أقرأ أيضاً
التاريخ: 31-8-2016
1310
التاريخ: 2023-06-21
1283
التاريخ: 31-8-2016
1052
التاريخ: 29-8-2016
1612
|
اشتهر أنّ اعتبار الرّوايات على أساس التقسيم الرباعي المبتني على ملاحظة السند، اصطلاح جديد حادث من زمن العلّامة وشيخه ابن طاووس رحمه الله، وكان القدماء يعوّلون على القرائن المفيدة للعلم أو الاطمئنان، فالصحّة عندهم احتفاف الخبر بالقرينة، وقيل: الصحيح عندهم ما علم صدوره من المعصوم (1).
ونحن في هذا البحث نتعرّض لبيان هذه القرائن.
قال شيخنا البهائي رحمه الله في محكي مشرق الشّمسين (2)، بعد ذكر تقسيم الحديث إلى الأقسام الأربعة: الصحيح، الحسن، الموثق، والضعيف: وهذا الاصطلاح لم يكن معروفا بين قدمائنا ... بل المتعارف بينهم إطلاق الصحيح على ما اعتضد بما يقتضي اعتمادهم عليه، واقترن بما يوجب الوثوق به والركون إليه، وذلك بأمور:
منها: وجوده في كثير من الاصول الأربعمائة الّتي نقلوها عن مشائخهم بطرقهم المتصلة بأصحاب العصمة، وكانت متداولة في تلك الأعصار مشتهرة بينهم اشتهار الشّمس في رابعة النهار (3).
ومنها: تكرّره في أصل أو أصلين منها فصاعدا بطرق مختلفة وأسانيد عديدة معتبرة (4).
ومنها: وجوده في أصل معروف الانتساب إلى أحد الجماعة الذين أجمعوا على تصديقهم كزرارة ومحمّد بن مسلم والفضيل بن يسار، أو على تصحيح ما يصحّ عنهم كصفوان بن يحيى ويونس بن عبد الرحمن والبيزنطي (5) أو على العمل برواياتهم كعمّار الساباطي، وغيرهم ممّن عدّهم شيخ الطائفة في العدّة (6).
ومنها: اندراجه في أحد الكتب الّتي عرضت على الأئمّة عليهم السلام فأثنوا على مصنفيها، ككتاب عبيد الله بن علي الحلبي، الّذي عرضه على الصّادق عليه السلام (7)، وكتابَي يونس بن عبد الرحمن، (8) والفضل بن شاذان (9)، المعروضين على العسكري عليه السلام.
وقال الشّهيد الثّاني في محكي شرح دراية الحديث:
قد كان استقرار أمر المتقدمين على أربعمائة مصنّف سمّوها أصولا، فكان عليها اعتمادهم (10).
ثمّ تداعت الحال إلى ذهاب معظم تلك الاصول، ولخصّها جماعة في كتب خاصّة....(11).
ومنها: كونه مأخوذا من الكتب الّتي شاع بين سلفهم الوثوق بها والاعتماد عليها، سواء كان مؤلّفوها من الفرقة الناجية المحقّة، ككتاب الصلاة لحريز بن عبد الله، وكتب ابني سعيد وعلي بن مهزيار، أو من غير الإماميّة، ككتاب حفص بن غياث القاضي، وكتب الحسين بن عبد الله السعدي، وكتاب القبلة لعلي بن الحسن الطاطري.
ثمّ إنّ المحدّث الحرّ العاملي بعد تعريفه القرينة بما ينفك عن الخبر وله دخل في ثبوته وتقسيمها إلى ما يدلّ على ثبوت الخبر عنهم عليهم السلام وعلى صحّة مضمونه، وإن احتمل كونه موضوعا، وعلى ترجيحه على معارضه، تعرّض لبيان القرائن، وإليك خلاصتها (12):
1. كون الرّاوي ثقة يؤمن منه الكذب عادة وكثيرا ما يحصل العلم بذلك، حتّى لا يبقى شك وإن كان الثّقة فاسد المذهب ... وهذا أمر وجداني يساعده الأحاديث المتواترة في الأمر بالعمل بخبر الثّقة والنهي عن العمل بالظّن (13).
2. ذكر الحديث في كتب من كتب الاصول المجمع عليها، أو في كتاب أحد من الثقات لأطلاق ما دلّ على حجية قول الثقات، حتّى وإن نقلوا عن ضعيف أو مرسلا، ومن المعلوم قطعا إنّ الكتب الّتي أمروا عليهم السلام بالعمل بها كان كثير من رواتها ضعفاء ومجاهيل، وكثير منها مراسيل (14).
وكون الحديث مأخوذا من الكتب المشار إليها يعلم بالتصريح وبقرائن ظاهرة في التهذيب والاستبصار والفقيه وغيرها.
3. كون الحديث موجودا في الكتب الأربعة ونحوها من الكتب المتواترة المشهود لها بالصحة (15).
4. كونه منقولا من كتاب أحد من أصحاب الإجماع (16).
5. كون بعض رواته من أصحاب الإجماع (17).
6. كون الحديث من روايات بعض الجماعة الّذين وثّقهم الأئمّة، وأمروا بالرّجوع إليهم والعمل برواياتهم (18).
7. كونه موافقا للقرآن، والمراد: الآيات الواضحة الدلالة، أو المعلوم تفسيرها عنهم عليهم السلام.
8. كونه موافقا للسنّة المعلومة.
9. كونه موافقا للضروريّات (19).
10. عدم وجود معارض وقد ذكر الشّيخ انّه يكون مجمعا عليه، لأنّه لولا ذلك لنقلوا له معارضا (20).
11. عدم احتماله للتقيّة (21).
12. تعلّقه بالاستحباب مع ثبوت المشروعيّة بأخبار من بلغ (22).
13. موافقته للاحتياط للأمر به في الأحاديث الكثيرة (23).
14. موافقته لدليل عقلي قطعي.
15. موافقته لإجماع المسلمين أو خصوص الإماميّة أو للمشهور منهم (24) أو لفتوى جماعة منهم (25).
يقول المحدّث النوري رحمه الله في جواب من قال بأنّ حكم الكليني بصحّة أحاديثه لا يستلزم صحّتها باصطلاح المتأخّرين:
بأن هذا وارد على من أراد أن يحكم بصحّة أحاديثه بالمعنى الجديد بمجرّد شهادته بها، وأمّا من كان الحجّة عنده من الخبر ما وثقّوا به أمثال ما ذكره الشّيخ البهائي وغيره من علماء الرجال من القرائن الموروثة للوثوق والاطمئنان بصدور الخبر لا بمضمونه، فشهادته نافعة (26).
أقول: مرّ أنّ المعتبر من الخبر ما وثق بصدوره، أو رواه الثّقة، وهذا ممّا لا شك فيه عندنا، لكن الكلام في حصول الاطمئنان من هذه القرائن، وهو غير حاصل لنا، فما ذكره هذا المحدّث لا يرجع إلى محصّل.
نقل ونقد:
أنكر المحدّث النوري أعميّة اصطلاح القدماء في الصحيح من اصطلاح المتأخّرين، وطالب البهائي وصاحب المنتقى رحمهما الله ـ بعد نقل كلامهما ـ بمأخذ هذه النسبة، فإنّه وجد أنّ القدماء يطلقون الصحيح غالبا على رواية الثّقة، ولم يجد في كلامهم ما دلّ على الأعميّة المذكورة.
ثمّ استظهر أنّ البهائي ومن تبعه اشتبه عليهم المعمول به بالصحيح، ولا ملازمة بينهما كما عند المتأخّرين، كالضعيف المنجبر والحسن عند من يرى حجيّته، ثمّ نقل كلام الشّيخ الطّوسي في أنّ العقل والكتاب والسنّة والإجماع مصحّحة متضمّن الخبر لا نفسه، واستشهد به على أنّ صحّة الخبر لا تكون بغير وثاقة الرّواة (27).
ثمّ ذكر كلام جماعة أرادوا اعتبار ما في كتبهم بدعوى أنّ ما فيها منقول من الثقات، وكذا كلام جماعة يفهم منه دوران الصّحة مدار الوثاقة والموثّقيّة.
أقول: يمكن أن يستدلّ على أعميّة اصطلاح المذكور بما يأتي عن مقدّمة: الكافي والفقيه من إطلاق الصحّة على رواياتهما لبعد اعتقاد الكليني والصّدوق رحمه الله وثاقة جميع رواة أخبار كتابيهما، فيكون التّصحيح مستندا إلى قرائن إحداها صدق الرّواة أو عدالتهم ظاهرا.
ومرّ قول السّيد المرتضى: أكثر أحاديثنا ... مقطوع على صحّتها إمّا بالتواتر ... وإمّا بعلامة وأمارة دلّت على صحتّها وصدق رواتها ... كيف ولو كان عملهم مقصورا على الصحاح بمعنى الاصطلاح الجديد؛ لاهتمّوا بوثاقة الرّواة؟
وهذا شيخ الطائفة وترجمان القدماء ـ بإقرار المحدّث النوري ـ لم يهتّم بالتعديل والتوثيق حقّ الاهتمام، ومن دقّق النظر في رجاله وفهرسته يعلم أنّ حجيّة الإخبار لم تكن عند القدماء مقصورة على الصحيح المصطلح عند المتأخّرين، وإلّا لأكثر الشّيخ من التوثيق.
وهنا شيء آخر، وهو أن الشّيخ ربّما ضعّف راويا في محلّ، ثمّ يقبل روايته في محلّ آخر، بل يخصّص بها روايات كثيرة كما قيل، نعم، هذا وقبله لا يدلّ على استعمال الصحيح في المعمول به.
ثمّ إنّ ثمرة إنكار النوري تظهر في قولهم أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عن جماعات، وفي قولهم فلان صحيح الحديث ونحوهما، فإنّه يحمل على وثاقة رواتها لا على مجرّد اعتبار رواياتهم، وقد تقدّم ضعفه.
وينبغي التنبيه على أمر:
وهو أنّه قد نسب إلى القدماء أو جمع منهم تفسير العدالة بالإسلام وعدم ظهور الفسق، فإذا احتملنا أن تصحيحهم الإخبار مستند إلى هذا المبني، الّذي لا نقول به، كيف نعتمد على حكمهم بالصّحة، وليس في كلام المحدّث ما يدلّ على أنّ القدماء لا يطلقون الصحيح على غير خبر الثقة، لكن الظاهر من كلام الشّيخ الأنصاري في رسالة العدالة إنّ القائل بهذا الّذي نسب إلى القدماء، إمّا غير ثابت، وأمّا نادر جدّا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وقد يقال: إنّ الصحة عندهم هي الصحة بعينها عند المتأخّرين، وسيأتي تفصيله عن قريب.
(2) وسائل الشّيعة: 20 / 65، (الطبعة المتوسّطة).
(3) حصول القطع أو الوثوق منه مختلف باختلاف الأشخاص فرب شخص يقطع لأجل وجود الحديث في ثلاثة أصول ورب شخص لا يقطع به إلّا إذا وجده في عشرة أصول مثلا، فليس لهذه القرينة ضابط، ولا مجال للردّ والالزام، لكن هذه القرينة مفقودة في أعصارنا.
(4) إذا كان صاحب الأصل ثقة، يكون حال التكرر ما تقدّم في القرينة الأولى. وإذا كان بعض أسانيده معتبرا فهو خارج عن محل النزاع.
(5) مرّ البحث حول هذا الموضوع في البحث الحادي عشر.
(6) ليس معنى العمل بروايات أحد الغضّ عن ضعف من قبله.
(7) واستحسنه وقال ليس لهؤلاء ـ يعني المخالفين ـ مثله نسبه الشّيخ إلى قيل، وفي النجاشي: وعرضه على أبي عبد الله عليهالسلام وصحّحه ... ولكنّه مرسل.
(8) وفي النجّاشي بسند صحيح عن الجعفري: عرضت على أبي محمّد صاحب العسكري عليهالسلام كتاب يوم وليلة ليونس، فقال: «تصنيف من هذا؟» فقلت: تصنيف يونس آل يقطين، فقال: «أعطاه الله بكلّ حرف نورا يوم القيامة».
(9) نقل الكشّي روايتين ضعيفتين دلالة وسندا في حقّ كتاب يوم وليلته.
(10) كاعتمادنا على الكتب الأربعة، وأمثالها غير المنافي لضعف بعض رواياتها، وإلّا فهو مطالب بدليله، والظاهر أنّه نفسه أيضا يذهب إلى ما قلنا، كما يفهم من سيرته في الفقه.
(11) وسائل الشّيعة: 20 / 67.
(12) المصدر: 20 / 93 وما بعدها.
(13) الكثرة ممنوعة، والجمع بين الطائفتين يقتضي تخصيص الثانية بالأولى، فهو اشتبه بين التخصيص والتخصّص، على أنّ العمل إنّما هو بالأدلة القاطعة لحجيّة الأمارات الظّنية لا بالظّن نفسه، ثمّ أقول: هنيئا للمحدّث رحمه الله وأمثاله ممّن يتيسر لهم العلم بخبر الواحد الثّقة، وأنّي لنا ولأمثالنا ذلك.
(14) لا إجماع على حجيّة تمام روايات أصل من الاصول، وأمّا الإطلاق الّذي ادّعاه فهو واضح الفساد، ودعواه القطع ممنوعة، ولو فرض إثبات أمره عليهالسلام بالعمل بكتاب، أصبح رواياته صحيحة؛ لأجل هذا الأمر، لا لأجل أسانيدها الأوّلى، ففيه مغالطة واضحة.
(15) يأتي ضعفه مفصلا في محله.
(16) مرّ ما فيه.
(17) ضعّفناه سابقا، فلاحظ البحث الحادي عشر.
(18) ليس فيه زيادة على حجيّة قول الثّقة ولا يمكن أن يكون أزيد منها، ولا يدل على اعتبار نقل الضعفاء والوضاعين والمجهولين بعد الثّقة المذكور، وقبله.
(19) الوجوه الثّلاثة لا توجب حجيّة الخبر وصدوره بل هي تصحّح مضمون الخبر.
(20) واضح الضعف وكلام الشّيخ في الاستبصار غير دال عليه كما تخيّله هو.
(21) وهو كما ترى؛ فانّه إهمال لاحتمال الوضع والكذب!
(22) أخبار من بلغ تثبت استحقاق الثواب على العمل رجاء، ولا تثبت صدور الخبر الضعيف.
(23) هذه قرينة لصحة مضمون الخبر، لا لصدوره، ومثله الأخيران.
(24) بناءً على أنّ الشّهرة الفتوائيّة جابرة، لكن القول بها ضعيف عندنا.
(25) ضعفه ظاهر.
(26) خاتمة مستدرك الوسائل: 3 / 536.
(27) لكنّه لم يأت بالشّاهد على ذلك في المقوية لصدور الخبر، وكلام الشّيخ في القرائن المقويّة لمضمون الخبر.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|