أقرأ أيضاً
التاريخ: 17-12-2015
![]()
التاريخ: 15-12-2015
![]()
التاريخ: 13-3-2016
![]()
التاريخ: 16-12-2015
![]() |
دور ذكر المعاد في الهداية والتربية
القرآن الكريم كتاب يهدف إلى هداية وتربية الإنسان: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2] ، وبما أن أهم عامل في هداية الإنسان هو الاعتقاد بالقيامة وذكر المعاد، وإن نسيان "يوم الحساب" سبب أساسي للفساد ونزول العذاب: {لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} [ص: 26] لذلك فقد جاء ذكر المعاد والقيامة في الكثير من آيات القرآن الكريم.
وبنسيان يوم الحساب، فإن تهذيب الروح لن يتحقق حتى إذا اعتقد الإنسان بالربوبية المطلقة لله سبحانه، وانه يربي ويدبر العالم بأسره، لكن إذا رأى الإنسان نفسه مسؤولا أمام رب العالمين، واعتقد بأن أمامه يوما يسأل فيه عن جميع أعماله، فهذا الاعتقاد مؤثر في تهذيب وتزكية روحه.
في سورة الحمد المباركة، جاء ذكر ملكية (يوم الدين) إلى جانب ذكر الرحمة الإلهية، وذلك لكي يربي الناس بين الخوف والرجاء. فلو أنت الله سبحانه وصف بالرحمن والرحيم فقط، وكان الحديث مقتصرة على جانب رحمة الله فحسب، لكان ذلك مشجعة على تجري الناس وغرورهم، لكن إذا عرف الله الرحمن الرحيم بصفة (مالك يوم الدين) أيضا، فإن الإنسان سيتحرك بين الخوف والرجاء، لأنه يعلم أن يوم الجزاء فيه جنة كلها رحمة، وفيه جهنم محرقة أيضا ليس فيها شيء من الرحمة: "دار ليس فيها رحمة"(1).
والله سبحانه يربي الناس بين الخوف والرجاء، ولهذا ترى القرآن في مقام الحث على طلب العلم أيضا، لا يتحدث في البداية عن مدح العلم وعدم استواء العالم والجاهل، بل يتحدث عن التهجد والدعاء والمناجاة والبكاء في أعماق الليل والسجود والقيام فيه ويذكر خوف الآخرة وتعلق القلب برحمة الله؛ وبعد هذا يقول هل يستوي العلماء مع الجهال؟: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9](2). فالعلم أداة ووسيلة للعمل وليس هدفا، وقيمته تحصل بعد التهذيب والتقوى والتزكية، والتزكية تتحقق بواسطة السير بين الخوف والرجاء.
والإنسان لا يمكنه أن يعلق الأمل بنتيجة عمله أبدا، وأن يعتمد على هذا الأمل، لأن الإنسان إذا لم يراقب نفسه ولم يسلم أمره إلى الله، فيحتمل في أي لحظة أن يفقد إيمانه ويصبح كافرة. كما أنه من الممكن أن يستيقظ القلب في اللحظات الأخيرة، فيلتفت إلى الله ويصبح الكافر مؤمنا. إذن، ينبغي أن يخاف الإنسان من عاقبة أمره و ويعلق أمله برحمة الله.
والآية الأخرى التي تبين التربية الإلهية للإنسان بواسطة الحركة بين ا الخوف والرجاء هي: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (14) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الأنعام: 14، 15].
هاتان الآيتان الكريمتان تبينان ذلك التقسيم الثلاثي للعباد الذي ذكرته الروايات: وهو أن قوما عبدوا الله خوفا من النار وقوما عبدوه ل شوقا إلى الجنة، وفئة ثالثة وهم الأحرار الذين عبدوا الله حبا له.
وفي هاتين الآيتين ذكر في البداية الفئة الثالثة وهم الأحرار الذين يتخذون الله وليا بما أنه {فاطر السماوات والأرض}، لا لأنه أنعم عليهم، ولا خوفا من عقابه لو خالفوه وعصوه. وهذه عبادة الأحرار الذين يعيشون تحت ولاية الله.
والفئة الثانية تذكر الله بعبارة (يطعم ولا يطعم) وتعبده بما أنه يربي عباده سواء كان ذلك في الدنيا أو في الجنة بالإنعام والإطعام، فهذه العبادة ناشئة من حب النعمة والشوق إلى الجنة.
والفئة الثالثة هم أصحاب عبادة الخوف والعبيد الذين شعارهم: إننا لو عصينا فنحن نخاف العذاب الأليم يوم القيامة.
وعليه، فإن الخوف والرجاء يذكران سوية في المنهج التعليمي الديني. وأسماء الله الحسني الأخرى مثل "رب العالمين" و"الرحمن" و"الرحيم" مثيرة لعوامل الرغبة والشوق عند الإنسان، ولكن "مالك يوم الدين" تثير عوامل الخوف والرهبة عنده، لأنها تدل على أن من يسلك سبيل المعصية، ويدنس نفسه بها فهو سيبتلى بالعقاب الذي يظهر في القيامة، وسيكون عقابه بيد الله الذي تحدث عن نفسه لغرض التهديد والتخويف" في خطابه وتحذيره للقائلين بأن عيسى (عليه السلام) هو الله، فقال: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا } [المائدة: 17] (4) فالقصد هو أن الله الذي تظهر ملكيته المطلقة في القيامة بهذا الشكل ويغير نظام الكون بنحو أسرع من البرق ينبغي أن يخاف منه.
والخلاصة هي أن الاسم المبارك: {مالك يوم الدين} إضافة إلى كونه حد وسطة للبرهان على إثبات حصر الحمد بالله سبحانه، وكذلك هو حلقة ربط بين الآيات السابقة واللاحقة، فقد ذكر إلى جانب الرحمن الرحيم) لكي لا تكون عبادة الإنسان وميوله أحادية الجانب بل تتأرجح دائمة بين الخوف والرجاء.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. نهج البلاغة، الكتاب 27، المقطع10.
2. سورة الزمر، الآية 9. في هذه الآية الكريمة تعلق الرجاء برحمة الله، ولكن الخوف تعلق بالعاقبة لان الله مصدر الرحمة واسناد الغضب إليه بالعرض لا بالذات.
3. عبرت الروايات عن هذا الزمن القصير ب(فواق ناقة) وهي الفترة القصيرة التي تفصل بين قبض أصابع الكف وبسطها عند حلب الناقة.
4. الآية المذكورة ناظرة إلى أصل التخويف ولا اختصاص لها بالمعاد.
|
|
التوتر والسرطان.. علماء يحذرون من "صلة خطيرة"
|
|
|
|
|
مرآة السيارة: مدى دقة عكسها للصورة الصحيحة
|
|
|
|
|
مجلةٌ عالميةٌ تنشر تفاصيل مشروع ملف تفويض المؤلِّفين العراقيين لحفظ التراث الفكري
|
|
|