أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-09-26
885
التاريخ: 2024-08-01
485
التاريخ: 2023-10-13
1040
التاريخ: 2023-10-31
856
|
ولم يكن أَمْرُ الجهاد في سبيل الدين أمرًا مستحدثًا جديدًا؛ فمنذ أن تَنَصَّرَت الدولة الرومانية أصبح رئيسها حامي الدين مجاهدًا ومبشرًا أيضًا، ولم تنطبع حروب النصارى وحدهم بهذا الطابع الديني؛ فحروب الفُرس ضد الروم كانت تحمل أيضًا طابعًا دينيًّا خاصًّا، وحروب العرب كانت في أساسها حروبًا دينية لا قومية — كما سبق أن أشرنا — ولكن الجديد في الحروب الصليبية كان اشتراك جميع الطبقات فيها لغرض ديني معين، ولا يختلف اثنان — فيما نعلم — في أن بعض الصليبيين اندفع بدوافعَ ماديةٍ غير دينية، ولكن التيار الجارف ظل دينيًّا في الدرجة الأولى (1). والحروب الصليبية كانت حُرُوبًا غربية قبل أن تكون حروبًا شرقية، والمحرك الأكبر فيها كان البابا أوربانوس الثاني (1088–1099)، فإنه خشي — فيما يظهر — تَجَدُّدَ النشاط الإسلامي بظهور الأتراك السلاجقة وبانتصاراتهم المتواترة، وآلمه ضغطُهُم المتزايد على الكنائس الشرقية، فأَحَبَّ أن يتحد جميعُ ملوك النصارى وأمراؤهم وشعوبهم في حملة واحدة لتحرير هذه الكنائس الشرقية ولحماية القبر المقدس وتأمين سُبُلَ الحجاج؛ فسعى منذ أن تَبَوَّأَ السدة الرومانية لتقريب القلوب بين فرعي الكنيسة الأم، ورفع الحرم الذي كان قد وضعه سلفه غريغوريوس السابع على أليكسيوس فسيلفس الروم، وأرسل وفدًا إلى القسطنطينية يعلن هذه السياسة الجديدة ويرجو السماح باستعمال الفطير في كنائس القسطنطينية اللاتينية وإعادة اسمه إلى الذبتيخة (2)، وتقبل أليكسيوس الفسيلفس والبطريرك المسكوني هذه البادرة الطيبة بحرارة، وأرسلا وفدًا إلى رومة يرجو حبرها العظيم أن يشرِّف القسطنطينية ويرأس مجمعًا مسكونيًّا يعيد المياه إلى مجاريها، وهب إكليريكي أمالفي اللاتيني ورئيس أساقفة أخريدة الأرثوذكسي يُبيِّنان خسة التخاصم حول «الطقوس» عندما تكون العقيدة «واحدة«، (3) وعلم مناوئ أوربانوس الثاني وخصمه إقليمس الثالث بهذا كله، فعرض على الفسيلفس أن يوقع هو صك الاتحاد بين الكنيستين، ولكن أليكسيوس آثر الأمانة لأوربانوس لأن الفضل في ذلك عائدٌ إليه، فشاغل البابا المناوئ، فلم يتمكن أوربانوس من القيام إلى القسطنطينية (4)، وهكذا يكون الواقعُ التاريخيُّ، أن أليكسيوس لم يَتَلَمَّسْ حربًا صليبية ولم يَحُثَّ الغرب عليها «ليقلب لها ظهر المجن» — كما جاء في بعض المؤلفات الحديثة. وفي أوائل تموز من السنة 1096 وصلت إلى البلقان جموعُ بطرس الناسك ناهبة مقتلة مخرِّبة، وتقدمت هذه الجموع نحو القسطنطينية فرحَّب بها الفسيلفس وأكرمها، واستقبل بطرس الناسك وأوضح له وجوب الانضباط واحترام حقوق السكان، وكان أتباع بطرس قد أقاموا خارج أسوار المدينة، فعاثوا في الضواحي فسادًا وخرقوا حرمة الكنائس، فرأى أليكسيوس أن يجابههم بجيرانه الأتراك السلاجقة عبر البوسفور لعلهم يفقهون، وما إن حطت رحالُهُم في آسية حتى هاجموا الأتراك، فبدد هؤلاء شملهم، فَارْعَوَوْا وكَفُّوا عن القبيح ورضُوا أن يعودوا إلى ضواحي القسطنطينية عُزَّلًا. وفي صيف هذه السنة نفسها قذف البحر إلى شاطئ إبيروس أخا ملك فرنسة هوغ دي فارمندوي Hugues de Vermandois، فوقع في أيدي الروم ونقل إلى القسطنطينية، فأحاطه أليكسيوس بشيءٍ كثيرٍ من الإكرام والاحترام، ورأى فيه خير وسيط بينه وبين زعماء الصليبيين القادمين، وزاد في إكرامه فتعلق الأمير الإفرنسي بالفسيلفس وبايعه على الطاعة والولاء. ثم جاء في كانون الأول من هذه السنة نفسها غودفروي دي بويون Godefroy de Bouillon بجُمُوعه، وكان أليكسيوس قد سمع بشجاعته وثرائه وكرمه فأكرمه، ولكن غودفروي رفض مبايعة الفسيلفس، فتوترت العلاقاتُ بين الاثنين، وقلت المئونة لدى أتباع غودفروي خارج أسوار العاصمة، فلجئوا إلى العنف وأرادوا اقتحامَ أحد مداخل القسطنطينية، فصدهم الرومُ بالقوة وتغلبوا عليهم، فأخلدوا إلى السكينة، ودعا الفسيلفس الزعيم الصليبي إلى مأدبة أقيمتْ في القصر المقدس على شرفه، فبايع غودفروي الفسيلفس على الطاعة والولاء، ومضى في نيسان سنة 1097 بجموعه إلى آسية. وفي ربيع السنة 1097 أطلَّ بوهيموند النورمندي الإيطالي، فأعلن فور وصوله استعداده لمبايعة الفسيلفس على الطاعة والولاء ورغبته الأكيدة في التعاون مع الروم إلى أقصى الحدود، وكان بوهيموند قد حارب أليكسيوس في ألبانية وفي اليونان — كما سبق أن أشرنا — فاعتور علاقاته مع الروم في بادئ الأمر شيءٌ من الحذر والبرودة، ولكن شخصيته الجذابة ومواهبه الكبيرة ونجاحه في التظاهر بالصدق والإخلاص؛ عاونتْ على إزالة هذا الحذر وذلك الفتور، فقد قالت ابنة الفسيلفس صاحبة الأليكسياذة: إن بوهيموند فاق جميع رجال عصره في جميع أنحاء الإمبراطورية جسمًا وروحًا ومقدرةً، وأُعجبت — على الرغم من كرهها للعنصر اللاتيني — بِلِينِهِ ومرونته ولباقته ومقدرته في التعبير وفصاحته، ولم ترَ أفضل منه سوى والدها العظيم. وزال الشك وتفاهم الكبيران، واستقبل الفسيلفس ضيفه وأهدى إليه شيئًا كثيرًا من الذهب والدراهم والأقمشة النفيسة، ثم أرسل أكثر منها إلى محل إقامته، فاغتبط بوهيموند بما أُوتي من نعمة وطلب إلى الفسيلفس أن يدخل في خدمته ويتولى قيادة جيوشه، فأجابه أليكسيوس أن كل آتٍ قريب وأنه بانتظار ذلك سيقطعه أراضي فسيحة في منطقة أنطاكية، ولم يتردد بوهيموند في دخوله في طاعة الفسيلفس فأقسم يمين الولاء،(5) ثم جاء روبر دي فلاندر Robert de Flandre فدخل في طاعة الفسيلفس، أما ريموند دي سان جيل Raymond de Saint-Gilles فإنه وصل مُكدَّرًا مستاءً غير مستعد لمبايعة أليكسيوس، فأقنعه بوهيموند النورمندي بوجوب الدخول في طاعة الفسيلفس، ففعل وأصبح مِن أخلصِ أصدقاء أليكسيوس وأشدهم وفاءً له، وأُعجب أليكسيوس بحكمة هذا القومس واتزانه وصدقه وإخلاصه واستقامته، أما تنكريد الصقلي Tancrede نسيب بوهيموند فإنه لم يرضَ أن يمر بالقسطنطينية أو أن يقسم يمين الولاء والطاعة لفسيلفس الروم، وأعلن أن هذا القسَم لا يفرض عليه إلا نحو سيده بوهيموند (6). وكان ينقص هؤلاء جميعًا — فيما يظهر — الشيء الكثير من آداب السلوك وحسن المعاشرة، فكانوا يدخلون على الفسيلفس في الصباح الباكر ولا يُفارقونه إلا في نهاية المساء، متطلبين متطاولين أو مسترشدين أو متحدثين مسامرين، وكانوا في كثيرٍ من الأحيان متهتكين سفهاء، خالعين برقع الحياء، ضعفاء الإرادة، لا يَمتنعون عن شيءٍ مما يرغبون فيه، متكلمين بما لا ينبغي متشدقين (7)، وكان أليكسيوس مثال الدماثة واللُّطف والصبر، فأحبوه وأعجبوا به، وتمكن — بصبره ودهائه ولطفه وكرمه — من التوصل إلى تفاهمٍ تامٍّ معهم؛ ففي شهر أيار من السنة 1097 وَقَّعَ الطرفان معاهدة قضت بأن يرفع الفسيلفس علم الصليب، وأن يضع تحت تصرُّف الزعماء فرقةً محاربةً، وأن يحمي طريقَهم في أثناء مُرُورِهِمْ في أراضي الدولة البيزنطية، مقابل دخول هؤلاء في طاعته ومبايعته (8) . وقام الزعماءُ الصليبيون من القسطنطينية بما لديهم من رجال وعبروا البوسفور وانضموا إلى جموع غودفروي دي بويون، وحاصروا نيقية فسقطتْ في يدهم، فاستولَوا على الغنائم وأعادوا المدينة إلى الفسيلفس، ثم اتجهوا جنوبًا مذللين الصعاب في قلب دولة السلاجقة، متعاونين في ذلك مع فرقة بيزنطية بقيادة تتيكيوس Tatikios أحد كبار قادة الروم، وجَهَّزَ أليكسيوس حملةً بريةً بحريةً بقيادة يوحنا دوقاس، فاستولى على إفسس وساردس وأزمير وأضالية، وقام الفسيلفس بنفسه على رأس قوةٍ ثانيةٍ، فأخضع جميع بيثينية، وغُلب قلج أرسلان وتَقَوَّضَتْ أركان سلطته، واستعاد أليكسيوس قلب آسية الصغرى وشواطئها الغربية (9).
.............................................
1- Grousset, R., Empire du Levant; Alphandery, P., La Chrétienté et l’Idée de Croisade; Bréhier, L., Byzance, 310.
2- Malaterra, G., Historia Sicula, P. L., 149; Bréhier, L., Byzance, 307.
3- Michel, A., Amalfi und Jerusalem, 34–37; Holtzmann, Kaiser Alexios und Papst Urban II, Byz. Zeit.1928, 38ff.
4- Bréhier, L., Byzance, 310
5- Anne Comnène, Alexiade, II, 224–226, 234
6- Diehl, C., Europe Orientale, 19–21
7- Diehl, C., Figures Byzantines, Série II, Ch. I, 5ff
8- Hagenmeyer, H., Epistulae et Chartae ad Historiam Primi Belli Sacri Spectantes, XII, 154
9- Anne Comnène, Alexiade, III, 3–27
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|