المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17432 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
كتلة افريقيا The African Shield
2024-10-06
الكتلة الكندية The Canadian Shield
2024-10-06
كتلة البرازيل وجيانا
2024-10-06
مرض العفن الرمادي الذي يصيب الخيار Grey mould
2024-10-06
كتلة انتاركتيكا Antarctica Shield
2024-10-06
عوامل تشكیل سطح الارض
2024-10-06

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


آياتُ الله في خلقِ الليل والنهار  
  
15404   05:18 مساءاً   التاريخ: 13-11-2015
المؤلف : الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الكتاب أو المصدر : نفحات القران
الجزء والصفحة : ج2 ، ص 167- 176.
القسم : القرآن الكريم وعلومه / الإعجاز القرآني / الإعجاز العلمي والطبيعي /

بالرغم من أنّ الليل والنهار من الظواهر التي تحصل نتيجة لضوء الشمس وحركة الأرض ، ويعتبران من بركاتهما ، لكن نظراً لاهتمام القرآن بهما في آيات التوحيد بشكلٍ خاص ، واستناده إلى‏ هاتين الظاهرتين في الكثير من الآيات ، لذلك من الواجب الاهتمام بهما بشكل مستقل ، كي نرى‏ فيهما آيات تلك الذات غير المعلومة ، ونتعرفُ أكثر على‏ خالقِ وإله عالم الوجود ، ونزداد حباً له ، ونتشرف بالنظر إلى‏ حضرته المقدَّسة.

بعد هذا التمهيد نقرأ خاشعين الآيات الاثنتي عشرة الآتية :

1- {وَهُوَ الَّذِى خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ}. (الانبياء/ 33)

2- {يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِى ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُولِى الأَبْصَارِ}. (النور/ 44)

3- {هُوَ الّذِى جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسكُنُوا فِيْهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآياتٍ لِّقَومٍ يَسْمَعُونَ}. (يونس/ 67)

4- {وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ والنَّهارُ والشَّمْسُ والْقَمَرُ}. (فصلت/ 37)

5- {وَجَعَلْنَا اللَّيلَ وَالْنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِّتَبْتَغُوا فَضْلًا مِّنْ رَّبِّكُمْ ولِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِيْنَ والْحِسابَ}. (الاسراء/ 12)

6- {وَجَعَلْنَا اللَّيلَ لِبَاساً * وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعَاشاً}. (النبأ/ 10 و11)

7- {وَهُوَ الَّذِى جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّر أَو أَرَادَ شُكُوراً}. (الفرقان/ 62)

8- {وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ}. (النحل/ 12)

9- {إِنَّ فِى اخْتِلَافِ اللَّيلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِى السَّمَواتِ وَالأَرضِ لَآيَاتٍ لِّقَومٍ يَتَّقُونَ}. (يونس/ 6)

10- {قُلْ ارَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إلى‏ يَومِ القِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيْكُمْ بِضِياءٍ أفَلا تَسْمَعُونَ* قُلْ ارأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلى‏ يَومِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأتِيْكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيْهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ* وَمِنْ رَّحمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيلَ والنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ ولَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}. (القصص/ 71- 73)

11- {وَاللَّيلِ إِذا يَغْشَى‏* وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى}. (الليل/ 1- 2)

12- {ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُوْلِجُ اللَّيلَ فِى النَّهَارِ وَيُوْلِجُ النَّهَارَ فِى اللَّيْلِ وأَنَّ اللَّهَ سَمِيْعٌ بَصيْرٌ}. (الحج/ 61)

النظام العجيب اللّيل والنّهار :

لقد تكرّرت كلمة «الليل» في القرآن الكريم أكثر من «70» مرّة ، وكلمة «النّهار» أكثر من «50» مرّة ، والآيات السابقة تُعتبر نماذج مختلفة لهذه الآيات ، حيث تمّت الإشارة فيها إلى‏ البعد التوحيدي لخلق الليل والنهار على‏ وجه الخصوص.

ففي الآية الاولى‏ ذُكرَ اصلُ خلقِ اللّيل والنهار ، والشمس والقمر ، اللذين يرتبطان بهما بعلاقةٍ قريبةٍ كبرهانٍ لسالكي خط التوحيد ومعرفة اللَّه ، حيث يقول : {هُوَ الَّذِى خَلَقَ اللَّيلَ وَالنَّهَارَ}.

وجاء هذا المعنى‏ بنحوٍ آخر في الآية الرابعة ، إذ يقول : {ومِنْ آياتِهِ اللَّيلُ والنَّهَارُ وَالشَّمسُ وَالقَمَرُ}.

في الوقت الذي يقول في الآية الثانية : {يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِى ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِى الأَبْصَارِ}.

وقد يكون هذا التغيير في التعبير إشارة إلى‏ حصول اللّيل والنّهار ، أو زيادة ونقصان مقداريهما ، أو اختلافهما من حيث البرودة والحرارة الذي يحدث خلالهما «1» ، ولكن لا مانع من شمول هذا التغيير كل هذه المعاني أبداً.

وأشار في الآية الثالثة إلى‏ احدى‏ فوائد «اللّيل» و«النهار» المهمّة ، حيث يقول : {هُوَ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ اللَّيلَ لِتَسْكُنُوا فِيه وَالنَّهارَ مُبصِراً}.

والواضح أنّ الاطمئنان في ظلمة الليل أحدُ أهمِ النعم الإلهيّة ، كما أنّ نور النّهار الضروري لمختلف النشاطات يُعتبر نعمةً مهمةً اخرى‏.

والملاحظ في هذه الآية أنَّ النَّهار اعتُبرَ «مُبصراً» ، والمُبصرُ في الأصل تعني البصير ، ونحنُ نعلمُ أنّ النّهار ليس بصيراً في نفسهِ ، ولكن بما أنّه يؤدّي إلى‏ أن يُبصرَ الآخرون ، فلعلَّ هذا التعبير اطلِقَ عليه للتأكيد والمبالغة.

وفي الحقيقة لولا بريق النّور فلا فائدةَ لألف عينٍ مبصرةٍ ، لهذا فهو يضيف في ختام الآية : {إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَومٍ يَسْمَعُونَ} ، أي اولئك الذين يستمعون هذه الآيات ويتفكرون فيها.

في حين أنّه يعتبر كلًا من الليل والنّهار في الآية الخامسة آيةً من آيات اللَّه تعالى‏ ويقول :

{فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهارِ مُبصَرةً} ، ثم يشير إلى‏ فائدتي ذلك حيث يقول :

{لِتَبتَغُوا فَضْلًا مِّنْ رَّبِّكُمْ ولِتَعْلَمُوا عَدَدَ السَنِينَ والْحِسَابَ}.

فهل أنّ فوائد النهار تقتصر على‏ ابتغاء فضلِ اللَّه ومعرفة حساب السنة والشهور من آثار الليل والنّهار معاً؟ أم أنّ كلا المنفعتين لهما علاقةٌ وثيقة بالليل والنهار معاً ؟ لأنَّ الراحةَ في اللّيل لها أثرٌ واضحٌ في إمكانية العمل والابتغاء من فضل اللَّه نهاراً ، والظاهر أنَّ المعنى‏ الثاني أكثر تناسباً من حيث تناسقه مع الآية ، بالرغم من أنّ العديد من المفسرين ذكرَ المعنى‏ الأول.

وفي الآية السادسة إشارة إلى‏ هذا المعنى‏ وبنحوٍ آخر حيث يقول : {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً- والنَّهَارَ مَعَاشاً}.

وقد يكون‏ «المعاش» اسم زمانٍ أو مكانٍ أو مصدراً ميمياً ، وهو يلائم المعنى‏ المصدري‏ «2».

ووصف الليل ب «اللباس» يعتبر من التعابير اللطيفة جدّاً ، حيث إنَّ الليل كاللباس بالنسبة لنصف الكرة الأرضية ، وهو كذلك بالنسبة للإنسان ، فكما أنّ اللباس يحفظ جسم الإنسان من بعض الاضرار ويمنحه جمالًا ورونقاً ، فانَّ ظلمةَ الليل والنوم العميق أثناء اللّيل يمنح روحَ الإنسان وجسمه طراوةً ونشاطاً ويصونه من مختلف الأمراض.

والحديث في الآية السابعة عن استخلاف الليل والنّهار لبعضهما البعض ، فيقول : {وَهُوَ الَّذِى جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً}.

و«خِلْفَة» : على‏ وزن‏ (فِتنه) ، وكما يقول الراغب في «المفردات» فانّها تُطلقُ على‏ شيئين يخلف أحدُهما الآخرَ باستمرار ، لكن‏ «خلفة» تعني‏ «مختلف» وفقاً لرأي الفيروز آبادي في «قاموس اللغة» ، ففي الحالة الاولى‏ ينصبُّ الاهتمام على‏ تناوب الليل والنّهار ، فلو لم يكن هذا التناوب دقيقاً ومحسوباً ، فإمّا أنْ تحترق موجودات الأرض من شدة حرارة ضوء الشمس أو تنجمد منْ شدةِ البرودة ، وفي الحالة الثانية إشارة إلى‏ اختلاف اللّيل والنّهار وحصول فصول السنة الأربعة التي لها آثار خاصة في حياة الإنسان.

واختار بعضُ المفسرين المعنى‏ الأول ، بينما ذهبَ البعضُ الآخر إلى المعنى‏ الثاني ، ولكن ليس هنالك من مانعٍ في الجمع بين هذين المعنيين.

وورد في الروايات أنّ الإنسان يستطيع أن يقضي في النّهار ما فاته من عبادات الليل وبالعكس ، واعتُبِر أنّ الآية تشير إلى‏ هذا المعنى‏ «3».

ولا يتعارض هذا التفسير مع التفاسير السابقة أيضاً ، وعلى‏ أية حالٍ ، فانَّ الآية تشير إلى‏ نظامٍ خاصٍ ومتناوبٍ لظاهرة لليل والنّهار حيث تدلل على‏ العلم والقدرة اللامتناهية للخالق جلَّ وعلا ، بشكلٍ لو كانت دورة الأرض حول نفسها اسرعُ بقليلٍ أو أكثر بطءً ممّا عليه الآن لطال اللَّيلُ والنّهار وتعَّرضت حياة الناس بل كافة الموجودات على‏ الأرض إلى‏ الخطر.

والحديث في الآية الثامنة عن تسخير الليل والنّهار وخدمتهما للإنسان إذ يقول :

{وسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ والنَّهارَ}.

وبما أنّ شرحَ معنى‏ التسخير قد مرَّ سابقاً في موارد مشابهة فلا نرى‏ حاجةً للإعادة.

وأشار في الآية التاسعة ، أولًا إلى‏ مسألة اختلاف اللّيل والنهار ، ثم إلى‏ كافة مخلوقات الأرض والسماء التي خلقها اللَّه تعالى‏ كبرهانٍ على‏ عظمتهِ وعلمهِ وقدرتهِ فيقول : {انَّ فِى اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِى السَّمَواتِ وَالأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُوْنَ}.

وهذا التعبير دليلٌ على‏ مدى‏ أهميّة خلقهما.

وفي القسم العاشر أشار في ثلاث آيات بتعابير جميلة إلى‏ الفوائد المهمّة لليل والنهار فقال تعالى : {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيكُمُ اللَّيلَ سَرْمَداً إِلى‏ يَومِ القِيَامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيرُ اللَّهِ يأتِيكُم بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ* قُلْ ارأَيْتُم إنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيكُم الَّنهَارَ سَرمَداً إِلى‏ يَومِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيرُ اللَّهِ يَأتِيكُم بِلَيلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُون* وَمِنْ رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيلَ والنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيْهِ ولِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُم تَشْكُرُوْن}.

والجدير بالذكر انّه يقول في نهاية احدى‏ الآيات : {أَفَلا تَسْمَعُونَ} ، وفي نهاية آية اخرى‏ : {أَفَلا تُبْصِرُونَ}.

ولعلَّ هذه التعابير إشارةٌ إلى‏ أنّ هناك دلائل حسّية في هذا النظام الدقيق لليل والنّهار يجب أن تُنظَر بالعين ، وكذلك هناك دلائل نقليه يجب أن تُسمَعَ ، وهذا جديرٌ بالتأمُل أيضاً ، يقول في مورد خلود اللّيل : {أَفَلا تَسْمَعُونَ} ، وفي مورد خلود النّهار : {أَفَلا تُبْصِرُونَ} ، لأنَّ الأُذنَ تستخدمُ غالباً في الليل والعينَ في النهار.

إنَّ أهميّة موضوع الليل والنّهار بلغت إلى‏ الحد الذي يُقسمُ اللَّه تعالى في القرآنُ بهما في آياتٍ عديدةٍ من بينها ما يقوله في القسم الحادي عشر من هذه الآيات : {واللَّيلِ إذا يَغْشى* والنَّهارِ إِذا تَجَلَّى‏}.

وورد هذا المعنى‏ في مكانٍ ثانٍ وبتعبيرٍ آخر فيقول : {واللَّيلِ إِذ أَدبَرَ والصُبْحِ إِذا أسْفَرَ}. (المدثر/ 33)

ويقول في مكانٍ آخر : {وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ* والصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ}. (التكوير/ 17)

ويضيف في مكان آخر : {وَالضُحى‏ وَاللّيْلِ إِذَا سَجَى}. (الضحى‏/ 1- 2)

وأَيْمانٌ اخرى‏ من هذا القبيل حيث تحكي كلُّها عن الاهمية الفائقة التي يوليها القرآن الكريم للَّيل والنّهار كي يتمعنَ الإنسان بهما ويرى‏ آياتِ اللَّه في كلَّ موقعٍ منهما ، لأنَّ القَسَمَ دليلٌ على‏ أهميّة وقيمة وحقيقة التأمل دائماً.

وفي الآية الثانية عشرة والاخيرة نواجه تعبيراً جديداً في هذا المجال إذ يقول : {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِى النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِى اللَّيْلِ}.

«يُوْلِجُ» : من مادة «ايلاج» وتعني الادخال ، وبما أنّها جاءت بصيغة «الفعل المضارع» وحيث اننا نعلمُ أنّ الفعل المضارع يفيد الاستمرار ، فقد تكون إشارة إلى‏ طول وقصر اللَّيل والنهار التدريجي والمنَّظم على‏ مدى‏ فصول السنة المختلفة حيث ينقصُ احدهُما ويضاف إلى‏ الآخر ، فهذا النظام التدريجي عاملٌ مؤثرٌ في نمو النباتات وتكامل الكائنات الحيّة ، فلو حدثَ فجأةً سيختلُ توازنُ هذه الموجودات فيكون مضراً ، لهذا فقد جعلَهُ الباري تعالى‏ أمراً تدريجياً.

ومن الممكن أن تكون إشارة إلى‏ مسألة شروق وغروب الشمس ، لأنَّ الشمس حينما تقتربُ من الشروق يشعُ نورُها نحو الطرف الأعلى‏ من الجو ، ويضي‏ء الجو قليلًا ، وكلما ارتفعت الشمس من وراء الافق يزداد هذا الضياء ، وعلى‏ العكس أثناء الغروب ، فلا يحلُّ اللَّيلُ دفعةً واحدةً ، بل تختفي أشعةُ الشمس رويداً رويداً في الطبقات السفلى‏ من الجو ، ويحلُّ الظلامُ محلَّها ، فهذا الانتقال التدريجي من النور إلى‏ الظلام وبالعكس يؤدّي إلى‏ أنْ يتأقلمَ الإنسان معه من الناحية الجسمية والروحية ، ولو حلَّ اللّيلُ أو الّنهار بشكلٍ مفاجي‏ءٍ لتركَ آثاراً سيئةً.

والجدير بالذكر أنّ ظاهرَ الآية هو أنّ دخولَ اللّيل في الّنهار والنهار في الليل يحدث في‏

آنٍ واحدٍ ، والواقع هو كذلك ، لأنَّ اللَّيلَ يقلُّ تدريجياً أثناء فصل الصيف في المناطق الواقعة شمال خط الاستواء ويصبح جزءً من النهار أي إنّه مصداقٌ ل {يُولِجُ اللَّيْلَ فِى النَّهَارِ} ، وفي ذات الوقت يقلُّ النّهار في جنوب خط الاستواء ويصبح جزءً من اللَّيل حيث يكون مصداقاً ل {يُوْلِجُ النَّهارَ فِى اللَّيْلِ} «4».

وجاء في الحديث المشهور عن المفضل ، أنّ الإمام الصادق عليه السلام قال :

«فكّر في دخول أحدهما- الليل والنهار- على‏ الآخر بهذا التدريج والترسّل ، فانك ترى‏ أحدهما ينقص شيئاً بعد شي‏ء ، والآخر يزيد مثل ذلك حتى‏ ينتهي كل واحد منهما منتهاه في الزيادة والنقصان ، ولو كان دخول أحدهما على‏ الآخر مفاجأة ، لأضّر ذلك بالأبدان وأسقمها ، كما أنّ أحدكم لو خرج من حمّام حار إلى موضع البرودة لضّره ذلك واسقم بدنه ، فلم يجعل اللَّه عزّ وجلّ هذا الترسل في الحر والبرد إلّا للسلامة من ضرر المفاجأة ؟ » «5».

توضيحان‏

1- أهميّة النور والظلام وفوائد اللَّيل والّنهار

لاحظنا في الآيات الآنفة كيف أنّ اللَّه تبارك وتعالى‏ يدعو الناس إلى‏ دراسة هاتين الظاهرتين اللتين تبدوان عاديتين للعيان ، ويعُّدهما من آياته ، والحقيقة أننا كلَّما امعّنا النظر في هذا المجال نتوصل إلى‏ امورٍ جديدة :

أ) فنحنُ نعلمُ أنّ اللَّيل والّنهار في جميع أنحاء العالم يختلفان تماماً ، فطول الليلِ عند خط الاستواء 12 ساعة ، وطول الّنهار 12 ساعة أيضاً في كافة الفصول ، إلّا أنَّ السَّنةَ كلَّها في المنطقة الجنوبية وعلى‏ خط 90 ليست أكثر من يومٍ واحدٍ وليلةٍ واحدة حيث تكون مدة كلٍّ منهما ستة أشهر تقريباً «ومثل هذه المناطق غير مأهولة طبعاً» ، وهنالك مراحل وسط بين هذين الوضعين في باقي بقاع العالم.

إلّا أنَّ ما يثير العجب هو بالرغم من هذا الاختلاف فانَّ جميع بقاع الأرض تستفيد من أشعة الشمس بنفس النسبة على‏ مدار السنة وهذا نظامٌ عادلٌ للغاية !.

ب) إنّ الّنهار اكثرُ طولًا أثناء الصيف والليل أكثرُ طولًا في الشتاء ، أي أنّ هذين الأمرين يسيران بشكلٍ متزامنٍ ، زيادة طول الّنهار ، والاشعاع العمودي «أو شبه العمودي» للشمس ، فيكمل أحدُهما أثر الآخر ، ويؤدّيان إلى‏ زيادة حرارة الجو فتثمرُ الفواكه والمحاصيل الزراعية ، وفي الشتاء يؤدّي إلى‏ زيادة البرودة وتساقط أوراق الأشجار والنباتات ، واللطيف أنّه في المناطق الاستوائية حيث يشع ضوء الشمس عمودياً لا يطول الّنهار أبداً ، وإلّا لداهمها خطر الحرارة الشديدة واحترقت النباتات.

ج) إنّ ضوء الشمس يسبب اليقظةَ والجد والسعي والحركة باستمرار ، على‏ العكس من اللّيل الذي يبعث على‏ السكون والاستقرار والنوم ، ويُلاحَظُ هذا الأمر على‏ وجه الخصوص في عالم الحيوانات ، حيث تستيقظ الطيور مع سفور الصبح وتتجه نحو الصحراء ، وتعود وتستريح في أوكارها عند غياب الشمس ، وفي الارياف حيث إنّ لمعظم الناس حياةً طبيعية ، ويكون برنامج حياتهم كذلك أيضاً ، ولكن نظراً لتطور الآلة ، وصناعة النور الاصطناعي ، فانَّ الكثير من الأشخاص يسهرون جزءً من اللَّيل وينامون بعض النهار ، وهذا أحدُ الأسباب لبعض أنواع الأمراض ، وفي الحقيقة أنّ القرآن يُحذِّرُ مثل هؤلاء الأفراد بانَّ ترك النوم ليلًا يؤدّي إلى‏ فقدان الاطمئنان الروحي وذلك من خلال عبارة : {هُوَ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيْهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً}. (يونس/ 67)

2- ظاهرة اللّيل والّنهار في القرآن الكريم‏

لقد ذُكِرَتْ ظاهرة اللّيل والّنهار أكثر من ثلاثين مرّة في القرآن الكريم كبرهانٍ على‏ وجود اللَّه ودليلٍ على‏ عظمته وقدرته ، حيث يقول أحياناً : {إِنَّ فِى ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُولى‏ الأَبْصارِ}. (النور/ 44)

ويقول كذلك : {لَآياتٍ لِّقَومٍ يَتَّقُونَ}. (يونس/ 6)

ويقول : {لَآيَاتٍ لِّقَوُمٍ يُؤمِنُونَ}. (النمل/ 86)

وفي الواقع ، أنّ العلاقة بين هذه الامور الثلاثة تتضح هنا حيث إنَّ التفكُر والتأمُّل الناضجين والعميقين كما ورد في حق‏ «اولُوا الألباب» يؤدّيان إلى‏ ظهور الإيمان ورسوخه ، والإيمانُ بدوره يؤدّي إلى‏ ظهور التقوى‏ في القلب والروح أيضاً.

ولهذا فانَّ التمعُنَ في آيات عظمةِ اللَّه وعلمه وقدرته في عرض عالم الوجود ، يُرسِّخ العقيدة ويُربّي الإنسان من الناحية العملية أيضاً.

______________________________
(1) وردت هذه الاحتمالات الثلاثة في تفسير روح المعاني ، ج 18 ، ص 173 ، وتفسير الكبير ج 24 ص 15 ، ولكن‏ ذُكر التفسير الأول والثاني فقط في تفسير مجمع البيان ج 7 ص 148.
(2) قال بعض المفسرين : إنّ التعبير ب «المعاش» أي «الحياة» بخصوص النهار هو لأجل أنّ النوم في الليل يشبه الموت كما يقول العرب في أمثالهم «النوم أخُ الموت» ، وعليه فانَّ النقطة المقابلة له اي النهار هو أساس الصحوة والحياة ، (الحياة بكل أبعادها).
(3) ورد هذا التفسير في حديث عن النبي صلى الله عليه وآله «طبقاً» لما نُقل في تفسير الفخر الرازي ، وفي حديث عن ‏الصادق عليه السلام «طبقاً» لما نُقل في تفسير نور الثقلين ، ج 3 ، الآية المورد البحث.

(4) لقد ذكر «الطريحي» في «مجمع البحرين» هذه النكتة في مادة (ولج).
(5) بحار الأنوار ، ج 3 ، ص 118.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .