أقرأ أيضاً
التاريخ: 15-3-2018
2003
التاريخ: 29-6-2019
1886
التاريخ: 2024-09-14
262
التاريخ: 30-6-2019
2766
|
يختلف الركن المادي في الجرائم المخلة بالشرف الواقعة على الأموال بحسب طبيعة الجريمة، ولهذا السبب سوف نتناول بالبحث كل جريمة على حدى وفقاً للآتي:
النبذة الأولى: الركن المادي في جريمة السرقة
الركن المادي لأية جريمة لا يقل أهمية عن الركن القانوني، إذ به تظهر النية الجريمة إلى الوجود، مما يسمح للمشرع ومن خلاله لرجل القانون بالتدخل لمنع الجريمة قبل إتمامها، أو لمعاقبة مرتكبيها وإعادة الحال إلى ما كانت عليه في حال حصولها.
وفي سياق جريمة السرقة يُعتبر الركن المادي هو كل فعل يقوم به الجاني ويترتب عليه انتزاع الشيء من حيازة المجني عليه بغير رضاه ونقله إلى حيازة الجاني، ولكي يقع الاختلاس الذي يسلب الحيازة من المجني عليه يجب ان يثبت أن الشيء كـان فـي حيازة المجني عليه وقت الفعل وأن انتزاع هذه الحيازة لم تكن برضى المجني عليه (1).
وبالعودة إلى نص المادة 439 من قانون العقوبات العراقي والمادة 635 من قانون العقوبات اللبناني الذين حددا تعريف جريمة السرقة بأخذ مال الغيـر عنـوة والمال القابل للأخذ بحسب النصوص المذكور هو المال المنقول، وبالتالي أن محل جريمة السرقة هو المال المنقول للمملوك للغير دون سواه.
وفي حكم المحكمة التمييز اللبنانية الجزائية في بيروت، اعتبرت أن الاستيلاء على الشقة عن طريق الخلع والكسر أو استعمال مفتاحاً مقلداً بسبب عدم اتمام دفع الثمن لا ينطبق على جرم السرق الذي يحصر بالأموال المنقولة فقط" (2).
وللركن المادي في جريمة السرقة شقان الأول أن يكون محل السرقة مالاً منقولاً والثاني أن يكون هذا المنقول مملوك لغير الجاني وكما يلي:
أولاً: أن يكون محل السرقة مالاً منقولاً
يُشترط في الركن المادي لجريمة السرقة أن يكون محلها مالاً منقولاً. ويعني ذلك وجـوب أن يتوافر في محل السرقة أمران وهما:
الأمر الأول: أن يكون المال شيئاً قابلاً للتملك (3).
الأمر الثاني كون المال مملوك لغير الجاني، فالسرقة هـي اعتداء على الملكيـة الخاصة بالمجنى عليه، لذلك فإنها تقع على الأشياء التي يمارس عليها الشخص سلطات فعلية فالشخص لا يعتبر سارقاً إلا إذا أخذ مالاً مملوكاً للغير فقد يكون هذا المال غير مملوك لأحد كما لو كان مالاً مباحاً أو مستودعاً وعندها لا يعتبر أخذه سرقة والفصل في الادعاء بالسرقة يقضي الفصل في ملكية المال الذي يدعي بسرقته (4)
ثانياً: أن يكون المال مملوكاً للغير
لوقوع جريمة السرقة وتحقق ركنها المادي يجب أن يكون المال مملوكا للغير، وأن علة اشتراط عائديه المال للغير تكمن في أن السرقة هي اعتداء على الملكية، والاعتداء على الملكية بالإضافة على كونه جريمة فهو عمل غير انساني وبالتالي تنزل هذه الجريمة منزلة الجرائم المخلة بالشرف (5).
تأسيساً على ما تقدم، يمكن القول إن الركن المادي لجريمة السرقة يتكون من السلوك الجرمي كما عبرت عنه المادة 439 عقوبات عراقي والمادة 635 عقوبات لبناني، والمتمثل بفعل "الأخذ" والأخذ عنوةً لمال الغير.
بالإضافة إلى ذلك أن النتيجة الجرمية في جريمة السرقة تتحقق بنقل حيازة الشيء من المجني عليه إلى الجاني. يتضح من ذلك أن النتيجة الجرمية في جريمة السرقة يلزم أن تعاصر فعل الأخذ وتلتصق به ولا تبتعد عنه في إطار الصلة السببية.
النبذة الثانية: الركن المادي في جريمة الاحتيال
تتطلب جريمة الاحتيال ركناً مادياً قوامه فعل الاحتيال بإحدى الطرق التي حددها القانون والنتيجة التي تترتب عليه وتمثل في تسليم المجني عليه مالاً إلى الجاني والعلاقة السببية البينية بين الفعل المادي وصور الاحتيال (6) .
ولأجل توضيح مكونات الركن المادي لجريمة الاحتيال سوف نتناول بالبحث السلوك الجرمي في جريمة الاحتيال ومن ثم نتناول النتيجة الجرمية الحاصلة وأيضاً التطرق لموضوع الصلة السببية بين السلوك والنتيجة الحاصلة على النحو التالي:
أولاً: السلوك الجرمي في جريمة الاحتيال
تقوم جريمة الاحتيال على سلوك يتبعه الجاني يتمثل بالمناورات التي يعتمدها المجرم بهدف خداع المجني عليه، فجوهر السلوك الجرمي في جريمة الاحتيال هو الكذب على المجني عليه بهدف أغرائه وإيقاعه في فخ الجريمة. والمقصود بالكذب هنـا هـو ذكـر الشيء خلافاً للحقيقة غير أن الكذب لوحده لا يعتد طريقة من طرق الاحتيال ولا يهم إذا كان الكذب شفوياً أو تحريرياً فإذا كان الكذب مجرد كلام من الجاني دون أن يشكل خطراً على المجتمع لا يُعتبر جريمة. فالكذب يُعتبر جريمة إذا حمل بالمجنى عليـة إلـى اتخاذ افعال تضر بمصالحه، وهذه تتحقق كنتيجة للسلوك الذي اعتمده الجاني. وقد ورد في المادة 456 من قانون العقوبات العراقي أن يكون موضوع الاحتيال مالاً منقولاً ومال منقول للغير.
كما يستفاد من نص المادة 655 من قانون العقوبات اللبناني أنه لا يشير إلى عنصر الكذب بصورة صريحة، وأنما يستفاد هذا الكذب أو الخداع من مقدمة النص القائلة بأن المحتال هو " كـل مـن حمـل الغير بالمناورات الاحتيالية على تسليمه مالاً .... واستولى عليه..".
وحمل الغيـر على تسليم المال للمحتال جراء المناورات الاحتيالية يعني حمله بالخداع أو الكذب، هذا وأن كلمة المناورة تعني الخديعة والذي تفيد أيضاً الكذب أو الغش لهذا يُسمى المحتال بالخداع أو الغشاش (7)
ثانياً: تسليم المال بدون وجه حق
عبر قانون العقوبات اللبناني عن تسليم المال إلى المحتال بتحقيقي النتيجة الجرمية لسلوك الجاني، بقولة كل من حمل الغير بالمناورات الاحتيالية على تسليمه مالاً منقولاً أو غير منقول أو أسناداً تتضمن تعهداً أو إبراءاً أو منفعة واستولى عليها يعاقب بالحبس... وبالغرامة...". وفي ذات السياق عبر قانون العقوبات العراقي من خلال نص المادة 456 من قانون العقوبات.
أن عنصر التسليم أهم ما يميز جريمة الاحتيال عن جريمة السرقة التي تتم بأخذ مال المجني عليه اختلاسا بينما في جريمة الاحتيال يتم هذا الأخذ من خلال المجني عليـه حيث يقوم هو بتسليم ماله إلى الجاني طوعاً واختياراً تحت تأثير الغلط الذي وقع فيه وفي هذا يختلف المشرع العراقي عن المشرع اللبناني الذي نص على المناورات الاحتيالية بينما المشرع العراقي حصرها في نص المادة 456 باتخاذ الجاني أسم كاذب أو صـفـه غـيـر صـحيحة أو تقرير أمر كاذب عن واقعة معينة متى كان من شأن ذلك خداع المجني عليه وحمله على التسليم.
كمال تعد السندات التي تتضمن تعهداً أو إبراء موضوعاً لجريمة الاحتيال وهذه الأوراق تتوافر فيها الطبيعة المادية التي ينبغي أن يتصف بها المال محل جريمة الاحتيال والسندات هي الصكوك أو المحررات ذات القيمة المالية وهي تعد أداة لإثبات التعهد أو الإبراء وإن الحصول عليها بإحدى وسائل الاحتيال تعد احتيالا لأن الجاني بحصوله على سند دين من المجني عليه بما استعمله نحوه من أساليب الخداع يكون بذلك قد حصل على وسيلة إثبات هذا الدين فيختلس هذا الدين بسهولة كذلك يعد مرتكباً لجريمة الاحتيال الذي يتمكن من الحصول على إبراء مكتوب بوصفه بإحدى طرق الاحتيال أنه سدد له هذا الدين(8).
ثالثاً: العلاقة السببية
لا يكتمل الركن المادي لجريمة الاحتيال بمجرد قيام الجاني بالسلوك الجرمي، وتحقيق النتيجة الجرمية، بل لا بد أن تكون هناك صلة سببية بين وسيلة أو مناورة الاحتيال التي استعملها الجاني وبين تسليم المال إلية. (9) والتوثيق هذه العلاقة يتعين تصور ثلاثة أمور لاعتبار الصلة السببية هي الرابط بين الفعل والنتيجة: الصورة الأولى: ينبغي أن يكون تسليم المال إلى الجاني لا حقاً للمناورة أو للوسيله الاحتيالية كما عبر عنها المشرعان العراقي واللبناني.(10).
الصورة الثاني: أن يكون وقوع المجني عليه في الغلط ناتجاً عن وسائل الاحتيال التي استخدمها الجاني في تدعيم كذبة . (11) وقد اختلف الفقه حول معيار الغلط الذي يعتد به عند تحديد وقوع المجني عليه في الغلط، وانقسمت هذه الآراء إلى قسمين منهم من يعتد بالمعيار الشخصي ومنهم من يعتد بالمعيار الموضوعي، فأنصار المعيارالموضوعي يرون أن فعل الاحتيال يُقاس على شخص متوسط الذكاء والمرض فإذا كان الاحتيال من شأنه إيقاع الرجل العادي في الغلط، يسأل الـجـانـي فـي هـذه الحالـة أمـا إذا كان لا يؤثر على الرجل العادي ويحمله على الوقوع في الغلط فإن ذلك يعني أن المجني عليه ما كان يجب أن يقع في الغلط وبالتالي لا يسأل الجاني عن جريمة الاحتيال حتى لو سلمه المجني عليه المال نتيجة الغلط (12). اما المعيار الشخصي حيث يرى أصحابه أن أنه يُقاس الغلط بدرجة فطنة وذكاء من استعمل الخداع والمناورات الاحتيالية، إذ كان من شأنها التأثير على المجني عليه بالذات ولكن يشترط أن لا يكون المجني عليه مفرط بالاستسلام لأكاذيـب الـجـاني. وبالتالي إذا كان من اليسير عليه أن يكشف الجاني لـو بـذل القليل مـن العناية والحيطة. (13)
والرأي الراجح هو المعيار الشخصي لأنه يحقق الحماية لفئة من الناس وهو البسطاء أولى بالحماية القانونية من غيرهم لأنهم يمثلون في الغالب هدف المحتالين وإن هذه العلاقة تحقق إذا كان من وسائل التدليس المستعملة خداع المجني عليه وتترتب على استعمالها خداعة بالفعل وتنتفي العلاقة السبية تبعاً لذلك إذا تخلف احدى الأمرين بأن كانت الوسيلة المستعملة ليس من شأنها خداع المجني عليه أو كان من شأنها ذلك لكن المجني عليه لم ينخدع بها. (14)
الصورة الثالثة: أن يقع المجنى عليه في الغلط قبل تسليم المال إلى الجاني، ونتيجة هذا الغلط قام بتسلم المال إلية. أما إذا كان تسليم المال إلى الجـانـي قـد حصـل بوقـت سابق على استعمال الجاني مناورات أو وسائل احتياليه ومن ثم وقع الاحتيال بقصد تملك المال وعدم رده لصاحبه فإن الواقعة لا تعد احتيالا وإنمـا خيانــة أمانة أو إساءة
أمانة كما عبر عنها المشرع اللبناني. لأن الطرق الاحتيالية المستعملة بعد تسليم المال لا يقصد بها حمل المجني عليه على تسليم المال إنما يقصد بها التحلل من الالتزام برد المال ثم أن تسلم المال قد حصل دون استعمال وسيلة مما تطلبه القانون أي أن الوسيلة لم تكن سبب التسليم (15).
تأسيساً على ما سبق أن الركن المادي لجريمة الاحتيال يتطلب سلوك إجرامي كمـا عبـر عنه المشرعان اللبناني والعراقي من خلال وسيلة احتياليه أو مناورات احتياليه تحمل المجنى عليه على تسليم المال إلى الجاني.
أما ما يخالف القيم الاخلاقية في هذا السلوك الاجرامي الذي يخل بالشرف ويسيء إلى المجتمع هو الاسلوب الذي يتبعه الجاني بهدف الحصول على مال المجنى عليه دون وجه حق.
النبذة الثالثة: الركن المادي في جريمة إساءة الائتمان
لقد عبر المشرع اللبناني بموجب المادة 670 من قانون العقوبات عن الركن المادي للجرمية بقولة كل من أقدم قصداً على كتم أو اختلاس أو تبديد أو اتلاف أو تمزيق سند يتضمن تعهداً أو ابراء أو شيء منقولاً آخر سلم إيه على وجه الوديعة او الوكالة أو الاجارة او على سبيل عارية أو الرهن أو لأجراء عمل لقاء أجـره أو بدون اجـرة، شرط أن يعيده او يقدمه أو يستعمله في أمر معين يعاقب بالحبس من شهرين إلى سنتين وبغرامة تراوح بين ربع قيمة الردود والعطل والضرر وبين نصفها على أن لا تنقص عن خمسين ألف ليرة".
أما المشرع العراقي فقد نص بموجب المادة 453 على أنه: " كـل مـن اؤتمـن علـى مـال منقول مملوك للغير أو عهد به إليه بأية كيفية كانت أو سلم له لأي غرض كان بسوء قصد لنفسه أو لفائدته أو لفائدة شخص آخر أو تصرف به بسوء قصد خلافاً للغرض الذي عهد به إليه أو سلم له من أجله حسب ما هو مقرر قانوناً أو فاستعمله حسب التعليمات الصريحة أو الضمنية الصادرة ممن سلمه إياه أو عهـد بـه إليـه يعاقب بالحبس أو بالغرامة.
يستخلص من النصوص القانونية المذكورة أن الركن المادي لجريمة خيانة الأمانة أو إساءة الأمانة هو الفعل الذي به يستولي الجاني على الشيء و يتصرف به كما لو كان ملكه، بمعنى تصرف الأمين في أمر هذا الشيء الذي سلم لـه علـى سبيل العارية أو الإيجارة كما لو كان ملكاً له، بعد أن كان حائزاً حيازة ناقصة يسلم بالتزامه بـرد الشيء إلى مالكــه عنـد انتهاء التعاقد، حيث تتغير نظرة الأمين للشيء ويعتبره ملكاً لـه و يتصرف به كما يتصرف المالك في ما يملكه سواء بالبيع أو الرهن أو الاستخدام لخدمة أغراض المالك الشخصية (16) .
يتضمن هذا الركن النشاطات الفعلية لخائن الأمانة والأفعال التي تثبت خيانته للأمانة المودعة عنده، وأهم عناصر الركن المادي هي:
أولاً: تسليم الأمانة
لأن وقوع جريمة خيانة الأمانة او إساءة الأمانة، يتطلب حصــراً تسليم المجنــى عليــة للمال المثلي أو العيني إلى الجاني، لأن استيلاء الجاني على المال دون تسليمه يـعــد جريمة سرقة وليس خيانة ،أمانة، فخيانة الأمانة لا تقع إلا إذا تم تسليم المؤتمن عليـه إلى الجاني (17) ، فالتسليم واجب لقيام جريمة خيانة الأمانة، ولا يتصور قيام الأمــين باستعمال الشيء أو التصرف فيه إلا إذا كان بحوزته قبل ارتكاب الجريمة (18) .
أما سلوك الجاني في جريمة إساءة الأمانة تتمثل في السلوك الإيجابي الذي يتخذه الجاني من تدابير تتضمن قيامه بأعمال الاختلاس أو التبديد أو الاستعمال لما أؤتمن عليه.
ثانياً: الاستيلاء
بالإضافة إلى تسليم الأمانة يجب أن يكون هناك استيلاء فعلي مـن قبـل المـؤتمن على المال أو المنقول المؤتمن عليه، بمعنى أنه وضع يده عليه وضعاً مشروعاً، ولكنـه تحول إلى غير مشروع من خلال الاستيلاء عليه بهدف تبديده أو التصرف به على أي نحو (19).
ثالثاً: التصرف والاستعمال
لتحقق الركن المادي لجريمة خيانة الأمانة يجب أن يقوم المؤتمن بالتصرف في المال واستعماله في غير ما هو مخصص له، بمعنى التحول إلى يد مخالفة للأذن، أي التحول من يد أمينة إلى يد خائنة مغتصبة مخالفة لما أذن لها التصرف فيه، لأنه يعد من قبيل التصرف في ملك الغير، وقد اتفق الفقهاء على حرمة التصرف بملك الغير دون إذنه (20)، مستندين إلى قوله صلى الله عليه وسلم : (لا يحلبن أحد ماشية أمرئ بغير إذنه، أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته فتكسر خزانته فينتقل طعامه ؟ فإنما تخزن لهم ضروع ماشيتهم أطعماهم، فلا يحلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه) (21)، وقال تعالى محذراً من مغبة ذلك ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالبطل وتدلوا بها إلى الخامر لتلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون)(22).
يتضح مما سبق أن الركن المادي لجريمة خيانة الأمانة في الشريعة الإسلامية يتحقق بقيام المؤتمن بتنفيذ خطوات خيانة الأمانة سواء بالاستيلاء أو التبديد أو الاختلاس للشيء المؤتمن عليه سواء كان مالاً مثلياً أو عينياً سبق أن تسلمه بطريقة مشروعة من مالكه، وهذا يتطلب توفر المال، ومن ثم الاستيلاء ووضع اليد عليـه، وأخيراً إساءة التصرف فيه بما يخالف رغبة المالك.
النبذة الرابعة: الركن المادي في جريمة الشيك بدون رصيد
نصت المادة 666 من قانون العقوبات اللبناني المعدلة بموجب القانون رقم 1967/30، على أنه كل من أقدم عن سوء نيـة علـى سحب شـك دون مؤونة سابقة ومعدة للدفع أو بمؤونة غير كافية.
كل من استرجع كل المؤونة أو بعضها بعد سحب الشك.
كل من أصدر منعاً عن الدفع للمسحوب عليه في غير الحالات المنصوص عليها في المادة (428) من قانون التجارة اللبناني.
يعاقب بالحيس من 3 أشهر إلى 3 سنوات وبالغرامة من مليون ليرة إلى اربعة ملايين ليرة ويحكم عليه بدفع قيمة الشك مضافاً إليها بدل العطل والضرر إذا اقتضى الأمر.
كما نصت المادة (428) من قانون التجارة اللبناني على أنه على المسحوب عليه أن يدفع حتى بعد انتهاء مهلة العرض ولا يقبل اعتراض الساحب على دفع الشك إلا في حالة فقدانه أو في حالة إفلاس حامله".
ولقد حدد المشرع شروطاً في المادة (141) من قانون التجارة العراقي رقم 30 لسنة 1984" لا يجوز إصدار صك ما لم يكن للساحب لدى المسحوب عليـه وقـت إنشاء الصك مقابل وفاء نقدي يستطيع التصرف فيه بموجب صك طبقاً لاتفاق صريح أو ضمني، ومع ذلك فإن عدم وجود مقابل الوفاء لا يؤثر على الصك".
يستخلص من النصوص القانونية المذكورة أن الركن المادي لجريمة الشيك بلا رصيد يتكون من مجموعة عناصر يمكن التطرق لهم على الشكل التالي:
أولاً: إعطاء الشيك بدون مقابل أو بمقابل غير كاف
تعتبر المؤونة هي العنصر الأهم في الشيك، فإذا تخلف هذا العنصـر بـدأت ملامح الجريمة تظهر إلى الوجود، حيث يشترط في ساحب الشيك ملاءته لعدم ملاحقته أي أن تكون له في المصرف المسحوب عليه مؤونة كافية معده للدفع أي قابلة للانتقال إلى حيازة المستفيد من الشك فور عرضه على المصرف دون أي امتناع وبكامله. (23)
وعند إنشاء الشيك وأصدراه يتخلى الساحب أو من ينوب عنه عن حيازته ونقلها إلى المستفيد منه، والفعل المجرم لا يتحقق بمجرد كتابة الشيك وإنما ينبغي أن يعقبه إعطاء الشيك إلى المستفيد والتخلي عنه نهائياً.
وعلى هذا إذا حرر شخص شيكاً، ولم يكن له مقابل وفاء، ثم احتفظ به أو قدمه للمسحوب عليه بنفسه أو بواسطة وكيله الذي ظهر إليه الشيك تظهيراً توكيلياً، فإن فعله هذا يعد من قبيل الأعمال التحضيرية للجريمة التي لا تحمله أي مسؤولية. أما إذا قدمة بدون مؤونه فهو يتحمل المسؤولية الجزائية.
ثانياً: أن لا يكون الرصيد موجوداً وقت إنشاء الشيك
هذه الحالة تعني أن إيداع المؤونة يجب أن يسبق سحب الشك، أي أنه عندما يقدم الساحب على إصدار الشك يجب أن تكون المؤونة متوفرة، وإلا تحقق الجرم وإن حصل الإيداع بعد ذلك غير أنه من المتعارف عليه من الناحية العملية، أنه يكفي لإزالة الجريمة أن يكون الإيداع سابقاً لعرض الشك على المصرف، وأن كان لاحقاً لعملية السحب، أي أن تتوفر المؤونة على الأقل عند عرض الشك بما يؤمن دفع قيمته.
تطبيقاً لذلك يشترط قانون التجارة العراقي أن يكون الرصيد موجوداً وقـت إنشـاء الشـيك، أي تحريره، أما قانون العقوبات العراقي واللبناني يشترط ايضاً أن يكون الرصيد موجوداً وقت إعطاء الشيك أي عند طرحه للتداول، ولا أهمية لوجود الرصيد من الناحيـة الجنائية وقت تحرير الشيك وهذا تناقض بالنسبة لقانون التجارة وقانون العقوبات، لهذا ليست له أهمية في حالة إنشاء الشيك أو تحريره.(24)
وقد أكدت ذلك محكمة النقض المصرية بقولها "متى كانت المحكمة قد استظهرت أن تسليم الشيك لم يكن على وجه الوديعة وإنما كان الوكيل المستفيد وأنـه تـم علـى وجـه تخلى فيه الساحب نهائياً عما سلمه لهذا الوكيل، فإن الركن المادي للجريمة يكون قد تحقق . (25)
وأخيراً نشير أنه إذا أظهر المستفيد أو حامل الشيك إلى غيره شيكاً فإن هذا التصرف لا يعد إصدار أو إعطاء للشيك ولا يعاقب عليه، حتى لو كان المظهر سيء النية ويعلم بعدم وجود وفاء قابل للسحب، لكن بما أن فعل المظهر هو فعل الساحب ذاته ويضعه في التداول ابتداءً فيصبح شيكاً مفتقراً إلى مقابل وفائه، فهذا يعني وضع أداة بوضع أداة وفاء وهمية فاسدة في السوق وهو يعلم بذلك، وبالتالي فهو يوســع مـن مجـال الجريمة، لذلك فإن التشريعات الحديثة قد فطنت لهذه الثغرة ووضعت نصوصاً تعاقب من أظهر لغيره شيكاً وهو يعلم أن ليس له مقابل وفاء.
كما جاء في قانون العقوبات العراقي المادة 459 فإذا كان الساحب قد حرر شيكاً معيباً أو كان توقيعه مزوراً من قبل شخص آخر أو كان الساحب غيـر أهـل للقيام بالأعمال التجارية، فلا يمكن أن تعتبر الورقة التي أصدرها شيكاً وبالتالي لا مجال لتطبيـق نـص مادة العقوبات (459 )(26)
ثالثاً: ان لا يكون الرصيد كافياً للوفاء بقيمة الشيك
هذه الحالة تعني أن تكون قيمة الشك تزيد عن الرصيد الموجود مهما كان الفرق حتى ولو كان ضئيلاً وإن قبل المستفيد بقبض هذا الرصيد، إذ لا يمكن تجزئة الشك بالنسبة
المتوفرة له والنسبة غير المتوفرة، لأنه أداة تداول كالنقود، وقد يتحقق هذا الأمر بإقدام الساحب على سحب أكثر من شك واحد فتدفع قيمة أحدها ، وتبقى الشكات الباقية دون دفع. (27)
تأسيساً على ما سبق يجب أن يكون مقدار الرصيد لدى المسحوب عليه مساو لدفع قيمة كامل الشك عند تقديمه له، أما إذا كان مقابل الوفاء غير كاف لتسديد المبلغ فلا يعتبر الرصيد قائماً، ويخضع الساحب للمساءلة الجنائية.
رابعاً: أن لا يكون الرصيد قابلاً للتصرف فيه بموجب الشيك
وهذه المساواة مطلوبة كي يتمكن المصرف المسحوب عليه من الوفاء به للحامل من قبض قيمته كاملاً، أما إذا كان هذا المقابل أقل من مبلغ الصك فيعتبـر غـيـر مـوجـود ويتعرض الساحب للمؤيد الجزائي.
من الجرائم الشائعة انتشار جريمة إصدار صك لا يقابله مقابل وفاء قابل للصرف، ولما كان الشيك أداة وفاء وليس أداة ائتمان ، وحتى يكتسب الثقة في التداول كانت حماية المشرع له إسباغ الحماية الجنائية عليه في التداول باعتباره يجري مجرى النقود، وحتى تتحقق تلك الغاية لا بد من وجود مقابل الوفاء وقت إصدار الصك وبقائه قائماً حتى يتقدم المستفيد أو الحامل الشرعي لقبضه، ولا عبرة بالأسباب التي دعت الساحب لإصداره (28).
ويعتبر المقابل الناقص في القانون العراقي بحكم الرصيد غير الموجود، ويعاقب الساحب بالعقوبة نفسها إذ أن المادة (459) العقوبات ذكرت أن كل من أعطى بسوء نية صكاً وهو يعلم بأن ليس له مقابل وفاء كاف....................
أخيراً أن توافر عناصر الركن المادي لجريمة الشك بدون رصيد تستدعي حكماً تحقيق النتيجة الجرمية المتمثلة بعدم وجود المؤونة أو عدم كفايتها، وأن مصدر الشـك هـو يـعلـم بما لدية من حساب في المصرف ورغم ذلك يُقدم على اعطاء شك دون رصيد. بالتالي تكون الصلة السببية بين اصدار الشك والنتيجة الجرمية متحققة حكماً في هذه الجريمة.
وفي إطار توصيف هذه الجريمة على أنها مخلة بالشرف أن سلوك الجاني ونيته تتنافى مع مبدأ الأخلاق والقيم الإنسانية، فعند اعطاء شك بدون رصيد هناك نية سيئة لدى الجاني وبالتالي يتحمل المسؤولية الجزائية.
_______________
1- معوض عبد التواب السرقة واغتصاب السندات والتهديد، الطبعة الثانية، دار الشرق العربي بيروت، 2005 ، ص 26
2- حكم محكمة التمييز الجزائية في لبنان رقم 46 تاريخ 2002/2/6 أشارت إليـة فيلومين ،نصر قانون العقوبات الخاص "جرائم" وعقوبات، مكتبة صادر ناشرون، بيروت، 2009 ، ص 54.
3- رؤوف عبيد، جرائم الاعتداء على الأشخاص والأموال، دار الفكر، بيروت، 1978، ص 318 وما بعدها.
4- عادل إبراهيم العاني، جرائم الاعتداء على الأموال، الطبعة الثانية، دار الثقافة للنشر والتوزيع عمان، 1997، ص 64.
5- جمــال إبراهيم الحيدري، قانون العقوبات، القسم الخاص، الطبعة الأولى، دار السنهوري القانونية والعلوم السياسية، بغداد، 2014، ص 347
6- سمير عالية، الوافي في شرح جرائم القسم الخاص، الطبعة الأولى، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2020 ، ص 604.
7- سمير عالية، الوافي في شرح جرائم القسم الخاص، الطبعة الأولى، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2020 ، ص 605.
8- محمد سعيد ،نمور شرح قانون العقوبات القسم الخاص، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان 2007، ص 281
9- سمير عالية، الوافي في شرح جرائم القسم الخاص، مرجع سابق، ص 648. 10- علي عبد القادر القهوجي، قانون العقوبات اللبناني القسم الخاص الدار الجامعية، بيروت 2003، ص 406
11- محمود نجيب حسني، جرائم الاعتداء على الأموال في قانون العقوبات اللبناني، دار النهضة العربية، بيروت، 2005 ص 268
12- عبد المهيمن بكر، القسم الخاص في قانون العقوبات، دار النهضة العربية، القاهرة، 1977، ص 87.
13- محمود نجيب حسني، جرائم الاعتداء على الأموال في قانون العقوبات اللبناني، مرجع سابق، ص 222
14- إياد حسين عباس العزاوي، جريمة الاحتيال في القانون العراقي دراسة مقارنة، مطبعة عصام بغداد، 1988 ، ص 335
15- فخري عبد الرزاق الحديثي شرح العقوبات القسم الخاص، المكتبة القانونية العاتك لصناعة الكتاب بغداد 2016، ص 392
16- حسني مصطفى جريمة خيانة الأمانة في ضوء القضاء والفقه، منشأة المعارف، الاسكندرية، 2000، ص 55.
17- عبد الحميد المنشاوي، جرائم خيانة الأمانة والتبديد، دار الفكر الجامعي، الاسكندرية، 1998، ص 15.
18- سليمان عبد المنعم النظرية العامة لقانون العقوبات، دار المطبوعات الجامعية، بيروت، 2014، ص 277.
19- محمد عليوي ناصر خيانة الأمانة وأثرها في العقود المالية في الشريعة الاسلامية، دار الثقافة للنشر والتوزيع عمان، 2001، ص 58
20- محمد عليوي ناصر خيانة الأمانة وأثرها في العقود المالية في الشريعة الاسلامية، المرجع السابق، ص 65.
21- رواه البخاري في صحيحه كتاب (في اللقطة) باب (لا) تحتلب ماشية أحد بغير إذنه، حديث رقم (2392)، ج 5، ص 351
22- سورة البقر، الآية 188.
23- فيلومين يواكيم نصر، قانون العقوبات الخاص جرائم وعقوبات دراسة مقارنة، مرجع سابق، ص 691.
24- جمال إبراهيم الحيدري، الوافي في قانون العقوبات القسم الخاص، ط1، مكتبة السنهوري، بغداد، 2012، ص 723-725
25- النقض المصرية 1958/5/27م، أحكام النقض س 9، 149، ص 582.
26- فوزي محمد سامي، قانون التجارة العراقي الجديد في الأوراق التجارية، مطبعة الزهراء ، بغداد، 266-267.1972
27- فيلومين يواكيم نصر، قانون العقوبات الخاص جرائم وعقوبات دراسة مقارنة، مرجع سابق ص 691.
28- عبد المعطي محمد حشاد، الشيك: رؤية مصرفية وقانونية، ج2، الطبعة الأولى، دار الكتب الحديثة، بيروت، 2004، ص 423
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
مكتبة العتبة العباسية.. خدمات رقمية متطورة وجهود لتلبية احتياجات الباحثين
|
|
|