المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9117 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
تـشكيـل اتـجاهات المـستـهلك والعوامـل المؤثـرة عليـها
2024-11-27
النـماذج النـظريـة لاتـجاهـات المـستـهلـك
2024-11-27
{اصبروا وصابروا ورابطوا }
2024-11-27
الله لا يضيع اجر عامل
2024-11-27
ذكر الله
2024-11-27
الاختبار في ذبل الأموال والأنفس
2024-11-27

كرتون سياسي
29-11-2019
موالي النبي "ص"
2023-02-05
محاصيل الفاكهة- محاصيل التمور- انتاج التمور
31-12-2016
أحوال عدد من رجال الأسانيد / عبد الأعلى مولى آل سام.
2024-03-12
أجهزة الرقابة دولة قطر
30-10-2016
Osmosis
15-4-2017


الجهاد والمقاومة في عاشوراء  
  
402   11:44 صباحاً   التاريخ: 2024-08-10
المؤلف : معهد سيد الشهداء عليه السلام للمنبر الحسيني
الكتاب أو المصدر : دروس عاشوراء
الجزء والصفحة : ص83-98
القسم : سيرة الرسول وآله / الإمام الحسين بن علي الشهيد / قضايا عامة /

المقاومة درس الحسين بن عليّ عليهما السلام للمسلمين

لدينا أكبر وأقوى مظهر للنشاط وعدم الرضوخ للتعب, وهو تلك المقاومة في الجبهات, وهذا النصر نفسه, وهذا الدرس نفسه الذي تعلّمه المسلمون من الحسين بن عليّ عليهما السلام.

أنتم تعلمون أنّ هذه الليلة أوّل ليالي محرّم, وغداً بداية الأيّام التي كانت بالنسبة إلى شعبنا على الدوام خلال القرون المتمادية الدافع والمحفّز للمقاومة والصمود.

تبلور الفكر الثوريّ والجهاديّ عند الشيعة ببركة عاشوراء

إنّ حادثة القتل حادثة مريرة في العادة. وإنّ مقتل القادة والمسؤولين عادة ما يبعث على اليأس, هكذا هو الوضع بين كلّ شعوب العالم. لكن ما أروع الفكر الشيعيّ الثوريّ المتمرّد, ومدرسة الفداء والجهاد والشهادة التي استطاعت أن تصنع من هذه الحادثة الأليمة نشاطاً وابتهاجاً وعشقاً في قلوب الشيعة, وأن تفجّر من حادثة وواقعة - هي بالنسبة للجميع حادثة موجبة لليأس - نبعاً فوّاراً بالأمل انسابَ إلى قلوب الموالين والمحبّين.

 لقد ضحّى الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه بأنفسهم, في مرحلة حالكة شديدة الظلمة مليئة بالقمع لا يمكن تحمّلها في مواجهة سلطة متجبّرة. فأمّا العيون التي لا ترى سوى الظاهر، فهي ترى أنّ الحسين عليه السلام والحالة الحسينيّة قد انتهيا, إلّا أنّه عليه السلام بقي كبذرة ترقد تحت التراب لتنبت من جديد وتؤتي ثمارها, وكشتلة متفتّحة تموج بها الحياة, نمت من فوق الأرض, لتعطي الحياة والنشاط لكلّ الشعوب المسلمة, وتعطي الأمل لكلّ أحرار العالم, تقدّم الدروس، وتضخّ الحماس, ورفض الخمول, والجهاد والشهادة, وفي النهاية تمنحهم النصر.

الجهاد وعدم الخوف من الغربة والوحدة

لقد ثار هذا النور المشعّ وحيداً في صحراء لا متناهية من الظلمة. وحتّى لو بقي الإمام الحسين عليه السلام وحيداً في ذلك اليوم وتركه هؤلاء الـ72 نفراً لم يكن مستعدّاً لترك ثورته. هذا واحد من الدروس. نتعلّم من الحسين بن عليّ عليهما السلام أنّه لا ينبغي ترك الجهاد في سبيل الله بسبب الضغوط والغربة, في أيّ ظرف كان. إنّ الدرس الذي يقدّمه لنا الحسين بن عليّ عليهما السلام هو أنّه لا تترك هذه الفريضة وهذا الواجب بسبب الوحدة والقلّة والغربة وندرة الأصحاب ووجود المعارضين ووجود العدوّ. هذا واحد من دروس الحسين بن عليّ عليهما السلام. لقد قاتل الإمام الحسين عليه السلام في غربة تامّة, ولم يكن أحدٌ ليجرؤ - خلال سنوات متمادية - حتّى على ذرف الدموع على الحسين بن عليّ عليهما السلام. كان الإمام الحسين عليه السلام يعرف ذلك, لكنّ الغربة لم تستطع أن تلقي الرعب والوحشة في قلبه.

مواجهة العدوّ الخارجيّ والوهن الداخليّ

الإسلام ظاهرة, وهو كغيره من الظواهر يتعرّض للتهديدات والأخطار, ويمتلك الوسيلة لمواجهتها. وقد جعل الله تعالى هذه الوسيلة في الإسلام نفسه. لكن ما هو هذا الخطر؟ ثمّة خطران أساسيّان يواجهان الإسلام:

أحدهما, خطر العدوّ الخارجيّ, والآخر الانحطاط والاضمحلال الداخليّ.

عندما يتحدّث أسدُ ميدان الحرب, أمير المؤمنين عليه السلام, يتوقّع المرء أن يكون نصف حديثه أو أكثره مرتبطاً بالجهاد والحرب والبطولة والشجاعة, إلّا أنّه عندما نرجع إلى خطب وكلمات نهج البلاغة نرى أن أغلب أحاديثه ووصاياه هي حول التقوى والزهد والأخلاق وذمّ الدنيا وتعظيم القيم المعنويّة والإنسانيّة الرفيعة.

عاشوراء, جهاد العدوّ والنفس

ما حدث مع الإمام الحسين عليه السلام هو جمع لهذين الأمرين, بمعنى أنَّنا نجد أنّ الجهاد ضدّ العدوّ وجهاد النفس يتجلّيان في أعلى مراتبهما في واقعة عاشوراء, أي أنّ الله تعالى يعلم أنّ هذه الحادثة ستقع وينبغي أن يظهر نموذجها الرفيع, ويصبح هذا النموذج السامي قدوة, كما يحدث - مثلاً - في البلدان مع الأبطال الذين يبرزون في لعبة رياضيّة, ويصبح البطل محفّزاً لغيره في هذه الرياضة. بالطبع هذا مثال لتقريب الفكرة إلى الأذهان.

إنّ واقعة عاشوراء هي عبارة عن حركة جهاديّة عظيمة على كلتا الجبهتين:

- جبهة مواجهة العدوّ الخارجيّ الذي هو جهاز الخلافة الفاسد نفسه, وطلّاب الدنيا الملحقين بجهاز السلطة, تلك السلطة التي استخدمها الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لنجاة البشريّة, لكنّ هؤلاء قد اختاروا السير عكس الاتجاه الذي رسمه الإسلام والنبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم.

- والجبهة الداخليّة, حيث كانت حركة المجتمع في ذلك اليوم أيضاً تسير بشكل عامّ نحو الفساد الداخليّ,

النقطة الثانية والّتي هي الأهمّ برأيي: أنّه قد مرّت فترة من الزمن، طُويت خلاله مرحلة الشدائد الأولى للدعوة. فحصلت الفتوحات، وتمّ الحصول على الغنائم، واتّسع نطاق الدولة، وتمّ القضاء على أعداء الخارج هنا وهناك, وتدفّقت الغنائم الوفيرة إلى داخل البلاد, واستغنت جماعة من النّاس وأضحت من أصحاب الأموال وطبقة الأثرياء, أي أنّه بعد أن حارب الإسلام هذه الطبقة وقلعها, عادت وتشكّلت طبقة جديدة منها في العالم الإسلاميّ. وتورّطت عناصر باسم الإسلام وبعناوين إسلاميّة- ابن فلان الصحابيّ، أو ابن فلان تابع النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، وابن فلانٍ قرابة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في أعمال غير لائقة وغير مناسبة. وقد سجّل التاريخ أسماء بعض هؤلاء. فقد ظهر أشخاص وضعوا لبناتهم مهوراً فاحشة -مليون درهم - بدل مهر السنّة (480 درهماً) الّذي اعتمده النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام ومسلمو صدر الإسلام[1]. من هم

هؤلاء؟ هم أولاد صحابة أجلّاء كمصعب بن الزبير[2], وأمثاله[3].

عندما نتحدّث عن فساد السلطة من الداخل، فإنّ هذا معناه: ظهور أفراد في المجتمع ينقلون أمراضهم الأخلاقيّة المعدية والمهلكة- الدنيويّة والشهوانيّة - تدريجيّاً إلى باقي أفراد المجتمع.

في مثل هذه الحالة، من هو صاحب القلب والمبادرة والرويّة الذي سيمضي لمواجهة جهاز يزيد بن معاوية؟! هل كان سيحدث مثل هذا الأمر حينها؟ ومن ذاك الّذي كان يفكّر بمواجهة الجهاز اليزيديّ الظالم والمفسد في ذلك الزمان؟

في مثل تلك الأوضاع حدثت النهضة الحسينيّة العظيمة، الّتي واجهت العدوّ مثلما واجهت روحيّة السعي للراحة والرضا بالفساد المهلك المنتشرة بين المسلمين العاديّين وعامّتهم. وهذا أمرٌ مهمٌّ.

بمعنى أنّ الإمام الحسين بن عليّ عليهما السلام قام بعمل أيقظ وجدان النّاس. لذلك نرى أنّه بعد شهادته، توالت الثورات الإسلاميّة الواحدة تلو الأخرى، وهي وإن تمّ القضاء عليها, إلّا أنّه ليس مهمّاً أن يجري إخماد هذه الثورات من قبل العدوّ, وإن كان ذلك مرّاً بالطبع، ولكن ما هو أكثر مرارة منه أن يصل المجتمع إلى حدّ لا يُظهر فيه أيّة ردّة فعل مقابل العدوّ، هذا هو الخطر الكبير.

لقد قام الإمام الحسين بن عليّ عليهما السلام بعملٍ أدّى إلى ظهور أشخاصٍ في مختلف عهود الحكومات الطاغوتيّة التي تلت - بالرغم من أنّهم كانوا أكثر بعداً عن عصر صدر الإسلام - ولكن كانت لديهم الإرادة والعزم على مواجهة أجهزة الظلم والفساد أكثر من عصر الإمام الحسن المجتبى عليه السلام.

كان يتمّ القضاء عليهم جميعاً. بدءاً من نهضة أهل المدينة المعروفة بواقعة "الحرّة"[4]، إلى الأحداث اللّاحقة وقضايا التوّابين[5] والمختار[6] إلى عصر بني أميّة[7] وبني العبّاس[8]، التي حصلت وقامت داخل المجتمعات بشكل متتالٍ. فمن هو الّذي أوجد مثل هذه الثورات؟ إنّه الحسين بن عليّ عليه السلام . فـلو لم يثر الإمام الحسين عليه السلام هل كانت لتتبدّل روحيّة الخمول والتهرّب من المسؤوليّة إلى روحيّة مواجهةٍ للظلم وتحمّل المسؤوليّة؟ لماذا نقول إنّ روحيّة تحملّ المسؤوليّة كانت قد ماتت؟ السبب في ذلك أنّ الإمام الحسين عليه السلام قد ذهب إلى مكّة تاركاً المدينة، الّتي كانت مهد الرجال العظام في الإسلام. فأبناء كبار الصحابة: كابن عبّاس, وابن الزبير, وابن عمر وأبناء خلفاء صدر الإسلام كانوا قد اجتمعوا كلّهم في المدينة، ولم يكن أيّ واحد منهم حاضراً أو مستعدّاً لمساعدة الإمام الحسين عليه السلام في هذه الحركة الثوريّة والتاريخيّة. فإلى ما قبل ثورة الإمام الحسين عليه السلام، لم يكن الخواصّ على استعداد للنهوض والحركة, لكن بعد ثورة الإمام عليه السلام عادت الحياة إلى هذه الروحيّة.

حماية الدّين على جبهتي الداخل والخارج

هذا درس كبير, يجب علينا معرفته إلى جانب الدروس الأخرى في واقعة كربلاء, وتظهر عظمة هذه الواقعة من خلال ما قيل في الإمام الحسين عليه السلام: "الموعود بشهادته قبل استهلاله وولادته"[9]. وهو ذلك العظيم الذي "بكته السماء ومن فيها والأرض ومن عليها"[10] قبل ولادته, إنّه الإمام الحسين بن عليّ عليهما السلام الذي يُقام له هذا العزاء الكبير ونحن نعظّمه, وحسب تعبير الزيارة "بكته السماء" لهذا السبب. لذلك عندما ننظر اليوم نرى أن الإسلام قد أحياه الحسين بن عليّ عليهما السلام, وهو يعدّ حارس الإسلام. وتعبير "حارس" هنا تعبير مناسب. فالحراسة تكون عندما يوجد العدوّ. واليوم هذان العدوّان موجودان: العدوّ الخارجيّ التآكل الداخليّ. فلا يُظننّ أنّ العدوّ في سبات! ولا يظننّ أنّ العدوّ قد انصرف عن عداوته! فإنّ مثل هذا الشيء غير ممكن.

عدم المساومة مع العدوّ

لقد أنجز الإمام الحسين عليه السلام هذا الدفاع في ظروف كان وحيداً في عالم ذلك اليوم الكبير. لم يرافقه كبار بني هاشم وقريش وأبناء صحابة الاسلام. ففي مكّة كان عبد الله بن الزبير, وفي المدينة كان عبد الله بن جعفر وعبد الله بن عمر, وهم أشخاص كانت تلهج الألسنة بأسمائهم في صدر الإسلام, وكانت أنظار عامّة النّاس متّجهة إليهم, آمال النّاس معلّقة عليهم, لكنّهم لم يكونوا مستعدّين للوقوف والصمود في مواجهة الظلم اليزيديّ, ولم يكونوا على استعداد لمساعدة فلذة كبد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فهل كان الإمام الحسين عليه السلام لينتظر مساعدة هؤلاء? وهل كان سيتراجع لو لم يقدّموا له العون؟ لم يتوقف عندما علم أثناء الطريق أنّ أهل الكوفة لن يرسلوا له أيّ عون, وعلم أنّه سيبقى وحيداً لم يتخلَّ عن الطريق[11]. عندما استُشهد جميع أصحابه في صحراء كربلاء, وبقي وحيداً مع جمع من النساء والأطفال, لم يتخلَّ عن الدفاع والجهاد[12]. بل حتّى لو استسلم الإمام الحسين عليه السلام في اللحظة الأخيرة, كان اليزيديّون على استعداد لمساومته, لكنّه لم يخضع, هذا درس كبير.

رفع مستوى الجهوزيّة والاستعداد

فيما يرتبط بالأحداث التي حدثت ليلة عاشوراء, فقد ورد أنّ السيّدة زينب الكبرى عليها السلام أقبلت نحو خيمة الإمام الحسين عليه السلام, فسمعت الإمام الحسين عليه السلام يرتجز أبياتاً من الشعر, وكانت تلك الأبيات تدلّ على أنّ الإمام ينعى نفسه, ويحكي عن دنوّ أجله. فلمّا سمعته الحوراء زينب بكت وخنقتها العبرة, فحدّثها الإمام عليه السلام بحديث.

وقد ورد في هذا الخبر المرويّ نفسه أنّ الإمام عليه السلام كان جالساً يصلح سيفه ويعالجه ويعدّه للقتال[13]. هذا الإعداد والاستعداد إنّما يعني أنّ الإمام الحسين عليه السلام لم يقل: إنّنا راحلون غداً لا محالة, وزيادة ساعة على هذا الأجل أو نقصان ساعة, سوف لن تؤثّر شيئاً, فلا ضير في أن يكون هذا السيف غير قاطع قليلاً أو غير حادّ. كلّا! بل سيف الفارس والمقاتل ينبغي أن يكون دائماً قاطعاً وصارماً, وهذا يعني أنّ المقاتل يجب عليه دائماً أن يحرص على أن يكون استعداده للحرب والقتال استعداداً في أعلى الدرجات.

الإيمان منبع المقاومة

أين هو ذلك المسلم الذي نفذَت آيات القرآن الكريم إلى عمق ذرّات روحه آية آية؟ أينما وجدنا مسلماً كهذا فهو مقاوم بهذا النحو. ونجد مثاله الأعلى والتامّ في كربلاء، أولئك الـ 72 شخصاً استشهاديّاً كبيراً, أولئك الفولاذيّون الذين ترشح منهم المعنويّات. ومن أمثلته أيضاً هذا الشعب. فنحن إذا لم نكن مثل أولئك, فإنّنا على طريقهم ونهجهم. في طريق التكامل معهم والتماثل بهم.

المقاومة الواعية علاج الحرص على السلطة لدى أصحاب القوّة والنفوذ

الإمام الحسين بن عليّ عليهما السلام هو تلك الشخصيّة التي بإمكانها أن تحلّ مشاكل هذا الشعب وكلّ الشعوب الإسلاميّة وكلّ النّاس المجاهدين والثائرين في سائر أنحاء العالم, وذلك من خلال التعرّف إلى هذه الشخصيّة وتعظيمها وفهم وإدراك نهجها في الحياة, هذا هو اعتقادنا.

إنّ المشاكل الرئيسة في العالم ناشئة من أصحاب المطامع والنفوذ, وإنّ مشاكل اليوم التي تصدح بها أبواق هؤلاء المتسلّطين أنفسهم ويصوّرونها بأنّها أخطر مشاكل تواجهنا - كالتضخّم والبطالة العالميّين، والمجاعة العالميّة - هي كلّها مشاكل من (الدرجة الثانية). وأمّا المشكلة من الدرجة الأولى فهي وجود القطبيّة غير العادلة بالنسبة إلى شعوب العالم, هذه هي أكبر مشكلة, لا أعني القطبيّة الاقتصاديّة التي هي معلولة بالنتيجة، بل القطبيّة السياسيّة. يوجد في هذا العالم مجموعة قويّة متسلّطة، طمّاعة، في يدها كلّ شيء ولديها كلّ الصلاحيات ويمكنها فعل أيّ شيء, وجماعة أخرى تتلقّى العصيَّ والسياط، نزل عليها الجور والبلاء. هذه هي أعقد مشكلة في العالم. وكلّ شيء فهو ناشئ من هذه. إنّ المقاومة بإمكانها أن تُركِع السلطات الاستكباريّة, مثلما استطاعت مقاومة الإمام (رضوان الله عليه) ومقاومة الشعب الإيرانيّ قبل الثورة وبعد انتصار الثورة أن تركع هذه القوى الاستكبارية, هذه المقاومة الواعية هي درس للجميع.

الإمام الحسين عليه السلام المعلّم الكبير للمقاومة الواعية

إنّ الحسين بن عليّ عليهما السلام هو المعلّم الكبير لهذه المقاومة الواعية. فأينما وصلنا ومهما قمنا بأعمالٍ نبقَ نشعر بالحقارة غير العادية أمام الحسين بن علي عليهما السلام وأصحابه, نعم, لذلك الشخص العظيم مقامه ومكانته, وكذلك الأمر في مقابل أصحابه. فلو أردنا أن نشرح كيف استطاعت هذه الشخصيّات العظيمة والإلهيّة أن تعلّم درس المقاومة والصمود لاحتاج الأمر إلى بحث تفصيليّ موسّع.

خاصيّة مقاومة الإمام الحسين عليه السلام

في زمن يزيد بالطبع بدأت مقاومة الإمام الحسين عليه السلام منذ ما قبل عشر سنوات خلت, وبمعنى آخر منذ ما قبل 20 سنة, منذ شهادة أمير المؤمنين عليه السلام التي سبقت عاشوراء بـ 20 سنة[14], وشهادة الإمام الحسن عليه السلام التي حدثت قبل عاشوراء بـ 10 سنوات[15], لكلّ منهما خصوصيّات. لتلك الأزمنة المختلفة خصوصيّات وميزات لسنا الآن بصدد الحديث عنها, لكنّ لهذه المقاومة بداية متقدّمة, وعندما جاء يزيد إلى الحكم اتّخذت المقاومة هذا الشكل, بتلك الحدّة، والصراحة، وعدم المحاباة. والإمام الحسين عليه السلام هو معلّم المقاومة ( الواعية). ما قام به الإمام الحسين عليه السلام هو المقاومة فقط. ففي المدينة تلقّى ضغوطاً وتهديدات لكي يبايع, لكنّه لم يفعل, وكانت الضغوط شديدة جدّاً[16].

كان يزيد حاكماً سكّيراً لا يعقل, وقحاً متعدّياً, وعلى استعداد لفعل أيّ شيء[17], أي أنّه على استعداد لقتل الإمام وإبادة أبنائه وكلّ عائلته ومن يتّصل به, بسبب هذه القضيّة! أَوَلَمْ يفعل ذلك؟!.

قالوا للإمام في المدينة: بايع, فأجابهم لن أبايع, ذهب إلى مكّة, وفي مكّة تابعوا ضغوطهم عليه. رأوا أنّهم في مكّة يكملون مهمّتهم ويجبرونه على القبول بخطّتهم وتنتهي القضيّة[18], لكنّه لم يرد أن يتمّ هذا العمل.

تحرّك الإمام للقيام بثورة, مهما كانت النتيجة التي اختتمت بها هذه الثورة.

توجّه إلى الكوفة وفي الطريق إليها واجه الضغوط وقاومها, ثمّ عادوا ثانية ومارسوا ضغوطهم عليه في لقاءات متلاحقة. في نهاية المطاف وصل إلى تلك المعركة, وقاوم فيها أيضاً حتّى استُشهد. هذا هو شكل المقاومة, رمز المقاومة. لكنْ, المقاومة المدركة[19], المقاومة التي تعلم ماذا تريد أن تفعل وتعرف هدفها. وهذا ما ينبغي أن يكون قدوة وأسوة للشعوب والحكومات والأشخاص ولشعبنا الثوريّ. كلّما حافظنا على هذه الأسوة وهذه القدوة, وحفظنا هذه المقاومة, فسوف نتقدّم إلى الأمام.

سياسة المظلوميّة المقاومة

في تاريخنا المعاصر، أوجد شهر المحرَّم حالة (خاصّة) في الثورة الإسلاميّة, بمعنى أنّه في محرّم من العام 1357 (1979) أعلن الإمام العظيم سياسةً جديدة في الثورة والمواجهة, وهذه السياسة هي انتصار الدم على السيف. لم تكن قضيّة انتصار الدم على السيف شعاراً حماسيّاً

فقط, ولم تكن مجرّد كلام حماسيّ لا تكمن خلفه سياسة إسلاميّة عميقة, بل كانت سياسة إسلاميّة عظيمة. وفي خطابه إلى الشعب الإيرانيّ، كان الإمام الخميني قدس سره يعلّمهم, أنّه مع حلول شهر محرّم ينبغي أداء الدور نفسه الذي قام به الحسين بن عليّ عليهما السلام, وهو دور المظلوميّة المنتصرة والمقاوِمة, أي في مواجهة التحرّكات التي قام وسيقوم بها النظام الملكيّ المتجبّر والظالم, في مواجهة تلك القسوة وذلك الشقاء, فأنتم لا تملكون سلاحاً، ولستم من أهل المعركة المسلّحة، أنتم جموع محتشدة مؤمنة مخلصة، صونوا إيمانكم وإخلاصكم بدمائكم، واسعوا لذلك النصر الذي هو لا محالة واقع.

إنّ "سياسة المظلوميّة المقاومة" هي ذاتها سياسة الحسين بن عليّ عليهما السلام التي عُمل بها في إيران أيضاً, وقد انتصرت, أي أن تتحمّل مجموعة هذه المظلوميّة ولا تنحرف عن طريقها ولا تنصرف في مقابل كلّ تلك الشدائد والبلاءات, والمظلوميّة التي تنزل على رؤوسهم لتستمرّ على هذا الطريق ولو ببذل النفوس. وهذه السياسة هي التي أدركها الشعب وفهمها، وقد رأيتم كيف امتزجت - منذ بداية شهر محرّم في شوارع طهران وفي الأماكن المختلفة - أصوات التكبير بأزيز رصاص عملاء النظام ومأجوريه، وقد تغلّبت أصوات التكبير على أزيز الرصاص, وفي النهاية انتصر الدم على السيف.

فلولا هذه السياسة، ولولا إحساس النّاس وشعورهم - على الرغم من المظلوميّة الشديدة التي عانوا منها - أنّه ينبغي المقاومة والصمود وإكمال الطريق - التي هي سياسة الإمام الحسين بن عليّ عليهما السلام ذاتها - لولا ذلك لما انتصرت الثورة.

لقد علّمنا الإمام درساً, أنّه ينبغي أن تتحملّوا هذه الضربات التي تنزل عليكم - وقد تحمّلتم - ولو ببذل الأرواح، وإكمال الطريق. فالعدوّ ليس بمقدوره الاستمرار بهذه الضربات حتّى النهاية، فطاقته محدودة, وفي نهاية المطاف هو سيعجز عن الاستمرار, وذلك اليوم هو يوم موت العدوّ وهذا ما حصل. وهذه السياسة هي سياستنا الدائمة المستمرّة. هكذا كانت على طول التاريخ, وهي الآن كذلك، وستبقى كذلك في المستقبل.

 

[1] ذكرت الكتب الروائيّة أنّ معدل مهر السنّة تراوح بين 400 و500 درهماً: 400 درهماً-, المصنّف, عبد الرزاق الصنعانيّ, ج6, ص177, مسند أحمد, ج2, ص367-368 420 درهماً-, أنساب الأشراف, ج1, ص445, الطبقات الكبرى, ج8, ص128, المستدرك, ج2, ص176, بحار الأنوار, ج16, ص10-12, 500 درهماً- مسند أحمد, ج6, ص93-94, الكافي, ج5, ص375-377, بحار الأنوار, ج90, ص170.

[2] المعارف, ص233, المبسوط ج4, ص272.

[3] المصنّف, ابن أبي شيبة الكوفيّ, ج3, ص320, الطبقات الكبرى, ج6, ص143, السنن الكبرى, ج7, ص233.

[4] مروج الذهب, ج3, ص68-71, الكامل في التاريخ, ج4, ص11-121.

[5] الطبقات الكبرى, الخامسة 1, ص509-510, تاريخ الطبريّ, ج4, ص451-470.

[6] الأخبار الطوال, ص288-308, الأمالي, الطوسي, ص240-244, بحار الأنوار, ج45, ص332-338.

[7] مقاتل الطالبيّين, ص145-150, الإرشاد, ج2, ص171-174, بحار الأنوار, ج31, ص530.

[8] تاريخ اليعقوبيّ, ج2, ص497, الإمامة والسياسة, ج2, ص186, مقاتل الطالبيّين, ص438-441, تجارب الأمم, ج4, ص114-118, البدء والتاريخ, ج6, ص109, المنتظم, ج7, ص213, الكامل في التاريخ ج6, ص310, وجزء7, ص238, البداية والنهاية, ج11, ص9-10, تاريخ ابن خلدون, ج4, ص14.

[9] مصباح المتهجّد, ص826, بحار الأنوار, ج98, ص347.

[10] المصدر السابق.

[11] تاريخ الطبريّ, ج4, ص299-301, الإرشاد, ج2, ص73-76, بحار الأنوار, ج44, ص372-374.

[12] بحار الأنوار, ج45, ص47.

[13] تاريخ الطبريّ, ج4, ص318-319, روضة الواعظين, ص184, بحار الأنوار, ج45, ص1-2.

[14] انت شهادة أمير المؤمنين عليهما السلام سنة 40 للهجرة: تاريخ الطبريّ, ج4, ص109-110, الكافي, ج1, ص452, بحار الأنوار, ج42, ص213, كانت شهادة الإمام الحسين عليه السلام عام 61 للهجرة: تاريخ الخليفة, ص143, الكافي, ج1, ص463, بحار الأنوار, ج44, ص199.

[15] تاريخ شهادة الإمام الحسن عليه السلام خلافي, وقد ذكرت تواريخ عدّة لها في الأعوام:47/48/49/50/51 هـ ق: أنساب الأشراف, ج3, ص64, الكافي ج1, ص461-462, المعجم الكبير, ج3, ص25, العدد القويّة, ص350-351, بحار الأنوار, ج44, ص140,146,160.

[16] الفتوح, ج5, ص10-18, مناقب آل أبي طالب, ج3, ص240, بحار الأنوار, ج44, ص324-325.

[17] أنساب الأشراف, ج5, ص286, مروج الذهب, ج3, ص67.

[18] تاريخ اليعقوبيّ, ج2, ص248-249, تاريخ الطبريّ, ج4, ص289-290, الإرشاد, ج2,ص 67, اللهوف, ص40, بحار الأنوار, ج45, ص99.

[19] الأخبار الطوال, ص246, الأمالي, الصدوق, ص217, تاريخ مدينة دمشق, ج14, ص214, بحار الأنوار, ج44, ص375.




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.