسباب برودة طبقة الهواء المجاور لها.

وثالثاً : أنّها تحتفظ بالقسم الأكبر من الأمطار على‏ شكل ثلج، كما أنّها مصدر من مصادر الطاقة المستمرة لجريان المياه على‏ سطح الأرض، ومن ثم صيانة المياه من الهدر والضياع.

بالإضافة إلى‏ أنّ الامتداد الواسع للجبال، وقشرتها المتعرجة تقلب أمواج الماء وتعرضها للهواء النقي، فيصفو الماء ويتحول إلى‏ «ماء فرات» وهو (الماء العذب).

وبغض النظر عن كل ذلك، فإنّ النكتة الظريفة الاخرى‏ التي استأثرت باهتمام بعض العلماء في صدد جبال الأرض، هي أنّ الجبال في مقابل تغيرات الضغط الأرضي في قوّة «الدولاب الثابت» الذي يحول دون تبدل السرعة.

توضيح ذلك : أنّ المقصود من «الدولاب الثابت» هو نفس الشي‏ء الموجود في جميع الوسائل التي لها حركة دورية مشابهة، وذلك في صورة دولاب ثقيل يدعى‏ بالدولاب الطيار أو الدولاب الثابت، ينصب في محورها حتى‏ ينظم سرعتها، وعلى‏ سبيل المثال لو ورد ضغط من الخارج على‏ هذه الوسيلة ذات الحركة الدورية ثم انقطع الضغط فجأة لقفزت إلى‏ الأمام ووجهت صدمة إلى‏ ذلك الجهاز، أمّا إذا نصب الدولاب الثابت عليها لاحتفظت بهذا الضغط في داخلها، ثم تدفعه بالتدريج بدون أن تتوجه أي صدمة إلى‏ ذلك الجهاز (تأمل جيداً).

هذا من جهة، ومن جهة اخرى‏ بإمكان العواصف الهائجة التي تهب أحياناً في الجهة المخالفة أو الموافقة لحركة الأرض أن تؤثر على‏ حركتها ...، وحينما تهدأ فورة العاصفة تتحول الأرض إلى‏ حالة من الاندفاع العشوائي الذي يوجه ضربة قاصمة إلى‏ جميع‏ الموجودات الأرضية، بحيث يولد الاضطراب في كل شي‏ء.

إلّا أنّ لوجود الجبال التي هي بمثابة «الدولاب الثابت» دور في الاحتفاظ بكل هذه الضغوط المثبتة فيها والمنفية فتحدُّ دون حدوث الصدمات، وتحافظ على‏ الحركة المتوازنة للأرض، وعلى‏ حد تعبير القرآن تقف مانعاً دون حدوث الاهتزازات وزعزعة الاستقرار.

ولو كان البحث في زمن هذه الآيات قائماً على‏ قدم وساق في مجال مباحث «الدولاب الثابت» وآثاره في ذلك العصر، لما كانت التعبيرات في هذه الآيات مدهشة ومثيرة، ولكن نظراً إلى‏ عدم وجود مثل هذه المسائل في ذلك الزمن على‏ الاطلاق، خصوصاً أنّه لم يكن للفيزياء معنى‏ في محيط الجزيرة العربية، فضلًا عن هذه المسائل المعقدة، فلابدّ من الاعتراف بأنّ بيان مثل هذه الآيات تعبير عن احدى‏ المعاجز العلمية الكبرى‏ (14).

والنكتة الاخرى‏ هي أنّ القرآن الكريم عندما يتحدث عن تكوين الجبال يقول : {وَالْقَى‏ فِى الارْضِ رَواسِىَ}. ويقول في مكان آخر : {أَمَّن جَعَلَ الارْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلَالِهَا أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِىَ}. (النمل/ 61)

هذه التعابير ونظائرها التي تكررت في القرآن تبين بوضوح أنّ الجبال خلقت بعد خلق الأرض، وقد أثبت العلم الحديث هذا المعنى‏ بوضوح أيضاً، وذهب إلى‏ القول بأنّ الكثير من الجبال حدث على‏ أثر إلتواء الأرض، والبعض حدث على‏ أثر المواد الذائبة المحرقة، والبعض الآخر حدث بسبب تنقية المواد الرخوة من اطراف المواد الصلبة للأرض الذي يحصل على‏ أثر نزول المطر، وكل ذلك تحقق بعد خلق الأرض وايجادها .. وممّا لا ريب فيه أنّ هذه المسائل لم تكن معروفة حين نزول هذه الآيات من القرآن.

8- عنصر الزوجية بين النباتات في القرآن‏

وردت الإشارة إلى‏ عنصر الزوجية في عالم النباتات في آيات خمس من القرآن‏ الكريم، فنقرأ في قوله تعالى‏ : {وَانْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَانْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ}. (15)

(لقمان/ 10)

و قوله تعالى‏ {وَتَرى‏ الارْضَ هَامِدَةً فَاذا انْزَلْنَا عَلَيْهَا المَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَانْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} (16). (الحج/ 5)

ونقرأ أيضاً في قوله تعالى‏ : {وَانْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَاخْرَجْنَا بِهِ ازْوَاجَاً مِّنْ نَّبَاتٍ شَتَّى}.

(طه/ 53)

عندما وصل أغلب المفسرين الاوائل إلى‏ هذه الآيات فسروا «زوج» بمعنى‏ «النوع» «الصنف»، و «الأزواج» بمعنى‏ «الأنواع» و «الأزواج» المختلفة للنباتات، لأنّ حقيقة الزوجية في حقل النباتات بمعناها المعروف لم يكن معروفاً في ذلك الزمان.

إنّ الناس في سالف الزمان وإن كانوا يعلمون نوعاً ما عن أنّ بعض أنواع النباتات يتكون من جنسين، الذكر والانثى‏، وأنّهم كانوا يستخدمون عملية التلقيح من أجل تكثيرها (خصوصاً شجرة النخل التي يُعلم بوجود الذكر والانثى‏ فيها منذ قديم الزمان، وأنّهم كانوا يحرصون على‏ إنمائها عن طريق التلقيح)، لكن أحد العلماء المعروفين في حقل النباتات من السويد يدعى‏ «لينه» كشف عن هذه المسألة لأول مرّة في أواسط القرن الثامن عشر للميلاد وهي أنّ عنصر الزوجية (بين الذكر والانثى‏) في عالم النباتات تعتبر من احدى‏ المسائل العامة، والمتفق عليها، وأنّ النباتات كأغلب الحيوانات إنّما تتكاثر وتنمو من خلال الامتزاج بين نطفة الذكر والانثى‏، ومن ثم تعطي الثمار.

إلّا أنّ القرآن الكريم- كما رأينا- قد كشف النقاب عن هذة الحقيقة قبل هذا العالم بإثني عشر قرناً، وأشار إلى‏ عنصر الزوجية في عالم النباتات في موارد متعددة، إلّا أنّه نظراً لعدم امتلاك هؤلاء للجرأة في التصريح بهذه الحقيقة، عمدوا إلى‏ تفسير الزوجية بمعنى‏ آخر على‏ خلاف ظاهرها.

ومن الظريف أنّ النباتات مختلفة من هذه الجهة، ففي كثير منها يجتمع الذكر والانثى‏ فيها في أصل واحد، وفي البعض الآخر تنفصل أشجار الذكر عن أشجار الانثى‏.

خذوا وردة من الورود ثم افصلوا أوراقها عنها، وتأملوا بدقة في داخلها تجدون عالماً مليئاً بالعجائب والأسرار. وفي الواقع ينعقد هناك محفل كبير، بيدَ أنّه لا صخب فيه، ويخلو من أي لون من ألوان العنف والاعتداء، حيث أنّ المياسم الظريفة واللطيفة التي تحمل معها أكياس حبوب اللقاح تحيط بما حولها ثم تتحرك مع هبوب الرياح، لتنثر تلك الحبوب على‏ المدقة. إنّ الحبات المذكرة التي تمثل كل واحدة منها خلية صغيرة جدّاً، تتجذر بسرعة وبعد العبور من على‏ عنق المدقة تمتزج مع نطفة الانثى‏ في المبيض في أصل الورد لتشكل بدورها بذرة الورد أو الفاكهة.

وكأنّ الأوراق الزاهية للورد بمنزلة احدى‏ معالم الزينة لهذا المحفل الغرامي العجيب أو الاستار الموضوعة على‏ الحجرة المزينة للعروسين، ثم تُدعى‏ الحشرات والفراشات الجميلة والنحل إلى‏ هذا المحفل البهيج أيضاً.

ويتناول كل منهم الحلوى‏ المخصوصة والمعدّة له من قبل رحيق الأزهار ويبعثون لنا حصةً منها، وما نشاهده من العسل في الأسواق، هو نصيبنا من ذلك المحفل.

وعلى‏ أيّة حال استناداً إلى‏ تصريح القرآن في آيات مختلفة على‏ شمولية عنصر الزوجية للنباتات، وبالرغم من بعض الاستثناءات القليلة الواهية الموجودة في كل قانون كلي، يكون قد رفع الستار عن هذا السر المهم الذي خفي عن أنظار العلماء في ذلك العصر والقرون التي تلته وهذه بحد ذاتها من المعاجز العلمية البديعة.

9- القرآن والزوجية العامة

نقرأ في قوله عزّ من قائل : {وَمِن كُلِّ شَىٍ‏ء خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُم تَذَكَّروُنَ} (الذاريات/ 49).

ويقول تعالى‏ : {سُبْحَانَ الَّذِى خَلَقَ الازْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الارضُ وَمِن انفُسِهِم وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ} (يس/ 36).

فهذه الآية تبين- بوضوح أكثر- شمولية عنصر الزوجية للنباتات والبشر والأشياء الخارجة عن حدود العلم البشري، ونظراً لأنّ كثيراً من المفسرين لم يجدوا هنا مفهوماً للزوجية بالمعنى‏ الحقيقي (أي عنصري الذكر والانثى‏)، فقد عمدوا إلى‏ تفسيرها بالأصناف المختلفة للموجودات في العالم التي تبدو على‏ شكل زوج زوج مثل : النهار والليل، النور والظلمة، البحر والبر، الشمس والقمر وغيرها.

لكننا نجد تفسيراً أدق لهاتين الآيتين في وقتنا الحاضر، حيث إنّ التحقيقات العلمية أثبتت هذه الحقيقة بوضوح وهي أنّ جميع الموجودات لعالم المادة تتشكل من أجزاء صغيرة جدّاً تدعى‏ بالذرة، وهذه الأجزاء التي عرفت قديماً بالموجود الذي لا يتجزء (أجزاء لا تتجزأ) وسمي ب «الذرة» لهذا السبب قد تحطم على‏ أثر تطور القدرة العلمية والفكرية للإنسان، ومن هذا المنطلق نشأت القوة الذرية والصناعات المتعلقة بها.

وعندما حلّلوا الذرة وجدوا أنّها مركبة من أجزاء متكونة غالباً من الألكترونات (الجزئيات التي تغلف النواة، وتحمل شحنة سالبة)، البروتونات (الجزئيات التي تحمل شحنة موجبة).

وعلى‏ هذا الأساس نستنتج من ذلك معنى‏ أدق للزوجية في كل ذرات عالم الوجود وهو توفر عنصري (الذكر) و (الانثى‏)، (الموجب) و (السالب)، (الفاعل) و (القابل) وبدون أي استثناء أيضاً، في حين أنّ التفسير الذي قال به العلماء الأوائل بالرغم من عدم انسجامه الكامل مع مفهوم الزوجية، فإنّ فيه استثناءات كثيرة أيضاً.

وعلى‏ أي حال، توجد هناك جاذبية قوية بين الزوجين الحقيقيين، وكذلك بين جسمين بشحنتين كهربائيتين مختلفتين سالبة وموجبة، وهي كثيراً ما تشابه الجاذبية الجنسية، في حين لا يوجد أي نوع من أنواع الجاذبية بين الليل والنهار، النور والظلمة، البحر والبر، وما شابه ذلك.

ومن الجدير بالذكر ما صرح به بعض المفسرين القدامى‏ من خلال ما استلهموه من‏ الآيات السالفة، بأنّ المقصود من الزوجين في هذه الآيات هو عنصري الذكر والانثى نفسيهما، وإن لم يوضحوا هذا المطلب بصورة كاملة (17).

10- القرآن يكشف النقاب عن مسألة مراحل تطور الجنين‏

وردت ضمن الآيات ‏القرآنية المرتبطة بعلائم التوحيد ودلائل المعاد إشارات غزيرة المعاني إلى‏ مسألة خلق الإنسان من النطفة ومن ثمَّ مراحل تطور الجنين. والتي يمكن عدّ بعض منها في قائمة المعجزات العلمية للقرآن.

من جملتها ما نقرأه في الآية الثانية من سورة الإنسان : {انَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُّطفَةٍ أَمشَاجٍ نَّبَتلِيهِ فَجَعَلنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً}.

«النطفة» : في اللغة بمعنى الماء الصافي أو الماء القليل‏ (18). (الامشاج) جمع مشج (على‏ وزن نسج أو على‏ وزن سَبب). أو جمع مشيج بمعنى‏ الشي‏ء المختلط. وقد ابدى‏ المفسرون احتمالات متعددة في صدد الجواب عن ما هو الشي‏ء الذي تختلط به النطفة.

فتارة تصوروا أنّ ذلك إشارة إلى‏ تركيب نطفة الإنسان من «الحيامن» و «البويضة»، وتارة أنّه إشارة إلى‏ كونها مركبة من الاستعدادات المختلفة من الناحية الجسمية أو الروحية (القبح والحسن، الذكاء والغباء و ...). واخرى‏ إلى‏ أنّه إشارة إلى‏ أنّ نطفة الإنسان مركبة من مواد مختلفة من المعادن ونحوها.

بطبيعة الحال أنّ ذلك كله حسن، ولعله كان من أفضل التفاسير في عصره، إلّا أنّه لا ينطبق بدقة على‏ معنى‏ الآية. ذلك أنّ لفظة الأمشاج جمع، واطلاقها على‏ شيئين أي (البويضة والحيمن) خلاف الظاهر، هذا أولًا، وثانياً : أنّ وجود الاستعدادات المختلفة في‏ الأشخاص بشكل مستقل لا يتلاءم مع معنى‏ الأمشاج، وكذلك ليس من المناسب القول بتركيب النطفة من أنواع المعادن واشباهها، لأنّ هذا الأمر لا ينحصر في النطفة فقط، وإنّما تتركب من هذه المواد كل الموجودات العالية نظير الإنسان والنبات وألوان الاطعمة، اضافة إلى‏ أنّ كلمة النطفة في آيات متعددة من القرآن جاء في خصوص نطفة الرجل.

فمثلًا نقرأ في قوله تعالى‏ : {الَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّنْ مَّنىٍّ يُمْنَى}؟ (القيامة/ 37)

لكن مع تطور العلم واتساع نطاق تحقيقات العلماء ثبت اليوم أنَّ القطرات القليلة للمني والتي تدعى‏ ب (النطفة) مركبة من مياه متعددة تفرزها الغدد المختلفة للجسم، وبشكل رئيسي فهناك خمس غدد تتظافر فيما بينها لكي تصنع المني من ترشحاتها، وهي عبارة عن : غدتان تقعان في أكياس قريبة من غدة البروستات وتدعى‏ ب (البيضة).

والاخرى‏ هي غدة البروستات نفسها، وكذلك غدتا «الكوبر» و «الليترة» اللتان تقعان بالقرب من المجاري البولية هذا ما أثبته العالم الفرنسي الدكتور (بوكاري) (19).

وتختلط هذه المياه الخمسة مع بعضها بنسب دقيقة وموزونة لتشكل مادة الحياة (النطفة).

ويعتقد هذا العالم الفرنسي أنَّ التعبير ب (الأمشاج) الوارد في القرآن هو إشارة إلى‏ تلك النكتة الدقيقة التي خفيت عن أنظار علماء ذلك العصر.

وممّا يسترعي الانتباه هو قوله تعالى‏ في ذيل الآية السابقة : «فَجَعلْناهُ سَميعاً بَصيراً»، بمعنى‏ أنّ نعمة السمع قد تقدمت على‏ نعمة البصر، لاحتمال أن يكون السبب في ذلك كما ذهب إليه العلماء هو أنَّ الحس الأول الذي يبدأ بالعمل لدى‏ الرضيع هو السمع، فهو يستعد لالتقاط الأصوات في الأيّام الاولى‏ من حياته. بل إنّ له قبل ذلك نشاطاً محدوداً في العالم الجنيني أيضاً.

وهذا بخلاف البصر فانّه يستعد للإبصار بعد ذلك ولعله بعد مرور اسبوعين، لعدم امتلاك العين المغمضة أي استعداد لرؤية امواج النور في البيئة المظلمة للرحم. ولهذا السبب فإنّ عين الرضيع تبقى‏ مغمضة بعد ولادته مدة من الزمن أيضاً، حتى‏ تعتاد على‏ الضياء بالتدريج.

من جانب آخر يقول تعالى‏ : {الَمْ نَخْلُقْكُّمْ مِّنْ مَّاءٍ مَّهِينٍ* فَجَعَلْنَاهُ فِى قَرَارٍ مَّكِينٍ* الَى‏ قَدَرٍ مَّعْلُومٍ* فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ القَادِرُونَ}. (المرسلات/ 20)

لقد توصل علماء الأجنة اليوم من خلال مطالعاتهم ومشاهداتهم الدقيقة والمصورة عن تحولات الجنين إلى‏ هذه النكتة، هي أنّ لقاء (الحيامن والبيوض) إنّما يتمّ خارج الرحم وفي الممرات المنتهية إليه. ثم تنعقد النطفة لتشق طريقها نحو قرارها الأصلي وهو الرحم فتلتصق بجداره.

ويتبيّن هذا المعنى‏ بوضوح في الآية الآنفة الذكر أيضاً، ففي البداية تتحدث عن خلقة الإنسان، ومن ثم عن استقراره في قرار الرحم (وينبغي الالتفات إلى‏ أنَ‏ «ثمَّ» تُستعمل في لغة العرب عادة للترتيب بشي‏ء من الفاصلة)، وعليه فإنّ الأمر الذي غاب عن أنظار جميع العلماء في ذلك العصر وما بعده قد جاء في القرآن بشكل واضح.

والتعبير ب «القرار المكين» هو الآخر تعبير غني جدّاً في معناه والذي كان مجهولًا في ذلك الزمان قطعاً.

ونعلم في وقتنا الحاضر أنّ هناك خصائص مهمّة أخذت بنظر الاعتبار في خلق الرحم بحيث أصبح من آمن الأماكن للجنين.

وبغض النظر عن الأغشية الثلاثة التي تحيط بالجنين من كل جوانبه (غلاف بطن الام، جدار الرحم، الكيس الخاص لاستقرار الجنين). فإنّ كل جنين يسبح في كيس يحتوي على‏ ماء لزج، ويستقر هناك تقريباً في حالة من انعدام الوزن وعدم الاتكاء على‏ شي‏ء معين، وهو يتحمل كثيراً من الصدمات التي ترد على‏ انحاء جسد الأم، ذلك أنّ الصدمات في الواقع تصيب (كيس الماء) لا الجنين نفسه مباشرةً، وبعبارة اخرى‏ يمكن أن نسمي ذلك‏ الكيس ومحتواه بالجهاز المضاد للصدمات نظير النوابض المرنة للسيارة التي تخفف من تأثير عراقيل الطريق. فضلًا عن ذلك أنّه يحول دون تسليط ضغط على‏ أعضاء جسم الجنين، ذلك لأنّ هذا الضغط يلحق الضرر بذلك الجسم اللطيف، إضافة إلى‏ أنّ البرودة والحرارة الخارجية لا تنتقل إلى‏ الجنين بسهولة كما لا يخفى‏، لأنّها وفي طريقها إلى الجنين لابدّ أن تخترق ذلك الكيس المملوء بالماء، فتصل إليه معتدلة الحرارة، وإلّا فمن الممكن أن يختل وضع الجنين بصورة كاملة عند استحمام واحد للُام بالماء البارد أو الحار.

وبناءً على‏ هذه الامور التي توضح لنا مفهوم‏ (القرار المكين) بصورة كاملة لا يعتبر الرحم ملجأً آمناً ومناسباً للجنين فحسب، بل إنّ هذا الأمن والحصانة تسايره في المراحل التي تمر بها ولادته أيضاً.

وكما قال بعض المفسرين الجدد : إنّ المادة السائلة الخاصة التي يسبح فيها الجنين تتسبب في اتساع فوهة الرحم حين الولادة وتعقيم المجرى‏ الذي يمر منه الجنين ليتمكن من اجتياز هذا المجرى‏ المتلوث بأنواع الميكروبات عادة فيخرج إلى‏ الدنيا سالماً، في منتهى‏ الأمن والراحة (20).

وممّا يستحق الاهتمام أنّ القرآن الكريم عندما يريد أن يفصح عن سلسلة المراحل التكاملية للجنين يقول تعالى‏ : {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا العَلَقَةَ مُضغَةً فَخَلَقْنَا المضغةَ عِظَاماً فَكَسَوَنا العِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ انشَأنَاهُ خَلْقًا آخَرَ* فَتَبَارَكَ اللَّهُ احْسَنُ الخَالِقِينَ} (المؤمنون/ 14) .

ومن طريف القول هو ما اثبته علم الأجنة حالياً أنَّ الجنين عندما يطوي مرحلة كونه علقة ومضغة، تتبدل كل خلاياه إلى‏ خلايا عظمية، ثم تغطيها العضلات واللحم بالتدريج (وقد أثبتت ذلك الأفلام الدقيقة الباهضة التكاليف التي أخذت لكل المراحل الجنينية).

وهذا هو ما جاءت به الآية السابقة بدقة إذ تقول : {فَخَلَقْنَا المُضَغةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا العِظَامَ لَحْمًا}، وهذه هي احدى‏ المعجزات العلمية للقرآن الكريم، ذلك أنّه لم يكن في ذلك الزمن‏ ما يسمى‏ بعلم‏ «الأجنة»، وعلى‏ الخصوص في محيط جزيرة العرب الذي لم يتوفر فيه الاطلاع على أبسط المسائل العلمية (21).

11- القرآن يتحدث عن الآثار المهمّة للغلاف الجوي للأرض‏

نقرأ في قوله تعالى‏ : {وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفاً مَّحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعرِضُونَ}.

(الأنبياء/ 32)

لقد أبدى‏ المفسرون القدماء وجهات نظر مختلفة في صدد بيان حقيقة السقف السماوي المحفوظ، فتارة يذهبون إلى‏ : أنّه محفوظ من نفوذ الشياطين، وتارة يقولون : إنّه محفوظ من السقوط على‏ الأرض، وتارة ثالثة : إنّه محفوظ من الانهدام بالرغم من تقادم الزمن‏ (22).

إنّ السر وراء هذه التفاسير المبهمة هو عدم اطلاع البشر على‏ السماء اطلاعاً دقيقاً في ذلك العصر.

وعندما وُجد علم الهيئة الجديد أثبت أنّ الكواكب بأجمعها تسبح في الفضاء اللامتناهي، وأنّه لا يوجد سقف أساساً، أصبح مفهوم هذه الآية أكثر تعقيداً بالنسبة لبعض المفسرين، حتى‏ لجأوا إلى‏ القول : إنّ معناها هو أنّ السماء كالسقف المحفوظ الذي يحول دون حدوث أي اختلال في نظام الوجود.

وعلى‏ هذا الأساس صار المتبادر إلى‏ الذهن من معنى‏ السقف هو المعنى‏ المجازي والذي جاء بصورة التشبيه والكناية.

إلّا أنّ العلم البشري لم يزل يواصل تقدمه نحو الأمام، وأصبح مفهوم هذه الآية أكثر وضوحاً نظراً إلى‏ ما حصل عليه العلماء من معلومات جديدة عن طبقات الغلاف الجوي، فثبت أنّه يوجد سقف محفوظ بمعناه الحقيقي.

توضيح ذلك : أنّه توجد طبقة عظيمة للهواء تحيط بالأرض من كل أطرافها تسمى‏ «الغلاف الجوي» يصل سمكها مئات الكيلو مترات ونظراً لضخامة هذه الطبقة الشفافة ظاهراً والمتكونة من الهواء وبعض الغازات الاخرى‏، نجدها على‏ جانب كبير من القوة والمقاومة يقدرها بعض العلماء بمقاومة سقف فولاذي سمكه عشرة أمتار، تُصان به الكرة الأرضية من ألوان المخاطر.

فمن جهة يقف سداً منيعاً أمام سقوط الصخور المستمرة- ليلًا ونهاراً والمعروفة ب (الشهب) المنجذبة نحو الأرض بسرعة هائلة وتشكل خطراً كبيراً فيما لو اصطدمت بإحدى‏ الأماكن.

وتتضح أهميّة هذه المسألة أكثر من خلال النظر إلى‏ ما قاله العلماء : إنّ ملايين من هذه الشهب تتجه نحو الأرض في كل يوم وليلة، وعندما تصطدم هذه الأحجار السريعة بمقاومة الغلاف الجوي تتولد حرارة فتحترق وتشتعل متحولة إلى‏ رماد، ينزل إلى الأرض رويداً رويداً، و في بعض الأحيان تكون هذه الأحجار كبيرة جدّاً فتجتاز الغلاف الجوي (بعد أن يحترق جزء منها) فتصيب نقطة من الكرة الأرضية، وتحدث أضراراً مخيفة، وقد سُجلت نماذج لها في التاريخ، ولعله انذار موجه إلى‏ الغافلين بأنّ اللَّه تعالى‏ لو لم يخلق هذا السقف المحفوظ، لتعرضتم بأجمعكم إلى‏ هذا القصف الخطير، ولما كان للهدوء والاستقرار معنىً في حياتكم.

ومن جهة اخرى‏ نعلم أنّ الشمس تنبعث منها أشعة تدعى‏ بالأشعة فوق البنفسجية (تلك الأشعة هي نفسها التي تقع فوق اللون البنفسجي عندما يتحلل ضوء الشمس ولا تشاهد بالعين المجرّدة) والمقدار القليل منها مفيد ونافع جدّاً، فضلًا عن أنّه لا يلحق الضرر بأحد، وبالأخص إنَّ له دوراً كبيراً في قتل الميكروبات، إلّا إذا ازداد وكثر فانّه يحرق البدن بدون أن يشعر الإنسان بالحرارة، (إنّ السبب وراء الحروق التي تصيب جلد الرأس والوجه والبدن في المناطق القريبة من خط الاستواء في فصل الصيف هو أنّ الشمس تسطع بصورة عمودية وتجتاز طبقة قليلة من الهواء، فلا تحظى‏ بقدر كافٍ من التصفية) ولو لم يوجد هذا  (السقف المحفوظ) وهو «الغلاف الجوي» لم يستطع أي إنسان أن يقاوم الشمس ولو لحظة واحدة.

من جهة ثالثة أنّ الاشعاعات المميتة المسماة ب (الأشعة الكونية) تتجه بسرعة نحو الأرض ممّا وراء المنظومة الشمسية فيقف جزءٌ من الغلاف الجوي ويسمى‏ ب «طبقة الاوزون» (23) مانعاً من نفوذ هذه الأشعة القاتلة ويقاومها كالسقف المحفوظ.

أخيراً برزت مخاوف كثيرة للعلماء على‏ أثر الثقب الذي حدث في طبقة الاوزون بسبب تصاعد الغازات الضارة من بعض أجزاء السيارات في الهواء وإلحاقها الضرر بتلك الطبقة، هذه المخاوف ظهرت بصورة جدية بحيث أخذ رجال الدول والعلماء يفكرون في وضع مقررات دولية تمنع حدوث هذه الاضرار.

هذا ما توصلنا إليه حالياً من التعرف على‏ الآثار العجيبة لهذا (السقف المحفوظ)، أي الطبقات العظيمة للهواء ومن الممكن الكشف عن حقائق أهم وأكثر في هذا المضمار مستقبلًا.

وقد يخطر في الذهن هذا السؤال وهو : هل يمكن اطلاق اسم «الغلاف الجوي» على‏ السماء فتصدق عليه؟ وهل تعني السماء الكواكب والأجرام السماوية والمنظومات والمجرّات؟

في الجواب عن هذا السؤال نقول : إنّ القرآن الكريم هو الذي اطلق مراراً هذه الكلمة على‏ الغلاف الجوي ومن جملة ذلك ما نقرأه في قوله تعالى‏ : {وَأنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخرَجَ بِهَ مِنَ الثَّمراتِ رِزقَاً لَكُم} (24). (البقرة/ 22)

ويتجلى‏ بوضوح نموذج آخر لهذا المعنى‏ في قوله عز من قائل : {الَمْ يَروَا الَى‏ الطَّيرِ مُسَخَّرَاتٍ فِى جَوِّ السَّمَاءِ}. (النحل/ 79)

12- القرآن والغلاف الجوي للأرض أيضاً

نقرأ في قوله تعالى‏ : {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ انْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدرَهُ لِلإِسلَامِ وَمَنْ يُرِد انْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَانَّمَا يَصَّعَّدُ فِى السَّماءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجسَ عَلَى‏ الَّذِينَ لَا يَؤْمِنُونَ}. (الأنعام/ 135)

وربّ سؤال يتبادر إلى‏ الذهن وهو :

ماهي العلاقة بين الصعود إلى‏ السماء وضيق الصدر؟

وهو سؤال لم يجد له المفسرون الأوائل جواباً دقيقاً.

قال كثير منهم : إنّ المقصود من ذلك هو كما أنّ الصعود إلى‏ السماء أمر عسير أو محال كذلك تحصيل الإيمان بالنسبة إلى‏ الكفار المعاندين والجهلاء المتعصبين‏ (25).

في حين أنّ الأعمال الشاقة والمستحيلة كثيرة على‏ وجه الأرض فليس هناك مبرر للتشبيه، إضافة إلى‏ أنّ هذا التفسير بحاجة إلى‏ تقدير : وهو أنّ الإيمان يشابه الصعود إلى‏ السماء، في حين أنّ القرآن يقول : {يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَانَّمَا يَصَّعَّدُ فِى السَّماءِ}.

وقالوا في بعض المواضع : شبَّه اللَّه الكافر في نفوره من الإيمان وثقله عليه بمنزلة من تكلف ما لا يطيقه، كما أنّ صعود السماء لا يطاق‏ (26)، ولا يخفى‏ عدم تناسب هذا التفسير مع محتوى‏ الآية أيضاً.

أمّا بالنظر إلى‏ الاكتشافات الأخيرة فإنّ للآية المتقدمة تفسيراً آخر يناسب هذا المعنى‏ من كل الجهات وهو :

لقد ثبت اليوم أنّ الهواء المحيط بأطراف الكرة الأرضية مضغوط بصورة كاملة في الأماكن المجاورة لسطح الأرض ويلائم تنفس الإنسان ويناسبه، لأنّه يحتوي على الاوكسجين الكافي، وكلما ابتعدنا عن سطح الأرض أصبح الهواء أقل كثافة فيغدو التنفس شاقاً جدّاً على ارتفاع عشرة كيلو مترات عن سطح الأرض بدون استخدام الإنسان نقاب الاوكسجين، ويصاب بحالة من الضيق الحاد في التنفس، وكلما ارتفع إلى‏ الأعلى‏ أكثر، ازدادت حدّة الضيق في تنفسه حتى يصل إلى‏ الوقت الذي يغمى‏ عليه لقلّة الاوكسجين.

إذن توجد هناك علاقة وثيقة بين ضيق النفس والصعود إلى‏ السماء، ولم تتبلور هذه الحقيقة في ذهن أي شخص في ذلك العصر (27). بيد أنّها قد تبلورت في اذهان الجميع في يومنا هذا، فقد سبق لنا أن سمعنا هذا الحديث من مضيّفي الطائرة عدة مرات أثناء سفرنا بها، بأنّ الهواء الموجود داخلها ينظم بجهاز خاص، فاذا حدث خلل فيه، فحينئذ ينبغي الاستفادة من نقاب الاوكسجين، لتستغل الطائرة سرعتها وتصل إلى‏ الطبقات السفلى‏ للجو الأكثر ضغطاً.

كما أنّ العلاقة بين هذا المعنى‏ وبين تفسير الآية واضحة جلية.

وهي في الواقع تشبيه المعقول بالمحسوس، فقد شبّه الجمود الفكري والتعصب واللجاجة وقصر نظر الضالين المعاندين في اعتناقهم للإسلام، بضيق التنفس الناجم عن قلة حصول الاوكسجين بالنسبة للشخص الذي يصعد إلى‏ السماء.

ونُنهي هذا البحث بمقولة للمراغي في تفسيره هذه الآية، إذ يقول : «سُبحانك ربّي نطق كتابك الكريم بقضية لم يتفهم سرها البشر، ولم يفقه معرفة كنهها إلّا بعد أن مضى‏ على‏ نزولها نحو أربعة عشر قرناً، وتقدم فن الطيران، الآن علم الطيارون بالتجربة صدق ما جاء في كتابك، ودلّ على‏ صحة ما ثبت في علم الطبيعة من اختلاف الضغط الجوي في مختلف طبقات الهواء، وقد عُلم الآن أنّ الطبقات العليا أقل كثافة من الطبقات التي هي أسفل منها، وأنّه كلما صعد الإنسان إلى‏ طبقة أعلى‏ شعر بالحاجة إلى‏ الهواء وبضيق في التنفس نتيجة لقلة الهواء الذي يحتاج إليه، حتى‏ لقد يحتاجون أحياناً إلى‏ استعمال جهاز التنفس ليساعدهم على‏ السير في تلك الطبقات، وهذه الآيات وأمثالها لم يستطع العلماء أن يفسروها تفسيراً جلياً لأنّهم لم يهتدوا لسرّها، وجاء الكشف الحديث وتقدُّم العلوم فأمكن شرح مغزاها وبيان المراد منها بحسب ما أثبته العلم، ومن هذا صح قولهم، «الدين والعلم‏ صِنوان لا عَدوّان»، وهكذا كلما تقدم العلم أرشد إلى‏ إيضاح قضايا خفي أمرها على‏ المتقدمين من العلماء والمفسرين» (28).

13- القرآن وأسباب نزول المطر والثلوج‏

نقرأ في قوله تعالى‏ : {الَمْ تَرَ انَّ اللَّهَ يُزجِى سَحَاباً ثُمَّ يُؤلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً فَتَرَى‏ الوَدْقَ يَخْرُجُ مِن خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصرِفُهُ عَن مَّن يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بالأبصار}. (النور/ 43)

في هذه الآية تعابير مختلفة، لم تتوضح معانيها بدقة في الماضي.

«يزجي» : مأخوذة من مادة (إزجاء) ومعناها في الأصل هو الدفع أو التحريك الملائم الهادي‏ء.

يقول الراغب في المفردات : «التزجية» معناها هو التحريك على‏ سبيل الترتب والتسلسل.

واستعمل القرآن الكريم هذه الكلمة لحركة السفن على‏ أثر هبوب الرياح في البحر كما رودت في سورة الاسراء، الآية 66.

«الركام» : (على‏ وزن غلام) وتعني الأشياء الموضوعة فوق بعضها.

«وَدْق» : (على‏ وزن شَرق)، وهي حسب رأي بعض المفسرين بمعنى‏ قطرات المطر، وحسب رأي البعض الآخر بمعنى‏ البرق.

«البَرَد» : على‏ وزن‏ (سَبَد) والمقصود به قطرات المطر المنجمدة، وهي في الأصل مأخوذة من مادة بَرْد على‏ وزن‏ (فَرْد) وهي البرودة. ولأنّ قطع البَرَد ذات طبيعة باردة وتبعث على‏ برودة الأرض أيضاً اطلقت هذه الكلمة عليها (29).

«جِبال» : جمع جَبَل، جاء في (معجم مقاييس اللغة) هو : بمعنى‏ تجمع الشي‏ء مصحوباً بالارتفاع، وورد هذا المعنى‏ في (التحقيق) أيضاً، وعليه فالجبل لا يراد منه جبال الحصى‏ والرمال فحسب، بل إنّ كل مرتفع متراكم ومخزون يقال له في لغة العرب : جبل.

واستناداً إلى‏ ما قيل في هذا المجال نعود إلى‏ الآية الآنفة الذكر : {وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ}.

لم يدرك أحد في ذلك العصر بدقّة أنّ السحب في السماء على‏ هيئة جبال بارتفاعات متفاوتة نشاهد قاعدتها غالباً. لأننا نراها بصورة لوحة واسعة في السماء، لكن عندما نحلق بالطائرة إلى‏ أعلى‏ السحب، نشاهدها جبالًا وودياناً ومرتفعات ومنخفضات، كما نشاهد ذلك على‏ سطح الأرض، وبعبارة اخرى‏ : إنّ السطح الأعلى للسحب غير مستوٍ وعلى‏ غرار سطح الأرض يحتوي على تضاريس كثيرة، وفي كثير من الأحيان يكون متراكماً على‏ هيئة جبل.

ومن أجل أن يتضح مفهوم الجبال في الآية أكثر يمكن أن نضيف النكتة الدقيقة والتي ثبتت نتيجة لتطور العلوم وازدهارها وهي :

ذكر أحد العلماء في تحليله الشخصي ما خلاصته : إنّ السحب المرتفعة عُبّر عنها بجبال الثلج، في الآية التي وقعت مورداً للبحث؛ لأنّ العلماء في تحليقاتهم الجوية اصطدموا بسحب متكونة من إبَرٍ ثلجية، يصدق عليها عنوان (جبال من الثلج) واقعاً، ومن الغريب هو ما ذكره بصددها أحد العلماء الروس أثناء شرحه لبعض (السحب المحملة بالأمطار) بأنّها جبال من الثلج، أو جبال من السحب.

هذا كله من جهة ومن جهة اخرى‏، ذهب علماء معاصرون في صدد كيفية نشوء البَردَ في السماء إلى‏ القول : إنّ قطرات المطر تنفصل عن السحاب وتصطدم بالمناطق العليا الباردة للجو فتنجمد، ولكونها صغيرة جدّاً تقذفها إلى‏ الأعلى‏ من جديد تيارات هوائية شديدة مسلطة على تلك المنطقة فتنفذ تلك الحبيبات داخل السحب مرّة اخرى‏ لتستقر مقابلها صفحة جديدة من الماء، تنجمد مرّة ثانية حينما تنفصل عن السحاب، ويحدث أحياناً أن‏ يتكرر هذا الأمر عدّة مرات حتى يصبح حجم البَرَد كبيراً، ولا تقوى التيارات الهوائية على دفعه إلى‏ الأعلى‏ أو أن تهدأ تلك التيارات بصورة مؤقتة، فحينئذٍ يشق طريقه إلى‏ الأرض ويسقط باتجاهها بدون أي مانع، ويحدث أن يكون كبيراً ثقيلًا في بعض الأحيان فيلحق اضراراً بالمزارع والبساتين والحيوانات وحتى‏ أفراد البشر أيضاً.

من هنا يتبيّن أنّ وجود بَرَد كبير الحجم ثقيل الوزن ممكن عندما تتراكم الحبيبات المنجمدة فوق قمم السحب الجبلية إلى‏ أن تظهر رياح شديدة فتقذفها وسط السحب، وتجمع مقداراً أكثر من الماء، فتصبح ثقيلة الوزن.

وعلى‏ هذا الأساس تعتبر السحب الجبلية منبعاً مهماً لتكوّن بَردٍ كبيرٍ الحجم، سبقت الإشارة إليه في الآية.

وتتضح المسألة أكثر فيما لو قلنا : إنّ هذه الجبال هي الأكوام المتكونة من الذرات الثلجية نفسها (30).

والسؤال الوحيد الذي يبقى‏ هنا هو : لماذا وجه القرآن الكريم الخطاب إلى‏ النبي صلى الله عليه و آله بقوله : (الَم تَرَ) في حين أنّنا نعلم أنّ هذه المسألة لا تقبل الرؤية على‏ الاطلاق، وإنّما تمكن ملاحظاتها في عصرنا فقط من خلال التحليق بالطائرة؟

والجواب عن هذا السؤال واضح، ذلك أنّ‏ (الَم تَرَ) والجمل المشابهة لها يراد منها «الَم تَعْلم»، ولهذا يقول القرآن مخاطباً النبي في سورة الفيل الآية 1 : {الَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بأصحاب الفِيلِ}، بالرغم من ولادته صلى الله عليه و آله في عام الفيل (العام الذي هاجم فيه أبرهة مكة المكرمة) وعدم حضوره تلك الواقعة.

وكلا التفسيرين يوضح الاعجاز العلمي للقرآن وفقا لما ذكرناه سالفاً. لأنّ قولًا تضمن ذكر جبال من الثلج، وقولًا اخر تضمن جبال السحاب، وكلاهما لم يكن معروفا في زمانه.

14- القرآن وعلاقة الرعد والبرق والمطر

ورد الحديث عن الرعد والبرق في القرآن الكريم بشكل مكرر ثم وردت الإشارة إلى‏ هطول الأمطار بعد ذلك مباشرةً.

ورد في قوله تعالى‏ : {وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ البَرْقَ خَوْفَاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ ماءً فَيُحىِ بِهِ الارضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}. (الروم/ 24)

ونقرأ في قوله تعالى‏ : {هُوَ الَّذِى يُريكُمُ البَرْقَ خَوْفَاً وَطَمَعاً وَيُنْشِىُ‏ء السَّحَابَ الثِّقَال}.

(الرعد/ 12)

وفي الماضي لم يكن أحد يعرف بدقة منشأ (الرعد) و (البرق)، ولذا فقد كان كل واحد يختلق لنفسه فرضية معينة، ويضفي عليها أحياناً طابع الأساطير والخرافات، أما اليوم فقد أضحى‏ مسلَّماً أن حدوث الرعد والبرق يرتبط بالتفريغ الكهربائي بين سحابتين لهما شحنتان كهربائيتان مختلفتان (أحدهما موجبة والآخرى‏ سالبة).

وفي الواقع مثلما يتصل سلكان كهربائيان احدهما بالآخر فتحدث شرارة كهربائية يصحبها الصوت والحرارة معاً، كذلك يحدث هذا الأمر بين السحب. (فالبرق) هو الشرارة الكهربائية الهائلة، و (الرعد) هو صوت تلك الشرارة.

وقد يحدث هذا التفريغ الكهربائي بين قطع السحاب التي لها شحنات كهربائية موجبة وبين الأرض ولها شحنة كهربائية سالبة عادة، فتقذف شرارة نارية إلى‏ سطحها يطلقون عليها اسم (الصاعقة) والتي تسبب الحرائق الكبيرة في الصحارى‏ والغابات وحتى‏ في المباني والعمارات في بعض الأحيان.

وبإمكانها أن تُحوِّل قطيعاً كبيراً من الحيوانات إلى‏ رماد في لحظة واحدة وإذا ما ضربت جبلًا ما فسوف يتلاشى‏ وينهار، أو إذا اصابت سطح البحر قضت على‏ كل ذي روح يعيش في ذلك الموضع منه؛ ويُعزى‏ ذلك كله إلى‏ أنّ الحرارة الناجمة من تلك الشرارة النارية هائلة جدّاً، (تصل إلى‏ حدود خمسة عشر الف سانتيكراد، أي ضعف حرارة سطح الشمس تقريباً)، فتحيل كل الأشياء إلى‏ دخان ورماد.

وإذا ما كان البرق والرعد من المظاهر المرعبة لعالم الطبيعة إلّا أنّهما بالرغم من ذلك يشتملان على‏ فوائد ومعطيات كثيرة أيضاً.

فمن احدى‏ آثارهما المهمّة هي نزول الأمطار الغزيرة، وذلك لأنّ الحرارة المتولدة من البرق، تُسخن مساحة واسعة من الهواء المحيط بها، فيقلّ ضغطه، ومن المعلوم أنّ السحب ستفرغ ما فيها من أمطار على‏ أثر قلة الضغط، ولهذا السبب تهطل أمطار غزيزة بعد حصول الرعد والبرق.

وممّا يجدر ذكره : عندما تقترب السحب المتراكمة من الأرض لتظلِّلها يصبح الجو مظلماً، ويسمع صوت الرعد المخيف وتتراءى‏ أنوار البرق، في الوقت ذاته تؤثر العواصف العاتية على‏ السحب فتجعلها محملة بقطرات كبيرة غزيرة وتؤدي إلى‏ تزايد وزنها (31)، وهذا هو عين ما قرأناه في الآيات ‏السابقة التي تحدثت عن السحب الثقيلة بعد أن أشارت إلى‏ مسألة البرق، إضافة إلى‏ أنّ الحرارة الشديدة للبرق تؤدي إلى‏ أن تتركب قطرات المطر من مقادير أكثر من الاوكسجين، فينتج من ذلك ماء مؤكسد ويسمونه بالماء الثقيل أيضاً (H 2 O 2).

ولهذا الماء الثقيل تأثير كبير في القضاء على‏ كثير من الميكروبات والآفات النباتية، ولذا ذهب العلماء إلى‏ القول بتكاثر الآفات النباتية في السنة التي يقل فيها الرعد والبرق (وهذا تفسير آخر في صدد السُحب الثقيلة).

وإضافة إلى‏ ذلك فإنّ حامض الكربونيك يتولد من قطرات المطر الممتزجة بكاربون الجو وبواسطة الحرارة الشديدة للبرق، وبعد سقوطه على الأرض يتفاعل مع مواد اخرى‏ لينتج مركبات تعد من أفضل الأسمدة لنمو الأعشاب، حتى‏ ذهب العلماء إلى‏ القول : إنّ مقدار الأسمدة الناشئة من الرعد والبرق في الكرة الأرضية تصل إلى‏ حدود العشرة ملايين طن في جميع أنحاء الكرة الأرضية، وهو رقم كبير جدّاً.

وتتوضح عظمة القرآن العلمية بالمقارنة بين هذه الاكتشافات والآيات الآنفة الذكر، خصوصاً إذا أُخذ بنظر الاعتبار عدم وجود أدنى‏ أثر لهذه العلوم في ذلك العصر وفي بيئة الجزيرة العربية.

15- القرآن وكشف هوية الإنسان‏

نقرأ في قوله عزّ من قائل : {ايَحْسَبُ الانسَانُ الَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ* بَلَى‏ قَادِرِينَ عَلَى‏ انْ نُّسَوِّىَ بَنَانَهُ}. (القيامة/ 3- 4)

جاء في الروايات، أنّ أحد مشركي العرب ويُدعى‏ (عدي بن ربيعة) وكان رجلًا معانداً ومتعصباً جدّاً، أتى‏ إلى‏ النبي صلى الله عليه و آله وسأله عن يوم القيامة وكيفية وزمان تحققه، وقال : إنني لا اصدقك ولا أؤمن بك وإن رأيت ذلك اليوم بأمُ عيني، كيف يمكن التصديق بأنّ اللَّه تعالى‏ يجمع هذه العظام النخرة، هذا ممّا لا يقبل التصديق فنزلت الآية المذكورة أعلاه‏ (32).

«بَنان» : في اللغة بمعنى‏ الاصابع، وقد ورد أحياناً (بمعنى‏ رؤوس الأصابع)، وهو مأخوذ من مادة (بَنَ) بمعنى‏ الإقامة.

وبناءً على‏ كون الأصابع، أداة لإصلاح أحوال إقامة الإنسان في العالم، اطلق عليها هذا الاسم‏ (33).

إنّ للأصابع دوراً مهماً جدّاً في حياة الإنسان، وتعد من عجائب الخلقة، وإن غفلنا عن أسرارها. لأنّها تحت تصرفنا دائماً، ولو قطعت أصابع يد أحد ما، فإنّه سوف لا يستطيع أن ينجز عملًا دقيقاً بأي شكل من الأشكال، وستستحيل عليه الكتابة، وتصفح أوراق الكتاب، وتناول الطعام بسهولة، والاتصال بالهاتف، وفتح الأبواب بالمفاتيح وأنواع الصناعات الدقيقة وتستحيل عليه بقية الصناعات الاخرى‏ كأنواع الأعمال المتعلقة بالسيارات، وحتى‏ أخذ الأشياء الثقيلة باليد أيضاً، بل ويمكن لنقص أحد الأصابع أن يوجه‏ ضربة عنيفة لكثير من الأعمال اليومية التي يقوم بها الإنسان. ولهذا السبب تنجز الحيوانات ذوات الأربع كثيراً من أعمالها بفمها أو رأسها.

وبعبارة اخرى‏ يمكن القول : إنّ وجود الأصابع لدى‏ الإنسان يعتبر من العوامل المهمّة للتقدم الحضاري له، والتعبير ب «البنان» المأخوذ من مادة الإقامة والدوام، إشارة لطيفة إلى‏ هذه الحقيقة نفسها، وذلك لصعوبة وجوده في العالم بدونها.

يقول اللَّه تعالى‏ في الآية الآنفة الذكر : إنّ بإمكاننا أن نعيد العظام الصغيرة الدقيقة في يوم القيامة أيضاً فضلًا عن العظام الكبيرة.

واحتمل جماعة من المفسرين أيضاً أنّ المقصود من تسوية البنان هو وصالها مع بعضها واخراجها بصورة حافر حيوان من ذوات الأربع وليس لهذا التفسير تناسب مع آيات السورة.

من الامور التي يمكن استنتاجها من هذه الآية هو هذا الاكتشاف المهم، فقد أصبح من الثابت أنّ معرفة هوية أحد ما يتمّ بوسيلة رؤوس أصابعه. وهي أوثق وأدق من كل امضاء ولا يستطيع أحد تزويره، في حين أنّ التزوير قادر على التسرب إلى‏ أعقد التواقيع، ولهذا السبب أصبحت مسألة «أخذ البصمات» من الحقائق العلمية في عصرنا الحاضر واستحدثت لأجلها دائرة خاصة في المراكز الأمنية، من خلالها يكشف النقاب عن كثير من المجرمين، فيكفي أن يضع أحد السراق يده على‏ مقبض الباب، أو زجاج الغرفة، أو على القفل والصندوق والكرسي عند دخوله لأحد الغرف أو المنازل فيبقى‏ أثرها على‏ تلك الأشياء، أو يتمّ العثور على‏ سلاح في قضية قتل، عليه بصمات أحد الأشخاص، وهذا يكفي لأخذ نماذج فورية لها فتتم مطابقتها على‏ بصمات الأشخاص المشكوك بهم في تلك الحادثة،- إضافة لما لديهم من معلومات عن المجرمين والسراق- ومن ثم يلقون القبض على‏ الجاني.

إذن يكون مفهوم الآية بناءً على‏ هذا التفسير : إنّنا لسنا قادرين على‏ أن نجمع العظام الكبيرة والصغيرة فحسب، بل إنّ في مقدورنا أيضاً أن نعيد الأصابع وبصماتها بجميع‏ مزاياها، التي هي من أدق ما في البدن من خصوصيات إلى‏ حالتها الاولى‏.

وبعبارة اخرى‏ أنّ مفهوم تسوية البنان (ومعناها التنظيم والترتيب)، شامل لجميع الخصوصيات والجزئيات، من جملتها بصمات الأصابع.

ومن الجدير بالذكر هو ما نجده من توافق بين هذا المعنى‏ وبين مسألة القيامة، المحكمة الكبرى‏ للعدل الإلهي، التي يجب التحقيق فيها مع المجرمين والمذنبين، ذلك أنّ هذه المسألة يستفاد منها أيضاً في محاكم الدنيا، قبل أي مكان آخر.

16- القرآن يكشف الستار عن عظمة خلق السماوات‏

نقرأ في قوله تعالى‏ : {لَخَلْقُ السَّمَواتِ وَالارضِ ‏اكبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ اكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}. (المؤمن/ 57)

صحيح أنّ أغلب المفسرين اعتبر هذه الآية رداً على‏ جدال المشركين في (المعاد) (34)، أي إنّكم تشكون في بعث الإنسان من جديد، في حين أنّ خلق الإنسان ليس بأعظم من خلق السماوات، بل إنّ خلق السماوات والأرض أهم من ذلك وأعظم، بيدَ أنّ جملة «ولكنّ أكثر الناسِ لا يَعلَمُون»، هي إشارة إلى‏ حقيقة أنّ عظمة السماوات كانت مجهولة لدى‏ معظم الناس سابقاً.

وبالرغم ممّا اكتشفه العلم الحديث من اسرار عظيمة ومهمة جدّاً عن وجود البشر لم يكن واحد من الألف منه معروفاً في العصور السابقة، إلّا أنّ الاكتشافات التي تحققت في مجال عظمة السماوات، تدل على‏ أنّ خلقها والأرض يفوق بمراتب خلق البشرية بكل ما تنطوي عليه من عجائب.

إنّ آخر ما توصل إليه العلماء بصدد السماوات وبالأخص المجرات يقول : إنّه قد اكتشف إلى‏ اليوم أكثر من مليارد مجرة بواسطة المراصد الفلكية الكبيرة، ومنظومتنا الشمسية ما هي‏ إلّا جزء ضئيل من احدى المجرّات التي تسمى‏ ب «درب التبانة»، ففي مجرّتنا فقط أكثر من مائة مليارد كوكب والشمس بعظمتها هي احدى‏ النجوم المتوسطة في هذا الجيش الجرّار للنجوم.

الفضاء واسع جدّاً بحيث إنّ سبر اغواره ليس يستحيل بالمركبات الفضائية البشرية فحسب، بل إنّنا لو ركبنا ذرات الضوء- التي تسير بسرعة فائقة تصل إلى‏ ثلاثمائة الف كيلو متر في الثانية الواحدة- لاستغرقت رحلتنا هذه ملياردات السنين الضوئية أيضاً حتى‏ يمكننا أن نقطع المساحة المكتشفة في هذا العالم.

وكلما كان حجم المراصد الفلكية أكبر وأدق، كلما كشفت لنا الحجب عن عوالم جديدة اخرى‏.

بالرغم من هذه الاكتشافات فإنّنا لحد الآن لم نتوصل إلى‏ ما وراء ما عرفناه وشاهدناه، وإنّ ما اكتشف بأكبر المراصد هو زاوية صغيرة وتافهة من هذا العالم العريض.

وحسب قول أحد العلماء : فإنّ كل هذا العالم الواسع الذي نشاهده ليس إلّا ذرة صغيرة، وجزء لا حدود له من عالم أكثر عظمة (35).

ومن هنا نقف على‏ عمق الآية الآنفة الذكر التي تقول : {لَخَلقُ السَّمَواتِ وَالارض اكبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكنَّ اكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعلَمُونَ}.

ونتساءل ألا يُعدُّ بيان مثل هذه الامور من قبل فرد امي في عصر نزول القرآن وفي بقعة من أكثر بقاع العالم تأخراً، معجزة؟

وبهذا النحو نصل إلى‏ نهاية بحث الاعجاز العلمي للقرآن، وإن كانت لا تزال هناك ملاحظات كثيرة لم نتطرق إليها.

ونعتقد أنّ البحث في النماذج الستة عشر السابقة أثبت بشكل منصف ولكل إنسان واع حقيقة استحالة أن يكون هذا الكتاب العظيم أي (القرآن) من صنع عقل البشر.

______________________________
(1) يستفاد من ظاهر الآية أنّ «ترونها» وصف ل «عمد»، وقول البعض : إنّ مفهوم الآية «ترونها بغير عمدٍ» هو أنّكم ترون السماء بغير عمد (وعلى‏ هذا، فعبارة «بغير عمد» جار ومجرور ومضاف إليه متعلقة ب «ترونها»)، خلاف الظاهر أولًا، وثانياً، إنّ هذا التعبير يشير إلى‏ أنّكم ترون السماء بدون عمد في حين أنّ لها اعمدة في حقيقة الأمر.

(2) تفسير البرهان، ج 2، ص 278. ورد هذا الحديث في التفسير المزبور عن طريقين، عن تفسير علي بن إبراهيم، وكذلك عن تفسير العياشي.

(3) تفسير مجمع البيان، ج 5، ص 274؛ وتفسير روح المعاني، ج 13، ص 78.

(4) راجع تفسير نور الثقلين، ج 3، ص 424، الأحاديث 52، و 53، و 54، و 55؛ وتفسير در المنثور، ج 4، ص 317.

(5) المصدر السابق.

(6) تطلق الصورة الفلكية «الجاثي على‏ ركبتيه» على‏ النجوم التي تكون بمجموعها على‏ هيئة شخص جاثٍ على‏ ركبتيه يريد القيام، ونجم «ويكا» يعد من هذه المجموعة التي تدور حولها المنظومة الشمسية بما فيها الشمس.

 (7) قاموس دهخدا، ج 22، مادة (الشمس) «باللغة الفارسية».

(8) بداية ونهاية العالم، ص 74- 77 (باختصار).

(9) المصدر السابق.

(10) حدود النجوم، ترجمة رضا أقصى‏، ص 338، عن النسخة الفارسية.

(11) تفسير الكبير، ج 27، ص 171.

(12) سفينة البحار، ج 2، ص 574، مادة (النجم).

(13) لمزيد من الاطلاع راجع كتاب «الهيئة والإسلام».

(14) ما تقدم أعلاه موجز من مقال محقق تحت عنوان «أثر الجبال في استقرار الأرض» (مسألة الدولاب الثابت) في المجلة الدينية والعلمية المدرسة الإسلامية العدد 8، السنة 13 (ص 68- 73 باللغة الفارسية)، ولمزيد من الاطلاع حول هذا الموضوع والوقوف على‏ جزئياته راجع المقال المذكور.

(15) وورد نفس المضمون في كل من الآية (7) من سورة الشعراء والآية (7) من سورة (ق).

(16) ورد نفس هذا المضمون في الآية 7 من سورة الشعراء و الآية 7 من سورة ق.

(17) جاء في ‏تفسير مجمع البيان، ج 9، ص 160، عن أحد المفسرين القدماء ويدعى‏ «ابن زيد» أنّه قال في تفسير الآية «ومن كل شي‏ء خلقنا زوجين ...» الزوجين الذكر والانثى. كما ورد هذا المعنى نفسه عن قتادة في تفسير الآية «سبحان الذي خلق الأزواج كلها». (تفسير القرطبي، ج 8 ص 5470).

(18) تمت الإشارة إلى‏ المعنى‏ الأول في معجم مقاييس اللغة والمفردات، والى المعنى‏ الثاني في لسان العرب.

(19) مقتبس من كتاب (مقارنة بين التوراة والانجيل والقرآن والعلم) تأليف الدكتور «بوكاري» ترجمة المهندس «ذبيح اللَّه دبير» باللغة الفارسية- ص 271. الملفت للنظر أنّ هذا الدكتور الفرنسي يميل كثيراً إلى‏ القرآن حينما يصمم على مقارنة هذه الكتب فيما بينها، وحيث إنّ ترجمات القرآن المتداولة لا تشفي غليله، نراه يستفيد من الادب العربي ويحيط به احاطة تامة ليتمكن من الحصول على ما يحتاجه من القرآن مباشرة دون حاجة للرجوع إلى‏ ترجماته.

(20) تفسير المراغي، ج 18، ص 11.

(21) أشار سيد قطب في كتابه في ظلال القرآن ج 6 ص 16 إلى‏ ذلك. وقد شاهدنا ذلك أخيراً في فيلم وثائقي عجيب عن المراحل التكاملية للنمو الجنيني.

(22) تفسير مجمع البيان، ج 7 ص 46؛ والتفسير الكبير، ج 22، ص 165 وتفاسير اخرى‏.

(23) الاوزون، غاز أزرق اللون ذو رائحة نفاذة ويعد أخطر من غاز الاوكسجين. ويتكون عند التفريغ الكهربائي للأوكسجين، ويستعمل لأغراض الصباغة وتصفية الماء والهواء.

(24) وورد نظير هذا المعنى‏ في البقرة، 164؛ الأنعام، 99؛ الأعراف، 96؛ يونس، 24؛ هود، 44؛ الرعد، 17 وآيات أخرى متعددة.

(25) تفاسير مجمع البيان؛ روح البيان؛ تفسير القرطبي و ... ذيل الآية مورد البحث.

(26) تفسير روح البيان، ج 3، ص 1.

(27) يُصاب الإنسان أحياناً بضيق في النفس عند تسلق الجبال، هذا صحيح ومعروف منذ الأيّام السالفة، ويحصل ‏نتيجة للجهد البدني الشديد ويشاهد في حالة الركض على الأرض المستوية أيضاً، غير أن القرآن يقول : إنّ ضيق النفس يسببه الصعود إلى‏ السماء لا الجهد البدني الشديد.

(28) تفسير المراغي، ج 8، ص 25.

(29) جاء في كتاب (التحقيق) : «البرودة في الماء أن يبرد إلى‏ أن يصل حدَّ الانجماد فيقال له البَرَد».

(30) ذهب المفسرون في تفسير : «وينزل من السماء من جبال فيها من بَرَد» إلى‏ قولين يمكن استنتاجهما من سياق تركيب الآية؛ الأول : إنّ الجار والمجرور في «من برد» متعلق بينزل وهي في حكم المفعول فيصبح معنى الآية : إنّ اللَّه ينزل قطع الجليد من جبال في السماء (وهنا ذكرت الجبال بصورة مطلقة). والثاني : إنّ الجار والمجرور متعلق بفعل محذوف يقع صفة ل «جبال» فيصبح معنى الآية بناء على ذلك : إنّ اللَّه ينزل بَرداً من جبال الثلج التي في السماء (وهنا يكون مفعول «ينزل» محذوفا ويفهم من سياق الكلام).

وكلا التفسيرين يوضح الاعجاز العلمي للقرآن وفقا لما ذكرناه سالفاً. لأنّ قولًا تضمن ذكر جبال من الثلج، وقولًا اخر تضمن جبال السحاب، وكلاهما لم يكن معروفا في زمانه.

(31) العواصف والأمطار، ص 138.

(32) التفسير الكبير، ج 3، ص 217؛ وتفسير القرطبي، ج 10، ص 6885.

(33) المفردات للراغب؛ ومجمع البحرين؛ ومعجم مقاييس اللغة، مادة (بن).

(34) تفاسير مجمع البيان؛ الصافي؛ الكبير؛ الكشاف؛ روح المعاني؛ وروح البيان.

(35) مجلة الفضاء، العدد 56، سنة 1971.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .



ستوفر فحوصات تشخيصية لم تكن متوفرة سابقا... تعرف على مميزات أجهزة المختبر في مستشفى الثقلين لعلاج الاورام في البصرة
بالصور: تزامنا مع ذكرى ولادة الإمام الرضا (ع).. لوحات مطرزة تزين الصحن الحسيني الشريف
بالفيديو: الاكبر في العراق.. العتبة الحسينية تنجز المرحلة الأولى من مدينة الثقلين لإسكان الفقراء في البصرة
ضمنها مقام التل الزينبي والمضيف.. العتبة الحسينية تعلن عن افتتاحها ثلاثة أجزاء من مشروع صحن العقيلة زينب (ع) خلال الفترة المقبلة