الابعاد الاستراتيجية لعملية اعادة التدوير 

يقصد بالابعاد الاستراتيجية هنا هو حجم التأثير الايجابي الذي يمكن أن تخلقه عملية اعادة التدوير في الاطراف ذات العلاقة بها. وتأسيساً على ما تم تناوله سابقاً من جوانب مختلفة لعملية اعادة التدوير، فأن الأمر يتضح بأنها ترتبط بأطراف تكاد تنحصر في حدود متغيرات البيئة العامة وبيئة المشروع (منظمة الاعمال) ويمكن توضيح الابعاد الاستراتيجية الرئيسة المتحققة من عملية اعادة التدوير بالاتي :- 

1- توفير في الطاقة Provision of Energy

استثمار الشركات في مشاريع اعادة التدوير يعني بحقيقته استثمار في الطاقة لكونها توفر الوقت والكلفة والجهد في اعداد المواد اللازمة لعملية الانتاج الخام. ولكن عندما تأتي المواد المعاد تدويرها كبديل عن المواد الخام وباختلاف نسبتها الى كمية المواد بالمنتج الجديد، فأنها تعني تخفيض وتوفير الطاقة ويتضح ذلك بالامثلة التالية :          ( 158.Makower, 2009,p )

ــ ثلثي صناعة الحديد في الولايات المتحدة الامريكية تأتي من خلال اعادة التدوير للحديد المستعمل، وهذا من شأنه ان يوفر 74% من استهلاك الطاقة.

ــ في صناعة الالمنيوم يتم تخفيض 96% من استهلاك الطاقة عن طريق استخدام المواد المعاد تدويرها.

ــ في صناعة البلاستيك يخفض استخدام الطاقة بمقدار 80%.
ــ في صناعة الورق يتم الاعتماد على 51 %من المواد المتولدة عن الورق المعاد، وهذا من شأنه أن يوفر ما مقداره 36% من الطاقة.

هذا من جانب في توفير الطاقة للمصنع وما يترتب عليها من تخفيض في تكاليف استهلاك الطاقة. ولكن في الجانب الآخر فأن التخفيض في الطاقة سينعكس ايجابياً على تقليص حجم التلوث البيئي جراء القسوة في عمليات التسخين لصهر المعادن وانجاز عمليات التصنيع. فضلاً عن الاستهلاك المفرط للأوكسجين النقي في الجو وبما يؤثر على سلامة البيئة الطبيعية وتلوث الهواء، على الرغم من وجود التوازن البيئي الطبيعي في مكونات تركيبة الهواء وفي اعادة الاوكسجين المستهلك من جراء ذلك.

2 ـ الحفاظ على الموارد الطبيعية Conservation of Natural Resource

من الواضح تماماً بأن الكثير من الصناعات المختلفة تقوم على اساس الموارد الطبيعية المتاحة في البيئة، وهذا يعني بان هذا الموارد سوف تتعرض الى النضوب في زمن قادم من جراء الاتساع الكبير في الصناعة وحجم الانتاج الذي قد يفيض عن الحاجة الفعلية للسكان. ومن أبرز الشواهد الصناعية على ذلك هو صناعة الورق، حيث ان تدوير طن من الورق التالف يمكن ان يحمي (17) شجرة كبيرة من القطع، وتوفير (7000) غالون من الماء. ) وهذا يعني بان موارد البيئة الطبيعية سوف تستهلك وتنتهي اجلاً ام عاجلاً أن لم يتم اعادة تدوير ما تم استخدامه من تلك الموارد لكي لا يتم استنفاد المتبقي منها.

ويظهر الخطر بشكلي جلي في الاستهلاك الكبير للنفط ومشتقاته لكون هذه المادة اصلاً قابلة للنفاد ولا يمكن أن تستمر لاجيال بعيدة، ومن هنا بدأت الحاجة إلى البحث عن طاقة بديلة وتسمى الطاقة النظيفة والمنتجة من قوة الرياح أو الشمس على الرغم من الارتفاع في كلف الاستثمار فيها وكلف التجريب الا ان ذلك يصب في خدمة الحفاظ على الموارد الطبيعية من النضوب.

ويمكن أعطاء مثل توضيحي آخر للحفاظ على الموارد الطبيعية يتمثل في نموذج صناعة الزجاج. حيث أن اعادة تدوير (1) طن من الزجاج التالف يمكن أن يوفر نصف طن من المواد الخام الطبيعية اللازمة لتصنيع زجاج جديد وهذه المواد تتمثل بالرمل والحجر الجيري والصودا.. الخ ، وفضلاً عن الطاقة الحرارية اللازمة لعملية التصنيع وما تحتاجه من مصادر لتوليد هذه الطاقة. علماً بأن الزجاج المعاد تدويره يكون آمن وسالم عند اعادة الاستخدام، ويأخذ نفس الخواص والسمات للزجاج الجديد.

3- حماية البيئة Environmental protection

يعتبر بحق احد الابعاد الاستراتيجية الاساسية لاعادة التدوير لكونها ترتبط أساسا بجوهر مفهوم التسويق الاخضر. ويكمن قيمة هذا البعد في العمل على تقليل التأثيرات السالبة التي يمكن أن تحدثها المواد اذا ما تركت سائبة في الطبيعة أو جرى دفنها من دون معالجة لها حيث تتسرب المواد الخطرة التي تحتويها الاجهزة والمعدات الكهربائية المنزلية وغير المنزلية والسيارات والمكائن اذا ما دفنت في الأرض أو تم رميها بشكل عشوائي، فأنها من الممكن أن تتسرب الى المياه السطحية أو الجوفية والتي قد تصل الى مواقع الشرب للإنسان أو الحيوانات أو حتى للنباتات. وهذا بحد ذاته يمكن أن يحدث التلوث في التربة والمياه وانعكاس ذلك على الطبيعة والإنسان (40.Croston, 2009,p) ولكن من خلال اعتماد الاسس العلمية في عملية التدوير سوف يمكن القضاء على هذه المخاطر وبنسبة كبيرة جداً.

وللاشارة رقمياً إلى هذا الأمر ومخاطره فأن الاحصاءات تشير إلى أن معدل النفايات اليومية للشخص الواحد في امريكا وأوربا في عام 1960 كانت (2.68) باوند. اما في عام 2008 فقد بلغت (4.60) ،باوند، ومعنى ذلك أنها زادت بمقدار 70% وهو يعني ايضاً زيادة في التلوث البيئي. لذلك فقد وضعت العديد من الدول الأوربية استراتيجيات مستقبلية لعملية اعادة التدوير، حيث استطاعت معامل اعادة التدوير في بريطانيا من تدوير %27 من مجموع النفايات التي قامت بجمعها بلديات المدن من اجل الحفاظ على البيئة وانها تسعى الى زيادة عملية التدوير الى %45 بحلول عام 2015. بينما كانت النسبة للتدوير في بلدان هولندا والمانيا تصل الى 50 % ، وتقفز النسبة في بلجيكا لتصل الى %70.

والمربع (4) يوضح نموذج لتعامل ادارة ولاية نيويورك في امريكا لادامة وتعزيز العلاقة مع الجمهور المستهدف بشتى انواعهمن اجل المساهمة في عمليات اعادة التدوير لما لها من أثر في الحفاظ على البيئة.

4. البعد الاقتصادي Economical dimension

يتأشر البعد الاقتصادي لعملية اعادة التدوير بجوانب شتى من مرافق الحياة ومن الممكن ايراد بعض الجوانب المتحققة منها على الاطراف المعنية بنتائجها وهي:-

- تعد فرصة تنافسية للمصانع الانتاجية في الحصول على مواد او اجزاء مواد بسعر أدنى مما لو كانت مواد طبيعية أو جديدة. وهذا ما يجعلها بقدره افضل في تخفيض التكاليف ومن ثم السعر النهائي للبيع، والذي ينعكس ايجابياً على المستهلك.

- المنتجات المتحققة من هذه العملية حتى وان كانت اقل جودة ولكنها يمكن ان تخاطب شريحة اجتماعية معينة من المستهلكين ربما تعجز ظروفهم الاقتصادية عن شراء سلع اصلية أو جديدة واغلى ثمناً منها.

ـ تمثل فرص استثمارية قليلة التكلفة والمخاطرة من جانب ومحققة لعوائد مجزية وارباح من جانب آخر، وأنها لا تحتاج الى اموال طائلة نسبياً ويمكن لرساميل مناسبة من اقامة مشروع لاعادة التدوير.

ـ فرصة مناسب لتشغيل ايدي عاملة غير ماهرة في هذه المصانع، وكذلك فرصة لعمل بعض الوسطاء والاشخاص في جمع وتجميع المواد من النفايات لتقديمها الى مصانع اعادة التدوير والحصول على عوائد مجزية مقابل ذلك.

ـ يحصل المستهلك النهائي على عوائد حتى وأن كانت بسيطة على المواد والسلع التي يعيدها الى الوسطاء أو مصانع التدوير بدلاً من رميها كنفايات وبدون أن يحصل على عائد .
والمربع (5) يوضح ما اعتمدته مدينة Hartford في الولايات المتحدة الأمريكية لتحفيز المواطنين للاسهام في عملية اعادة التدوير للنفايات لحماية البيئة وحصولهم على عوائد نقدية ايضاً.

5- البعد الاجتماعي التربوي Social & Educational dimension

عملية تجميع النفايات في امكانها المخصصة وبحسب خصوصية حاويات النفايات تمثل اسهامه متقدمة في انجاح عملية التدوير برمتها، لكونها تساعد على تسهيل عمليات الفرز والتفكيك ومن ثم اعادة التدوير. وهذا يعني الشعور المسؤول للمواطن في تسهيل عمل الشركات والمؤسسات المسؤولة عن حماية البيئة و والحفاظ عليها من التلوث فضلاً عن كون ذلك العمل سيعود بالنفع المباشر أو غير المباشر على المواطن الذي تحسس مسؤولية المواطنة. وهذا الموقف يمكن أن يعمم بالسلوك على الآخرين ليقتدوا بعمل ايجابي وللمساهمة بشكل غير مباشر في انجاح عمليات اعادة التدوير وما يمكن أن تحققه في النهاية من نتائج ايجابية على نظافة المدينة ومنظرها الجمالي. وانعكاس ذلك ايضاً على الوضع الصحي للمواطن. على اعتبار ان نظافة المدينة وجماليتها سوف تحد من مواقع انتشار الأمراض وانتقالها في البيئة النظيفة.

وبالمقابل فقد سعت الكثير من منظمات المجتمع المدني والمدارس، والجامعات على القيام بحملات توعية ومساهمة فعلية في تشجيع المجتمع والطلاب والعاملين في المؤسسات المختلفة على القيام بعمليات تجميع النفايات من المواد التي يتم استهلاكها من قبلهم. لتقديمها الى الجهات ذات العلاقة في معامل التدوير والحصول على عوائد حتى وأن كانت بسيطة لكنها استخدمت في تمويل بعض المشاريع والمبادرات الاجتماعية للاشخاص الذين اسهموا بانفسهم في عمليات جمع النفايات.

والمربع (6) يوضح نموذج من الاسهامات الناجحة في التعامل مع النفايات لادارة مدينة دلاس Dallas في الولايات المتحدة الأمريكية وبرنامجها في مواجهة النفايات المنزلية باتجاه تعزيز البعد التربوي من عملية اعادة التدوير.