أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-11-2020
1595
التاريخ: 2023-02-05
1347
التاريخ: 2024-08-09
507
التاريخ: 13-11-2020
1484
|
إنَّ قاعدة التزامن لأينشتاين توفّر الاتساق لمفارقة الساعة، لكنها تنطوي على تبعات غريبة للغاية. فيبدو أنَّ ما نقوله فيها أنَّ ما يحدث «الآن» يعتمد على سرعتي المتجهة؛ وإذا تغيرت سرعتي المتجهة، فستنتقل الأحداث البعيدة من الماضي إلى المستقبل أو العكس. لتوضيح ما نقصده بهذه الغرابة، تخيل أن أخاك الحبيب يتزوج في مجرة أندروميدا التي تبعد مسافة مليوني سنة ضوئية. ستظل تتحرك ذهابًا وإيابًا قلقًا بشأن ما إذا كانت الأمور كلها ستسير على ما يرام، لكنك حينما تتحرك « ذهابًا»، فإن قاعدة التزامن لأينشتاين تعني أن حفل الزفاف لن يحدث إلا بعد ساعات؛ وعندما تتحرك «إيابًا»، فإن القاعدة تعني أنَّ الحفل انتهى بالأمس.
لكن هل قاعدة أينشتاين «صحيحة»؟ يمكننا بالطبع وَضْع تعريفات مختلفة لاصطلاحات تزامن الساعات: يمكننا أن نقرّر مثلا جعل سرعة الضوء الأحادية الاتجاه مختلفة في اتجاهات مختلفة، أو يمكننا اختيار أكثر إطار نفضّله ونقول إن الساعات في «كل» الأطر يجب أن تتفق مع «ذلك» الإطار فيما يتعلق بأي الأحداث هي المتزامنة. غير أنَّ قاعدة أينشتاين توفّر مميزات مهمة تفوق كل ما ذكر سابقًا؛ ومن هذه المميزات ما يتطلب منا اختيار إطار مرجعي مفضَّل، ومنها ما يتطلب اختيار اتجاه مفضَّل في المكان؛ فمن ناحية عملية بدرجة أكبر، تصبح معادلات الفيزياء أبسط بكثير إذا تبنينا قاعدة التزامن لأينشتاين، بدلا من أي من القواعد المنافسة. وبناءً على هذا، يمكننا القول إن قاعدة التزامن لأينشتاين هي الاختيار «العملي» الصحيح.
إنَّ القول إنها الاختيار الصحيح وإن الاختيارات الأخرى خاطئة – لا غير محبذة فحسب – مسألة أخرى. ربما يفيد ذكر بعض المقارنات في الفهم. في عملية ضبط الوقت مثلًا، تتمثل القاعدة المعتادة على الأرضِ في تقسيم العالم إلى 24 منطقة زمنية، فيصبح لدينا 24 خيارًا لوقت الظهيرة، وفي كل منطقة منها تحين الساعة 12:00:00 تقريبًا، عندما تصبح الشمس عمودية على تلك المنطقة. وثمة قاعدة أخرى بديلة لضبط الوقت، وهي ضبط كل الساعات في كل مكان على الأرض حسب توقيت جرينتش. غير أنَّ هذه القاعدة البديلة لا تُستخدم في المعتاد؛ لأنه ليس من المناسب أن تحين الظهيرة عند منتصف الليل في بعض الأجزاء في العالم، لكن هذا لا يجعلها خاطئة بل أقل نفعًا فحسب. (على الرغم من ذلك، ففي بعض الظروف مثل العمليات العسكرية، يتبيَّن أن هذه القاعدة أكثر نفعًا؛ إذ إنَّ مزايا وجود وقت مشترك تفوق عيوب ضبط الوقت من دون الاعتماد على الشمس والقمر). إنَّ ما ينفي وجود قاعدة أكثر صوابا من الأخرى، هو أنه لا يوجد أي شيء موضوعي فيه صواب أو خطأ؛ فبخلافِ ما اصطلحنا عليه، ما من حقيقة في ذلك الأمر بشأن ماهية الوقت.
لنضرب مثالًا آخر دائمًا ما تكون خطوط ورقة التمثيل البياني قائمة الزوايا، وينطبق الأمر نفسه على أنظمة الإحداثيات للخرائط؛ إذ غالبًا ما تكون محاورها قائمة الزوايا. ولهذا الخيار ميزات متعددة، بعضها جلي وبعضها خفي. فعلى سبيل المثال، لا تتحقق مبرهنة فيثاغورس – المسافة مربع بين نقطتين على مستوى إحداثي يساوي مربع المسافة بينهما على المحور س زائد مربع المسافة بينهما على المحور ص – إلا إذا كانت المحاور قائمة الزوايا. وتحقيقًا لكل هذه الأغراض، فسيكون من «الأقل نفعًا» إليك أن تكون خطوط ورقة التمثيل البياني بزاوية أخرى. لكن ورقة التمثيل البياني ليست «خاطئة» لأنه – مرة أخرى – ما من حقيقة موضوعية تخبرنا بالزاوية «الفعلية» بين المحاور؛ فليست تلك المحاور سوى اختيارنا الخاص لكيفية إنشاء نظام إحداثي للمكان.
ما يبقى على المحكِّ في هذه المسألة هو ما إذا كان للسؤال: «ما الذي يحدث «الآن» في مكان ما بعيد؟» إجابة صحيحة وموضوعية (وفي هذه الحالة ستكون هناك قاعدة تزامن صحيحة وموضوعية، ويمكننا حينها أن نُحاج بقوة بأن هذه القاعدة هي قاعدة أينشتاين)، أم إنَّ الإجابة مسألة اصطلاح فحسب وفي هذه الحالة يمكننا فهم قاعدة التزامن لأينشتاين أو تزامن أينشتاين باعتبارها اختيارًا منطقيا لذلك الاصطلاح، لكنها ليست الخيار الصحيح من الناحية الموضوعية).
(ثمة شيء غامض قليلًا بشأن كلمة «اصطلاحي» في هذا السياق. فبعض الاصطلاحات «اعتباطية» فحسب؛ بمعنى أنه لا يوجد سبب على الإطلاق لاستخدام كلمة «كلب» في اللغة العربية وعدم استخدام أي كلمة أخرى للإشارة إلى الكلاب. وعلى النقيض من ذلك، فإن المحاور القائمة الزوايا والمعايير المرتبطة بالموقع المستخدمة لتحديد وقت الظهيرة، اصطلاحات جيدة؛ ولهذا فمن المنطقي موضوعيًا أن تُستخدم في معظم المواقف. لكن المعيار الصحيح لتقييمها هو ما إذا كانت منطقية أم اعتباطية، وليس ما إذا كانت صحيحة أم خاطئة.)
تنبع إحدى الحجج الفلسفية لإحدى الإجابات الفريدة عن هذا السؤال من فلسفة الزمن، ومن الفكرة الواسعة الانتشار التي تُفيد بوجودِ اختلاف جوهري بين الماضي والمستقبل. وفقًا لهذه الطريقة في التفكير، فإنَّ الماضي ثابت، والمستقبل لم يأتِ بعد ومن ثُم فهو منفتح، أما الحاضر فهو على حافة الانتقال بين المستقبل والماضي؛ ومع تدفق الزمن، يزيد الماضي زيادةً مطردة ويتناقص المستقبل. إذا كانت هذه هي الطبيعة العميقة للزمن، فيبدو أنها تشير إلى مفهوم قاطع وغير اصطلاحي عن التزامن.
لطالما كانت هذه النظرية عن الزمن محلَّ خلاف في الفلسفة. فيقال إن تدفق الزمن ما هو إلا فكرة غير متسقة؛ فما التدفق إلا شيء يحدث «في» الزمن؛ ومن ثم فهو ليس منطقيًّا للزمن في حد ذاته. (ثمة شعار يشيع بين النقاد وهو: «ما مدى سرعة تدفق الزمن؛ أهي ثانية في الثانية؟») لكن الأهم فيما يتعلق بأغراضنا أن هذه الفكرة تتعارض تعارضًا كبيرًا مع فكرة أن التزامن نسبي (وهو ما فرضه علينا اصطلاح التزامن لأينشتاين، بل ما يفرضه علينا أيُّ اصطلاح منطقي وصحيح من الناحية الموضوعية). وإذا كان بإمكاني نقل حدث من الماضي إلى المستقبل، وإعادته مرةً أخرى بمجرد الذهاب والإياب، وإذا كانت الأحداث التي مرَّت عليَّ في الماضي هي في المستقبل بالنسبة إليك؛ لأننا نتحرك بسرعات مختلفة، فسيصعب إدراك وجودِ فرق جوهري بين طبيعتي الماضي والمستقبل. يبدو أنَّ المفهوم الموضوعي للتزامن يستلزم أن يكون هذا المفهوم مطلقًا ومستقلًا عن الإطار؛ وفور أن نقبل بنسبية التزامن، فلن يتبقى سوى خطوة صغيرة لإدراك أن التزامن مسألة اصطلاحية. (غير أنَّ ذلك أحد الموضوعات التي لم يتوقف الفلاسفة فيها عن الدفاع عن العديد من المواقف المختلفة؛ فلم يستسلم المدافعون عن فكرة التزامن النسبي، ولا المدافعون عن التدفق الموضوعي للزمن، بأي حال من الأحوال.)
|
|
كل ما تود معرفته عن أهم فيتامين لسلامة الدماغ والأعصاب
|
|
|
|
|
ماذا سيحصل للأرض إذا تغير شكل نواتها؟
|
|
|
|
|
جامعة الكفيل تناقش تحضيراتها لإطلاق مؤتمرها العلمي الدولي السادس
|
|
|