أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-02-22
![]()
التاريخ: 2024-05-15
![]()
التاريخ: 2024-07-21
![]()
التاريخ: 2024-06-08
![]() |
لقد حاولنا فيما سبق جمع كل ما يمكن جمعه من الآثار والوثائق الخاصة بالأمير «منتومحات» وأسرته المتشعبة الأطراف، والتي تضرب بأعراقها إلى أجيال بعيدة خلت لا تقل على حسب ما وصلت إليه معلوماتنا عن خمسة أجيال مضت.
ولا نزاع في أن «منتومحات» هذا يعد أبرز شخصية سياسية في طيبة في عهد التسلط الكوشي على أرض الكنانة، وكذلك في عهد الاحتلال الآشوري المؤقت لها، هذا، وتدل تماثيل هذا العظيم التي بلغت القمة في الإتقان من حيث الصدق في التعبير على الحجر على أن فن النحت قد وصل غايته في النهضة الجديدة التي قامت في تلك الفترة من تاريخ البلاد، فتماثيله بالنسبة للتماثيل العدة التي ترجع إلى العهد اللوبي تعد بحق من القطع الممتازة الصنع في تماثيل رجل تملأ إهابه العظمة ويظلله الوقار في سن الشيخوخة الفانية، وأكبر دليل على ذلك تمثاله المحفوظ الآن بالمتحف المصري.
وقد فصلنا القول عن أسرة «منتومحات» فيما سبق، وقد أثبتنا أنه من أسرة كان معظم أفرادها موظفين منذ عدة أجيال، وكانت موضع احترام ونفوذ طوال العهد الكوشي في البلاد الذي امتد إلى أكثر من سبعين عامًا، وتنحصر سلسلة نسبه على ما نعلم فيما يلي: فهو «منتومحات» بن «نسبتاح» بن «خامحور» بن «حورسا إزيس» بن «بدي أست» بن «عنخ وننفر» هذا؛ وتدل ألقاب هؤلاء الشخصيات على أنهم كانوا يحملون أرقى الألقاب ويشغلون أهم المناصب، فنعلم مثلًا أن جده «خامحور» كان يحمل لقب وزير ويحتمل أن أخاه «بدي أست» كان كذلك وزيرًا، أما جده الأكبر «حورسا إزيس» فكان فعلًا يشغل منصب وزير.
يضاف إلى ذلك أن عميه «حورسا إزيس» «ونسمين» كانا كذلك وزيرين، وكان والد «منتومحات» نفسه المسمى «نسبتاح» يشغل منصب عمدة المدينة، ومن ثم كان يلقب الوكيل العظيم الذي يسيطر «يدخل» على المدينة، يضاف إلى ذلك أن كلًّا من «خامحور» جد «منتومحات» وعمه الوزير «نسمين» كان يحمل لقب كاتب الجيش، ومن ثم نعلم أنهما كانا قد بدءا حياتيهما في الجيش، ومع ذلك فإن كلًّا منهما كان يحمل لقب كاهن آمون، ولكن على الرغم من ذلك لم يكن واحد منهما يشغل منصبًا من مناصب الكهانة العالية، وكان أول من لقب بالكاهن الرابع لآمون في هذه الأسرة هو «منتومحات»، وتدل شواهد الأحوال على أن هذه الوظيفة كانت من الوظائف الممتازة في الدولة.
ولا جدال في أن أهمية أسرة «منتومحات» لم تكن محصورة فيما يحمله أفرادها من وظائف كهنة لآمون، ولكن كانت أهميتهم في أنهم كانوا موضع ثقة عند ملوك «كوش» في تلك الفترة وبخاصة في إدارة الحكومة الإلهية التي كانت على رأسها المتعبدة الإلهية، ويعد «منتومحات» في مصاف عظماء الأسر الطيبية التي تنسب إلى العهد البوبسطي، والواقع أن من يدرس آثار «منتومحات» هذا يجد من وقت لآخر ما يدهش بالنسبة لمكانته السياسية المتفوقة، وذلك على الرغم من المكانة الدينية المتواضعة التي كان يشغلها وقتئذٍ، ولا نزاع في أن قوة هذا الرجل وعظمته لم تأت عن طريق الوظائف الدينية العالية بل كانت الوظيفة الدينية تعد لقب شرف قد يساعد على الحصول على السلطة الدنيوية، وذلك بتقلد وظيفة كهانة من التي كانت تخلعها الحكومة الدينية على الرجال أصحاب النفوذ على غرار الألقاب الدنيوية مثل لقب الحاكم أو الأمير، وكذلك لقب المشرف على الكهنة التي كان يحملها رجال الإقطاع في العهود القديمة، والواقع أننا نجد أن كلًّا من وظيفة الكاهن الثالث والرابع لآمون كانت وقفًا في تلك الفترة على كبار الموظفين، أما الوظائف الدينية التي كانت فوق ذلك فكانت تمنح لرجال البيت المالك وحسب.
ولا نعلم على وجه التأكيد إذا كان لقب «أعظم الخمسة» وهو لقب كان يحمله الكاهن الأعظم لمدينة الأشمونين بوصفه كاهن الإله «تحوت»، وكذلك لقب الكاهن «ابنه محبوبه» وهو لقب كان يحمله الكاهن الأعظم للإله «حرسفيس» الإله الأعظم لمدينة «أهناسيا المدينة»، وكان يحملهما جده «حورسا إزيس» هما لقبان موروثان في الأسرة أو كانتا وظيفتين حقيقيتين؛ وذلك لأننا نجد أن هاتين الوظيفتين كانتا منفصلتين عن الوظائف الأخرى التي كان يحملها رجال هذه الأسرة ولم يحملها إلا نفر قليل من أفرادها، وتدل شواهد الأحوال على أنهما كانت تمنحان كألقاب شرف عن أعمال عامة يقوم بها الشخص الذي يحملهما، ولا بد أن «حورسا إزيس» هذا كان قد بلغ سن التقاعد عندما أتى إلى مصر «بيعنخي» غازيًا وطرد أتباع «تفنخت» صاحب «سايس» من مصر الوسطى حوالي عام 730ق.م، وكما ذكرنا من قبل كان بعض أفراد أسرة «منتومحات» يشغل وظيفة الوزير في زمن حكم الأسرة الكوشية حتى عهد الملك «تهرقا» وكذلك كان «منتومحات» على غرار والده يشغل وظيفة عمدة العاصمة ثم رقي إلى وظيفة المشرف على الوجه القبلي كله، ويطيب أن نذكر هنا أن عم «منتومحات» كان يشغل وظيفة عمدة المدينة، وهو ابن الوزير «حورسا إزيس» (الذي كان يسمى أحيانًا «بهرر»).
وتدل النقوش التي وجدت على صخور وادي «جاسوس» الواقعة على البحر الأحمر على أن حكومة طيبة الإلهية كانت مستقلة سياسيًّا، يؤكد لنا ذلك الألقاب التي كان يحملها «منتومحات»، فقد كان يلقب الأمير حاكم الصحراء والمشرف على أبواب البلاد الأجنبية، ولا نزاع فيما كان يتمتع به حامل هذين اللقبين من سلطان عظيم، غير أنه لم يكن الوحيد الذي كان يحمل هذه الألقاب؛ إذ نجد أن كبار موظفي الزوجة الإلهية لآمون كانوا يحملون مثل هذه الألقاب، مثال ذلك المدير العظيم لبيت المتعبدة الإلهية المسمى «ببسا» والمدير العظيم لبيت زوجة آمون «بدي حورزسنت» فقد كان كل منهما يحمل لقب المشرف على الوجه القبلي، والأخير منهما كان يحمل لقب حاكم الصحراء في طيبة.
والواقع أن هذه الألقاب كانت ألقاب شرف تُعطى على غرار ما كان متبعًا في العهد الإقطاعي القديم غير أنها أصبحت الآن مليئة بالتزامات جديدة ذات أهمية عظيمة، وقد كان من جراء تمتع «منتومحات» بمثل هذا السلطان الواسع والنفوذ العظيم أن وجدنا أنه في النقوش الخاصة بتاريخ حياته كان يفخر بالإصلاحات العدة التي قام بإنجازها في طيبة وكذلك في معبد الأشمونين، ويلحظ هنا أنه يتحدث أولًا عن الحصول على المواد الثمينة لصنع تماثيل الآلهة المقدسة، وبنوع خاص الأخشاب اللازمة للسفن المقدسة، هذا بالإضافة إلى قطع الأحجار اللازمة لإقامة المعابد المهدمة؛ إذ يقول: «لقد طهرت معابد كل الآلهة في كل مقاطعات الوجه القبلي على حسب تعليمات تطهير المعابد».
وكان من جراء هذه الإصلاحات أن أقيم ما كان قد خرب من معابد في أزمان الاضطرابات والحروب التي وقعت في عهد الآشوريين، وأن من يقرأ ما قام به «منتومحات» من إصلاحات يجد فيه نغمة حكام الإقطاع الأقدمين التي كانت تنطوي على المبالغة، ولكن «منتومحات» كان يتحدث هنا عن أعمال أنجزها دون أية مبالغة، هذا ويلحظ في نقوشه أنه كان حفيد وزير وقائد جيش، وذلك عندما يقول: «لقد جعلت مصر العليا تسير في طريق الإله «أي طريق العدالة» في حين كانت البلاد عقبًا على رأس بسبب عظم المصيبة … بوساطة عظم تفوقي «لسيدي» الذي أتى من «الجنوب». ويقصد بهذا السيد بطبيعة الحال الملك «تهرقا» الذي أتى من جنوب الوادي لطرد الآشوريين، وقد استمر في خدمة إلهه دون انقطاع، كما دخل بيت الإله ورأى ما فيه، ومن ثم ختم كل مقصورة فيه بخاتمه».
وهذه النجدة التي قام بها «تهرقا» ملك «كوش» وهو تحرير مقاطعة «طيبة» من غزو الآشوريين على يد مليكهم «آشور بنيبال» يرجع الفضل الأعظم فيها للأمير «منتومحات» الذي كان يحمل لقب المشرف على كهنة الوجه القبلي والوجه البحري، وهذا اللقب لم يكن قد حمله من قبله إلا القليل من عظماء كهنة «آمون» وبعض كبار الموظفين في عهد الدولة الحديثة مثل الوزراء.
وفضلًا عن ذلك كان يحمل «منتومحات» لقب كاتب ضياع معبد آمون فعلًا، وهذا اللقب كان لقب شرف، فكان مثل لقب الكاهن الرابع لآمون يمنح بمثابة معاش لما قام به حامله من خدمات لمعبد آمون.
ولا نزاع في أن «منتومحات» كان يعمل بوصفه حاكمًا في دائرة طيبة كما كان عظيمًا من عظماء الأسر الطيبية، وهو من دم مصري صريح، وليس لدينا من النقوش والكتابات الخاصة «بمنتومحات» ما يبرهن على أنه كان كوشي الأصل كما ادعى ذلك كل من «دريتون» «وفندييه»، ومن المحتمل أن هذا الخطأ قد جاء عن طريق صورة له في شيخوخته، وهذه الصورة عثر عليها في معبد موت كما ذكرنا من قبل، حقًّا قد وفد إلى مصر بعض الموظفين من الجنوب في عهد ملوك «كوش» وعملوا في خدمة الحكومة الإلهية في عهد المتعبدات الإلهيات، غير أن «منتومحات» لا يعد واحدًا منهم، ويمكننا أن نذكر من بين هؤلاء الكوشيين الحقيقيين الذين وفدوا إلى مصر: (1) ابن تهرقا من صلبه من زوجه الملكية الأولى المسمى نسشو تفنوت وهو الكاهن الثاني لآمون بالكرنك، ومثل هذا الأمير كان غالبًا يشغل وظيفة عالية. (2) وكذلك عمدة المدينة «كلباسكن» وقد كان يحمل لقب الكاهن الرابع وهو زميل للأمير «منتومحات»، يضاف إلى ذلك أنه كان يشغل وظيفة كاهن متقاعد للإلهة «خنسو نفر حتب». (3) وأخيرًا رجل البلاط البدين المسمى «أرجاديجانن»، وقد عثر له على تمثال محفوظ بمتحف القاهرة، وهو يعد من القطع الفنية الممتازة، ولا نزاع في أنه كان يوجد في مصر عدد كبير من الكوشيين في ذلك العهد مختبئين تحت أسماء مصرية، ولكن عددهم على أية حال لم يكن كبيرًا.
ومهما يكن من أمر فإن «وزارنس» آخر زوجات «منتومحات» وهي التي صورت معه على جدران قبره مع ابنها كانت أميرة نوبية، ويحتمل أنها كانت حفيدة الملك «بيعنخي» وأن زواجها من «منتومحات» كان زواجًا سياسيًّا أراده «تهرقا» لما كان يعرفه عن «منتومحات» من مهارة، وبخاصة نفوذه وسلطانه وحسن سياسته في الوجه القبلي بنوع خاص.
أما ما نفهمه من أمر صور «منتومحات» التي كانت في ظاهرها تدل على تقاطيع نوبية فقد ترجع إلى طراز خاص بهذا العصر له نظيره في التاريخ المصري، والواقع أن «منتومحات» كان مصري المَحْتِد يجري في عروقه الدم المصري الخالص كما ذكرنا من قبل، ولكنه وفقًا لسياسة التقرب للملك الكوشي صور نفسه بتقاطيع نوبية تشبه تقاطيع «تهرقا» وقتئذٍ، وذلك على غرار ما فعله عظماء القوم في عهد الفرعون «إخناتون»، فقد رسموا رءوسهم شبيهة برأس الملك «إخناتون» وأسرته، ولا غرابة في ذلك إذا علمنا أن ملوك «كوش» قد قاموا بعصر نهضة جديدة تقلد العهد الفني الماضي الرفيع كما كانت تقلد كل ما هو قديم ينم على العظمة، وإذا رجعنا إلى صور تماثيل أسرة «منتومحات» التي خلفوها وراءهم، وهي التي تحدثنا عنها من قبل نجد أنها كانت كلها تدل على أن أصحابها كانوا من دم مصري خالص وطراز مصري أكيد، وتدل شواهد الأحوال على أن «منتومحات» هو الذي أمر بصنع هذه التماثيل لأسرته التي يرجع تاريخها إلى عدة أجيال، وأنها ليست من صنع أصحابها، والواقع أن مظهرها يدل على أنها من صنع مفتنٍّ واحد بعينه. وقد كان غرض «منتومحات» من ذلك إحياء ذكرى أجداده والتفاخر بما كان لهم من مجد قديم ومكانة رفيعة.
هذا؛ وكان، «منتومحات» صاحب ثروة ضخمة وجاه عريض وسلطان قوي لدرجة أنه كان في عظمته ملكًا ولا ينقصه إلا الاسم، وينم عن ثرائه وعظمته أولًا قبره الضخم الذي خلفه وراءه في جبانة طيبة «بالعساسيف» بجوار الدير البحري، وهذا القبر لم يكشف عنه بعد تمامًا، غير أن ما كشف عنه منه حتى الآن يدل على أنه كان يضارع قبور الملوك في ضخامته، بل يفوقها، ومن الغريب أنه كان يتمثل في أعماله بالملوك، حتى إنه كان أول موظف نقش اسمه على حزامه كما ذكرنا من قبل، ويدل على مقدار ثروته بالنسبة لعظماء الشعب ورجال البلاط ما قدمه للمتعبدة الإلهية «نيتوكريس» عندما وفدت إلى طيبة مقر «منتومحات» لتتسلم وظيفتها، بمثابة دخل ثابت لها، بوصفها زوج الإله آمون، وذلك على حسب ما جاء على لوحة «نيتوكريس» نفسها، فقد منحها «منتومحات» هو وابنه «نسبتاح» وزوجه ما يلزم لها من الخبز «وهو ما يعادل 400 من 600 دبن» وذلك في حين أن الكاهن الأكبر لآمون المسمى «حور أخبيت» والكاهن الثالث «بدي-أمن-نب نستاوي» قد منحاها ما يعادل 100 دبن فقط، ويلحظ أن «منتومحات» لم يقدم شيئًا للزوجة الإلهية «نيتوكريس» من دخل وظيفته بوصفه الكاهن الرابع لآمون؛ إذ كانت وظيفته السياسية في الواقع تغطي على وظائفه الأخرى.
|
|
ما لا تعرفه عن قهوتك.. طريقة تحضيرها تؤثر على صحة قلبك
|
|
|
|
|
الخلايا الشمسية الشفافة.. الحل المستقبلي لإنتاج الطاقة دون المساس بمظهر المباني
|
|
|
|
|
المجمَع العلمي يقيم ختمة قرآنية في جامعتي الكوفة والبيان
|
|
|