أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-03-09
1049
التاريخ: 2024-05-27
872
التاريخ: 2024-06-01
852
التاريخ: 2024-05-18
874
|
«قن آمون»: تحتوي المقبرة رقم 162 الواقعة في طيبة الغربية على منظر فذٍّ من المناظر المنقوشة على جدران عظماء القوم في عهد الأسرة الثامنة عشرة، وقد ظل اسم صاحبها مجهولًا لما أصاب نقوش المقبرة من محو إلى أن عُثر على بعض مخاريط أمام المقبرة عرفنا منها اسمه وألقابه. فقد كان «قن آمون» هذا يُلقَّب عمدة طيبة، والمشرف على مخازن غلال الإله آمون. وتدل الأحوال على أنه من المرجح جدًّا قد عاصر الفرعون «أمنحتب الثالث». أما المنظر الهام الذي وُجد على جدران هذا القبر فيمثل رحلة تجارية قام بها تُجَّار من سوريا إلى مصر بحرًا ووصلت سالمة، فنشاهد في الجزء الذي على اليسار في هذا المنظر صورة سفينتين شرعهما منتشرة وعلى اليمين من هاتين السفينتين تشاهد مجموعتين من السفن وقد مُثِّلتا في صفين الواحد منهما فوق الآخر. وعلى يمين هاتين المجموعتين من السفن نرى ثلاثة صفوف وُضعتْ بعضُها فوق بعض، توضِّح لنا كيفية إنزال السِّلَع وتفريغها وعرضها، والحادثة المسجَّلة هنا كانت بطبيعة الحال من الحوادث الكثيرة الوقوع في عهد مجْد الإمبراطورية ونموِّ ثروتها؛ أي عندما كانت آسيا لا تزال تَدِين لمصر بالسلطان، وكانتِ الأحوال مهيَّأة للتجارة الدولية (انظر شكل رقم 1).
شكل 1: لوحة قن آمون — السفن السورية في ميناء مصري.
والواقع أننا لن نَحِيد عن جادة الصواب كثيرًا إذا رأينا أن هذا المنظر يُمثِّل بداية سكك التجارة التي كانت تخرج من الثغور السورية، ويحتمل أنها هي التي قد أصبحت واسعة النطاق نامية عندما قام «ون آمون» التعس الحظ برحلته المشهورة (راجع كتاب الأدب المصري القديم جزء 1، ص161 … إلخ) ثم وصلت قمتَها في تلك الرحلات التجارية التي كان يقوم بها الفينيقيون في أنحاء العالم، أما السفن التي حملت هذه التجارة البحرية المبكِّرة فليس هناك أي شك في أنها من طراز مصري من حيث الشكل والصنع (راجع Sàve-Soderbergh Navy p. 56). ومما يُلاحظ في هذا المنظر ما نُشاهده جاريًا على سطح السفينة الكبرى التي على اليسار؛ إذ نرى بحَّارَيْن يصعدان لطَيِّ الشراع، أحدهما يتسلَّق السارية والآخر يتسلَّق على الأمراس، في حين نرى اثنين آخَرَيْن يظهر أنهما ضابطان صغيران يعملان على إنزال عمود الشراع. ويلاحظ كذلك في هذا المنظر أن مكانة الأشخاص الذين مُثِّلوا فيه على سطح السفن قد عُبِّر عنها بالطريقة المصرية المعتادة أي على حسب حجم صورة كل واحد، ويمكن رؤية ذلك بوضوح في السفينة الكبيرة التي على اليسار، فأهم شخصيتين بارزتين فيها هما بلا شك صاحبا السفينة والسلع التي تحملها، فنشاهد أحدهما يتَّجِه نحو الشاطئ مقدِّمًا قربانًا استعطافًا لإلهة الميناء في حين أن الآخر كان ينظر خلفه، والظاهر أنه كان يستدعي إليه شخصًا آخر. ويلي هذين في الحجم ضابط السفينة الذي يُشاهَد واقفًا وقفة شاذَّة على عمود مقدمة السفينة وبيده قضيبٌ لجَسِّ الماء بُولِغ في طُوله إلى حدِّ المستحيل، وكان ينظر خلفَه معطيًا الملَّاحين الذين كانوا يُطوُون الشراع الأوامر اللازمة. وكذلك يُشاهَد على سطح السفينة بحَّار مُنحنٍ ليرفع إناءً ضخمًا مما تحمله السفينة، كما يُرى ضابطان صغيران لابسَيْن ملابس مزركشة كالتي يرتديها رؤساؤهم، يشدان الأمراس، وكان أحدهما يستند على صبيٍّ من صِبْيَة السفينة. أما الملاحون العاديون فكانوا يرتدون القميص القصير العادي ذا اللون الفاقع، وكذلك كان يلبس كل واحد منهم حول عنقه خيطًا يتدلَّى منه قرص مستدير مما يُذكِّرنا بنَوْط تحقيق الشخصية الذي كان يلبسه الجندي في أثناء الحرب. وهؤلاء البحارة كانوا حليقي الرؤوس والأذقان معًا، ولم يُستَثْنَ منهم إلا ثلاثة في المجموعة السفلية التي على اليمين وهم الذين كانوا يحملون السلع إلى الساحل، وهؤلاء قد مُيِّزوا عن رفاقهم بلِحَاهم والهدابات المدلَّاة من وسطهم ومن أطراف قمصانهم، ولا نَعلَم إذا كانت هذه القمصان مصنوعة من النسيج أو من جلود الحيوان. أما الأفراد الذين صُوِّروا خارج السفن فملابسهم بوجهٍ عامٍّ واحدة، فكلٌّ منهم يرتدي قطعة واحدة من نسيج الصوف ملفوفة على جسمه من أول الكعب، وقد لُفَّتْ حول الجسم بطريقة عجيبة، وتحت هذا اللباس يُشاهَد قميصٌ أبيض ذو كمين يستران الذراعين حتى الرسغين، ويتمنطق بحزام عُقد من الأمام عقدة متقنة مزركشة. وهذا الرداء الخارجي السالف الذكر يَظهَر عليه أنه زيٌّ جديد لم يَشِعِ استعماله إلا بعد عهد تحتمس الثالث. ويحتمل أنه مستعار من زي أهالي «خيتا». أما لبس النساء اللائي مثلن في الصف الأعلى من اليمين في المنظر فيُلاحَظ فيه (كشكشة) أفقية مؤلَّفة من ثلاث طبقات بعضها فوق بعض، وتُشبه بعض الشيء ملابس أهل «كريت» المتقنة الصنع، وقد أظهر المثال هذا الرداء شفيفًا إلى درجة ما مما يدل على أنه كان مصنوعًا من مادة خفيفة على عكس ملابس الرجال الثقيلة التي كانت أكثر صلاحية لجو شمالي بارِد. أما الجزء الثالث من هذا الرسم الواقع على اليمين فيمثل سوقًا للتجارة على الشاطئ نظمت في ثلاثة صفوف. وهنا يلاحَظ أن معظم السلع قد نُقلت من السفن إلى الشاطئ أمام «قن آمون»: (لم يظهر صورته في الرسم الذي نقله «ديفز») إذ يظهر أنه قد وجدها كانت قد هُشِّمت، فكان يمثل هنا بوصفه وكيل مشتريات مخازن آمون التي تحت إشرافه، ومن المحتمل كذلك أنه كان يقوم بهذه الوظيفة لحساب سلطة عُلْيَا أخرى. والسلع المعروضة للبيع تحتوي أوانيَ ضخمة من النبيذ والزيت، ومما يسترعي النظر من بينها ثوران لهما سنامان وهما من فصيلة أجنبية (اقرن هذين الثورين بما جاء في مقبرة «نب آمون» رقم 17، وكذلك ما جاء في مقبرة «باحق من» رقم 343). أما السلع الأخرى المعروضة للبيع فتشمل أوعية تحتوي على طرائف من أنواع مختلفة ونماذج مما أخرجتْه يَدُ الصياغ في صور أوانٍ من المعدن الثمين. ففي الصف الأسفل من اليمين تُشاهِد إناء ذا فوهة واسعة من طراز سوري معروف يحتمل أنه صنع من الذهب، وقد زُيِّن بصورة ثور واقف في داخله، في حين نُشاهِد في الصف الأوسط تاجرًا يحمل إناء طويلًا ضيق الرقبة صِيغ من الفضة (؟) وغطاؤه على هيئة رأس ثور. ويحتمل أن بعض السلع التي خفَّ حملُها وغَلَا ثمنُها — ولا عجب أن تكون من بينها المرأتان والصبي المصورة في الصف الأعلى — كان مآلها أن تُضمَّ إلى متاع «قن آمون» نفسه في مقابل السماح لأصحابها بالاتِّجار في الميناء المصرية بوصفه عمدة «طيبة» التي رَسَتْ عندها السفن، وكذلك بمثابة (عمولة) على المتاجر بوصفه (العميل) الذي يشتري لحساب الإله «آمون رع»، وعلى الرغم من أن البضائع التي كانت تحملها هذه السفن التجارية كانت تُباع بوساطة وكلاء لهم مكانتهم العالية مثل «قن آمون»؛ فإنه كان — على ما يظهر — يوجد بجانب ذلك تجارة صغيرة حرة تُباع بالتجزئة، ولذلك نرى في الصورة الممثلة على الشاطئ بجوار الماء حيث كانت ترسو السفن الأجنبية حوانيت صغيرة يقوم بالبيع فيها صغار التجار نساء ورجالًا وأمامهم السلع مكدسة وحركة التجارة فيها رائجة. فنشاهد في الصورة التي أمامنا ثلاثة حوانيت، والبضاعة المعروضة للبيع تحتوي قطع نسيج وأحذية، ومواد غذائية وأشياء أخرى لا يمكن معرفة نوعها على وجه التأكيد. ويُشاهَد في الحانوت الذي في الصف الأسفل تاجر سوري يحاول بيع إناء ضخم من النبيذ أو الزيت، في حين نلمح في الصف الذي فوقَه بحارًا عاديًّا حَجَبتْ رأسُه مقدمة السفينة عن الناظرين يَعرِض للبيع قضيبًا من الخشب الثمين، ويدل وجود الموازين الصغيرة الحجم وهي التي كان يستعملها رجلان من أصحاب الحوانيت على أنها كانت تُستخْدَم لوزن التِّبْر الذي كان يُتخذ مادة للمبادلة، ويجوز أنها كانت مستعملة لوزن كميات صغيرة من العقاقير الثمينة وما يشبهها. وتشاهد كذلك في هذا المنظر امرأة أمام حانوت، وقد حدث بجوارها حادث له علاقة بإدارة الميناء؛ إذ نرى بعض البحَّارة قد ساقهم رئيسهم أمام ضابط من ضباط الميناء كان يُدوِّن أسماءهم أو عددهم. والواقع أن المنظر في مجموعِه يعرض أمامنا لمحة حية عن نواحي الحياة المصرية القديمة التي لا نحظى بمثلها إلا نادرًا؛ لذلك فإنا نقدِّم عظيم شكرنا الجزيل لعمدة «طيبة» «قن آمون» الذي أمر برسم هذه التحفة على جدران قبره، وكذلك نُبدِي عظيم إعجابنا بالمفتنِّ الذي وضع تصميمها، وأخيرًا نفخر بالمَثَّالين الأحداث الذين حفظوا لنا بمجهوداتهم صورة هذا المنظر الذي كان قد ضاع كل أمل في العثور على نسخة منه بعد تهشيم الأصل تهشيمًا لا يُرجَى الاستفادة منه.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|