أقرأ أيضاً
التاريخ: 4-12-2015
2574
التاريخ: 2024-09-04
343
التاريخ: 2024-07-30
564
التاريخ: 2024-11-27
50
|
تلك كانت قصَّة البِعثة ، وفق ما جاءت في أحاديث أهل البيت ( عليهم السلام ) ، وهُم أدرى بما في البيت ، وإليك الآن حديثاً آخر عن بعثة النبي محمّد ( صلّى الله عليه وآله ) على ما جاءت في روايات غيرهم :
روى البخاري ، ومسلم ، وابن هشام ، والطبري وأضرابهم : بينما كان النبي ( صلّى الله عليه وآله ) مختلياً بنفسه في غار حراء ، إذ سمع هاتفاً يدعوه ، فأخذه الرَوع ورفع رأسه وإذا صورة رهيبة هي التي تناديه ، فزاد به الفزع وأوقفه الرُعب مكانه ، وجعل يصرف وجهه عمَّا يرى ، فإذا هو يراه في آفاق السماء جميعاً ويتقدَّم ويتأخَّر ، فلا تنصرف الصورة من كلِّ وجه يتَّجه إليه ، وأقام على ذلك زمناً ، ذاهلاً عن نفسه ، وكاد أن يطرح بنفسه من حالق من جبل ، من شدّة ما ألَمّ به من روعة المنظر الرهيب .
وكانت خديجة قد بعثت أثنائه مَن يلتمس النبي ( صلّى الله عليه وآله ) في الغار فلا يجده ، حتّى إذا انصرفت الصورة عاد هو راجعاً وقلبه مضطرب ممتلئاً رُعباً وهلَعاً ، حتّى دخل على خديجة وهو يرتعد فرِقاً كأنَّ به الحمّى ، فنظر إلى زوجه نظرة العائذ المستنجد ، قائلاً : يا خديجة : ما لي ؟! وحدَّثها بما رأى ، وأفْضى إليها بمخاوفه أن تخدعه بصيرته ، قال : لقد أشفقتُ على نفسي ، وما أراني إلاّ قد عرَض لي (1) ، وقال : إنَّ الأبعد ـ يعني نفسه الكريمة ـ لكاهن أو مجنون !
فرَنت إليه زوجه الوفيَّة بنظرة الإشفاق ، وقالت : كلاّ يا ابن عمّ ، أبشِر واثبت ، والله لا يخزيك أبداً ، فو الذي نفس خديجة بيده إنّي لأرجو أن تكون نبيَّ هذه الأمّة ، إنّك لتصِل الرحِم ، وتصدُق الحديث ، وتُقري الضيف ، وتُعين على النوائب ، وما أوتِيت بفاحشة قطّ ، وهكذا طمأنَته بحديثها المرهَف .
ثمَّ قامت بتجربة ناجحة ، قالت : يا ابن عمّ ، أتستطيع أن تخبرني بصاحبك هذا الذي يأتيك ؟ قال : نعم ، قالت : فإذا جاءك فأخبرني به ، فجاءه المَلك كما كان يأتيه ، فقال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) : يا خديجة ، هذا هو قد جاءنـي ، فقالت : نعم ، فقم يا بن عمّ واجلس على فخِذي اليسرى ، فقام رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) فجلس عليهـا ، فقالت : هل تراه ؟ قال : نعم ، قالت : فتحوَّل واقعد على فخذي اليمنى ، فتحوَّل رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) فجلس عليها ، فتحوَّل وجلس في حِجرها ، ثمَّ تحسَّرت (2) وألقت خمارها ، ورسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) جالس في حِجرها ، فقالت : هل تراه يا بن عمّ ؟ قال : لا ، فقالت : يا بن عمّ ، أبشِر واثبت ، فو الله إنَّه لمَلك وما هو بشيطان .
ثمَّ توكيداً لِمَا استنتجتْه من تجربتها ، انطلقت إلى ابن عمِّها ورقة بن نوفل ، وكان متنصِّراً قارئاً للكتُب ، فقصَّت عليه خبر ابن عمِّها محمَّد ( صلّى الله عليه وآله ) ، فقال ورقة : قدّوس قدّوس ، لئن كنتِ صدقتني يا خديجة ، فقد جاءه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى ، فقولي له : فليثبت ، وإنَّه لنبيُّ هذه الأمّة ، ولوددتُ أن أُدرِك أيَّامه فأؤمن به وأنصره ، فعادت خديجة إلى رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) وأخبرته بما قال ، فعند ذلك اطمأنَّ بالُه ، وذهبت رَوعتـه ، وأيقن أنَّه نبيّ (3) .
* * *
قلت : لا شكَّ أنَّ قصّة ارتياع النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) بتلك الصورة الفظيعة ، أسطورة خرافة حاكَتها عقول ساذجة جاهلة بمقام أنبياء الله الكرام ، ومن ثمَّ فهي إزراء بشأنهم الرفيع ، وحطٍّ من منزلتهم الشامخة ، إن لم تكن ضعضعة بأقوى دعامة رسالة الله ! .
أوّلاً : النبي ( صلّى الله عليه وآله ) أكرم على الله من أن يروِّعه في ساعة حرجة ، هي نقطة حاسمة في حياة رسوله الكريم ، هي نقطة تحوّلٍ عظيم ، من إنسان كامل كان مسؤول نفسه ، إلى إنسان رسول هو مسؤول أُمَّة بأجمعها ، كان قبل أن يصل إلى موقفه هذا العصيب يسير قدُماً إلى قمَّة الاكتمال الإنسانيّ الأعلى ، في سفرة خطرة كان مبدأُها الخَلْق ومنتهاها الحقّ تعالى ، فكان يسير من الخلْق إلى الحقّ ، والآن وقد وصل القمَّة ، فعاد من الحقّ ، حاملاً للحقّ إلى الخلْق (4) .
فساعة البِعثة هي الفترة الحاسمة ، وهي الحلقة الواصلة بين السفرتين الذاهبة والراجعة ، وهي موقف حرِج ، حاشا لله أن يترك حبيبه يكابِد الأمَرَّين حينما بلغ قمَّة اللقاء ، والآن يريد أن يختاره رسولاً إلى الناس ، فيتركه يتلوّى في هواجس مخطرة ، ويروّعه بتلك الصورة الفظيعة التي تكاد تُذهب بنفسه الكريمة ، أو تستحوذ على عقله روعةُ المنظر الرهيب !!
أليس محمّد ( صلّى الله عليه وآله ) أكرم على الله من إبراهيم الخليل ، وموسى الكليم وغيرهما من أنبياء عِظام ، لم يتركهم في ساعة العُسرة ؛ ليلتجئوا إلى إنسانٍ غيره ، حاشاه من ربٍّ رؤوفٍ رحيم !! .
ثانياً : إنَّا لنربأ بعلماء ـ هُم أهل تحقيق وتمحيص ـ أن يفضِّلوا عقليَّة امرأة لا شأن لها وأسرار النبوّات ، على عقليَّة إنسان كامل كان قد بلَغ القمَّة التي استأهلته لحمْل رسالة الله ، ثمَّ تقوم هي بتجربة حاسمة يجهلها رسول ربِّ العالمين ؛ ليطمئنَّ إلى قَولتها ، أو قولة رجُل كان شأنه أن كان قارئاً للكتُب ، وليس لذلك العهد كُتب فيها حقائق ومعارف غير محرَّفة قطعياً ، ولم نعرف ما الذي وجده رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) في قَولتِهما ، فكان منشأ اطمئنانه لم يجده في الحقِّ النازل عليه من عند الله العزيز الحكيم .
ألم تكن الرؤى الصادقة التي سبقت البِعثة ، ولم يكن تسليم المَلك النازل عليه حينها : السلام عليك يا رسول الله ، وتسليم الشجر والحجَر كلَّما مرَّ بهما في طريقه راجعاً إلى بيت خديجة ، ولم يكن عِرفانه الذاتي الذي كان يتعمَّقه مدَّة اختلائه بِحراء ، كلّ ذلك لم يستوجب استيقانه بالأمـر ، ليستيقن من طَمْأنة امرأة أو رجل متنصّر ؟! إنّ هذا إلاّ إزراء فظيع بمقام رسالة الله ، إن لم يكن مسّاً شنيعاً بكرامة رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) المنيعة .
ثالثاً : اختلاف سرد القصَّة ، بما لا يلتئم مع بعضها البعض ؛ لَدليلٌ على كِذبها رأساً .
ففي رواية : ( انطلقت خديجة لوَحدها إلى ورَقة ، فأخبرته بما جرى ) .
وفي أخرى : ( انطلقت بي إلى ورقة وقالت : اسمع من ابن أخيك ، فسألني فأخبرته ، فقال : هذا الناموس الذي أُنزل على موسى ) .
وفي ثالثة : ( لقيَه ورَقة بن نوفل وهو يطوف بالبيت ، فقال : يا بن أخي ، أخبرني بما رأيت وسمعت ، فأخبره رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) ، فقال له ورقة : والذي نفسي بيده إنَّك لنبيُّ هذه الأمّة ، ولئن أدركتُ ذلك لأنصرنَّ الله نصراً يعلمه ) .
وفي رابعة : ( عن ابن عبّاس ، عن ورَقة بن نوفل قال : قلت : يا محمّد ، أخبرني عن هذا الذي يأتيك ـ يعني جبرائيل ( عليه السلام ) ـ ؟ فقال : يأتيني من السماء ، جناحاه لؤلؤ وباطن قدميه أخضر ) (5) ، وهذا ليس في روايات خديجة مع ورَقة ، على ما جاءت في الصحاح المتقدّمة .
وفي خامسة : ( إنَّ أبا بكر دخل على خديجة ، فقالت : انطلق بمحمَّد إلى ورَقة ، فانطلقنا ، فقصّا عليه ...) (6) .
ثمَّ لو صحَّت القصَّة ، فلماذا لم يؤمن به ورَقة حينذاك وقد علم أنَّه نبيّ مبعوث ؟! فقد صحَّ أنَّه مات كافراً لم يؤمن بـه ، وقضيَّة رؤيا النبي ( صلّى الله عليه وآله ) : ( كان ورَقة في ثياب بيض ) أيضاً مكذوبة وسنَدها مقطوع ، وإلاّ لسُجِّل اسمه فيمن آمن به ، قال ابن عساكر : لا أعرف أحداً قال إنَّه أسلَم (7) .
هذا ، وقد عاش ورقة إلى زمن بعد البعثة ، فقد روي أنَّه مرَّ ببلال وهو يُعذَّب (8) .
قال ابن حجر : وهذا يدلّ على أنَّه عاش حتَّى ظهرت دعوته ( صلّى الله عليه وآله ) ، ودَعا بلالاً فأسلم ، إذاً فلِم بقي على كُفره ولم يُسلم كما أسلم الآخرون ؟ ولِمَ لم ينصره كما نصره آخرون ؟ وقد خالف عهده كما جاء في الأسطورة .
________________________
(1) قال ابن الأثير : أي أصابني مسّ من الجِنّ .
(2) أي : كشفَتْ عن نفسها .
(3) راجع سيرة ابن هشام : ج1 ، ص252 ـ 255 / صحيح البخاري : ج1 ، ص3 ـ 4 / صحيح مسلم : ج1 ، ص97 ـ 99 / تاريخ الطبري : ج2 ، ص298 ـ 303 / تفسيره : ج30 ، ص161 / حياة محمّد لهيكل : ص95 ـ 96 .
(4) على ما جاء في تعبير الفيلسوف الإلهي الحكيم صدر الدين الشيرازي ، تقدّم كلامه في ص 25 فراجع .
(5) أُسد الغابة لابن الأثير : ج5 ، ص88 ، والرواية ضعيفة بروح بن مسافر ، ولم يدرك ابنُ عباس ورَقة .
(6) الإتقان : ج1 ، ص24 .
(7 و8) الإصابة : ج3 ، ص633 .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|