أقرأ أيضاً
التاريخ: 7-4-2016
3568
التاريخ: 7-03-2015
3161
التاريخ: 19-10-2015
3492
التاريخ: 7-03-2015
3394
|
كتب الحسن إلى معاوية أما بعد فإنك دسست إلي الرجال كأنك تحب اللقاء لا أشك في ذلك فتوقعه إن شاء الله وبلغني انك شمت بما لم يشمت به ذو الحجي وإنما مثلك في ذلك كما قال الأول :
فانا ومن قد مات منا لكالذي * يروح فيمسي في المبيت ليغتدي
فقل للذي يبقى خلاف الذي مضى * تجهز لأخرى مثلها فكان قد
فاجابه معاوية : أما بعد فقد وصل كتابك وفهمت ما ذكرت فيه ولقد علمت بما حدث فلم أفرح ولم أحزن ولم أشمت ولم آس وان عليا أباك لكما قال أعشى بني قيس بن ثعلبة :
وأنت الجواد وأنت الذي * إذا ما القلوب ملأن الصدورا
جدير بطعنة يوم اللقاء * يضرب منها النساء النحورا
وما مزبد من خليخ البحار * يعلو الآكام ويعلو الجسورا
بأجود منه بما عنده * يعطي الألوف ويعطي البدورا
قال أبو الفرج وكتب عبد الله بن العباس من البصرة إلى معاوية : اما بعد فإنك ودسك أخا بني القين إلى البصرة تلتمس من غفلات قريش بمثل ما ظفرت به من يمانيتك لكما قال أمية يعني ابن الأشكر :
لعمرك اني والخزاعي طارقا * كنعجة غار حتفها تتحفز
أثارت عليها شفرة بكراعها * فظلت بها من آخر الليل تنحر
شمت بقوم من صديقك هلكوا * أصابهم يوم من الدهر اصفر
فاجابه معاوية : اما بعد فان الحسن كتب إلي بنحو ما كتبت به وإنك لم تصب مثلكم ومثلي ولكن مثلنا ما قاله طارق الخزاعي يجيب أمية عن هذا الشعر :
فوالله ما أدري واني لصادق * إلى اي من يضطنني أتعذر
أعنف إن كانت زنيبة أهلكت * ونال بني لحيان شر ونفروا
وروى المدائني ان ابن عباس كتب إلى الحسن : أما بعد فان المسلمين ولوك أمرهم بعد علي (عليه السلام) فشمر للحرب وجاهد عدوك وقارب أصحابك وهو كتاب طويل وهذا وكتابه السابق إلى معاوية يدل على وجوده بالبصرة كما أن ما تقدم في خبر البيعة للحسن (عليه السلام) يدل على أنه كان حين وفاة أمير المؤمنين (عليه السلام) في الكوفة وكل ذلك ينافي ما روي أنه حمل مال البصرة وذهب إلى مكة وخالف عليا (عليه السلام) وباعده فاما أن خبر مفارقته غير صحيح وإما أنه رجع إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) .
قال أبو الفرج : وكتب الحسن بن علي إلى معاوية بن أبي سفيان مع جندب بن عبد الله الأزدي وقال المدائني أنه أرسل معه أيضا الحارث بن سويد التيمي تيم الرباب : بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله بن علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان سلام عليك فاني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فان الله جل وعز بعث محمدا (صلى الله عليه وآله) رحمة للعالمين فبلغ رسالات الله حتى توفاه الله غير مقصر ولا وان حتى أظهر الله به الحق ومحق الشرك وأعز به العرب عامة وشرف به قريشا خاصة فقال تعالى {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} [الزخرف: 44] فلما توفي (صلى الله عليه وآله) تنازعت سلطانه العرب فقالت قريش نحن قبيلته وأسرته فرأت العرب ان القول كما قالت قريش ثم حاججنا نحن قريشا بمثل ما حاجت به العرب فلم تنصفنا قريش انصاف العرب لها فلما صرنا أهل بيت محمد (صلى الله عليه وآله) وأولياءه إلى محاجتهم وطلب النصف منهم باعدونا واستولوا بالاجتماع على ظلمنا ومراغمتنا فأمسكنا عن منازعتهم مخافة على الدين أن يجد المنافقون والأحزاب بذلك مغمزا يتلمسونه به واليوم فليعجب المتعجب من توثبك يا معاوية على أمر لست من أهله لا بفضل في الدين معروف ولا أثر في الاسلام محمود وأنت ابن حزب من الأحزاب وابن اعدى قريش لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وسترد فتعلم لمن عقبى الدار أن عليا رضوان الله عليه لما مضى لسبيله رحمة الله عليه يوم قبض ويوم من الله عليه بالاسلام ويوم يبعث حيا ولاني المسلمون الأمر بعده وإنما حملني على هذا الكتاب الاعذار فيما بيني وبين الله في أمرك ولك في ذلك إن فعلت الحظ الجسيم وللمسلمين فيه صلاح فدع التمادي في الباطل وادخل فيما دخل فيه الناس من بيعتي فإنك تعلم إني أحق بهذا الأمر منك عند الله وعند كل أواب حفيظ ودع البغي واحقن دماء المسلمين وإن أنت أبيت الا التمادي في غيك نهدت إليك بالمسلمين فحاكمتك حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين .
قال المدائني فقدما على معاوية فدعواه إلى بيعة الحسن فلم يجب إلى ذلك .
قال أبو الفرج : فكتب إليه معاوية من عبد الله معاوية أمير المؤمنين إلى الحسن بن علي سلام عليك فاني احمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فقد بلغني كتابك وفهمت ما ذكرت به رسول الله (صلى الله عليه وآله) من الفضل وهو أحق الأولين والآخرين بالفضل كله وذكرت تنازع المسلمين الأمر من بعده فرأيتك صرحت بتهمة أبي بكر الصديق وعمر الفاروق وأبي عبيدة الأمين وحواري رسول الله (صلى الله عليه وآله) وصلحاء المهاجرين والأنصار فكرهت ذلك لك فإنك امرؤ عندنا وعند الناس غير ضنين وأنا أحب لك القول السديد والذكر الجميل إن هذه الأمة لما اختلفت بعد نبيها لم تجهل فضلكم ولا سابقتكم ولا قرابتكم من نبيكم ولا مكانكم من الاسلام فرأت الأمة أن تخرج من هذا الأمر لقريش لمكانها من نبيها ورأى صلحاء الناس أن يولوا هذا الأمر من قريش أقدمها سلما وأعلمها بالله وأقواها على أمر الله فاختاروا أبا بكر فأوقع ذلك في صدوركم لهم التهمة ولو رأى المسلمون فيكم من يغني غناءه ما عدلوا إلى غيره وقد فهمت الذي دعوتني إليه من الصلح والحال فيما بيني وبينك اليوم مثل الحال التي كنتم عليها وأبو بكر بعد النبي (صلى الله عليه وآله) ولو علمت أنك اضبط مني للرعية وأقوى على جمع الأموال وأكيد للعدو لأجبتك إلى ما دعوتني إليه ولكن قد علمت إني أطول منك ولاية وأقدم تجربة وأكثر سياسية وأكبر سنا فادخل في طاعتي ولك الأمر من بعدي ما في بيت مال العراق وخراج أي كور العراق شئت يجيبها امينك ويحملها إليك في كل سنة ولك أن لا يستولي عليك بالإشاءة ولا تقضي دونك الأمور ولا تعصى في أمر أردت به طاعة الله .
قال المدائني : إن معاوية كتب في آخر كتابه إلى الحسن (عليه السلام) فان أباك سعى على عثمان حتى قتل مظلوما وطالب الله بدمه ومن يطلبه الله فلن يفوته ثم أبتز الأمة أمرها وفرق جماعتها فخالفه نظراؤه من أهل السابقة والجهاد والقدم في الاسلام وادعى انهم نكثوا بيعته فقاتلهم فسفكت الدماء واستحلت الحرم ثم أقبل إلينا لا يدعي علينا بيعة ولكنه يريد أن يملكا اعتزازا فحاربناه وحاربنا ثم صارت الحرب إلى أن اختار رجلا واخترنا رجلا ليحكما بما تصلح عليه الأمة وتعود به الجماعة والألفة وأخذنا بذلك عليهما ميثاقا وعليه وعلينا مثله على الرضى بما حكما فامضى الحكمان عليه الحكم بما علمت وخلعاه فوالله ما رضي بالحكم ولا صبر لأمر الله فكيف تدعوني إلى أمر إنما تطلبه بحق أبيك وقد خرج عنه فانظر لنفسك ولدينك
والسلام ثم قال للحارث وجندب ارجعا فليس بيني وبينكم إلا السيف .
فرجعا وأقبل إلى العراق في ستين ألفا واستخلف على الشام الضحاك بن قيس الفهري .
قال جندب : فلما أتيت الحسن (عليه السلام) بكتاب معاوية قلت إن الرجل سائر إليك فابدأ بالمسير إليه حتى تقابله في أرضه وبلاده وعمله فاما أن تقدر أنه ينقاد لك فلا والله حتى يرى يوما أعظم من يوم صفين ، فقال افعل .
وكتب معاوية إلى الحسن (عليه السلام) : أما بعد فان الله عز وجل يفعل في عباده ما يشاء لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب فاحذر أن تكون منيتك على أيدي رعاع من الناس وآيس من أن تجد فينا غميزة وإن أنت أعرضت عما أنت فيه وبايعتني وفيت لك بما وعدت ثم الخلافة لك من بعدي فأنت أولى الناس بها والسلام .
فاجابه الحسن (عليه السلام) : أما بعد فقد وصل إلي كتابك فتركت جوابك خشية البغي عليك فاتبع الحق تعلم إني من أهله والسلام .
فلما وصل كتاب الحسن إلى معاوية كتب إلى عماله على النواحي نسخة واحدة : أما بعد فالحمد لله الذي كفاكم مؤونة عدوكم وقتلة خليفتكم إن الله بلطفه وحسن صنعه أتاح لعلي بن أبي طالب رجلا من عباده فاغتاله فقتله فترك أصحابه متفرقين مختلفين وقد جاءتنا كتب أشرافهم وقادتهم يلتمسون الأمان لأنفسهم وعشائرهم فاقبلوا إلي حين يأتيكم كتابي هذا بجدكم وجهدكم وحسن عدتكم فقد أصبتم بحمد الله الثار وبلغتم الأمل وأهلك الله أهل البغي والعدوان والسلام .
فاجتمعت العساكر إلى معاوية وسار قاصدا إلى العراق وبلغ الحسن خبر مسيره وإنه قد بلغ جسر منبج فتحرك لذلك وبعث حجر بن عدي يأمر العمال والناس بالتهيؤ للمسير ونادى المنادي الصلاة جامعة فاقبل الناس يتوثبون ويجتمعون فقال الحسن (عليه السلام) إذا رضيت جماعة الناس فاعلمني ، وجاء سعيد بن قيس الهمداني فقال اخرج ، فخرج الحسن (عليه السلام) فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أما بعد فان الله كتب الجهاد على خلقه وسماه كرها ثم قال لأهل الجهاد من المؤمنين اصبروا إن الله مع الصابرين فلستم أيها الناس نائلين ما تحبون إلا بالصبر على ما تكرهون إنه بلغني ان معاوية بلغه انا كنا أزمعنا على المسير إليه فتحرك لذلك فاخرجوا رحمكم الله إلى معسكركم بالنخيلة وإنه في كلامه ليتخوف خذلان الناس له فسكتوا فما تكلم منهم أحد ولا أجابه بحرف ، فلما رأى ذلك عدي بن حاتم قام فقال : انا ابن حاتم سبحان الله ما أقبح هذا المقام أ لا تجيبون امامكم وابن بنت نبيكم أين خطباء مضر المصر الذين ألسنتهم كالمخاريق في الدعة فإذا جد الجد فرواغون كالثعالب أ ما تخافون مقت الله ولا عيبها وعارها ثم استقبل الحسن بوجهه فقال أصاب الله بك المراشد وجنبك المكاره ووفقك لما تحمد ورده وصدره قد سمعنا مقالتك وانتهينا إلى أمرك لك وأطعناك فيما قلت وما رأيت وهذا وجهي إلى معسكري فمن أحب أن يوافيني فليواف ثم مضى لوجهه فخرج عن المسجد ودابته بالباب فركبها ومضى إلى النخيلة وأمر علامه أن يلحقه بما يصلحه وكان عدي بن حاتم أول الناس عسكرا وقام قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري ومعقل بن قيس الرياحي وزياد بن صعصعة التيمي فأنبوا الناس ولاموهم وحرضوهم وكلموا الحسن بمثل كلام عدي بن حاتم في الإجابة والقبول فقال لهم الحسن (عليه السلام) صدقتم رحمكم الله ما زلت أعرفكم بصدق النية والوفاء والقبول والمودة الصحيحة فجزاكم الله خيرا ثم نزل وخرج الناس فعسكروا ونشطوا للخروج وخرج الحسن (عليه السلام) إلى المعسكر واستخلف على الكوفة المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب وأمره باستحثاث الناس واشخاصهم إليه فجعل يستحثهم ويخرجهم حتى يلتئم العسكر وسار الحسن (عليه السلام) في عسكر عظيم وعدة حسنة حتى أتى دير عبد الرحمن فأقام به ثلاثا حتى اجتمع الناس ثم دعا عبيد الله بن عباس فقال له يا ابن عم اني باعث معك اثني عشر ألفا من فرسان العرب وقراء المصر الرجل منهم يرد الكتيبة فسر بهم وألن لهم جانبك وابسط وجهك وافرش لهم جناحك وأدنهم من مجلسك فإنهم بقية ثقة أمير المؤمنين وسر بهم على شط الفرات حتى تقطع بهم الفرات ثم تصير بمسكن ثم امض حتى تستقبل معاوية فان أنت لقيته فاحبسه حتى نأتيك في اثرك وشيكا وليكن خبرك عندي كل يوم وشاور هذين يعني قيس بن سعد وسعيد بن قيس فإذا لقيت معاوية فلا تقاتله حتى يقاتلك وإن فعل فقاتله فان أصبت فقيس على الناس وإن أصيب قيس
فسعيد بن قيس على الناس .
فسار عبيد الله حتى انتهى إلى شينور حتى خرج إلى شاهي ثم لزم الفرات وقرى الفلوجة حتى اتى مسكن .
قال المفيد استنفر الحسن (عليه السلام) الناس للجهاد فتثاقلوا عنه ثم خفوا ومعه أخلاط من الناس بعضهم شيعة له ولأبيه وبعضهم محكمة اي خوارج يؤثرون قتال معاوية بكل حيله وبعضهم أصحاب فتن وطمع في الغنائم وبعضهم شكاك وأصحاب عصبية اتبعوا رؤساء قبائلهم لا يرجعون إلى دين فسار حتى اتى حمام عمر ثم أخذ إلى دير كعب ثم بكر ونزل ساباط دون
القنطرة وبات هناك فلما أصبح أراد أن يمتحن أصحابه ويستبرئ أحوالهم في الطاعة ليتميز بذلك أولياؤه من أعدائه ويكون على بصيرة من لقاء معاوية وأهل الشام فامر أن ينادى بالصلاة جامعة فاجتمعوا وصعد المنبر فخطبهم فقال :
الحمد لله كلما حمده حامد وأشهد أن لا إله إلا الله كلما شهد له شاهد وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالحق وأئتمنه على الوحي (صلى الله عليه وآله) أما بعد فوالله إني لأرجو أن أكون قد أصبحت بحمد الله ومنه وأنا انصح خلق الله لخلقه وما أصبحت محتملا على مسلم ضغينة ولا مريدا له سوءا ولا غائلة ألا وان ما تكرهون في الجماعة خير لكم مما تحبون في الفرقة ألا واني ناظر لكم خيرا من نظركم لأنفسكم فلا تخالفوا أمري ولا تردوا على رأيي غفر
الله لي ولكن وأرشدني وإياكم لما فيه المحبة والرضا .
فنظر الناس بعضهم إلى بعض وقالوا ما ترونه يريد بما قال ؟ قالوا نظنه والله يريد أن يصالح معاوية ويسلم الأمر إليه فقالوا كفر والله الرجل وهذا يدل على أنهم كانوا خوارج ثم شدوا على فسطاطه وانتهبوه حتى أخذوا مصلاه من تحته ثم شد عليه عبد الرحمن بن عبد الله بن جعال الأزدي فنزع مطرفه عن عاتقه فبقي جالسا متقلدا السيف بغير رداء ثم دعا فرسه فركبه وأحدق به طوائف من خاصته وشيعته ومنعوا منه من أراده فقال ادعوا لي ربيعة وهمدان فدعوا له فأطافوا به ودفعوا الناس عنه ومعهم شوب من غيرهما فلما مر في مظلم ساباط بدر إليه رجل من بني أسد يقال له الجراح بن سنان أو سنان بن الجراح وكان قد تقدمه إلى مظلم ساباط فوقف
به فلما حاذاه أخد بلجام فرسه أو بغلته وبيده مغول وهو سيف دقيق يكون غمده كالسوط فقال الله أكبر يا حسن أشركت كما أشرك أبوك من قبل وهذا يدل على أنه كان خارجيا ثم طعنه فوقعت الطعنة في فخذه فشقه حتى بلغ أربيته وهي أصل الفخذ أو ما بين أعلاه وأسفل البطن وفي رواية حتى بلغ العظم وضرب الحسن (عليه السلام) الذي طعنه بسيف كان بيده واعتنقه فخرا جميعا إلى الأرض ، وفي رواية انه غشي عليه فوثب إليه رجل من شيعة الحسن يقال له عبد الله بن خطل الطائي فنزع المغول من يده فخضخضه به واكب ظبيان بن عمارة على الجراح فقطع انفه ثم اخذا الآجر فشدخوا وجهه ورأسه حتى قتلوه ، وحمل الحسن (عليه السلام) على سرير إلى المدائن فأنزل بها على سعيد بن مسعود الثقفي وكان عامل أمير المؤمنين (عليه السلام) بها فاقره الحسن (عليه السلام) على ذلك واشتغل الحسن بنفسه يعالج جرحه جاءه سعد بن مسعود بطبيب فقام عليه حتى برئ ، هكذا ذكر المفيد وأبو الفرج والذي ذكره الطبري وابن الأثير وسبط بن الجوزي ناقلا له عن الشعبي انه لما نزل الحسن (عليه السلام) المدائن نادى مناد في العسكر أ لا ان قيس بن سعد قد قتل فانفروا فنفروا إلى سرادق الحسن فنهبوا متاعه حتى نازعوه بساطا كان تحته فازداد لهم بغضا ومنهم ذعرا أقول من كانت هذه حالتهم كيف يمكر الركون إليهم والانتصار بهم قال المفيد وكتب جماعة من رؤساء القبائل إلى معاوية بالسمع والطاعة في السر واستحثوه على المسير نحوهم وضمنوا له تسليم الحسن إليه عند دنوهم من عسكره وبلغ الحسن ذلك وروى الصدوق في العلل ان معاوية دس إلى عمرو بن حريث والأشعث بن قيس وحجار بن أبجر وشبث بن ربعي دسيسا أفرد كل واحد منهم بعين من عيونه انك إذا قتلت الحسن فلك مائة ألف درهم وجند من أجناد الشام وبنت من بناتي فبلغ الحسن (عليه السلام) ذلك فاستلأم ولبس درعا وسترها وكان يحترز ولا يتقدم للصلاة الا كذلك فرماه أحدهم في الصلاة بسهم فلم يثبت فيه لما عليه من اللامة وفي الخرائج ان الحسن (عليه السلام) بعث إلى معاوية قائدا من كندة في أربعة آلاف فلما نزل الأنبار بعث إليه معاوية بخمسمائة ألف درهم ووعده بولاية بعض كور الشام والجزيرة فصار إليه في مائتين من خاصته ثم بعث رجلا من مراد ففعل كالأول بعد ما حلف بالايمان التي لا تقوم لها الجبال انه لا يفعل وأخبرهم الحسن (عليه السلام) انه سيفعل كصاحبه .
قال أبو الفرج : ثم إن معاوية وافى حتى نزل قرية يقال لها الحبوبية بمسكن فاقبل عبيد الله بن العباس حتى نزل بازائه فلما كان الغد بعث معاوية إلى عبيد الله ان الحسن قد راسلني في الصلح وهو مسلم الأمر إلي فان دخلت في طاعتي الآن كنت متبوعا والا دخلت وأنت تابع ولك أن جئتني الآن ان أعطيك ألف ألف درهم يعجل لك في هذا الوقت النصف وإذا دخلت الكوفة النصف الآخر فانسل عبيد الله ليلا فدخل عسكر معاوية فوفى له بما وعده فأصبح الناس ينتظرون أن يخرج فيصلي بهم فلم يخرج وطلبوه فلم يجدوه وصلى بهم قيس بن سعد ثم خطبهم فقال : أيها الناس لا يهولنكم ولا يعظمن عليكم ما صنع هذا الرجل الوله الورع اي الجبان ان هذا وأباه وأخاه لم يأتوا بيوم خير قط ان أباه عم رسول الله (صلى الله عليه وآله) خرج يقاتله ببدر فاسره أبو اليسر كعب بن عمرو الأنصاري فاتى به رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاخذ فداءه فقسمه بين المسلمين وان أخاه ولاه علي (عليه السلام) على البصرة فسرق مال الله ومال
المسلمين فاشترى به الجواري وزعم أن ذلك له حلال وان هذا ولاه أيضا على اليمن فهرب من بسر بن أرطأة وترك ولده حتى قتلوا وصنع الآن هذا الذي صنع فنادى الناس الحمد لله الذي أخرجه من بينا امض بنا إلى عدونا .
قال المفيد : وورد على الحسن (عليه السلام) كتاب قيس بن سعد يخبره بما صنع عبيد الله بن العباس فازدادت بصيرته بخذلان القوم له وفساد نيات المحكمة فيه بما اظهروا له من السب والتكفير واستحلال دمه ونهب أمواله ولم يبق معه من يامن غوائله الا خاصته من شيعته وشيعة أبيه وهم جماعة لا تقوم لاجناد الشام فكتب إليه معاوية في الهدنة والصلح وانفذ إليه بكتب أصحابه الذين ضمنوا له فيها الفتك به أو تسليمه إليه فاشترط على نفسه في إجابته إلى صلحه شروطا كثيرة وعقد له عقودا كان في الوفاء بها مصالح شاملة فلم يثق به الحسن (عليه السلام) وعلم باحتياله بذلك واغتياله غير أنه لم يجد بدا من اجابته إلى ما التمس من ترك الحرب وانفاذ الهدنة لما كان عليه أصحابه مما وصفناه من ضعف البصائر في حقه والفساد عليه والخلف منهم له وما انطوى عليه كثير منهم في استحلال دمه وتسليمه إلى خصمه وما كان من خذلان ابن عمه له ومصيره إلى عدوه وميل الجمهور منهم إلى العاجلة وزهدهم في الآجلة فتعلق (عليه السلام) لنفسه من معاوية بتوكيد الحجة عليه والاعذار فيما بينه وبينه عند الله تعالى وعند كافة المسلمين فاجابه معاوية إلى ذلك .
واما قيس بن سعد بن عبادة فقال أبو الفرج انه نهض بمن معه لقتال معاوية وخرج إليهم بسر بن أرطأة في عشرين ألفا فصاحوا بهم هذا أميركم قد بايع وهذا الحسن قد صالح فعلا م تقتلون أنفسكم فقال قيس لأصحابه : اختاروا أحد اثنين اما القتال مع غير امام أو تبايعون بيعة ظلال فقالوا بل نقاتل بلا امام فخرجوا وضربوا أهل الشام حتى ردوهم إلى مصافهم وكتب معاوية إلى قيس يدعوه ويمنيه فكتب إليه قيس لا والله لا تلقاني ابدا الا وبيني وبينك السيف والرمح وجرت بينهما مكاتبات أغلظ كل منهما فيها لصاحبه فقال عمرو بن العاص لمعاوية مهلا إن كاتبته أجابك باشد من هذا وإن تركته دخل فيما يدخل فيه الناس فامسك عنه أقول : شتان بين عبيد الله بن العباس وقيس بن سعد فهذا يسالم معاوية بعد ما ذبح بسر بن أرطأة أولاده الصغار على درج صنعاء حين أرسله معاوية ويبيع شرفه بالمال ويرضي بالذل والعار وقيس بن سعد يحلف ان لا يلقى معاوية إلا وبينه وبينه الرمح أو السيف بعد ما بلغه ان الحسن (عليه السلام) قد صالح :
أبت الحمية ان تفارق أهلها * وأبى العزيز بان يعيش ذليلا
ثم انصرف قيس بمن معه إلى الكوفة وانصرف الحسن (عليه السلام) .
أقول ومما تقدم يعلم أن الحسن (عليه السلام) لم يفرط في أمر السياسة واخذ بالحزم والتدبير فعلم بالجاسوسين اللذين أرسلهما معاوية بعد وفاة أمير المؤمنين (عليه السلام) وقتلهما واستحث أهل العراق وسار بمن اتبعه منهم لقتال معاوية وأرسل اثني أشر ألفا مقدمة له وأمر عليهم ابن عمه عبيد الله بن العباس وأمره بمشاورة قيس وسعيد لما يعلم من نصحهما وان امارات الخذلان كانت بادية على أهل العراق بتثاقلهم أول الأمر حين دعاهم وانهم لم يخرجوا إلا بعد التأنيب والتوبيخ ممن عرفت وان المخلصين منهم له كانوا أقل قليل وأكثرهم خوارج وأهل عصبية خرجوا تبعا لرؤسائهم وطمعا في النهب وانه كان يتخوف خذلان أصحابه من أول الأمر وان خطبته بالمدائن لم تكن الا لاختبارهم واظهار اسرارهم وانه لم يكن من الرأي ان يسير بهم على تلك الحال إذ لا يؤمن ان يسلموه إلى معاوية فلما ظهر له فساد نيات الخوارج فيه بما أظهروه له من السب والتكفير واستحلال دمه ونهب أمواله مع ما كان من فعل عبيد الله بن عباس والقائدين المرسلين بعده وما علمه من مكاتبة أصحابه معاوية وما ضمنوه له من الفتك به أو تسليمه إليه وعلم أنه لو لم يصالح لسلموه إلى معاوية ولكانت المفسدة أعظم أجاب إلى الصلح مكرها مرغما واختار أقل الضررين وأهون المفسدتين وان صلحه هذا لا يجعل لمعاوية عذرا ولا يرفع عنه وزرا بل يزيده ذما واثما ومما يدل على ما ذكرناه ما ذكره ابن الأثير في الكامل قال لما راسل معاوية الحسن في تسليم الأمر إليه خطب فقال انا والله ما يثنينا عن أهل الشام شك ولا ندم وإنما كنا نقاتل أهل الشام بالسلامة والصبر فشيبت السلامة بالعداوة والصبر بالجزع وكنتم في مسيركم إلى صفين ودينكم امام دنياكم وأصبحتم اليوم ودنياكم امام دينكم الا وقد أصبحتم بين قتيلين قتيل بصفين تبكون له وقتيل بالنهروان تطلبون بثاره فاما الباكي فخاذل واما الطالب فثائر إلا أن معاوية دعانا لأمر ليس فيه عز ولا نصفة فان أردتم الموت رددناه عليه وان أردتم الحياة قبلناه واخذنا لكم الرضى فناداه الناس من كل جانب : البقي البقية ؛ وما حكاه سبط بن الجوزي عن السدي أنه قال لم يصالح الحسن معاوية رغبة في الدنيا وانما صالحه لما رأى أهل العراق يريدون الغدر به وفعلوا معه ما فعلوا فخاف منهم أن يسلموه إلى معاوية والدليل على أنه خطب بالنخيلة قبل الصلح فقال أيها الناس إن هذا الأمر الذي اختلفت فيه انا ومعاوية إنما هو حق اتركه إرادة لاصلاح الأمة وحقنا لدمائها وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين ؛ وقال ابن الأثير لما تم الصلح قال الحسن يا أهل العراق إنه سخي بنفسي عنكم ثلاث قتلكم أبي وطعنكم إياي وانتهابكم متاعي .
وقال (عليه السلام) في جملة كلام له رواه الطبرسي في الاحتجاج : والله ما سلمت الأمر إلى معاوية إلا لأني لم أجد أنصارا ولو وجدت أنصارا لقاتلته ليلي ونهاري حتى يحكم الله بيني وبينه ومن مجموع ما مر يعلم الوجه في صلحه (عليه السلام) وانه كان هو الرأي والصواب .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
قسم التربية والتعليم يكرّم الطلبة الأوائل في المراحل المنتهية
|
|
|