المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17808 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
تـشكيـل اتـجاهات المـستـهلك والعوامـل المؤثـرة عليـها
2024-11-27
النـماذج النـظريـة لاتـجاهـات المـستـهلـك
2024-11-27
{اصبروا وصابروا ورابطوا }
2024-11-27
الله لا يضيع اجر عامل
2024-11-27
ذكر الله
2024-11-27
الاختبار في ذبل الأموال والأنفس
2024-11-27

التنجيز والتعذير
10-9-2016
يحيى بن سلامة الحُصكُفي
11-3-2016
لهب flame
5-5-2019
GC : Detection Systems
4-2-2020
الأمانة من صفات الانبياء
24-11-2015
حشرة دودة البلح الصغرى
8-1-2016


منظومة أتباع أهل البيت (عليهم السلام) الحوارية ومبانيها الفكرية  
  
1725   04:19 مساءً   التاريخ: 2023-08-21
المؤلف :   أ.د محمد السيد محمود زوين
الكتاب أو المصدر : اهل الكتاب في تراث أئمة اهل البيت دراسة موضوعية قرآنية
الجزء والصفحة : ص275-294
القسم : القرآن الكريم وعلومه / مقالات قرآنية /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-09-04 351
التاريخ: 2024-10-23 234
التاريخ: 23-09-2014 2248
التاريخ: 11-3-2022 1782

أ) اعتمادهم الأصول والقواعد المرجعية الثابتة في حوارهم وعلاقتهم مع الآخر:

القرآن الكريم والسنة المطهرة هما الاصل الثابت، والمرجعية الفاعلة التي اعتمدها علماء الامامية ومفكروها وباحثوها في ترسيخ قواعد العلاقة مع الآخر في ميادين تعاملهم وتعايشهم في حاضرهم المعاصر، أو في استشراف مستقبل التعاون بين الرسالات وأتباعها، فكانت نصوص الكتاب العزيز محور تفاعلهم مع الناس كافة، فمنظومة أهل البيت (عليهم السلام) واتباعهم إنما تنظر الى الإنسان اصل، وأسّ عملية التواصل مع الآخر، وهو مظهر الخطاب الإلهي في القرآن الكريم، ومقام التكريم والخلافة على هذه الارض، مهما اختلفت حيثياته في اللون أو الشكل أو العرق او الجنس ... الخ فالناس كلهم خلق الله جلت قدرته وعلا شأنه، فهم في مبدأ خلقهم متساوون لا مزية لأحد على آخر قال تعالى: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ}(السجدة:7).

{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} (الإسراء: 70 )، فالطين أصل خلق الإنسان مهما تنوعت عقائده، واختلفت شرائعه، وتعددت كتبه وتبعيته عرقاً وجنساً، وهو ابن آدم (عليه السلام) نبي الله المعظم، وهو مناط خطاب رب الأرباب ومدار تكريمه وتفضيله على كثير من الخلق تفضيلاً بيناً ظاهر الملامح، مشخّص المعالم، والتكريم لم يكن ـ بلحاظ الآية ـ مخصوصاً بشريعة معينة، أو مقتصراً على عقيدة، أو رسالة دون أخرى ـ ولعلنا نجد ذلك في آيات أخر ـ لكنك في هذه الآية تجد خطاباً قرآنياً عاماً لكل بني آدم على وجه هذه البسيطة، وحسبك أن تجد تعضيد هذه الفكرة وهذا الخطاب الدال على مزية التغاير والاختلاف المتلاحم في آيات أخر منها:

 قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ} (الروم: 22) .

وقوله جلّ شأنه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحجرات: 13).

 ولا اعتقد خطاباً جامعاً لمعاني التعدد والتنوع المتجانس معرفياً وتنموياً في إدارة وعمارة شؤون الإنسان، ومتعلقاته في مجالاته كافة مثله([1])، ولاسيما أننا نلمس تأكيد ذلك في قوله تعالى:

{هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ} (هود: 61).

 ولعل من ابرز القيم ظهوراً في هذا الخطاب الإنساني القرآني تحقيق المساواة بين الخلق والعدالة في التكريم على الرغم من اختلاف عقائدهم الرسالية ومقاماتهم الإيمانية إلاّ انها تصدر عن مشكاة واحدة، ومن فيض المنبع نفسه، ولا أرى أنك تغادر هذا المعنى قبل أن ترى انعكاسه في السنة المطهرة، بأوضح الصور وأعلاها فقد نقل «ان امرأتين أتتا عليا ـ (عليه السلام) ـ عند القسمة إحداهما من العرب والاخرى من الموالي، فأعطى كل واحدة خمسة وعشرين درهما وكرا من طعام، فقالت العربية: يا أمير المؤمنين اني امرأة من العرب وهذه امرأة من العجم ؟ ! فقال علي (عليه السلام): [انّي] والله لا أجد لبني اسماعيل في هذا الفيء فضلاً على بني إسحاق»([2]).

ويستلزم الاعتقاد بالخطاب القرآني (للإنسان، للناس، للبشرية، لبني آدم) على اختلافهم من جهة العقائد والتبعية الدينية الرسالية، وتوحدهم تحت عنوان (خلق الله تعالى ومظهر آياته الربوبية)يستلزم أن تُشفع بصورة تكاملهم في الرسالات التي كرمهم الله تعالى بها، وأنزلها عليهم بوساطة انبيائهم المصطفين المنتجبين منهم، فكان مناط الرسالات السماوية المتعددة على أقوام البشرية، واجناس الإنسانية التلاحم والتلازم والتجانس للوصول إلى غاية واحدة على الرغم من تعدد الانبياء والرسالات والكتب الإلهية التي أنزلت بالشرائع فتتصل حلقاتها ويتكامل الايمان بها بعد أن بشر سابقها بلاحقها وصدق تاليها بأولها، وهو عين خطاب الكتاب المجيد في بناء منظموته العقيدية الثابتة في الايمان بالله وأنبيائه وكتبه من دون التفريق في الايمان والاعتقاد ببعضهم من دون الآخر، فهم رسل السماء ومصداق الرسالات الإلهية، والتفريق بالإيمان بهم بتصديق بعضهم، ونبذ الآخر بالتكذيب يعني اتهام السماء، وانكار الرسالات، والحجود بالربوبية والحكمة الإلهية في تعاضد الرسالات بأنبيائها وكتبها وشرائعها قال تعالى:

﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ (الشورى: 13).

وقال عزّ ذكره: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ} (الشورى: 13).

فالإسلام منفتح على الآخر بكل ما يملك من إرث ديني سماوي أو تشريع عقائدي إلهي، أو كتاب منزل، أو نبي مرسل فالإيمان به والاعتراف بنسبته الإلهية واقع معرفي اسلامي لا مناص منه، وهو جزء من عقيدة المسلمين؛ لذا فإن الآخر يمثل للمسلمين سابقة إيمانية، محلها منه التصديق بها، والتكامل معها وليس نقضها أو نبذها؛ من هنا تلحظ أن قضية (الإيمان) في بعدها الرسالي تمثل قاعدة وأصلاً يؤسّس عليه المسلمون أُصولاً كثيرة في تعاملهم مع الآخر، وفي تفاعلهم معه سواء كان ذلك في بعده التاريخي أو المستقبلي؛ لذا فإنّ «أول ما تلاحظه أن القرآن علم المسلم أن أهل الكتاب هم «سلفه» في الإيمان الابراهيمي، وأن بينه وبينهم قرابة المشاركة في هذا الإيمان، وأن إيمانهم جزء مقوّم لإيمانه الإسلامي. إن هذه التربية جعلت من المسلم قريباً من الكتابي»([3])، فهم أتباع الديانات السماوية، ومَنْ أولى باتباع السماء إلا أهل الرسالات والكتب الإلهية، ولك أن تشيّد على ذلك سماحة الاسلام وانفتاحه ؛ لأنه «لا يحمل عقدة ضد اي دين، وضد أيّ مقدّسات لأي دين، نحن نؤمن بموسى(عليه السلام)  ونؤمن بالتوراة، موسى نبي الله والتوراة كتاب الله، ونؤمن بعيسى نبي الله، وبالإنجيل كتاب الله، كما نؤمن بمحمد نبي الله، وبالقرآن كتاب الله، شعار القرآن:

{قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} (آل عمران: 84).

فالقرآن([4]) يتحدث عن بعض ما في التوراة وبعض ما في الانجيل»([5])، ليوكد صلاته وتلاحمه مع ما سبقه من الكتب والصحف المنزلة.

من هنا فإن تجسد الايمان مفهوماً ومصداقاً في العقائد يرسخ مبدأ التفاعل والتعايش بين الرسالات ويفضي إلى التعاون والتعامل الايجابي بينها، والقرآن الكريم يصدح بآياته العظيمة في ترسيخ هذا المبدأ يقول جل ذكره: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (الحجرات: 10).

والأخوة الايمانية لا تقتصر على ابناء المذهب الواحد، أو الدين الواحد، وإنما تصلح مصداقاً لأتباع الرسالات الذين يصدرون عن سراج واحد لذا فأخوتهم الايمانية «أقوى من روابط الدم واللون واللغة»([6])؛لأنها تتجاوز حدود المعاني الظاهرية والمادية إلى جواهر المنظمومة القِيَميَّة والروحية بين الاديان فتنصهر دونها الشكليات، وتفنى عندها العقبات.

ويشرع القرآن الطريق لهذه القاعدة وهذا الاصل ـ الايمان بالأنبياء والرسالات والكتب ـ بالدعوة إلى استثمار المشتركات بين الاديان والرسالات على مدى أفق تأريخ الايمان بالتي هي احسن وأرفق وأمثل؛ لأن «تأريخ الايمان هو تأريخ واحد، وأن تجليات الايمان على ألسنة الرسل والانبياء هي تجليات لحقيقة واحدة، لا تفاوت فيها في جوهرها إطلاقاً، وإنما التفاوت في سعتها وعمقها وفي إجمالها وفي تفاصيلها»([7]). قال الله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} (آل عمران: 64).

وقوله جلّ ذكره: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} (العنكبوت: 46).

فالدعوة إلى (الكلمة السواء) هي اصل قرآني يفتح باباً واسعاً مع أتباع الرسالات والاديان لأنها قاسم مشترك بينهم، وتـُشْفع الكلمة الإلهية الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة.

قال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (النحل: 125).

لذا كان الحوار هو السبيل والمنهج الناجع في التعامل والتفاعل بين الاديان بعد تقرير وترسيخ المشتركات الايمانية بينها لتكون منطلقاً متيناً للتعاون والتواصل، ولاسيما أن الإيمان بالله والانبياء والمرسلين والكتب السماوية واليوم الآخر، وقواعد الاخلاق والقيم الروحية المبنية على الايمان تمثل رافداً ـ يجسِّر العلاقة مع الآخر، ويمدُّ روح التقارب الرسالي بالحياة ([8]).

وليس غريباً أن يكون الحوار مع الاديان والدعوة إليه من المباني القرآنية في التخاطب مع الآخر، وهو منهج إلهي له مفاصله وشواهد في الكتاب المجيد؛ لذا تجد أمثلته شاخصة المعاني والدلالات متعددة الأساليب والمستويات، على أن تأصيل مبادئ الحوار قاعدة في منظمومة أهل البيت (عليهم السلام)، وأتباعهم في تفاعلهم مع الآخر، لا بد أن يُشيّد ويُحاط بلوازمه المجذِّرة له، ويُمتِّن بشرائطه وضوابطه الممنهجة له .

ب) ضوابط الحوار وشروطه:

يمكن تحديد اهم معايير الحوار ومستلزماته من جهات متعدّدة : فمنها ما يتصل بالجوانب الفنية للحوار، كالموضوعية والتي يراد منها التعامل مع موضوعات الحوار بفكر منفتح غير جامد، أو متحجر على أفكار مسبقة، أو إقامة حوار استعراضي بطريق اعلامي يموت من حيث يولد، ولابد من أن يجري بين المتخصصين وأهل العقل والحكمة والمنطق من كل اطراف الرسالات، فلا مكان للعدوانيين، أو المتطرفين، أو السياسيين في حوار عماده رسالات السماء، واهدافه التفاعل والتجانس بين أتباع الاديان، وليس التسابق والتنافس في نقض الآخر ونبذ أفكاره، وأبطال عقائده، فهذا مالا سبيل له في التعايش.

ومن بين شروط الحوار كذلك لابد من تحرير موضوع الحوار، وتشخيص المبادئ العامة التي يجب أن يقوم عليها، وهي جزء من المفاهيم التصورية، أو المبادئ التصديقية وهي محل ايمان أهل الاديان. وعليه فلابد من رؤية واضحة بما يمكن أن يتصور أو يطبق من مفردات مشتركة تكون منطلقاً للحوار([9]).

ولابد أن تُشفع هذه الضوابط الحوارية بمعايير أُخر ذات طبيعة فكرية ثقافية لا غنى عنها في اقامة اي تواصل بين أهل الاديان والرسالات، واعني بذلك منها: منزلة ومقدار (ثقافة التعدد والتنوع) في فكرنا وهو مبدأ قرآني قبل أن يكون مناط واقع شفافي متداول، ويستلزم الاعتقاد بالتعدد والتنوع انعكاس ذلك على تعاملنا مع الآخر، وكيفياته في أوساطنا الدينية([10])، والعلمية والمجتمعية... الخ.

 إن وعي مفهوم التعدد الديني على وجه الخصوص يجعل من الحوار اكثر انفتاحاً، واجدى نفعاً، فهو أساس قناعة الآخر بنا، مثلما هو أساس قناعتنا بالآخر واقعاً ايجابياً غنياً بالمعطيات الإنسانية، على الرغم من التفاوت الذي يشكله هذا التعدد والتنوع؛ لأن مدار المشتركات أعظم وأكبر أثراً من الاختلافات والخصوصيات الدينية التي نعتقدها.

ومما يستوجب الالتفات إليه، ويستلزم التوكيد والتنويه عليه المزيّة القرآنية، والفرادة الاسلامية في تقرير مسألة التعدد واحترامه، وترسيخ مبدأ التنوع الفكري والعقيدي والتعايش معه، والتفاعل في القضايا المشتركة بين الاديان، وأساس كل هذا هو الإيمان الاسلامي العقائدي بالرسالات السابقة ـ ولا سيما اليهودية والمسيحية ـ وانبيائها وكتبها وعدم التفريط بها أو التفرقة بينها؛ لذا فإن قضية الاعتراف والايمان بأسبقية الرسالات السماوية على الرسالة الإسلامية، وتكامل الرسالة المحمدية معها يثبـّت دعائم الإخاء والتقارب والتفاعل مع أهل الكتاب حتى عاد الشعور الاسلامي عامة وسط تكامل الرسالات في ثقافته ومرجعياته الدينية يشعر أن الآخر جزء لا يمكن أن يتجزأ من عالمه وقوميته بل من ايمانه([11])، وكل هذا إنما هو ثمرة سبق القرآن الكريم بالدعوة إلى الحوار مع الاديان الإلهية الأُخر، ومن آثار خطابه للمؤمنين بالرسالات من الناس كافة فكانت دعوته الحوارية في محورين:

«أحدهما: يتمثل في دعوة المسيحية ـ بوصفها الرسالة الإلهية الأخيرة التي تكاملت مع سابقها ـ إلى الإيمان به باعتناقه والاعتراف له بأن يمثل الكلمة الأخيرة والكاملة في التأريخ الديني للإنسانية.

وثانيهما: يتمثل في دعوة المسيحية ـ إذا رفضت الإيمان به ـ إلى التعايش معه بعد الاعتراف به، إذ لا يمكن التعايش مع الرفض والإنكار المطلق »([12]).

ولا يخفي أن من لوازم هذه الدعوة، وظلالها أنها تفرق بين قضية التعايش مع الآخر، وقضية الايمان والاعتقاد، فشأن الإيمان والعقيدة وما تعلق بها في باب الجزاء أمر وشأن أُخروي، أما مسألة التعايش والتواصل فهومن صميم العلاقات الإنسانية الحياتية اليومية الدنيوية والتي يجب ألّا تتأثر بالاختلاف العقائدي الايماني، وإنما تحكمها منظومة القيم الدينية الرسالية المشتركة للحياة بين الناس([13]).

وليس أدل على هذا المعنى من دعوة النبي (صلى الله عليه واله وسلم) المسلمين إلى الهجرة إلى الحبشة حيث كان النصارى وعلى رأسهم النجاشي العادل الذي أمل المسلمون ألا يظلموا عنده، وفعلاً كان ذلك لهم فتعايشوا في أرض النصارى وبينهم ولم يكن في ذلك ادنى أشكال.

ومن الانعكاسات الفكرية والتجليات الحضارية المدنية لدعوة القرآن الحوارية، وأسسه الإيمانية بالرسالات السابقة أنك تجد صداها وحركيتها في منظومة أهل البيت(عليهم السلام)  وأتباعهم في تعاملهم مع الآخر ـ ولا سيما إذا اشتدت الخطوب، وقامت الفتن بفعل الظالميين ومن لا حريجة له في الدين والايمان ـ بترسيخ وجود الآخر، والحاجة إلى التفاعل معه ومشاركته العيش الكريم في الوطن، وتقاسم المسؤولية معه في سبيل الحفاظ على النسيج الإنساني والرسالي بين اتباع الاديان وما نعيشه اليوم من هجمات المتطرفين المتأسلمين على كل أصناف النسيج الإنساني دينيا، وعرقيا، وقوميا، في العراق لشاهد حيٌّ حاضر معاصر في أوساط الناس أجمعهم، وفيه هذا التلاحم بين أتباع الديانات والرسالات لدفع هذا الخطر في شتى أنواع المجالات والأُطر.

وعلى أية حال فالتعايش السلمي والتسامح بين الأديان أمر لا مفرَّ منه لبناء الإنسانية فكراً وحضارة، يقول الشيخ عبدالامير قبلان (طاب ثراه) وهو في معرض حديثه عن حالة التعايش مع الآخر في لبنان ـ مثال تتجلى فيه روح الإنسانية العصرية المتحضرة التي تتلألئ جواهرها بالتسامح والتآخي وروح المواطنة ـ معلقاً على كلام الإمام علي (عليه السلام) في وصيته للأشتر:

«وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان إما أخ لك في الدين وإما نظير لك في الخلق يفرط منهم الزلل، وتعرض لهم العلل، ويؤتى على أيديهم في العمد والخطأ، فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب أن يعطيك الله من عفوه وصفحه، فإنك فوقهم، ووالي الامر عليك فوقك، والله فوق من ولاك. وقد استكفاك أمرهم، وابتلاك بهم »([14]).

يقول (طاب ثراه): «من هذا المبدأ يجب أن ننطلق بالحوار، وعلى هذه القواعد يجب أن نؤسس ونبني لكي يكون للحوار الإسلامي ـ المسيحي معناه ومؤداه، فلا يبقى في دائرة التجاذبات والصراعات، وكي يقطع الطريق على كل من يحاول العمل على إثارة الفتن وتحريك العصبيات وتوظيفها لتكون في خدمة مصالحه، خصوصاً في بلدنا هذا الذي كان ولايزال وسيبقى بلد التعايش والانفتاح والتعددية رغم كل ما أصابه ولحق بصيغته من اهتزازات، وشعبه من مآس، حاولوا إلباسها في كثير من الحالات لباس الصراع الطائفي والمذهبي، فلبنان لا يستمر ولا يمكن أن يكون وطنا مستقراً لأي فئة من اللبنانيين، إذا لم ترسخ صيغته وتعزز نموذجيته، ويكون فيه العيش المسيحي ـ الإسلامي حالة ثابتة وراسخة لا تمسس ولا تهزَّ، ولا يجوز لأي فريق من الأفرقاء التلاعب بها أو التشويش عليها، فهي من أولى الأولويات وثابتة من دونها تسقط كل الثوابت، ومصدر متقدم في اساس وجود هذا البلد، فمن دون وجود مسيحي في لبنان يعني أن لبنان غير موجود، كذلك الحال بالنسبة إلى الوجود المسيحي في الشرق، فهذا الوجود ليس طارئاً ولا عابراً، بل هو مصدر غنى لمنطقتنا، ويجب أن يفعّل ويحافظ عليه، ويواجه بكل شدة كل من يحاول تقويضه أو زعزعته، فصراع الاديان غير موجود، ولا مكان له في الرسالات، إنما هو صراع السياسات التي تحاول الافساد في البر والبحر والسماء»([15])، وليس من البعيد على كل ذي لُبّ أن هذه الكلمات تحاكي واقعنا اليوم في ظل أجواء طارئة هدفها إفراغ المسيحيين من الشرق أو لتقل من العراق من الموصل وبغداد وهم اصل سكانه وأقدمهم تأريخا على أرضه، وهذا الموقف لرجل من رجال الإمامية، وهذه الكلمات ليست بدعاً من الأقوال أو المواقف لهم، إنما هي منظومة حركية فاعلة في الفكر الإمامي تجاه الآخر مثّله أهل البيت (عليهم السلام) وانسرب إلى أتباعهم، فكانت محصلته ذلك التقارب الرسالي بين اتباع الاديان، وتلك الروح السمحة التي تحاور وتناقش وتتفهم وتعي مقام الآخر، ومكانته الإنسانية والرغبة الصادقة في التعايش معه في أجواء بناء المواطنة الصالحة في كل اصقاع الدنيا، ولك أن تنظر في مواقف علماء المسلمين ومفكريهم، ولا سيما من الإمامية لترى واقعية ذلـك فكـراً وعملاً، مفـهوماً ومصداقاً([16])، ولعل ثمة معايير وشروط أُخر للحوار في بعديها الفني والفكري آليت الايجاز عن ذكرها، ويمكن لمن أراد الاستزادة منها أن يجدها في مظانها، وهي بلا شك تسعى لتحقيق أهداف وغايات ومقاصد رسالية.

ج) اهداف الحوار وغاياته:

تتجاوز أهداف الحوار ومقاصده الابعاد الشكلية المرحلية المؤقتة إلى رغبة استراتيجية في التعاون والتفاعل لدفع خطر التهميش والتحجيم الذي يهدد واقع الرسالات السماوية ومستقبلها. فلا مندوحة من القول أن غايات الحوار المهمة مثلما هي تجسيد لحقائق الايمان بالأديان الإلهية، وشرائع السماء في الدعوة إلى الله تعالى بالتي هي احسن وبالموعظة الحسنة، وتمثّل لسنة النبي وآله (عليهم السلام) ([17]) فهي كذلك وعي حضاري عصري مدني لتجاوز كل ما يعكّر اجواء التعايش السلمي بين الناس، والدعوة إلى روح التسامح والألفة بين البشر على اختلافهم وتنوعهم، ونبذ التطرف الديني الذي يسوغه بعضهم بدافع المحافظة على العقائد الدينيّة تحقيقاً لمكاسب عدوانية سياسية.

ولا ريب في أن عظم مقاصد الحوار تنبع من الحاجة الضرورية في اتجاهين:

الأول: يتصل بعلم الكلام واللاهوت، وايجاد تقارب ديني يفعل المشتركات الدينية الإيمانية، ويقوّض الاختلافات والمفارقات بين الاديان في سبيل إيجاد صيغة واعية للتعايش بين الأديان.

الثاني: وهو أكثر خطورة على صعيد واقع الرسالات ومستقبل استمرارها تجسيداً للإرادة الإلهية على هذه الأرض، وهو مواجهة التحديات العالمية العصرية في مجالات مختلفة منها ما يخص الحالة الايمانية بالله تعالى وتوحيده والايمان به، مقابل التوجهات الإلحادية والإشراكية، ومنها ما يتصل بالمنظومة القِيَميـَّة الروحية والاخلاقية التي بدأت التقدم المادي للحضارة الغربية وانعكاساتها المهددة للوجود الإنساني فكراً وعملاً، مادة وروحاً، فضلاً عن مجمل القضايا في مجالات السياسة والاقتصاد والأمن والسلم العالميين؛ إذ الغاية من الحوار توحيد الجهود في مجابهة هذه التحديات لا على مستوى البلد الواحد فحسب، أو الديانة الواحدة وكفى، وإنما يجب توحيد الجهود الحوارية الحقيقة المخلصة «لتصحيح مسار الحضارة المادية، واعادة الاعتبار الحقيقي إلى القيم الايمانية الفطرية في الإنسان، وجعل هذه القيم فاعلة ومؤثرة في الحياة... وجعل الحضارة الحديثة ذات ضمير اخلاقي ليمكّن اعادة بناء الإنسان الحديث»([18])، قِيَميـّا واخلاقياً بأجواء الرسالات النقية الصافية من الانحراف والشوائب؛ ولذا فإن غايات الحوار واهدافه تتبع بالضرورة موضوعاته ومجالاته.

(د) مجالات الحوار وموضوعاته:

لو تحدثنا عن مجالات الحوار والتعاون بين الرسالات لوجدنا فسحة كبيرة تكاد تشمل كل عناصر وأركان الرسالات والاديان، وهذا دليل ايجابي على حتمية الحوار الحقيقي غير الاستهلاكي، أو الشكلي في المجالات كافة للوصول إلى قاعدة بيانية مخطط لها تشمل العمل المشترك اتجاه القضايا المهمة سواءً في جانبها المعنوي، أو جوانبها المادية، وتحويل ذلك إلى مشاريع مشتركة يقسّم العمل فيها بحسب الخطط التي ترسم لها وبعبارة أُخرى:

يمكن القول: إن حتمية العمل المشترك بين الاديان والرسالات ليست مستحيلة ابداً، وذلك لوجود أصول ومقومات العمل المشترك فيها، واهمها مواجهة التحديات العصرية التي باتت تهدد حاضر الاديان ومستقبلها في كل منظوماتها؛ لذا فإن من العقلانية بمكان ايجاد فرصة العمل المشترك للقضايا المهمة الملحة اليوم من جهة، والتخطيط الاستراتيجي المستقبلي الاستشرافي التنبوئي للقادم من الازمان. حول القضايا التي هي مرتكزات، وعناوين محورية في العمل الرسالي في كل الاديان من جهة أخرى، ويمكن استغلال الطاقات المشتركة في العمل من اجل انضاج فكر قادر على استيعاب المتغيرات المادية والروحية القيمية فيها يومياً بفعل تسارع وتيرة التقدم العصري والمدني، ومعالجة الآثار والنتائج السلبية الناتجة عنها، وتوسيع دائرة الآثار الايجابية التي تخدم الجنس الإنساني عموماً، وهو غاية الرسالات الإلهية ولا اختلاف أو تعارض بين المقاصد والاهداف التي يسعى كل طرف لتحقيقها مادامت تصب وفقاً للشرائع الإلهية الحقة.

ويتسأل المفكر الاسلامي الشيخ شمس الدين (طاب ثراه): عن إمكان وجود ساحات مشتركة بين الاديان تكون مجالاً للعمل الموحد بينهما ينطلقان به للعالم وفقاً لقضايا (الإنسان، والمجتمع، والحضارة) ويحدد عدداً من الاصول الايمانية ذات الطبيعة الدينية مساحةً يمكن استغلالها واستثمارها في العمل المشترك من جهتين:

 الأُولى: ما يتصل بالمجالات الايمانية من جانب الاتفاق على المشتركات الكثيرة والكبيرة بينها.

 والثانية: من خلال هذا التأسيس الايماني يمكن مواجهة القضايا العالمية الإنسانية المعاصرة بلحاظ هذه المشتركات، ولاريب أن فيها ما يقدم حلولاً ناجعة لمشاكل الإنسان وتحدياته لمشاكل العصر في مختلف ابعادها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وأمنياً... الخ([19]).

النتيجة التي يخلص إليها علماء الإمامية في مجالات الحوار وموضوعاته أنه يمكن العمل في حيثيات متقابلة في آنٍ واحد:

 أولها: يتناول مجالات اللاهوت وعلم الكلام وقضايا أُخر تتعلق بعقائد الاديان والرسالات، والمفاهيم الخاصة بكل منها، ومحاولة التقريب الديني بين المفاهيم الدينية ومصاديقها العملية.

ثانيها: يتجاوز قضية اللاهوت وعلم الكلام ومسائله المشتركة إلى مساحات ومجالات عصرية فرضها الواقع العالمي والحضارة المدنية وتقدمها على الرسالات، فكان لابد من أن يكون للأديان السماوية رأيها، ووجودها في الحراك العالمي تجاه أزمات وقضايا معاصرة تتعلق بكل ابعاد الحياة ومن أهمها ابعاده الاجتماعية والاقتصادي والسلم العالمي. وما يزال ميدان العمل المشترك مفتوحاً والتحديات كبيرة لإثبات مكانة الرسالات واثرها الفعال في الواقع العالمي المتأزم وفي محافله الأميمية التي ما تفتأ كل يوم في مناقشه بعض الازمات العالمية التي هي اثر من آثار تجاوز المنظمومة القيمية الروحية والأخلاقية في الاديان والرسالات ومنها على سبيل المثال : مبدأ العدل والظلم، مبدأ العدوان، مبدأ المساواة بين الاعراق والاجناس البشرية، مبدأ نبذ التطرف والطائفية، مبدأ حقوق الإنسان (الطفل والمرأة، والأسرة) على وجه الخصوص.

 (هـ) مناهج الحوار وآلياته:

تتعدّد مناهج الحوار وآلياته عند المنظرين بحسب اجتهاداتهم من جهة، ورؤيتهم المعرفية بميدان العمل الاسلامي تجاه أهل الكتاب من جهة أُخرى، إلا أنهم يكادون يتفقون على أهم الخطوط العامة التي تشكل معلماً منهجياً يمكن من خلاله إدارة سبل الحوار ومسالكه، فضلاً عن آلياته ومراحله الفنية العملية (التنظيميّة)؛ وعليه يمكن الإشارة إلى اهم آلياته التنفيذية وأطرها المنهجية وهياكلها التنظيمية .

  • آليات الحوار:

يذهب كثير من المهمتين والمؤلفين في آفاق التواصل الحواري مع أهل الكتاب إلى اعتماد المشتركات الايمانية اللاهوتية أو العقائدية، وما يتصل بها من افكار قِيميـَّة اخلاقية وروحية، ولاريب في أن تفعيل المشتركات بين الاديان والرسالات آلية ناجعة في تقريب وجهات النظر، وتوحيد المفاهيم أو محاولة مد الجسور بينها([20]).

إن حيوية الرسالات والاديان في كنهها وأصول جوهرها، وواقع حركيتها تفرض ميدانا تتجانس فيه الافكار والرؤى والاجتهادات المفهومية والمصداقية للاهوت واصول العقائد، وكل ذلك لا يعني بالضرورة إلغاء مميزات الرسالات، أو خصوصيات الاديان وتفردها بمزايا الشرائع الخاصة المتناسبة مع كل زمان ومكان، فضلاً عن الشرائع الثابتة لكل دين والتي قد تتوحد مع ثابت الأديان الأُخر. أقول ليس من الضرورة أن تلغى مميزات الاديان وخصوصياتها سعياً في بناء سبل تواصلها، وإنما قد تكون هذه الخصوصيات والفرادة في كل دين، أو رسالة مصدر قوة وجذب وتكامل مع الآخر، فآليات الحوار لا تسعى إلى الإلغاء بقدر سعيها إلى( تفهّم الخصوصيات) ووعي التقارب الديني الرسالي، وتفعيل مظاهر وجواهر ومضامين التواصل في كل ما يتصل بجزئياتها، أو خطوطها العامة.

فوجود التنوع، أو الاختلاف كما في المفهوم الاسلامي (القرآني) لا يمثل عائقاً أمام تفعيل آليات الحوار، ولا سيما في القضايا المشتركة، لان الاسلام يفرق بين موقفه العقائدي من الاديان ـ وله وجهة نظره في مراحل تطورها بعد أنبيائها ورأيه في تدوين كتبها ـ من جهة، وموقفه من التعايش والتواصل والتعاون معها من جهة ثانية؛ لأن مفاهيمه العقائدية ومنظومته القِيميّة تقدم تصوراً واعياً كونياً للحياة والإنسان بشرائع تنظم علاقات الإنسان مع محيطه المختلف المتنوع المتعدد سلوكياً يقول العلامة الشيخ شمس الدين:

«لم يعكس الإسلام موقفه العقائدي (الكلامي اللاهوتي) الناقد للعقيدة المسيحية، كما مثلتها الكنيسة بعد المسيح، على موقفه الإنساني السلوكي الاجتماعي والسياسي، كان الموقف العقائدي موقفاً نقدياً، ولكن الموقف الإنساني الذي تدور في إطاره وعلى أساسه العلاقات الإنسانية كان موقفاً ايجابياً ومنفتحاً»([21]).

ويذهب العلامة شمس الدين إلى أن الحوار يتم عبر مرحلتين:

الأولى: يتم فيها الاتفاق على الاصول الإيمانية التي توجدها المشتركات بين الاديان.

 والثانية: تتبنى فيها دراسة ومواجهة التحديات العالمية الكبرى بصورة مشتركة انطلاقاً من المبادئ الايمانية التي اتفقوا على أساسها في المرحلة الأولى، وبذلك يكون الحوار في ابعاده كافة دينياً ايمانياً يحمل طابع العالمية والعصرية، وينتقل بها من حيز الايمان المشترك في القضايا الدينية العقائدية واللاهوتية إلى العمل المشترك في مجابهة القضايا المختلفة التي تهم الإنسانية في وقتنا الحالي، ويحدد عدداً من الموضوعات ذات الطبيعة الحضارية الحديثة، والتي يستلزم من الحوار بمرحلتيه أن يحدد موقفه منها، ويقدم حلولاً رسالية لمعضلاتها([22])، ويعتقد الباحث إن هذه الآلية الحوارية تجمع بين غايات الحوار واهدافه فكراً وعملاً، مفهوماً ومصداقاً، وتبني واقعاً من التواصل الحقيقي الفعلي بين الرسالات فيما إذا اتخذه أهل الرسالات مشروعاً للعمل الحواري الديني والحضاري.

 


([1]) ظ: الوجود المسيحي في الشرق/290، المسيحية في المفهوم الثقافي الاسلامي/275.

([2]) الغارات/1/69، وسائل الشيعة: 11/81، بحار الانوار: 34/30.

([3]) المسيحية في المفهوم الثقافي الإسلامي المعاصر/ 280.

([4]) في السياق نفسه إقرأ قوله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} (البقرة: 285)، وقوله جلّت قدرته: {قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} (آل عمران: 84).

([5]) في آفاق الحوار الاسلامي المسيحي/134.

([6]) الوجود المسيحي في الشرق/394.

([7]) المسيحية في المفهوم الثقا في الإسلامي المعاصر/274.

([8]) مسيحيون وشيعة/180.

([9]) ظ: حول الحوار مع العالم المسيحي/ 432، الوجود المسيحي في الشرق/ 394، المسيحية في المفهوم الثقافي الاسلامي المعاصر/ 274.

([10]) ظ: في آفاق الحوار الإسلامي المسيحي/259.

([11]) ظ: المسيحية في المفهوم الثقافي الاسلامي المعاصر/308.

([12]) المسيحية في المفهوم الثقافي الإسلامي المعاصر/ 310.

([13]) المصدر نفسه/ 288.

([14]) نهج البلاغة: 3/ 84.

([15]) الوجود المسيحي في الشرق ليس طارئاً ولا عابراً / 395-396.

([16]) ظ: على سبيل المثال: في آفاق الحوار الإسلامي المسيحي/63 .

([17]) ظ: مسيحيون وشيعة/184.

([18]) المسيحية في المفهوم الثقافي الاسلامي المعاصر/ 214، ظ: كذلك: في آفاق الحوار الإسلامي المسيحي /22.

([19]) ظ: المسيحية في المفهوم الثقافي الاسلامي المعاصر/317-320.

([20]) مسيحيون وشيعة/ 180، حوار مع العالم المسيحي/433.

([21]) المسيحية في المفهوم التقافي الإسلامي المعاصر/ 285، ظ: الرأي الآخر في الوحدة والتقريب/81.

([22]) ظ: المسيحية في المفهوم الثقافي الاسلامي المعاصر/ 320، 321.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .