أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-10-2014
2891
التاريخ: 2023-06-01
1064
التاريخ: 3-12-2015
2314
التاريخ: 2023-05-28
944
|
يقول تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 62]
ليس لأسماء الديانات والمدارس ولا للألقاب والعناوين الدينية لوحدها اعتبار ولا تعد معياراً لسعادة الإنسان ولا لحرمانه من السعادة فلا يعتبر أي امرئ من أهل النجاة بمجرد انتسابه إلى أمة أو ديانة معينة، إن أصحاب الملل والنحل متساوون أمام ميزان العدل والقسط الإلهي إلا بعد أن يوزنوا ويتضح مدى تخضعهم مقابل الملة الحق مع الاعتقاد بأصولها والتعبد بفروعها. فإن المعيار والعامل لسعادة الإنسان هو الإيمان العمل الصالح والتمتع بالحُسن الفاعلي والفعلي؛ يعني: العقيدة الصائبة، والأعمال الصالحة.
هذه الآية الشريفة - التي تقسم كلاً من الطوائف الأربع من المسلمين، واليهود والنصارى، والصابئين إلى قسمين مؤمنين حقيقيين ومؤمنين غير حقيقيين - هي بمثابة إخبار في مقام الإنشاء وهي ترسم طريق النجاة للطوائف الموجودة في عصر النزول قائلة: إذا كنتم تريدون السعادة وتودون الخلاص من الخوف والحزن فإنّه يتعين عليكم الإيمان بالله وبالمعاد والقيام بالعمل الصالح. وبطبيعة الحال فإنه لابد للعمل الصالح أن يكون منطبقاً مع الوحي غير المنسوخ ومنسجماً مع شريعة نبي الزمان، وإن انسجام العمل مع الوحي يتفرّع أيضاً من الإيمان بأصل الوحي وحقانية المُخبر عنه؛ ولهذا السبب بالذات لم يرد الحديث عن النبوة هنا. إن العمل الصالح - الذي لا يخرج فرع من فروع الدين عن نطاقه وتندرج النواهي أيضاً تحت عنوانه ـ هو من مظاهر وآثار الاعتقاد الكامل والحقيقي وإن ذكره بعد الإيمان - الذي يضم الاعتقاد القلبي، والإقرار اللساني، والعمل بالأركان ـ هو من باب ذكر الجزء المهم بعد ذكر الكل ومن أجل الإلفات إلى مدى أهمية العمل الصالح؛ وليس هو من باب ذكر المصداق بعد ذكر الكلي. بالطبع إن دور العمل الصالح في تأمين السعادة واستحقاق الأجر الإلهي والأمن من الخوف والحزن لا يشابه تأثير الإيمان والاعتقاد بأصول الدين.
إن الإيمان الحقيقي، الذي هو بمعنى الإيمان الكامل والجامع بالتوراة والإنجيل والقرآن والأنبياء الماضين والنبي الحاضر، أي النبي الخاتم (صلى الله عليه واله وسلم)، هو مدعاة لاستحقاق الأجر الإلهي فأجر المؤمنين هو حاضر الآن عند ربهم وموجود في باطن عالم الطبيعة، وهو أجر لا يقبل الزوال وأبدي. فالمؤمن الحقيقي يجد ثوابه ثابتاً عند الله تعالى. فلا هو مغتم لما مضى؛ لانه لم يفقد شيئاً في الغابر، ولا هو مستوحش لما سيأتي؛ لأن مستقبلاً مشرقاً في انتظاره والتصريح بنفي الخوف والحزن عن المؤمنين لحقيقيين هو في مقابل تثبيت الذلة والمسكنة للمجرمين من أهل الكتاب، حيث إن الذليل في خوف دائم والمسكين في حزن مستمر. فأهل الكتاب ـ الذين لم يدينوا بدين الحق والذين يفتقدون کمالات الأربعة المتمثلة بالتوحيد والنبوة والمعاد، والعمل الصالح نتيجة ابتلائهم بالثنوية أو التثليث وإنكارهم للمعاد الحقيقي، وعدم ميولهم برسالة خاتم الأنبياء (صلى الله عليه واله وسلم) ، وارتكابهم لنواهي الإسلام (1) - فإنهم لم يكونوا أبداً مصداقاً لذيل الآية مورد ،البحث، ومن هذا المنطلق فإنه لا مجال لأي تعددية دينية بالاستناد إلى هذه الآية. فالآية، ومن خلال بيان منعم بالترغيب، تؤمل غير المسلمين بالنجاة وتبشرهم بقبول التوبة ورفع لذلة والمسكنة هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فهي توصد الباب أمام مرور المسلمين محذرة المؤمنين واليهود والنصارى والصابئين من أت مجرد ادعاء الإيمان لا يكفي للنجاة.
(الذين هادوا) المقصود من عبارة الذين هادوا هم الذين اعتنقوا ليهودية (هادوا: صاروا يهوداً). واليهود اسم جمع ومفرده يهودي (مثل: الروم والرومي) وإن الوجه في تسمية اليهود بهذا الاسم هو انتسابهم إلى «يهوذا الابن الأكبر للنبي يعقوب الا ( وقد بدلت ذاله إلى دال للتخفيف) (2). أو إنها مشتقة من «الهود» التي هي بمعنى التوبة والأوبة وإن السر في تسميتهم بهذا الاسم عائد إلى رجوعهم عن عبادة العجل فقد خاطب النبي موسى ربه بلسانهم: لقد رجعنا إليك: {إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ} [الأعراف: 156] (3) أو لأنهم قد رجعوا عن شريعة موسى أو عن شريعة الإسلام" (4)
لقد ذكر اليهود في القرآن الكريم بتعابير شتى؛ فقد ذكروا بتعبير: الذين هادوا في عشرة مواطن وبلفظة: هودا في ثلاثة مواطن وباسم اليهود في سبعة مواطن. «النصارى»: كلمة النصارى هي جمع نصران» و«نصرانة»، مثل (سكارى) التي هي جمع «سكران» و«سكرانة».
يقول سيبويه : مفرد النصارى يأتي دوماً مع الياء (نصراني ونصرانية) وهي إما للمبالغة؛ نظير الياء في «أحمري» (5) ، أو للتمييز بين المفرد والجمع؛ مثل: روم ورومي؟ كما ينقل الآلوسي عن البعض (6).
وهناك احتمال أيضاً بأن نصارى هي جمع «نصری» نظیر «مهاری» وهي جمع «مهرى»؛ كما ينسب الآلوسي ذلك إلى الخليل (7)
وعلى أية حال، فنظراً إلى أن أصل اشتقاق هذه المفردة هو من السلام بعد «النصرة» (بمعنى تقديم المعونة والمساعدة) فقد طرحت في وجه تسمية أتباع المسيح بالنصارى مباحث نشير هنا إلى بعض منها:
1. قال الإمام الرضا (عليه السلام) جواباً على سؤال: لم سُمّي النصارى نصارى؟: لأنهم من قرية اسمها ناصرة من بلاد الشام نزلتها مريم وعيسى رجوعهما من مصر» (8). وطبقاً لهذا الوجه فإن مقتضى القاعدة هو أن يُقال للإنسان المسيحي «ناصري»؛ كما أنّه وفقاً لما رُوي عن إنجيل متى (9) فقد خبر عن حضرة المسيح ع بالناصري وعن الحواريين بالناصريين. وعلى أساس هذا الوجه فإن لفظة «النصراني» هي خلاف القياس.
2. بسبب التعبير : {نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ} [آل عمران: 52] الذي استخدمه الحواريون في دهم على سؤال النبي عيسى ا لهم: {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} [آل عمران: 52] (10). «الصابئين»: كلمة: «الصابئون»، التي هي جمع «صابئ»، هي ـ عند غلب المفسرين - مفردة عربية مشتقة من صبأ» (مهموز اللام) التي تعني الخروج من باب أنّهم خرجوا عن دين وتدينوا بدين آخر (11) ، وعند البعض الآخر مشتقة من «صبا» معتل اللام التي هي بمعنى الميل؛ من باب أنهم مالوا إلى دين الله حسب ظنهم (12) ، إلا أن الألوسي ينسب إلى البعض قولهم بأن الكلمة غير عربية (13) ؛ كما جاء في معجم دهخدا من أنها مشتقة . غير عربي هو «صبع» بمعنى الرمس في الماء (التعميد) وسقطت عينها بانتقالها إلى اللغة العربية، و«المغتسلة» (وهو اسم كان يطلق قديماً على محلة أتباع هذا الدين في خوزستان من إيران) هي الترجمة الصحيحة والجامعة لكلمة «صابئ» (14). وقد قال البعض أيضاً: إن اسم الصابئين هو نسبة إلى «صاب» ابن إدريس النبي ع .(15)
تنويه: البحث في ديانة الصابئة هو بحث تاريخي وليس بحثاً تفسيرياً. (16) وما تلزم الإشارة إليه هنا هو أن ظاهر الآية محط البحث والتي تطرح الصابئة في عرض المسلمين واليهود والنصارى وكذلك ظاهر آية سورة «الحج» التي تضعهم في عرض المسلمين واليهود والنصارى والمجوس والمشركين: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [الحج: 17] هو أنهم ليسوا مشركين ولا عباد أوثان وليسوا من اليهود والنصارى والمجوس.
«من آمن»: إن مراعاة اللفظة «من» قد أوجبت مجيء الفعل آمن و عمل بصيغة المفرد؛ نظير: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ} [الأنعام: 25] وإن مراعاة المعنى قد استدعت الإتيان بالضمائر فلهم، وأجرهم، وعليهم، و ولا هم ... بصورة الجمع؛ نظير: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ} [يونس: 42]
تناسب الآيات
بعد بيان جانب من أحوال اليهود والنعم التي من عليهم بها، وبعد الكشف عن ضروب عدم شكرهم للنعم وكفرهم في مقابل آيات الحق؛ وبعبارة أخرى بعد بيان ما هو بمنزلة «الوعيد» و«الترهيب» فإن هذه الآية، وعلى أساس المنهج القرآني الخاص الذي دائماً ما يُتبع الوعيد والترهيب بالوعد والترغيب، تأتي لتشير إلى أحوال المؤمنين، الذين هم أعم من المسلمين وأهل الكتاب، الأمر الذي ينطوي على نوع من (الوعد) و «الترغيب».
وما يُستفاد من ظاهر هذه الآية هو أن العامل من وراء نجاة الإنسان الاعتقاد بأصول الدين والعمل بأحكامه؛ فالمؤمنون واليهود يوم القيامة هو النصارى والصابئون إذا كانوا مؤمنين بالله وبالقيامة وقاموا بالعمل الصالح مان أجرهم يكون محفوظاً عند الله وهم مصونون من الخوف والحزن. . عندما يلقى أمثال هؤلاء الباري عز وجل فسوف يجدون عنده أجرهم ابتاً فلا هم يحزنون على ماضيهم؛ لأنهم لم يفرطوا في ما مضى بشيء، ولا هم يخافون على مستقبلهم؛ لأن مستقبلاً مشرقاً في انتظارهم.
إن عناوين الأديان المختلفة وأسماءها ليست هي معياراً للسعادة، بل إن المؤثر الوحيد في سعادة المرء هو الإيمان بالمبدأ وبالمعاد والعمل الصالح العمل الصالح الذي ميزانه الوحي وهو ما يستلزم طبعاً الإيمان بنبوة رسول الله، ولهذا فإن الإيمان بنبوة نبي كل زمان يُطرح مع الإيمان بالمبدأ والمعاد). فلا الشخص غير المسلم كاليهودي - على سبيل المثال . يُحرم من السعادة الأبدية لمجرد كونه يهودياً، بل إنه إذا آمن بالله وبالقيامة وبنبي زمانه وجاء بالعمل الصالح فإنّه سيكون سعيداً، ولن يشكوا الخوف والحزن، وسترفع عنه الذلة التي ضربها الله على عبدة العجل والمنحرفين من اليهود {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ} [البقرة: 61] ولا الإنسان المسلم سينجوا من العذاب الإلهي ومن الخوف والحزن بمجرد ادعائه الإسلام من دون الإتيان بصالح الأعمال ومن دون نفوذ الإيمان إلى قلبه: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات: 14]، بل إن طريق الأمل والنجاة مشرعة أمام غير المسلم، كما أن سبيل الغرور موصدة في وجه المسلم.
ـــــــــــــــــــــــ
1. قَتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالله وَلَا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ (سورة التوبة، الآية (29).
2. مجمع البيان، ج 1 - 2، ص258؛ ومواهب الرحمن، ج 1، ص 300.
3. سورة الأعراف الآية 156؛ راجع مجمع البیان، ج 1 - 2، ص 258.
4. قال عمرو بن العلاء: «لأنهم يتهودون عند القراءة؛ أي يتحركون عند قراءة التوراة». (تفسير منهج الصادقين، ج 1، ص 285) والسر في تحركهم أثناء قراءة التوراة هو أنهم يقولون بأن السَّماوات والأرض تحرّكت حين أنزل الله التوراة على موسى (كشف الأسرار وعدة الأبرار، ج 1، ص 214 - 216)، (والكتابان بالفارسية).
5. الكشاف، ج 1، ص 146.
6. روح المعاني، ج 1، ص 441 .
7. روح المعاني، ج 1، ص 441 .
8. علل الشرائع، ج 1، ص 101؛ وبحار الأنوار، ج 14، ص 272.
9. الكتاب المقدس، مجمع الكنائس الشرقية، ص40
10. سورة الصف، الآية 14، راجع مجمع البیان، ج 1 - 2، ص 259.
11. راجع جامع البیان، مج 1، ج 1، ص 420 .
12. تفسير الصافي، ج 1، ص123.
13. روح المعاني، ج 1، ص 441 .
14. معجم دهخدا، ج 10، ص 14733 (وهو فارسي).
15. مواهب الرحمن، ج 1، ص 301
16. راجع الميزان، ج 1، ص 194 - 196؛ وراجع مواهب الرحمن، ج 1، ص 300 - 303.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|