أقرأ أيضاً
التاريخ: 27-11-2015
1375
التاريخ: 23-09-2014
1297
التاريخ: 25-11-2014
1166
التاريخ: 27-11-2015
1297
|
إنّ البعض من المصائب التي تُصيب الإنسان عبارة عن عقوبات إلهيّة تصدرُ منه تعالى وفق استحقاق الأفراد ، وهي تخص الأفراد الذين ارتكبوا ذنوباً إما كثيرةً وكبيرةً جدّاً ، بحيث تستوجب العذاب الدنيوي والعذاب الأخروي ، وإمّا طفيفة بحيث تُمحى بالعذاب الدنيوي فقط ، وهو بالواقع نوع من اللطف الإلهي بحق هؤلاء الأفراد.
ويُحتمل أن تكون هناك فاصلة زمنية بين (الذنب) و(العقوبة) لكن العلاقة محفوظة ، وأحياناً أُخرى تنزل العقوبة مباشرة ويكون الحساب سريعاً.
وعلى أيّة حال فإنّه لا يُمكن للمؤمنين والمعتقدين بالعدل الإلهي إنكار وجود هذه المسألة ، وهي تحقُّق العقوبة الإلهيّة الدنيويّة بحق فئة معينة على الأقل ، ولكن يُمكن أن تكون تلك المصيبة بالنسبة للذين يجهلون سببها عجيبة وأليمة.
وصفحات التاريخ تُخبر عن حال الذين ارتكبوا جنايات فجيعة عند الاقتدار ، وكان مصيرهم أنْ هلكوا بعقوبات أليمة ومصائب موجعة ، بحيث لا يكفي كتاب أو عدّة كتب لذكرها بالتفصيل.
وغالباً ما رأينا بأمّ أعيُننا في حياتنا اليوميّة نماذج من هذه المسألة بحيث لا يبقى لنا مجال للشّك في وجود هذه العلاقة والآصرة بصورة إجمالية.
والقرآن المجيد أيضاً علاوةً على إشارته إلى هذه المسألة كأصل كُلّي ، فقد وضع إصبعاً على مواضع خاصّة أيضاً ، وأشار إلى الأقوام الذين ذاقوا أشدّ العذاب كعقوبة دنيويّة ، وإليكم أدناه نماذج من كلا القسمين :
1- {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَريَةً كَانَت آمِنَةً مُّطمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الجُوعِ وَالخَوفِ بِمَا كَانُوا يَصنَعُونَ}. (النحل/ 112)
إنَّ هذه الحادثة سواء كانت تُشير إلى مصير جماعة من بني إسرائيل ، أو الى قوم سبأ ، أو كانت مثلًا عامّاً- وردت كل من هذه الاحتمالات في كلام المفسّرين- فإنّها شاهدٌ حي على موضوع بحثنا ، وتوضح وجود العلاقة فيما بين الذنب وقسم من المصائب.
فلو دخل جماعة مدينةً معينة أثناء إصابتها بالقحط ، والخوف ، والبلاء ، دون أن يعرفوا ماضيها ، لكان من الممكن أن يتعجبّوا ، ويستوحشوا ، ويسألوا أنفسهم قائلين : كيف يُمكن أن تتناسب كل هذه التعاسة والبلاء مع عدالة اللَّه سبحانه ! ؟
ولكنهم عندما يطّلعون على ماضيها يُقرّون بعدالة الجزاء ، وأحياناً يرونَهُ أقل من الإستحقاق.
2- بخصوص (فئات) من الأمم السابقة أُصيبت كل فئةٍ منها بعقوبة معينة بسبب ما ارتكبت من الذنوب.
قال تعالى : {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنهُمْ مَّن أَرْسَلنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهم مَّن أَخَذَتْهُ الصَّيحَةُ وَمِنْهُمْ مَّن خَسَفْنا بِهِ الأَرضَ وَمِنهُم مَّن أَغْرَقنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُم يَظْلِمُونَ}. (العنكبوت/ 40)
ووِفقاً لهذه السنّة فقد أصاب قومَ عادٍ حاصبٌ هدّم منازلهم ، وهلكَ قومُ ثمود بالصاعقة ، وخسفت الأرض بقارون ، وغرِقَ فرعون ووزيره هامان في البحر ، فإنّ هذا البلاء المتنوع لا يُنافي أصل العدل الإلهي فقط ، بل يعتبر عين العدالة لأنّ الجميع كانوا مستحقّين لذلك.
وقد نقلت بعض التفاسير قصّة لطيفة في تفسير ذيل الآية (90/ يونس) بخصوص فرعون تُعدُّ شاهداً حيّاً على موضوع بحثنا ، وهي : دخل جبرائيل عليه السلام على فرعون ذات يومٍ بهيئة إنسان واشتكى إليه قائلًا : يا صاحب الجلالة ! كان لي غلامٌ على سائر عبيدي ، وسلّمته مفاتح كنوزي ، فعاداني وعادى من يُحبّني وأحبَّ أعدائي ، وقربّهم إليه ، فاقض أنت بشأنه وعيّن عقوبته !
فقال فرعون : لو كان هذا غُلامي لأغرقته في البحر !
فقال جبرئيل عليه السلام : اكتب لي هذا الأمر (الحكم) يا صاحب الجلالة (لكي استفيد من خطّك) ، فأمر فرعون بإحضار دواةٍ وقلم وورقٍ فكتب : (إنني أحكم على العبد الذي يتمرّد على مولاه ويكفر بأنعُمِهِ بأن يُقتلَ غرقاً).
(انتهت هذه الحادثة) وعندما أوشك فرعون وجنوده على الغرق في البحر ، ظهر إليه جبرئيل وأراه خَطّهُ وقال له : «هذا ما حكمت بنفسك» (1).
والجدير بالذكر هو أنّه لو كان أحدٌ حاضراً في هذه الأقوام عند نزول البلاء كالعاصفة والصاعقة ، والسيل ، والزلزلة ، من دون أن يعرف شيئاً عن ماضيهم ، ويرى بأُمّ عينيه الدمار الناجم عن السيل وكيفيّة تهدُّم المنازل على رؤوس أصحابها بسبب العواصف ، وكيف تحوّل الصاعقة كُلّ شيءٍ إلى رماد في لحظة واحدة ، لتعجب ودُهِش ولأمكن أن يُشكّك في مسألة العدل الإلهي في عالم الوجود.
ولكن لو اطّلع على الحوادث السابقة وأعمال تلك الأقوام الماضية لزال شكّهُ.
وهذه فلسفة قسم من الآفات والبلايا (وسبب قولنا- قسمٌ- هو وجود فلسفة خاصّة لكل قسم من أقسام البلاء).
3- أشار القرآن الكريم في سورة سبأ إلى قصّة مفصّلة وغنيّة وموقظة بشأن قوم من اليمن ذوي تمدُّنٍ ملحوظ ، وكان هذا التمدُّن ناتجاً عن وجود سدٍّ عظيم مُحْدَثٍ بين الجبال يحصر مياه البراري والجبال ليوزعها بتنظيمٍ دقيق على المزارع والحقول ، فصارت أرضاً خصبةً مليئة بالنعم الإلهيّة (جنّة).
اضافةً إلى ذلك فقد ساد الأمن فيها ، وابتعدت عنها الآفات والبلايا والجفاف والمجاعة والخوف والوحشة ، وحتى قيل : إنّ الحشرات المؤذية قد هجرت تلك الديار أيضاً.
ولكن لم تمض مدّة قليلة حتى أُصيبوا بغرور النعمة وغفلة الرفاه ، فطغوا وكفروا بالنعمة في عدّة جوانب.
قال تعالى في هذا المجال : {فَأَعْرَضُوا فَأَرسَلنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ العَرِمِ وَبَدَّلنَاهُمْ بِجَنَّتَيهِمْ جَنَّتَينِ ذَوَاتَىْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَىءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَينَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَل نُجَازِى إِلَّا الكَفُورَ}. «2» (سبأ/ 16- 17) (2)
العجيب هو ما ورد في بعض الروايات بأنّ مقدّمات انهيار ذلك السدّ الترابي العظيم قد حدثت مُسْبقاً من قِبل الفئران البريّة التي نفذت في السد وأحدثت فيه ثقباً كان يتّسع لحظةً بلحظة على أثر جريان الماء منه.
أجَلْ ، إنَّ سيلًا عظيماً متشكّلًا بالحقيقة من قطرات المطر ، وفعل عدد من الفئران البريّة قد أفنى حضارةً عظيمة ، وأهلك القوم الطغاة المتجبرين.
ومن قبيل هذه الحوادث حوادثٌ كثيرة توضّح علاقة قسم من البلايا مع أعمال الإنسان وعقوبته ، بحيث لو جُمعت لصارت كتاباً عظيماً.
وخلاصة الكلام وَوِفقاً للاستدلالات العقلية والمنطقية ، وآيات قرآنية كثيرة ، ووِفقاً للروايات والتأريخ ، فإنّه لا يُمكن إنكار كون قِسم ملحوظ من المصائب والبلايا النازلة بالظالمين والطواغيت ذات صيغة جزائية ، بالرغم من عدم إدراك الجهلاء والغافلين العلاقة بين العلة والمعلول هذه.
ومُسَلَّماً أنّ اللَّه لم يكن ليظلمهم في مثل هذه الموارد بل كانوا أنفسهم يظلمون ، كما قال تعالى : {ذَلِكَ مِن أَنبَاءِ القُرَى نَقُصُّهُ عَلَيكَ مِنهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ * وَمَا ظَلَمنَاهُمْ وَلَكِن ظَلَمُوا أَنفُسَهُم} (هود/ 100- 101).
_______________________
(1) تفسير روح البيان ، ج 4 ، ص 77.
(2) ورد تفسير هذه الآيآت وشرح هذه القصة في التفسير الامثل ذيل الآية المذكورة من سورة السبأ.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|