أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-05-06
578
التاريخ: 2024-01-08
919
التاريخ: 2-2-2023
1159
التاريخ: 2024-01-16
909
|
نماذج من براعة لسان الدين في القدح
واعلم أن لسان الدين ابن الخطيب رحمه الله تعالى الغاية في المدح والقدح، فتارة على طريق الترسل، وطوراً على غيرها، وقد أقذع وبالغ رحمه الله تعالى في هجو أعدائه بما لا تحتمله الجبال، وهو أشد من وقع النبال، ومنه ما وصف به الوزير، الذي كان استوزره السلطان إسماعيل بن الأحمر الثائر على سلطان ابن الخطيب، حسبما سبق الإلمام بذلك، والوزير هو إبراهيم بن أبي الفتح الأصلع الغوي، إذ قال في المذكور وفي ابن عمه محمد بن إبراهيم بن أبي الفتح العقرب
138
الردي، بعد كلام، ما صورته:
وما ظنك برجل مجهول الجد، موصوم الأبوة إلى أن قال: تنور خبز، وبركة مرقة، وثعبان حلواء وفاكهة، مغي في شح النفس، متهالك في مسترذل الطبع [ ... ] (1) ، عليه العذيوط (2) الغبي ابن عمه بسذاجة، زعموا، مع كونه قبيح الشكل، بشيع الطلعة، إلى أن قال: وفي العشر الأول من رمضان عام واحد وستين وسبعمائة تقبض على الوزير المشؤوم، وابن عمه الغوي الغشوم، وولد الغوي مرسل الظفيرة أبعد الناس في مهوى الاغترار يختال في السرق والحلية (3) ، سم من سم القوارير، وابتلاء من الله لذوي الغيرة، يروح نشوان العشيات، يرقص بين يديه ومن خلفه عدد من الأخلاف (4) ، يعاقرون النبيذ في السكك الغاصة، وولد العقرب الردي بضده قماءة وتقطباً، تنهوا عنهما العيون، ويبكي منهما الخز، كأنهما صمتاً عند المحاورة وإظلاماً عند اللألاء، من أذلاء بني النضير، ومهتضمي خيبر، فثقفا ملياً، وبودر بهما إلى ساحل المنكب.
قال المخبر: فما رأيت منكوبين أقبح شكلاُ، ولا أفقد صبراُ، من ذينك التيسين الحبقين، صلع الرؤوس، ضخام الكروش، مبهوري الأنفاس، متلجلجي الألسنة، قد ربت بمحل السيف من عنق كل جبار منهما شحمة أترجية كأنها سنام الحوار، لا يثيرون دمعاً، ولا يستنزلون رحمة، ولا يمهدون عذراً، ولا يتزودون من كتاب الله آية، قد طبع الله على قلوبهم، وأخذهم ببغيهم، وعجل لهم سوء سعيهم. وللحين أركبوهم وجراءهم - يعني أولادهم - في جفن غزوي (5) تحف بهم المساعير من الرجال، واقتفى بهم أثر قرقورة تحمل حاجاً إلى الإسكندرية تورية بالقصد، فلما لججوا قذف بهم في لجة بعد استخلاص
139
ما ضبثوا به (6) ، وتلكأ الأصلع الغوي فأثبت بجراحة أشعر بها هديه، واختلط العقرب الردي فنال من جناب الله سخطاً وضيقاً، تعالى الله عن نكيره، فكان فرعون هذا الزمان جبروتاً وعتواُ وميتة، عجل الله لهم العذاب، وأغرقهم في اليم.
فانظر كيف كان عاقبة الظالمين، فسبحان من لا تضيع الحقوق مع عدله، ولا تنفسخ الآماد مع منازعة رداء كبريائه، مرغم الأنوف، وقاطع دابر الكافرين، وفي ذلك أقول مستريحاً وإن لم يكن - علم الله تعالى - شاني، ولا تكرر في ديواني:
وما كنت ممن يدخل العشق قلبه ... ولكن من يبصر جفونك يعشق (7)
ومن أمثالهم " من استغضب فلم يغضب فهو حمار " والله سبحانه يقول ومن أصدق من الله قيلا " وجزاء سيئة سيئة مثلها " والعفو أقرب للتقوى والقرب والبعد بيده سبحانه. وصدرت هذه الكلمة لحين تعرف إجلائهم في الجفن إلى الإسكندرية، وبعد ذلك صح هلاكهم:
كن من صروف الردى على حذر ... لا يقبل الدهر عذر معتذر
ولا تعول فيه على دعة ... فأنت في قلعة وفي سفر
فكل ري يفضي إلى ظمإ ... وكل آمن يدعو إلى غرر
كم شامخ الأنف ينثني فرحاً ... بال عليه زمانه وخري
قل للوزير البليد قد ركضت ... في ربعك اليوم غارة الغير
يا ابن أبي الفتح نسبة عكست ... فلا بفتح أتت ولا ظفر
وزارة لم يجد مقلدها ... عن شؤمه في الوجود من وزر
في طالع النحس حزت رتبتها ... وكل شيء في قبضة القدر
140
أي اختبار لم تأل نصبته ... في جسد للنحوس أو نظر
بات له المشتري على غير ... وأحرقت فيه قرصة القمر
يا طللاً ما عليه من عمل ... يا شجراً ما لديه من ثمر
يا مفرط الجهل والغباوة لا ... يحسب إلا من جملة البقر
يا دائم الحقد والفظاظة لا ... يفرق بين ظالم وبري
يا كمد اللون ينطفي كمداً ... من حسد يستطير بالشرر
يا عدل سرج يا دن مقتعد ... ملآن من ريبة ومن قذر
يا واصلاً للجشاء ناشئة اللي ... ل ورب الضراط في السحر
من غير لب ولا مراقبة ... لله في مورد ولا صدر
يا خاملاً جاهه الفروج يرى ... صهر أولي الجاه فخر مفتخر
كانوا نبيطاً في الأصل أو حبشاً ... ما عنده عبرة بمعتبر
يا ناقص الدين والمروءة والعق ... ل ومجري اللسان بالهذر
يا ولد السحق غير مكتم ... حديثه، يا ابن فاسد الدبر
يا بغل طاحونة يدور بها ... مجتهد السير مغمض البصر
في أشهر عشرة طحنتهم ... فيها رحى الشؤم والبوار در
والله ما كنت يا مشوم ولا ... أنت سوى عرة من العرر
ومن أبو الفتح في الكلاب وهل ... لجاه في الأنام من خطر
قد ستر الدهر منك عورته ... وكان لليوم غير مستتر
حانوت بز يمشي على فرش ... وثور عرس يختال في حبر
لا منة تتقى لمعترك ... ولا لسان يبين عن خبر
ولا يد تنتمي إلى كرم ... ولا صفاء يريح من كدر
عهدي بذلك الجبين قد ملئت ... غضونه الغبر بالدم الهدر
141
عهدي بذلك القفا الغليظ وقد ... مد لوقع المهند الذكر
أهدتك للبحر كف منتقم ... ألقتك للحوت كف مقتدر
يا يتم أولادك الصغار ويا ... حيرتهم بعد ذاك في الكبر
يا ثكل تلك الصماء أمهم ... وظاعن الموت غير منتظر
والله لا نال من تخلفه ... من أمل بعدها ولا وطر
والله يا مسخفان لا انتقلت ... رجلك منها إلا إلى سقر
ألحفك (8) الله بالهوان ولا ... رعاك فيمن تركت من عرر
ما عوقب الليل بالصباح وما ... تقدم البرق عارض المطر
انتهى، وقال مورياً بدم الأخوين، في شأن سلطان تلك الدولة الذي أضحى أثراً بعد عين (9) :
بإسماعيل ثم أخيه قيس ... تأذن ليل همي بانبلاج
دم الأخوين داوى جرح قلبي ... وعالجني، وحسبك من علاج
وهذه تورية بديعة، لأن الأطباء يقولون: إن في خاصية دم الأخوين النفع من الجراح.
وقال رحمه الله تعالى: قلت في رأس الغادر بالدولة حين عرض علي:
في غير حفظ الله من هامة ... هام بها الشيطان في كل واد
ما تركت حمداً ولا رحمة ... في فم إنسان ولا في فؤاد
وقال أيضاً في تلك الدولة بعد كلام، ما نصه:
" وانتدب قاضيهم الشيخ المتراخي الدبر والفك، المنحل العصب والعقدة،
142
المعرق في العمومية، المشهور بقبول الرشوة، أبو فلان ابن فلان، الغريب السم والولاية، ومفتيهم معدن الرياء والهوادة، والبعد عن التخصص والحشمة، والمثل في العماه، والطرف في التهالك على الحطام، فلان البناء، المسخر في بناء الحفيرة، المستخدم في دار ابنه أجيراً، مختضباً بالطين، مضايقاً في رمق العيشة، وحسبك به دليلاً على الحياء وفضل البنوة، فلفقوا من خيوط العناكب شبهات تقلدوا بها حل العقد الموثق، ديدنهم في معارضة صلب الملة بالآراء الخبيثة، يتحكم الوقاح منهم في الحكم الذي نزل به شديد القوى على الذي لا ينطق عن الهوى، بحسب شهوته، تحكمه في غزل أمه إيثاراً للعاجل، بالوعيد، ففسخوا النكاح، وحللوا محرم البضع للدائل، وقد تأذن الله بفسخه، وأجرى دمه نقداً قبل دفع فقده، سبحانه حكم الحكام، وقاهر الظلام، وباء مشيخة السوء بلعنة الله وسوء الأحدوثة، ومن يلعن الله فلن تجد له نصيراً "؛ انتهى.
ومن كلامه في " نفاضة الجراب "، وقد ذكر وزير المغرب محمد بن علي مسعود ما ملخصه: " وانه مجنون، أحول العين، وحش النظرة، يظن به الغضب في حال الرضى، يهيج به المرار فيكمن زماناً خلف كلة مرقده، يدخل إليه وعاء الحاجتين خوفاً من إصحاره إلى فضاء منزله، وتوحشه من أهله وولده، إلى أن تضعف (10) سورة المرة فيخف أمره، قد باين زوجه مع انسحاب رواق الشبيبة، وتوفر داعية الغبطة، لحلف جره الوسواس السوداوي، نستدفع بالله سر بلائه، فاستعان مستوزره منه برأي الفضل بن سهل ويحيى بن خالد وأمثالهما، تدارك الله رمق الإسلام بلطفه "؛ انتهى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بياض بمقدار كلمة في ص.
(2) العذيوط: الذي يسلح حين ينزل أثناء المباشرة.
(3) ق: في السرق والحرير والحلية؛ والسرق هو الحرير.
(4) الأخلاف: جمع خلف وهو الرديء الذي لا خير عنده.
(5) أي سفينة حربية.
(6) ضبثوا به: قبض عليهم بسببه.
(7) البيت للمتنبي من قصيدته " لعينيك ما يلقى الفؤاد وما لقي ".
(8) ق ص: ألحقك.
(9) أزهار الرياض 1: 274..
(10) ق: تعصف، وهو غير مناسب للمعنى.
دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) . |
جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) . وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً . |
الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل. |
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|