المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9111 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
من هم المحسنين؟
2024-11-23
ما هي المغفرة؟
2024-11-23
{ليس لك من الامر شيء}
2024-11-23
سبب غزوة أحد
2024-11-23
خير أئمة
2024-11-23
يجوز ان يشترك في الاضحية اكثر من واحد
2024-11-23

Putrescine
23-10-2019
الاستهلاك المترف للبوتاسيوم
5-7-2019
المعتمد بالله وحروب الزنج
4-2-2018
خبر اليسع و ذي الكفل (عليه السلام)
11-9-2016
الفوتومترات
20-7-2016
الأطراف الرئيسية المتعاملة في السوق الدولية.
13-9-2016


الحكمة من غيبة الإمام المهدي (عليه السّلام) وفوائدها  
  
1944   02:47 صباحاً   التاريخ: 2023-07-28
المؤلف : الشيخ خليل رزق
الكتاب أو المصدر : الإمام المهدي ( ع ) واليوم الموعود
الجزء والصفحة : ص 269-278
القسم : سيرة الرسول وآله / الإمام محمد بن الحسن المهدي / الغيبة الكبرى / تكاليف المؤمنين في الغيبة الكبرى /

من الطبيعي أن يتبادر إلى الذهن سؤال يختلج في صدور جميع الناس ، وبالخصوص المرتبطين بنهج وخط أهل البيت عليهم السّلام . وهو أنه ما هي العلة في غيبة الإمام الحجّة المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف ، ولماذا لا يكون ظاهرا بين الناس ، يصبح ويمسي ويمشي في الأسواق كما كان كذلك أجداده الطاهرون صلوات اللّه عليهم أجمعين ؟

وقبل أن نتطرق إلى الإجابة عن هذا السؤال الهام لا بد من الإشارة أيضا إلى مسألة قد تكون الإجابة عليها أهم من السؤال عن الحكمة من الغيبة هي : إذا كان الإمام المهدي يعيش بشكل مخفي ومستتر فما هو الأسلوب الذي يتبعه لإمام عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف في احتجابه عن الناس ونجاته من براثن الظلم ؟

وهذا ما تكفل في الإجابة عنه العلامة السيد محمد الصدر في كتابه موسوعة الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف - تاريخ الغيبة الكبرى حيث أشار إلى وجود أطروحتين في أسلوب احتجاب الإمام عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف وهما :

الأولى - أطروحة خفاء الشخص :

وهي أن الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف يختفي جسمه عن الأنظار ، فهو يرى الناس ولا يرونه ، وبالرغم من أنه قد يكون موجودا في مكان إلّا أنه يرى المكان خاليا منه .

فقد أخرج الصدوق في إكمال الدين بإسناده عن الريان بن الصلت ، قال :

سمعته يقول : سئل أبو الحسن الرضا عليه السّلام عن القائم عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف ، فقال :

« لا يرى جسمه ولا يسمّى باسمه » .

وأخرج بإسناده عن الصادق جعفر بن محمد عليه السّلام في حديث : قال :

الخامس من ولد السابع يغيب عنكم شخصه ولا يحل لكم تسميته .

وأخرج أيضا بإسناده عن عبيد بن زرارة قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول :

« يفقد الناس إمامهم فيشهد الموسم فيراهم ولا يرونه » .

ثم قال : وهذه الأطروحة هي أسهل افتراض عملي لاحتجاب الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف عن الناس ونجاته من ظلم الظالمين ، فإن في اختفائه هذا يكون في مأمن قطعي حقيق من أي مطاردة أو تنكيل ، حيثما كان على وجه البسيطة .

وهذا الاختفاء يتم عن طريق الاعجاز الإلهي . كما تم طول عمره لمدى السنين المتطاولة بالإعجاز أيضا . . .

وهذا الاحتجاب قد يزول أحيانا ، عندما توجد مصلحة في زواله : كما لو أراد الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف أن يقابل شخصا من البشر لأجل أن يقضي له حاجة أو يوجّه له توجيها .

الثانية - أطروحة خفاء العنوان :

وهي أن الناس يرون الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف بشخصه بدون أن يكونوا عارفين أو ملتفتين إلى حقيقته .

وهذا أمر ممكن لأن الإمام عليه السّلام منذ طفولته عاش مختفيا لا يعرفه إلّا القلّة من أصحابه ، وكلما تقدّمت السنين في الغيبة الصغرى ، وتقدّمت الأجيال ، قل الذي عاصروه أو شاهدوه حتى انقرضوا ، ووجدت أجيال جديدة لا تعلم من أسلوب اتصالها بالإمام عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف إلّا الاتصال بسفيره على أقل تقدير وهكذا إلى أن انتهت الغيبة الصغرى وبدأت الغيبة الكبرى ، فصار هناك أجيال متعاقبة تجهل بشكله بالكلية ، ولا يعرفونه حتى ولو واجهوه .

ويمكن للإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف أن يعيش في أي مكان يختاره وفي أي بلد يفضله سنين متطاولة ، من دون أن يلتفت إلى حقيقته نظر أحد ، وتكون حياته في تلك الفترة كحياة أي شخص آخر يكتسب عيشه من بعض الأعمال الحرّة .

ويمكن الاستدلال على هذه الأطروحة بالأخبار الواردة بهذا الصدد منها :

ما أخرجه الشيخ الطوسي في الغيبة عن السفير الثاني الشيخ محمد بن عثمان العمري أنه قال :

« واللّه إن صاحب هذا الأمر ليحضر الموسم كل سنة يرى الناس ويعرفهم ويرونه ولا يعرفونه » .

والمقصود بصاحب هذا الأمر : الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف ، والمراد بالموسم موسم الحج .

ومنها : ما ورد من التوقيع الذي خرج من الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف إلى سفيره محمد بن عثمان ( رضي اللّه عنه ) يقول فيه :

« فإنهم إن وقفوا على الاسم أذاعوه ، وإن وقفوا على المكان دلّوا عليه » .

فهذه جملة من الأخبار الدالة على صحة الأطروحة الثانية ، وبطلان الأولى[1].

أما عن الحكمة من غيبته عليه السّلام فقد وردت أحاديث متعدّدة تذكر أسباب الغيبة وعللها وفوائدها ، وتبيّن وجه الانتفاع من وجود الإمام الغائب عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف .

وبعض هذه الأحاديث أشار إلى أن الغيبة سرّ من أسرار اللّه ، وعلينا أن نتعبّد بها من دون السؤال عن علّتها ، لأنها كانت عن إرادة حكيم لا شك أن في تقديره حكمة لا تنالها الأفهام القاصرة .

ومن هذه الأخبار ما رواه المجلسي عن الكليني ، عن إسحاق بن يعقوب أنه ورد عليه من الناحية المقدّسة على يد محمد بن عثمان : « وأمّا علّة ما وقع من الغيبة فإن اللّه عزّ وجل يقول : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ[2] إنّه لم يكن أحد من آبائي إلّا وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه ، وإنّي أخرج حين أخرج ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي ، وأمّا وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالإنتفاع بالشمس إذا غيّبها عن الأبصار السحاب ، وإنّي لأمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء ، فأغلقوا أبواب السؤال عمّا لا يعنيكم ، ولا تتكلّفوا على ما قد كفيتم وأكثروا الدّعاء بتعجيل الفرج ، فإن ذلك فرجكم ، والسلام عليكم يا إسحاق بن يعقوب وعلى من اتّبع الهدى[3].

ومنها ما رواه عن الصدوق أيضا عن جابر الأنصاري أنه سأل النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم هل ينتفع الشيعة بالقائم عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف في غيبته ؟

فقال صلّى اللّه عليه وآله وسلّم :

« إي والذي بعثني بالنبوّة إنّهم لينتفعون به ، ويستضيئون بنور ولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن جلّلها السحاب »[4].

ومنها ما رواه أيضا عن الصدوق في إكمال الدين بسنده عن عبد اللّه بن الفضل الهاشمي قال :

« سمعت الصادق جعفر بن محمد عليه السّلام يقول : إن لصاحب هذا الأمر غيبة لا بدّ منها يرتاب فيها كل مبطل ، فقلت له : ولما جعلت فداك ؟ قال : لأمر لم يؤذن لنا في كشفه لكم ، قلت : فما وجه الحكمة في غيبته ؟ فقال : وجه الحكمة في غيبته وجه الحكمة في غيبات من تقدّمه من حجج اللّه تعالى ذكره ، إن وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلّا بعد ظهوره كما لا ينكشف وجه الحكمة لما أتاه الخضر عليه السّلام من خرق السفينة ، وقتل الغلام ، وإقامة الجدار لموسى عليه السّلام إلّا وقت افتراقهما .

يا بن الفضل ، إن هذا الأمر أمر من أمر اللّه ، وسرّ من سرّ اللّه ، وغيب من غيب اللّه ، ومتى علمنا أنه عزّ وجل حكيم ، صدّقنا بأن أفعاله كلّها حكمة ، وإن كان وجهها غير منكشف لنا »[5].

ومن الأخبار التي أشارت إلى أسباب الغيبة .

ما رواه الشيخ الصدوق عن زرارة أنه قال :

« سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول : إن للقائم غيبة قبل ظهوره ، قلت :

ولما ؟ قال : يخاف - وأومأ بيده إلى بطنه - قال زرارة : يعني القتل »[6].

ومنها أيضا ما رواه عن زرارة عن أبي عبد اللّه الصادق عليه السّلام أنه قال :

« للقائم غيبة قبل قيامه ، قلت : ولما ؟ قال : يخاف على نفسه الذبح »[7].

ومنها ما رواه بسنده عن جميل ابن صالح ، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنه قال :

« يبعث القائم وليس في عنقه بيعة لأحد »[8].

فهذه الأخبار كما نلاحظ أنها قد وفّرت لنا الإجابة عن علّة الغيبة وحدّدتها بما يلي :

أولا : إنها سرّ من أسرار اللّه ، وغيب من غيب اللّه . فعلينا أن نؤمن بها من دون السؤال عن السبب بل على أنها فعل من اللّه عزّ وجل وأفعاله كلها حكمة وإن كان وجهها غير منكشف لنا .

ثانيا : أنها ليست أمرا غريبا بل أنها حصلت للإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف كما حصلت مع الكثير من أنبياء اللّه عزّ وجل .

ثالثا : أنها علّلت الغيبة بالخوف على النفس من القتل لكثرة الأعداء المتربصين .

رابعا : الخوف على الإمام عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف عند الظهور من الذبح .

خامسا : لكي لا يكون في عنقه بيعة لأحد من الناس .

نعم يمكن لنا أن نستنتج من هذه الروايات ومن الأحداث التي رافقت عملية ولادة الإمام عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف واستتاره عن الناس ووقوع غيبته مجموعة من الفوائد الأساسية لهذه الغيبة وهي[9]:

أولا : امتحان الناس واختبار مرتبة تسليمهم فقد كانت غيبة بعض الأنبياء الكرام عليهم السّلام من أهم ما امتحنت به الأمم السابقة ، فلا بد وأن يجري ذلك في هذه الأمة . من الاختبارات والامتحانات بأنواعها المختلفة .

والسبب في هذا الامتحان هو أن ينكشف حال الإنسان بالنسبة إلى نفسه حيث أنه يخفى كثيرا حال الإنسان على نفسه . فيهلك من هلك عن بيّنة ، ويحيى من حيا عن بينة .

والامتحان بغيبة الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف من أشد الامتحانات ، وإن المتمسّك فيها بدينه كالخارط للقتاد ، هذا مضافا إلى أن في التصديق والالتزام والإيمان بما أخبره النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم من الأمور الغيبية امتحانا ، وهو ثمرة صفاء الباطن .

فامتحان الناس بغيبته عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف يكون عملا وعلما وإيمانا ، أما عملا فلما يحدث في زمن الغيبة من الفتن الشديدة الكثيرة ووقوع الناس في بليّات عظيمة بحيث يصير من أصعب الأمور المواظبة على الوظائف الدينية ، وأما علما وإيمانا فلأنه إيمان بالغيب فلا يؤمن به إلا من كمل إيمانه وقويت معرفته .

والحاصل أن الناس ممتحنون في الإيمان باللّه والتسليم والتصديق بما أخبر به النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، إلّا أن الامتحان بالإيمان بالأمور الغيبية ربما يكون أشد من غيره ، وقد جاء وصف هؤلاء المؤمنين في قوله تعالى : ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ . . . وذلك لأن الإيمان بكل ما هو غيب عنا مما أخبر به النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم لا يحصل إلّا لأهل اليقين الذين نجوا من ظلمة وساوس الشيطان والشبهات .

ثانيا : مجازاة الأمة وتأديبها .

وذلك لأن الأمة إن لم تقم بواجبها تجاه الرسول والإمام من الامتثال لأوامره ونواهيه ومعاونته . بل عصته وتجاوزت الحد إلى أن صارت تؤذيه بكل وسيلة فإنه يجوز للإمام ترك هذه الأمة والاعتزال عنها لتأديبها وتحذيرها لعلها ترجع إلى الصواب وإلى رشدها وتدرك فوائد وجود الرسول والإمام بين أظهرها مبلغا هاديا ومرشدا داعيا .

والتاريخ يشهد لنا أن أهل البيت عليهم السّلام لاقوا أشد أنواع الأذى والشدائد من أسر وقتل وحبس وتشريد ونفي عن الأوطان مع عدم قيام الأمة بواجب حقّهم الذي أمرهم اللّه تعالى به وجعله أجر الرسالة .

والإمام المهدي المنتظر عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف قد أحاط علمه بجميع تلك الأخبار ، وعلم أن تلك الأعمال ستكون بالنسبة إليه أشد وأقسى وأمرّ لما علموا من سيرته عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف وأنه يخرج بالسيف فاعتزل واختفى حتى لا يعاملوه معاملة آبائه وأجداده الكرام ، ولم يفعل ذلك إلّا تأديبا وتنبيها للأمة .

فعن الإمام أبي جعفر عليه السّلام أنه قال :

« إن اللّه إذا كره لنا جوار قوم نزعنا من بين أظهرهم » .

وفي الحديث :

« إن أشد ما يكون غضب اللّه على أعدائه إذا افتقدوا حجته فلم يظهر لهم ، وقد علم اللّه عزّ وجل أن أوليائه لا يرتابون ولو علم أنهم يرتابون ما غيّب حجته طرفة عين عنهم ، ولا يكون ذلك إلا على رأس شرار الناس » .

فيحتمل أن تكون الجملة الأخيرة إشارة إلى أن الغضب في الغيبة مختص بالأشرار .

ثالثا : تكميل النفوس وتهذيبها .

فإن الناس يختلفون في درجة الاستعداد وتحمّل التكاليف ومنه منشأ اختلاف درجات الإيمان وارتقاء البشر من ناحية العلوم والمعارف لتكميل العقول ونضوجها ، وقد ورد في وصف أصحاب الحجة عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف أنهم العلماء والنجباء والقضاة والحكام رهبان بالليل ليوث بالنهار وهم أطوع له عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف من الأمة لسيدها وهم من خشية اللّه مشفقون يتمنون أن يقتلوا في سبيل اللّه .

فيصح ما ورد من الأخبار أن المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف إذا ظهر بالحق سيحكم بعلمه الواسع ، وينشر العلوم والمعارف الحقّة بين الناس ويكشف لهم الحقائق بعد أن كانت مخفيّة ، ويعيد ويجدد الدين الإسلامي غضّا سليما ، وينفي ويبعد منه ما التحق به من الشوائب والبدع حتى ليحسب الناس أنه جاء بدين جديد وكتاب جديد ، فإن سيرته عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف مبنيّة على الحقائق والحكم بالواقعيات ورفض التقية والتسامح في الأمور الدينية ، فالمهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف شديد على أهل المعاصي ومنكري الحق .

وبالتالي فإن هذه الإجراءات الإصلاحية ونشر الحقائق السليمة تحتاج إلى عقول أرقى وأنقى واستعداد أكمل وإلى نفوس زاكية صالحة وقلوب من خشية اللّه خاشعة وللوصول إلى الدرجات الغالية الراغبة .

فربما كان الغرض من تأخير ظهوره عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف وإدامة غيبته هو رجاء حصول هذا الرقي والكمال ببركة انتشار العلوم والمعارف المختلفة التي هي في تكامل يوما فيوما .

رابعا : الخوف من القتل .

فلأن الخوف من القتل هو أحد أهم الأسباب التي دعت الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف إلى الغيبة والاختفاء ، ويستفاد ذلك من بعض الأحاديث كما تقدم .

وفي بعض الأحاديث عن الإمام أبي جعفر عليه السّلام :

« أن في القائم من آل محمد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم شبها من خمسة من الرسل يونس بن متى ويوسف بن يعقوب وموسى وعيسى ومحمد صلوات اللّه عليهم . . . وأما شبهه من موسى فدوام خوفه وطول مدّته وخفاء ولادته وتعب شيعته من بعده بما لقوا من الأذى والهوان إلى أن أذن اللّه عزّ وجل في ظهوره ونصره وأيده على عدوّه . . . »[10].

فكان فرار موسى بن عمران عليه وعلى نبينا وآله الصلاة والسلام من مصر ووروده على شعيب بسبب الخوف من القتل .

قال تعالى :

فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ[11].

وهو الذي أوجب التجاء نبيّنا المعظّم صلّى اللّه عليه وآله وسلّم في شعب أبي طالب واختفاءه أخيرا في الغار حين أرادوا قتله .

والمهدي المنتظر عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف يخشى القتل لعدم وجود الأسباب العادية لنصرته وتقدّمه في دعوته ، وقوّة الأعداء ، فلا مفرّ له من الاعتزال والغيبة حتى يأتي اللّه تعالى بأمره .

قال الشيخ الطوسي ( رضوان اللّه عليه ) :

« لا علّة تمنع من ظهوره عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف إلّا خوفه على نفسه من القتل لأنه لو كان غير ذلك لما ساغ له الاستتار وكان يتحمّل المشاق والأذى ، فإن منازل الأئمة عليهم السّلام وكذلك الأنبياء عليهم السّلام إنّما تعظم لتحمّلهم المشاق العظيمة في ذات اللّه تعالى »[12].

 


[1] راجع تاريخ الغيبة الكبرى ، للسيد الصدر ، ص 31 - 36 .

[2] سورة المائدة ، الآية : 101 .

[3] البحار - المجلسي ، ج 52 ، ص 90 - 92 ، ح 7 .

[4] المصدر السابق ، ص 92 ، ح 8 .

[5] البحار - المجلسي ، ج 52 ، ص 91 ، ح 4 .

[6] إكمال الدين وتمام النعمة ، الشيخ الصدوق ، الباب 44 ، ح 9 - 10 و 2 ، ص 480 - 481 .

[7] إكمال الدين وتمام النعمة ، الشيخ الصدوق ، الباب 44 ، ح 9 - 10 و 2 ، ص 480 - 481 .

[8] المصدر نفسه .

[9] راجع الإمام المهدي وظهور ، السيد جواد الحسيني آل علي الشاهرودي ، ص 165 وما بعدها .

[10] إكمال الدين ، الصدوق ، باب ما أخبر به أبو جعفر عليه السّلام من وقوع الغيبة .

[11] سورة الشعراء ، الآية : 21 .

[12] البحار ، ج 52 ، ص 98 .




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.