أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-2-2020
1524
التاريخ: 5-12-2019
1583
التاريخ: 7-3-2022
1487
التاريخ: 23-2-2017
1527
|
ما من كوكب من كواكب السماء كثر تحدث الناس في أمره مثل المريخ ولا سيما بعد أن اكتشف فيه شيبارلي الفلكي الإيطالي ما خُيّل إليه أنه ترع محفورة فقال البعض إنَّ المريخ مسكون وأن سكانه احتفروا تلك الترع لري مزروعاتهم، ومن ثَمَّ كثرت الكتابات عن المريخ في المجلات العلمية والجرائد السياسية وجارى المقتطف سائر المجلات فنشرنا فيه مقالات ونُبذًا في المرّيخ لو جمعت لملأت كتابًا كبيرًا، ومن أبسط ما نقلناه في هذا الموضوع مقالة للسير روبرت بول أستاذ علم الفلك في جامعة كمبردج قال فيها ما يأتي:
لنلتفت أولا إلى الأمور التي يُشبه فيها المريخ الأرض إذا أُريد النظر إليه كدار للأحياء، فالمريخ ليس كبيرًا كالأرض ولا كالزهرة ولكنه أكبر كثيرًا من النجيمات وأكبر جدًّا من القمر، وهو من حيث جرمه ليس فيه ما يمنع كونه دارًا للإحياء بل إن صِغَر الكوكب يزيد صلاحيته لإقامة الأحياء التي لها حركات مستقلة فثقل الأجسام على سطح المريخ أقل من ثقلها على سطح الأرض فتكون حركاتها عليه أسهل من حركاتها على الأرض حتى إذا أرادت الطيران مثلا لم تجد فيه من الصعوبة ما تجده فوق سطح الأرض.
والشمس تشرق على المريخ كما تشرق على الأرض وترسل إليه نورها وحرارتها كما ترسلهما إلينا ولكنه أبعد من أرضنا عنها فلا يصل إلى سكانه منهما مقدار ما يصل إلينا، ولكن ذلك لا يستلزم أن تكون حرارة هوائه قليلة جدا؛ لأن الحرارة لا تتوقف على القرب والبعد من الشمس فقط، انظر إلى الأرض فإنَّ شدَّة الحرارة عند خط الاستواء وشدة البرد عند القطبين ليستا ناتجتين عن قرب خط الاستواء من الشمس وبعد القطبين عنها، وقمم الجبال العالية يغطّيها الثلج الدائم وبطون الأودية تحتها شديدة الحر مع أن قمم الجبال أقرب إلى الشمس من بطون الأودية؛ ولذلك لا يصح الحكم على أن هواء المريخ أبرد من هواء الأرض لأن المريخ أبعد عن الشمس من الأرض بل قد يكون الأمر على الضد من ذلك، ويظهر مما رؤي في المريخ بالتلسكوب أنَّ الحرارة على سطحه أشد من الحرارة على سطح الأرض بنوع عام.
وقد علم من عهد السر وليم هر شل الفلكي الشهير أنه إذا جاء فصل الشتاء في المريخ تتكون على كلٌّ من قطبيه بقعة بيضاء كبيرة ثم تضيق رويدا رويدا بمجيء فصل الصيف إن لم تزل تمامًا، ويظهر بقياس التمثيل بين المريخ والأرض أن فيه ماءً وهذا الماء يجمد ويصير ثلجًا وجليدا عند القطبيين في فصل الشتاء ثم يعود ماءً في فصل الصيف، ولا أقول إنَّ علماء الفلك مجمعون على أن تينك البقعتين ثلج وجليد كما يظهران لعين الرائي فإن بعضهم ينفي ذلك وبعضهم زاد تطرُّفا وظنَّ أنهما غاز الحامض الكربونيك وقد جمد من شدة البرد، أما أنا فلا أرى موجِبًا لهذا الفرض الغريب لا سيما وأن ليس له مثيل في الأرض وأنَّ فرض وجود الماء كافٍ لتعليل ما يُرى على سطح المريخ. فإذا حسبنا أن تينك البقعتين ناتجتان من تجمد الماء بالبرد كما يذهب الأستاذ لول وأكثر الذين رصدوا المريخ وجدنا أن فيه شيئين من ألزم لوازم الحياة المعروفة وهما: الماء والحرارة، بل إن إقليم المريخ أقل بردًا من أقاليم الأرض الباردة؛ لأن ثلج قطبيه لا يستمر على مدار السنة كما يستمر على قطبي الأرض ولو كان أبعد من الأرض عن الشمس.
وبين المريخ والأرض اختلاف من وجه آخر وهو أن ليس فيه بحور واسعة كبحور الأرض كما يُستدلُّ من أرصاده الكثيرة؛ فسطحه بر لا بحر فيه، وقد ظُنَّ قبلًا أن البقع التي ترى على سطحه بحور واسعة وأنَّ البقع المحمرة برور ولكن ثبت الآن أو كاد يثبت أن ليس الأمر كذلك فالجانب المسود من سطحه والجانب المحمر كلاهما برُّ لا بحر فيه والماء إنما يوجد حول القطبين حينما يذوب ثلجهما في فصل الربيع وقد أبان الأستاذ لول أن هذا الماء ينتشر على سطح المريخ ثم يغيض سريعًا.
ومن المشابهات بين المريخ والأرض أن النهار والليل يتعاقبان فيه كما يتعاقبان فيها ويومه أربع وعشرون ساعة ونصف ساعة؛ أي أنه يُتِمُّ دورته على محوره في هذه المدة فالفرق قليل جدًّا بينه وبين الأرض من هذا القبيل. بقي أمر آخر يجب الالتفات إليه إذا أريد البحث عن وجود الأحياء في المريخ وهو أنَّ وجود الأحياء على الأرض مرتبط بنوع هوائها وكثافته، فهل للمريخ هواء يحيط به كما يحيط الهواء بالأرض؟ والمرجح أن للمريخ هواء ولكن هواءه لطيف جدا بالنسبة إلى هواء الأرض، فإذا راقب الأرض مراقب من القمر رأى الغيوم الكثيفة تحيط بها وقد لا تنجلي له جبالها ووهادها وبحورها وبرورها لكثرة ما يراه حولها من الغيوم، أمَّا المريخ ففي جوه شيء من الغيوم لكنها قليلة لا تُذْكر في جنب غيوم الأرض.
ولا نعلم تركيب هواء المرّيخ فقد يكون مؤلفًا من النتروجين والأكسجين مثل هواء الأرض، ولكن قد لا يكون فيه شيء منهما بل هناك أدلة تدلُّ على انه مؤلف من غاز أثقل من الأكسجين فإن دقائق الغاز سريعة الحركة فإذا لم تكن جاذبية السيار الذي هي فيه شديدة أفلتت منه وأبعدت عنه، والمرجح أن جاذبية المريخ ليست كافية لحفظ الأكسجين في جوه، ويظهر بادئ بدء أنَّ انتفاء الأكسجين من جو المريخ ينفي وجود الأحياء فيه لكن قد لا يكون الأمر كذلك فإن الأحياء الأرضية وجدت الأكسجين في جوِّ الأرض فاستخدمته بالانتخاب الطبيعي؛ لأنه أصلح من غيره لتوليد القوة باتحاده مع الكربون وبذلك تعلل دورة الدم في جسم الحيوان، ويتضح هذا من النظر إلى شجر الصنوبر فإنه يُزْرَع في الجبال الصخرية حيث يقل وجود التربة الكافية لنموه لكن جذوره تتشبث بالصخر حيث تجد شقا فيه لتتناول ما تجده من الغذاء وتنتشر عليه حتى تعلق به من كل ناحية وتقوى على مقاومة الرياح والعواصف، وهذا كله من أوضح الأمثلة على أن الحي يوفّق نفسه للأحوال التي يوجد فيها ويستخدمها لنفعه؛ ولذلك لا يمكننا الحكم بأن الأكسجين لازم للحياة لزوما لا انفكاك عنه حتى يتعذَّرَ وجود الأحياء بدونه ولو كانت من الأنواع العليا.
هذه زبدة ما يُعلم من أمر المريخ مما يتعلق بالموضوع الذي نحن فيه ويظهر منها أنه ليس في المرّيخ ما يجعل وجود الأحياء فيه محالا أو بعيد الاحتمال جدًّا، ولكن إذا وجدت الأحياء هناك فضعف الجاذبية على سطح المريخ يقضي بأن تكون تلك الأحياء كبيرة الحجم بالنسبة إلى ما يقابلها على سطح الأرض، وعلى الأرض حيوانات مختلفة الأقدار جدًّا فمنها ما هو في غاية الكبر كالفيل والحوت ومنها ما هو في غاية الصغر حتى إن الألف منه تسبح في خَرَب إبرة، وإذا كبر جرم السيار صغرت الحيوانات التي تسكنه وإذا صغر كبرت ولو ظهر ذلك مخالفًا لم ينتظر، فإذا انتقل إنسان إلى عالم كبير جرمه مثل جرم الشمس وكان ذلك العالم معدًا لمعيشة الأحياء لم يستطع ذلك الإنسان أن يعيش فيه؛ لأن ثقله يزيد ستة وعشرين ضِعْفًا بزيادة الجاذبية نحو مركز ذلك العالم فلا يقوى على حمل نفسه، وإذا انتقل إلى عالم صغير جدًّا خَفَّ ثقله كثيرًا فزادت قوته على مقاومة أثقال الأجسام؛ لأن أثقالها تكون قليلة فالحيوانات الكبيرة تصلح لسكن الأجرام الصغيرة والحيوانات الصغيرة لسكن الأجرام الكبيرة.
هذا من حيث وجود الأحياء على سطح المريخ، ولكن إن قيل هل تلك الأحياء عاقلة أو غير عاقلة؟ قلنا: إنَّ ذلك ليس مما يمكن إثباته أو نفيه بالتلسكوب؛ لأنه مهما قرب المرّيخ منا يبقى بعيدًا عنا 35 ألف ألف ميل والتلسكوب يُقرِّب الأبعاد حقيقة ولكنه مهما قرَّبها لا يقربها إلى أكثر من جزء من ألف جزء من بُعْدِها، فإذا نظرنا المرّيخ به وهو على أقرب بعده عنا رأيناه على 35 ألف ميل على الأقل ومعلوم أننا لا نستطيع أن نرى جسما بأقوى تلسكوب أوضح مما نراه بعيوننا إذا كان بُعده عنا 35 ألف ميل، فلو رُفِعَت الولايات المتحدة الأمريكية فوق أوروبا وجُعِلَ بُعْدها عنها عشرة أضعاف ما هو الآن فماذا يراه الناس منها بعيونهم لا يرون شيئًا من مدنها ومبانيها الفخمة ولا من أنهارها الكبيرة، وقد يرون أكبر بحيراتها كنقطة صغيرة وقد يرون تغيرًا في حراجها الواسعة حينما يسقط ورقها ولكن سكان البلاد وأعمالهم لا يظهر منها شيء، وهذا شأننا في نظرنا إلى المريخ بأقوى نظاراتنا فلا سبيل لنا لنعرف هل هو مسكون أو غير مسكون.
وعندي أنه إذا قايسنا بين الأرض والمريخ ترجّح لنا أنَّ الأحياء العاقلة غير موجودة فيه فإن الأحياء العاقلة وُجِدَت على الأرض منذ عشرات الألوف من السنين ولكن سبقتها عشرات الملايين من السنين والأرض مسكونة بأحياء غير عاقلة فمرت عشرات الملايين من السنين قبلما وصلنا إلى الأحياء العاقلة، والمدة التي وُجدت فيها الأحياء في الأرض قصيرة جدًّا إذا قسيت بالدهور المتطاولة التي مرَّت على الأرض قبلما وُجِدَ فيها حيٌّ، فالمدة التي وُجِدَت فيها الأحياء العاقلة في هذه الأرض ليست سوى نقطة في أوقيانوس الزمان، ولا يبعد أن يكون تاريخ المريخ مثل تاريخ الأرض فيمرُّ على الأطوار التي مرت عليها الأرض وتتولد فيه أحياء عاقلة كما تولّدت فيها ولكن يبعد عن التصديق أن تجتمع فيه وفي الأرض أحوال واحدة في وقت واحد وهذه الأحوال لم تصر في الأرض إلا في برهة من تاريخها نسبتها إلى تاريخها كله كنسبة نقطة إلى بحر.
وإذا سُئِلْتُ عن رأيي في وجود الأحياء في المريخ مهما كان نوعها أجبت أني أعتقد أنه لا يخلو من المخلوقات الحية، ودليلي على ذلك قانون المرجحات فإن الأحياء موجودة على الأرض في كلِّ مكان وفي كل الأحوال فيُرجح أن تكون موجودة في المريخ أيضًا. انتهى.
وقد نشرنا هنا خريطة المرّيخ كما رسمها الأستاذ بروكتر وصورتين رسمهما الأستاذ لول الذي همه الأكبر إثبات وجود القنوات في المريخ وأنها صناعية احتفرتها مخلوقات عاقلة لري الأراضي الزراعية على ضفتيها.
شكل 11–1: خريطة المريخ كما رسمها الفلكي بروكتر منذ خمسين سنة.
شكل 11–2: صورة المريخ كما رسمها الأستاذ لول وتظهر فيها ترعه المختلفة.
|
|
أكبر مسؤول طبي بريطاني: لهذا السبب يعيش الأطفال حياة أقصر
|
|
|
|
|
طريقة مبتكرة لمكافحة الفيروسات المهددة للبشرية
|
|
|
|
|
جامعة الكفيل تناقش تحضيراتها لإطلاق مؤتمرها العلمي الدولي السادس
|
|
|