أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-10-03
313
التاريخ: 2024-02-17
897
التاريخ: 2024-10-19
250
التاريخ: 2024-02-22
846
|
انتهى حكم «أمنحتب الثالث» بمفرده في السنة السادسة والثلاثين كما أسلفنا، والظاهر أنه كان عليلًا، ولذلك أرسل إليه «دوشرتا» الإلهة «عشتارت (1) «إلهة «نينوى» وربة الأرض لتشفيه من سقامه، وقد أعلنت بنفسها أنها تريد أن تذهب إلى مصر تلك الأرض التي تحبها. ولما أرسلها ملك «متني» قال: «ليت «عشتارت» ربة السماء تحمي أخي وتحميني وتمنحني وإياه حياة مداها مائة ألف سنة، وتهبني السرور العظيم.» على أن «عشتارت» لم يكن في مقدورها أن تحقق ما وعدت به، وعلى أثر تولي «أمنحتب الرابع» العرش كتب له «شوبيليوليوما» ملك «خيتا» وكذلك «دوشرتا» يطلبان استمرار أواصر الصداقة والمهادنة بينهم، وأن يرسل الهدايا التي وعد بها والده من قبل. وفي الحق كان يرى ملك «متني» أن كيان بلاده يتوقف على بقاء العلاقات الودية بينه وبين مصر. ولذلك أكد للفرعون من جديد اعتماد بلاده على مصر وحبه له؛ إذ قال: «إن «خانيجالبات» (متني) ومصر بلد واحد.» ثم ثَنَّى باستعطاف الملكة «تي» والدة «أمنحتب»، وكانت على علم أكيد بالعلاقات التي كانت بين البلدين، هذا فضلًا عما كان لها من نفوذ على ابنها، غير أن «أمنحتب الرابع» كان على شيء من الشدة (2) مع والدته، على الرغم مما يحفظه لها من احترام؛ إذ نشاهدها في رسم مقبرة «خيروف» في «طيبة» في أوَّل حكم ابنها، وهي واقفة خلفه تتعبد للإله «آثوم» والإلهة «حتحور». ولا شك في أن «إخناتون» حافظ على دوام الود بينه وبين ملك «متني»؛ إذ تزوج من «تدوخيبا» التي كانت زوجًا لوالده أمنحتب الثالث من قبل، ولكنه من جهة أخرى لم يرسل إليه الذهب الوفير الذي كان يأمل فيه؛ فبدلًا من تمثال الذهب المرصع باللازورد الذي وعد به والده من قبل، أرسل تمثالًا من الخشب المذهب (3) وحسب، وقد كان الرسول الذي بعثه ملك «متني» لهذا الغرض مكث زمنًا طويلًا في بلاد الفرعون في انتظار الهدية الموعودة. على أن الروح الحربي الذي ملأ في أجداد «أمنحتب الرابع» كان قد انطفأ سراجه تمامًا في والده، واتجهت ميوله وأغراضه إلى أمور أخرى، فكان الولد هنا سر أبيه، فلم يعبأ بالشئون الحربية قط؛ ولذلك لم يقم وزنًا للحوادث والثورات التي كانت تنشب أظفارها في «آسيا»، بل ترك الأمور تجري في أعِنَّتِها كما فعل والده من قبل؛ مما أسفر عن الدمار والخراب في تلك الأصقاع النائية، ولقد كانت شكاوى أمراء «سوريا» وأنَّاتهم تصل إلى آذانه بلا انقطاع، وبخاصة الإنذارات الخطيرة التي كان يبعث بها «ريبأدي» مفسرًا (4) فيها الحالة المضطربة التي كانت تقض مضجعه وتهز كيان بلاده، والظاهر أن الرأي السائد وقتئذٍ عند رجال البلاط الفرعوني أن هذه المشاحات القائمة بين أمراء الولايات المصرية، ليست إلا أمورًا عادية، وأن كل واحد منهم يسعى في الواقع وراء أغراضه الشخصية، وأن مخاصمة بعضهم بعضًا لا ضرر فيها على سلطان مصر، بل على العكس يثبت أقدامها اتباعًا للمذهب القائل: «فرق تسد». على أن الأمراء المتهمين بالخيانة والغدر لمصر لم يعلنوا في صراحة شق عصا الطاعة على الفرعون، بل على العكس كانوا يكتبون له ولموظفيه معربين عن ولائهم راجين ألا يسمع ما يُقال من وِشايات بهم من جانب أعدائهم العصاة. فقد أكد «أيتاكاما» أمير «قادش» أن «نامياوزا «(5) أحد الأمراء قد بدأ القتال وأحرق بلاده، ولذلك كان رده على ذلك أن انتزع منه إقليمي «تاخاش« Tachas و«أوبي «، Ubi، وردهما ثانية إلى حماية الفرعون. والواقع أن كلًّا من هذين الأميرين كان يستعين بعصابات البدو لخدمته، فكان الواحد منهما يهاجم خصمه ويغتصب منه أماكن يسلمها «للخبيري»، ثم يقوم الآخر بدوره ويقصيهم عنها ثانية. (6) ولقد ظهرت هذه الحالة فيما بعد بين «زمريدا (7) «و«أزيرو»؛ إذ سار الأخير بجيشه نحو «سمييرا» لحمايتها، غير أن الأهلين لم يسمحوا له بدخولها،(8) وطلبوا إلى ملك «خيتا» يد المساعدة على صدِّ الخطر الذي كان يتهدد بلده، على يد مملكة خيتا، وعلى ذلك برَّر استيلاءه على تونب (9). وفي الحق لم يكن يقصد أي أمير من هؤلاء أن يغير السلطة المصرية ليكون تحت نير دولة أخرى بأية حال من الأحوال، بل كان كل منهم يرغب في الاستفادة من الموقف السياسي ليمد سلطان إمارته على حساب خصمه المجاور له مستعملًا في الوصول إلى ذلك الجنود البدو الذين كانوا في خدمته، هذا على أن يبقى طريق المفاوضات بينه وبين كل من مصر ومملكة «خيتا» مفتوحًا. على أن مصر لم تصبر على هذه الحال طويلًا؛ إذ تحركت فجأة، وتدخلت في قمع تلك الثورات، ووقف تلك الحالة المحزنة عند حد. وتدل ظواهر الأمور على أن هذا النشاط قد حدث عند اعتلاء «أمنحتب الرابع» العرش (10). وكان القائد «ينخام» الذي في يده القيادة العليا في بلاد آسيا موجودًا وقتئذٍ في البلاط الفرعوني، وكان «ريبادي» يطلب على الدوام بإلحاح إلى الفرعون أن يرسله على رأس جيش لكسر شوكة الثوار. وتدل الوثائق على أن هذا القائد ظل في بادئ الأمر مقيمًا في مصر، ولكنه أرسل على ما يظهر إلى «سوريا» جيشًا بإمرة قائد يُسمَّى «باخور» (بوخورو)، وقد نشر على أثر ذلك أمرًا لكل الأمراء التابعين للحكم المصري بأن يعدوا لهذا الجيش العدة من الجنود والمؤن، والذخائر، فأظهر كل الأمراء صغيرهم وعظيمهم الطاعة،(11) ولم يستثنِ من ذلك «أيتاكاما (12)« أمير «قادش» و«أرزاويا» أمير «روخيري»، غير أن هذه الحركة من جانب المصريين لم تأتِ بنتيجة حاسمة، بل على العكس وجدنا أن «سمييرا» استسلمت «لأزيرو»، وكذلك قُتل القائد المصري «باوارو» على الرغم من تحذير «ريبادي» أمير «جبيل» له، وكان موته نكبة عليه؛ إذ أصبح في نفس الموقف الحرج الذي كان فيه أيام محاربة «عبدي أشرتا» له، يُضاف إلى ذلك أن «أبيميلكي» أمير «صور» لم يتحسس الموقف الذي كان فيه. حقًّا قد صُدت هجمة عن القلعة نفسها قام بها «زيمريدي» أمير «صيدا» بمعاضدة «أزيرو» و«أرواد»، ولكن «زيمردي» استولى على «أوزو» الواقعة في اليابسة؛ وبذلك منع المياه وورود الخشب عن قلعة الجزيرة، فجعل بذلك دفن القتلى مستحيلًا(13) (في جبيل)، وعلى الرغم من موقف «ريبأدي» الحرج فإنه لم يُعِرْ أذنًا صاغية لإلحاح أسرته عليه في طلب مهادنة «أزيرو» ومحالفته؛ وذلك وثوقًا منه في وصول نجدة مصرية تحل بلدته من عقالها، بيد أن شعبه لما رأى أن لا أمل في النجدة المصرية المزعومة شقوا عليه عصا الطاعة، ولكنه أخمد الفتنة في مهدها بعد أن أراق دماء غزيرة. ولما اشتدت به الحال عما كانت عليه، ولم يجد له أي مخرج، ولَّى وجهه شطر «خامونير» ملك «بيروت»، وطلب النجدة منه، ولكنه لما عاد وجد أن أخاه قد أغلق باب «جبيل» في وجهه، وانضم إلى «أزيرو»، «وقد وقع ما لم يحدث منذ الأبدية إذ أُخرجت آلهتنا من بلدنا«. وقد أرسل «أزيرو» الطاعن في السن بعد أن رأى أسرته في يد أعدائه الرسالة تلو الرسالة للفرعون يتوسل إليه أن يرسل النجدة، مظهرًا له أهمية «جبيل» ومكانتها بالنسبة لأملاك مصر في «آسيا»، ولما استحوذ عليه القنوط أرسل ابنه إلى البلاط الفرعوني رجاء أن يصل إلى حل، ولكنه مكث أربعة أشهر في العاصمة دون أن يرى وجه الفرعون (14)،وفي خلال ذلك لم ينفك «ريبأدي» عن طلب المعونة والنجدة من «أبيميلكي» أمير صور، ولقد جاءته البشرى في نهاية الأمر هو و«أمونير» أمير «بيروت» بأن جيشًا مصريًّا في طريقه لنجدته، ومما يُؤسف له أننا لا نعلم شيئًا بعد ذلك عن أمر هذا الجيش (15). ولكنا نعلم من رسالة بعث بها الفرعون فيما بعد إلى «أزيرو» أن «ريبأدي» حين يئس من معونة الفرعون ولَّى وجهه شطر «صيدا»، وقد حاول هناك أن يصل إلى اتفاق مع عدوه حتى يسمح له بالعودة إلى «جبيل» وطنه، ولكن ملك «صيدا» على ما يظهر سلمه لعدوه فقتله (16). ولا شك أن هذه الحوادث المحزنة قد امتد أجلها عدة سنوات، غير أننا لا نعرف على وجه التحقيق مقدار تدخل «متني» في هذه الاضطرابات، ولا إلى أي مدى كان تدخل «خيتا». ولكن مما جاء في أخبار «شوبيليوليوما» ملك «خيتا» نعلم أن «دوشرتا» ملك «متني» قد نقض ميثاق السلام بينهما بإرساله حملة إلى «سوريا» الشمالية، وكان أهل «خيتا» يدعون حق التسلط عليها، وقد كان من نتائج هذه الحرب أن طرد «ساروبايا» ملك «نوخاشي» من بلاده، فلم يرضَ عن هذا العمل على ما يظهر، وأرسل بعض الجنود لمحاربته (17)،وخلافًا لذلك لم نسمع بأي تدخل من جانبه. وفي خلال السنين التالية لذلك نعرف أن طائفة كبيرة من الملوك العاديين كانوا يحكمون في تلك البقاع، وكانوا على صفاء وود مع السفراء المصريين أيضًا، فنرى من بينهم «إيتاكاما» ملك «قادش»، وكذلك «أزيرو» ملك الآموريين قد عادا إلى الاعتراف بسلطان مصر (18) أما عن تدخل «متني» في هذا الوقت، فلم نجد له ذكرًا في خطابات «تل العمارنة». وعلى أية حال فلا بد من الاعتراف هنا بأن رابطة الصداقة التي كانت بين مصر «ودوشرتا» ملك «متني» قد أثرت تأثيرًا فعالًا في سير الحوادث بالنسبة لمصر في تلك الفترة المليئة بالحوادث الجسام.
...............................................
1- وهاك نص الخطاب (رقم 23):
إلى نوموريا ملك مصر، أخي وصهري الذي أحبه والذي يحبني، هكذا يتحدث «دوشرتا» ملك «متني» الذي يحبك وصهرك: إن حالتي حسنة، وأرجو أن تكون حالتك حسنة! وكذلك حالة بيتك و«تدوخيبا» ابنتي وزوجك التي تحبها أرجو أن تكون ناعمة البال! وكذلك أرجو أن تكون حالة أزواجك وأبنائك وعظماء رجالك وعرباتك وخيلك وجنودك وبلادك، وكل ممتلكاتك؛ حسنة جدًّا، وإن عشتارت ربة «نينوة» وسيدة الأراضي تقول: إني سأذهب إلى مصر الأرض التي أحبها وسأعود منها. وفي الحق لقد أرسلتها الآن وقد سارت في طريقها، والواقع أنه في عهد والدي … ذهبت السيدة إلى تلك الأرض، وقد كانت مبجلة طول مكثها هناك؛ ولذلك أرجو يا أخي أن تبجلها عشر مرات أكثر من قبل، وأرجو أخي أن يبجلها ويعيدها في فرح، وإني أرجو أن تعود، وليت «عشتار» إلهة السماء تحمي أخي وتحميني، وليت سيدتنا تمنح كل منا مائة ألف سنة سرورًا عظيمًا، وبذلك سنفعل الخير. إن «عشتار» هي إلهتي. أليست إلهة أخي — السنة الخامسة والثلاثون، الشهر الرابع من الشتاء، كانوا في الجبال الجنوبية …
ومن هذا الخطاب نعلم كيف كان الملوك يتراسلون فيما بينهم، كما نعلم أن هذه الإلهة كانت تحمل نفس اللقب الذي كانت تحمله إلهة مصرية، وإن لم يكن هناك فارق حقيقي بين أولئك الآلهة القدامى إلا في الاسم والصورة، أما الألقاب فكانت واحدة، على أن من أهم ما يسترعي النظر في هذا الخطاب وغيره الخضوع الذي كان يظهره الملوك الآخرون عند مخاطبة فرعون مصر.
2- راجع: J. E. A., Vol. IX, p. 134, Pl. XXII.
3- راجع خطاب رقم 27، وكذلك راجع الخطاب رقم 41، 14 … إلخ؛ حيث نقرأ أن رسول ملك متني قد عِيق في البلاط الفرعوني.
4- راجع الخطابات: 106، 13 … إلخ، 117، 7 … إلخ، 124، 35 … إلخ.
5- » نامياوزا» أحد الأمراء، ويحتمل أنه يُنسب إلى أسرة ملوك «متني» (Mercer, “The Tell el Amarna Tablets”, II, p. 577).
6- راجع خطاب «أيتاكاما» رقم 189 وخطاب «نامياوزا» (رقم 197)، وهو الذي أرسله للفرعون يعرب فيه عن ولائه وإخلاصه؛ إذ يقول: «تأمل! إني أخرج بجندي وعرباتي وإخوتي وقوم «ساجاز» (العبرانيون) التابعين لي، وكذلك قوم «سوتي» (البدو) أمام الرماة إلى أي مكان يأمر سيدي (بالذهاب إليه).»
7- راجع الخطاب رقم 144 … إلخ.
8- راجع الخطاب 157 سطر 11.
9- وقد كتب للفرعون الخطابات 165، 166؛ 161 من مقره في «تونب» دون أي مبرر، يُضاف إلى ذلك أن الفرعون لم يوجه له أي لوم في الخطاب الذي أرسله إليه (رقم 162).
10- راجع الخطاب 117 سطر 22، عن تاريخ هذا الحادث.
11- راجع الخطابين 193، 195، الأول من أمير يُدعى «دياتي» والثاني من «ناميوزا«.
12- إذ يقول «أيتاكاما» في الخطاب رقم 189 للملك: أخدمك بهذه الحالة ومعي كل إخوتي، وعندما تكون حرب معلنة على الملك سيدي فإني أذهب إليها بعرباتي وكل إخوتي … إلخ. وفي الخطاب رقم 191 يتحدث إلينا «أرزاويا» ملك «روخيزي» بنفس النغمة أيضًا.
13- وقد كتب «أبيميلكي» للفرعون خطابًا شرح له فيه هذا الموقف وطلب إليه المدد (راجع الخطاب رقم 149).
14- يصف لنا «ريبأدي» في عدة رسائل بعث بها إلى الفرعون (134–138) موقفه من عدوه «أزيرو» والحالة اليائسة التي وصل إليها بعد طرده من «جبيل».
15- الخطابات من 141–134 التي تُبودلت بين «أمونير» أمير «بيروت» وبين الفرعون، وكذلك الخطابان 153 و154 وقد تُبودلا بين «أبيميلكي» أمير «صور» والفرعون في هذا الصدد.
16- والخطاب الذي أرسله الفرعون إلى «أزيرو» (رقم 162) أظهر فيه تألمه وعدم رضاه عن خيانته وأثرته، ثم يعده فيه بالمساعدة إذا هو أصبح مواليًا مخلصًا للفرعون، أما إذا جنح إلى الخيانة والتمرد واستمر على ما هو عليه من التقلب والنفاق فإن الموت يكون مآله.
17- راجع: Meyer, “Gesch”. II, 1. p. 362, note 1.
18- فمثلًا نجد أن «أزيرو» قد كتب إلى الفرعون خطابًا (رقم 160) يعد فيه بأنه سيقوم بتحقيق كل رغبات الفرعون، وأنه قد عِيق في بناء «سمييرا»، وسيقوم ببنائها في سنة واحدة، وقد رجا الفرعون ألا يصغي إلى ذم أعدائه فيه. راجع كذلك في هذا الموضوع الخطابين 161 سطر 36؛ 169.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|