أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-1-2017
1951
التاريخ: 2024-07-31
674
التاريخ: 2024-07-14
830
التاريخ: 2024-12-25
325
|
وفي العهد الذي تلا عهد «أخناتون» نجد أن «حور محب» قد لعب دورًا سياسيًّا عظيمًا، وقد كان في عهد حكم «توت عنخ آمون» هو القائد الحقيقي للسياسة الخارجية والسياسة الداخلية معًا، وقد قبض على زمام الحكم في القطرين عدة سنين. «وقد حضر رجال البلاط منحنين أمام باب القصر وأمراء البلاد الأجنبية من الجنوب والشمال قد أَتَوْا بأيديهم مرفوعة مادحين إياه كأنه إله وكل شيء يطلب عمله كان يعمل على حسب أمره». وقد قام «حور محب» بوصفه قائدًا لحملة حربية على بلاد آسيا كما قام برحلة إلى بلاد النوبة. ويلحظ أن المادة الخاصة بالحكم على الحالة السياسية في بلاد النوبة في ذلك الوقت، والفكرة المنطوية في رحلة «حر محب» إلى النوبة هي في الواقع لا تخرج عن كونها فكرة عابرة.
ونستخلص من منظر في مقبرة «حور محب» التي أقامها في «منف» السلطة المهددة الأركان لحكومة مصر في ذلك الوقت وهي التي نشاهدها مُمَثَّلَةً في ممتلكاتها الأسيوية وما أصابها من ارتباك، وهذه المناظر التي عُثِرَ عليها في نقوش هذه المقبرة هي في الواقع إيضاح مفيد لما جاء في خطابات «تل العمارنة» عن سوء الحال في المستعمرات المصرية فنشاهد في هذا المنظر «أناسًا قد أَتَوْا من كل حدب وصوب من آسيويين ولوبيين يتضرعون إلى الفرعون أن يسل سيفه البتار» فكان إذن لزامًا على الملك أن يقبض بجيشه على زمام الأمام وأن يخرج البلاد من الفوضى إلى النظام. وقد ذكرت هنا بلاد «كوش» في جملة مهشمة وذلك في خطاب «حور محب» إلى الموظفين المصريين وهي: «إن بعض الأجانب الذين لا يعرفون كيف ينبغي عليهم أن يعيشوا قد أتوا … الفرعون مثل ما فعل آباء آبائهم … ويوجد لديكم الفرعون ليحرس حدوده … بضوئه … من بداية الجنوب من «كوش» … وكل أرض قد اجْتُثَّتْ مثل هذه ...».
وفضلًا عن ذلك لاحظ الأثري «شيفر» في فقرة المتضرعين للفرعون رسم زنجي وهذا بصرف النظر عن سائس الجواد المصور في هذه الصورة وهو الشخص الذي لم يرسل لحيته. وتدل تقاطيع وجهه على أنه ليس بزنجي وليس فيه من الملامح ما يدل على أنه جنوبي الأصل، إذ لا نجد فيه الميزات التي تميز ابن الجنوب وهو القرط الكبير وأسورة الساعد والريشة التي على الرأس، هذا إلى أن شعره المستعار الذي كان يحليه شريط عريض على الجبهة لا يُعَدُّ بأية حال من الأحوال من الخواص التي يُمَيَّزُ بها النوبي أو الزنجي. وفضلًا عن ذلك فإنه يمكن التعرف عليه صراحة من كمه الطويل الضيق وهو الذي لا يكاد يوجد عند أهل بلاد الجنوب. ويُلَاحَظُ أن النوبي والزنجي يلبسان بوجه عام تلفيعة عريضة فقط على الجزء الأعلى العريان من الجسم أو على ثوب مصري واسع. وقد كان الزي المحبب في ذلك العهد أن يصور المفتن أهل الجنوب بملامح خارجة عن حد المألوف بوصفهم زنوجًا. ونشاهد في ذلك صورة أخرى في نفس المقبرة واضحة الرسم فنجد على قطعتين صفًّا من العبيد جالسين القرفصاء بملامح هزيلة تمثل الزنوج، ولدينا قطعة حجر أخرى يظهر أنها كذلك من مقبرة «حور محب» مثل عليها فرقة من الجنود نجد من بينهم بعض الجنوبيين يظهرون بلباس شعر قصير وملامح زنجية. وأخيرًا لدينا قطعة حجر محفوظة بمتحف اللوفر تُعَدُّ من المناظر المماثلة التي نحن بصددها وهي هامة بوجه خاص، إذ نجد فيها ممثلًا جنبًا لجنب أسيويًّا ولوبيًّا وجنوبيًّا، وهكذا كانوا في الواقع كذلك يمثلون منظر السفراء الأجانب إذا كانوا في الحقيقة يمثلون الأقوام المجاورين لمصر.
والواقع أن شواهد الأحوال لا تدل على أن العلاقات السائدة في الجنوب كانت تشبه التي في الشمال، وكذلك الرأي القائل بأنه كانت توجد اضطرابات في كل مكان على حدود المملكة، وأنه كانت تنبعت أصوات استغاثات من كل جانب لدرجة أن المملكة كانت مهددة عند حدودها الثلاثة أو على الأقل يوجد ما يكدر الصفو، كل ذلك مشكوك فيه من كل الوجوه. وفضلًا عن ذلك فإنه الحالة في البلاد تحدثنا على العكس من ذلك، إذ في عهد «توت عنخ آمون» قد أقيمت بلدة جديدة أو على الأقل أسس معبد في «فرص» وخُصِّصَ لعبادة الفرعون، وقد كان النظام في بلاد النوبة سائدًا، وعلى ذلك فإن رحلة «حور محب» في بلاد النوبة كانت تمليها السياسة الداخلية. على أن المادة اللازمة للحكم على نوع المشروع الذي كان يقوم به في رحلته هذه في تلك البلاد ليست كافية لدينا إلى حد ما، وأهم أثر لدينا عن ذلك هو قطعة نقش من مقبرة «حور محب» نقرأ فيها ما يأتي: «أنه (أي «حور محب») قد أُرْسِلَ بوصفه مبعوث الملك إلى بعد ما يضيئه «آتون» (قرص الشمس) ليعود بعد أن يكون قد انتصر … دون أن تستطيع أية أرض أن تقف أمامه وقد استولى عليها في لحظة عين وحده، واسمه قد استوعب بيقظة … وقد سار (؟) نحو الشمال. وهناك ظهر جلالته على عرش تقديم الجزية، وقد أُحْضِرَتِ الجزية من الجنوب ومن الشمال. وكان يقف بجانبها «حور محب» …» ويعلن «إدوارد مير» اقتراحه بأن هذا النقش خاص بالصورة المفقودة من المنظر الخاص بالغنائم النوبية في هذه المقبرة وأن الصورة التي في مقبرة «حوي» تُنْسَبُ إلى نفس الاحتفال الذي أقيم في مقبرة «حور محب».
ولم يبق لنا من مقبرة «حور محب» في منف إلا القطعة التي نحن بصددها. هذا ويدل متن قطعة الإسكندرية التي من هذه المقبرة على أنه خاص بمنظر كان مصورًا فيه جزية الشمال، ومن المحتمل أن القطعة التي في متحف «بولوني» وهي التي تحدثنا عنها فيما سبق مع صورتها وكذلك قطعة «اللوفر» هما من هذا المنظر. وإذا كان ينبغي علينا أن ننسب منظر تقديم الجزية الذي في مقبرة «حوي» إلى نفس الاحتفال الذي نحن بصدده في مقبرة «حور محب» فإن ذلك بلا نزاع يكون دليلًا على أن المنظر لا يمثل غنيمة حرب جاءت عن طريق موقعة حربية نشبت في بلاد النوبة، وذلك أنه لم يُذْكَرْ قط في مقبرة نائب الملك «حوي» أي حرب أو عصيان قام في بلاد النوبة، بل على العكس نجد في صورة أخرى جمع الضرائب في هدوء وسكينة. وكذلك لا تمت قطعة «الإسكندرية» إلى غنيمة حرب بسبب بل هي خاصة بجزية كما يدل على ذلك مدلول الألفاظ المصرية القديمة التي وردت عليها، ولا بد لقيام حملة حربية حقيقية من أن يكون سببها قيام ثورة ثم القضاء عليها والمادة التي لدينا ليس فيها ما يشير إلى ذلك في السودان في عهد قيادة «حور محب».
يضاف إلى ذلك أن المنظر الذي على صندوق الملك «توت عنخ آمون» الذي نشاهد فيه هذا الملك في عربة حربية مع طائفة من الجنود الزنوج مجدَّلين لا يدل في الواقع على موقعة حربية حقيقية لها علاقة بجملة قام بها القائد «حور محب» في بلاد النوبة. وأخيرًا فإن العبارة التي جاءت في لوحة «الكرنك» وهي: «لقد ملأ بيوت أعماله بالعبيد والإماء وبالجزية من غنائم سيف جلالته». قد اسْتُعْمِلَتْ جملة تقليدية وليس لها بأية حال من الأحوال علاقة بمشروع حربي نوبي.
والأجدر إذن أن تكون هذه الرحلة التي قام بها «حور محب» المدير لأمور الدولة رحلة تفتيش في بلاد النوبة ليطمئن على إخلاص موظفيه في عملهم في بلاد النوبة والواقع أن بلاد النوبة بثروتها الغنية كانت تلعب دورًا هامًّا في سياسة مصر الداخلية وبخاصة في الأوقات المضطربة إذا كانت في أوقات الحرب مليئة بالأحزاب الكبيرة، فإذا كان نائب الملك وموظفوه وكذلك السيطرة على موارد المواد الغفل في الجنوب وبخاصة مناجم الذهب العظيمة في يد الفرعون فإن ذلك يكون سببًا في الانتصار على عناصر الدسائس في سياسة البلاد الداخلية والقبض على زمام الموقف كما سنرى ذلك بعد.
ولما اعتلى «حور محب» عرش البلاد قام بحملة حربية على بلاد «كوش» وهنا كذلك لا نعلم شيئًا على وجه التقريب عن هذه الحملة، ومن المحتمل أن هذه لم تكن إلا مجرد مظاهرة قام بها رجل أعلن نفسه ملكًا على البلاد ولم يكن لديه سند شرعي يَدَّعِي به تَوَلِّي الملك، وقد صُوِّرَتْ عودته إلى البلاد المصرية على صخور «السلسلة» فنشاهد أمام الملك الذي كان محمولًا في محفة يسير خلفه الأسرى النوبيون والجنود المصريون وفي النقوش التابعة لهذا المنظر أن جلالته يعود من بلاد «كوش» بالغنائم التي أحرزها سيفه كما أمر به والده «آمون». وكذلك نجد أن الموقعة هنا قد مُثِّلَتْ غير أن الصور قد هُشِّمَتْ لدرجة أنه لم يكن التعرف على كيفية تأليفها، ومن المحتمل أنها كانت على غرار تلك الموقعة التي شاهدناها مصورة على جدران عربة «تحتمس الرابع». ونجد بعض التفاصيل ثانية في الصور التي مُثِّلَتْ فيما بعد في عهد «رعمسيس الثاني» و«رعمسيس الثالث»، وهذا هو الأثر الوحيد الذي لدينا نتخذه دليلًا على حملة الملك هذه، وعلى ذلك فإنه لا يمكن أن نحكم حكمًا صحيحًا أكيدًا على أهمية هذه الحملة وما لها من قيمة سياسية.
وكذلك ليس لدينا معلومات عن الحملات الحربية التي قام بها الملوك الذين خلفوه من عهد الرعامسة. فنجد في رسوم المناظر الكبيرة في النقوش المملوءة بالعبارات البراقة الأعمال الحربية التي قام بها الفرعون، ولكن لا نكاد نجد مع كل ذلك ذكر تاريخ محدد أو مكان معين، بل كل ما نجده هو ذكر بلاد دون أن يقال عنها شيء. وقد كانت العادة عند الفراعنة أن يُمَثَّلَ الفرعون منتصرًا على أهالي الجنوب، وأن النوبي مهزوم وقراه مُخَرَّبَةٌ دون أن تقوم على وجه عام حملة حربية عظيمة على ما يظهر نحو الجنوب. والواقع إذن أن المعلومات التي نستقيها من هذه المناظر تكاد تكون لا شيء، ومع ذلك فإننا سنلقي نظرة خاطفة على ما لدينا من مادة عُثِرَ عليها في هذا العهد.
|
|
العمل من المنزل أو المكتب؟.. دراسة تكشف أيهما الأفضل لصحتك
|
|
|
|
|
عناكب المريخ.. ناسا ترصد ظاهرة غريبة
|
|
|
|
|
استقطاب المرضى الأجانب.. رؤية وخطط مستقبلية للعتبة الحسينية في مجال الصحة داخل العراق
|
|
|