أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-04-08
1305
التاريخ: 14-10-2017
2161
التاريخ: 1-10-2021
2561
التاريخ: 5/10/2022
1736
|
هناك ثلاث مجموعات من الأطفال مبعدين عن بيوتهم ويحتاجون إلى رعاية صحية عقلية خاصة:
(أ) أولئك الذين يقاسون من عجز صحي عقلي وأبعدهم المندوبون القضائيون أو الطبيون أو الاجتماعيون عن بيوتهم، إما لعلاجهم وإما لمنع أذاهم عن غيرهم من الناس. وقد يكون هذا العجز، وقد لا يكون، نتيجة لسوء الأحوال المنزلية.
(ب) أولئك الذين يرجع اعتلال صحتهم العقلية إلى تجاربهم في المؤسسات وبيوت التربية.
(ج) أولئك الذين يرجع اعتلالهم إلى تجارب غير موفقة في بيوتهم كانت سببا في وضعهم تحت الرعاية، ومثال ذلك: القسوة والبيوت المنهارة والإهمال العاطفي.
وتتكون المجموعتان الأولى والثالثة - كما سيتضح - من حالات متشابهة جدا ينظر إليها من وجهتي نظر مختلفتين. ويتوقف القسم الذي توضع فيه على درجة تأكدنا بصفة خاصة من سوء تنشئة الطفل أو من عدم ملاءمة البيت.
ولقد لوحظ من قبل أن الباحثين كانوا في السنوات الأولى من حركة توجيه الأطفال، على استعداد لإبعادهم عن بيوتهم بكل بساطة حتى أصبحت الحركة كلها سيئة السمعة في بعض الجهات بسبب هذا الخطأ، ولكن هذه الطرق قد تغيرت الآن. فكثير من قادة الباحثين في الوقت الحاضر يعتبرون الإبعاد ملجأ أخيرا واعترافا بالفشل، لأن الإبعاد لا يستطيع إطلاقا حل مشكلة الصراع العاطفي الكامن. ونتائج هذه السياسة في أغلب الأحيان هي إخفاء المشكلة الحقيقية وخلق مشاكل جديدة. وعلاوة على ذلك فالنتيجتان المحتملتان فقط هما: إما تهيئة رعاية طويلة الأجل، معلوم أنها صعبة وكثيرة النفقات، وإما أن يعاد الطفل عاجلا أو آجلا إلى الظروف التي انتشل عنها. وكثيرا ما ترفض بواعث الإقامة الطويلة أمام الإغراء باستخدام طريقة أقصر وأسهل نسبيا. ولكن إذا كان لدى الباحث الاجتماعي، أو لدى الطبيب أو رجل القانون خطة مدروسة عن الطفل، فلا مانع من إبعاده عن بيته من أجل صالحه الخاص، وبدون مثل هذه الخطة يكون إبعاده مجرد خلق طفل محروم آخر.
ولكن حتى لو اتخذت احتياطات جمة عند إبعاد الأطفال عن بيوتهم، وحتى لو استخدمت وسائل أفضل لحمايتهم من أن يصبحوا غير أسوياء، فان الحاجة إلى رعاية الأطفال ممن يعانون من سوء التكيف بعيدا عن بيوتهم ستبقى لعدة سنوات قادمة.
ومع أن كثيرا ممن تكون مشاكلهم أقل وضوحا، وحتى بعض المنحرفين، يمكن تدبير أمرهم في بيوت التربية، فإن من الأمور المتفق عليها أنه يجب أولا معاونة أغلبية الأطفال الأكثر ميلا إلى الاعتداء والأطفال المنحرفين، على أن يتكيفوا تكيفاً اجتماعيا أفضل. فكيف يتم ذلك وفي أي الأحوال؟
إذا أريد تموين جميع الأطفال من مختلف الأعمار المصابين بمختلف العلل. فمن الضروري أن تزود مساكنهم بلوازم معيشة متنوعة، ولن يفعل هذا الكتاب أكثر من شرح بعض مبادئ عامة معينة لكي تتبع عند التعامل مع الأطفال في سن السادسة وما فوقها منها:
أولا: تطبق بوجه عام جميع شروط المؤسسات السابق وصفها. فيجب أن يقسم الأطفال إلى مجموعات صغيرة يحسن أن تقيم في بيوت منفصلة أو في طوابق مع المشرفة أو المشرف على البيت. وتجمع هذه البيوت في بعض الأحيان في شكل قرية، وفي أحيان أخرى توزع على مساحة محدودة، ولكل نظام مزاياه. فالميزة الرئيسية للتوزيع أن كل نزل أو بيت يمكن أن يسير وفق طريقة حياته الخاصة ووفقا لشخصية المشرف على البيت وبدون مقارنات خرقاء يجريها الأطفال.
وفيما يختص باختلاط الجنسين واختلاف الأعمار فإن فروقا ضخمة تظهر عند التطبيق. هناك اتجاه في حالات الأطفال غير الأسوياء إلى فصل الأطفال الأصغر سنا عن المراهقين، وإلى فصل الجنسين متى وصلا إلى سن المراهقة. وقد لا يوافق الكثيرون على هذا التقسيم، ولكن الجميع متفقون على أن يكون حجم المجموعة صغيرا، وأفضل حجم يتوقف إلى حد كبير على سن الأطفال الذين أعد لهم الإيواء.. والمبدأ السليم أن يقل العدد كلما صغر السن. وعلى أي حال فإن الفنيين المختصين يوصون بألا يزيد العدد على ستة عشر طفلا في البيت، حتى في حالة المراهقين. ولا يمكن الموافقة على ما اقترحته وزارة الصحة البريطانية من أن يكون الحد الأقصى خمسة وعشرين على أساس تجربتها في النزل التي أعدت زمن الحرب للأطفال المشكلين، لأن مثل هذا العدد كبير جدا في حالة وضع نظام علاجي، ما لم تقسم بطبيعة الحال إلى مجموعات فرعية لكل منها مشرف خاص.
ويجب أن يظل الأطفال غير الأسوياء، مثلهم في ذلك مثل الأسوياء، على اتصال بآبائهم سواء بزيارة الآباء لهم، أو بقيامهم هم بإجازة لزيارة بيوتهم، وعلاوة على ذلك فهناك نفس الحاجة إلى بحث الحالة مع الآباء ـ وهذه حاجة يسهل جدا إهمالها - وإلى التفكير في وضع خطة واضحة طويلة الأجل يحب أن يساهم الطفل ووالداه في وضعها.
ولضرورة العمل بدقة مع كل من الوالد والطفل يجب أن تكون الأماكن التي يؤخذ منها الأطفال على أبعاد معقولة من مراكز العلاج، وهذا يعني أنه يجب أن تنتشر أمثال هذه المراكز على نطاق واسع في المجتمع.
وهناك اتفاق عام على أن نجاح أو فشل المراكز يتوقف على شخصية المشرفين على البيوت. وها هي ذي بعض كلمات حكيمة عن اختيارهم.
(إننا نرى أن التدريب والخبرة لا تهم كثيرا إذا قورنت بالقدرة على استيعاب الخبرات والتصرف بطريقة تلقائية أصيلة إزاء الأحداث وفي المعاملات، ولذلك أعظم الأهمية، لأن أولئك الذين يثقون بأنفسهم إلى درجة كافية، والذين يعملون بطريقة طبيعية هم الذين يمكنهم العمل بثبات يوما بعد يوم. وعلاوة على ذلك فإن المشرفين على هذه المنازل يواجهون تجارب قاسية مع الأطفال المقيمين بها. والواثقون من أنفسهم هم وحدهم الذين يستطيعون أن يتحملوا هذا الجهد)
ومع أن كاتبي هذه الكلمات، وكذلك وزارة الصحة البريطانية، قد مالوا إلى اعتبار التدريب السابق والخبرة ذات أهمية ثانوية، فإن ذلك يرجع إلى أنه لم يكن هناك حتى ذلك الوقت تدريب له نفع كبير فيما كان يتم من عمل، أما وقد عرف أنه من الواجب تكوين علاقات إنسانية بارعة مع الأطفال الذين كانوا قد عجزوا عن ذلك عجزا شديدا، فقد أصبحت الحاجة ماسة إلى تدريب المشرفين على البيوت عمليا ونظريا على الإلمام بسيكولوجية العلاقات الإنسانية وعلى تنشئة الأطفال، ويجب أن يصبح هذا العمل حرفة بكل تأكيد مثلما أصبح التمريض حرفة، ويجب أن يصبح جميع العاملين ملمين تماما بمبادئ الصحة العقلية وتطبيقاتها. فبمثل هذا التدريب يمكن ان يتوقع منهم التسامح والصبر إزاء السمات الثلاث التي يجب أن يتفهمها الجميع وهي: العداء، والحزن، والسلوك الطفولي، وان يكتسبوا مهارة في معالجتها. ولا يجوز أن يلم المشرفون على النزل بهذه الأشياء فقط، بل يجب أن يعلموا العاملين بالنزل شيئاً عنها، طالما أنه من الواجب على أفراد كل مجموعة صغيرة أن يتبعوا مبادئ متشابهة، وطالما أن علاقات الأطفال بهؤلاء العاملين على أعظم درجة من الأهمية.
وفيما يلي وصف لحاجة الأطفال إلى اختبار العاملين بالنزل لمعرفة ما إذا كانوا حقيقة. طيبين وقادرين على تحمل ومعالجة ميلهم إلى الاعتداء والجشع: (إن كل طفل تبعا لدرجة إرتيابه، وتبعا لدرجة قنوطه فيما يتعلق بحرمانه من بيته ـ وفي بعض الأحيان تبعا لعلمه بانحرافات ذلك البيت عندما كان قائما ـ يأخذ في اختبار العاملين بالنزل كما لو كان يختبر والديه. وهو يفعل ذلك بطريق مباشر في بعض الأحيان، إلا أنه يقتنع في معظم الأحيان بأن يدع طفلا آخر يفعل ذلك من أجله. والشيء الهام في هذا الاختبار أنه ليس أمرا يمكن إنجازه والاكتفاء به، لأن شخصا ما يكون دائما مصدرا للقلق. وغالبا ما يقول أحد العاملين: ـ كان يمكن أن نكون على ما يرام لو لم يكن تومي موجودا... ـ ولكن الواقع هو أن الآخرين يستطيعون فقط الموافقة على أنهم على ما يرام عندما يكون تومي قائما بدور الإزعاج، إذ يثبت ذلك لهم أن البيت يمكن أن يتحمل اختبار نومي، وان بيوتهم تبعا لذلك يمكن أن تتحمل اختباراتهم لظروفها).
وبسبب هذا النوع من السلوك، وبسبب العلاقات الشخصية القوية الضرورية، من المعلوم في كل مكان أنه يجب أن يعطى المشرفون على البيوت فرصة قبول الطفل أو رفضه، إذ لا يمكن أن تتوافر العلاقات الشخصية القوية مع الصبر على السلوك الشديد الشراسة لدى كل الناس. وفضلا عن ذلك، فإن كل زوج من المشرفين على البيوت سيجد أن تناول نوع معين من المشكلات أيسر من تناول نوع آخر. ولهذا فمن الأفضل كثيراً اتباع سياسة تكوين مجموعات من النزل تختلف كل منهما عن الأخرى اختلافاً بسيطاً.
ولقد كتب الكثير عن النظم المتبعة في مراكز علاج من هذا النوع. ويتفق الجميع على أن تكون الطرق المتبعة غير رسمية وحرة نسبياً. وقائمة بصفة أساسية على العلاقات الشخصية الوثيقة بين الأطفال والكبار، وذلك بدلا من الأوامر المفروضة ومن العقاب. وغالباً ما تثبت فائدة الأسلوب الديموقراطي الذي يقوم فيه الأطفال بدور في إدارة شئونهم. ولكن يجب ألا يظن أن هذا الأسلوب كاف في حد ذاته في الوقت الذي يلزم فيه وضع عديد من الحدود لهذا الأسلوب، فأولا، لا يمكن فرض تطور الحكم الذاتي، بل يجب أن يتم خطوة فخطوة بمساعدة راشدين بارعين في الأعمال الجماعية.
وثانياً، لا يستطيع الأطفال دون سن الحادية عشرة إدارة الحكم الذاتي ماعدا الأمور الصغيرة، وينبغي ألا يعرضوا للجهد والتشويش الذي يحتمل أن يحل بهم إذا قاموا بهذه المحاولة. وربما يمكن اتباع هذا النظام على نطاق واسع في مجموعة يكون بين أعضائها أطفال يتجاوز عمرهم الرابعة عشرة.
وثالثاً، ليس لدى الأطفال الذين حرموا في طفولتهم المبكرة من الخيرات المنزلية الضرورية ما يمكنهم من المساهمة في الحكم الذاتي. فالحكم الذاتي إذا ليس علاجاً عاماً، ولو أنه ذو قيمة كبيرة إذا طبق بطريقة ملائمة.
وفيما يختص بالتعليم، فإنه من المرغوب فيه أن يذهب الأطفال إلى المدارس المحلية العادية كلما أمكن ذلك. ولكن يجب أن يراعى أن كثيرين منهم عاجزون عاطفياً عن الاستفادة من هذا النظام المدرسي أو التكيف وفقاً له. وفي هذه الحالات يجب أن يعلم الأطفال في مساكنهم. ويمكن أن يتم هذا بسهولة لو جمعت المراكز أو النزل في شكل قرية أكثر مما لو كانت متناثرة.
وهذا الأمر، كما في الأمور الأخرى، يحتاج إلى قدر كاف من المرونة. وليس من المستحسن أن يفصل الجهاز الإداري الصارم بين المدارس والنزل.
العلاج
لقد قيل الكثير عن النتائج العامة لرعاية الأطفال غير الأسوياء فوق سن السادسة أو السابعة الذين يوضعون في مجموعات. فماذا عن العلاج؟ إن له ثلاثة وجوه:
(أ) الانتفاع بالمجموعة كلها كمجموعة في علاج الأطفال.
(ب) إيجاد علاقة خاصة بين الطفل وبين عضو من أعضاء هيئة الإشراف.
(ج) تهيئة علاج نفسي فردي أو توجيه.
ولقد كتب المهتمون بتطوير نظام الحكم الذاتي كثيراً عن الوجه الأول، الذي له قيمة خاصة بالنسبة إلى المراهقين الذين لا يعانون من اضطرابات شديدة. وهناك مظهر مختلف لأهمية المجموعة يتمثل في الطريقة التي يستطيع بها الأطفال الآخرون بسلوكهم إزاء الطفل القادم الجديد، أن يساعدوه على التبصر في سلوكه وفي نزواته. فالطفل لا يثق غالباً بكل ما يقال، ولكن إلمامه بما يحدث فعلا داخل المجموعة هو الذي يهي له الخلاص مما هو فيه.
ومن المحتمل أن يقوم ثمة اتفاق عام على أن العلاقة بالأطفال مهما كانت ناجعة، فإن العلاقة بالكبار هي التي تحمل العبء الأكبر في العلاج. ويحبذ بعض الإخصائيين أن يقوم المشرف على البيت بالعلاج، بينما يفضل آخرون - ويحتمل أن يكونوا الأغلبية - أن يقوم بهذا العمل إخصائيون مختلفون. وفى الحالة الأخيرة يوكل العلاج عادة إلى الإخصائية الاجتماعية التي تولت بحث الحالة من البداية، والتي استطاعت بذلك أن تكون علاقات بكل من الطفل ووالديه، فهي التي يمكنها أن تقدم مساعدة الطفل قبل أن يترك منزله، وأن تواصل العلاج بعد أن يكون قد عاد إليه. وهذه خطة لا يستطيع المشرف على البيت على الأرجح أن يتابعها. وبذلك يكون لعمل الإخصائية الاجتماعية أهمية كبرى في استمرار العلاج.
ويكثر الجدل في الأوساط الطبية في كافة الدول حول إسناد العلاج إلى عاملين ليست لديهم خبرة طبية. ومع أنها مازالت توالي النقد إلا أنه يمكن أن يقال باطمئنان إنها بدأت تتريث. فأطباء الصحة العقلية الذين لهم خبرة في العمل في هذا المجال، إلى جانب الإخصائيين الاجتماعيين والنفسيين، يكادون يجمعون على تقدير عملهم، وإن كانوا يؤكدون أنهم في حاجة إلى التدريب، وإلى العمل في زمالة وثيقة مع طبيب مدرب ذي خبرة في العلاج النفسي.
ويمكن أن تتنوع العلاقة بين الطفل وبين الشخص المعالج، وبينه وبين المشرفة على المنزل تبعاً لنوع السلوك المنحرف سواء كان من نوع الابتعاد ورفض الاتصال أو العداء أو التعلق بالأعمال الطفولية وبكل ما يتصل بها، والابتعاد ورفض الاتصال أشد الثلاثة خطورة، والتعلق بالأعمال الطفولية أدعاها للأمل، لأن الحاجة الأساسية التي كانت قد كبتت نتيجة الإحباط في شدة الاعتماد على الأم والحاجه إلى البقاء معها دائماً، وباختصار في الحاجة إلى الأمومة، فإذا استطاع الطفل أن يثق بأم بديلة بدرجة تكفي للسماح له بأن يقضي إليها باحتياجاته وأن يعود إلى العلاقة الطفلية. فإن خطوة كبيرة تكون قد اتخذت، وإن كان ذلك قد يبدو محزناً في نظر غير المختصين من أهل الخبرة. وقد شرح خبيران بريطانيان كانا مسئولين عن نزل الأطفال الشرسين الذين جلوا عن بيوتهم في أثناء الحرب، القصد من هذا العلاج بقولها: (في أغلب الحالات لم تكن للأطفال الذين يصعب إيواؤهم بيوت مرضية، أو كانوا قد مارسوا الحياة في منزل منهار، أو أنهم قبيل الإجلاء مباشرة كانوا قد تحملوا عبء الحياة في بيت معرض لخطر الانهيار. ولذلك لم يكونوا في حاجة إلى بديل لبيوتهم بقدر ما كانوا يحتاجون إلى الخبرات المنزلية الأولية المرضية. والمقصود بخبرات المنزل الأولية هو خبرات البيئة الصالحة لسد احتياجات الرضع وصغار الأطفال، التي بدونها لا يمكن أن توضع أسس الصحة العقلية. وبدون شخص ما مدرك لاحتياجات الطفل بصفة خاصة فإنه لا يستطيع أن يكون علاقات فعالة تربطه بحقيقة العالم الخارجي، وبدون شخص ما يشبع ميوله الفطرية بدرجة كافية فأنه لا يستطيع أن يعرف كيانه الجسدي ولا أن ينمو كشخصية متكاملة، وبدون شخص واحد يحبه ويكرهه فإنه لا يستطيع أن يدرك أن الشخص الذي يحبه هو نفسه الذي يكرهه، وبهذا يعرف معنى الشعور بالذنب، ومعنى الرغبة في إصلاح الخطأ والعودة إلى الصواب. وبدون بيئة اجتماعية ومادية محددة يستطيع أن يدركها لا يمكنه أن يكشف مقدار ما لا تستطيع ميوله العدوانية أن تحطمه فعلا، ومن ثم لا يستطيع أن يفرق بين الوهم والواقع. وبدون أب وأم يعيشان معاً ويتحملان مسئولية مشتركة إزاءه، لا يستطيع أن يجد أو أن يعبر عن الدافع له إلى الانفصال عنهما، ولا أن يتذوق طعم الراحة إذا فشل في أن يفعل ذلك. فالنمو العاطفي في السنوات الأولى معقد ولا يمكن التغاضي عنه، وكل طفل يحتاج حاجة مطلقة إلى درجة معينة من الوسط المناسب إذا أريد له أن يمارس المراحل الأولى الأساسية من نموه).
وتتاح للأطفال في سكا Ska بالسويد فرص ممارسة سلوك طفولي مفرط يشمل تناول كل غذائهم عن طريق زجاجة الرضاع. وقد وصف بعض المراقبين الأمريكيين فمس هذا الإجراء المسموح به مع نفس النتائج المشجعة، وعرضوا بشيء من التفصيل تاريخ حياة طفلين حرما حرماناً شديداً في طفولتهما المبكرة، عادا إلى سلوكهما الطفولي قبل أن تتحسن حالتهما. وذكروا أن ولداً واحداً من عشرة أولاد ممن تربوا في مؤسسات مختلفة، وكانوا قد حاولوا الانتحار، بدأ بعد بضعة أسابيع يتصرف مع ربة البيت تصرف الطفل الصغير: (وبلغة صغار الأطفال كان يطلق عليها أمه قائلا: ـ ماما تغسل يدي وتحضر لي جوارب نظيفة ـ وكان يطلب منها أن تلبسه ملابسه وأن تطعمه بالملعقة. وكان مسموحاً له أن يمارس هذه العلاقة البدائية بين الطفل والكبار. وبعد مضى شهرين توقف تلقائياً حديثه الطفولي، كما عدل عن رغبته في الإطعام بالملعقة، وبدت مظاهر جديدة في علاقته بالمشرفة على البيت ـ وبعد ذلك ارتد مرة أخرى بصفة مؤقتة، وفي هذه المرة أكتشف زجاجة الرضاع وأطم نفسه منها، وخطة السماح للأطفال بالأعمال الطفولية لإعادة تنمية علاقاتهم الأولية على أسس جديدة أفضل، تحتاج إلى وقت حتى أن البقاء في مراكز العلاج قد يستغرق سنوات لا شهورا. وهذا يبين مرة أخرى الحاجة الملحة إلى منع هذه الحالات من أن تتطور.
وأخيراً يجب إدراك المشكلة الكبرى، وهي مشكلة التعامل مع الأطفال ممن يعانون سوء التكيف بدرجة خطيرة فيما بين الثالثة والسادسة من أعمارهم، الذين لا يمكنهم البقاء في بيوتهم. فالرعاية الجماعية غير ملائمة لهم بشكل واضح. والحل هو تهيئة مجموعات من البيوت الصغيرة حيث تستطيع ربات بيوت ماهرات متخصصات أن ترعاهم في أسر صغيرة مكونة من طفل أو من طفلين، في الوقت الذي يكونون فيه تحت العلاج. وهذا أمر كثير النفقات بشكل لا يمكن تجنبه، ولكن عائد المال الذي ينفق على العلاج في هذه السنين المبكرة أكثر منه في أية سن أخرى لدرجة أنه يكاد يكون من المؤكد أنه أحكم وسائل الاستثمار والتطور مطلوب في هذا الميدان، والمأمول أن يروق ذلك المعاهد والمؤسسات التي يسمح وضعها بتنفيذه.
|
|
هذه العلامة.. دليل على أخطر الأمراض النفسية
|
|
|
|
|
بالفيديو: بعثة الإغاثة الطبية التابعة للعتبة الحسينية في لبنان تقدم لاهالي صيدا المساعدات الطبية
|
|
|