أقرأ أيضاً
التاريخ: 20-3-2016
3483
التاريخ: 20-6-2019
2345
التاريخ: 2-04-2015
3344
التاريخ: 6-4-2016
3501
|
كلّما فكّر الإنسان وحلّل سيجد أنّ دروس عاشوراء هي أكثر ممّا وصل إليه فكره. أحد الدروس المهمّة لعاشوراء أنّها قسّمت النّاس إلى صنفين الواحد مقابل الآخر. وإنّ واحدة من بركات عاشوراء أنّه تمّ تقييم النّاس وفرزهم بنحو واقعيّ, وهذا درس كبير. كان هناك أناس كثيرون لم يقطعوا انقيادهم واتباعهم للإمام الحسين بن عليّ عليهما السلام وبقوا معه طالما أنّ مسألة الدماء والتضحية غير مطروحة في البين, ولم يدركوا جيّداً معنى تحرّك الإمام الحسين عليه السلام من المدينة أو مكّة, لأنّهم كانوا لا يزالون في إطار السلامة والعافية.
كتب كثيرون من وجهاء الكوفة وزعمائها رسائل إلى الإمام الحسين عليه السلام, دعوه فيها إلى القدوم, وكان ذلك بعد خروج الإمام عليه السلام من المدينة[1]. كانوا لا يزالون غير مدركين لحقيقة المسألة. لم يتخيّلوا أنّ ذلك كان يكتنف امتحاناً صعباً ضاغطاً ينزل بثقله عليهم. في مكّة رافقته جماعة كثيرة حين خروجه, بالرغم من أنّ ظواهر الأمور كانت تبدو مرّة, لأنّه حتّى الآن ليس معلوماً كيف ستنتهي القضيّة, لكن بمجرّد أن أفصحت المسائل عن وجهها الحقيقيّ, قلّ أهل الحقّ والحقيقة. فأزاحت المرارات أهل الدنيا, كما عبّر الإمام عليه السلام نفسه في إحدى كلماته: "النّاس عبيد الدنيا والدّين لعقٌ على ألسنتهم يحوطونه ما درّت معايشهم, فإذا مُحّصوا بالبلاء قلّ الديّانون"[2].
كان هذا رسماً للواقع. عندما تبرز الشدائد يقلّ الديّانون, وطالما أنّ العافية والراحة موجودتان فالمدّعون كثر. في ذلك الوقت كان كثيرون في مكّة والمدينة والكوفة وفي العالم الإسلاميّ كلّه يدّعون أنّهم أتباع الدّين ومسلمون بلا قيد أو شرط. وكثيرون كانوا يحبّون الإمام الحسين عليه السلام ويقبلون به ويقدّمونه كابن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم, إلّا أنّ هؤلاء أنفسهم عندما أراد الإمام التحرّك من مكّة لم يكونوا مستعدّين للمجيء معه. لا تتخيّلوا أنّ عبد الله بن جعفر لم يكن يقبل بالإمام الحسينعليه السلام وأنّ الكثير من بني هاشم لم يذهبوا معه, فهؤلاء كانوا يعتبرون الإمام الحسين عليه السلام إماماً وابن نبيّهم صلى الله عليه وآله وسلم, وإنساناً عظيماً, لكنّهم لم يكونوا على استعداد للتحرّك معه لأن الأمر صعب! وقبل وصول خبر شهادة مسلم بن عقيل إلى الإمام أثناء الطريق كان مع الإمام الحسين جماعة كبيرة, وعندما وصل الخبر من الكوفة أنّهم قتلوا مسلماً وأنّ الأوضاع صعبة, تركه جماعة في حينها[3]. وفي الكوفة نفسها, لم يبق معه حتّى نفر واحد من الذين اعتقدوا بإمامته واعتبروه ابن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم, كانوا عدّة آلافاً[4]. وكان بين هؤلاء شخصيّات كبيرة وأعيان.
بالطبع لو دقّقنا النظر في الرسائل التي أرسلوها للإمام الحسين عليه السلام فإنّنا سنجد جذر المشكلة. فـهناك نوعان من الرسائل التي وُجّهت للإمام الحسين عليه السلام. وكلاهما دعوة إلى القدوم.
فبعضهم كتب للإمام: "إنّه ليس علينا إمام فأقبل" أي ليس لدينا قائد! نريد قائداً. كانوا يرومون القائد والإمام ليقودهم وليأخذ بأيديهم وليتقدّم بهم خطوة فخطوة. وهذا الاستنتاج صحيح, لأنّ هذه الرسالة قد وُقّعت من أمثال حبيب بن مظاهر[5]. وقد كتبوا في شأن يزيد وفي شأن الحكومة الأمويّة.
وبعضهم الآخر- الصنف الثاني - كتبوا رسالة للإمام أيضاً, دعوه فيها للقدوم. بيد أنّهم لم يدعوه كقائد وإمام. بالطبع هم يريدون إماماً, وهم قد اعتقدوا بإمامته لأنّهم من الشيعة - فغالبيّة أهل الكوفة كانوا شيعة - أمّا لحن الرسالة فيظهر منه أنّها دعوة لضيف. فقد كتبوا للإمام أنّه قد جرت أنهارنا وأينعت ثمارنا, فكأنّهم كانوا يدعونه ليقدم عليهم كضيف! أي بمعنى: أن أقدم فالنعيم الماديّ والحياة هنا وافران. جيّد, لكنّ الإمام الحسين عليه السلام لم يكن ليقاتل من أجل التنعّم الماديّ. وإنّما كان تحرّكه من أجل القيام بوظيفة وتكليف. وقد وقعّ هذه الرسالة شبث بن ربعي[6] الذي كان أحد قتلة الإمام الحسين عليه السلام[7].
كان هناك نظرتان لحركة الإمام الحسين عليه السلام: جماعة نظرت إلى حركته بمنظار دنيويّ, وجماعة أخرى نظرت إليها بالنظرة الأخرويّة. فواحدة كانت تنظر إليها من زاوية الجاه والمال والمقام, وجماعة أخرى كانت تنظر إليها من زاوية الواجب والوظيفة.
فالذين مشوا مع الحسين بن عليّعليهما السلام ابتغاء الجاه والمال والموقع ما إن رأوا أنّهم أقبلوا على الخطر حتّى كانوا يقولون: "مع السلامة، نحن ذاهبون! لم يعد لدينا وظيفة". لقد أتوا من أجل المعاش. وعندما افتقدوه, فماذا يفعلون إن بقوا؟! لقد جاؤوا من أجل المنصب والجاه, فعندما افتُقد المقام وكان الموجود هو المحنة, فلماذا يبقون؟ فكانوا يتركونه ويذهبون.
وجماعة أخرى جاءت ابتغاء التكليف. فلم يكونوا ليغيّروا موقفهم سواء استشهد الحسين بن عليّعليهما السلام أم وصل إلى الحكومة. كانوا يقولون: نحن نؤدّي تكليفنا. والتكليف هو في ذلك الظرف والموقع الذي يقوم فيه ابن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لاستعادة الحقّ ولأجل هداية النّاس وإدارة المجتمع الإسلاميّ يقف المؤمنون والمسلمون خلفه وينصرونه. يقولون: نريد القيام بهذه الوظيفة ومن الممكن أن يكون في طريق أداء هذه الوظيفة مصيران, أحدهما النّصر, وقرّة العين وتحقيق المبتغى. والمصير الآخر هو القتل, وهؤلاء كانوا حاضرين لكلتا النتيجتين. كما إنّ الحسين بن عليّ عليهما السلام كان هو نفسه قد تحرّك بهذه الروحيّة. وهؤلاء هم الذين بقوا مع الحسين عليه السلام حتّى آخر لحظة. كانوا معه ليلة عاشوراء. وفي يوم عاشوراء كانوا يتسابقون إلى الشهادة[8] ويتمازحون[9], ولمَ لا؟! فهؤلاء سيصلون إلى لقاء الله ويستشهدون. وهذا محكّ (اختبار) قد استخدمه الحسين بن عليّ عليهما السلام.
[1] روضة الواعظين, ص172, الكامل في التاريخ, ج4, ص20, بحار الأنوار, ج44, ص332-333.
[2] تحف العقول, ص245, بحار الأنوار, ج44, ص383, وورد الحديث أيضاً في مصادر أهل السنّة: "الناس عبيد المال, والدّين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درّت به معايشهم فإذا محّصوا بالبلاء قلّ الدّيّانون" نزهة الناظر وتنبيه الخاطر, ص87.
[3] أنساب الأشراف, ج3, ص169, إعلام الورى, ج1, ص447, بحار الأنوار, ج44, ص374.
[4] الإمامة والسياسة, ج2, ص4, الفتوح, ج5,ص20, مروج الذهب, ج1, ص54, مناقب آل أبي طالب, ج3, 242, مثير الأحزان, ص16, الدرّ النظيم, ص541-542, بحار الأنوار, ج44, ص335-336.
[5] الإرشاد ج2, ص36-37, الكامل في التاريخ, ج4, ص20, بحار الأنوار, ج44, ص332-333.
[6] تجارب الأمم, ج2, ص40, مناقب آل أبي طالب, ج3, ص241, بحار الأنوار, ج44, ص334.
[7] الطبقات الكبرى, الخامسة 1, ص515-516, الهداية الكبرى, ص134-135, بحار الأنوار, ج44, ص297.
[8] تاريخ الطبريّ, ج4, ص337, اللهوف, ص66-67, بحار الأنوار, ج44, ص297.
[9] تاريخ الطبريّ, ج4, ص321, اللهوف, ص57-58, بحار الأنوار, ج45, ص1.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|