أقرأ أيضاً
التاريخ:
2687
التاريخ: 2023-09-04
1431
التاريخ: 22-12-2015
3737
التاريخ: 25-10-2017
2700
|
لم يأمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أبا ذر (رض) باللحاق بقومه، ودعوتهم الى الاسلام، إلا لأنّه توسم فيه صفات الكمال، لما يتمتع به من روح عالية، وثبات لا يتزعزع، وتفان في العقيدة. فوجده أهلا لأن يقوم بدور من هذا النوع، والاسلام يمر بأدق المراحل وأخطرها.
نحن نعلم أنّ النبي صلوات الله عليه كان ـ في بدء رسالته المباركة ـ يحتاج الى مزيد من المؤيّدين والأعوان في داخل مكة، وفي خارجها.
في داخل مكة، لتقوية الصف فيها، وليمنع نفسه من قريش! وفي خارج مكة، لنشر مبادىء هذا الدين الجديد الحنيف، واستقطاب أكبر عدد ممكن من الأفراد المسلمين كي ينهض بهذا الأمر جهرة وعلى الصعيد العام، وتكون لديه القوة الكافية لصد أعدائه الذين يتربّصون به الغيلة ويخطّطون للقضاء عليه وعلى الرسالة في مهدها.
لقد آثر النبي (صلى الله عليه وآله) إيفاد أبي ذر الى قومه بني غفار، على بقائه معه، لثقته العالية بأنّه سينجح في نشر الإسلام بينهم.
وهذا ما حصل، فقد نجح أبو ذر في ذلك، فقد أسلم نصف قومه على يده، وأسلم النصف الباقي عند مجيء النبي (صلى الله عليه وآله) الى المدينة كما أسلفنا.
وبقي أبو ذر بينهم فترة طويلة لم يحضر في خلالها بدر ولا أحد، ولا الخندق (كما تقول الروايات)، بقي بينهم في خندق الجهاد الآخر، حيث كان يفقّههم في دينهم، ويعلّمهم أحكام الإسلام، وهذا جهاد يحتاج الى عزيمة وحكمة ودراية ونفس طويل. وليس من الوارد في ذهن من يعرف أبا ذر، أن يعتقد بتخلّفه عن هذه الغزوات الثلاث بمحض ارادته واختياره، بل من المؤكّد أنّ تخلّفه عنها، وبقاؤه في قومه إنّما كان بإيعاز من الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله). والجهاد بالسيف مقرون مع الجهاد في اللسان، بتعليم الناس أحكام دينهم، وتفقهيهم بها بعد تعلّمها من رسول الله (صلى الله عليه وآله). قال تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}.
قضى أبو ذر، فترة بين بني قومه، ثم عاد ليصحب النبي (صلى الله عليه وآله) ويأخذ عنه العلم والمعارف والحكمة. وقد حظي من رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالاهتمام الكبير، والعناية الخاصة. فقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يبتدئه بالسؤال والكلام إذا حضر، ويسأل عنه إذا غاب.
فعن ابي الدرداء قال: «كان النبي صلى الله عليه وآله يقتدی أبا ذر إذا حضر، ويتفقّده إذا غاب» (1).
ويظهر من بعض الأخبار انّه (صلى الله عليه وآله) كان يمازحه، كما كان هو يمازح النبي صلوات الله عليه وهذا إن دلّ على شيء، فإنّما يدل على مكانته الخاصة لدى النبي (صلى الله عليه وآله).
فقد روي انّه قدم الى المدينة، فلمّا رآه النبي قال له: أنت أبو نملة!
فقال: أنا أبو ذر.
قال (صلى الله عليه وآله): نعم، أبو ذر (2).
وعن الصادق (عليه السلام)، قال: طلب أبو ذر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقيل: إنّه في حائط (بستان) كذا وكذا.
فتوجّه في طلبه، فوجده نائماً، فأعظمه أن ينبّهه. فأراد أن يستبرئ نومه من يقظته، فتناول عسيباً يابساً، فكسره ليسمعه صوته. فسمعه رسول الله (صلى الله عليه وآله) فرفع رأسه فقال: يا أبا ذر، تخدعني! أما علمت أنّي أرى أعمالكم في منامي، كما أراكم في يقظتي، إنّ عينيَّ تنامان، ولا ينام قلبي (3).
وكان رضي الله عنه في صحبته للنبي (صلى الله عليه وآله) حريصاً على اقتباس العلوم، فكان يغتنم الفرصة في ذلك، ويحدّثنا هو عن نفسه، فيقول: لقد سألت النبي (صلى الله عليه وآله) عن كل شيء، حتى سألته عن مسّ الحصى (في الصلاة)، فقال: مسَّه مرّة، أو دع (4).
وقال: لقد تركنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وما يحرك طائر جناحيه في السماء، إلا ذكَّرنا منه علما (5).
وقال: دخلت ذات يوم في صدر نهاره على رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مسجده، فلم أرَ في المسجد أحداً من الناس إلا رسول الله (صلی الله عليه وآله)، وعلي (عليه السلام) جالس الى جانبه، فاغتنمت خلوة المسجد، فقلت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، أوصني بوصيّة ينفعني الله بها فقال (صلى الله عليه وآله): نعم، وأكرم بك يا أبا ذر، إنّك منّا أهل البيت (6).
وقد ذكرت وصيّته بكاملها في آخر الكتاب، وهي من عظيم كلامه (صلى الله عليه وآله)، وتصلح أن تكون بذاتها موضوعاً مستقلا يدرّس.
وفي ميدان معارفه وعلومه التي اكتسبها من النبي (صلى الله عليه وآله) نذكر ما قاله أمير المؤمنين علي (عليه السلام) حين سئل عن أبي ذر، فروي أنّه قال في ذلك: "وعى أبو ذر علما عجز الناس عنه، ثم أوكأ عليه، فلم يخرج شيئاً منه" (7).
وانّما أوكأ أبو ذر على ذلك العلم، ومنعه عن الناس؛ لأنّه لا تحتمله عقولهم.
وفي رواية أخرى عن علي (عليه السلام)، فيه: "وعى علما عُجز فيه، وكان شحيحاً حريصاً على دينه، حريصا على العلم، وكان يكثر السؤال، فيُعطى ويَمنع، أما ان قد ملء في وعائه حتى امتلأ" (8).
وجاء عن كتاب حلية الأولياء في هذا الصدد:
كان أبو ذر رضي الله تعالى عنه، للرسول (صلى الله عليه وآله) ملازما وجليسا، وعلى مسائلته والاقتباس منه حريصا، وللقيام على ما استفاد منه أنيسا، سأله عن الأصول والفروع، وسأله عن الايمان والاحسان، وسأله عن رؤية ربّه تعالى، وسأله عن أحبّ الكلام الى الله تعالى، وسأله عن ليلة القدر أترفع مع الأنبياء، أم تبقى؟ وسأله عن كلّ شيء حتّى مس الحصى في الصلاة (9).
وقد منحه النبي (صلى الله عليه وآله) أوسمة عالية أهمّها قوله (صلى الله عليه وآله):
ما أظلّت الخضراء، ولا أقلّت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر، ومَن سرّه أن ينظر الى تواضع عيسى بن مريم، فلينظر إلى أبي ذر(10).
وقد سُئل الإمام الصادق (عليه السلام) عن صحة هذا الحديث، فصدَّقه.
ففي معاني الأخبار بسنده، عن رجل قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أليس قال رسول الله (صلی الله عليه وآله) في أبي ذر ـ رحمة الله عليه ـ ما أظلَّت الخضراء، ولا أقلَّت الغبراء على ذي لهجة، أصدق من أبي ذر؟ قال: بلى. قال: قلت: فأين رسول الله وأمير المؤمنين؟ وأين الحسن والحسين؟ قال، فقال لي: كم السنة شهراً؟ قلت: اثنا عشر شهراً. قال: كم منها حُرُم؟ قال: قلت: أربعة أشهر. قال: فشهر رمضان منها؟ قال: قلت: لا. قال (عليه السلام): إنّ في شهر رمضان ليلة أفضل من ألف شهر! إنَّا أهلُ بيت لا يقاس بنا أحد! (11).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الاصابة 4 / 63 والاستيعاب ص 64.
(2) نفس المصدر.
(3) معجم رجال الحديث 4 / 171.
(4) الغدير 8 / 312 عن مسند أحمد.
(5) الاستيعاب 4 / 64.
(6) تنبيه الخواطر 2 / 300.
(7) الاستيعاب / حاشية على الاصابة 4 / 64.
(8) الغدير 8 / 311.
(9) نفس المصدر 312.
(10) الاستيعاب / الاصابة 1 / 216.
(11) معاني الأخبار ص 179.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|